السير التاريخي للمسألة
التسميات
منذ 13 سنةالتسميات بين التسامح العلويّ والتوظيف الأمويّ ص 157 ـ 274(لـ السيّد علي الشهرستاني)
________________________________________ الصفحة 157 ________________________________________
السير التاريخي للمسألة
________________________________________ الصفحة 158 ________________________________________
________________________________________ الصفحة 159 ________________________________________
إنّ قضية تسمية بعض أولاد الأئمّة بأسماء بعض الخلفاء مرّت بعدّة مراحل ، وقد وضّحنا في الصفحات السابقة المرحلة الأولى منها ، وهي طلب عمر بن الخطاب من الإمام علي أن يسمّي ابنه بـ ( عمر ) ، وكان ذلك حينما ( قام عمر ) بالخلافة أي بعد السنة الثالثة عشرة للهجرة .
وبعد هذه المرحلة دخل الموضوع في مرحلة ثانية ، وهي استغلال أتباع الخليفة هذه التسمية للتدليل على وجود محبّة بين الإمام علي وعمر بن الخطاب ، أو نفي العداوة بينهما في حين أنّ الإمام كان ينظر إلى هذه المسألة كظاهرة اجتماعية ليس لها ارتباط بموضوع الخلافات العقائدية والفقهية والسياسية والاجتماعية .
وكلامي هذا لا يعني بأ نّه(عليه السلام) لم يكن يعلم باستغلال الآخرين لموضوع التسمية لاحقاً ، لكن كان عليه أن يتعامل مع الأُمور طبق الظواهر لا البواطن .
ولمّا رأى الإمام خروج موضوع التسمية من سياقه الطبيعي المرسوم له في الفترة اللاّحقة ، واتضحت وانتشرت عند الجميع أهداف عمر من هذه التسمية ، أخذ الموضوع طابعاً تدليسياً وتلبيسياً و إعلامياً للآخرين ، مما دعا الإمام ـ في أواخر عهد عثمان بن عفان ، أو أوائل خلافته ـ أن يصرّح بأ نّه قد سمّى ولده الثالث من أمّ البنين الكلابية بـ (عثمان) حبّاً بأخيه في الإيمان عثمان بن مظعون ، أي أنّ الإمام أراد أن يقول : للناس : ان التسمية لو دلت على المحبة فهي لابن مظعون لا لابن عفّان ، وبمعنى آخر ... أ نّه(عليه السلام) أراد توضيح أمرين :
الأول : صحيح أنّ العادة قد تدعو قسماً من الناس لاَِن يسمّوا أولادهم بأسماء من يحبّونهم ـ وهذا ما قالَهُ الإمام في سبب تسميته ابنه بعثمان ـ لكن لا يمكن
________________________________________ الصفحة 160 ________________________________________
تعميم هذا الأمر على كلّ الأسماء التي سمّاها الإمام قبل هذا التاريخ ، وأ نّه كان حبّاً بهذا أو ذاك ، فهو(عليه السلام) وضّح بأنّ المسمّى عندي غير ما تتصورونه .
الثاني : خَرَّجَ الإمام بجملة ( حبّاً لأخي عثمان بن مظعون ) عثمانَ بن عفان مع من سبقه من الخلفاء من دائرة التسمية للمحبّة ، أي أ نّه(عليه السلام) أراد أن يقول للآخرين : لا تتصوّروا أنّي سمّيت ابني بعثمان حُباً به ـ وخصوصاً أ نّه قال بهذا بعد مقتل عثمان ـ لأنّ اسم عثمان ليس حِكْراً على عثمان بن عفان ، فإنّي قد سمّيت ابني باسم غيره وهو عثمان بن مظعون !
وبعبارة أوضح : أ نّه كان يريد القول : إنّي حينما قبلت تسمية ابني بعمر أو أبي بكر لم يكن حبّاً لعمر بن الخطاب ، بل لوجود إخوان آخرين لي مسمَّين بعمر وأبو بكر ، منهم : عمر بن أبي سلمة وأبو بكر بن حزم وهما من عمالي على الأمصار .
الحرب المعلنة
بعد المرحلتين السابقتين جاءت المرحلة الثالثة ، وهي مرحلة أعداء الإمام علي ـ المحاربين له عَلَناً ـ ودورهم التخريبي لشخصه وشخصيته من خلال إبهام النصوص(1) واختلاقها والافتراء والاتّهام ، والظلم ، والتعسف . وهؤلاء جاؤوا ليغيّروا الضوابط الشرعية والعرفية الحاكمة في المجتمع الإسلامي من العقلنة والمنطق السليم إلى العداوة الباعثة على الحمق ، وتهيج العاطفة ، ومن الحقيقة إلى التمويه كل ذلك بغضاً لعليّ ، فأخذوا يثيرون الحساسيّات و يهيّجون العواطف ، ولذلك انقسم المسلمون بعد رسول الله إلى نهجين : مسلم أمويّ ، ومسلم نبويّ ، ولكلّ واحد منهما ضوابطه ومعاييره ، وإن كان الغالب عليهم هو النهج الأموي . مؤكدين بأن النهج النبوي كان ولا يزال موجوداً بين الأمة ، و يمكن التعرف عليه
____________
1- كما سيأتي بعد قليل عن عائشة وعدم ذكرها اسم الإمام علي .
________________________________________ الصفحة 161 ________________________________________
من خلال المواقف والاراء .
أجل ، أخذت ظاهرة التسمية في هذا العصر تخرج من إطارها العام ، وكونها ظاهرة اجتماعيّة لتدخل في معترك الصراع السياسي وموازنة القوى ، وأخذ هذا العمل يؤثّر شيئاً فشيئاً على من يسمّى بعليّ ومعاو ية ، والأوّل يُقْتَلُ والثاني توهب له العطايا وتهدى له الهدايا ، وقد قلنا بأن هذا هو سلاح الضعيف ومنهجه غالباً ، وأ مّا القويّ في فكره وسلوكه وشخصيّته فهو يتعالى عن مثل هكذا أعمال و يستحقرها ، لكنّه لمّا يرى المخطَّط عامّاً وشاملا يهدم كلَّ المقدّسات ولا يختصّ بالتسميات ، يدخل بكلّ قوّة للتعريف بمخطّطهم الإجرامي ضدّ الإسلام والمسلمين ، وكان هذا هو منهج أهل البيت(عليهم السلام) .
إنّ شيعة عليّ كانوا يعلمون بأنّ ولاية معاوية على الشام بعد أخيه يزيد بن أبي سفيان كانت بأمر عمر ، وأنّ عمر بن الخطّاب هو الذي قوّى سلطان معاوية وبني أميّة ، وأنّ كلّ ما لاقته الشيعة في عهد معاو ية ، ومروان ، والحجّاج يرجع وزره على عمر الذي نصبه حاكماً على رقاب المسلمين ، وقد جاء إقرار عثمان لمعاو ية تبعاً لولاية عمر له .
فالشيعيّ لم يكن حسّاساً أمام التسمية باسم الثلاثه والحجاج ومروان قبل هذا التاريخ ، لكونها اسماء عربيّة ، ولكون التسمية ظاهرة اجتماعيّة لا تعني شخصاً ، لكن لمّا جعلو هذه التسميات معياراً للموالاة والبراءة وتحسّسوا من التسمية باسم عليّ والحسن والحسين ـ وخصوصاً بعد تتبّع زياد بن أبيه ، والحجّاج بن يوسف الشيعة تحت كلّ حجر ومدَر ، حتّى صار الرجل ليقال عنه : كافر أو زنديق أحبّ إليه من أن يقال له : إنّه من شيعة عليّ(1) ـ فلما وصلت المباعضة في الأسماء إلى هذا الحد انعكس ذلك سلباً على جميع شرائح المجتمع فاشمأزُّوا من تلك الأسماء شيئاً فشيئاً .
____________
1- شرح نهج البلاغة 11 : 44 .
________________________________________ الصفحة 162 ________________________________________
و إنّي لا أستبعد أن يكون ترك أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) لأسماء الثلاثة ـ من بعد الإمام السجّاد(عليه السلام) ـ يعود للأعمال التي اقترفها الخلفاء والأمراء حينَ وقبل عهده(عليه السلام) مثل : معاو ية ، يزيد ، الحجّاج ، وقتلهم على الهو يّة كلّ من سُمِّيَ بعليّ ، ولم تكن ولاياتهم إلاّ امتداداً لحكومات الثلاثة الأوائل ، فهم كانوا على خلاف فكري مع أولئك لكن ذلك لا يدعهم للمخالفة مع أسمائهم ، لكن لما وصل الأمر إلى هذا الحد تركو التسمية بأسماء الثلاثة .
فالأئمّة أكّدوا على محبوبيّة التسمية باسم عليّ ، وسمّوا بالفعل أولادهم بهذا الاسم المبارك ، وتركوا التسمية بغيرها كي لا يظنّ أحدٌ بأنّ التسميات بأسماء الأغيار لها دلالات خاصّة ، أي أنّهم تركوا التسمية بأسماء الثلاثة من بعد الإمام السجّاد متعمّدين قاصدين كي لا يختلط الأمر على المتأخّرين كما اختلط على المتقدّمين ، فيتصوّروا بأنّ التسمية بعائشة أو عمر هي لمكانة زوجة النبيّ أو محبة لعمر بن الخطّاب ، مع الأخذ بنظر الاعتبار امكان وضع هذه الأسماء على بعض الطالبيين وأولاد الأئمّة للتقيّة في بعض الأحيان .
وكذا الحال بالنسبة إلى تركهم لأسماء الآخرين من الصحابة ، فقد يكونون تركوها كي لا ينتزع منها ما انتزع من غيرها .
وهذه المرحلة بدأَتْ بعد تسلّم الإمام علي الخلافة ، واختلافه مع عائشة ، ومعاوية ، والخوارج ، و إنّ هذا الاختلاف أدّى إلى حدوث واقعة الجمل وصفين والنهروان ، وهذه الخلافات والصراعات جعلت الآخرين يتعاملون مع الأمور بانفعالية دون أهل البيت الذين كانوا يتعاملون مع الأمور بمصداقية وعقلانية ، وقد كان لهذه المرحلة أدوات بشرية ، أشير إلى دور شخصيّتين منهم على وجه التحديد :
________________________________________ الصفحة 163 ________________________________________
دور عائشة في التسمية :
أ مّا دور عائشة في التسمية ، فكان انفعالياً يحمل بين جوانبه الحقد والضغينة ، فقد جاء في كتاب ( الشافي في الإمامة ) وغيره والنص منه :
عن مسروق ، قال : دخلت على عائشة فجلست إليها تحدّثني ، فاستدعت غلاماً لها أسود يقال له عبدالرحمن ، حتّى وقف ، فقالت : يا مسروق أتدري لِمَ سمّيته عبدالرحمن ؟ فقلت : لا ، فقالت : حبّاً منّي لعبد الرحمن بن ملجم(1) .
انظر إلى كلام عائشة لترى البغض والضغينة يطفحان على كلامها ، وهو نص قد صدر عنها بعد سنة أربعين للهجرة يقيناً ، أي بعد شهادة الإمام عليّ(عليه السلام) .
وفي هذا النص نقلةٌ نوعيّة لموضوع التسميات ، حيث إنّ الإمام عليّاً ـ وطبقَ النصوص السابقة ـ لم يجرح ولم يتعرّض لأحد كما فعلته عائشة في النصّ الآنف ، بل إنّه(عليه السلام) كما في ( تاريخ المدينة ) لابن شبّه أخبر عن ولادة مولود له ثم قبوله طلب عمر في تسمية ابنه بعمر .
لكنّه لمّا رأى ـ من بعد ـ استغلال الجهاز الحاكم لهذا الأمر ، أراد أن يوضّح سبب تسميات أبنائه ; أو قبوله بها من خلال تسمية ابنه الثالث بعثمان ، مصرّحاً بأ نّه سمّاه حبّاً بأخيه عثمان بن مظعون لا غير ، وفي كلامه(عليه السلام) إشارة إلى جانب إيجابي ، وفيه توضيح لحقيقة بقيت خافية على المسلمين لذلك اليوم في سبب تسمية أبنه بعمر ، فخاف أن تستغل من قِبلَ الآخرين في عثمان كذلك ، ولأجله قال : ( إنما سميته باسم أخي عثمان بن مظعون ) ، فلا ترى في كلامه (عليه السلام) شيء سلبيّ كالّذي رأيناه في كلام عائشة .
أي أ نّه(عليه السلام) أراد تصحيح التصوُّرات الخاطئة التي كان يحملها بعض الناس
____________
1- الشافي في الإمامة 4 : 356 ; الجمل ، للشيخ المفيد : 84 .
________________________________________ الصفحة 164 ________________________________________
عن سبب تسمية الإمام علي لأولاده بأسماء أبي بكر وعمر وعثمان والتي أشاعت الجهات الحكومية وأ نّها كانت عن حبّ للخلفاء ، كل ذلك مع عدم التصريح بشتم أو كراهة اسم أحد .
وفي مجال حرب الأسماء نرى أيضاً إبهام عائشة لاسم من اتّكأ عليه رسول الله حينما خرج إلى الصلاة ; فعن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة : أنّ عائشة قالت :
لمّا ثقل النبي(صلى الله عليه وآله) واشتدّ به وجعه ، استأذن أزواجَه في أن يُمَرَّضَ في بيتي ، فَأَذِنَّ له ، فخرج النبيّ بين رجلين ، تخطُّ رجلاه في الأرض ، بين عبّاس ورجل آخر .
قال عبيدالله : فأخبرت عبدالله بن عباس ، فقال : أتدري من الرجل الآخر ؟
قلت : لا .
قال : هو علي(1) .
وفي نصّ آخر : أتدري من الرجل الذي لم تُسَمِّ عائشة ؟ هو : عليّ(2) .
نعم ، إنّ عائشة لم تكن على وفاق مع علي والزهراء(عليها السلام) لكن هذا لا يجيز لها ان تكتم الحقيقة بحيث أنّ لا تسمي علياً(عليه السلام) فيما روته من خبر عن رسول الله .
فقد ذكر أبو الفرج الإصفهاني : أنّ عائشة سجدت شكراً لله لمّا سمعت بمقتل علي بن أبي طالب(3) .
____________
1- صحيح البخاري 1 : 83 ح 195 من كتاب الوضوء باب الغسل والوضوء في المِخضَب والقدح والخشب .
2- صحيح البخاري 4 : 1614 ح 4178 من كتاب المغازي ، باب مرض النبي(صلى الله عليه وآله) ووفاته ، و 1 : 236 ح 634 من كتاب الجماعة الإمامة ، باب حد المريض ان يشهد الجماعة ، و 2 : 914 ح 2448 ، و 5 : 216 ، صحيح مسلم 2 : 312 ح 418 من كتاب الصلاة باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر .
3- أنظر مقاتل الطالبيين : 27 .
________________________________________ الصفحة 165 ________________________________________
وحكى أصحاب المعاجم أ نّها لم تأت إلى بني هاشم لتعزّيهم بوفاة فاطمة ، بل نقل لعليّ عنها كلام يدل على سرورها(1) .
وقد قالت ذات مرة لرسول الله(صلى الله عليه وآله) : والله لقد عرفت أنّ علياً أَحبُّ إليك من أبي ومنّي ، قالتها مرتين(2) .
وحكي عنها أ نّها روت عن رسول الله قوله في علي : إنه يموت على غير ديني(3) !!
وقولها عنه(صلى الله عليه وآله) : من أراد أن ينظر إلى رجلين من أهل النار فلينظر إلى هذين ، فنظرت عائشة ... فإذا بعلي والعبَّاس قد أقبلا(4) .
وقد أشار الإمام علي إلى هذه الحقيقة في كتاب له : ... وأ مّا فلانة فأدركها رأي النساء ، وضِغنٌ غلا في صدرها كمرجل القين ، ولو دُعيتْ لتنال من غيري ما أتت إليَّ لم تفعل(5) .
وهذه الشخصية المبغضة لعلي وفاطمة هي التي دعت أمثال الشيخين أن يخصّاها بالعطاء أكثر من غيرها .
وتلك المواقف الكارهة حَتّى لاسم علَيٍّ هي التي جعلت معاوية يهدي إليها معاوية حلقاً فيه جوهر مائة ألف درهم دون غيرها من نساء النبي(6) .
وأخرج أبو نعيم : إنّ معاو ية أهدى لعائشة ثياباً ووَرِقاً وأشياء توضع في أُسطوانها(7) .
____________
1- شرح نهج البلاغة 9 : 198 .
2- مسند أحمد 4 : 275 ح 18444 ، مسند البزار 8 : 233 ح 3275 ، مجمع الزوائد 9 : 127 ، قال رواه البزار ورجاله رجال الصحيح .
3- شرح نهج البلاغة 4 : 64 .
4- شرح نهج البلاغة 4 : 64 .
5- نهج البلاغة : 218 ، الخطبة 156 ، شرح نهج البلاغة 9 : 189 .
6- الذخائر والتحف للقاضي الرشيد بن الزبير : 11 .
7- حلية الاولياء 2 : 48 .
________________________________________ الصفحة 166 ________________________________________
وأخرج ابن كثير ، عن عطاء : إنّ معاو ية بعث إلى عائشة وهي بمكة بطوق قيمته مائة ألف ، فقبلته(1) .
هذا بعض الشيء عن عائشة ودورها في حرب الأسماء وتشديدها للخلاف بين الآل والصحابة ، لا تمويع الجليد كما يقال . فلو كانت أماً بارة بأولادها لسعت إلى تمويع الجليد لا تشديد الخلاف وبث روح البغض والضغينه بين المسلمين وخصوصاً بين الصحابة الأوائل .
وقد جاء في كتاب ( الكافئة ) للشيخ المفيد ، والجمل ، والفتوح وغيرها : أ نّه لمّا بلغ عائشة نزول أميرالمؤمنين(عليه السلام) بذي قار كتبت إلى حفصة بنت عمر : ( أ مّا بعد ، فإنّا نزلنا البصرة ونزل علي بذي قار ، واللهُ داقٌّ عُنُقَه كدقّ البيضة على الصفا ، إنّه بذي قار بمنزلة الأشقر ، إن تقدم نحر ، و إن تأخّر عُقِر )(2) .
فلمّا وصل الكتاب إلى حفصة استبشرت بذلك ودعت صبيان بني تيم وعدي وأعطت جوار يها دفوفاً ، وأمرتهن أن يضربن بالدفوف و يقلن : ما الخبر ما الخبر ! علي كالأشقر ، إن تقدم نحر ، و إن تأخّر عْقِر .
فبلغ أمّ سلمة رضي الله عنها اجتماع النسوة على ما اجتمعن عليه من سبّ أميرالمؤمنين(عليه السلام) والمسرّة بالكتاب الوارد عليهنّ من عائشة ، فبكت وقالت : أعطوني ثيابي حتّى أخرج إليهنّ وأقع بهنّ ، فقالت أمّ كلثوم بنت أميرالمؤمنين(عليه السلام) : أنا أنوب عنك فإنّني أَ عْرَفُ منك ، فلبست ثيابها وتنكّرت وتخفّرت واستصحبت جواريها متخفّرات ، وجاءت حتّى دخلت عليهنّ كأ نّها من النَّظَّارة ، فلمّا رأت ما هنّ فيه من العبث والسفه كشفت نقابها وأبرزت لهنّ وجهها ، ثمّ قالت لحفصة : إن تظاهرتِ أنت وأُختُكِ على أميرالمؤمنين(عليه السلام) فقد تظاهرتما على أخيه رسول الله(صلى الله عليه وآله) من قبل ، فأنزل الله عزّ وجلّ فيكما ما أنزل ،
____________
1- تاريخ دمشق 59 : 192 ، البداية والنهاية 8 : 139 .
2- وفي شرح نهج البلاغة 14 : 13 ـ 14 : وأقام(عليه السلام) بها مرعوباً خائفاً لِمَا بلغه من عدّتنا وجماعتنا فهو بمنزله الأشقر إن تقدم عقر و إن تأخّر نحر .
________________________________________ الصفحة 167 ________________________________________
والله من وراء حربكما . فانكسرت حفصة وأظهرت خجلا وقالت : إنّهن فعلن هذا بجهل ، وفرّقتهن في الحال ، فانصرفن من المكان(1) .
ولم تكن عائشة بدعاً من قريش التي جدّت في حربها ضدّ الإمام علي بعد رسول الله ، وقد قال(عليه السلام) في كتاب لأخيه عقيل بن أبي طالب :
فإنّهم قد أجمعوا على حربي كإجماعهم على حرب رسول الله قبلي ، فجَزَتْ قريشاً عنّي الجوازي ، فقد قطعوا رحمي ، وسلبوني سلطان ابن أمي(2) .
دور معاوية في حرب الأسماء :
وقريب من موقف عائشة كان موقف معاوية بن أبي سفيان لكن بشكل آخر يغلب عليه الكذب والدجل ، فقد كتب إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) بقوله :
لئن كان ما قلتَ وادّعيتَ واستشهدت عليه أصحابك حقّاً لقد هلك أبو بكر وعمر وعثمان وجميع المهاجرين والأنصار غيرَك وغيرَ أهل بيتك وشعيتك .
وقد بَلَغني ترحّمك عليهم واستغفارك لهم ، و إنّه لَعلى وجهين ما لهما ثالث :
إمّا تقيّة إن أنت تبرّأتَ منهم خِفتَ أن يتفرّق عنك أهل عسكرك الّذين تُقاتلني بهم .
أو إنَّ الّذي ادّعيت باطل وكذب . وقد بلغني وجائني بذلك بعض من تثق به من خاصّتك بأ نّك تقول لشيعتك [الضالّة ]وبطانتك بطانة السوء : ( إنّي قد سمّيتُ ثلاثة بنين لي أبا بكر وعمر وعثمان ، فإذا سمعتموني أترحّم على أحد من أئمّة
____________
1- الكافئة ، الشيخ المفيد : 16 ـ 17 ، والجمل : 149 .
2- نهج البلاغة : 409 الكتاب 36 ، شرح النهج 16 : 148 .
________________________________________ الصفحة 168 ________________________________________
الضلالة فإنّي أعني بذلك بَنِيَّ )(1) .
فاجابه أمير المؤمنين بكتاب طويل ، فيه :
ولعمري يا معاوية ، لو ترحّمتُ عليك وعلى طلحة والزبير ما كان ترحّمي عليكم واستغفاري لكم ليحقّ باطلاً ، بل يجعل الله ترحّمي عليكم واستغفاري لكم لعنة وعذاباً . وما أنت وطلحة والزبير بأحقر جرماً ولا أصغر ذنباً ولا أهون بدعة وضلالة ممّن استنّا لك(2) ولصاحبك الّذي تطلب بدمه ، ووطّئا لكم ظُلمنا أهل البيت ، وحَملاكم على رقابنا ، فإنّ الله يقول : ( ألَمْ تَرَ إلى الَّذينَ اُوتُو نَصيباً مِنَ الكِتاب يُؤْمِنُونَ بالجبْتِ وَالطّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذينَ كَفَروا هؤلاءِ أهْدى مِنَ الَّذينَ آمَنوا سَبيلاً * أولئك الَّذينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَن الله فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصيراً * أمْ لَهُمْ نصيبٌ مِن المُلْكِ فَإذا لا يُؤتُونَ النّاسَ نَقيراً * أمْ يَحْسُدونَ النَّاسَ على ما آتاهُم اللهُ مِنْ فَضْلِهِ )(3) ، فنحن الناس ونحن المحسودون ; قال الله عزّوجل : ( فَقَدْ آتَيْنا آلَ إبْراهيمَ الكِتابَ وَالحِكْمَةَ وآتَيْناهُم مُلْكاً عَظيماً * فَمِنْهُم مَنْ آمَنَ به وَمِنْهُمْ مَنْ صَدّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعيراً )(4) .(5)
فالإمام(عليه السلام) بكلامه هذا كان يريد الاشارة إلى أن الدخول في مثل هذه الأمور
____________
1- كتاب سليم بن قيس : 301 . وفي نسخة (ج) من الكتاب المزبور (انك قد سميت ثلاثة بنين لك ، كنيت أحدهم ابا بكر ، وسميت الاثنين عمر وعثمان) .
2- يعني بذلك أبا بكر وعمر .
3- النساء : 51 ـ 54 .
4- النساء : 54 ـ 55 .
5- كتاب سليم بن قيس 305 ، بحار الأنوار 33 : 154 باختلاف يسير .
________________________________________ الصفحة 169 ________________________________________
ليست من مهامّ الطلقاء ، والذين قاوموا الإسلام حتى الساعات الأخيرة ، بل هذا الأمر يرتبط به وبالسابقين إلى الإسلام من المهاجرين والأنصار ، وقد جاء هذا الأمر صريحاً في كتاب له(عليه السلام) إلى معاوية مجيباً في ذلك الكتاب مدعياته فقال :
وَزَعَمْتَ أنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ فِي الاِْسْلاَمِ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ ; فَذَكَرْتَ أَمْراً إنْ تَمَّ اعْتَزَلَك كُلُّهُ ، وَ إِنْ نَقَصَ لَمْ يَلْحَقْكَ ثَلْمُهُ . وَمَا أَنْتَ وَالْفَاضِلَ وَالْمَفْضُولَ ، وَالسَّائِسَ وَالْمَسُوسَ ! وَمَا لِلطُّقَاءِ وَأَبْنَاءِ الطُّلَقَاءِ ، وَالتَّمْييزَ بَيْنَ آلْمُهَاجِرِينَ ، وَتَرْتِيبَ دَرَجَاتِهِمْ ، وَتَعْرِيفَ طَبَقَاتِهِمْ ! هَيْهَاتَ لَقَدْ حَنَّ قَدْحٌ لَيْسَ مِنْهَا ، وَطَفِقَ يَحْكُمُ فِيهَا مَنْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ لَهَا ! أَلاَ تَرْبَعُ أَ يُّهَا الاِْنْسَانُ عَلَى ظَلْعِكَ ، وَتَعْرِفُ
قُصُورَ ذَرْعِكَ ، وَتَتَأَخَّرُ حَيْثُ أَخَّرَكَ الْقَدَرُ ! فَمَا عَلَيْك غَلَبَةُ الْمَغْلُوبِ ، وَلاَ ظَفَرُ الظَّافِرِ(1) !
ثمّ جاء(عليه السلام) يذكره بالأقدمين إسلاماً :
أنَّ قَوْماً آسْتُشْهِدُوا فِي سَبيلِ اللهِ تَعَالى مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَآلاَْنْصَارِ ، وَلِكُلٍّ فَضْلٌ ، حَتَّى إِذَا اسْتُشْهِدَ شَهِيدُنَا قِيلَ : سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ ، وخَصَّهُ رَسُولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله) بِسَبْعِينَ تَكْبِيرَةً عِنْدَ صَلاَتِهِ عَلَيْهِ ! أَوَ لاَ تَرَى أَنَّ قَوْماً قُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ـ وَلِكُلٍّ فَضْلٌ ـ حَتَّى إِذَا فُعِلَ بِوَاحِدِنَا مَا فُعِلَ بِوَاحِدِهِمْ ، قِيلَ : ( الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ وَذُو الْجَنَاحَيْنِ ! ) وَلَوْلاَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ مِنْ تَزْكِيَةِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ ، لَذَكَرَ ذَاكِرٌ فَضَائِلَ جَمَّةً ، تَعْرِفُهَا قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَلاَ تَمُجُّهَا آذَانُ السَّامِعِينَ . فَدَعْ عَنْكَ مَنْ مَالَتْ بِهِ الرَّمِيَّةُ ; فَإِنَّا صَنَائِعُ رَبِّنَا ، وَالنَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا . لَمْ يَمْنَعْنَا قَدِيمُ عِزِّنَا وَلاَ عَادِي طَوْلِنَا عَلَى قَوْمِكَ أَنْ خَلَطْنَاكُمْ بِأَنْفُسِنَا ; فَنَكَحْنَا وأَنكَحْنَا ، فِعْلَ الاَْكْفَاءِ ، وَلَسْتُمْ هُنَاكَ ! وَأَنَّى يَكُونُ ذْلِكَ وَمِنَّا النَّبِيُّ وَمِنْكُمُ الْمُكَذِّبُ ، وَمِنَّا أسَدُ اللهِ وَمِنْكُمْ أَسَدُ الاَْحْلاَفِ ، وَمِنَّا سَيِّدا شَبَابِ أهْلِ الْجَنَّةِ وَمِنْكُمْ صِبْيَةُ النَّارِ ، وَمِنَّا خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينِ ، وَمِنْكُمْ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ ، في كَثِير مِمَّا لَنَا وعَلَيْكُمْ !
