فاطمة الزهراء أسوة للفتيات في الأمور الاجتماعية والثقافية
السيد حسين الهاشمي
منذ يومينتُعتبر فاطمة الزهراء، ابنة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، رمزًا خالدًا في التاريخ الإسلامي، وليس فقط لكونها ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل لأنها تمثل نموذجًا رفيعًا يُحتذى به في مختلف مجالات الحياة، سواء الاجتماعية أو الثقافية. وُلدت فاطمة في مكة، ونشأت في كنف أسرة كانت محط الأنظار والإعجاب، حيث كانت تُمارس القيم النبيلة التي تجسد العدالة، المحبة، والتسامح. بالنسبة للفتيات، تقدم فاطمة الزهراء سلام الله عليها مثالًا حيًا يمكنهن الاعتماد عليه في تحقيق الذات والمساهمة الفعالة في المجتمع. تتميز حياة فاطمة الزهراء سلام الله عليها بالشجاعة والتحدي، إذ عانت الكثير من الصعوبات والمحن، ومع ذلك، لم تتخلى عن مبادئها. كانت لها دور فعّال في القضايا الاجتماعية، حيث قامت بحماية حقوق النساء ودعم أفراد عائلتها، مما يعكس أهمية التعاون والتضامن الاجتماعي. فاطمة لم تُعرف فقط كأم وزوجة، بل كانت أيضًا ناشطة اجتماعية وصوتًا يعبر عن الحق والعدالة.
إن دراسة حياة فاطمة الزهراء ليست مجرد استعراض لتاريخها، بل هي دعوة لكل فتاة وسيدة لتسليح نفسها بالمعرفة والقيم النبيلة، وتفعيل دورها في مجتمعاتهن. في هذا المقال، سنستعرض نقاط القوة في شخصية فاطمة الزهراء، وكيف يمكن أن تكون مصدر إلهام للنساء في العصر الحديث، حيث يتطلب الموقف الراهن وجود أصوات نسائية قوية وملهمة في جميع المجالات، من التعليم إلى العمل الاجتماعي، ومن الفنون إلى السياسة. فيمكن للفتيات أن يتعلمن كيفية التغلب على التحديات والمساهمة بإيجابية في مجتمعاتهن عند جعل هذه السيدة العظيمة أسوة في حياتهن، مما يعزز من مكانتهن ويوفر لهن الأدوات اللازمة لتحقيق أحلامهن وأهدافهن. فالسيدة فاطمة سلام الله عليها، إذن، ليست مجرد شخصية تاريخية، بل هي نموذج يُلهم الأجيال القادمة، وينبغي علينا أن نُكَرّس جهودنا لاستعادة قيمها ومبادئها في عالم يتغير باستمرار.
العلم والتعليم
إن فاطمة الزهراء سلام الله عليها هي أساس العلم والمعرفة، لأنها الحجة على الخلق أجمعين. فهي المصدر الذي جعله الله سبحانه وتعالى لنا لنتعرف من خلاله على العلوم المختلفة. إنها العالمة بذاتها بجميع العلوم التي نعرفها، والعلوم التي لا نعرفها. ومن هنا، تكون أسوة للفتيات المسلمات، حتى يسعين في طلب العلم واكتساب المعرفة، كي يجعلن مولاتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليها قدوة لهن في كافة المجالات، خصوصاً في الجوانب العلمية والمعنوية. فقد روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: « إِنَّ الله جَعَلَ عَلِیاً وَ زَوْجَتَهُ وَ أَبنائه وَ حُجَجَاً علی خَلْقِهِ وَ هُمْ أَبْوابُ العِلْمِ فِي أُمَّتي مَنِ اهْتَدی بِهِمْ هُدِي إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیم » (1).
وفاطمة الزهراء سلام الله عليها كانت تعلم النساء العلوم الدينية والمعارف الإسلامية. فقد روي عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام: « حضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام ، فقالت : إن لي والدة ضعيفة ، وقد لبس عليها في أمر صلاتها شئ ، وقد بعثتني إليك أسألك ، فاجابتها فاطمة عليها السلام عن ذلك ، فثنت فأجابت ، ثم ثلثت إلى أن عشرت فأجابت ، ثم خجلت من الكثرة فقالت : لا أشق عليك يا ابنة رسول الله : قالت فاطمة عليها السلام : هاتي وسلي عما بدا لك ، أرأيت من اكتري يوما يصعد إلى سطح بحمل ثقيل وكراه مائة ألف دينار ، يثقل عليه؟ فقالت : لا ، فقالت : اكتريت أنا لكل مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤا ، فأحرى أن لا يثقل علي ، سمعت أبي صلوات الله عليه يقول : إن علماء شيعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات ، على كثرة علومهم ، وجدهم في ارشاد عباد الله ، حتى يخلع على الواحد منهم الف الف حلة من نور ، ثم ينادي منادي ربنا عز وجل: أيها الكافلون لأيتام آل محمد عليهم السلام ، الناعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم أئمتهم ، هؤلاء تلامذتكم والأيتام الذين كفلتموهم ونعشتموهم ، فاخلعوا عليهم خلع العلوم في الدنيا ، فيخلعون على كل واحد من أولئك الأيتام ، على قدر ما أخذوا عنهم من العلوم » (2).
