حدّ الزاني المحصن والزانية المحصنة
السيّد جعفر علم الهدى
منذ سنتينحدّ الزاني المحصن والزانية المحصنة
الأحكام الإسلاميّة خصوصاً الجزائيّة نزلت تدريجاً ، وبحسب مساعدة الظروف ؛ فالمسلمون الأوائل لم يكونوا مكلّفين حتّى بالصلاة ، حيث قال الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله : « قولوا لا إله إلّا الله تفلحوا ». ثمّ نزل حكم وجوب الصلاة ، ثمّ الصوم ، ثمّ الزكاة ، ثمّ الحجّ. وهكذا بالنسبة إلى المحرّمات.
ولذا نرى أنّ الآيات التي تحرم الخمر تراعي تدريجيّة الحكم ؛ لأنّ الناس كانوا يشربون الخمر ويدمنون شربه ، وكانوا يقامرون ومعتادين على القمار وشرب الخمر ، بنحو يصعب عليهم تركهما ؛ فنزل أوّلاً قوله : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ) [ البقرة : 219 ] ، وهذا ليس صريحاً في الحرمة ، بل بيان لضرر الخمر والقمار. ثمّ نزل قوله تعالى : ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [ المائدة : 90 ] ، فأمر المسلمين بالاجتناب عن الخمر والميسر. ولما لم يتركوا شرب الخمر والقمار ، نزلت الآية الثالثة لتأكيد الحرمة : ( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) [ المائدة : 91 ].
وهكذا لما كان الزنا متعارفاً في الجاهليّة ، نزلت الأحكام الجزائيّة بالنسبة الى الزاني والزانية على نحو التدريج ، لذا نرى أن جزاء الزانية في ابتداء الإسلام كان هو الحبس في البيت. قال الله تعالى : ( وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّـهُ لَهُنَّ سَبِيلًا * وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّـهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) [ النساء : 15 ـ 16 ].
لكن بعد ذلك وحينما رسخت العقيدة الإسلاميّة في النفوس ، أنزل الله تعالى حدّ الزاني والزانية ؛ فقال : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ ... ) [ النور : 2 ].
وبناءاً على ذلك نقول : يمكن ان لم يكن مصلحة في بيان حدّ الرجم « للزاني المحصن والزانية المحصنة » في القرآن الكريم ، وان يذكر على لسان النبي صلّى الله عليه وآله ، فاكتفى الله تعالى بذكره في السنّة النبويّة التي هي المرجع في أكثر الأحكام الإلهيّة وتفاصيلها وشرائطها ، حيث قال الله تعالى : ( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) [ الحشر : 7 ] ، وقال تعالى : ( مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ) [ النساء : 80 ] ، وقال تعالى : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) [ النجم : 3 ـ 4 ].
والأحاديث من طرق أهل السنّة والشيعة تذكر بوضوح ان الرجم هو حدّ للزاني المحصن والزانية المحصنة ، ولا يمكن انكار هذا الحكم بعد ثبوته في السنّة النبويّة الشريفة :
أمّا من طرق السنّة : ففي صحيح البخاري ومسلم وغيرهما ، عن عبدالله بن عبّاس قال : سمعت عمر وهو على منبر رسول الله صلّى الله عليه وآله يخطب ويقول : انّ الله بعث محمّداً بالحق وانزل عليه الكتاب ، فكان مما انزل الله عليه : « آية الرجم » ، فقرأنا ووعيناها ، ورجم رسول الله صلّى الله عليه وآله ورجمنا بعده ، فأخشى ان طال بالناس زمن ان يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله ، فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله في كتابه ، فان الرجم في كتاب الله حق على من زنا إذا احصن من الرجال والنساء اذا قامت البيّنة ... [ جامع الأصول / ج 4 / 264 ].
ومن الطريف ان عمر بن الخطاب يدعي وجود آية الرجم وهي غير موجودة في قرآننا الفعلي ؛ فعمر يدعي وقوع التحريف والنقيصة في القرآن.
في صحيح مسلم والترمذي ، عن عبادة بن الصامت ، انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : خذوا عني خذوا عني ، قد جعل لهنّ سبيلاً ، البكر بالبكر جلد مائة ونفى سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم. [ جامع الأصول / ج 4 / 264 ]
إلى غير ذلك من الأحاديث.
وأمّا من طريق الشيعة : ففي وسائل الشيعة للحرّ العاملي ج 18 / ص 346 الى 350 روايات تذكر حكم الرجم ، وفي باب / ص 351 الى 354 روايات تذكر معنى وحدّ الاحصان الموجب للرجم.
روايات الكليني في الكافي بسنده الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبدالله « الصادق » عليه السلام قال : الرجم حدّ الله الأكبر ، والحدّ حدّ الله الأصغر ، فإذا زنى الرجل المحصن رجم ولم يجلد.
وروى بسنده عن محمّد بن قيس والرواية الصحيحة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال : قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الشيخ والشيخة ان يجلّدا مائة ، وقضى للمحصن الرجم وقضى في البكر والبكرة اذا زنيا جلد مائة ونفى سنة في غير مصيرهما.
وروى بسنده عن سماعة عن أبي عبدالله عليه السلام قال : الحر والحرّة اذا زنيا جلد كلّ واحد منهما مائة جلدة ، فأمّا المحصن والمحصنة فعليهما الرجم.
التعلیقات