____________
1- نهج البلاغة : 385 ـ 386 . الكتاب 28 .
________________________________________ الصفحة 170 ________________________________________
إلى أن يقول :
وَزَعَمْتَ أَنِّي لِكُلِّ الْخُلَفَاءِ حَسَدْتُ ، وَعَلَى كُلِّهِمْ بَغَيْتُ ، فَإِنْ يَكُنْ ذلِكَ كَذْلِكَ فَلَيْسَتِ آلْجِنَايةُ عَلَيْكَ ، فَيَكُونَ الْعُذْرُ إِلَيْكَ . ( وَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ
عَارُهَا ) .
وَقُلْتَ : إِنِّي كُنْتُ أُقَادُ كَمَا يُقَادُ آلْجَمَلُ آلْمَخْشُوشُ حَتَّى أُبَايِعَ ، وَلَعَمْرُ آللهِ لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تَذُمِّ فَمَدَحْتَ ، وَأَنْ تَفْضَحَ فَافْتَضَحْتَ ! وَمَا عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ غَضَاضَة في أنْ يَكُونَ مَظْلُوماً مَا لَمْ يَكُنْ شَاكّاً في دِينِهِ ، وَلاَ مُرْتَاباً بِيَقِينِهِ ! وَهذِهِ حُجَّتِي إلَى غَيْرِكَ قَصْدُهَا ، وَلكِنِّي أَطْلَقْتُ لَكَ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا سَنَحَ مِنْ ذِكْرِهَا(1) .
بهذه الكلمات والآهات وضّح الإمام ما كان يعيش فيه ، والمتأمّل في كلماته في نهج البلاغة وغيره يعرف هذه الحقيقة بكل وضوح ، فمما قاله(عليه السلام) أيضاً :
كنت في أ يّام رسول الله كجزء من رسول الله ، ينظر إليّ الناس كما يُنظر إلى الكواكب في أفق السماء ، ثم غضَّ الدهر منّي فقُرن بي فلان وفلان ، ثمّ قُرِنْتُ بخمسة أمثلُهم عثمان فقلت : وا ذفراه(2) ، ثمّ لم يرض الدهر لي بذلك حتّى أرذلني ، فجعلني نظيراً لابن هند وابن النابغة ، لقد استنَّت الفِصال حتّى القَرْعى(3) .
وفي رسالته(عليه السلام) إلى معاوية بن أبي سفيان :
فياعجبا للدهر ، إذ صرت يُقرَنُ بي من لم يسع بَقدمي ، ولم تكن له كسابقتي التي لا يُدلي أحد بمثلها إلاّ أن يدّعي مُدَّع ما لا أعرفه ولا أظن الله يعرفه ، والحمد لله على كلّ حال(4) .
هذا ، وقد يمكن أن ترى فيما رواه المدائني جوانب اخرى ، إذ طلب معاوية
____________
1- نهج البلاغة : 387 ـ 388 الكتاب 28 .
2- والذفر : الرائحة الكريهة .
3- شرح نهج البلاغة 20 : 326 ، في الحكم المنسوبة إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) الرقم 733 .
4- نهج البلاغة : 368 ، الكتاب 9 وشرح النهج 14 : 47 .
________________________________________ الصفحة 171 ________________________________________
من عمّاله والخطباء لعن أبي تراب ، وكان أشدّ الناس بلاءً حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي ، فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضمّ إليه البصرة(1) ، فكان
____________
1- جاء في الغارات ، للثقفي (ت 283 هـ) عن أبي غسّان البصري : بني عبيدالله بن زياد ـ لعنه الله ـ مساجد بالبصرة تقوم على بغض عليّ (عليه السلام) والوقيعة فيه : مسجد بني عدي ، ومسجد بني مجاشع ، ومسجد كان في العلافين على فرضة البصرة ، ومسجد في الأزد (الغارات 2 : 558) .
تأمّل في النصّ لترى قيام المساجد الأربعة في البصرة على الوقيعة في عليّ(عليه السلام) ، وهي سياسة بعض الحكّام في البلدان الإسلامية اليوم أيضاً ، وقد قال لي أحد أئمّة هذه المساجد : كلاّ إنّ الحكومات لا تنهانا عن الرواية عن علي لكنّنا نرجح الرواية عن غيره كي لا نرمى بالتشيع .
انظُرْ إلى تعليل هذا الخطيب وهو يعلم بقرب عليّ من رسول الله ورجحانه في العلم والقضاء والفتوى على غيره لكنه يرجح الرواية عن غيره .
ان الحكومات وعن طريق وزارات الأوقاف التابعة لها تبني المساجد وتنصب أئمّة عليها حسب ضوابط الوزارة ، فمن الطبيعيّ انّ لا يرتضى من يخالفهم بالمعايير التي رسمها الحاكم ، وخصوصاً الشيعيّ فانه لا يرتضي ذلك ، لانّه يشترط في إمام الجماعة العدالة ، وان المعيّن من قبل السلطان الجائر ليس بعادل عنده ، فلا يمكنه الصلاة خلفه في الظروف العادية ، ولا يخفى عليك بأنّ الراضي بالله العباسي هدم مسجد براثا على الشيعة بحجّة لعن الصحابه .
وهذا الامر وغيره دعا الشيعة إلى أن ينظّموا مجالسهم بعيداً عن المساجد الحكوميّة ، متخذين إماماً وخطيباً يرتضونه بعيداً عن الحاكم ، ومن هنا انتشرت الحسينيات عند الشيعة ، وإنّ الشيعة تمركزوا فيها تبعاً لأمر أئمّة أهل البيت في إقامة مجالس العزاء في دُورهم ، إذ أنّ الحكومات كانت لا تسمح لهم باقامة مآتم العزاء على السبط الشهيد في المساجد ، فكان من الضروريّ ان تجتمع الشيعة فيما بينهم لمدارسة قضاياهم ، ومن هنا جاءت الحسينيات .
وباعتقادي انّ كثرة الحسينيات على المساجد في البلدان الشيعية يعود إلى هذا السبب ، إذ ان السيدة فاطمة الزهراء قد رسمت أصول هذا المنهج عند الشيعة ، حينما ذهبت إلى خارج المدينة (بيت الأحزان) أ يّام أبي بكر ، لتبكي على والدها(صلى الله عليه وآله) وما اصابها من ظلم من قبل الخليفة !! ثمّ انتهجه أئمّة أهل البيت في الأزمان التي تلتها ، وقد يمكننا ارجاع اهتمام الشيعة بالحسينيات إلى اختلاف احكام الحسينيات عن المساجد ، فلا يجوز أن يدخل المسجد جنب ، أو حائض بخلاف الحسينية فإنه يجوز ذلك ، مع علم جميع الشيعة بأنّ الصلاة في المسجد أفضل من الصلاة في الحسينية ، لكنّ الضرورة ـ الدينية والسياسة ـ كانت تدعوهم للصلاة في الحسينية في بعض الأحيان .
وبهذا فقد فنّدنا بهذه التعليقة البسيطة شبهة يثيرها الخصم ضدّنا إذ يقولون بأنّ الشيعة لا يهتمّون بالمساجد ، فالأمر لم يكن كذلك ، فللشيعة مساجد كثيرة مضافاً إلى الحسينيات ، وقد تركوا الصلاة في المساجد اعتراضاً على الحكّام الظلمة كشاه ايران أيّام زمانه وعدم قبولهم بشرعية الإمام المنصوب من قبل السلطة في المساجد ، لا لنفس المساجد ، ويا حبّذا أن يفتح الكتّاب والعلماء هذا الأمر أكثر مما قلته ، وأن تكتب في هذا الموضوع رسائل ، لأنّها التفاتة مهمّة لم يسبقني إليها أحد .
________________________________________ الصفحة 172 ________________________________________
يتَتَبَّع الشيعة ـ وهو بهم عارف لأ نّه كان منهم أيام علي(عليه السلام) ـ فقتلهم تحت كلّ حجر ومدر ، وأخافهم ، وقطع الأيدي والأرجل ، وسمل العيون ، وصلبهم على جذوع النخل ، وطردهم وشرّدهم من العراق ، فلم يبق بها معروف منهم .
وجاء في كتاب معاوية إلى عماله في الأمصار : أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة .
وكتب إليهم أيضاً : أنِ انْظُرُوا من قِبَلَكُمْ من شيعة عثمان ومحبّيه وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم ، وقربوهم وأكرموهم ، واكتبوا لي بكل ما يروي كلّ رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته ، ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه ; لِما كان يبعثه إليهم معاوية من الصِّلات والكساء والحباء والقطائع ، ويفيضه في العرب منهم والموالي ، فكثر ذلك في كلّ مِصر ، وتنافسوا في المنازل والدنيا ، فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملاً من عمال معاو ية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلاّ كتب اسمه وقرّبه وشفّعه ، فلبثوا بذلك حينا ، ثم كتب إلى عماله :
إنّ الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كلّ مصر وفي كلّ وجهَ وناحية ، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين ، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلاّ وتأتوني بمناقض له في الصحابة ، فإنّ هذا أحب إليّ ، وأقرّ لعيني ، وأدحض لحجّة أبي تراب وشيعته ، وأشدّ عليهم من مناقب عثمان وفضله فَقُرئت كتبه على الناس فرويت اخبار كثيرة
________________________________________ الصفحة 173 ________________________________________
في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقية(1) .
فمعاوية كان يريد دائماً تهييج الخلاف العُمَري العلوي ، والخلاف الموجود بين علي وعائشة ، وبينه(عليه السلام) وبين طلحة والزبير ، واستغلال كل ذلك لمآربه الخاصة .
وكذا كان حال أبنائه وأتباع مدرسته أيضاً ، فالأمويّون كانوا يريدون أن يثيروا الخلاف بين الطالبيين وغيرهم ليصفو لهم مشربهم ، و يسهل عليهم كسر شوكتهم ، فلو قرات في حوادث سنة 121 من تاريخ الطبري فترى فيها مخاصمة زيد بن علي بن الحسين الشهيد مع عبد الله بن الحسن بن الحسن السبط ، وفيه :
( لما كان الغد أحضرهم الوالي [وهو إبراهيم بن هشام] وأحضر قريشاً والأنصار ... وفطن عبد الله [بن الحسن] وزيد لشماتة الوالي بهما ، فذهب عبد الله يتكلّم فطلب إليه زيد فسكت ، وقال زيد للوالي : أما والله لقد جمعتنا لأمر ما كان أبو بكر ولا عمر ليجمعنا على مثله ، و إنّي أُشْهِدُ الله أَن لا أنازعه إليك مُحِقّاً ولا مبطلاً ما كنتُ حياً ، ثمّ قال لعبد الله : انهض يا بن عم ، فنهض وتفرّق الناس ...
ثمّ ولّى هشامُ بن عبد الملك خالدَ بن عبد الملك المدينة ... فقال خالد لهما : اغدوا علينا غداً فلست لعبد الملك إن لم أفصل بينكما .
فباتت المدينة تغلي كالمِرجَل ، يقول قائل كذا وقائل كذا ، قائل يقول : قال زيد كذا ، وقائل يقول : قال عبد الله كذا ، فلمّا كان الغد جلس في المسجد واجتمع الناس ، فمن شامت ومن مهموم ، فدعا بهما خالد وهو يحبّ أن يتشاتما ، فذهب عبد الله يتكلّم فقال : زيد لا تعجل يا أبا محمّد ، أعتق زيد ما يملك إن خاصمك إلى خالد أبدا .
ثم أقبل على خالد ، فقال له : يا خالد لقد جمعت ذرّيّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمر ما كان يجمعهم عليه أبو بكر ولا عمر .
____________
1- شرح ابن أبي الحديد 11 : 44 ـ 45 .
________________________________________ الصفحة 174 ________________________________________
قال خالد : أما لهذا السفيه أحد ؟! فتكلّم رجل من الأنصار من آل عمرو بن حزم ، فقال : يابن أبي تراب وابن حسين السفيه ، ما ترى لوال عليك حقّاً ولا طاعة ، فقال زيد : اسكت أيها القحطاني فإنّا لا نجيب مثلك ) (1) .
هذا غيض من فيض جرائم الأمويين وأسيادهم الخلفاء الثلاثة .
والإمام كان عالماً بهذا الأمر ، فلذا لم يقدّم أمثال أبي سفيان ومعاوية على أبي بكر وعمر وحتى على عثمان ، لأنّ الشيخين وعثمان كانوا يراعون بنِسَب متفاوتة ظواهر الإسلام ، و إذا ارتكبوا مخالفة ارتكبوها بشيء من الحَذَر والدهاء وعدم المجاهرة بالخلاف ، بعكس معاوية ويزيد وأبي سفيان الذين ابتنت حياتهم على المجاهرة بالكسرو ية والقيصرية والسعي لمحو الإسلام ، نفاقاً وزوراً .
فمعاو ية ثبت عنه أ نّه قال حينما سمع الأذان : ( إلاّ دفناً دفنا )(2) ، أو : ( لله أبوك يا بن عبدالله لقد كنت عالي الهمة ، ما رضيت لنفسك إلاّ أن يقرن اسمك باسم ربّ العالمين )(3) ، أو قوله : ( لم أقاتلكم لتصلّوا وتصوموا بل قاتلتكم لأَتَأَمَّرَ عليكم )(4) .
وجاء عن أبي سفيان قوله : ( لله درّ أخي بني هاشم انظروا أين وضع اسمه )(5) .
وعن يزيد أ نّه قال :
لعبت هاشم بالملك فلا خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل(6)
____________
1- تاريخ الطبري 5 : 484 ـ 485 .
2- مروج الذهب 3 : 454 ، شرح النهج 5 : 130 ، وأنظر الأخبار الموقفيات للزبير بن كبار : 576 .
3- شرح النهج 10 : 101 .
4- مقاتل الطالبين : 45 ، شرح النهج 16 : 15 ، 46 ، شرح الأخبار 2 : 157 ح 483 .
5- قصص الأنبياء : 293 ، وعنه في بحار الأنوار 18 : 108 ح 31 : 523 ح 22 .
6- مناقب بن شهرآشوب 3 : 261 ، اللهوف في قتلى الطفوف : 105 ، كشف الغمة 2 : 230 ، شذرات الذهب 1 : 69 ، رواه عن ابن عساكر ، البداية والنهاية 8 : 224 ، تاريخ الطبري 8 : 187 ، ( في الطبعة التي قوبلت على النسخة المطبوعة بمطبعة ابريل ) ـ لندن 1879 م .
________________________________________ الصفحة 175 ________________________________________
وهذا ما لا نسمعه من أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وطلحة و ...
اذن الحرب ضدّ أهل البيت كانت آخذة طابعَ التلبيس والمداهنة في كلّ شيء حتّى التسميات ، ثمّ أخذت طابع المجاهرة بالعداوة في كل شيء حتّى في الأسماء ، وقد كان أهل البيت(عليهم السلام) وأتباعهم يعرفون تلك الأمور أدقّ المعرفة وأتمّها ، فكانوا يقاومون التيّار الانتهازي الأموي ، فاصلين بين الشيخين وبين الأمو يين الذين كانوا يتّخذون من الشيخين وعثمان ترساً وغطاء يحتمون به وذريعة لمحاربة أهل البيت ، كل ذلك لتثبيت أركان حكومتهم الجائرة . فشيعة علي ـ تبعاً لمولاهم ـ كانوا ادرى بهذه الاعيب .
فقد جاء في كتاب ( الفتوح ) أنّ عبيد الله بن زياد قال لعبد الله بن عفيف الأزدي : يا عدوَّ الله ما تقول في عثمان بن عفان رضي الله عنه ؟
قال [عبد الله بن عفيف] : يابن عبد بني علاج! يابن مرجانة وسمية ! ما أنت وعثمان بن عفان؟ عثمان أساء أم أحسن ، وأصلح أم أفسد ، اللهُ تبارك وتعالى وليّ خلقه ، يقضي بين خلقه وبين عثمان بن عفان بالعدل والحقّ ، ولكن سلني عنكَ وعن أبيك ، وعن يزيد وأبيه .
فقال ابن زياد : والله لا سألتُكَ عن شيء أو تذوقَ الموت ، فقال عبد الله بن عفيف : الحمد لله ربّ العالمين ! أما إنّي كنت أسأل ربي عزّوجل أن يرزقني الشهادة والآن فالحمد لله الذي رزقني إيّاها بعد الإياس منها ، وعرّفني الإجابة منه لي في قديم دعائي ! فقال ابن زياد : اضربوا عنقه ! فضربت رقبته وصلب رحمة الله عليه(1) .
بهذا المنطق وهذه السياسة وقف أهل البيت وأصحابهم أمام من يريد أن يحتمي بأبي بكر وعمر وعثمان ، فلذلك أكّد أهل البيت قولاً وفعلاً على ضرورة سحب البساط من تحت أرجل الأمويين الذين كانوا يريدون الصعود على اكتاف
____________
1- الفتوح 5 : 125 ـ 126 ، اللهوف في قتلى الطفوف : 95 ـ 98 .
________________________________________ الصفحة 176 ________________________________________
الآخرين لتحقيق مآربهم ، والأئمّة من خلال تسميتهم اولادهم باسماء الثلاثة وقفوا أمام هذا المخطط المشووم .
التسمية بعلي(عليه السلام) في عهد معاوية
إنّ التسمية بعليّ كانت من الأمور المحظورة في عهد معاوية إلاّ للطالبيين ، وقد كان البعض يصر على اسمه رغم العقبات و يقبل بكل ما يصيبه .
والآخر كان يخاف و يصغّر اسمه بدواً فيقول : انا عُلَيّ ولست بعلي .
وهناك من كان يُصغّر اسمه من قبل اعدائه أو اعداء الإمام علي ، وهناك من كان يداهن أو يجامل فتارة يسمى بعلي واخرى بعُلى .
قال قتيبة بن سعيد سمعت الليث بن سعد يقول : قال عليُّ بن رباح : لا أجعل في حلٍّ من سمّاني عُلَيّاً فإن اسمي عَلِيّ .
وقال سلمة بن شبيب : سمعت أبا عبد الرحمن المقرىء يقول : كانت بنو اُمية إذا سمعوا بمولود اسمه عَلِيّ قتلوه ، فبلغ ذلك رباحاً فقال : هو عُلَيّ ، وكان يغضب من ( عَلِيٍّ ) و يُحرّج على من سمّاه به(1) .
وفي الاكمال : وامّا عُلَيَّ ـ بضمّ العين وفتح اللام ـ فهو عُليّ بن رباح بن قصير اللخمي من ازدة من القشيب ، أبو عبد الله ، وكان أحول أعور ، ولد سنة خمس عشرة ، ومات سنة سبع عشرة ومائة ، ويقال : سنة أربع عشرة ومائة ، وكان اسمه
____________
1- تهذيب الكمال ج 20 : 429 ، تهذيب التهذيب 7 : 280 ، الترجمة 541 ، تاريخ دمشق 41 : 480 ، 61 : 7 ، وفيه قتيبة بن سعيد قال : سمعت الليث بن سعد يقول : سمعت موسى بن علي يقول : من قال موسى بن عُلي لم اجعله في حل .
أبو زرعة صيوة بن طلق بن اسمع يقول سمعت أبي يقول : سمعت موسى بن علي بن رباح يقول : ليس اجعل احداً ينسبني إلى عُلي في حل انا ابن عَلي بن رباح . وفي خبر آخر عن الليث قال : سمعت موسى بن علي بن رباح يقول : من قال لي عُلي فقد أغتابني .
________________________________________ الصفحة 177 ________________________________________
عَليّاً فصغّر ، وكان يحرج على من سمّاه بالتصغير .
ومسلَمة بن عليّ كان يكره تصغير اسم أبيه أيضاً(1) .
وفي ( الغاية في شرح الهداية في علم الرواية ) المتفق والمختلف والمفترق والمؤتلف : ومُثّل للأوّل بموسى بن عُلَيّ ـ بضمّ العين مصغّراً ـ بن رباح اللخمي المصري أمير مصر ، اشتهر بالضمّ وصحّح البخاري وصاحب المشارق الفتح ، وقيل : بالضمّ لقبه ، وبالفتح اسمه ، وروي عنه قال : اسم أبي عَلي ـ يعني بفتح العين ـ ولكن بنو أميّه قالوه بالضمّ وفي حرج من قاله بالضم .
وروى عنه أ نّه قال : لم أجعله في حلّ ، ونحوه قول أبيه : لا أجعل أحداً في حلّ من تصغير اسمي .
قال ابن سعيد : أهل مصر يفتحونه بخلاف أهل العراق .
قال الدارقطني : كان يلقّب بعُلي وكان اسمه عَليّاً ، وقد اختلف في سبب تصغيره ، فقال أبو عبد الرحمن المقري : كان بنو أميّة إذا سمعوا بمولود عَلِيّاً قتلوه فبلغ من ذلك رباحاً فقال : هو عُلي بن رباح(2) .
وفي تدريب الراوي : وروي عن موسى [بن علي اللخمي المصري أمير مصر] (3) أ نّه قال : اسم أبي : عَلي ، ولكنّ بنو اُمية قالوا : عُلي ، وفي حرج من
____________
1- الاكمال 6 : 250 ، قال الدارقطني : كان يكره ان ينسب عُلي ، وغلب عليه ذلك . ( تاريخ دمشق 58 : 47 ـ 50 النكت على مقدمة ابن الصلاح 3 : 656 وفي الاكمال لابن ماكولا 6 : 250 ـ 251 ) .
وأ مّا علي بضم العين وفتح اللام فهو سلمة بن علي الخشني كان يكره تصغير اسم أبيه أيضاً . وفي توضيح المشتبه 6 : 336 وسلمة بن علي الخشني كان يكره لصغير اسم أبيه كموسى بن علي و إنما صغر في أ يّام بني أمية مراغمة من الجهلة .
2- الغاية في شرح الهداية في علم الرواية 1 : 280 ، تاريخ الإسلام 7 : 427 .
3- وموسى هذا قُتِل ابن له في حجره كان يسمّى عليّاً ، قال صاحب المصالت ، قيل ( الزم السُنّة تدخل الجنة ) قال : وما السنة ؟ قال : حبّ أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية ولعن أبي تراب ، قال : هو الذي كان يقاتل مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ قال : صار اليوم خارجيا . ونهى معاوية عن تسميته ، فسمّى موسى بن رباح ابنه عليا فُذِبَح في حجره . ( الصراط المستقيم 1 : 151 ـ 152 ) .
________________________________________ الصفحة 178 ________________________________________
قال عُلي .
وعنه أيضا : من قال : موسى بن عُلي ، لم أجعله في حِلّ ، وعن أبيه : لا أجعل في حلّ أحد يصغّر اسمي .
قال أبو عبد الرحمن المقرئ : كانت بنو اُمية إذا سمعوا بمولود اسمه عَلِيّ قتلوه ، فبلغ ذلك رباحاً فقال : هو عُلَي .
وقال ابن حبان في الثقات : كان أهل الشام يجعلون كلّ عَلِيٍّ عندهم عُلَيّاً ، لبغضهم عليا رضي الله تعالى عنه ، ومن أجله قيل لوالد مسلمة ولابن رباح : ( عُلَيّ )(1) .
وهذه النصوص مختلفة عن عليّ بن رباح ، وقد سعى النووي في شرحه أن يجمع بينها فقال : عُلَيّ بن رباح ، وهو بضمّ العين على المشهور ، وقيل بفتحها ، وقيل يقال بالوجهين ، فالفتح اسم والضم لقب(2) .
كل هذه النصوص ترشدنا إلى وجود حالة استثنائية في التسميات سواء كان الشخص يصغّر اسمه خوفاً ، أو انّ الآخرين يصغّرونه تنقيصاً ، المهمّ عندنا بيان هذه الحالة ووجودها آنذاك لا غير ، وليس هدفنا ضبط الاسم ، هل هو علي أم عُلي .
أجل انّ معاوية كتب إلى عماله نسخة واحدة : انظروا من قامت عليه البينة أ نّه يحبّ علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان ، وأسقطوا عطاءه ورزقه(3) .
وفي نص آخر : ( من اتّهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكّلوه به واهدموا داره ) ، قال ابن أبي الحديد : فلم يكن البلاء أشدّ ولا أكثر منه بالعراق ولا سيما بالكوفة ، حتّى إنّ الرجل من شيعة علي (عليه السلام) ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سرّه ،
____________
1- تدريب الراوي 2 : 331 ، الشذا الفياح 2 : 688 ، تهذيب الكمال 20 : 427 ، الثقات لابن حبان 7 : 454 ت 10895 ، قاله عن أبي حاتم .
2- شرح النووي على مسلم 11 : 17 .
3- شرح النهج 11 : 45 ، كتاب سليم بن قيس : 318 .
________________________________________ الصفحة 179 ________________________________________
و يخاف من خادمه ومملوكه ، ولا يحدّثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتُمنَّ عليه(1) .
ولا يخفى عليك بأن محاربة اسم عليٍّ كانت ضمن هذه السياسة المشدّدة ضده(عليه السلام) و إليك بعض النصوص في ذلك .
فجاء في كتاب ( الكافي ) ، عن عبدالرحمن بن محمّد العزرمي ، قال :
استعمل معاو يةُ مروانَ بن الحكم على المدينة ، وأمره أن يفرض لشباب قريش ، ففرض لهم ، فقال علي بن الحسين(عليه السلام) : فاتيته ، فقال : ما اسمك ؟
فقلت : علي بن الحسين .
فقال : ما اسم أخيك ؟
فقلت : علي .
قال : علي وعلي ؟! ما يريد أبوك أن يدع أحداً من ولده إلاّ سمّاه علياً ؟
ثمّ فرض لي ، فرجعت إلى أبي فأخبرته ، فقال : ويلي على ابن الزرقاء دبّاغة الأَدَم ، لو ولد لي مائة لأحببت أن لا أسمّي أحداً منهم إلاّ علياً(2) .
وهذا النصّ يرشدنا إلى أنّ الحساسيّة مع اسم عليّ صُرِّحَ بها علانيةً منذ أن وَليَ المدينة مروان بن الحكم من قبل معاوية ، أي بين سنة 41 هـ وسنة 49 هـ ، وأنّ التسمية بعليّ لم تكن ردة فعل من قبل الطالبيين فحسب ، بل كانت لجمالية هذا الإسم المبارك ومحبوبيّته عند الله ورسوله وأئمّة أهل البيت وتأكيد الله ورسوله عليه .
____________
1- شرح النهج 11 : 45 .
2- الكافي 6 : 19 ح 7 وعنه في وسائل الشيعة 21 : 395 ح 1 .
________________________________________ الصفحة 180 ________________________________________
التسمية بعلي عند أهل البيت
نعم ، جاء التأكيد على التسمية بمحمد وعلي والحسن والحسين وحمزة وفاطمة(1) من قبل أئمّة أهل البيت رغم أنف معاوية ومروان والنواصب ، وتأكيداً لرمزية أهل البيت الممنوحة من قبل الله ورسوله لهم :
فعن محمّد بن عمرو ، أ نّه قال لأبي الحسن [الرضا] (عليه السلام) : ولد لي غلام .
فتبسم ثم فقال(عليه السلام) : سمَّيْتَهُ ؟
قلت : لا .
