صفة الجنة وأهلها ونعيمها
علي موسى الكعبي
2024 Apr 21صفة الجنة وأهلها ونعيمها
صفة الجنة : وهي الدار التي أعدّها الله سبحانه لمن عرفه وعبده من المتقين والمؤمنين والصالحين ، ونعيمها دائم لا انقطاع له ، وهي دار البقاء ، ودار السلامة ، لا موت فيها ولا هرم ولا سقم ، ولا مرض ولا آفة ، ولا زوال ولا زمانة ، ولا غمّ ولا همّ ، ولا حاجة ولا فقر ، وهي دار الغنى والسعادة ، ودار المقامة والكرامة ، لا يمسّ أهلها فيها نصب ، ولا يمسّهم فيها لغوب ، ولهم فيها ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين ، وهم فيها خالدون ، وهي دار أهلها جيران الله وأولياؤه وأحبّاؤه ، وأهل كرامته (١).
أهل الجنّة : ( أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (٢).
وصف القرآن الكريم الفائزين بالنعيم المقيم والملك العظيم ، بأنّهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، والذين اتقوا ربهم ، والذين آمنوا بالله ورسله ، وأطاعوا الله ورسوله ، والذين صبروا ابتغاء وجه الله ، وأقاموا الصلاة ، وانفقوا مما رزقهم الله سرّاً وعلانية ، والصديقون والشهداء ، والذين اتّبعوا هدى الله ، والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله ، والذين خافوا مقام ربهم ونهوا النفس عن الهوى ، والذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ، والذين هاجروا في سبيل الله ثم قُتِلوا أو ماتوا ، وعباد الله المخلصون ، والذين آمنوا بآيات الله وكانوا مسلمين ، ويتبعهم من صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم المؤمنين ، وكلّ أواب حفيظ ، من خشي الرحمن بالغيب ، وجاء بقلب سليم (٣).
وجاء عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصف ما كان عليه أهل الجنة في الدنيا ، وذلك فيقوله تعالى : ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ) (٤) قال عليه السلام : « قد اُمِن العذاب ، وانقطع العتاب ، وزُحزحوا عن النار ، واطمأنّت بهم الدار ، ورضوا المثوى والقرار ، الذين كانت أعمالهم في الدنيا زاكية ، وأعينهم باكية ، وكان ليلهم في دنياهم نهاراً ، تخشّعاً واستغفاراً ، وكان نهارهم ليلاً توحّشاً وانقطاعاً ، فجعل الله لهم الجنة مآباً ، والجزاء ثواباً ، وكانوا أحق بها وأهلها ، في ملك دائم ، ونعيم قائم » (٥).
أقسام المقيمين فيها : ذكر الشيخ المفيد أن الساكنين في الجنة على ثلاثة أضرب ، وهم :
١ ـ من أخلص لله تعالى ، فذلك الذي يدخلها على أمانٍ من عذاب الله.
٢ ـ من خلط عمله الصالح بأعماله السيئة ، وكان يسوّف منها التوبة ، فاخترمته المنية قبل ذلك ، فلحقه خوف من العقاب في عاجله وآجله ، أو في عاجله دون آجله ، ثم سكن الجنة بعد عفو الله أو عقابه.
٣ ـ من يتفضّل عليه الله سبحانه بغير عملٍ سلف منه في الدنيا ، وهم الولدان المخلدون ، الذين جعل الله تعالى تصرّفهم لحوائج أهل الجنة ثواباً للعاملين ، وليس في تصرّفهم مشاقّ عليهم ولا كلفة ، لأنّهم مطبوعون إذ ذاك على المسارّ بتصرفهم في حوائج المؤمنين (٦).
صفة نعيم الجنة : حُفّت الجنة بأنواع اللذات والنعم ، ولأهلها فيها نعيم مقيم وسرور دائم ، ولهم فيها كلّ ما يشاءون وجميع ما يشتهون ، قال تعالى : ( فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ) (٧) وقال سبحانه : ( لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ) (٨).
وفي الجنة ما لا تحيط بوصفه الكلمات وما لم يسمع به بشر مما أعدّه الله سبحانه لعباده المتقين ، قال تعالى : ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (٩) .
وفي الحديث القدسي : « قال الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا اُذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر » (١٠).
اللذائذ الحسية : ثواب أهل الجنة الالتذاذ بالمآكل والمشارب ، والمناظر والمناكح ، وما تدركه حواسهم مما يُطبعون على الميل إليه ، ويدركون مرادهم بالظفر به (١١).
وفيما يلي وصف لبعض تلك اللذائذ وفقاً لما جاء في الكتاب الكريم :
١ ـ المأكل والمشرب : يُرزَق أهل الجنة بغير حسابٍ رزقاً كريماً واُكلاً وافراً ، ليس له نفاد ، مما تشتهيه أنفسهم من أنواع الطعام والشراب ، ولهم فيها فاكهة كثيرة ممّا يتخيّرون ، لا مقطوعة ولا ممنوعة ، دانية عليهم ظلالها ، وذللت لهم قطوفها تذليلاً (١٢).
