السِّحر والزَّواج: هل السِّحرُ من أسبابِ تأَخِّرِ الزَّواج؟ (مكتوبة) -
هل السِّحرُ من أسبابِ تأَخِّرِ الزَّواج؟
هناك أمورٌ تُؤثِّرُ في قرارِ الفتاةِ المخطوبةِ ، وتُؤَثِّرُ أيضاً على قرارِ الخاطِبِ بعدَ ما قصدَ الزواجَ من الفتاةِ ولكن فجئةً يتغيَّيرُ القرارُ من دونِ أيِّ مُبَرِّرٍ ، من تلك الأمورِ المهمَّةِ التي قد تكونُ دخيلةً في خرابِ وتعطيلِ أمرِ الزواجِ يُقالُ أنَّهُ السحرُ ، نعم السحرُ هل له حقيقةٌ ، وهل يمكن أن يَتَدَخَّلَ في قضيّةِ الزواجِ أم إنّهُ مجرّدُ قصَّةٍ لا واقعَ لها ؟
إنّ حقيقةَ السِّحرِ ووجودَهُ أمرٌ مما لا شكَّ فيه ولا يمكن لأحدٍ أن يُنكِرَ وجودَه ، لأنَّ اللهَ سُبحانَهُ وتَعالى ذَكَرَ هذا الأمرَ في القرآنِ الكريمِ في عدّةِ آياتٍ :
“إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ”، (سورة طه، الآية: 69)
“سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ”، (سورة الأعراف، الآية: 116)
“وجَاءُوا بسِحرٍ عظيمٍ”، (سورة الأعراف، الآية: 116)
“يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ”، (سورة طه، الآية: 66)
نَعَم من الممكنِ للسحرِ أن يُدَمِّرَ مُستَقبلَ الفتاةِ المخطوبةِ ويُؤثِّرَ على قَرارِها ، وفي بعضِ الأحيانِ يُؤَثّرُ على قرارِ أهلِها ، وقد يكونُ تأثيرُهُ على الخاطِبِ وعائلتِهِ ، وقد يكونُ عَمَلُ السِّحرِ بقصدِ تعطيلِ الزَّواجِ أو بقصدِ تفريقٍ بينَ الزَّوجةِ وزَوجِها كما ذكرَ اللهُ تَعالى ذلكَ الأمرُ في القرآنِ الكريم : : ﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ (سورة البقرة : الآية 102).
وهناك وسائلُ وإجراءاتٌ وقائيّةُ شرعيّةُ يُمكِنُ اللُّجوءُ إِليها في هذهِ الحالاتِ لكي يَتَحَصَّنُ بها المرءُ ويَكُونَ في رِعايَةِ اللهِ بعيداً عن هذهِ الأُمورِ الشَّيطانِيّةِ ، وخيرُ ما يَستَعينُ بِهِ الإِنسانُ هو القرآنُ الكريمُ وذلكَ حَيثُ يَقولُ اللهُ تَعَالى في مُحكَمِ كتابِهِ : (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا). (سورة الإسراء، الآية: 45)
إلیكَ عَوذَةٌ لإِبطالِ السِّحرِ مِن أمیرِ المُؤمنینَ علیهِ السلامُ:
عن أميرِ المُؤمنينَ عليهِ السَّلامُ قالَ : أكتُب في رقِّ ظَبيٍ وعَلِّقهُ عَلَيكَ : بِسْمِ الله وَبِاللهِ بِسْمِ اللهِ ماشاءَ اللهُ وَلاحَولَ وَلاقوَةَ إِلاّ بِاللّهِ. قالَ موسى : (ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إنَّ الله سَيُبْطِلَهُ إنَّ الله لايُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدينَ) (سورة يونس : الآية ٨١.) ، (فَوَقَعَ الحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرينَ)(سورة الأعراف : الآية ١١٩.) (مفاتيح الجنان : الشيخ عباس القمي، المجلّد : 1 / الصفحة : 809).
أيضاً جاءَ في الکُتُبِ لِدَفعِ الشَّياطينِ والسَّحَرَةِ هذهِ الکَلِماتُ:
رُوِيَ عن النَّبيِّ صَلّى اللهُ علَيهِ وآلِهِ إِقرَأ آيةَ السُّخرةِ وهي : (إنَّ رَبُّكُمْ اللهُ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ في سِتَّةِ أيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرْشِ يُغْشي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلِبَهُ حَثيثاً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجومَ مُسَخَّراتٍ بِأمْرِهِ أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ العالَمِينَ أَدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إنَّهُ لا يُحبُّ المُعْتَدينَ وَلا تُفْسِدوا في الأَرضِ بَعْدَ إصْلاحِها وادْعوهُ خَوفاً وَطَمَعاً إنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَريبٌ مِنَ المحُسِنينَ) (سورة الأعراف : ٥٤ ـ ٥٦) .. وفي بعضِ الرواياتِ اقرَأها إلى : (تَبارَكَ اللُه رَبُّ العالَمينَ) (مفاتيح الجنان : الشيخ عباس القمّي، المجلّد : 1 / الصفحة : 810) .