قال : سمّه علياً ، فإنّ أبي كان إذا أبطات عليه جارية من جواريه قال لها : يا فلانة ، انوي عليّاً ، فلا تلبث أن تحمل فتلد غلاماً(2) .
وعن الحسين بن سعيد قال : كنت أنا وابن غيلان المدائني دخلنا على أبي الحسن الرضا(عليه السلام) ، فقال له ابن غيلان :
أصلحك الله بلغني أنّ من كان له حمل فنوى أن يسمّيه محمّداً ولد له غلام ؟ فقال(عليه السلام) : من كان له حمل فنوى أن يسمّيه عليّاً ولد له غلام ، ثمّ قال : عليّ محمّد ، ومحمّد علي ; شيئاً واحداً .
قال : أصلحك الله إنّي خلّفت امرأتي وبها حَبَلٌ ، فادعُ الله أن يجعله غلاماً ، فأطرق إلى الأرض طويلاً ثم رفع رأسه فقال : سَمِّه علياً فإنه أطول لعمره ، فدخلنا مكّة فوافانا كتاب من
____________
1- مستدرك وسائل الشيعة 15 : 131 باب 17 في استحباب التسميه أحمد والحسن والحسين وجعفر وطالب وعبدالله وفاطمة .
2- الكافي 6 : 10 ح 11 ، وعنه في وسائل الشيعة 21 : 377 ح 6 .
________________________________________ الصفحة 181 ________________________________________
المدائن أ نّه قد ولد له غلام(1) .
وفي الخرائج والجرائح للراوندي والثاقب في المناقب لابن حمزة الطوسي ، والنصّ عن الثاني :
روي عن بكر بن صالح ، قال : قلت للرضا(عليه السلام) : امرأتي ـ أخت محمّد بن سنان ـ بها حبل ، فادع الله تعالى أن يجعله ذكراً ، قال : هما اثنان ، فقلت في نفسي : محمّد وعليّ ، فدعاني بعد انصرافي ، فقال : سمّ واحداً عليّاً والأُخرى أمّ عمرو .
فقدمت الكوفة وقد ولد لي غلام وجارية في بطن واحد ، فسمّيت كما أمرني ، فقلت لأمّي : ما معنى أمّ عمرو ؟
فقالت : ان أمّي كانت تُدعَى أُمّ عمرو(2) .
انّ محبوبيّة التسمية باسم عليّ لم يكن مختصّاً بالعهد الأموي أو العباسيّ أو من بعدهما لأنّ التسمية بعليّ كان محبوباً ومنذ ولادة الإمام عليّ ـ لأ نّه اسم جميل ومشتقّ من الله العليّ ـ وسيبقى محبوباً حتّى يوم القيامة ، وهو اسم رائج عند المؤمنين قد يغلب على الأسماء الأخرى عندهم ، وهذا كان يؤذي أعداء أهل البيت وخصوصاً الأمويين منهم ، الذين كانوا يحاولون جادين لطمس رمزية هذا الاسم واستبداله برمزية أسمائهم .
فقد كان معاوية يحبّ أن يُخلّد اسمه ، وأن يصبح رمزاً كعمر بن الخطاب و إن يكون اسمه مثل اسم محمّد ، يحيى ، داود ، إبراهيم ، موسى ، عيسى وغيرهم ، فقد قال ابن أبي الحديد :
ولد لعبدالله بن جعفر بن أبي طالب ولد ذكر فبُشِّرَ به وهو عند
____________
1- الكافي 6 : 11 ح 2 ، وسائل الشيعة 21 : 376 ح 1 .
2- الخرائج والجرائح للراوندي 1 : 362 ح 17 ، الثاقب في المناقب : 214 ح 17 .
________________________________________ الصفحة 182 ________________________________________
معاوية بن أبي سفيان، فقال له معاوية : سَمِّه باسمي ولك خمسمائة ألف درهم ، فسمّاه : معاويةَ ، فدفعها إليه ، وقال : اشتر بها لسميّي ضيعة(1) .
وحكي عن معاوية بن عبدالله بن جعفر هذا أ نّه كان صديقاً ليزيد بن معاو ية بن أبي سفيان خاصّاً به ، والأخير سمّى ابن معاوية بن عبدالله بن جعفر باسمه(2) .
وهذان النصّان ونص تسمية عمر تشير إلى أنّ عمر ومعاوية وابنه يزيد كانوا يحبون أن يسمّي الناس أولادهم بأسمائهم ، واهبين الهدايا لمّن يسمي بأسمائهم ، وفي المقابل كان معاوية واتباعه يقتلون كل من تسمّى بعلي والحسن والحسين(3) ، أي أ نّهم يحبّون أن يسمّي الناس أولادهم بخالد ، و يزيد ، ومعاوية و يعطون على ذلك بدلا و يخالفون التسمية بعلي والحسن والحسين(4) .
من هنا بدأت حرب الأسماء تستعر شيئاً فشيئاً ، لأنّ الطلقاء جنّدوا بعض الأسماء لصالحهم ومنعوا من أسماء أخرى .
وقد كان عبدالله بن جعفر وابنه معاوية بعده الوحيدَين من الهاشميين اللَّذين تعاطفا مع معاوية و يزيد وسمَّيا أولادهما بمعاوية ويزيد ، مضافاً إلى تسمية عبدالله بن جعفر ابناً آخر له باسم أبي بكر ، وقيل بأن هذا كان كنية لابنه محمّد الأصغر وليس هو باسم لَهُ ، لكن الأمويين والعباسين حرفوه وجعلوه اسماً ، كلّ هذه الأمور دعت الهاشميين إلى أن يهجروا عبدالله بن جعفر .
____________
1- شرح نهج البلاغة 19 : 369 ، الاعلام للزركلي 7 : 262 ، وانظر الغارات 2 : 695 ، وفيه قال : سمه باسمي ولك مائة الف درهم ، ففعل لحاجته وأعطاه معاوية المال فوهبه عبدالله للذي بشره به .
2- انظر تاريخ دمشق 59 : 246 ، الأغاني 12 : 261 .
3- من قبل معاوية على وجه الخصوص .
4- انظر دراسات عن المورخين العرب لمارجليوت وتاريخ المسعودي حوادث 212 هـ .
________________________________________ الصفحة 183 ________________________________________
قال ابن إسحاق : لم يسمّ أحد من بني هاشم ولده بمعاوية إلاّ عبدالله بن جعفر ، ولمّا سمّاه هجره بنو هاشم ، فلم يكلّموه حتى توفّي(1) .
ولا يخفى عليك إنّ هجر الطالبيين لعبدالله بن جعفر كان لهيجان عاطفي أصابهم ، وهو أمر وجداني يصيب كل أحد ، لأ نّهم كانوا يرون أنفسهم مظلومين ، فمن جهة يرون الأمويين يشعلون نار الفتنة بين الناس و يثيرون الحساسيات بين الهاشميين وبين الأنصار .
ومن جهة أخرى يستغلّون أبناء الصحابة واخوانهم في حروبهم وفي مواقفهم ضد الطالبيين ، فأبناء أبي طالب لم يرتضوا التسمية بمعاوية ويزيد في ظروفهم العادية ، وان كانوا قد سمو ـ في ظروف خاصة ـ اولادهم بإسماء الثلاثة .
وقد يمكننا أن نعذر عبدالله بن جعفر ، لأن الطالبيين عموماً والعلويين بوجه خاص كانوا يمرون بضغوط مالية ومعنوية عالية ، فالبعض منهم كان يصبر ، والآخر كان لا يطيق الصبر . مثل عبدالله بن جعفر .
فإنّ عبدالله بن جعفر كان في ركاب عمّه أميرالمؤمنين في خلافته وبيعته وحروبه . لكنّ الحقد الأموي وأَخْذَ الخمس والفيء وفدك وغيرها من آل البيت ، جعلهم يرزحون تحت وطأة الضغوطات اللئيمة ، ومثل هذا ستراه في مواقف عمر الأطرف ابن أمير المؤمنين(2) .
فغصب فدك وأخذ الخمس والفيء من قبل الشيخين ، هو نفسه نهج معاوية والأمويين بزيادةِ قطع عطاء الشيعة وخصوصاً لمن سُمّي بـ ( عليّ ) ، وان هذه الضغوط تخرج الانسان من نصابه وخصوصاً حينما نراهم يذبحون و يسجنون كلّ من ينتمي لأهل البيت ولو بالاسم ، بل الأمويون كانوا يودّون أن لا يبقى من
____________
1- تذكرة الخواص : 175 .
2- في صفحة 348 .
________________________________________ الصفحة 184 ________________________________________
بني هاشم نافخ ضرمة حسبما سيتضح لك في الصفحات القليلة القادمة .
معاوية وأبادته للهاشميين
جاء في عيون الأخبار لابن قتيبة ، عن أبي الأغرّ التميمي : إنّ رجلا من أهل الشام يُعرف بعرار بن أدهم طلب براز العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب يوم صفّين بقوله : يا عبّاس ، هلمّ إلى البراز !
قال العبّاس : فالنزول إذاً فإنّه إياسٌ من القفول ; فنزل الشاميّ ، وهو يقول :
إن تركبوا فرُكوبُ الخيلِ عادَتُنا أو تنزلون فإنّا مَعْشَرٌ نُزُلُ
وثنى العباس وِركَهُ منزل ، وهو يقول :
وتصدّ عنك مَخِيلَة الرّجُل العرِّيض موضحِةٌ عن العَظمِ
بحُسامِ سيفك أو لسانِك والكَلِمُ الأصيلُ كأرغَبِ الكَلمِ
... فتكافحا بسيفيهما مَليّاً من نهارهما ; لا يصل واحدٌ منهما إلى صاحبه لكمال لامته ; إلى أن لحظ العبّاس وَهْياً في درع الشاميّ ، فأهوى إليه بيده ، فهتكه إلى ثُنْدُوَته ، ثمّ عاد لمجاولته وقد أصحر له مفتَّق الدرع ، فضربه العباس ضربَةً انتظم بها جوانحَ صدره ، وضرّ الشاميّ لوجهه ، وكبّر الناس تكبيرة ارتجّت لها الأرض من تحتهم ، وأنشَامَ العباس في الناس وآتساع أمره ، و إذا قائل يقول من ورائي : ( قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَ يُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْم مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن يَشَاءُ )(1) ، فالتفتُّ وإذا أميرالمؤمنين(رضي الله عنه) علي بن أبي طالب ، فقال : يا أبا الأغرّ ، من المنازل لعدوَّنا ؟
فقلت : هذا ابن أخيكم ، هذا العباس بن ربيعة . فقال : و إنّه لهو ! يا عبّاس ألم
________________________________________ الصفحة 185 ________________________________________
أنهَك ، وابنَ عبّاس [وحسناً وحسيناً وعبدالله بن جعفر] (2) أن تُخِلاّ بمركزكما ، أو تباشرا حرباً ؟ قال : إنّ ذلك يعني نعم ، قال : فما عَدا ممّا بدا ؟! قال : فأُدعَى إلى البراز فلا أجيب ؟ قال : نعم طاعة إمامك أولى بك من إجابة عدوّك ، ثمّ تغيّظ واستشاط حتّى قلت : الساعة الساعة . ثمّ تطامن وسكن ، ورفع يديه مبتهلا ، فقال : اللهمّ اشكر للعباس مقامه ، واغفر له ذنبه ، إنّي قد غفرتُ له ، فاغفر له .
قال : وتأسف معاوية على عرار ، وقال : متى يَنطِفُ فحلٌ بمثله ! أيُطَلّ دمه ! لاها الله ذا ! ألا رجلٌ يشري نفسه لله ، يطلُب بدم عرار ؟ فانتدَب له رجلان من لَخْم فقال : اذهبا ، فأ يّكما قتل العباس بِرازاً فله كذا .
فأتياه ، ودعواه إلى ابراز ، فقال : إنّ لي سيّداً أريد أن أؤامره ؟
فأتي عليّاً عليه السّلام ، فأخبره الخبر .
فقال عليّ(عليه السلام) ، والله لودّ معاوية أ نّه ما بقِيَ من بني هاشم نافخ ضَرمة إلاّ طُعِنَ في نيطه(3) ، إطفاءً لنور الله ( وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ )(4) .
وفي كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي : أنّ معاوية أقبل على عبيدالله بن عمر ـ وقد كان في جيشه ـ محرّضاً إياه على مبارزة الإمام علي أو مبارزه أحد ولده ، فقال له :
يا بن أخ ! هذا يوم من أيّامك ، فلا عليك أن يكون منك اليوم بما يسرّ به أهل الشام ، فخرج عبيدالله بن عمر وعليه درعان سابغان ... فذهب محمّد ابن الحنفية ليخرج إليه ، فصاح به علي : مكانك يا بني ! لا تخرج إليه(5) .
إنّ الإمام عليّ بن أبي طالب كان قد أخبر عن قلّة أنصاره يوم السقيفة ـ وهو
____________
1- التوبة : 14 ـ 15 .
2- الزيادة من تفسير العياشي 2 : 81 سورة براءة قوله تعالى ( و يشف صدور قوم مؤمنين ) .
3- وفي نسخة بطنه .
4- عيون الأخبار 1 : 274 ، وعنه في شرح نهج البلاغة 5 : 219 ـ 221 ، الآية في : التوبة : 32 .
5- الفتوح لابن الاعثم 3 : 128 ـ 129 .
________________________________________ الصفحة 186 ________________________________________
العالم اليوم بمخطط قريش المشؤوم وسعيهم لإبادة أهل بيته ـ فقال :
( فَنَظِرتُ فَإذا لَيسَ لي رَافِدٌ ولا ذَابٌّ وَلا مُساعِدٌ إلاّ أَهلَ بَيتي فَضَننْتُ بِهِم عَنِ المَنيّةِ فأَغضَيتُ عَلى القَذَى ... )(1) .
قالها (عليه السلام) ليس خوفاً من القتل بما هو قتل ، ولا بما أ نّهم أهل بيته وعشيرته ، بل لكونهم المحامين الرساليين للرسالة المحمدية ، ولولاهم لما اخضر للدين عود ، مع وجود هؤلاء الأعداء الالداء للإسلام فجاء في كتاب له إلى معاوية :
( وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذا احمَرَّ البَأسُ قَدَّمَ أَهْلَ بَيتِهِ فَوَقَى بِهِمْ أَصحَابَهُ حَرَّ السُّيُوفِ والأَسِنَّةِ )(2) .
فالإمام عليّ بهذه الكلمات كان يريد أن يُعلم معاوية بأنّ ليس له المزايدة عليه في اهتمامه بأصحاب رسول الله وأ نّه لا يريد برازهم لأ نّه عرف مخططهم .
إنّ نهي الإمام عليّ لابن عمّه العباس وكذا لابنه محمّد بن الحنفية لم يكن خوفاً من البراز والشهادة ، لأنّ الشهادة هي الطريق الأمثل لكلّ مسلم ، فكيف بأهل بيت الرسول الذين هم أسّ الدين وأساسه .
بل لعلمه بأن معاوية كان يريد الاحتماء بأبناء الخلفاء وزجهم في هكذا أمور تسعيراً للفتنة والأحقاد القديمة ، في حين يدّخر ولده يزيد للحكم القادم ...
وحين جيء بالأسرى من كربلاء إلى الشام طفح حقد يزيد على أهل البيت وعلى اسم عليٍّ بالذات ، فقد التفت إلى عليّ بن الحسين فقال : ما اسمك ؟
فقال : أنا عليّ بن الحسين ، فقال : أليس قد قتل الله عليّ بن الحسين ؟ فقال عليّ(عليه السلام) : قد كان لي أخ [أكبر منّي] يسمّى عليّاً فقتلتموه ، فقال له يزيد : (وَمَآ أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَة فَبَِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) .
فقال علي بن الحسين(عليه السلام) : ( مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَة فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ
____________
1- نهج البلاغة : 336 ، من كلام له(عليه السلام) 217 .
2- نهج البلاغة : 368 ، من كتاب له(عليه السلام) إلى معاوية 9 .
________________________________________ الصفحة 187 ________________________________________
إِلاَّ فِي كِتَاب مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ أَ تَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور )(1) ...
فقال : بل الله قتله ، فقال عليّ : ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا )(2) .
كانت هذه صورة إجمالية عن المخطط الأموي وهدف معاوية و يزيد في القضاء على الإمام عليّ وأولاده وأهله وعشيرته ، وأنّ الممانعة من التسمية بأسمائهم كانت على رأس المخطط ، وان الأمويون كانوا يتعرّفون على الاتجاهات الفكرية عند المسلمين من خلال التسميات .
وفي المقابل كان الإمام أميرالمؤمنين والإمام الحسن والإمام زين العابدين يسمون ـ أو قل يقبلون التسمية ـ بأسماء الخلفاء ولا يهابون من اطلاق هذه الأسماء على اولادهم ، كل ذلك لكي يجوّزوا هذه التسميات لشيعتهم ، والقول بأن لا ضير من التسمية بأمثال هذه الأسماء لو ضاق بهم الأمر ، خصوصاً إذا كان في تلك التسميات إفشالٌ للمخطط الأموي الرامي لتسعير حرب الأسماء وعزل الشيعة والتعرف عليهم من خلال الأسماء .
الأمويون والتسمية بمعاوية والوليد وخالد
والمنع من التسمية بعليّ والحسن والحسين
إنّ الأمويين كانوا يستغلّون عواطف الأمة والخلافات الموجودة بين الصحابة أبشع استغلال ، ترسيخاً لحكمهم وتثقيفاً للأمة على بغض آل البيت ، وأ نّهم بتقديسهم للخلفاء ، أخذوا يُكرِّهون أهل البيت للناس ، لأ نّهم قالوا كذا وكذا عن فلان وفلان ، بهذه السياسة أَخذو يحوّلون الناس عن التسمية بهذه الأسماء المباركة .
____________
1- مقاتل الطالبيين : 80 ، وانظر تفسير القمي 2 : 277 ، الارشاد ، للمفيد 2 : 115 ـ 116 ، اللهوف في قتلى الطفوف ، لابن طاووس 93 ـ 95 ، وفيه زيادة على ما جاء في الارشاد .
2- الزمر : 42 .
________________________________________ الصفحة 188 ________________________________________
روى أبو الحسن المدائني [عن أبي سلمة الأنصاري أنه] قال : حدّثني رجل ، قال : كنت بالشّام فجعلت لا أسمع أحداً يسمّي أحداً أو يناديه : يا علي ، أو يا حسن ، أو يا حسين ، و إنّما أسمع يا معاوية ، والوليد ، و يزيد ، حتّى مررت برجل فاستسقيته ماء ، فجعل ينادي : يا علي ، يا حسن ، يا حسين ، فقلت : يا هذا إنّ أهل الشام لا يسمّون بهذه الأسماء !
قال : صدقت ، إنّهم يسمّون أبناءهم بأسماء الخلفاء ، فإذا لعن أحدهم ولده أو شتمه فقد لعن اسم بعض الخلفاء ، و إنّما سمّيت أولادي بأسماء أعداء الله [و يعني بذلك آل البيت الأطهار] فإذا شتمتُ أحدهم أو لعنته فإنّما ألعن أعداء الله(1) .
وهذا النص يذكرنا بعدة نقاط :
أحدها : عدم وجود اسم علي والحسن والحسين في الشام إلاّ نادراً جدّاً جدّاً .
الثانية : شيوع أسماء أمثال الوليد ، ومعاوية ، ويزيد فيها .
الثالثة : إنّ الرجل المحبّ لآل البيت فرح واسترّ لمّا سمع شخصاً ينادي أولاده بأسماء ائمّة أهل البيت ، لكنّه سرعان ما خاب ظنّه وعلم أ نّه إنمّا سمّاهم بهذه الأسماء تنكيلا بهم ولكي يلعنهم .
الرابعة : إنّ ظاهرة اللّعن ليست مختصة بالشيعة كما يقولون ، بل كانت متفشية وشائعة بشكل عدائي مبرمج عند الأمويين ، بل إنّهم هم الذين سنّوا لعن عليٍّ من على المنابر .
____________
1- شرح نهج البلاغة 7 : 159 . وانظر تاريخ الإسلام للذهبي 16 : 290 ـ 291 ( حوادث ووفيات 221 ـ 230 ) وفيه اضافه : فقلت : حسبك خير أهل الشام وإذا ليس في جهم شرٌ منكم ، فقال المأمون : لا جرم قد جعل الله من يلعن احياءهم وأمواتهم ومن في الاصلاب ، يعني لعن الشيعة للناصبة .
________________________________________ الصفحة 189 ________________________________________
الخامسة : إنّ هذا الزاهد من أهل الشام !! كان يتحرّج من لعن أهل الشام أسماء الخلفاء ، فاستبدل أسماءهم بأسماء أهل البيت !!!
و يؤكّد مبغوضية اسم علي والحسن والحسين في الحكومة الأموية ما رواه الصدوق بسنده عن الاعمش أ نّه قال : بعث إليّ أبو جعفر الدوانيقي في جوف الليل أن أَجِبْ ، قال : فبقيت متفكّراً فيما بيني وبين نفسي وقلت : ما بعث إليّ أميرالمؤمنين في هذه الساعة إلاّ ليسألني عن فضائل عليّ(عليه السلام) ، ولعلّي إن أخبرته قتلني .
قال : فكتبت وصيّتي ولبست كفني ودخلت عليه ، فقال : أُدْنُ ، فدنوت منه وعنده عمرو بن عبيد ، فلمّا رأيته طابت نفسي شيئاً ، ثمّ قال : أُدْنُ ، فدنوتُ حتّى كادت تمسّ ركبتي ركبته ، قال : فوجد منّي رائحة الحنوط فقال : والله لتصدقني أو لأصلبنّك .
قلت : ما حاجتك يا أميرالمؤمنين ؟
قال : ما شأنك متحنّطاً ؟
قلت : أتاني رسولك في جوف الليل أن أجِبْ ، فقلت : عسى أن يكون أميرالمؤمنين بعث إليّ في هذه الساعة ليسألني عن فضائل علي(عليه السلام) ، فلعلّي إن أخبرته قتلني ، فكتبت وصيّتي ولبست كفني .
قال : وكان متّكئاً فاستوى قاعداً ، فقال : لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، سألتك بالله يا سليمان كم حديثاً ترويه في فضائل عليّ(عليه السلام) ؟
قال : فقلت : يسيراً يا أميرالمؤمنين .
قال : كم .
قلت : عشرة آلاف حديث وما زاد .
فقال : يا سليمان والله لأحدّثنّك بحديث في فضائل عليّ(عليه السلام) تنسى كلّ حديث سمعته .
قال : قلت : حدّثني يا أميرالمؤمنين .
________________________________________ الصفحة 190 ________________________________________
قال : نعم ، كنت هارباً من بني أميّة وكنت أتردّد في البلدان فأتقرّب إلى الناس بفضائل عليّ ، وكانوا يطعموني ويزودوني ، حتّى وردت بلاد الشام و إنّي لفي كساء خَلِق ما عليّ غيره ، فسمعت الإقامة وأنا جائع ، فدخلت المسجد لأصلّي وفي نفسي أن أُكلّم الناس في عشاء يعشّوني .
فلمّا سلّم الإمام دخل المسجد صَبِيّانِ ، فالتفتَ الإمامُ إليهما ، وقال : مرحباً بكما ومرحباً بمن اسمكما على اسمهما ، فكان إلى جنبي شابّ ، فقلت : يا شابّ ما الصَّبِيَّان من الشيخ ؟
قال : هو جدّهما ، وليس بالمدينة أحدٌ يحبّ عليّاً غير هذا الشيخ ، فلذلك سمّى أحدهما الحسن والآخر الحسين .
فقمت فرحاً ، فقلت للشيخ : هل لك في حديث أقرّ به عينك ، فقال : إن أقررتَ عيني أقررتُ عينك .
قال : فقلت : حدّثني والدي ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : كنّا قعوداً عند رسول الله إذ جاءت فاطمة تبكي ، فقال لها النبيّ(صلى الله عليه وآله) ما يبكيك يا فاطمة ؟ قالت : يا أبه خرج الحسن والحسين فما أدري أين باتا ... ـ والخبر طويل وفي آخره ـ قال : ـ فلمّا قلت ذلك للشيخ قال : من أنت يا فتى ؟
قلت : من أهل الكوفة .
قال : أعربيّ أنت ، أم مولى ؟
قلت : بل عربيّ .
قال : فأنت تحدث بهذا الحديث وأنت في هذا الكساء ! فكساني خلعته ، وحملني على بغلته . فتبعها بمائة دينار ... إلى أخره(1) .
وهذا الخبر كان قد صدر أ يّام اشتداد ثورة الهاشمين على الأمويين ، أي في أواخر الخكم الأموي ، وهو يدلّ على مدى ترسّخ العداء الأموي لأسماء آل محمّد
____________
1- أمالي الصدوق : 521 ـ 523 ( المجلس السابع والستون ) ، ح 2 .
________________________________________ الصفحة 191 ________________________________________
في الشام معقل الأمويين ، كما يدلّ على وجودِ بعض ضئيل جدّاً ممن لم تَنْطَلِ عليهم ألاعيب ومخططات الأمويين ، كالشيخ الكبير جَدِّ الصبيَّينِ .
هذا من جانب ، ومن جانب آخر فإنه يدلّ على مدى لؤم المنصور العباسي الذي كان يعيش تحت ظل فضائل أمير المؤمنين علي(عليه السلام) ، ثمّ لمّا تسلّم أمور السلطة غرز أنيابه وأنشب مخالبه في أولاد أمير المؤمنين(عليه السلام) .
تغيير الأمويين لبعض المفاهيم والأسماء
إنّ الأمويين لم يكونوا صادقين في إسلامهم ، بل كانوا يريدون الوقيعة بمحمد وآل بيته ، والاستخفاف بالمقدّسات ، فشبهوا رسول الله برجل من خزاعة لم يوافقه أحد من العرب كان يعبد الشِّعرى ، يعرف بـ ( أبي كبشة ) .
وغيروا اسم مدينة رسول الله من ( طيبة ) الى ( نتنة ) أو ( خبيثة ) ، وسمّوا بئر نبي الله إبراهيم زمزم بـ ( أمّ الخنافس ) أو ( أمّ الجعلان ) ، وقالوا عن الخليفة أ نّه أهمّ من رسول الله ، وركّزوا على التنقيص بعلي وكنية أبي تراب إلى غيرها من عشرات الكلمات البذيئة .
( ابن أبي كبشة ) هي الكنية التي كانت قريش تعيّر بها رسول الله ، فعن خالد بن سعيد : إنّ أباه سعيد بن العاص بن اُمية مرض مرضاً شديداً ، فقال : لئن شفاني الله من وجعي هذا لا يعبد إله محمّد بن أبي كبشة ببطن مكة ، قال خالد : فهلك(1) .
وفي المستدرك للحاكم ، عن بن العباس : إنّ أبا سفيان قال يوم أحد وهو يصيح في أسفل الجبل : اُعْلُ هبل ، أعْلُ هبل ، يعني آلهته ، أين ابن أبي كبشة ...(2) .
____________
1- المعجم الكبير 4 : 195 ح 4119 ، ومجمع الزوائد 6 : 19 ، طبقات ابن سعد 4 : 95 ، تاريخ دمشق 16 : 76 .
2- المستدرك على الصحيحين 2 : 324 ح 3163 ، المعجم الكبير 10 : 301 ح 10731 ، البداية والنهاية 3 : 246 .
________________________________________ الصفحة 192 ________________________________________
وجاء في صحيح البخاري خبر لقاء أبي سفيان برسول قيصر ببعض الشام والذهاب معه إلى قيصر لقراءة رسالة رسول الله إليه ، وبعد قراءة الرسالة خرج وهو يقول : لقد أَمِرَ أَ مْرُ ابن أبي كبشة ، هذا مَلِكُ بني الأصفر يخافه ، قال أبو سفيان : والله مازلت ذليلاً مستيقناً بأنّ أمره سيظهر حتى أدخل الله قلبي الإسلام وأنا كاره(1) .
