الشيعة في مصر
البلدان الشيعية وأماكن تواجدهم
منذ 15 سنةالمصدر : دور الشــيعــة في بناء الحضارة الإسلامية : للشيخ جعفر السبحاني ص 86 ـ 87
(86)
الشيعة في مصر :
دخل التشيّع مصر في اليوم الذي دخل فيه الإسلام ، ولقد شهد جماعة من شيعة عليّ _ عليه السلام _ فتح
مصر ، منهم : المقداد بن الأسود الكندي ، وأبو ذر الغفاري ، وأبورافع ، وأبو أيوب الأنصاري ، وزارها
عمّار بن ياسر في خلافة عثمان(1) . وهؤلاء ما كانوا يبطنون فكرة التشيّع التي كانوا يؤمنون بها منذ عهد
رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ .
ولأجل ذلك حين قتل عثمان ، بإجهاز المصريين عليه ، بايعوا عليّاً كما بايع أهلها طوعاً ورغبة .
لمّا بعث عليّ _ عليه السلام _ قيس بن سعد أميراً على مصر بايع أهلها طوعاً ، إلاّ قرية يقال لها
خربتاء(2) .
كان هذا نواة لمذهب التشيّع في تلك البلاد ، وإن تغلّب عليها الأمويون بعد ذلك حين قَتلَ عمرو بن العاص و
معاوية بن حديج ـ اللذين أرسلهما معاوية بن أبي سفيان إلى مصر ـ والي عليّ _ عليه السلام _ على مصر
محمّد بن أبي بكر بشكل بشع ، ثمّ جعلوا جثّته في جيفة حمار وأحرقوها بالنار ، وهو أُسلوب يدلّ على
انحراف كبير عن الدين ، وانسلاخ عن أبسط معاني الإنسانية ، ولكن للحقّ دولة وللباطل جولة ، فهذه
الأعمال الإجرامية وما ارتكبه العباسيون من الجرائم صارت سبباً لابتعاد الناس عن السلطات المتعاقبة
الظالمة وتعاطفهم مع العلويين واحتضانهم لهم ، ويظهر ذلك بوضوح عند قيام الدولة الفاطمية الشيعية هناك
والتفاف المسلمين حولها ، والتي كان لها الدور الأكبر في انتشار التشيّع واعتناق المسلمين له في شمال
أفريقيا ، حيث امتدّ نفوذها وسلطانها إلى الجزائر والمغرب وتونس وليبيا ،
____________
(1) الخطط المقريزية: 2 : 74 .
(2) المصدر نفسه: 4 : 149 ; الجزري ، الكامل 3 : 61 حوادث عام (36) .
________________________________________
(87)
وكذا إلى السودان جنوب مصر .
لقد اعتنق المصريّون التشيّع برغبة وجهروا بحيّ على خير العمل ، وتفضيل عليّ على غيره ، كما
جهروا بالصلاة على النبيّ وآله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ .
لقد قامت في عهد الفاطميين مراسم عاشوراء ، وعيد الغدير ، ولم تزل
هذه المراسم إلى يومنا هذا . وكان التشيّع مخيّماً على مصر في عهد الفاطميين وضارباً أطنابه في القرى
والبلدان ، لولا أنّ صلاح الدين الأيوبي أزال سلطتهم ومذهبهم من مصر بقوّة السيف والنار ، والتاريخ يشهد
على عظم الجرائم
وقسوتها التي قام بها صلاح الدين وأتباعه في سبيل هذا الأمر . وهذه الصفحة من
تاريخ مصر مليئة بالأسى والحزن ، راح ضحيتها العديد من أتباع المذهب المحمّدي ، إلاّ أنّها لم تستطع أن
تقضي عليه ، فلا زال هناك الكثير من الشيعة
ومن المتعاطفين روحياً معهم ، والذين يعبّـرون عن ذلك بوضوح في حرصهم
على زيارة المشاهد المعروفة برأس الإمام الحسين _ عليه السلام _ ومرقد أُخته السيدة
زينب ـ رضوان الله عليها ـ .
التعلیقات