ولهم فيها شراب طهور ، ويسقون خمرةً مختومةً بالمسك ، لا تحدث صداعاً ، ولا تذهب عقلاً ، ولا لغو فيها ولا تأثيم ، ويطاف عليهم بكأسٍ منها بيضاء لذيذة ، ممزوجة بأنواع الطيب كالكافور والزنجبيل ، وفيها أنهار كثيرة وعيون ، منها أنهار من ماءٍ غير آسن ، وأنهار من لبن لم يتغيّر طعمه ، وأنهار من خمرٍ لذّة للشاربين ، وأنهار من عسل مصفّى ، ويشربون من أعذب العيون كالتسنيم والسلسبيل ، ويقال لهم : كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون (١٣).
٢ ـ الملابس والحُليّ : وفي الجنة يرفل المؤمنون بثيابٍ خضرٍ من أرقّ أنواع الحرير والديباج ، كالسندس والاستبرق ، ويُحلّون فيها بأساور من ذهبٍ ولؤلؤ وفضّة (١٤).
٣ ـ التمتّع بالمناظر : ويتمتّعون بالمناظر الخلّابة وهم متكئون على الأرائك المنصوبة على أطراف الأنهار المتصلة الجريان ، وتحت الظلال الوارفة الدائمة ، لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً ، ينظرون إلى المياه المسكوبة ، والعيون الجارية ، وحدائق النخل والأعناب والرمان الغنّاء ، وأفنانها المتهدّلة بمختلف الأثمار (١٥).
٤ ـ التمتّع بالقصور وأثاثها : يدخل المؤمنون جناتٍ واسعة عرضها السماوات والأرض ، وأبوابها مشرعة لهم ، وتحرسها الملائكة المتأهّبة لاستقبالهم ، ولهم فيها درجات متفاضلات بعضها فوق بعض ، بحسب خيرية العمل ، في قصور الجنة وغرفها ، وفيها مساكن طيبة في جنات الخُلد العالية ، وغرف من فوقها غرف مبنية ، تجري من تحتها الأنهار ، وهم يفترشون بسطاً حساناً من العبقري ، بطائنها من استبرق ، ومتكئون على وسائد خضر مصفوفة مرفوعة ، حال كونهم متقابلين ، ويطاف عليهم بصحاف من ذهبٍ ، وآنية من فضة ، وأكواب وأباريق وكؤوس بما اشتهت أنفسهم (١٦).
٥ ـ الولدان المخلّدون : ويتمتّع أهل الجنة بالخدمة المتصلة من الغلمان المخلدين الذين جعلهم الله سبحانه في منتهى الجمال والصفاء وحسن المنظر ، قال تعالى : ( وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا ) (١٧).
٦ ـ الأزواج والحور العين : ولهم في الجنة أزواج مطهّرة من الحور العين مقصورات في الخيام ، قد جعلهنّ الله عُرباً ؛ متحببات إلى أزواجهنّ ، قاصرات الطرف عليهم دون غيرهم ، كواعبَ أتراباً في العمر ، أبكاراً لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ، ساحرات الجمال ، فكأنهنّ الياقوت والمرجان ، أو كأمثال اللؤلؤ أو البيض المكنون (١٨).
اللذائذ الروحية : وفوق ذلك يتمتع أهل الجنة بنعيم روحي أو عقلي ، يتمثّل برضوان الله تعالى ومغفرته ورحمته بهم ، وإحساسهم بالسرور لترحيب الملائكة بهم ، ولسعادتهم الدائمة ، والشعور بالأمن من خوف العذاب والحزن وكلّ مظاهر اللغو والكذب والتأثيم والتحاسد والتباغض (١٩).
الهوامش
١. الاعتقادات / الصدوق : ٧٦ ، تصحيح الاعتقاد / المفيد : ١١٦.
٢. سورة المؤمنون : ٢٣ / ١٠ ـ ١١.
٣. راجع : سورة البقرة : ٢ / ٢٥ و ٣٨ ، سورة آل عمران : ٣ / ١٩٨ ، سورة النساء : ٤ / ١٣ و ٦٩ ، سورة التوبة : ٩ / ٢٠ ، سورة الرعد : ١٣ / ٢٢ ـ ٢٤ ، سورة طه : ٢٠ / ٧٥ ، سورة الحج : ٢٢ / ٥٨ ، سورة الصافات : ٣٧ / ٤٠ ، سورة غافر : ٤٠ / ٨ ، سورة الزخرف : ٤٣ / ٦٩ ، سورة الأحقاف : ٤٦ / ١٣ ـ ١٤ ، سورة الفتح : ٤٨ / ١٧ ، سورة ق : ٥٠ / ٣١ ـ ٣٣ ، سورة الطور : ٥٢ / ٢١ ، سورة الحديد : ٥٧ / ٢١ ، سورة النازعات : ٧٩ / ٤٠.
٤. سورة الزمر : ٣٩ / ٧٣.
٥. نهج البلاغة / صبحي الصالح : ٢٨٢ ـ الخطبة ( ١٩٠ ).