وعن أبي هريرة ، قال : مرّ رسول الله بعبدالله بن أبيّ وهو في ظل أُطُم فقال: عبر علينا ابن أبي كبشة .
فقال ابنه عبدالله بن عبدالله: يا رسول الله والذي أكرمك لئن شئت لآئتينَّك برأسه .
فقال: ولكن بِرَّ أباك وأحسن صحبته، رواه البزار ورجاله ثقات(2) .
وفي المصنف : إنّ أمّ جميل أخت عمر أسلمت و إن عندها كتباً أكتتبتها من القرآن نقرأه سراً وحدث أ نّها لا تأكل من الميتة التي يأكل منها عمر، فدخل عليها يوماً عمر فقال: ما الكَتِفُ الذي ذكر لي عندك تقرئين فيها ما يقول ابن أبي كبشة؟ يريد رسول الله(3) .
وجاء عن معاوية أ نّه قال ـ للمغيرة حينما طلب منه أن يصل بني هاشم لأ نّه أبقى لذكره ـ قال: هيهات هيهات ، أيّ ذكر أرجو بقاءه؟ ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل فما عدا أن هلك حتّى هلك ذكره إلاّ أن يقول قائل : أبوبكر.
ثمّ ملك أخو عدي فاجتهد وشمّر عشر سنين ، فما عدا أن هلك حتّى هلك
____________
1- صحيح البخاري 3 : 1074 ـ 1076 ح 2782 ، مسند أحمد بن حنبل 1 : 262 ح 2370 ، مسند أبي عوانة 4 : 268 ـ 271 ح 6727 .
2- مجمع الزوائد 9 : 318 .
3- المصنف لعبدالرزاق الصنعاني 5 : 325 ـ 326 .
________________________________________ الصفحة 193 ________________________________________
ذكره إلاّ أن يقول قائل : عمر.
و إنّ ابن أبي كبشة ليُصاح به كلّ يوم خمس مرّات ( أشهد أنّ محمّدا رسول الله )، فأيّ عمل يبقى؟ وأيّ ذكر يدوم بعد هذا لا أباً لك؟ لا والله إلاّ دفناً دفناً(1).
وفي تفسير فرات الكوفي: إنّ رسول الله كان من أحسن الناس صوتاً بالقرآن ، فإذا قام من الليل يصلّي جاء أبوجهل والمشركون يستمعون قراءته ، فإذا قال ( بسم الله الرحمن الرحيم ) وضعوا أصابعهم في آذانهم وهربوا، فإذا فرغ من ذلك جاؤوا فاستمعوا، وكان أبوجهل يقول: إنّ ابن أبي كبشة ليردّد اسم ربّه، إنّه ليحبّه ، فقال الإمام جعفر الصادق(عليه السلام): صدق وإن كان كذوبا(2) .
ومن خلال النص الأخير نعرف سرّ إخفات الآخرين بالبسملة أو تركهم لها، وفي الطرف المقابل إصرار أهل البيت على الجهر بها وجعلها من علائم المؤمن(3) ، وهذا ما سأبحثه لاحقاً في مبحث البسملة من كتابي (صلاة النبي) .
وعلى كلّ حال ، فإنّ من الغرابة بمكان ما فعله النووي(4) حيث إنّه بعد أن وقف على أقوال أبي جهل ، وأبي سفيان ، ومعاوية ، وعبدالله بن أبيّ ، وسعيد بن العاص بن أميّة ، أراد التقليل من وطأة هذه الكنية والقول بأ نّها كنية لجدّ رسول الله من قِبَلِ أمّه ; أي لعمرو بن زيد النجاري ، ثم قال : وقيل : هي كنية لأبيه من الرضاعة أي زوج حليمة ; وهو الحارث بن عبدالعزى السعدي ، في حين أنّ النووي يعلم كغيره بأنّ ما قالوه وكنّوه إنّما قالوه عداوة له(صلى الله عليه وآله) ونَبْزاً ، لا حبّا به ولا إخباراً عن نسبه وسببه، فلو كانت تعييراً لرسول الله فهي أولى أن تكون كنية لذلك الرجل من
____________
1- شرح النهج 5 : 129 ـ 130، وفي مروج الذهب 3 : 454 ، قيل إنّ المأمون لما سمع هذا الخبر أمر منادياً يقول: برئنا من أحد من الناس ذكر معاوية بخير أو قدّمه على أحد من أصحاب رسول الله .
2- مستدرك وسائل الشيعة 4 : 185 ح 5 عن تفسير فرات الكوفي : 242 .
3- التهذيب 6 : 52 ح 37 ، وسائل الشيعة 14 : 478 ح 1 .
4- شرح مسلم للنووي 12 : 110 ـ 111 .
________________________________________ الصفحة 194 ________________________________________
خزاعة الذي قال عنه النووي : ( كان يعبد الشِّعْرى ولم يوافقه أحد من العرب في عبادته ; شبّهوا النبيّ به لمخالفته إيّاهم في دينهم كما خالفهم أبوكبشة )(1) . ومناسبة النبز واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار .
ذكر ابن عساكر بسنده عن محمّد بن عمارة ، قال: قدمت الشام في تجارة، فقال لي رجل: من أنت ؟
فقلت: رجل من المدينة .
قال: خبيثة !
فقلت: سبحان الله ! يسمّيها رسول الله طيّبة وتقول أنت : خبيثة !!
قال: إنّ لي ولها شأنا(2) .
وعن أبي معشر : قال لي رجل: بينا أنا في أسواق الشام إذا برجل ضخم، فقال لي: ممن أنت؟
قلت: رجل من أهل المدينة.
قال: من أهل الخبيثة !
فقلت له: سبحان الله ! رسول الله سمّاها ( طيّبة ) وسمّيتها خبيثة(3) !!
وفي أنساب الأشراف للبلاذري: إنّ يحيى بن الحكم بن أبي العاص جرى بينه وبين عبدالله بن جعفر كلام، فقال يحيى: كيف تركت الخبيثة؟ يعني المدينة.
فقال: سمّاها رسول الله طيّبة وتسميها خبيثة؟!! قد اختلفتما في الدنيا وستختلفان في الآخرة.
فقال [ابن أبي العاص] : والله لَئِنْ أموت ، أُدفن بالشام ـ الأرض المقدسّة ـ
____________
1- شرح مسلم للنووي 12 : 110 ـ 111 .
2- تاريخ دمشق 55 : 13 ، الكامل في التاريخ 3 : 461 .
3- الإمامة والسياسة لابن قتيبة : 184 .
________________________________________ الصفحة 195 ________________________________________
أحبُّ إليَّ من أن أدفن بها!
فقال عبدالله: اخترتَ مجاورة اليهود والنصارى على مجاورة رسول الله والمهاجرين والأنصار(1).
وجاء في مروج الذهب : أنّ مسلم بن عقبة ـ الذي يقال له : مسرف أو مجرم بن عقبة المُرِّي ـ استباح المدينة بعد واقعة الطف ، وأخاف أهلها ، وأخذ البيعة منهم على أ نّهم عبيد ليزيد ، وسمّى المدينة ( نتنة ) ، وقد سمّاها رسول الله طيبة(2).
وذكر أصحاب السير والتاريخ : أنّ معاوية لمّا تغلّب على الأمر قيل له: لو سكنت المدينة فهي دار الهجرة وبها قبر رسول الله.
فقال: قد ظللتُ إذاً وما أنا من المهتدين(3).
لأ نّه كان يسعى لبناء مجد خاصّ به وبالأمويين، ولو تأ مّلت في النصوص السابقة لعرفت اختلاف المنهجين، فيحيى بن الحكم بن أبي العاص يعتبر الشام الأرض المقدّسة وأن الدفن فيها أحب إليه من الدفن في مدينة الرسول، في حين عبدالله بن جعفر يقول له: اخترتَ مجاورة اليهود والنصارى على مجاورة رسول الله والمهاجرين والأنصار.
ومسرف بن عقبة يصف مدينة رسول الله بـ ( النتنة ) مخالفاً بذلك رسول الله الذي سمّاها طيبة ، ومعاوية يقول عن سكونه في المدنية : قد ظللت.
بلى ، أنّها حرب الأسماء ، فإنهم رووا أحاديث كثيرة في فضل الشام ومعاوية
وأبي سفيان، وروى الواقدي أنّ معاوية لمّا عاد من العراق إلى الشام بعد صلح الإمام الحسن سنة 41 خطب فقال: أ يّها الناس ، إنّ رسول الله قال: إنّك ستلي الخلافة من بعدي! فاخترِ الأرضَ المقدّسة فإنّ فيها الأبدال ، وقد اخترتكم فالعنوا
____________
1- انساب الاشراف 2 : 305 .
2- مروج الذهب 3 : 69 .
3- شرح الأخبار 2 : 165 ، حياة الإمام الحسين 2 : 148 .
________________________________________ الصفحة 196 ________________________________________
أبا تراب ـ أي عليّ بن أبي طالب ـ(1).
عن ابن عيّاش ، قال: كنّا عند عبدالملك بن مروان إذ أتاه كتاب من الحجاج يعظّم فيه أمر الخلافة و يزعم أنّ ما قامت السماوات والأرض إلاّ بها ، وأنّ الخليفة عند الله أفضل من الملائكة المقرّبين والأنبياء المرسلين(2).
وخطب الحجّاج بالكوفة فذكر الّذين يزورون قبر رسول الله(صلى الله عليه وآله) بالمدينة، فقال: تبّاً لهم! إنّما يطوفون بأعواد ورِمّة بالية! هلاّ طافوا بقصر أميرالمؤمنين عبدالملك! ألا يعلمون أنّ خليفة المرء خير من رسوله(3).
وخطب خالد بن عبدالله القسري على منبر مكّة فقال : أ يّها الناس أ يّهما أعظم أخليفة الرجل على أهله أم رسوله إليهم ؟ والله لو لم تعلموا فضل الخليفة الا أنّ إبراهيم خليل الرحمن استسقى ربّه فسقاه ملحاً أجاجاً ، واستسقاه الخليفة فسقاه عذباً فراتاً ، يعني بئراً حفرها الوليد بن عبدالملك بالثنيتين ـ ثنية طوى وثنية الحجون ـ فكان ينقل ماؤها فيوضع في حوض من أدم إلى جنب زمزم ليعرف فضله على زمزم(4) .
وفي الكامل للمبرد: وممّا كفّر به الفقهاءُ الحجّاجَ بنَ يوسف، أ نّه رأى الناس يطوفون حول حُجْرة رسول الله فقال: إنّما تطوفون بأعواد ورِمَّة ، قال الدميري في
____________
1- شرح نهج البلاغة 4 : 72 وفيه : فلما كان من الغد كتب ( معاوية ) كتاباً ثم جمعهم فقرأه عليهم ، وفيه : هذا كتاب كتبه أمير المؤمنين معاوية صاحب وحي الله الذي بعث محمّد اً نبياً ، وكان أمياً لا يقرأ ولا يكتب ، فاصطفى له من أهله وزيراً كاتباً أميناً ، فكان الوحي ينزل على محمّد وأنا اكتبه ، وهو لا يعلم ما أكتب ، فلم يكن بيني وبين الله أحد من خلقه ، فقال له الحاضرون كلهم: صدقت يا أميرالمؤمنين .
2- العقد الفريد 5 : 310 .
3- شرح نهج البلاغة 15: 242 .
4- تاريخ الطبري 5 : 222 ، جمهرة خطب العرب 2 : 322 ، الخطبة 308 .
________________________________________ الصفحة 197 ________________________________________
الحيوان و إنّما كفّروه بهذا لأنّ في هذا الكلام تكذيباً لرسول الله ـ نعوذ بالله من اعتقاد ذلك ـ فإنّه صحّ عنه أ نّه قال: إنّ الله عزّ وجلّ حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء(1).
وفي أنساب الأشراف : حدّثني عبدالله بن صالح ، عن حمزة الزيّات أ نّه سمعه يقول: وذكر الحجاج : إنّه أرسل الى مطرف بن المغيرة بن شعبة وكان يتألّه ، فقال له: يا مطرف ، أرسولك أكرم عليك أم خليفتك في أهلك؟
فقال: بل خليفتي أكرم.
قال الحجاج: فإنّ عبدالملك خليفة الله في عباده ، فهو أكرم عليه من محمّد وغيره من الرسل. فوقرت في نفس مطرف واختبأها وقال: جهادك والله أولى من جهاد الروم، فخرج عليه(2).
وقريب من ذلك ما سمعه المغيرة بن الربيع وخالد الضبّي عنه(3) ، فأقسما أن لا يصلّيا خلفه.
جاء في أنساب الأشراف وتاريخ دمشق : أنّ خالد بن عبدالله القسري ذمّ بئر زمزم، فقال: إنّ زمزم لا تُنزح ولا تُذَمّ، بلى والله إنّها لَتُنْزَحُ وتذمّ، هذا أميرالمؤمنين [و يعني به هشام بن عبدالملك] قد ساق لكم قناة بمكة من حالها وحالها(4).
وفي أنساب الأشراف : وحدّثني محمّد بن سعد الواقدي في إسناده : أنّ خالداً
____________
1- الكامل في اللغة 1 : 179 ، حياة الحيوان للدميري 1 : 247 والحديث في سنن أبي داود 1 : 275 ح 1047 ، 2 : 88 ح 10531 ، سنن ابن ماجة 1 : 345 ح 1085 ، و 1 : 524 ح 1636 ، سنن الدارمي 1 : 445 ح 1572 .
2- أنساب الأشراف 13 : 380 .
3- أنساب الأشراف 7 : 342 ، والمحن 1 : 246 .
4- انساب الاشراف 9 : 58 تاريخ دمشق 16 : 160 .
________________________________________ الصفحة 198 ________________________________________
قال: إنّ نبي الله إسماعيل استسقى ربّه فسقاه ملحاً أجاجا ، وسقي أميرَالمؤمنين عذباً زلالاً بئراً احتفرها له.
وقال أبوعاصم النبيل: ساق خالدٌ الماء إلى مكّة فنصب طستاً إلى جانب زمزم ، ثمّ خطب فقال: قد جئتكم بماء الغادية لا يشبه ماء أمّ الخنافس ، يعني زمزم(1) .
وفي نص آخر: صنع خالد القسري ما بين زمزم والحجر الأسود حوضاً كحوض العباس رضي الله عنه ، وجلب إليه الماء العذب من أصل جبل ثبير ، وكان ينادي مناديه: هلمّوا إلى الماء العذب واتركوا أمّ الخنافس، يعني زمزم، أخزاه الله، فلمّا مضت دولة بني أميّة غيّر أهل مكّة تلك السقاية وهدموها ولم يتركوا لها أثراً(2) .
وفي الأغاني: قال المدائني: وكان له [أي لهشام] عامل يقال له : خالد بن أميّ، وكان يقول: والله لخالد بن أُميّ أفضل أمانة من عليّ بن أبي طالب.
وقال له يوما: أيّما أعظم ، ركيَّتُنا أم زمزم؟ فقال له: أ يّها الأمير من يجعل الماء العذب النقاخ مثل الملح الأجاج ؟! وكان يسمّي زمزم أمَّ الجُعْلان(3).
استغل الأمويون كثيراً من المسلّمات القرآنية والحديثية لماربهم فمثلا استغل معاوية النصّ القرآني ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَب وَتَبَّ )(4) ليقول لأهل الشام: إنّ أبالهب ـ المذموم في القرآن باسمه ـ هو عمّ الإمام عليّ بن أبي طالب، فارتاع أهل الشام
____________
1- انساب الاشراف 9 : 59 وتاريخ دمشق 16 : 160 ـ 161 .
2- الروض المعطار : 293 .
3- الاغاني 22 : 22 وماء جعل ماتت فيه الجعلان ـ وهي دويبة سوداء ـ والخنافس .
4- المسد : 1 .
________________________________________ الصفحة 199 ________________________________________
لذلك، وشتموا عليّاً ولعنوه(1).
فكما ان أبا لهب هو عم لعلي بن أبي طالب فهو أيضاً عمّ لرسول الله أيضا، فالقوم لمّا لم يمكنهم التجريح برسول الله علناً اتخذوا النيل من عليّ وسيلة للنيل من رسول الله ، فالهجوم على عليّ يعني الهجوم على رسول الله وقد مرّ عليك كلام محمّد بن الحنفية وقوله : والله ما يشتم عليّاً إلاّ كافر يُسِرُّ شتمَ رسول الله ; يخاف أن يبوح به فيكنّي بشتم عليّ.
وقد ذكرني فعل معاوية هذا بما فعله مع عقيل ـ وعنده عمرو بن العاص ـ فقال لعمرو: لأضحكنّك من عقيل، فلمّا سلّم عقيل قال معاوية: مرحبا بمن عمّه أبولهب.
قال عقيل: وأهلا برجل عمّته ( حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِن مَسَد )(2) ، لأنّ امرأة أبي لهب أمُّ جميل بنت حرب بن أميّة.
قال معاوية: يا أبا يزيد ما ظنّك بعمّك أبي لهب ؟
قال: إذا دخلتَ النار فخُذْ على يسارك تجده مفترشاً عمّتك حمالة الحطب! أفناكِحٌ في النار خير أم منكوح !
قال: كلاهما شرّ والله(3).
بلى ، ان القوم اتهموا عليا بالكذب على الله وعلى رسوله وذلك دعا أميرالمؤمنين أن يخطب و يقول: ولقد بلغني أ نّكم تقولون : عليّ يكذب، قاتلكم الله ، فعلى من أكذب ؟ أعلى الله فأنا أوّل من آمن به، أم على نبيّه فأنا أوّل من صدّقه(4).
____________
1- شرح نهج البلاغة 2 : 172 .
2- المسد : 4 ـ 5 .
3- شرح نهج البلاغة 4 : 93 امالي المرتضى 1 : 200 .
4- نهج البلاغة 100 ، الخطبة 71 في ذم أهل العراق وانظر كلامنا حول هذا النص في كتابنا منع تدوين الحديث : 519 الطبعة الثالثة وفي الطبعة الرابعة : 557 .
________________________________________ الصفحة 200 ________________________________________
فالقوم هم أبناء القوم، فمعاوية اتّبع أبابكر وعمر(1) في تكذيب علي ، إذ هدّد عمرُ الإمام عليّاً بالقتل إن لم يبايع فقال(عليه السلام): إذن تقتلون عبدالله وأخا رسوله ، فقال عمر: أ مّا عبدالله فنعم ، وأ مّا أخو رسول الله فلا(2).
لا أدري كيف يجرؤ عمر وأبوبكر على إنكار مؤاخاة الإمام علي مع رسول الله، وهذه منقبة شهد العدوّ بها قبل الصديق وقد أراد البعض ان يجعلها لنفسه أيضاً فاُصيب، فعن زيد بن وهب قال: كنّا ذات يوم عند علي فقال : أنا عبدالله وأخو رسوله لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب. فقال رجل من غطفان: والله لأقولنّ كما قال هذا الكذّاب! أنا عبدالله وأخو رسوله. قال: فَصُرِعَ فجعل يضطرب ، فحمله أصحابه ، فاتّبعتهم حتى انتهينا الى دار عُمَارةَ. فقلت لرجل منهم: أخبرني عن صاحبكم ؟ قال: ماذا عليك من أمره؟ فسألتهم بالله ، فقال بعضهم: لا والله ما كنا نعلم به بأسا حتّى قال تلك الكلمة فأصابه ما ترى ، فلم يزل كذلك حتّى مات(3) .
وجاء في تاريخ الطبري أن عبيدالله بن زياد دخل المسجد بعد مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) وصعد المنبر وقال:... وقتل الكذَّابَ ابنَ الكذَّاب الحسين بن علي وشيعته ، فلم يفرغ ابن زياد من مقالته حتى وثب إليه عبدالله بن عفيف الأزدي قائلا: يابن مرجانة ، إنّ الكذّاب ابن الكذّاب أنتَ وأبوكَ ، والّذي ولاّكَ وأبوه.
يابن مرجانة ، أتقتلون أبناء النبيّ وتتكلمون بكلام الصدّيقين.
فقال ابن زياد: عليّ به، قال: فوثب عليه الجلاوزة فأخذوه(4).
____________
1- وهذا ما سنوضّحه بعد قليل ان شاء الله تعالى .
2- الإمامة والسياسة : 20 ، تقريب المعارف : 328 ، شرح نهج البلاغة 2 : 60 .
3- تاريخ دمشق 42 : 61 ، مناقب الكوفي 308 ، وانظر هذا الحديث في سنن ابن ماجة 1 : 44 ح 120 ، مصنف بن أبي شيبة 6 : 367 ، 368 ح 32079 ، ح 32084 ، الاحاد والمثاني 1 : 148 ح 178 ، مسند بن أبي حنيفة 1 : 211 ، كنز العمال 13 : 54 ح 36389 ، السنة لابن أبي عاصم 2 : 598 ح 1324 ، خصائص النسائي : 87 .
4- تاريخ الطبري 3 : 337 ، أنساب الاشراف 3 : 413 ، وفي الفتوح لابن الاعثم 5 : 123 ، فغضب ابن زياد ثمّ قال: من المتكلم؟ فقال: أنا المتكلّم يا عدوّ الله! أتقتل الذرية الطاهرة التي قد أذهب الله عنها الرجس في كتابه وتزعم أنّك على دين الإسلام؟ واعوناه؟ أين أولاد المهاجرين والانصار لينتقموا منك ومن طاغيتك اللعين ابن اللعين على لسان محمّد نبيّ ربّ العالمين...
________________________________________ الصفحة 201 ________________________________________
نعم ، إنّ معاوية استغلّ قميص عثمان لأثارة المشاعر وتهييج الأمّة ضدّ عليّ ، معتبراً شيعة أميرالمؤمنين علي(عليه السلام) فرقة نَبَزَها باسم الترابية ، واعتبرها هو وأذنابه من الفرق الضالّة ، فعن سعيد بن يسار قال : دخلت على أبي عبدالله (عليه السلام) وهو على سرير فقال : يا سعيد إنّ طائفة سُمِّيَت المرجئة ، وطائفة سميت الخوارج ، وسُمّيتُم الترابيّة(1) .
قال الكميت ـ وهو من شعراء العصر الأموي وعاش تلك المحنة السوداء ـ :
وقالوا ترابيٌّ هواهُ ودينُهُ بذلك أُدعى بينهم وأُلَقبُ(2)
وعن معاوية بن أبي سفيان أ نّه كتب في عهده إلى ابنه يزيد: أن يبعد قاتلي الأحبّة ، وأن يقدّم بني أمية وآل عبد شمس على بني هاشم ، وأن يقدّم آل المظلوم المقتول أميرالمؤمنين عثمان بن عفان على آل أبي تراب وذرّيّته(3).
وجاء في رسالة زياد بن أبيه إلى معاوية قائلاً: إنّ طواغيت الترابيّة السبئية السابة ـ رأسهم حجر بن عدي ـ خلعوا أميرالمؤمنين وفارقوا الجماعة(4).
في حين ستقف لاحقاً أنّ المسمَّين بالترابية لم يكونوا سبّابين كما وصفهم زياد ، بل كانوا جريئين يردّون السبّ بالسبّ، امتثالا لقوله تعالى : ( لاَ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ )(5) .
وقد اشتهر عن معاوية قوله في آخر خطبة الجمعة: اللّهمّ إنّ أبا تراب ألحَدَ في
____________
1- المحاسن ، للبرقي 1 : 156 ح 86 ، وعنه في بحار الأنوار 65 : 90 ح 22 .
2- خزانة الأدب 4 : 290 .
3- الفتوح 4 : 347 ـ 348 .
4- تاريخ الطبري 3 : 228 ، تاريخ دمشق 8 : 22 ، الأغاني 17 : 152 ، وفيه : الترابية السابة .
5- النساء : 148 .
________________________________________ الصفحة 202 ________________________________________
دينك ، وصدَّ عن سبيلك ، فالعنه لعناً وبيلاً ، وعذّبه عذاباً أليما ، وكتب بذلك إلى الآفاق(1).
ولقد كان الإمام عليّ(عليه السلام) يعلم ما سيلاقيه هو وشيعته ومحبّوه من معاوية ومن آل أبي سفيان ، لذلك قال(عليه السلام) قوله : إلاّ سيأمركم بسبي والبراءة منّي ، فإنه لي زكاة ولكم نجاة ، فأمّا السّبّ فسبّوني ، وأ مّا البراءة فلا تتبرّؤوا منّي ، فإنّي ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة(2).
وقال المعتمر بن سليمان: سمعت أبي يقول: كان في أ يّام بني أمية ما أحد يذكر عليّاً إلاّ قطع لسانه(3).
( وكان حجر بن عدي الكندي وعمرو بن الحمق الخزاعي وأصحابهما من شيعة عليّ بن أبي طالب إذا سمعوا المغيرة وغيره من أصحاب معاوية وهم يلعنون عليّا على المنبر يقومون فيردُّون اللَّعن عليهم و يتكلّمون في ذلك.
فلمّا قدم زياد الكوفة خطب خطبة له مشهورة لم يحمد الله فيها ولم يصلّ على محمّد، وأرعد فيها وأبرق، وتوعّد وتهدّد، وأنكر كلام من تكلم، وحذّرهم ورهّبهم، وقال: قد سميت الكِذْبة على المنبر ، الصلعاء، فإذا أوعدتكم أو وعدتكم فلم أفِ لكم بوعدي ووعيدي، فلا طاعة لي عليكم.
وكانت بينه [أي بين زياد] وبين حجر بن عدي مودّة ، فوجّه إليه فأحضره ثمّ قال له: يا حجر أرأيت ما كنت عليه من المحبة والموالاة لعليّ؟ قال: نعم، قال: فإنّ الله قد حوّل ذلك بغضةً وعداوةً. أو رأيت ما كنت عليه من البغضة والعداوة لمعاوية ؟ قال: نعم، قال: فإنّ الله قد حوّل ذلك محبّة وموالاة ، فلا أعلمنّك ما ذكرت عليّاً بخير ولا أميرالمؤمنين
____________
1- شرح نهج البلاغة 4 : 56 ـ 57 .
2- نهج البلاغة : 92 ، الكلمة 57 ، وانظر أنساب الاشراف 2 6 119 ح 77 .
3- الصراط المستقيم 1 : 152 .
________________________________________ الصفحة 203 ________________________________________
معاوية بشرّ(1) ).
وجاء في كتب التواريخ أيضاً ان زياداً بعث زياد إلى صيفيّ بن فسيل ـ من رؤوس أصحاب حجر وأشدّ الناس على زياد ـ فقال له زياد: يا عدوّ الله ما تقول في أبي تراب؟
قال: ما أعرف أبا تراب.
قال: ما أعرفك به.
قال: ما أعرفه.
قال: أما تعرف عليّ بن أبي طالب؟
قال: بلى.
قال: فذاك أبو تراب.
قال: كلا ذاك أبو الحسن والحسين.
فقال له صاحب شرطته : يقول لك الأمير : هو أبو تراب، وتقول أنت : لا !!
قال: و إن كذب الأمير، أتريد أن أكذب وأشهد له على باطل كما شهد(2).
وجاء في البداية والنهاية: وقد كان بعض بني أميّة يعيب عليّاً بتسميته أبا تراب(3) .
وفي نثر الدرّ : جلس معاوية بالكوفة يبايع على البراءة من عليّ(عليه السلام) ، فجاء رجل من بني تميم فأراده على ذلك ، فقال: يا أميرالمؤمنين نطيع أحياءكم ولا نتبرأ من موتاكم. فالتفت إلى المغيرة، فقال: إنّ هذا رجل فاستوصِ به خيراً(4) . قال الشعبي: ما لقينا من عليّ بن أبي طالب ; إن أحببناه قتلنا ، و إن أبغضناه هلكنا(5).
____________
1- تاريخ اليعقوبي 2 : 230 .
