معنى كونه واحداً
التوحيد
منذ 15 سنةالمصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج2، ص 12 ـ 14
(12)
معنى كونه واحداً
الوحدة على قسمين :
1ـ الوحدة العددية : وهي عبارة عن كون شيء واقعاً تحت مفهوم عام وجد
منه مصداق واحد ، وذلك مثل مفهوم الشمس الذي هو مفهوم وسيع قابل للإنطباق
على كثير ، غير أنّه لم يوجد في عالم الحسّ منه إلاّ مصداق واحد مع إمكان وجود
مصاديق كثيرة له . وهذا هو المصطلح عليه بـ « الواحد العددي» .
2ـ الوحدة الحقيقية : وهي عبارة عن كون الموجود لاثاني له ، بمعنى أنّه لا
يقبل الاثنينية ، ولا التَكَثّر ولا التكرر . وذلك كصرف الشيء المجرد عن كل
خليط. مثلاً: الوجود المطلق عن كل قيد ، واحد بالوحدة الحقة ؛ لأنّه لا ثاني
له ؛ لأَنّ المفروض ثانياً ـ بما أنّه لا يتميّز عن الأوّل ـ لا يمكن أن يعد شيئاً آخر ، بل
يرجع إلى الوجود الأَوّل.
وعلى ضوء ذلك ، فالمراد من كون الشمس واحدة هو أنّها واحدة لا اثنتان ، ولا
ثلاث ، ولا... ولكن المراد ، من كون الوجود المطلق ، ـ منزهاً عن كل قيد ـ
واحدٌ ، أنّه لا ثاني له ، ولا مثيل ، ولا شبيه ، ولا نظير ، أي لا تتعقل له الإثينية والكثرة ؛ لأن
ما فرضته ثانياً ، بحكم أنّه منزه عن كل قيد وخليط يكون مثل الأوّل ، فلا يتميّز ، ولا
________________________________________
(13)
يتشخص ، فلا يكون متحققاً ؛ لأنّ الكثرة رهن دخول شيء مغاير في حقيقة
الشيء ، مثلاً : البياض بما هو بياض ، لا يتصور له الاِثنينية ، إلاّ إذا دخل فيه شيء
غيره ، كتعدد المحل ، فيتعدد البياض ، ولولا ذلك لصار البياض صرف الشيء ،
وهو غير قابل للكثرة . يقول الحكيم السَبْزَواري في هذا الصدد:
وَمَالَهُ تَكثُّرٌ قَدْ حَصَلا * فَفِيهِ ما سِواءُ قَدْ تَخَلّلا
إِنَّ الوُجُودَ مَا لَهُ مِنْ ثَان * لَيْسَ قُرىً وَراءَ عَبَّادانِ(1)
والمراد من كونه سبحانه واحداً ، هو الواحد بالمعنى الثاني ، أي ليس له
ثان ، ولا تتصور له الإثنينية والتعدد.
ولأجل ذلك يقول سبحانه في تبيين هذه الوحدة: { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } ، أي واحدٌ لا نظير له.
والعجب إنَّ الإمام أميرالمؤمنين علياً ـ عليه السَّلام ـ قام بتفسير كونه تعالى
واحداً ، عندما كان بريق السيوف يشد إليه العيون ، وضربات الطرفين تنتزع
النفوس والأرواح في معركة (الجمل) ، فأحسّ ـ عليه السَّلام ـ بأنَّ تحكيم
العقيدة ، وصرف الوقت في تبيينها لا يقصر في الأَهمية عن خوض المعارك ضد أهل
الباطل.
روى الصدوق أنّ أعرابياً قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين ـ عليه السَّلام ـ
فقال : « يا أمير المؤمنين أتقول إنَّ الله واحد ، قال فحمل الناس عليه ، وقالوا: يا
أعرابي أماترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسم القلب ، فقال أمير المؤمنين: دعوه ،
فإنَّ الذي يريده الأَعرابي هو الذي نريده من القوم »... ثمّ قال شارحاً ما سأل عنه
الأعرابي: « وقول القائل واحد ، يقصد به باب الأَعداد ، فهذا ما لا يجوز ؛ لأنَّ ما
لا ثاني له ، لا يدخل في باب الأعداد ، أماترى أنَّه كفّر من قال: «ثالث
ثلاثة » ».
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح المنظومة : ص 333.
________________________________________
(14)
ثمّ قال : « معنى هو واحد : أنَّه ليس له في الأَشياء شَبَه ، كذلك ربنا. وقول
القائل إنّه عزّ وجلّ أحَدِيُّ المعنى يعني به ، أنّه لا ينقسم في وجود ولاعقل ولاوهم ،
كذلك ربنا عزّ وجلّ » (1).
فالإمام ـ عليه السَّلام ـ لم يكتف ببيان المقصود من توصيفه سبحانه بأنّه واحد ،
بل أشار إلى معنى آخر من معاني توحيده ، وهو كونه أحَدِىَّ الذات ، الذي
يهدف إلى كونه بسيطاً لا جزء له في الخارج والذهن . وهذا المعنى هو الذي نطرحه
على بساط البحث في القسم الثاني من التوحيد الذاتي .
إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى بيان البراهين العقلية على توحيده سبحانه بمعنى
كونه واحداً لا ثاني له.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) توحيد الصدوق: ص 83 ـ 84.
التعلیقات