هل آدم عليه السلام كان من الأنبياء ؟
السيّد جعفر علم الهدى
منذ سنةالسؤال :
إذا كان آدم عليه السلام نبيّاً ، فلماذا قال الله تعالى : ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ؟ انّ الآية تقول انّ الأنبياء جاؤوا لاحقاً نوح ومن بعده ، فهل كلامه صحيح ؟ وهل حقّاً هذه الآية تنفي انّ آدم عليه السلام نبي ؟ حيث انّه لا دليل صريح في القرآن يقول بنبوّة آدم عليه السلام ؟
الجواب :
أوّلاً :
الآية الكريمة لا تدلّ على نفي نبوّة آدم عليه السلام ، فان اثبات بعث النبيين بعد قوله كان الناس أمّة واحدة لا يقتضي عدم وجود نبي قبل ذلك ، بل لا بدّ من وجوده ليكون الناس أمّة واحدة قد أخذوا بتعاليمه ، وإلّا لو لم يكن نبي لاختلفوا ولم يكونوا أمّة واحدة.
ثانياً :
هناك أدلّة كثيرة على نبوّة آدم عليه السلام ، منها :
أ. في خبر أبي ذر عن النبي صلّى الله عليه وآله : انّ أربعة من الأنبياء سريانيّون آدم وشيث وإدريس ونوح.
ب. قال المأمون للإمام الرضا عليه السلام : يابن رسول الله أليس من قولك : انّ الأنبياء معصومون ؟ قال : بلى. قال : فما معنى قول الله : ( وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ) ؟ فأجاب الإمام عليه السلام بجواب تفصيلي ، وفيه : وكان ذلك من آدم قبل النبوّة ، ولم يكن ذلك بذنب كبير استحقّ به دخول النار ، وانّما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم. [ بحار الأنوار / المجلّد : 11 / الصفحة : 164 ]
أقول : مراده من الصغائر ترك الأولى لا المعصية والذنب.
ج. الروايات الدالّة على انّ آدم أوصى إلى شيث وأعطاه ما استودعه ربّه من علم الأنبياء بأمر من الله تعالى :
ففي حديث زرارة من الإمام الصادق عليه السلام ـ والحديث طويل ـ : فلم يلبث آدم بعد ذلك إلّا يسيرا حتّى مرض ، فدعا شيئاً وقال : يا بنيّ أن أجلي قد حضر وأنا مريض ، وانّ ربّي قد أنزل من سلطانه ما قد ترى ، وقد عهد إليّ فيما عهد ان اجعلك وصيّي وخازن ما استودعني ، وهذا كتاب الوصيّة تحت رأسي وفيه أثر العلم واسم الله الأكبر ... [ بحار الأنوار ج 11 / 262 ]
وفي حديث طويل عن الباقر عليه السلام : ... فلمّا انقضت نبوّة آدم عليه السلام واستكمل أيّامه ، أوحى الله تبارك وتعالى إليه أنّ يا آدم قد انقضت نبوّتك واستكملت أيّامك ، فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار النبوّة في العقب من ذريّتك عند ابنك هبة الله ... ، وهبة الله هو شيث بن آدم. [ بحار الأنوار / المجلّد : 11 / الصفحة : 44 ]
وأمّا الآية الشريفة :
فالمراد منها بيان علّة بعث الأنبياء والرسل وإنزال الكتب والشرائع. وتدلّ على انّ الناس كانوا على الفطرة التي تدعو الى معرفة الله تعالى ووحدانيّته ، ولكنّهم اختلفوا بسبب الأهواء والشهوات ، ولأجل رفع هذا الاختلاف أرسل الله الأنبياء والرسل والكتب السماويّة والأديان الإلهيّة ومعذلك اختلفوا أيضاً في الكتاب وتفسيره وتأويله ، ولأجل ذلك احتاج كلّ نبي ورسول إلى وصيّ وخليفة وإمام من بعده يبيّن للناس ما اختلفوا فيه ؛ فالآية تدلّ على حكمة بعث الرسل والأنبياء وحكمة تعيين الأوصياء والأئمّة وحجج الله على الخلق بعد الأنبياء ولا ربط للآية المباركة بزمان بعث الأنبياء ، ولا تنفي نبوّة الأنبياء قبل نوح عليه السلام.
وقد ورد أنّ الأنبياء على أقسام : قسم منهم يكون نبيّاً لأهله وقومه ، وقسم يكون نبيّاً ورسولاً الى عدّة أمم ، وبعض يكون نبيّاً ورسولاً لجميع أهل العالم.
ففي تفسير العيّاشي عن الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : كان ما بين آدم ونوح من الأنبياء مشخصين ، ولذلك خفي ذكرهم في القرآن ، فلم يسمّوا كما سمّي من استعلن منهم.
وروى الصدوق في الخصال والمعاني عن الرضا عن آبائه عن النبي صلّى الله عليه وآله ، وعن زيد عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام : انّ أبا ذر سأل النبي صلّى الله عليه وآله : كم النبيّون ؟ قال : مائة وأربعة وعشرون ألف : نبي. قلت : كم المرسلون منهم ؟ قال : ثلاثمائة وثلاثة عشر جمّاً غفيراً. قلت : من كان أوّل الأنبياء ؟ قال : آدم. قلت : وكان من الأنبياء مرسلاً ؟ قال : نعم ، خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه. ثمّ قال : يا أبا ذر أربعة من الأنبياء سريانيّون آدم وشيث واخنوخ وهو إدريس وهو أوّل من خطّ بالقلم ونوح ، وأربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيّك محمّد صلّى الله عليه وآله. [ تفسير الميزان / المجلّد : 2 / الصفحة : 144 ]
التعلیقات