2- تاريخ الطبري 3 : 225، الكامل لابن الأثير 3 : 330، تاريخ مدينة دمشق 24 : 258 .
3- البداية والنهاية 7 : 336 .
4- نثر الدر 5 : 137 ، البيان والتبيين 1 : 266 .
5- ربيع الابرار 1 : 494 ، الامالي في لغة العرب 3 : 177 .
________________________________________ الصفحة 204 ________________________________________
وفي آخر : قال الشعبي لولده: يا بُنَيَّ ، ما بَنَى الدِّينُ شيئاً فهدمته الدنيا، وما بنت الدنيا شيئاً إلاّ وهدمه الدين، انظر إلى عليّ وأولاده ، فإنّ بني أميّة لم يزالوا يجهدون في كتم فضائلهم وإخفاء أمرهم، وكأنّما يأخذون بضبعهم إلى السماء ، وما زالوا يبذلون مساعيهم في نشر فضائل أسلافهم، وكأنما ينشرون منهم جيفة. هذا مع أنّ الشعبي كان ممن يُتَّهَمُ ببغض عليّ (عليه السلام)(1).
وحكي عن معاوية أنّه بينما هو جالس وعنده وجوه الناس فيهم الأحنف بن قيس إذ دخل رجل من أهل الشام فقام خطيباً ، فكان آخر كلامه أَنْ سَبَّ عَليّاً(رضي الله عنه) ، فأطرق الناس.
وتكلّم الأحنف فقال: يا أميرالمؤمنين ، إنّ هذا القائل آنفاً لو يعلم أنَّ رضاك في لعن المرسلين لفعل ، فاتَّقِ الله ودَعْ عنك عليّاً فقد لقيَ ربّه(2).
وأسند العرفي إلى خالد بن عبدالله القسريّ أنّه قال على المنبر والله: والله لو كان في أبي تراب خَير ما أمر أبوبكر بقتله . وهذا يدلّ على كون الخبر مستفيضاً(3)، ولولا وصيّة النبيّ صلّى الله عليه وآله لكان عليٌّ بالقبض على
____________
1- أصل الشيعة وأصولها : 202 .
2- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان 2 : 505 ، جمهرة خطب العرب 2 : 357 ، المستطرف في كلّ فنّ مستظرف 1 : 100 .
3- أي خبر أمر أبي بكر خالداً بقتل أميرالمؤمنين(عليه السلام) عند صلاة الفجر .
والذي ذكره السمعاني في أنسابه 3 : 95 (ترجمة الرواجني) قال : وروى عنه حديث أبي بكر أ نّه قال : لا يفعل خالد ما أمر به ، سألت الشريف عمر بن إبراهيم الحسني بالكوفة عن معنى هذا الأمر ، فقال : كان أمر خالد بن الوليد أن يقتل عليّاً ثمّ ندم بعد ذلك فنهى عن ذلك .
وفي أنساب الأشراف للبلاذري 2 : 269 : بعث أبو بكر عمر بن الخطّاب إلى عليّ حين قعد عن بيعته وقال : ائتني به بأعنف العنف . فجاءه ، وقال له : بايع ، فقال عليّ : إن أنا لم أفعل فمه ؟ قالوا : إذاً والله الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك .
فقال عليّ : تقتلون عبدالله وأخا رسوله .
قال : أ مّا عبدالله فنعم ، وأ مّا أخو رسوله فلا (الإمامة والسياسة 1 : 20) .
وقد خاطب الإمام عليّ رسول الله بقوله (ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُوني وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي) .
كل هذه النصوص مع وجود غيرها تدل على ان أبا بكر وعمر كانا يريدان قتل الإمام علي ، فاين الصلة بين المحبة مع القتل ، افتونا يا دعاة وضع الأسماء للمحبة ؟!!
وجاء في تاريخ الطبري وغيره انّهم همّوا بحرق بيت عليّ وفاطمة . ومعناه أنّهم أرادوا إبادتهم وقتلهم .
________________________________________ الصفحة 205 ________________________________________
رؤوسِ أعدائه، وضربِ بعضها في بعض حتّى ينثر دماغها مَلِيّاً(1).
وعن الأصبغ بن نباتة، قال: لقيني محبس بن هود، فقال: يا أصبغ، كيف أنت وأخوك أبو تراب الكذّاب؟
فقلت: لعن الله شرَّكما أبا وأ مّا وخالاً وعمّاً، أ مّا إنّي سمعت عليّاً(عليه السلام) يقول: وبارئ النَّسَمَة وفالقِ الحبَّة وناصب الكعبة ، لا يبغضني إلاّ ولد زنا، أو من حملت به أ مّه وهي حائض، أو منافقٌ ، أ مّا إنّي أقول: اللهمَّ خذ محبساً أخذة رابية لا تبقي له في الأرض باقية(2).
أجل إنّ بني أمية كانوا يرون قوام حكومتهم في سبّ الإمام علي والبراءة منه ، والتنقيص به والمنع من التسمية باسمه ، بل أ نّهم حذفوا بالفعل أسماء شيعته من الديوان خوفاً من استحكام فكر الإمام ونهجه ـ كما مرّ عليك في النصوص السابقة ـ فعن عمرو بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، قال :
قال لي مروان : ما كان في القوم أدفعَ عن صاحبنا من صاحبكم ؟
قلت : فما بالكم تسبّونه على المنابر ؟
قال مروان : لا يستقيم لنا الأمر إلاّ بذلك(3) .
وقد ذكر صاحب دلائل الإمامة ما جرى بين الإمام الباقر(عليه السلام) وعالم النصارى
____________
1- الصراط المستقيم 1 : 324 واصل الخبر موجود في المسترشد لابن جرير الطبري : 456 فليراجع هناك .
2- شرح الأخبار 1 : 168 .
3- العثمانية للجاحظ : 283 ، تاريخ دمشق 42 : 438 ، تاريخ الإسلام 3 : 460 ، شرح النهج 13 : 220 .
________________________________________ الصفحة 206 ________________________________________
وأمر هشام بن عبدالملك الإمامين الباقر والصادق(عليهما السلام) بالانصراف إلى المدينة ، لأنّ الناس ماجوا وخاضوا فيما جرى بينهما ، فقال الصادق (عليه السلام) :
فركبنا دوابّنا منصرفين، وقد سَبَقَنا بريدٌ من عند هشام إلى عامل مدين على طريقنا إلى المدينة: إنّ ابنَيْ أبي تراب ـ الساحِرَيْن محمَّد بن عليّ وجعفر بن محمّد الكذَّابَيْنِ فيما يظهران من الإسلام ـ وردا عَلَيّ، فلمّا صرفتهما إلى المدينة مالا إلى القسيسين والرهبان من كفّار النصارى، وتقرّبا إليهم بالنصرانية، فكرهت أن أنكّل بهما لقرابتهما، فإذا قرأت كتابي هذا فنادِ في الناس: برئت الذمة ممن يشاريهما، أو يبايعهما، أو يصافحهما، أو يسلّم عليهما، فإنهما قد ارتدّا عن الإسلام، ورَأْيُ أميرُالمؤمنين أن تقتلهما ودوابّهما وغلمانهما ومن معهما شرّ قتلة.
قال [الصادق(عليه السلام)] : فورد البريد إلى مدين، فلمّا شارفنا مدينة مدين قَدَّمَ أبي غلمانَهُ ليرتادوا له منزلا ويشتروا لدوابّنا علفاً، ولنا طعاما. فلمّا قرب غلماننا من باب المدينة أغلقوا الباب في وجوهنا وشتمونا، وذكروا أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه، وقالوا: لا نُزُولَ لكم عندنا، ولا شراءَ ولا بيع، يا كفّار، يا مشركين، يا مرتدّين، يا كذّابين، يا شرّ الخلائق أجمعين(1) !!
بهذه السياسة وبدعوى كذب الأئمة تعاملت الحكومات الأموية مع أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) وذريّة عليّ حتّى آل الأمر إلى الرواة أن يخافوا من ذكر اسم عليّ(عليه السلام)ونقل فضائله ، ففي شرح نهج البلاغة : قال أبوجعفر: وقد صحّ أنّ بني أميّة منعوا من إظهار فضائل عليّ (عليه السلام) ، وعاقبوا على ذلك الراوي له; حتّى إنّ الرجل إذا روى عنه حديثاً لا يتعلّق بفضله بل بشرائع الدين لا يتجاسر على ذكر اسمه; فيقول: عن أبي زينب .
وروى عطاء، عن عبدالله بن شداد بن الهاد، قال: وددت أن أُ تْرَكَ فأحدّث بفضائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام يوماً إلى اللَّيل; و إنّ عنقي هذه ضربت
____________
1- دلائل الإمامة : 239 ـ 240 ، الامان لابن طاووس : 72 .
________________________________________ الصفحة 207 ________________________________________
بالسيف.
قال: فالأحاديث الواردة في فضله لو لم تكن في الشهرة والاستفاضة وكثرة النقل إلى غاية بعيدة، لانقطع نقلها ; للخوف والتقية من بني مروان ، مع طول المدّة، وشدّة العداوة; ولولا أنّ لله تعالى في هذا الرجل سرّاً يعلمه من يعلمه لم يُرْوَ في فضله حديث، ولا عرفت له منقبة ، ألا ترى أنّ رئيس قرية لو سخط على واحد من أهلها، ومنع الناس أن يذكروه بخير وصلاح ، لخمل ذكره، ونُسِيَ اسمه، وصار وهو موجود معدوماً، وهو حيّ ميتاً! هذه خلاصة ما ذكره شيخنا أبو جعفر رحمه الله تعالى في هذا المعنى في كتاب التفضيل(1).
والأنكى من ذلك أنّ بني أمية وأتباعهم أخذوا يضعون الأحاديث المضحكة في فضلهم وفضل أسلافهم ، و يغيّرون المفاهيم، وقد بدّلوا معنى ( آل البيت ) المختصّ بعترة الرسول إلى زوجات النبيّ ، ثمّ إلى كلّ من لم يشتم أبابكر وعمر وعثمان ومعاوية !!
فقد روى ابن عساكر عن الإمام الحسين(عليه السلام) أ نّه قال : حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن جبرئيل (عليه السلام) ، عن ربّه عزّ وجلّ : أنّ تحت قائمة كرسي العرش في ورقةِ آس خضراء مكتوب عليها : لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، يا شيعة آل محمّد لا يأتي أحد منكم يوم القيامة يقول ( لا إله إلاّ الله ) إلاّ أدخله الله الجنة ، قال : فقال معاوية بن أبي سفيان : سألتك بالله يا أبا عبدالله مَنْ شيعة آل محمّد ؟ فقال : الذين لا يشتمون الشيخين أبابكر وعمر ، ولا يشتمون عثمان ، ولا يشتمون أبي ، ولا يشتمونك يا معاوية(2) !!! هذا وما عشت أراك الدهر عجباً .
____________
1- شرح نهج البلاغة 4 : 73 .
2- تاريخ مدينة دمشق 14 : 114 .
________________________________________ الصفحة 208 ________________________________________
القبائل والتسمية بأعمال قتلة الحسين
أجل ان بعض القبائل العربية الموالية إلى بني أمية وبعد مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) أخذوا يتفننون في مروياتهم وأعمالهم وأقوالهم :
ففي أنساب الأشراف : ويقال : إنّ خولي بن يزيد هو الذي تولّى احتزاز رأسه [أي رأس الحسين(عليه السلام)] بإذن سنان ، وسَلَبَ الحسين (عليه السلام) ما كان عليه !! فأخذ قيس بن الأشعث بن قيس الكندي قطيفة ـ له وكانت من خز ـ فسمي قيس قطيفة .
وأخذ نعليه رجل من بني أود يقال له : الأسود .
وأخذ سيفه رجل من بني نهشل بن دارم .
وأخذ أبو الجنوب الجعفي جملا وكان يستسقي عليه وسمّاه حسيناً(1) .
وفي مغاني الأخيار ـ باب النون (الناجي) الترجمة 3976 ـ الناجي : بالجيم المكسورة نسبة إلى بني ناجية بن أسامة بن لؤي . منهم أبو الجنوب لعنه الله ، وهو عبدالرحمن بن زياد بن زهير [من أحفاد ]ناجية ، شهد قتل الحسين (رضي الله عنه) ، وأخذ جملا من جماله سقى عليه الماء ، فسمّاه حسيناً(2) .
وفي كتاب (البلدان) باب (افتخار الكوفيين والبصريين) قال : اجتمع عند أبي العباس [السفّاح] أميرالمؤمنين عدّة من بني عليّ وعدّة من بني العباس ، وفيهم بصريون وكوفيون ، منهم أبوبكر الهذلي وكان بصريّاً ، وابن عيّاش وكان كوفيّاً .
فقال أبو العباس : تناظروا حتّى نعرف لمن الفضل منكم .
فأخذ ابن العيّاش يباهي برجال قومه حتّى قال : وعبدالرحمن بن محمّد بن الأشعث الكندي ، فقال أبو بكر [الهذلي] : هذا الذي سلب الحسين بن عليّ قطيفة
____________
1- أنساب الأشراف 4 : 204 .
2- انظر الاشتقاق : 410 ، اللباب في تهذيب الانساب : 287 ، الاعلام للزركلي 7 : 345 .
________________________________________ الصفحة 209 ________________________________________
فسمّاه أهل الكوفة : عبدالرحمن قطيفة ؟ فقد كان ينبغي أن لا تذكره ، فضحك أبو العبّاس من قول أبي بكر(1) .
وقد أشار عماد الدين الطبري (من علماء القرن السابع الهجري) في (أسرار الإمامة) إلى أسماء (الأبناوات) التي قاتلت الحسين(عليه السلام) ، فقال : في الشام قبائل مكرّمون معظّمون تُحمل إليهم المبرّات والصدقات .
منهم : بنو السنان ، أولاد من رفع الرمح الذي كان عليه رأس الحسين(عليه السلام) .
ومنهم : بنو الطشت ، وهم أولاد اللعين الذي وضع رأس الحسين(عليه السلام) في الطشت وحمله إلى بين يدي يزيد اللعين .
ومنهم : بنو النعل ، وهم أولاد من أركض الخيل على جسد الحسين(عليه السلام) في كربلاء ، وأخذوا من ذلك النعل بقاياه ويخلطونه بمثله أباً عن أب . ويعلَّق حلقة منه على أبواب الدور تَفَؤُّلاً وتيمّناً بها .
ومنهم : بنو المكبّر(2) ، وهم أولاد من كبّر على رأس الحسين(عليه السلام) يوم دخوله في الشام .
ومنهم : بنو الفرزدجي ، وهم أولاد من أدخل رأس الحسين في الشام من درب فرزدج حرون .
ومنهم : بنو القضيب ، وهم أولاد من حمل القضيب إلى يزيد ليضرب ثنايا الحسين(عليه السلام) .
ومنهم : بنو الفتح ، وهم أولاد من قرأ : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً )(3) بعد العصر الذي قُتل عنده الحسين(عليه السلام) بشارةً لفتح يزيد عليه اللعنة والعذاب الشديد(4) .
____________
1- البلدان ، لابن الفقيه : 208 ـ 209 .
2- قال الشاعر : ويكبّرون بأن قتلت وإنّما قتلوا بك التكبير والتهليلا
3- الفتح : 1 .
4- أسرار الإمامة : 378 ، وانظر خاتمة مستدرك وسائل الشيعة 3 : 137 ، ففيها : بنو السراويل : هم أولاد الذي سلب سراويل الحسين (عليه السلام) ، بنو السرج : هم أولاد الذي سرجت خيله تدوس جسد الحسين (عليه السلام) ، ودخل بعض هذه الخيل إلى مصر ، فقلعت نعالها من حوافرها ، وسمرت على أبواب الدور ليتبرّك بها ، وجرت بذلك السُنة عندهم ... ، وبنو الدرجي : هم أولاد الذي ترك الرأس في درج جيرون ، عن (التعجب للكراجكي : 116 ـ 117) .
________________________________________ الصفحة 210 ________________________________________
هذا هو حال الأمويين وحال التسميات والألقاب عندهم !! وانّ الإمام السّجّاد عليّ بن الحسين عاش في ظروف كهذه ، وقد عاش قبله أبوه وعمّه الحسن وجدّه الإمام أميرالمؤمنين في ظروف مشابهة ، فلا يستبعد أن يسمي الإمام ابنه بعمر (الأشرف) أو يتكنى هو من قبل الأخرين بأبي بكر ويسكت عن هذه الكنية تقية ، لأن الأئمّة ليسوا بمختلفين عمّا يجري على الناس ، بل هم أئمّة الشيعة والجهازُ الحاكم في تضادّ معهم ، وترى التسميات البغيضة أخذت مأخذها عندهم .
الحجّاج والتسمية بعليّ
اشتدّت الوطأة على شيعة عليّ في أيّام الحجّاج بن يوسف الثقفي (ت 95 هـ)، قال ابن سعد: خرج عطية مع ابن الأشعث فكتب الحجّاج إلى محمّد بن القاسم أن يعرضه على سبّ عليّ ، فان لم يفعل فاضربه أربعمائة سوط واحلق لحيته، فاستدعاه، فأبى أن يسبّ عليّاً(عليه السلام) فأمضى حكم الحجّاج فيه، ثمّ خرج إلى خراسان فلم يزل بها حتّى ولي عمر بن هبيرة العراق فقدمها فلم يزل بها إلى أن توفّي(1) .
وفي الاشتقاق لابن دريد: كان عليّ بن أصمع على البارجاه(2)ولاّه علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، فظهرت له منه خيانة فقطع أصابع يده، ثمّ عاش حتّى أدرك الحجّاج ، فاعترضه
____________
1- تهذيب التهذيب 7 : 201 (ترجمة عطية بن سعيد بن جنادة العوفي) الغدير 8 : 327 .
2- البارجاه : موضع بالبصرة ، وفيات الاعيان 3 : 175 ، وقد يكون معرب بارگاه ، أي مرفأ السفن أو محلّ تحميل السلع .
________________________________________ الصفحة 211 ________________________________________
يوماً فقال: أيّها الأمير ، إنّ أهلي عقّوني.
قال: وبم ذاك؟
قال: سمّوني علياً.
قال: ما أحسن ما لطفت، فولاّه ولاية ثمّ قال: والله لئن بلغني عنك خيانة لأقطعنّ ما أبقى عَلِيٌّ من يدك(1) .
وفي الوافي بالوفيات: وكان جدّ الأصمعي عليّ بن أصمع سرق بسفوان ، فأتوا به عليّ بن أبي طالب ، فقال: جيئوني بمن يشهد أ نّه أَخرجها من الرحل، فشهد عليه بذلك، فقطع من أشاجعه، فقيل له: يا أميرالمؤمنين ألاّ قطعته من زنده؟
فقال: يا سبحان الله ! كيف يتوكأ؟ كيف يصلّي؟ كيف يأكل؟
فلمّا قدم الحجاج البصرة أتاه عليّ بن أصمع، فقال: أ يّها الأمير إنّ أبويّ عقَّاني، فسَمَّياني عليّاً، فسمِّني أنت.
فقال: ما أحسن ما توسّلت به، قد ولَّيتك سَمَكَ البارجاه، وأجريت لك كلّ يوم دانقين فلوساً، ووالله لئن تعدّيتهما لأقطعنّ ما أبقاه عليّ عليك(2).
وقال هشام بن الكلبي : إنّي أدركت بني أَوْد وهم يعلّمون أولادهم وحرمهم سبّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، وفيهم رجل [من رهط عبدالله بن إدريس بن هاني] ، دخل على الحجّاج فكلّمه بكلام فأغلظ عليه الحجاج في الجواب ، فقال: لا تقل هذا أيّها الأمير، فما لقريش ولا لثقيف منقبة يعتدُّون بها إلاّ ونحن نعتدُّ بمثلها.
قال: وما مناقبكم؟
قال: ما ينتقص عثمان ولا يُذكَرُ بسوء في نادينا قطّ.
قال: هذه منقبة.
____________
1- الاشتقاق : 272 .
2- الوافي بالوفيات 19 : 128 ، وفيات الأعيان 3 : 175 .
________________________________________ الصفحة 212 ________________________________________
قال: ولا رؤي منّا خارجيٌّ قطّ.
قال: منقبة.
قال: وما شهد منّا مع أبي تراب مشاهده إلاّ رجل فأسقطه ذلك عندنا.
قال: منقبة.
قال: وما أراد رجل منّا قطّ أن يتزوّج امرأة إلاّ سأل عنها: هل تحبّ أبا تراب أو تذكره بخير؟ فإن قيل: إنها تفعل اجتنبها.
قال: منقبة.
قال: ولا ولد فينا ذكر فسمّي عليّاً ولا حسناً ولا حسيناً، ولا ولدت فينا جارية فسمّيت فاطمة.
قال: منقبة.
قال: ونذرت امرأة منّا إن قتل الحسين أن تنحر عشرة جُزُر، فلمّا قتل وفت بنذرها.
قال: منقبة.
قال: ودعي رجلٌ منّا إلى البراءة من عليّ ولعنه، فقال: نعم وأزيدكم حسناً وحسيناً .
قال: منقبة والله .
وقد كان معاوية يسبّ عليّاً ويتتبّع أصحابه مثل: ميثم التمار، وعمرو بن الحمق، وجويرية بن مسهر، وقيس بن سعد، ورشيد الهجري، ويقنت بسبّه في الصلاة، ويسبّ ابن عباس، وقيس بن سعد، والحسن، والحسين (عليهما السلام)، ولم ينكر ذلك عليه أحد(1).
وقال الشعبي: كنت بواسط، وكان يوم أضحى، فحضرت صلاة العيد مع الحجاج فخطب خطبة بليغة، فلمّا انصرف جاءني رسوله، فأتيته فوجدته جالساً
____________
1- الغارات، للثقفي 2 : 842 ـ 843 ، فرحة الغري للسيّد أحمد بن طاووس : 49 ـ 50 .
________________________________________ الصفحة 213 ________________________________________
مُسْتَوْفِزاً، قال : يا شعبي، هذا يوم أضحى، وقد أردت أن أضحّي برجل من أهل العراق! وأحببت أن تسمع قوله فتعلم أنّي قد أصبت الرأي فيما أفعل به! فقلت: أ يّها الأمير، لو ترى أن تستنَّ بسنّة رسول الله صلّى الله عليه وآله وتضحّي بما أمر أن يضحى به وتفعل مثل فعله، وتدع ما أردت أن تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره...(1).
وروى الكشّي في رجاله عن العامّة بطرق مختلفة : أنّ الحجاج بن يوسف قال ذات يوم : أحبّ أن أُصيب رجلا من أصحاب أبي تراب ، فأتقرب إلى الله بدمه ! فقيل له : ما نعلم أحداً أطول صحبة لأبي تراب من قنبر مـولاه ، فبعث في طلبه فأتي به(2) .
وعن الحسن بن صالح، عن جعفر بن محمّد (عليه السلام) قال: قال عليّ (عليه السلام) : والله لتذبحنّ على سبّي ـ وأشار بيده إلى حلقه ـ ثمّ قال: فإن أمروكم بسبّي فسبّوني; و إن أمروكم أن تبرءوا منّي فإنّي على دين محمّد صلّى الله عليه وآله. ولم ينههم عن إظهار البراءة(3).
وكان أميرالمؤمنين(عليه السلام) قد أخبر خاصة أصحابه بما سيؤول إليه الأمر من بعده وما سيصنعه بنو أميّة بهم ، فعن قيس بن الربيع، عن يحيى بن هانئ المراديّ، عن رجل من قومه يقال له : زياد بن فلان، قال: كنّا في بيت مع عليّ (عليه السلام) نحن شيعته وخواصّه، فالتفت فلم ينكر منّا أحداً، فقال: إنّ هؤلاء القوم سيظهرون عليكم فيقطعون أيديكم ويسملون أعينكم.
فقال رجل منّا: وأنت حيّ يا أمير المؤمنين؟
قال: أعاذني الله من ذلك; فالتفتَ فإذا واحد يبكي، فقال له: يابن الحمقاء،
____________
1- كنز الفوائد : 167 .
2- مستدرك الوسائل للنوري 12 : 273 ، الارشاد للمفيد 1 6 328 ، كشف الغمة 1 : 281 .
3- شرح نهج البلاغة 4 : 106 ، مستدرك الوسائل 12 : 271 ح 5 .
________________________________________ الصفحة 214 ________________________________________
أتريد اللَّذّات في الدنيا ؟ والدرجاتُ في الآخرة! إنّما وعد الله الصابرين(1).
بهذا الشكل تعاملوا مع الذوات الطاهرة والمطهرين بنصّ الذكر الحكيم ، فتفننوا في التسمية ببني النعل وبني السنان وبني الطشت وبني القضيب ، وصار عدم التسمية بعلي والحسن والحسين منقبة ليس في قريش ما يماثلها ، بل صارت التسمية من عقوق الأهل للولد .
وكان هذا المنهج قد بَدَأَ بصراحة ووضوح من عائشة ومعاوية ثم استمر إلى اللاحقين حتى حكومة العثمانيّين ، وسيبقى إلى زمان السفياني .
وبهذا فقد عرفت أنّ حرب الأسماء حَمِيَ وطيسها وظهرت علناً في عهد معاوية ، الذي كان يتفنن و يتلذّذ في حرب الأسماء ، ومن ثمّ حذا حذوه باقي الأمويين والمروانيّين وحتّى العباسيّون حين استلامهم أُمور الحكم ، فجاء في كتاب (المستطرف في كل فن مستظرف) : أن معاوية قال يوماً لجارية بن قدامة : ما كان أهونك على قومك إذ سمّوك جارية!! .
فقال : ما كان أهونك على قومك إذ سمّوك معاوية وهي الأنثى من الكلاب .
قال : اسكت لا أمَّ لك .
قال : أمٌّ لي ولدتني ، أما والله إنّ القلوب التي أبغضناك بها لبين جوانحنا ، والسيوف التي قاتلناك بها لفي أيدينا ، وإنّك لم تهلكنا قسوة ، ولم تملكنا عنوة ، ولكنّك أعطيتنا عهداً وميثاقاً ، وأعطيناك سمعاً وطاعة ، فإن وفيت لنا وفينا لك ، وإن نزعت إلى غير ذلك فإنّا تركنا وراءنا رجالاً شداداً وأسنّة حداداً .
فقال معاوية : لا أكثر الله في الناس مثلك يا جارية .
فقال له : قل معروفاً فإن شر الدعاء محيط بأهله(2) .
نعم ، إنّ الخلفاء الثلاثة ـ ومتبعيهم ـ لم يكونوا على وفاق مع عليّ وآله، وقد
____________
1- شرح نهج البلاغة 4 : 109 وعنه في بحار الأنوار 34 : 334 .
2- المستطرف في كل فن مستظرف 1 : 134 .
________________________________________ الصفحة 215 ________________________________________
جرى على نهجهم الحكّام الاخرون ـ أمويين كانوا أم عباسيين ـ فإنّهم كانوا مخالفين لمنهج عليّ بن أبي طالب، ونحن بذكرنا النصوص السابقة أردنا توضيح الحقيقة وإعطاء المطالع الكريم صورة أقرب إلى الواقع ممّا يرسمه له أتباع السلطان ، فلا أخوّة بين علي وعمر ولا محبّة بين الخلفاء وأهل البيت ، وليس في التسميات أو المصاهرات ما يدل على ذلك ، وهو ليس كما يحاول أن يصوّره بعض الكتّاب وبعض الجمعيّات في البلدان العربيّة والإسلاميّة ويصر عليه .