وعن النَّبيِّ صلّى اللهُ علَيهِ وآلِهِ : ما أَنبَتَ الحَرمَلُ مِن شَجَرَةٍ ولا وَرَقَةٍ ولا ثَمَرَةٍ إِلّا ومَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِها ، حتّى تَصيرَ حُطاماً ، وأَنَّ في أَصلِها وفَرعِها نَشرَةُ (حِرزٍ مِنَ الغَمِّ والسِّحرِ) وأَنَّ في حَبِّها الشِّفَاءُ من اثنينِ وسبعينَ داءً فتَداوَوا بها وبالكُندُرِ. (مفاتيح الجنان : الشيخ عبّاس القمي، المجلّد : 1 / الصفحة : 810).
ورُوِيَ أيضاً أنَّه إذا تَغَوَّلَت الغِيلانُ فَأَذِّنُوا بأَذانِ الصَّلاةِ. (مفاتيح الجنان : الشيخ عباس القمي، المجلّد : 1 / الصفحة : 810).
و أَیضاً جاءَ في الأخبارِ بعضُ الصَّلَواتِ والأذکارِ لِتَسریعِ أَمرِ الزَّواج:
أَيضاً جاءَ في كتابِ الهدايةِ عن الإمامِ عليهِ السلامُ قال : إذا أراد الرجلُ أَن يَتَزَوَّجَ، فَليُصلِّ رَكعَتَينِ، ويَرفَعُ يَدَهُ إِلى اللهِ عَزّ وجَلَّ، ويقولُ اللّهُمَّ إنّي أُريدُ أن أَتزَوَّجَ، فَسَهِّل لي مِنَ النِّساءِ أَحسَنَهُنَّ خَلقاً، وأَعَفَّهُنَّ فَرجاً وأَحفَظَهُنَّ لي في نَفسِها ومالي، وأَوسَعَهُنَّ رِزقاً، وأَعظَمَهُنَّ برَكَةً، واقضِ لي منها وَلَداً يَحمَدُ رَبّي حليماً صالحاً في حياتي وبعدَ مَوتي، ولا تجعَل للشيطانِ فيهِ شَريكاً ولا نصيباً (كتاب الهداية، الشيخ الصدوق، المجلد : 1، الصفحة : 67)
لكن هل السِّحرُ هو سَبَبُ عَدَمِ الزَّواج؟
كثيراً ما انشغل الناس وباتوا في حيرةٍ من أمرِهِم، حتّى قالوا بأَنَّ أكثرَ المشاكلِ الّتي تعرقل الزواجَ هي مِن السِّحرِ: البِنتُ لا تتزوَّجُ لأنَّها مَسحُورَةٌ ، وأَنَّ الرَّجُلَ لا يَتَزَوَّجُ لأَنَّهُ مَسحُورٌ ، والإِنسانُ لا يَنجَحُ في عَمَلِهِ لأَنَّهُ مَسحُورٌ ، و طالِبُ المدرَسَةِ يَرسِبُ في امتِحانِهِ لأَنَّهُ مَسحُورٌ ، وكُلُّ أَمرٍ لا يَكُونُ على مِزَاجِهِم يقُولُونَ يَعتَبِرُونَهُ مَسحُوراً.
فبدلاً من إلقاءِ اللَّومِ على السِّحرِ في كُلِّ مَشاكِلِ الزَّواجِ ، دَعُونا نَجعَلُ طَريقَ الزَّواجِ يَسيراً على الشَّبابِ ، إِنَّ كَثيراً من النّاسِ يَلجَأُ لهذا التفسيرِ السِّحريِّ كنَوعِ مِنَ الُهرُوبِ مِنَ الواقِعِ، أو لأَنَّهُ يَجِدُ نَفسَهُ عاجِزاً عن تحقيقِ شَيءٍ فيُوهِمُ نَفسَهُ وغَيرَهُ أَنَّهُ مَسحُورٌ، وأَنَّهُ مَغلُوبٌ على أَمرِهِ، فمِن أَكبَرِ العَوائِقِ الَّتي تُعَرقِلُ الزَّواجَ في العصرِ الحَدِيثِ هو غَلَاءُ المهُورِ، حَيثُ ارتَفَعَت المهُورِ بصورةٍ جَعَلَت الشَّبابَ يُعرِضُ عَنِ الزَّواجِ، وأَيضاً كثرَةُ الأَعباءِ الماليَّةِ الَّتي تُلقَى على عاتِقِ الرَّجُلِ، حيثُ يَطلُبُ منهُ أَهلُ الفَتَاةِ أشياءً كثيرةً أغلَبَها مِنَ الكَمالِيّاتِ وهو ما يَتَسَبَّبُ إلى إِرهاقِ الرَّجُلِ ومِن ثَمَّ هُرُوبِه .
قال النَّبيُّ الأَكرَمُ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ : إِذا جاءَكُم مَنْ تَرضَونَ خُلُقَهُ ودِينَهُ فَزَوِّجُوهُ ، إِلَّا تَفعَلُوهُ تَكُن فِتنَةٌ في الأَرضِ وفَسادٌ كَبِيرٌ.( تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، المجلد : 7، الصفحة : 396)
التعلیقات