تصوّر النبي الأكرم للقيادة بعده
الشيخ حسن محمّد مكّي العاملي
منذ 15 سنةتصوّر النبي الأكرم للقيادة بعده
إنّ الكلمات المأثورة عن الرسول الأكرم ، تدلّ على أنّه ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ كان يعتبر أمر القيادة بعده ، مسألة إلهيّة ، وحقّاً خاصّاً لله جلّ جلاله ، فالله سبحانه هو الذي له أن يعيّن القائد ، وينصب خليفة الرسول ، ولا نجد في كلّ ما نقل عن النبي ما يدلّ على إرجاء الأمر إلى تشاور الأمّة ، أو اختيار أهل الحلّ والعقد ، أو بيعة الصحابة الحاضرين ، أو غير ذلك ويكفي في ذلك الشاهدين التاليين :
1 ـ لما دعا الرسول الأكرم بني عامر الإسلام وقد جاؤوا في موسم الحج إلى مكّة ، قال رئيسهم : « أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ، ثمّ أظهرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك » ؟.
فقال النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : « الأمر إلى الله ، يضعه حيث يشاء » (1).
فلو كان أمر الخلافة بيد الأمّة ، لكان على النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أن يقول : الأمر إلى الأمّة ، أو إلى أهل الحلّ والعقد ، أو ما يشابه ذلك. فتفويض الأمر إلى الله سبحانه ، ظاهر في كونها كالنبوّة ، يضعها سبحانه حيث يشاء ، قال تعالى : ( اللَّـهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) (2). فاللّسان في الموردين واحدٌ.
2 ـ بعث النبي الأكرم ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ سليط بن عمرو العامري إلى ملك اليمامة ، « هوزه بن علي الحنفي » ، الذي كان نصرانيّاً ، يدعوه إلى الإسلام ، وكتب معه كتاباً ، فقدم على ملك اليمامة ، فأنزله وحبّاه ، كتب إلى النبي ، يقول : « ما أحسن ما تدعو إليه ، وأجمله ، وأنا شاعر قومي وخطيبهم ، والعرب تهاب مكاني ، فاجعل لي بعض الأمر ، أتّبعك ». فقدم سليط على النبي بكتابه ، فلمّا قرأ عليه قال ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : « لو سألني سيابة من الأرض ما فعلته. بادَ ، وبادَ ما في يده » (3) « أرسل هوزة إلى النبي وفداً يقول له ، إن جعل له الأمر من بعده ، أسلم ، وصار إليه ، ونصره ، وإلّا قصد حربه ، فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : « لا ، ولا كرامة ، اللهم إكفنيه » (4).
فلو كانت القيادة بعد النبي ، قيادة دستوريّة انتخابيّة ، وكان للشعب الإسلامي منه حظ ، لكان على النبي إجابة السائل بشكل آخر ، وهو أنّ الأمر من بعدي ، يرجع إلى أمّتي ، والمؤمنين بي ، ولكنّك ترى أنّه وقف في وجهه بقسوة وشدّة كما هو ظاهر.
الهوامش
1. السيرة النبويّة ، لابن هشام ، ج 2 ، ص 424.
2. سورة الأنعام ، الآية 124.
3. الطبقات الكبرى ، لابن سعد ، ج 1 ، ص 262.
4. الكامل في التاريخ ، لابن الأثير ، ص 146.
مقتبس من كتاب : [ الإلهيّات على هدى الكتاب والسّنة والعقل ] / المجلّد : 4 / الصفحة : 66 ـ 67
التعلیقات