فعن حنّان بن سدير الصيرفي، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: لما قبض أميرالمؤمنين وأفضت الخلافة إلى بني أميّة سفكوا الدماء ولعنوا أميرالمؤمنين صلوات الله عليه على المنابر ، وتبرَّؤوا منه ، واغتالوا الشيعة في كلّ بلدة وقتلوهم ، وما يليهم من الشيعة بحطام الدنيا ، فجعلوا يمتحنون الناس في البلدان ; كلّ من لم يلعن أميرالمؤمنين ويتبرأ منه قتلوه، فشكت الشيعة إلى زين العابدين وسيّد الرهبان من المؤمنين و إمامهم عليّ بن الحسين صلوات الله عليهما ، فقالوا: يا ابن رسول الله قد قتلونا تحت كلّ حجر ومدر، واستأصلوا شأْفتنا ، وأعلنوا لعن أميرالمؤمنين على المنابر والطرق والسكك ، وتبرَّؤوا منه ، حتّى أنهم ليجتمعون في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وعند منبره فيطلقون على أميرالمؤمنين(عليه السلام) اللعنة علانية ، لا ينكر ذلك عليهم ولا يغير ، فإن أنكر ذلك أحد منّا حملوا عليه بأجمعهم، قالوا: ذكرتَ أبا تراب بخير، فيضربونه ويحبسونه.
فلمّا سمع ذلك نظر إلى السماء، وقال: سبحانك ما أحلمك، وأعظم شأنك، ومِنْ حلمك أنَّك أمهلت عبادك حتّى ظنّوا أنّك أغفلتهم ، وهذا كلّه لا يغالب قضاؤك ولا يرد حكمك ، تدبيرك كيف شئت وما أنت أعلم به منّي(1).
وفي العثمانية للجاحظ : عن ابن اليقظان قال : قام رجل من ولد عثمان إلى
____________
1- الهداية الكبرى : 226 ـ 227 ، وهذا ما نشاهده اليوم من الوهابية وطريقة تعاملهم مع شيعة الإمام علي خصوصاً في بلد يسمى بالسعودية .
________________________________________ الصفحة 216 ________________________________________
هشام بن عبدالملك يوم عرفة ، فقال : إن هذا يوم كانت الخلفاء تستحب فيه لعن أبي تراب(1) .
بلى إنّ الخلفاء ـ أمويون كانوا أم عباسيين ـ كانوا يحاربون الشيعة ولم يرتضوا التسمية باسم عليّ ، لكنّ التسمية أخذت تعود شيئاً فشيئاً إلى الساحة رغم كلّ هذا الإجحاف .
قال الذهبي في تاريخ الإسلام في حوادث سنة تسع وثمانين ومائتين : وقام بعده ابنه المكتفي بالله ، أبو محمّد علي ، وليس في الخلفاء من اسمه عليّ إلاّ هو وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، ولد سـنة أربع وستّـين ومائتين ، وأمّه تركية ، وكان من أحسـن الناس(2) .
وفي البداية والنهاية : خلافة المكتفي بالله أبي محمّد ، عليّ بن المعتضد بالله ، أميرالمؤمنين ، بويع له بالخلافة عند موت أبيه في ربيع الأوّل من هذه السنة ، وليس في الخلفاء من اسمه عليّ سوى هذا وعليّ بن أبي طالب ، وليس فيهم من يكنّى بأبي محمّد إلاّ هو والحسن بن عليّ بن أبي طالب والهاديوالمستضيء بالله(3) .
وهذا النصّ صريح في عدم وجود من اسمه عليّ بين الخلفاء إلى زمان المكتفي بالله إلاّ هو والإمام عليّ ، فلا نعلم سبب تسمية المكتفي بعليّ ؟ وهل أ نّها كانت لمحبّة والده المعتضد للإمام عليّ ، أو لمحبوبيّة هذا الإسم عنده وتناغمه مع روحيّاته وطبعه ؟ أو إنّه وضع هذا الاسم على ابنه سياسةً كي يستميل قلوب العلويين ؟ أو أنّ هناك دواعي أخرى ؟
____________
1- العثمانية : 284 وعنه في شرح نهج البلاغة 13 : 221 .
2- تاريخ الإسلام 21 : 35 ، تاريخ بغداد 11 : 316 ، تاريخ الخلفاء : 376 .
3- البداية والنهاية ، لابن كثير 11 : 94 ، 104 .
________________________________________ الصفحة 217 ________________________________________
المهمّ انّ التسمية بعليّ عادت إلى قاموس الخلفاء ثمّ من بعده إلى جمهور الناس ، وأخذ الوضع يتوازن بعد أكثر من قرنين من الزمن ، وصارت أعمال بني أميّة من الماضي البغيض حيث كانوا يصغّرون مَنْ آسمْه عَلي استنقاصاً له فيقولون : (عُلَي) ، ومن الناس من كان يُصغّر اسمه خوفاً من الأمويين فيقول : أنا لست بعَلي اسمي عُلَي ، وقد مرّ عليك بأنّ البعض كان لا يرتضي تصغير اسمه مثل عليّ بن رباح رغم تصغير الأمويين ـ أو أبوه ـ اسمه في فترة خاصة من (عَلي) إلى (عُلي) لكنه كان لا يريد استمرار هذا الاسم عليه في الأزمان اللاحقه .
بلى ، إنّ البعض كان يغير اسمه ، أو إنّ أقرباءه كانوا يطلقون اسماً آخر عليه خوفاً من أن يرمى أو يُرْمَوا بالتشيع أو أي سبب آخر ، ومن ذلك ما جاء في (الطبقات الكبرى) للشعراني بأنّ عليّ بن شهاب ـ جدّ المصنّف ـ كان يكره
من يقول له : يا نور الدين ، ويقول : نادوني باسمي عليّ كما سمّاني بذلك
والدي(1) .
وعليه فالحسّاسيّة مع اسم عليّ كانت موجودة في العهدين الأموي والعبّاسي الأوّل ، لكنّها أخذت تقلّ ، مؤكدّين بأنّ الحساسية مع اسمه (عليه السلام) لم تكن كالحساسيّة مع الأسماء الأخرى ، فإنّ التارك لإسم الإمام عليّ كان يتركه للخوف ، بخلاف التارك للأسماء الأخرى مثل عمار ، وغيرها من الأسماء العربية ، وقد ترشدنا هذه التسمية إلى تقليل الوطئة مع اسم عليّ شيئاً فشيئاً ، إذ قال الشيخ الأميني عند كلامه عن ابن الرومي المسمّى بعليّ :
وقد اتّفق لبعض الخلفاء وولاة العهد [في العهد العبّاسي الأوّل ]أنفسهم أنّهم كانوا يكرمون عليّاً وأبناءه ، كما كان مشهوراً عند (المعتضد) الخليفة الذي أكثر ابن الرومي من مدحه ، وكما كان مشهوراً عن (المنتصر) ـ وليّ العهد ـ الذي
____________
1- الطبقات الكبرى للشعراني 1 : 340 .
________________________________________ الصفحة 218 ________________________________________
قيل : إنّه قتل أباه (المتوكّل) جريرةَ مُلاحاة وقعت بينهما في الذَّبِّ عن حرمة عليّ وآله(1) ، وقد لا تعني هذه التسميات شيئاً .
حرب الأسماء والمضادّة مع الأسماء المشتقّة من اسم الباري
من ابن أبي سفيان إلى السفياني :
وبهذا ، فقد عرفت بأنّ معاداة آل البيت مع بني أميّة كانت لله وفي الله ، وأنّ عليّاً كان يعرف معاصريه حقّ المعرفة، وقد وضح ذلك للناس بقوله: (ايّها الناس! انّي أحقّ من أجاب إلى كتاب الله، ولكنّ معاوية ، وعمرو بن العاص، وابن أبي معيط، وابن أبي سرح، وابن سلمة ، ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن....! إنّي أَعْرَفُ بهم منكم، صحبتهم صغاراً ورجالاً، فكانوا شَرّ صغار وشرّ رجال...)(2).
وجاء عن الإمام الصادق قوله: إنّا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في الله، قلنا: صدق الله ، وقالوا: كذب الله!
قاتل أبوسفيان رسول الله، وقاتل معاوية عليّ بن أبي طالب، وقاتل يزيد بن معاويه الحسين بن عليّ، والسفياني يقاتل القائم(3) .
وفي كنز العمّال عن عليّ ، قال: يُقْتَلُ في آخر الزمان كُلُّ عليّ، وأبي عليّ ، وكلّ حسن، وأبي حسن، وذلك إذا أفرطوا فِيَّ كما أفرطت النصارى في عيسى ابن مريم ، فانثالوا على ولدي فأطاعوهم طلبا للدنيا(4).
فإن ذيل هذا الحديث وضعته بنو أمية مقابل ما جاء في روايات أهل البيت
____________
1- الغدير 3 : 41 .
2- شرح النهج 2 : 216 .
3- معاني الأخبار : 346 ، بحار الأنوار 33 : 165 و 52 : 190 ، وفي شرح النهج 4 : 79 ـ 80 قريب منه عن عليّ .
4- كنز العمال 11 : 333 .
________________________________________ الصفحة 219 ________________________________________
عن الأمويين وأنّهم يقتلون كل من سمي بعلي والحسن والحسين ، وهو يؤكد ما قلناه من حرب الأسماء .
فقد نقل الشيخ أبو الحسن المرندي في (مجمع النورين) بعض علائم خروج السفياني قبل ظهور القائم، ثم قال : قال أميرالمؤمنين: لم يزل السفياني يقتل مَنْ اسمه محمّد وعليّ والحسن والحسين وجعفر وموسى وفاطمة وزينب ومريم وخديجة وسكينة ورقية حَنَقاً وبغضاً لآل محمّد ، ثم يبعث في سائر البلد فيجمع له الأطفال ، فيغلي لهم الزيت فيقولون : إِن كان آباؤنا عصوك فنحن ما ذنبنا ؟ فيأخذ كلّ من اسمه ما ذكرته فيغليهم ، ثمّ يسير إلى كوفانكم هذه فيدور فيه كما تدور الدوّامة ، يفعل بهم كما فعل بالأطفال ، فيصلب على بابها كلّ من اسمه حسن وحسين ، ثمّ يسير إلى المدينة فينهبها ثلاثة ، ويقتل فيها خلق كثير ، ويصلب على بابها كلّ من اسمه الحسن والحسين ، فعند ذلك تغلى دماؤهم كما غلي دم يحيى بن زكريا ، فإذا رأى السفياني ذلك الأمر أيقن بالهلاك ، فيولى هارباً فيرجع منهزماً إلى الشام فلا يرى...(1).
وفي عقد الدرر في أخبار المنتظر : عن أميرالمؤمنين قال :
... ويقتل من كان اسمه محمّداً ، وأحمدَ ، وعليّاً ، وجعفراً ، وحمزةَ ، وحسناً ، وحسيناً ، وفاطمة ، وزينباً ، ورقية ، وأمّ كلثوم ، وخديجة ، وعاتكة ، حنقاً وبغضاً لبيت آل رسول الله(صلى الله عليه وآله) .
ثمّ يبعث فيجمع الأطفال ويغلي الزيت لهم ، فيقولون : إن كان آباؤنا عصوك فنحن ما ذنبنا ؟! فيأخذ منهم اثنين اسمهما حسناً وحسيناً ، فتصلبهما ...
فتَغْلي دماؤهما كما غلى دم يحيى بن زكريّا(عليهما السلام) ، فإذا رأى
____________
1- مجمع النورين : 329 ـ 330 .
________________________________________ الصفحة 220 ________________________________________
ذلك أيقن بالهلاك والبلاء ، فيخرج هارباً متوجهاً منها إلى الشام ، فلا يرى في طريقه أحداً يخالفه(1) .
إِنَّ أخبار آخر الزمان المرويّة عن الإمام عليّ هي موجودة في كتاب (الزام الناصب) وفي غيره ، ومما جاء في نص الزام الناصب خروج السفياني في عصائب أهل الشام وقتله خلقاً كثيراً ، وسيره إلى حمص ، ثمّ العبور منه إلى الفرات من باب مصر ، فيقتل بالزوراء سبعين ألفاً ، ويبقر بطون ثلاثمائة امرأة حامل ، ويخرج الجيش إلى الكوفة ، فكم من باك وباكية ، فيُقْتَلُ بها خلقٌ كثير، وأما جيش المدينة فإنه إذا توسط البيداء صاح به جبرائيل صيحة عظيمة فلا يبقى منهم أحد إلاّ وخسف الله به الأرض ، ويكون في إِثْرِ الجيش رجلان أحدهما بشير والآخر نذير ، فينظرون إلى ما نزل بهم فلا يرون إلاّ رؤوساً خارجة من الأرض ، فيقولان : ما أصاب الجيش ؟ فيصيح بهما جبرائيل فيحوّل الله وجوههما إلى قهقرى ، فيمضي أحدهما إلى المدينة وهو البشير فيبشرهم بما سلّمهم الله تعالى ، والآخر نذير فيرجع إلى السفياني ويخبره بما أصاب الجيش، قال: (وعند جهينة الخبر الصحيح) لأ نّهما من جُهْينة بشير ونذير .
فيهرب قوم من أولاد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهم أشرافٌ إلى بلد الروم، فيقول السفياني لملك الروم: تردُّ عليّ عبيدي ، فيردّهم إليه فيضرب أعناقهم على الدرج الشرقي لجامع دمشق ، فلا ينكر ذلك عليه أحد... قال: ولا يزال السفياني يقتل كلّ من اسمه محمّد وعليّ وحسن وحسين وفاطمة وجعفر وموسى وزينب وخديجة ورقيّة بغضاً وحنقاً لآل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثمّ يبعث في جميع البلدان فيجمع له الأطفال ويغلي لهم الزيت ، فيقول له الأطفال: إن كان آباؤنا عصوك فما ذنبنا؟! فيأخذ كلّ من اسمه على ما ذكرت فيغليهم في الزيت ، ثمّ يسير إلى كوفانكم هذه فيدور فيها كما تدور الدوّامة ، فيفعل
____________
1- عقد الدرر : 130 ـ 131 .
________________________________________ الصفحة 221 ________________________________________
بالرجال كما يفعل بالأطفال ، ويصلب على بابها كلّ من اسمه حسن وحسين ، ثمّ يسير إلى المدينة فينهبها في ثلاثة أيام ، ويقتل فيها خلق كثير ، ويصلب على مسجدها كلّ من اسمه حسن وحسين، فعند ذلك تغلي دماؤهم كما غلى دم يحيى بن زكريا، فإذا رأى ذلك الأمر أيقن بالهلاك، فيولّي هارباً ويرجع منهزماً إلى الشام ...(1) .
ولا يخفى عليك بأنّ سبب قتل السفياني لمن اسمه عليّ ، حسن ، حسين ، جعفر ، حمزة إنّما هو لكونهم من شيعة أمير المؤمنين(عليه السلام) ، ومن المخالفين لمنهجه ، فأراد التنكيل بمن ليس على منهجه المشؤوم .
وعليه ، فإنّ أتباع معاوية كانوا قساةَ شرسين يستهزؤون بكلّ شيء، ويسحقون كلّ القيم ، ويعادون ويحاربون كلّ من خالفهم وحتّى الأسماء ، وقد كانوا يبغضون عليّاً وأولاده وشيعته بما جعلهم في مصافّ من يردون يوم القيامة النار ; روى الأعمش أنّ جريراً والأشعث خرجا إلى جبّان(2) الكوفة ، فمر بهما ضبّ يعدو وهما في ذمّ عليّ ، فنادياه: يا أبا حِسْل، هلمَّ يدك نبايعك
بالخلافة . فبلغ عليّاً قولهما فقال : أما إنّهما يحشران يوم القيامة وإمامهما
ضبّ(3) .
نعم ، إنّ بني أميّة كانوا يستغلون عطف ولين بني هاشم ، لأنّهم عرفوا أنّ أهل البيت مأمورون بالسكوت من قبل الله ورسوله : فقال معاوية ذات يوم لعقيل: إنّ فيكم يا بني هاشم ليناً ، قال [عقيل] : أجل إنّ فينا ليناً من غير ضعف ، وعزّاً من غير عنف ، وإنّ لينكم يا معاوية غدر ، وسلمكم كفر(4).
____________
1- الزام الناصب في اثبات الحجة الغائب 2 : 171 ـ 173 . وهذه الأخبار الثلاث ـ ما رواه المرندي وصاحب عقد الدرر و إلزام الناصب ـ باعتقادي هي رواية واحدة .
2- أي الصحراء وأهل الكوفة يسمون المقبرة جبانة .
3- شرح النهج 4 : 75 ـ 76 .
4- شرح النهج 4 : 92 ـ 93 .
________________________________________ الصفحة 222 ________________________________________
وجاء عن رسول الله قوله : مروّتنا أهل البيت العفو عمّن ظلمنا وإعطاء من حرمنا(1) .
وعليه فالإمام(عليه السلام) لا يتعامل مع أعدائه ومخالفيه من منطلق الحقد والكراهية ، بل يتعامل معهم بمنتهى اللين والوداعة ، فيجادلهم بالتي هي أحسن ، وليس بين هذا وبين أن يدعو عليهم وأن يطلب من الله أن يبعدهم عن رحمته مخالفة وتضاد .
فعليّ كان يقنت في صلاة الفجرِ وفي صلاة المغرب ، ويلعن معاوية، وعمراً، والمغيرة، والوليد بن عقبة، وأبا الاعور، والضحاك بن قيس، وبسر بن أرطاة، وحبيب بن سلمة، وأبا موسى الأشعري، ومروان بن الحكم، وكان هؤلاء يقنتون عليه ويلعنونه(2).
ومع كلّ ذلك فلا نراه (عليه السلام) ـ كالأمويين ـ يمنع من التسمية بهذه الأسماء وغيرها من الأسماء التي يكون المسمَّون بها في غاية القبح ، اللّهمّ إلاّ
تكون بعض هذه الأسماء ممنوعة ومنهيّ عنها من حيث دخولها تحت تلك العمومات الناهية من التسمية بأسماء الاعداء ، فالإمام(عليه السلام) لا يستهزئ بأحد ولا يستنقص إنساناً من خلال اسمه كائناً من كان، ولا ينحو منحى الأمويين في محاربة الأسماء .
قال دعبل الخزاعي مصوّراً حال آل محمّد بقوله:
إنّ اليهود بحبّها لنبيّها أَمِنَتْ بوائقَ دهرها الخوّانِ
وكذا النصارى حُبّهم لنبيِّهم يمشون زهواً في قرى نجرانِ
والمسلمونَ بحبّ آل نبيِّهم يُرمونَ في الآفاق بالنيرانِ(3)
____________
1- بحار الأنوار 74 : 145 .
2- شرح النهج 4 : 79 .
3- ديوان دعبل الخزاعي : 172 ، وانظر روضة الواعظين : 251 باختلاف يسير .
________________________________________ الصفحة 223 ________________________________________
أهل البيت وموقفهم من تغييرات الخلفاء للأسماء والمفاهيم
ذكرنا سابقاً دور قريش وبعض خططهم ، وأكّدنا على منهج الأمويّين في تعاملهم مع المقدّسات ، ومساسهم بالرسول والرسالة كناية وتصريحاً ، وتغييرهم لاسم المدينة المنوّرة من (الطيبة) إلى (الخبيثة) ، واسم بئر زمزم إلى أُمّ الخنافس أو أُمّ الجُعلان ، والقول بأنّ الخليفة أهمّ من رسول الله ، ثمّ التركيز على المباغضة والمضادة مع عليّ بن أبي طالب والاستنقاص منه ومن آله المعصومين الأطهار (عليهم السلام) ، وقتل من تسمّى باسمه وباسم أحد أبنائه أو اسم أعمامه أو اسم الزهراء(عليها السلام) ، كل ذلك لأنّ هذه الأسماء والصفات هي أسماء وصفات يحبها الله ورسوله ، وقد تسمّى بها أتباع آل محمّد .
والأمويون حسداً وبُغضاً ضادُّوا هذه الأسماء وكان ضمن المخطّط الاستنقاص بالإمام الباقر(عليه السلام) .
ذكر ابن قتيبة الدينوري في (عيون الأخبار) أنّ هشاماً قال لزيد بن عليّ لمّا دخل عليه : ما فعل أخوك البقرة ؟
فقال زيد : سمّاه رسولُ الله باقِرَ العلم وأنت تسمّيه بقرة ؟! لقد اختلفتما إذاً(1) .
نعم ، قال هشام بن عبدالملك هذا في الباقر(عليه السلام) في حين أنّ جابر بن عبدالله الأنصاري كان قد روى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله : إنّك ستعيش حتّى ترى رجلاً من أولادي اسمه اسمي ، يبقر العلم بقراً ، فإذا لقيته فأَقْرِئْهُ منّي السلام ، فلقيه جابر وأقرأه السلام(2) .
____________
1- عيون الأخبار 1 : 313 ، وعنه في إعلام الورى للطبرسي 1 : 494 ، سر السلسلة العلوية : 33 ، عمدة الطالب : 194 .
2- سمط النجوم العوالي 4 : 141 ، تاج العروس 10 : 229 ، وانظر تاريخ دمشق 54 : 275 ، المعجم الأوسط للطبراني 6 : 14 ، وعنه في مجمع الزوائد 10 : 22 ، سير أعلام النبلاء 4 : 404 ، والكافي 1 : 304 ح 4 .
________________________________________ الصفحة 224 ________________________________________
إنّ الناس المرتبطين بأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) كانوا يعرفون هذه الأمور ، ويعلمون بأنّ تسلّط الأمويّين على رقاب المسلمين كان بِفِعْل عمر بن الخطّاب ، وأنّ مردود كلّ هذه الأعمال الإجرامية يرجع وزرها إلى الاول والثاني لأنّهما المسؤولان عن كلّ ذلك ، فعمر ـ الذي جاء إلى الحكم بوصية من أبي بكر ـ هو الذي ثبّت حكم معاوية بن أبي سفيان وقوّى سلطانه ، وقد أخبرت السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) عن هذا الأمر وأنّ التالين سيعرفون غبّ ما أسّسه الأوّلون(1) .
فقد اخرج الكليني في الكافي عن الكميت بن زيد الأسدي قال : دخلت على أبي جعفر(عليه السلام) فقال : والله يا كميت لو كان عندنا مال لأعطيناك منه ولكن لك ما قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) لحسّان بن ثابت لن يزال معك روح القدس ما ذببت عنّا .
قال : قلت : خبّرني عن الرَّجلين ؟
قال : فأخذ الوسادة فكسرها في صدره ثمَّ قال : والله يا كميت ما اهريق محجمة من دم ولا اُخذ مال من غير حلّة ولا قُلب حجر عن حجر إلاّ ذاك في أعناقهما(2) .
وأيضاً روى باسناده عن أبي العبّاس المكّي قال : سمعت أبا جعفر(عليه السلام)يقول : إنَّ عمر لقي عليّاً صلوات الله عليه فقال له : أنت الّذي تقرأ هذه الآية (بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ)(3) وتعرّض بي وبصاحبي ؟ قال : فقال له : أفلا اُخبرك بآية نزلت في بني اُميّة : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الاَْرْضِ وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ) فقال : كذبت ، بنو أميّة أوصل للرَّحم منك ولكنك أبيت إلاّ عداوة لبني
____________
1- جواهر المطالب 1 : 168 .
2- الكافي 8 : 102 ح 75 .
3- المفتون بمعنى الفتنة كما تقول : ليس له معقول أي عقل وقوله تعالى : (بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ)أي بأي الفريقين منكم الجنون بفريق المؤمنين أو الكافرين ، وقد أتى الإمام بهذه الآية تعريضاً بهما حيث نسبا الجنون إلى النبي كما ذكر في نزول الآية .
________________________________________ الصفحة 225 ________________________________________
تيم وبني عدي وبني اُميّة(1) .
وقال(عليه السلام) لأبي الفضل : يا أبا الفضل ! ما تسألني عنهما ، فوالله ما مات منّا بيت قطّ إلاّ ساخطاً عليهما ، وما منّا اليوم إلاّ ساخط عليهما ، يوصي بذلك الكبير منّا الصغير ، إنّهما ظلمانا حقّنا ، ومنعانا فيئنا ، وكانا أوّل من ركب أعناقنا ، والله ما أسست من بلية ولا قضية تجري علينا أهل البيت إلاّ هما أسّسا أوّلها ، فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين(2) .
وقال أيضاً(عليه السلام) : هما والله أوّل من ظلمنا حقّنا في كتاب الله ، وأوّل من حمل الناس على رقابنا ، ودماؤنا في أعناقهما إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت(3) .
وعن بشير قال سألت أبا جعفر [الباقر] عن أبي بكر وعمر فلم يجيبني ، ثم سألته فلم يجيبني ، فلما كان في الثالثة قلت : جعلت فداك اخبرني عنهما ؟
فقال ما قطرت من دمائنا ولا دماء أحد من المسلمين إلاّ وهي في اعناقهما إلى يوم القيامة(4) .
وفي خبر آخر عن بشير عن الباقر : انتم تقتلون على دم عثمان بن عفان ، فكيف لو اظهرتم البراءة منهما(5) إذا لما ناظروكم طرفة عين(6) .
وسئل زيد بن علي بن الحسين عن أبي بكر وعمر فلم يجب فيهما ، فلمّا أصابته الرميّة فنزع الرمح من وجهه استقبل الدم بيده حتّى صار كأ نّه كبد ، فقال : أين السائل عن أبي بكر وعمر ؟ هما والله شركاء في هذا الدم ، ثم رمى به وراء ظهره .
____________
1- الكافي 8 : 103 ح 76 .
2- الكافي 8 : 245 ح 340 وعنه في بحار الأنوار 30 : 269 ح 138 .
3- تهذيب الأحكام 4 : 145 ح 405 .
4- بحار الأنوار 30 : 281 .
5- أي أبي بكر وعمر .
6- بحار الأنوار 30 : 282 ـ 283 .
________________________________________ الصفحة 226 ________________________________________
وعن نافع الثقفي ـ وكان قد أدرك زيد بن عليّ ـ ، قال : فسأله رجل عن أبي بكر وعمر ، فسكت فلم يجبه ، فلمّا رمي قال : أين السائل عن أبي بكر وعمر ؟ هما أوقفاني هذا الموقف .
وفي نص آخر سئل زيد بن علي وقد أصابه سهم في جبينه : من رماك به ؟ قال : هما رمياني .. هما قتلاني(1) .
فجاء في تاريخ أبي الفداء ، ووفيات الأعيان ، ومرآة الجنان عن محمّد بن منصور قال : كنّا مع المأمون في طريق الشام فأمر فنودي بتحليل المتعة ، فجاءه أبو العيناء معترضاً ، فرآه يستاك وهو يقول مغتاضاً : متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما ، ومن أنت يا جُعَل حتّى تنهى عمّا فعله رسول الله وأبوبكر ؟!
سمع أبو العيناء ذلك وسكت ، حتّى جاء يحيى بن أكثم ونقل للمأمون رواية عن الزهري عن أميرالمؤمنين عن رسول الله في حرمة المتعة(2) فقيل انّ المأمون رجع عن رايه حينما سمع بهذه الرواية .
أنا لا أُريد أن أدخل في نقاش مع يحيى بن أكثم ، وما رواه عن الزهري عن أميرالمؤمنين وهل هو صحيح أم لا ، كما لا أريد أن أُبيّن من هو الزهري فأنكَأُ القُرحَةَ ، لأنّ القول بجواز المتعة عند أهل البيت (عليهم السلام) لا غبار عليه ، وقد غدا موضع سهام الخصوم عليهم ، وقد كان ابن عبّاس(3) وسعد بن أبي وقّاص(4)وأبو موسى الأشعري(5) وغيرهم من الصحابة يقولون بجوازها وقد ذكر البغدادي
____________
1- بحار الأنوار 85 : 264 .
2- تاريخ ابي الفداء 1 : 353 ، وفيات الأعيان 6 : 150 ، مرآة الجنان 2 : 137 ، الشعور بالعور للصفدي : 239 ، وانظر في مدعيات ابن اكثم مناظرة الشيخ المفيد مع شيخ من الاسماعيلية في (الفصول المختارة للشيخ المفيد : 158 ـ 162) .
3- المغني 7 : 136 ، المبدع 7 : 87 .