المشاركة في الأمور الاجتماعية
على الرغم من التحديات التي واجهتها، بما في ذلك فقدان والدها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والظروف الاجتماعية الصعبة التي تلت ذلك، إلا أن فاطمة الزهراء عليها السلام ظلت متمسكة بمبادئها. كانت تُظهر قوة الإرادة والثبات في مواقفها، مما يُعتبر درسًا مهمًا للفتيات في كيفية التمسك بمبادئهن وقيمهن في مواجهة التحديات. إن القدرة على الثبات على المواقف الصحيحة تُعد من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها الأفراد في المجتمع.
إحدى أبرز مصاديق حضور فاطمة الزهراء سلام الله عليها في الاجتماع هي حضورها في المسجد النبوي بعد وفاة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ودفاعها عن أميرالمؤمنين عليه السلام في مقابل جمع غزير من المهاجرين والأنصار. فقد روي أنها قالت: « فَلَمَّا اِختارَ اللَّـهُ لِنَبِیهِ دار اَنْبِیائِهِ وَ مَأْوی اَصْفِیائِهِ، ظَهَرَ فیكُمْ حَسْكَةُ النِّفاقِ، وَ سَمَلَ جِلْبابُ الدّینِ، وَ نَطَقَ كاظِمُ الْغاوینَ، وَ نَبَغَ خامِلُ الْاَقَلّینَ، وَ هَدَرَ فَنیقُ الْمُبْطِلینَ، فَخَطَرَ فی عَرَصاتِكُمْ، وَ اَطْلَعَ الشَّیطانُ رَأْسَهُ مِنْ مَغْرَزِهِ، هاتِفاً بِكُمْ، فَأَلْفاكُمْ لِدَعْوَتِهِ مُسْتَجیبینَ، وَ لِلْغِرَّةِ فیهِ مُلاحِظینَ، ثُمَّ اسْتَنْهَضَكُمْ فَوَجَدَكُمْ خِفافاً، وَ اَحْمَشَكُمْ فَاَلْفاكُمْ غِضاباً، فَوَسَمْتُمْ غَیرَ اِبِلِكُمْ، وَ وَرَدْتُمْ غَیرَ مَشْرَبِكُمْ. هذا، وَ الْعَهْدُ قَریبٌ، وَالْكَلْمُ رَحیبٌ، وَ الْجُرْحُ لَمَّا ینْدَمِلُ، وَ الرَّسُولُ لَمَّا یُقْبَرُ، اِبْتِداراً زَعَمْتُمْ خَوْفَ الْفِتْنَةِ، اَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا، وَ اِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحیطَةٌ بِالْكافِرینَ. ثُمَّ لَمْ تَلْبَثُوا اِلی رَیثَ اَنْ تَسْكُنَ نَفْرَتَها، وَ یسْلَسَ قِیادَها،ثُمَّ اَخَذْتُمْ تُورُونَ وَقْدَتَها، وَ تُهَیجُونَ جَمْرَتَها، وَ تَسْتَجیبُونَ لِهِتافِ الشَّیطانِ الْغَوِي، وَ اِطْفاءِ اَنْوارِالدّینِ الْجَلِي، وَ اِهْمالِ سُنَنِ النَّبِی الصَّفِي، تُسِرُّونَ حَسْواً فِی ارْتِغاءٍ، وَ تَمْشُونَ لِاَهْلِهِ وَ وَلَدِهِ فِی الْخَمَرِ وَ الضَّرَّاءِ، وَ نَصْبِرُ مِنْكُمْ عَلی مِثْلِ حَزِّ الْمَدی، وَ وَخْزِ السنان فی الحشا. وَ اَنْتُمُ الانَ تَزْعُمُونَ اَنْ لااِرْثَ لَنا أَفَحُكْمَ الْجاهِلِیةِ تَبْغُونَ، وَ مَنْ اَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ حُكْماً لِقَومٍ یوقِنُونَ، أَفَلاتَعْلَمُونَ؟ بَلی، قَدْ تَجَلَّی لَكُمْ كَالشَّمْسِ الضَّاحِیةِ أَنّی اِبْنَتُهُ » (3).