٦. تصحيح الاعتقاد / المفيد : ١١٦ ـ ١١٧.
٧. سورة الزخرف : ٤٣ / ٧١.
٨. سورة ق : ٥٠ / ٣٥.
٩. سورة السجدة : ٣٢ / ١٧.
١٠. كنز العمال / المتقي الهندي ١٥ : ٧٧٨ / ٤٣٠٦٩ ، بحار الأنوار / المجلسي ٨ : ١٩١ / ١٦٨.
١١. تصحيح الاعتقاد / المفيد : ١١٧.
١٢. راجع : سورة الرعد : ١٣ / ٣٥ ، سورة الحج : ٢٢ / ٥٠ ، سورة يس : ٣٦ / ٥٧ ، سورة ص : ٣٨ / ٥٤ ، سورة غافر : ٤٠ / ٤٠ ، سورة فصلت : ٤١ / ٣١ ، سورة محمد : ٤٧ / ١٥ ، سورة الطور : ٥٢ / ٢٢ ، سورة الرحمن : ٥٥ / ٥٢ ، سورة الواقعة : ٥٦ / ٢١ و ٢٨ ـ ٣٣ ، سورة الدهر : ٧٦ / ١٤ ، سورة المرسلات : ٧٧ / ٤٢.
١٣. راجع : سورة الصافات : ٣٧ / ٤٥ ـ ٤٧ ، سورة محمد : ٤٧ / ١٥ ، سورة الطور : ٥٢ / ١٩ و ٢٣ ، سورة الواقعة : ٥٦ / ١٧ ـ ١٩ ، سورة الإنسان : ٧٦ / ٥ ـ ٦ و ١٧ ـ ١٨ و ٢١ ، سورة المرسلات : ٧٧ / ٤٣ ، سورة المطففين : ٨٣ / ٢٥ ـ ٢٨.
١٤. راجع : سورة الحج : ٢٢ / ٢٣ ، سورة الكهف : ١٨ / ٣١ ، سورة فاطر : ٣٥ / ٣٣ ، سورة الدخان : ٤٤ / ٥٣ ، سورة الدهر : ٧٦ / ١٢ و ٢١.
١٥. راجع : سورة الرعد : ١٣ / ٣٥ ، سورة يس : ٣٦ / ٥٦ ، سورة الرحمن : ٥٥ / ٦٨ ، سورة الواقعة : ٥٦ / ٣٠ ، سورة الدهر : ٧٦ / ١٣ ، سورة المرسلات : ٧٧ / ٤١ ، سورة النبأ : ٧٨ / ٣٢.
١٦. راجع : سورة آل عمران ٣ : ١٣٣ ، سورة الأنفال : ٨ / ٤ ، سورة التوبة : ٩ / ٧٢ ، سورة المؤمنون : ٢١ / ١٠٣ ، سورة العنكبوت : ٢٩ / ٥٨ ، وسورة الصافات : ٣٧ / ٤٣ ـ ٤٤ ، سورة ص ٣٨ / ٥٠ ـ ٥١ ، سورة الزمر : ٣٩ / ٢٠ ، سورة الزخرف : ٤٣ / ٧١ ، سورة الطور : ٥٢ / ٢٠ ، سورة الرحمن : ٥٥ / ٥٤ ، سورة الواقعة : ٥٦ / ١٥ ـ ١٨ و ٣٤ ، سورة الصف : ٦١ / ١٢ ، سورة الدهر : ١٢ / ١٤ ـ ١٦ ، سورة الغاشية : ٨٨ / ١٠ ـ ١٦.
١٧. سورة الدهر : ٧٦ / ١٩.
١٨. راجع : سورة يس : ٣٦ / ٥٦ ، سورة الصافات : ٣٧ / ٤٨ ـ ٤٩ ، سورة ص : ٣٨ / ٥٢ ، سورة الدخان : ٤٤ / ٥٤ ، سورة الطور : ٥٢ / ٢٠ ، سورة الرحمن : ٥٥ / ٥٦ ـ ٥٨ و ٧٢ ، سورة الواقعة : ٥٦ / ٢٢ ـ ٢٣ و ٣٥ ـ ٣٧ ، سورة النبأ : ٧٨ / ٣٣.
١٩. راجع : سورة آل عمران : ٣ / ١٥ و ١٣٦ ، سورة التوبة ٩ / ٧٢ ، سورة الحجر : ١٥ / ٤٧ ـ ٤٨ ، سورة مريم : ١٩ / ٦٢ ، سورة فاطر : ٣٥ / ٣٤ ـ ٣٥ ، سورة يس : ٣٦ / ٥٥ ، سورة الزمر : ٣٩ / ٧٣ ، سورة الدخان : ٤٤ / ٥٦ ، سورة ٤٧ / ١٥ ، سورة الطور : ٥٢ / ١٨ ، سورة المجادلة : ٥٨ / ٢٢ ، النبأ : ٧٨ / ٣٥ ، سورة الغاشية : ٨٨ / ١١.
مقتبس من كتاب : المعاد يوم القيامة / الصفحة : ١٣٦ ـ ١٤٢
التعلیقات