4- مسند أحمد 1 : 181 ح 1568 ، مسند أبي عوانه 2 : 344 ح 3368 ، وانظر صحيح مسلم 2 : 898 .
5- صحيح مسلم 2 : 896 ح 1222 ، سنن ابن ماجة 2 : 992 ح 2979 ، المجتبى للنسائي 5 : 153 ح 2735 .
________________________________________ الصفحة 227 ________________________________________
في المحبر اخرين منهم(1) ، و إنّ عدم إرث المتمتّع بها لا يمنع من تشريع المتعة ، و إنّ الولد في هذا النكاح يلحق بأبيه ، و إنّ فيه العدّة كالدائم ، ولا أرى بين العامة من أفتى بإجراء الحدّ عليه بل اكتفوا بالتعزير للقاعدة الشرعيّة (ادرؤوا الحدود بالشبهات) ; كلّ هذه الأمور تدلّ على حليّتها وسقم حكاية يحيى بن أكثم وكذب ما رواه الزهري عن الإمام علي .
وكيف نصدّق بمناداة المأمون بتحريم المتعة بهذه السهولة وهو العارف بمجريات الأحداث في هذه المسألة على وجه التحديد ؟!
إنّهم أتوا بهذا الذيل كي يخدشوا فيما قاله المأمون في عمر : (ومن أنت يا جُعَل) ؟! وفي سياق تحريفاتهم أبدلوا عبارة المأمون السابقة بـ (ومن أنت يا أحول)(2) ، استغلالا لِحَوَل عُمَر ـ الواردة في بعض النصوص ـ ، مع أنّ المأمون ـ لو صح الخبر ـ لم يُرِدْ نَبْزَهُ بالحَوَل ، و إنّما أراد بيان تفاهته وسفاهة رأيه في المتعة ، وكيفما كان ، فإنّ ما شرعه الأوّلون من بذاءة الألفاظ ، ومحاربة كلّ شيء حتّى الأسماء ، عاد مردوده عليهم ، فذاقوا وبال ما أسّسوه ، كما وقفت على قولهم في عمر .
وبالعودة إلى صلب الموضوع نقول :
مرّت عليك كيفيّة تعامل الأمويّين وعائشة مع موضوع التسمية ، وأنّ أهل البيت (عليهم السلام) لم يسكتوا على مخطّط قريش ، إذ أنّ الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)هو أوّل من بدأ بالفكر التصحيحي والوقوف أمام استغلال الآخرين لموضوع
____________
1- كتاب المحبر : 289 من كان يرى المتعة من أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله) : خالد بن عبدالله الأنصاري ، وزيد بن ثابت الأنصاري ، وسلمة بن الاكوع الأسلمي ، وعمران بن الحصين الخزاعي ، وعبدالله بن العباس بن عبدالمطلب .
2- تاريخ بغداد 14 : 199 ، تاريخ دمشق 64 : 71 ، تهذيب الكمال 31 : 214 ، المنتظم 11 : 315 ، طبقات الحنابلة 1 : 413 .
________________________________________ الصفحة 228 ________________________________________
التسميات ، وقد قلنا بأ نّه حاربهم بالقول ; حيث سمّى ابنه (عثمان) حبّاً لعثمان بن مظعون لا لعثمان بن عفّان ، أي أنّ التسمية في وضعها الأوّلي لا يلحظ فيها المحبّة ، ولو أردتم لحاظ المحبة في ذلك فقد وضعته حباً لابن مظعون لا لابن عفان .
ثمّ جاءت النصوص من قبل أئمّة أهل البيت يتلو بعضها بعضاً لتوكّد استحباب التسمية بمحمّد وعليّ والحسن والحسين وقوفاً أمام التيّار الذي أحدثه عمر الذي يقضي بالمنع من التسمية بمحمّد وغيره من الأنبياء ، حيث إنّ التسمية بهم والتكنية بكناهم هي من خير الأسماء وخير الكنى ، إلاّ ما استثني من التسمية بمحمّد والتكنية بأبي القاسم .
فعن جابر ، عن أبي جعفر ـ في حديث ـ أنّه قال لابن صغير : ما اسمك ؟
قال : محمّد .
قال : بم تُكنّى ؟
قال : بعلي .
فقال أبو جعفر : لقد احتظرت من الشيطان احتظاراً(1)شديداً ، إنّ الشيطان إذا سمع منادياً ينادي : يا محمّد ، يا علي ، ذاب كما يذوب الرصاص ، حتّى إذا سمع منادياً ينادي باسم عدوّ من أعدائنا اهتزّ واختال(2) .
وهذا الحديث صادرٌ بعد فُشُوّ المخطّط الأمويّ الرامي إلى محو كلّ ما يمتّ إلى محمّد وعليّ بصلة ، ونشر كلّ ما يرتبط بالجاهليّة والسفيانيّة ، لذلك جاء هذا النصّ بعد تبلوُر الأمور ـ وقطعها شوطاً واتّضاح الخُطى الأمويّة ـ ليعالج
____________
1- أي احتميت بحمى عظيم من الشيطان . انظر النهاية 1 : 404 ، لسان العرب 4 : 204 .
2- الكافي 6 : 20 ح 12 وعنه في وسائل الشيعة 21 : 393 ح 3 ، ومرآة العقول 21 : 35 ح 12 .
________________________________________ الصفحة 229 ________________________________________
الموضوع ، و يضع الخطى المحمدية العلوية على الدرب ، في مقابل المخطّط المشؤوم المحاول لمحو كل شيء عن أهل البيت حتّى الأسماء .
التكنية بأسماء الانبياء
لم يقتصر عمل الأئمّة (عليهم السلام) التصحيحي على هذا فحسب ، بل ردّوا الفكرة القائلة بعدم جواز التكنية بمن لا والد له ، والذي دعا اليه عمر ، حيث ضرب من تكنى بأبي عيسى ، بدعوى أنّ عيسى ليس له أب ، فقد جاء في شرح نهج البلاغة أنّ عمر ضرب ابنه عبدالله لتكنّيه بأبي عيسى قائلاً : و يلك هل لعيسى أب ؟ أتدري ما كنّى العرب ؟ أبو سلمة ، أبو حنظلة ، أبو عرفطة ، أبو مرّة(1) .
إنّ عمر نهى عن التكنية بأبي عيسى ، في حين أنّ هناك جملة من الصحابة قد تكنّوا بهذه الكنية ، فعن زيد بن أسلم ، عن أبيه : أنّ عمر بن الخطّاب ضرب ابناً له تكنّى أبا عيسى ، و إنّ المغيرة بن شعبة تكنّى بأبي عيسى .
فقال له عمر : أما يكفيك أن تُكَنَّى بأبي عبدالله ؟
فقال : رسول الله كنّاني [أبا عيسى] ، فقال : إنّ رسول الله قد غُفِرَ له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر و إنّا في جلجلتنا ، فلم يزل يكنّى بأبي عبدالله حتّى هلك(2) .
وكما منع عمر من التكنية بمن لا والد له ، كذلك مَنَعَ تَكَنِّي من لا وَلَدَ له مثل يحيى(عليه السلام) .
فعن حمزة بن صهيب : إنّ صهيباً كان يكنّى أبا يحيى ، ويقول أ نّه من العرب ، و يطعم الطعام الكثير .
فقال له عمر بن الخطّاب : يا صهيب ، مالك تتكنّى أبا يحيى وليس لك ولد ؟
____________
1- شرح نهج البلاغة 6 : 343 ، 13 : 44 ، 19 : 368 .
2- سنن أبي داود 4 : 291 ح 4693 ، الأحاديث المختارة 1 : 179 ح 86 . وقال العظيم آبادي في عون المعبود 13 : 206 . جلجلتنا : أي في عدد من امثالنا من المسلمين لا ندري ما يصنع بنا وفي (الحطة في ذكر الصحاح الستة : 252 الجلجة أي : الأمر المضطرب) .
________________________________________ الصفحة 230 ________________________________________
وتقول إنّك من العرب ؟ وتطعم الطعام الكثير وذلك سرف في المال ؟
فقال صهيب : إنّ رسول الله كنّاني أبا يحيى ، وأ مّا قولك في النسب فأنا رجل من النمر بن قاسط من أهل الموصل ، ولكنّي سُبِيت غلاماً صغيراً قد غفلت أهلي وقومي ، وأمّا قولك في الطعام فإنّ رسول الله كان يقول : خياركم من أطعم الطعام وردّ السلام ، فذلك الذي يحملني أن أُطعم الطعام(1) .
لا أدري كيف يدعو عمر إلى كُنى عرب الجاهليّة وبينها كُنى قبيحة ومنهيّ عنها ، فإنّ أبا مرّة كنية إبليس ، وحرب من أقبح الأسماء كما في زاد المعاد(2) ، وهكذا غيرها .
ألم يكن الأجدر به أن ينصح ابنه وغيره من الصحابة أن لا يسمّوا ولا يكنّوا بتلك الكنى لا أن يضربهم عليها !
فعن زرارة قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : إنّ رجلاً كان يغشى عليّ بن الحسين وكان يكنّى : أبا مرّة ، فكان إذا استأذن عليه يقول : أبو مرّة بالباب ، فقال له عليّ بن الحسين : باللّه إذا جئت إليّ بابنا فلا تقولنَّ : أبو مرّة(3) .
هذا هو المنهج الصحيح الذي دعا إليه الأئمّة ، وهو الإرشاد لا الضرب ; لأ نّه ليس على الرسول إلاّ البلاغ ، والأئمّة بمنهجهم القويم سعوا إلى تصحيح ما حرّفه الخلفاء وما أفسده الدهر من آراء واستحسانات .
فعن سعيد بن خيثم ، عن معمر بن خيثم ، قال : قال لي أبو
____________
1- مسند أحمد 6 : 16 ح 23971 ، مجمع الزوائد 5 : 16 ، الاستيعاب 2 : 73 .
2- زاد المعاد 2 : 334 ، 341 ، وفيه : كان اقبح الأسماء حرباً ومرة وعلى قياس هذا حنظلة وحزن وما اشبههما .
3- الكافي 6 : 21 ح 17 ، وسائل الشيعة 21 : 399 ح 1 . وفي رواية أُخرى عن الباقر (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال على منبره : وشرّ الأسماء : ضرار ومرّة وحرب وظالم . الخصال : 250 ح 118 وعنه في الوسائل 21 : 399 ح 5 .
________________________________________ الصفحة 231 ________________________________________
جعفر [الباقر(عليه السلام)] : ما تكنّى ؟
قال : ما اكتنيت بعد ، وما لي ولد ولا امرأة ولا جارية .
قال : فما يمنعك من ذلك ؟
قال : قلت : حديث بلغنا عن عليّ (عليه السلام) ; قال : من اكتنى وليس له أهل فهو أبو جعر(1) .
فقال أبو جعفر : شوّه ، ليس هذا من حديث عليّ ، إنّا لنكنّي أولادنا في صغرهم مخافةَ النبز أن يلحق بهم(2) .
وعن ابن أبي عمير ، عن عليّ بن عطيّة ، قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام)لعبدالملك بن أعين : كيف سمّيت ابنك ضريساً ؟
قال : كيف سمّاك أبوك جعفراً ؟
قال : إنّ (جعفراً) نهر في الجنّة ، وضريس اسم شيطان(3) .
فالإمام أراد أن يوقف عبدالملك بن أعين على أنّ اسم ضريس اسم منهيّ عنه ، وهو اسم للشيطان يجب الابتعاد عنه، وأنّ على الناس أن لا يأخذوا بكلّ اسم عرفوه ، بل يجب عليهم أن يتعرّفوا على معانيه ودلالاته ، أما ضريس فقد اخذته العزة بالأثم فسال الإمام : كيف سمّاك أبوك جعفراً ، معتقداً بأن اسم ضريس مثل اسم جعفر يلحظ فيه العلمية فقط ، ولأجل ذلك وضّح(عليه السلام) له بأنّ (جعفراً) نهر في الجنّة .
إنّ الأمويّين لم يكونوا هم الوحيدين الجادّين في تغيير ثقافة الأسماء ، فقد كان هناك مَن يساندهم من الصحابة والتابعين وزوجات النبي ، والكلّ يريد إبعاد النهج العلويّ المدافع عن النهج النبويّ بالطرق التي يرونها ، ثم ترسيخ ما يلائم
____________
1- في النهاية : الجعر : ما يبس من الثفل في الدبر أو خرج يابساً .
2- الكافي 6 : 19 ح 11 ، مرآة العقول 21 : 35 ، التهذيب 7 : 438 ح 14 ، وسائل الشيعة 21 : 397 ح 1 .
3- رجال الكشّيّ 1 : 412 ح 302 ، وعنه في وسائل الشيعة 21 : 399 ح 6 .
________________________________________ الصفحة 232 ________________________________________
أذواقهم وأهدافهم .
فقد مرّ عليك كلام مروان لعليّ بن الحسين (عليه السلام) واعتراضه على الإمام الحسين في تكرار اسم علي بين أولاده (عليهم السلام) ، وقوله : ( علي وعلي ؟ ما يريد أبوك أن يدع أحداً من ولده إلاّ سمّاه عليّاً ) .
وقول الإمام الحسين (عليه السلام) في جواب هذا المنحى المعوَجِّ : (و يلي على ابن الزرقاء دبّاغة الأدم ، لو ولد لي مائة لأحببت أن لا أُسمّي أحداً منهم إلاّ عليّاً) .
وهؤلاء الحكّام وإن فعلوا ما فعلوا فهم لا يقدرون على إخماد هذا النور الوهّاج الذي اشتق من نور الباري جلّ وعلا .
إنّ الخط العلوي أخذ يتنامى شيئاً فشيئاً بفضل قوّة حججه وأصالة انتمائه ، وكذا من خلال الوداعة ، واللين ، وكظم الغيظ والصبر على الأذى .
فالإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) لم يكن له يوم السقيفة أربعون رجلاً يدافعون عن حقّه وينصرونه ، وحين جاءته الخلافة الفعليّة ونهض بالأمر نكثت طائفة وقسطت أخرى ومرقت ثالثة ، لكنّ نهجه رغم كلّ العقبات أخذ يتنامى شيئاً فشيئاً بلينه وسماحته ، حتى ترى اليوم خمس المسلمين ـ أو سدسهم ـ من شيعته وشيعة أهل بيته ، وإن كان(عليه السلام) في زمانه قد عانى الأمرّين حقاً .
صحيح أن منهج أهل البيت يسير بخُطًى وئيدة لكنّ العقبى له لا محالة ، لأنّه منهج قويم مبنيٌّ على العدل والمسامحة ، وأن هذا المنهج السليم دعا إلى أن يكثر أتباعه يوماً بعد يوم حتّى يشمل العالم باسره في يوم ما ، لأ نّه منهج مبنيٌّ على أُصول إنسانيّة يقبلها الجميع .
فعلي بن أبي طالب ـ وكما قال محمّد بن سليمان ـ (دحضه الأوّلان وأسقطاه ، وكُسر ناموسه بين الناس ، فصار نسياً منسيّاً ، ومات الأكثر ممن يعرف خصائصه التي كانت في أ يّام النبوّة وفضله ، ونشأ قوم لا يعرفونه ولا يرونه إلاّ رجلاً من عرض المسلمين ، ولم يبق ممّا يمتّ به إلاّ أ نّه ابن عمّ الرسول ، وزوج ابنته ، وأبو سبطيه ، ونُسِيَّ ما وراء ذلك كلّه ، واتّفق له من بغض قريش وانحرافها ما لم يتّفق
________________________________________ الصفحة 233 ________________________________________
لأحد(1)) .
لكنه(عليه السلام) وأبناءه أعادوا الأمر إلى نصابه رغم الحملات المسعورة المترامية الأطراف ضدهم ، وقاموا بإصلاح الواقع الفاسد ; تارة بالإشارة والكناية ، وأخرى ببيان الصحيح فقط دون المساس بالآخر ، وثالثة بالتحذير من أئمة الباطل ، ورابعة وخامسة ... فكانوا لا يرتضون الصراع المباشر مع أسماء الثلاثة لكي لا يحقق الأمويون أهدافهم من المخططات المريضة التي كانوا يبثّونها بين المسلمين .
وممّا أثاره القوم في مجال التسمية في العهدين الأموي والعباسي هو قولهم : لماذا لم يسم ربّ العالمين عليّاً في القرآن ، فإن قلتم أ نّه موجود ، فأين هو ؟ وإن لم يكن موجوداً فيه صريحاً فكيف تستدلّ الشيعة على أمر لم ينصّ عليه القرآن الحكيم ؟
ومثله قولهم : كيف يسمّى ولد فاطمة بأبناء رسول الله ، مع أنّ المرء ينسب الى أبيه لا إلى أمّه ؟ فإنّهم وبهذه الإثارات كانوا يريدون أن يبعدوا شيعة آل محمّد عن أئمّتهم ، وأن يشككوا في نسبة الآل إلى رسول الله والعياذ بالله .
لِم لم يُسمَّ عَلِيٌّ في القرآن ؟
عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله [الصادق] (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ ( وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الأَمْرِ مِنْكُمْ )(2) .
فقال : نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين (عليهم السلام) .
فقلت له : إنّ الناس يقولون : فما له لم يسمّ عليّاً وأهل بيته في كتاب الله عزّ وجلّ ؟
قال : فقال : قولوا لهم : إنّ رسول الله نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ الله لهم ثلاثاً
____________
1- شرح نهج البلاغة 9 : 28 .
2- النساء : 59 .
________________________________________ الصفحة 234 ________________________________________
ولا أربعاً حتّى كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) هو الذي فسّر ذلك لهم .
ونزلت عليه الزكاة ولم يسمّ لهم من كلّ أربعين درهماً حتّى كان رسول الله هو الذي فسّر ذلك لهم .
ونزل الحجّ فلم يقل لهم : طوفوا أُسبوعاً ، حتّى كان رسول الله هو الذي فسّر ذلك لهم ، ونزلت ( وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الأَمْرِ مِنْكُمْ ) ، فقال رسول الله في علي : من كنت مولاه فعلي مولاه ... إلى أن يقول : فلو سكت رسول الله فلم يبيّن من أهل بيته لادّعاها آل فلان وآل فلان ، لكنّ الله عزّ وجلّ أنزله في كتابه تصديقاً لنبيّه ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )(1) ، فكان علي والحسن والحسين وفاطمة ، فأدخلهم رسول الله تحت الكساء في بيت أمّ سلمة ثمّ قال : اللهم ...(2)
ولد فاطمة أبناء النبي أم أبناء علي ؟
عن هاني بن محمّد بن محمود ، عن أبيه رفعه إلى موسى بن جعفر(عليه السلام) أ نّه قال : دخلتُ على الرشيد فقال لي : لم جوّزتم للعامّة والخاصّة أن ينسبوكم إلى رسول الله ، و يقولون لكم : يا بني رسول الله ، وأنتم بنو علي ، و إنّما ينسب المرء إلى أبيه ، وفاطمةُ إنّما هي وعاء ، والنبيُّ جدّكم من قبل أُمِّكم ؟
فقلت : يا أمير المؤمنين ، لو أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) نُشِرَ فخطب إليك كريمتك ، هل كنت تجيبه ؟ فقال : سبحان الله ! ولِمَ لا أجيبه ؟ بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك .
فقلت : لكنّه(صلى الله عليه وآله) لا يخطب إليّ ولا اُزوّجه .
فقال : ولِمَ ؟ فقلت :
____________
1- الأحزاب : 33 .
2- الكافي 1 : 286 ح 1 باب ما نصّ الله ورسوله على الائمّة (عليهم السلام) واحداً فواحداً .
________________________________________ الصفحة 235 ________________________________________
لأ نّه ولدني ولم يلدك .
فقال : أحسنت يا موسى .
ثمّ قال : كيف قلتم : إنّا ذرّيّة النبي(صلى الله عليه وآله) ، والنبيُّ لم يُعقِّب ، و إنّما العقب للذكر لا للأُنثى ، أنتم ولد البنت ، ولا يكون لها عقب ؟
فقلت : أسألك بحقّ القرابة والقبر ومن فيه إلاّ ما أعفيتني عن هذه المسألة .
فقال : لا ، أو تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد علي ، وأنت يا موسى يعسوبهم و إمام زمانهم ، كذا أُنْهِيَ إليّ ، ولست أعفيك في كلّ ما أسألك عنه ، حتّى تأتيني فيه بحجّة من كتاب الله تعالى ، وأنتم تدّعون معشر ولد علي أ نّه لا يسقط عنكم منه شيء أَلِفٌ ولا واوٌ إلاّ وتأويله عندكم ، واحتججتم بقوله عزّ وجلّ : ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيء )(1) ، وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم .
فقلت : تأذن لي في الجواب ؟ فقال : هات !
فقلت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمانَ وَأَ يُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِى الُْمحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى )(2) ، مَنْ أبو عيسى يا أمير المؤمنين ؟ فقال : ليس لعيسى أب . فقلت : إنّما ألحقناه بذراري الأنبياء من طريق مريم(عليها السلام) ، وكذلك أُلحقنا بذراري النبيّ(صلى الله عليه وآله) من قبل أُمنا فاطمة(عليها السلام) .
أزيدك يا أمير المؤمنين ؟ قال : هات ! قلت : قول الله عزّ وجلّ : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ )(3) ، ولم يدّع أحد أنه أدخله النبيّ(صلى الله عليه وآله) تحت الكساء عند المباهلة للنّصارى إلاّ علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) ، فكان تأويل قوله عزّ وجلّ : ( أَبْنَاءَنَا ) الحسن
____________
1- الأنعام : 38 .
2- الأنعام : 84 ـ 85 .
3- آل عمران : 61 .
________________________________________ الصفحة 236 ________________________________________
والحسين ، ( وَنِسَاءَنَا ) فاطمة ، ( وَأَنْفُسَنَا ) علي بن أبي طالب(1) .
إنّ أئمّة أهل البيت كانوا يذكّرون الشيعة بمقاماتهم المعنوية وما ورد فيهم عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) من الفضائل ، وكانوا يكنّون عن أسماء أعدائهم ، لكنّ الحكّام كانوا يسعون لتهييج التنابز والسباب وذكر الأسماء صراحة من خلال عدّة أساليب لئيمة .
منها وضع أخبار حسنة في ظاهرها ومشينة في باطنها في مدح أهل البيت وذكر فضائلهم ومقاماتهم المعنوية ، حتى وصل الأمر في بعض الأحيان إلى دعوى الغلو فيهم .
وقد استغلوا بالفعل بعض من دَسُّوا أنفسهم في أصحاب الأئمة لوضع تلك الأخبار على لسانهم(عليهم السلام) ، وقد أخبر الأئمّة بأنّ المغيرة بن سعيد ، وبنان بن سمعان ، وأبا الخطاب ، دسّوا أحاديث على لسان الأئمّة ، وأ نّهم(عليهم السلام) براءٌ من تلك الأخبار وما يذكرونه من مقامات لهم وفي بعض الأحيان على لسانهم .
وممّا فعله القوم أيضاً هو التصريحُ بأَسماء الّذين ورد فيهم الذمّ ، ونشروا ذلك كي يثيروا الفتنه ، خلافاً لمنهج الأئمّة الذين صدر منهم الذمّ لأسماء أعداء الله ، لكن بنحو الكناية والتعريض لا بالإِشهار والتصريح ، وانّ معاني تلك الكنى كان لا يعرفها إلاّ الخواص ، وأ نّهم(عليهم السلام) أمروا شيعتهم بكتمان ما قالوا في أعداء الله كي لا تستغلّها السلطات في سياساتها المريضة ، ولكي لا يعرفوا مغزاها فيتّخذوها سلاحاً ضدّ أهل البيت ، لكنّ مجموعة ممّن تعاونوا مع السلطات أفشوا مقصود الأئمة من تلك الأسماء والكنى ونشروها بعينها ورسمها وحروفها .
أجل، إنّ أهل البيت وقفوا أمام خطط الحكّام، مذكّرين شيعتهم بمحبوبية التسمية بأسمائهم (عليهم السلام) والتكنية بكناهم ، وتناقل ما جرى عليهم من مظالم في
____________
1- عيون أخبار الرضا 2 : 80 ـ 81 . وجاء قريب من ذلك في مناظرة يحيى بن يعمر مع الحجاج ; انظر كنز الفوائد للكراجكي :167 ـ 168 ، ووفيات الأعيان 6 : 174 ، شرح الأخبار 3 : 92 ح 102 وأنظر الفصول المختارة للمفيد 1 : 16 ـ 17 .
________________________________________ الصفحة 237 ________________________________________
العصور السابقة كي تبقى هذه الأسماء حيّة عند المسلمين ، فجاء في الزيارة الجامعة الكبيرة لأئمة أهل البيت (وأسماؤكم في الأسماء)، هذا من جهه ، ومن جهة أخرى نهوا خُلَّص أصحابهم عن التكنية بأسماء أعدائهم ومخالفيهم ، لأنّ تلك الأسماء صارت رمزاً للشّرّ والأمور السلبية، ولأنّ عرش الله يهتزّ بذكر تلك الأسماء.
فعن سليمان الجعفري ، قال : سمعت أبا الحسن(عليه السلام) يقول : لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمّد أو أحمد أو عليّ أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله ، أو فاطمة من النساء(1) .
مع حديث ابن عساكر في تسمية أولاد علي(عليه السلام)
مرّ عليك بأنّ الشيطان إذا سمع منادياً ينادي باسم عدوّ من أعداء أهل البيت اهتزّ واختال ، وكذا وقفت على نهى الإمام الكاظم عن التسمية بحميراء .
وفي هذا المعترك سُئل حفيد عمر الأطرف ـ في أوائل العصر العباسي ـ عن سبب تسمية الإمام عليّ جدّه بعمر ، فجاء عيسى بن عبدالله بن محمّد بن عمر الأطرف ليوضح خلفية ملابسات هذه التسمية وأ نّها لم توضع من الإمام علي بل وضعت من قِبَلِ عمر بن الخطاب .
أخرج ابن عساكر بسنده ، عن الزبير ، عن محمّد بن سلام ، قال : قلت لعيسى بن عبدالله بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب : كيف سَمَّى جدُّكَ عليٌّ عُمَرَ ؟
فقال : سألتُ أبي عن ذلك ، فأخبرني عن أبيه ، عن عمر عن عليّ ، بن أبي طالب ، قال : ولدتُ لأبي بعد ما استُخلِفَ عمر
____________
1- الكافي 6 : 19 ح 8 والتهذيب 7 : 438 ح 1348 وعنه في وسائل الشيعة 21 : 396 ح1 .
________________________________________ الصفحة 238 ________________________________________
بن الخطّاب ، فقال له : يا أميرالمؤمنين ولد لي غلام .
فقال [عمر] : هبه لي .
فقلت : هو لك .
قال : قد سمّيته عمر ونحلته غلامي مورق .
قال : فله الآن ولد كثير . قال الزبير : فلقيت عيسى بن عبدالله فسألته فخبّرني بمثل ما قاله محمّد بن سلام(1) .
فأنت تلاحظ استغراب محمّد بن سلام واستغراب الزبير ، وتقبّل عيسى بن عبدالله لهذا الاستغراب ، وكان هو أيضاً قد تعجب من ذلك فسأل أباه عنه ، تلاحظ كلّ ذلك دالاًّ بوضوح على أنّ هناك نزاعاً وصراعاً قويّاً بين أمير المؤمنين علي وعمر ، بحيث أنّ هذا النزاع والصراع زَرَع في أذهان الجميع أنَّ من العجيب أن يسمّي عليّ ابنه باسم خصمه اللدود ، فجاء الردُّ واضحاً بأنّ عمر كان هو المبادر لهذه التسمية الساعي لزرع مجد عُمَريّ مبتن على صراع الأسماء .
