الدليل الرابع
المصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج3 ، ص 62 ـ 64
(62)
الدليل الرابع:
إن أكبر الكبائر في الرسالة ، اتباع رجل هو مثلك في الصورة والنفس
________________________________________
( 63 )
والعقل ، يأكل ممّا تأكل ، ويشرب ممّا تشرب.... فأي تميّز له عليك؟ ، وأي
فضيلة أوجبت استخدامك؟ ، وما دليله على صدق دعواه؟(1).
والجواب:
ليس هذا المذكور في الدليل بشيء مستحدث ، بل هذا ما كان
المشركون يكررونه على ألسنتهم معترضين على رسلهم ، كما ذكره تعالى في
الكتاب الكريم.
قال تعالى: (... وأَسَرّو النَّجوى الَّذينَ ظَلَموا هل هذا إلاّ بَشَرٌ
مثلُكُم...)(2).
وقال تعالى: (وَ قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ
وَ أَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ
وَ يَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ * وَ لَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ)(3).
ولكن الرسل قابلتهم بالجواب ، وصدّقتهم بأنّهم مثلهم في الجسم
والصورة ، لكنهم غيرهم في المعرفة والكمال الروحي ، لصلتهم بالله سبحانه
دونهم ، واطلاعهم على الغيب بإذنه سبحانه.
قال عزّ من قائل:
(قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَ لَكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ
مِنْ عِبَادِهِ وَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَان إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
الْمُؤْمِنُونَ)(4).
ــــــــــــــــــــــــــــ
1- انظر للوقوف على مدارك أدلة البراهمة ، الملل والنحل : للشهرستاني ، ج2، ص 259 ـ 260،
طبعة مصر، وكَشْف المراد : للعلامة الحلي ، ص 217، طبعة صيدا. وشرح التجريد : لنظام
الدين القوشجي ، ص 463، طبعة إيران.
2- سورة الأنبياء: الآية 3.
3- سورة المؤمنون: الآيتان 33 و 34.
4- سورة إبراهيم: الآية 11.
________________________________________
( 64 )
وقد أمر الله تعالى رسوله أنْ يواجه هذا المنطق بقوله: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ
مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ)(1).
فالجملة الأولى ، وهي الإتحاد في البشرية ، إشارة إلى أحد ركني الرسالة ،
وهو لزوم المسانخة التامة بين الُمرَسَل ـ بالفتح ـ والُمرْسَل إليه.
وقوله: (يُوحى إِليَّ) إشارة إلى وجه الفرق بينهما ، وأنّه لأجل نزول
الوحي عليه يجب اتباعه وإطاعته.
وبذلك يظهر تميّز الأنبياء وفضيلتهم وتقدمهم على غيرهم.
وأمّا دليلهم على صدق ادعاءاتهم ، فسيوافيك في البحث الثاني أنّ هناك
طرقاً ثلاثة لتمييز النبي الصادق عن المتنبئ الكاذب.
وإلى هنا يتمّ الكلام في البحث الأوّل ، وهو تحليل حسن بعثة الأنبياء
ولزومها ، ونقض ما يثار حولها من الشبهات. وقد حان وقت الشروع بالبحث
الثاني ، وهو بيان الطرق الّتي يعرف بها صدق مدّعي النبوة.
* * *
ــــــــــــــــــــــــــــ
1- سورة فصلت: الآية 6.
التعلیقات