القناعة والحياة البسيطة
تعتبر القناعة من أهم القيم التي تجسدها شخصية فاطمة الزهراء عليها السلام. فقد عاشت حياة بسيطة. كانت تعتبر القناعة من أكبر النعم، وقد أظهرت أن السعادة لا تأتي من المال أو المظاهر، بل من الرضا الداخلي والشعور بالامتنان. إن هذا المفهوم يُعد درسًا مهمًا للفتيات، حيث يُشجعهن على تقدير ما لديهن والسعي للرضا بدلاً من التطلع إلى ما ليس لديهن. فقد روي حول صداق فاطمة الزهراء سلام الله عليها: « صداق الزهراء سلام الله عليها كان قماشا من الكتان اليماني وجلد شاة غير مدبوغ وعشب عطر وبناء على بعض منها أنّ صداقها كان درع وجلد شاة أو جلد جمل غير مدبوغ » (4).
فاطمة الزهراء عليها السلام كانت تُظهر أهمية الاعتماد على النفس والعمل الجاد. كانت تُساعد زوجها أميرالمؤمنين عليه السلام في الأعمال المنزلية وتقوم بأداء المهام اليومية بنفسها. إن هذا السلوك يُظهر قيمة العمل والمثابرة، ويُعزز فكرة أن الفتيات يجب أن يكن قادرات على الاعتماد على أنفسهن وتحمل المسؤوليات. إن الاعتماد على النفس هو جزء أساسي من القناعة، حيث يُعزز الشعور بالاستقلالية والثقة بالنفس. فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « تقاضى علي وفاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الخدمة ، فقضى على فاطمة بخدمة مادون الباب ، وقضى على علي بما خلفه ، قال : فقالت فاطمة فلا يعلم ما داخلني من السرور إلا الله بإكفائي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحمل رقاب الرجال » (5).
الإيثار والتضحية بالنفس
تواجه الفتيات في حياتهن العديد من التحديات، وقد تكون الأزمات فرصة لإظهار قيم الإيثار والتضحية. فاطمة الزهراء عليها السلام كانت قدوة في كيفية التعامل مع الأزمات، حيث واجهت الصعوبات بثبات وصبر. كانت تُظهر قوة الإرادة والتصميم في مساعدة الآخرين، مما يُعزز فكرة أن الإيثار يمكن أن يكون مصدر قوة في مواجهة التحديات. إن هذا الدرس يُشجع الفتيات على الوقوف مع الآخرين في الأوقات الصعبة. فقد روي عن أبي سعيد الخدري: « أَصْبَحَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَاتَ يَوْمَ سَاغِباً، فَقَالَ: يَا فَاطِمَةُ، هَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ تُطْعِمِينِي قَالَتْ: وَ الَّذِي أَكْرَمَ أَبِي بِالنُّبُوَّةِ، وَ أَكْرَمَكَ بِالْوَصِيَّةِ، مَا أَصْبَحَ عِنْدِي شَيْءٌ يَطْعَمُهُ بَشَرٌ، وَ مَا كَانَ مِنْ شَيْءٍ أُطْعِمُكَ مُنْذُ يَوْمَيْنِ إِلَّا شَيْءٌ كُنْتُ أُوثِرُكَ بِهِ عَلَى نَفْسِي وَ عَلَى الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ. قَالَ: أَ عَلَى الصَّبِيَّيْنِ؟ أَ لَا أَعْلَمْتَنِي فَآتِيَكُمْ بِشَيْءٍ قَالَتْ: يَا أَبَا الْحَسَنِ، إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ إِلَهِي أَنْ أُكَلِّفَكَ مَا لَا تَقْدِرُ» (6).
1) عوالم العلوم (للمحدث الشيخ عبدالله البحراني) / المجلد: 11 / الصفحة: 107 / الناشر: مؤسسة الإمام المهدي – قم / الطبعة: 1.
2) مستدرك الوسائل (للمحدث الشيخ حسين النوري) / المجلد: 17 / الصفحة: 318 / الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام – قم / الطبعة: 1.
3) بحارالأنوار (للعلامة محمدباقر المجلسي) / المجلد: 29 / الصفحة: 215 / الناشر: دار إحياء التراث – بيروت / الطبعة: 1.
4) مناقب آل أبي طالب (لإبن شهرآشوب) / المجلد: 3 / الصفحة: 351 / الناشر: المكتبة الحيدرية – النجف الأشرف / الطبعة: 1.
5) بحار الأنوار (للعلامة محمدباقر المجلسي) / المجلد: 43 / الصفحة: 81 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
6) الأمالي (للشيخ الطوسي) / المجلد: 1 / الصفحة: 616 / الناشر: دار الثقافة – قم / الطبعة: 1.
التعلیقات