ولا يخفى عليك بأنّ الحكّام على طول فترة الحكمين الأموي والعباسي كانوا يسعون لترسيخ فكرة وضع الإمام علي لأسماء الثلاثة، و يستغلّونها أيّما استغلال للقول بوضعها عن محبّة لهم ، لكنّ علامات الوضع ظاهرة وإليك نصيّن منها .
النص الأول :
أحدهما ما أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ، قال : أخبرنا أبو عبدالله محمّد بن إبراهيم النشابي ، أنا أبوالفضل أحمد بن عبدالمنعم بن أحمد بن بندار ، نا أبوالحسن العتقي ، أنا أبوالحسن الدارقطني ، نا أبوبكر الشافعي ، نا عبدالله بن ناحية ، نا عباد بن أحمد العرزمي ، نا عمّي ، عن أبيه ، عن عمرو بن قيس ، عن عطيّة ، عن أبي سعيد ، قال :
____________
1- تاريخ دمشق ، لابن عساكر 45 : 304 .
________________________________________ الصفحة 239 ________________________________________
مررتُ بغلام له ذؤابة وجُمَّة إلى جنب عليّ بن أبي طالب ، فقلت : ما هذا الصبيّ إلى جانبك ؟ قال : هذا عثمان بن عليّ سمّيته بعثمان بن عفّان ، وقد سمّيته(1) بعمر بن الخطاب ، وسمّيت بعبّاس عمّ النبيّ ، وسمّيت بخير البريّة محمّد ، فأمّا حسن وحسين ومحسن فإنّما سمّاهم رسول الله وعقّ عنهم ، وحلق رؤوسهم وتصدّق بوزنها وأمر بهم فَسُرُّوا وخُتِنُوا(2) .
أنا لا أريد أن أدخل في مناقشة سندية لهذا الخبر ، بل أريد أن ألفت نظر القارئ إلى بعض النقاط فيه :
وهل يمكننا أن ندّعي بأنّ هذا الخبر المفتعل وضع من قبل النافين لوجود ابن لعليّ اسمه أبوبكر ؟ إلى غيرها من التساؤلات التي يمكن طرحها في نص كهذا .
إنّ أتباع الخلفاء وضعوا أخباراً كثيرة في هذا السياق ، لأ نّك تَرى كلّ واحد
____________
1- الصحيح أن يقول : (وقد سمَّيتُ بعمر) .
2- تاريخ مدينة دمشق 45 : 303 ـ 304 . وكلمة (فسرّوا) : قطعت سِرّتهم .
________________________________________ الصفحة 240 ________________________________________
من هؤلاء الرواة ينقل الحادثة بالشكل الذي يرتضيه ، فمرّة تكون الواقعة في عهد الإمام ، وأخرى بعد وفاته (عليه السلام) ، وثالثة ورابعة ، وقد انتقلت حكايات هؤلاء الرواة إلى المجاميع الحديثيّة والتاريخيّة عن طريق إخراج الحفّاظ لها .
فاختلاف النقول في الأخبار شيء قد يحدث ولا غبار في ذلك ، لكن نقول أنّه في الأماكن الخلافية الحساسة يكون مقصوداً ، و ينبئ عن حسّاسيّة الأمويين مع هذا الاسم .
إذن تارة الحادثة ترتبط مع تسمية عبدالله بن جعفر ابنه باسم معاوية ، وتارة أخرى ترتبط مع تغيير عبدالله بن جعفر اسم ابنه من عليّ إلى معاوية ، كما تراه في الخبر الآتي ، فلو صح هذا الخبر فهو لا يتّفق مع تسميته ابنه بمعاوية ابتداءً كما في نصوص أخرى .
النص الثاني :
وإليك ما أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق، عن أبي الفضل الربعي أ نّه قال:
حدّثني أبي وسمعته يقول : ولد أبومحمّد ، عليّ بن عبدالله ـ سنة أربعين ـ بعد قتل عليّ بن أبي طالب ، فسمّاه عبدالله بن العباس (عليّاً) وكنّاه بأبي الحسن ، وولد معه في تلك السنة لعبدالله بن جعفر غلام فسمّاه (عليّاً) وكنّاه بأبي الحسن ، فبلغ ذلك معاوية فوجّه إليهما أن انقلا اسم أبي تراب وكنيته عن ابنيكما ، وسمّياهما باسمي وكنّياهما بكنيتي ، ولكلّ واحد منكما ألف ألف درهم .
فلمّا قدم الرسول عليهما بهذه الرسالة سارع في ذلك عبدالله بن جعفر فسمّى عبدالله بن جعفر ابنه معاوية وأخذ ألف ألف درهم ، وأمّا عبدالله بن عبّاس فإنّه أبى ذلك ، وقال : حدّثني عليّ بن أبي طالب عن النبيّ (عليه السلام) أ نّه قال : ما من قوم يكون
________________________________________ الصفحة 241 ________________________________________
فيهم رجل صالح فيموت فيخلف فيهم بمولود فيسمونه باسمه إلاّ خلفهم الله بالحسنى ، وما كنت لأفعل ذلك أبداً .
فأتى الرسول معاوية فأخبره بخبر ابن عباس ، فردّ الرسول ، وقال : فانقل الكنية عن كنيته ولك خمس مائة ألف ألف .
فلمّا رجع الرسول إلى ابن عباس بهذه الرسالة ، قال : أمّا هذا فنعم ، فكنّاه بأبي محمّد(1) .
وهذا النص يختلف عما نقلناه سابقاً(2) عن ابن عبّاس ، وأ نّه أتى عليّاً أ يّام خلافته وطلب منه أن يسمّي ابنه ، فسمّا علياً وكنّاه بأبي الحسن(3) .
فإن طلب ابن عباس من الإمام علي في أن يسمي ولده ـ أيّام خلافته(عليه السلام) ـ لا يتفق مع تسمية ابن عباس مولوده بعد وفاة الإمام علي ; لما سمعه من رسول الله .
وكذا هو الآخر يخالف ما أخرجه ابن عساكر ، عن عيسى بن موسى ، قال :
لمّا قدم علي بن عبدالله بن عباس على عبدالملك بن مروان من عند أبيه ، قال له عبدالملك : ما اسمك ؟
قال : علي .
قال : أبو من ؟
قال : أبو الحسن .
قال : أَ تَجمَعُهُمَا عَلَيَّ ؟! حوّل كنيتك ولك مائة ألف .
قال : أ مّا وأبي حيّ فلا ، فلمّا مات عبدالله بن عبّاس كنّاه
____________
1- تاريخ مدينة دمشق 43 : 44 ـ 45 .
2- في صفحة : 58 .
3- قال ابن حجر في تهذيب التهذيب 7 : 312 ـ 313 وقد حكى المبرد وغيره أنّه لمّا ولد جاء به أبوه إلى عليّ بن أبي طالب فقال : ما سمّيته ، فقال : أو يجوز لي ان أسمّيه قبلك فقال (عليه السلام) : قد سمّيته باسمي وكنّيته بكنيتي وهو أبو الأملاك ، وذكر بعد ذلك تغيير عبدالملك لكنيته والله أعلم .
________________________________________ الصفحة 242 ________________________________________
عبدالملك أبا محمّد(1) .
وفي تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير والنصّ عن الأخير :
وقيل أ نّه ولد في الليلة التي قتل فيها عليّ بن أبي طالب فسمّاه أبوه عليّاً ، وقال : سمّيته باسم أحبّ الناس إليّ وكنّاه أبا الحسن ، فلمّا قدم على عبدالملك بن مروان أكرمه وأجلسه معه على سريره ، وسأله عن كنيته فأخبره ، فقال : لا يجتمع في عسكري هذا الاسم والكنية لأحد ، وسأله هل ولد لك من ولد ؟ قال : نعم ، وقد سمّيته محمّداً ، قال : فأنت أبو محمّد(2) .
وفي حلية الأولياء : كان عليّ بن عبدالله بن عبّاس يكنّى ابا الحسن ، فلما قدم على عبدالملك بن مروان قال له : غيّر اسمك وكنيتك فلا صبر لي على اسمك وكنيتك . فقال : أ مّا الاسم فلا ، وأ مّا الكنية فأُكنَّى بأبي محمّد ، فغيّر كنيته .
قال اليافعي : قيل : و إنّما قال عبدالملك هذه المقالة لبغضه في عليّ بن أبي طالب اذ اسمه وكنيته كذلك(3) .
أنا لا أريد أن أرجّح خبراً على آخر في هذه القضية ، بل أريد أن أُذكّر القارئ الكريم بأنّ بين الأخبار المذكورة في وقائع كهذه ، ما هو صحيح وما هو باطل ، والواقعة إمّا أن تكون قد وقعت في عهد الإمام علي ، أو من بعد وفاته في عهد معاوية ، أو أ نّها كانت في عهد عبدالملك ، في حياة عبدالله بن عبّاس أو بعده .
وسواء كان تبديل الكنية من قبل ابن عباس بعوض ، أم لم يكن بعوض ، فإنّ المهمّ هو أ نّهم كانوا حسّاسين مع اسم عليّ وخصوصاً لو قرن هذا الاسم مع كنية
____________
1- تاريخ دمشق 43 : 45 ، فقال : أمّا الإسم فلا ، وأمّا الكنية فتكنّى بأبي محمّد ، فغيّر كنيته .
2- تاريخ الطبري 4 : 165 ، الكامل في التاريخ 4 : 422 .
3- حلية الأولياء 3 : 207 ، مرآة الجنان 1 : 245 .
________________________________________ الصفحة 243 ________________________________________
أبي الحسن ، لأ نّه سيكون دليلاً على المحبّة لا محالة ـ بالطبع طبق نظريّتهم !! ـ وبالتالي فإنّه سيقوّض أطراف حكومتهم وسياساتهم المبتنية على بغض أهل البيت وعلى راسهم أمير المؤمنين علي(عليه السلام) .
وقد قال الدكتور داود سلوم عن البحتري وأنّه بدّل كنيته من أبي الحسن إلى أبي عبادة ارضاً للمتؤكل العباسي ، كما أنّه قال عن الشاعر يزيد بن مفرغ الحميري (ت 69) بأنّه ولكي يفنذ في المجتمع الجديد فقد تكنى بأبي عثمان واتصل بالأمويين واولاد عثمان(1) .
إنّ انصار النهج الحاكم سرقوا لقب الصديق ، والفاروق ، وجامع القرآن ، وسيف الله وأعطوها جُزافاً لأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وخالد بن الوليد .
كما أنّهم لقّبوا عثمان بـ (ذي النورين) كي ينتقصوا من أهميّة لقب (الزهراء) الممنوح لفاطمة سلام الله عليها على وجه الخصوص .
وأيضاً شرّعوا الاختلاف بين الصدّيقة فاطمة(عليها السلام) والمسمَّى بالصّدّيق أبي بكر للقول بأ نّهما في مرتبة واحدة لا يكذبان أصلا ، في حين يعلم الكُلُّ بأنّ الاختلاف معناه وجود صادق وكاذب في القضيّة، بصرف النظر عن كون أيهما الصِّديق والكِذِّيب ، فالزهراء(عليها السلام) تقول صريحاً لأبي بكر: (لقد جئت شيئاً فريّاً)، لكنّه لا يجرؤ على تكذيبها وعمد إلى القول بأنّ شهودها لم يكتملوا ، وبهذا الفعل أراد تكذيبها عَملاً، فإذن كلّ واحد يكذب الأخر، فكيف يعد كلّ منهما صدِّيقاً(2)؟!
وفي هذا الإطار لقّبوا أبابكر وعمر بسيّدي كهول أهل الجنّة ، قِبالا لما ورد في ـ الصحيح ـ عن الحسن والحسين بأ نّهما سيّدا شباب أهل الجنّة .
وأخذوا لقب (الشهيد) من حمزة عمّ الرسول وأطلقوه على عثمان ، ولقب
____________
1- ديوان يزيد بن مفرغ الحميري : 80 تحقيق دكتور داود سلوم وفيه : وقد تحولت قبائل كثيرة عن نسبها إلى النسب اليماني في سبيل المال أو السلطة .
2- هذا ما وضحناه في كتابنا (من هو الصديق ومن هي الصديقه) .
________________________________________ الصفحة 244 ________________________________________
(أمير المؤمنين) من الإمام علي وأطلقوه على عمر ومن جَرَّ جَرَّه ، إلى غيرها من عشرات الألقاب والأسماء المنحولة لهذا وذاك .
وقد استمرّت ظاهرة وضع الألقاب والنعوت على الخلفاء في العهدين الأموي والعباسي ، فنسبوا إلى معاوية أنّه كان كاتباً للوحي ، ولأبي مسلم الخراساني أ نّه (وزير آل محمّد) و(سيف آل محمّد) .
وقد لقّب إبراهيم بن محمّد في أوّل الدولة العبّاسيّة بلقب (الإمام) ، وهناك ألقاب كثيرة أخرى سرقوها من آل محمّد وأطلقوها على خلفائهم مثل : (الهادي) و (المهدي) و (المهتدي) و (المرتضى) و (القائم) .
وكذا كان حال الأمويين ، فإنّهم وان كانوا قد عارضوا التسمية بعلي والحسن والحسين أيّام قوّة حكمهم ، لكنّهم ومن منطق السياسة اتّخذوا عند ضعفهم اسم الإمام علي سلاحاً في وجه العباسيين ، لأ نّهم وبسقوط حكمهم لم يبق لهم إلاّ التسلّح بسلاح الآخرين والاحتماء بالرموز ، وقد استغل بالفعل أحد أحفاد معاوية بن أبي سفيان اسم الإمام علي كغطاء في عمله السياسي ، فأراد إعادة الخلافة الأموية بطريقة ذكية ، وذلك بالاستفادة من عليّ ومعاوية معاً ، واستغلال رموزهم في العملية السياسية المرجوّ تطبيقها ، كلّ ذلك من خلال الأسماء والكنى والمؤهّلات ، فجاء في الكامل (حوادث سنة خمس وتسعين ومائة) وسير أعلام النبلاء ، ترجمة السفياني :
هو الأمير ، أبو الحسن ، عليّ بن عبدالله ، بن خالد ، بن يزيد ، بن معاوية بن أبي سفيان القرشي الأموي ، و يعرف بأبي العميطر ، كان سيّد قومه وشيخهم في زمانه ، بويع بالخلافة بدمشق زمن الأمين ، وغلب على دمشق في أوّل سنة ست وتسعين ، [وكان من أبناء الثمانين](1) ، وكان يقول : أنا من
____________
1- سير أعلام النبلاء 9 : 284 .
________________________________________ الصفحة 245 ________________________________________
شيخَيْ صفّين ، يعني عليّاً ومعاوية(1) ، وكان شعار أنصاره : يا عليُّ يا مُختار ، يا من اختاره الجبّار ، على بني العبّاس الأشرار(2) .
انظر إلى قول هذا الأموي الخارج على بني العباس ، كيف يريد أن يلفّق بين عليّ ومعاوية ـ جامعاً في أطروحته القَوّتين المعارضتين للعباسيين ـ فيقول : أنا من شيخي صفّين يعني عليّاً ومعاوية ، وهو يجمع أيضاً بين اسم علي وكنية (أبوالحسن ، عليّ) ، وبين عشيرته وقومه (القرشي الأموي) وبين ما ثبت لأهل البيت وانّ الله اختارهم ، فجعله شعاراً له ضدّ العباسيين ، فكان أنصاره يقولون : يا عليّ يا مختار يا من اختاره الجبّار ، على بني العبّاس الأشرار .
نعم بهذه الطرق التمويهية الملتوية كانوا يسعون إلى تحريف الحقائق وتوظيفها لصالحهم ، لكن الأئمة كانوا حذرين من مخططاتهم ودورهم في استغلال الأسماء والكنى موضحين لشيعتهم تلك الطرق الملتوية .
فعن عليّ بن الحسين زين العابدين(عليه السلام) أ نّه قال : ... هذه أحوال من كتم فضائلنا ، وجحد حقوقنا ، وسُمّي بأسمائنا ، ولُقّب بألقابنا ، وأعان ظالمنا على غصب حقوقنا ، ومالأ علينا أعداءنا(3) .
وفي عيون أخبار الرضا(عليه السلام) أ نّه قال لابن أبي محمود : إنّ مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام :
أحدها : الغلوّ .
ثانيها : التقصير في أمرنا .
____________
1- الكامل في التاريخ 5 : 377 (حوادث سنة 195 هـ) .
2- سير أعلام النبلاء 9 : 286 .
3- تفسير الإمام العسكري : 589 ، وعنه في بحار الأنوار 26 : 236 .
________________________________________ الصفحة 246 ________________________________________
وثالثها : التصريح بمثالب أعدائنا .
فإذا سمع الناس الغلوّ فينا كفّروا شيعتنا ، ونسبوهم إلى القول بربوبيّتنا ، و إذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا ، و إذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا ; وقد قال الله عزّ وجلّ ( وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْم )(1) .
وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله :
من سمّانا بأسمائنا ، ولقّبنا بألقابنا ، ولم يسمّ أضدادنا بأسمائنا ، ولم يلقّبهم بألقابنا ـ إلاّ عند الضرورة التي عند مثلها نسمّي نحن ونلقّب أعداءنا بأسمائنا وألقابنا ـ فانّ الله عزّ وجلّ يقول لنا يوم القيامة : اقترحوا لأوليائكم هؤلاء ما تعينونهم به ...(2) .
وعن الإمام موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام) ، قال :
من أعان محبّاً لنا على عدوّ لنا ، فقوّاه وشجّعه حتى يخرج الحقّ الدالّ على فضلنا بأحسن صورته ، ويخرج الباطل ـ الذي يروم به أعداؤنا دفع حقّنا ـ في أقبح صورة ، حتّى يتنبّه الغافلون ، ويستبصر المتعلمون ، ويزداد في بصائرهم العاملون ، بعثه الله تعالى يوم القيامة في أعلى منازل الجنان ، و يقول : يا عبدي الكاسر لأعدائي ، الناصر لأوليائي ، المصرِّح بتفضيل محمّد خير أنبيائي ، وبتشريف عليٍّ أفضل أوليائي ، والمناوي إلى من ناوأُهما ، وتسمَّى بأسمائهما ،
____________
1- عيون أخبار الرضا 2 : 272 وعنه في بحار الأنوار 26 : 239 .
2- بحار الأنوار 24 : 391 .
________________________________________ الصفحة 247 ________________________________________
وأسماء خلفائهما ، وتلقب بألقابهما ، فيقول ذلك ، و يبلغ الله جميع أهل العرصات . فلا يبقى ملكٌ ولا جبّار ولا شيطان إلاّ صلّى على هذا الكاسر لأعداء محمّد(صلى الله عليه وآله) ، ولعن الذين كانوا يناصبونه في الدنيا من النواصب لمحمّد وعلي صلوات الله عليهما(1) .
وعليه ، فالتسميات أخذت وضعها الصحيح ببركة أهل البيت ، و إنّ التأكيد على اسمائهم جاء في روايات متعددة عن أهل البيت(عليهم السلام) ، كان من أواخرها ما علّمه الإمام علي الهادي(عليه السلام) (ت 254 هـ) لموسى بن عبدالله النخعي من الزيارة التي يزور بها أئمّة أهل البيت ، وهي المعروفة اليوم بالزيارة الجامعة الكبيرة ، والتي تحتوي على المعارف الحقّة وفيها الموالاة الكاملة لآل البيت والبراءة من أعدائهم ، جاء في بعض فقراتها الأخيرة منها : (وأسماؤكم في الأسماء .... فما أحلى أسماءكم وأكرم أنفسكم) .
وهاتان الفقرتان ـ كغيرهما من الفقرات ـ تحتوي على معارف قيّمة لا يمكننا بهذه العجالة شرحها ، لكنّنا نشير إلى أنّهما يشيران إلى أهمية أسماء أهل البيت وأَبْعادها الإلهية .
أجل إنّ القوم مضافاً إلى سرقتِهم أسماء الأئمة وكناهم كانوا يسعون إلى تغيير معاني بعض تلك الأسماء والألقاب لصالحهم ، فعن أحمد بن أبي نصر البزنطي ، قال : قلت لأبي جعفر محمّد بن عليّ الثاني (عليهما السلام) : إنّ قوماً من مخالفيكم يزعمون أنّ أباك صلوات الله عليه إنّما سمّاه المأمون الرضا لما رضيه لولاية عهده .
فقال : كذبوا والله وفجروا بل الله تعالى سمّاه الرضا لأ نّه كان (عليه السلام) رضىً للهِ تعالى ذكره في سمائه ، ورضى لرسوله والأئمّة بعده (عليهم السلام) في أرضه .
قال : فقلت له : ألم يكن كلّ واحد من آبائك الماضين (عليهم السلام) رضىً لله تعالى
____________
1- تفسير الإمام العسكري(عليه السلام) : 209 ، وعنه في بحار الأنوار 24 : 391 .
________________________________________ الصفحة 248 ________________________________________
ولرسوله والأئمّة من بعده ؟ فقال : بلى ، فقلت له : فلم سَمَّي (عليه السلام) من بينهم الرضا ؟
قال : لأ نّه رَضيَ به المخالفون من أعدائه ، كما رضيَ به الموافقون من أوليائه ، ولم يكن ذلك لأحد من آبائه (عليهم السلام) ، فلذلك سمّي من بينهم الرضا (عليه السلام) (1) .
وهذا الكلام من الإمام يرشدنا إلى أنّهم (عليهم السلام) مع اهتمامهم ببيان القواعد العامّة في التسميات والكنى والألقاب ، كانوا يشيرون إلى بعض التطبيقات الخاطئة المرسومة من قبل الحكّام ، مصحّحين تحريفات المغرضين ودجل المدلسين ; إذ مرّ عليك ما قاله الإمام الجواد في سبب تلقّب الإمام الرضا بالرضا ، وسيأتي أيضاً في خبر يعقوب السراج أنّ الإمام الكاظم نهاه عن التسمية بحميراء ، لأنّ (حميراء) صارت علماً مُبْتَدَعاً لأعداء أميرالمؤمنين من النساء ، فلو لوحظت معاداة أميرالمؤمنين في التسميات صار الاسم مبغوضاً عند الله ، مشيرين إلى أن زوجات النبي لا يعرفن بكنية أو لقب خاص إلاّ عائشة .
وهذا اللقب اطلق على عائشة حينما اخبر رسول الله زوجاته بأن منهن من تخرج على إمام زمانها ، فقال(صلى الله عليه وآله) مخاطباً عائشة (إيَّاك أن تكونيها يا حميراء) .
فنهي الإمام لم يكن معاداة للأسماء والألقاب والكنى بما هي أسماء وألقاب وكُنّى ، بل بياناً لما أمر الله به في كتابه وأكّد عليه نبيّه .
فالأئمّة لا يعادون أحداً بما هو شخص وذات ، حتّى أ نّهم لم يعادوا الخلفاء السابقين الاّ لتعديهم حدود الله وتجاوزهم قول ربّ العالمين وتأكيدات الرسول الأمين في الإمامة الإلهيّة .
فعن يعقوب السراج ، قال : دخلت على أبي عبد الله [الصادق ]وهو واقف على رأس أبي الحسن موسى وهو في المهد ، ... فقال لي : ادنُ من مولاك فسلّم ، فدنوتُ فسلّمت عليه ، فردَّ عَلَيّ السلام بلسان فصيح ، ثمّ قال لي : اذهب فغيّر اسم ابنتك
____________
1- علل الشرايع ، للصدوق 1 : 236 ـ 237 ح 1 .
________________________________________ الصفحة 249 ________________________________________
التي سمّيتها أمسِ ، فإنّه اسم يبغضه الله ، وكان ولدت لي ابنة سمّيتها بالحميراء(1) .
فالإمام قد يسمّي ابنته بعائشة ، لأ نّه اسم عربي رائج وليس فيه قبح ذاتي ، لأنّه ليس حكراً على أحد ، وقد يكون(عليه السلام) سمى ابنته بعائشة للوقوف أمام استغلال الآخرين اسمها في صراعهم مع الإمام الكاظم(عليه السلام) .
أ مّا التسمية بـ (الحميراء) فلا يرتضيه ـ لمن يدّعي محبّة آل البيت ـ لأ نّه عَلَمٌ يختص بعائشة ; لأنّه لم يعرف بهذا اللقب غيرها ، وقد أخبر رسول الله بأنّ كلاب الحوأب تنبح إحدى نسائه ثم قال مخاطباً عائشة (إياك أن تكوني أنت يا حميراء) ، فهو اسم مختصّ بها ، بخلاف اسم عائشة فانّه مشاع للجميع ويتسمى به كثير من الناس قبل وحين وبعد أمّ المؤمنين بنت أبي بكر .
وعليه فالولاء والبراءة يلحظان في التسميات أيضاً ، لكنْ بشروط وظروف محدّدة معيّنة .
ففي تفسير العيّاشي : عن ربعي بن عبدالله ، قال : قيل لأبي عبدالله (عليه السلام) : جعلت فداك ، إنّا نسمّي بأسمائكم وأسماء آبائكم ، فينفعنا ذلك ؟
فقال : إي والله ، وهل الدين إلاّ الحبّ والبغض ، قال الله : ( إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ )(2) .
بهذا النصّ وضّح الإمام (عليه السلام) بأنّ التولّي والتبرّي من أركان الدين ، وأنّ التسمية إن كان يقصد بها الحبّ لأهل البيت تنفع ، وكذا التسمية بأسماء الأعداء بما هم أعداء لله ولرسوله ولأوليائه فهي مضرّة ; لقوله تعالى (إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ
____________
1- الكافي 1 : 310 ح 11 وانظر الإرشاد للمفيد 2 : 219 ، ومستدرك وسائل الشيعة 15 : 128 ، ووسائل الشيعة 21 : 389 ح 3 ، وإعلام الورى 2 : 14 ، والثاقب في المناقب : 433 ح 1 .
2- تفسير العيّاشي : 168 ، مستدرك وسائل الشيعة 15 : 129 ح 2 ، والسورة آل عمران : 31 .
________________________________________ الصفحة 250 ________________________________________
فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) فإنّ الله أَناطَ محبّته باتّباع النبي ، وهو يفهم بأنّ الحب والبغض يجب أن يكون لله وفي الله ، فمن اذى الرسول في عترته واعترض عليهم(صلى الله عليه وآله) وكتم الشهادة لوليّه فهو ممن أبغضه الله لا محالة .
إذن لابدّ من الاجهار والقول بوجود المنافرة بين أهل البيت وبعض الصحابة ، لتخالف مواقفهم مع الذكر الحكيم والسنة المطهرة ، فلا يعقل أن يكون تطابق تسميات الأئمّة(عليهم السلام) لأسماء الخلفاء عن محبة لأُولئك ، لأن الله لا يجمع حبّ وليه وعدّوه في قلب واحد .
فقد تكون التسمية جاءت للعوامل التي ذكرناها ، وقد تكون لوصيّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) للإمام علي بأ نّه سيواجه هكذا أمور فإن ابتُلي فَلْيُسَمِّ ، وقد تكون لتطييب نفوس الاخرين ، لكي لا يصير الناس نواصبَ ، وقد أخبرني أحد المستبصرين أ يّام كان على مذهب الخلفاء بأ نّه لمّا وقف على مطابقة اسم أحد أولاد الإمام علي لاسم أحد الثلاثة ازداد حبّاً و إعجاباً بالإمام عليّ ـ واعتبره صحابيّاً عظيماً حسب قوله ـ وقد كان لذلك من بَعْدُ أَثَرٌ في تشيُّعه واستبصاره واهتدائه للحقّ ، وبكلامه هذا كان يريد القول بأنّ هذه التسميات لها عامل إيجابي في بعض الأحيان وليست سلبية في جميع الحالات ، وإني احببت الاشارة إلى كلامه في هذا الكتاب .
التسمية بعلي في أولاد الأئمّة
وعليه يدور عمل أهل البيت في التسميات على مجالين :
أوّلهما تسمية أولادهم بعلي .
والثاني عدم المخالفة مع التسمية بأسماء الثلاثة في ظروف هم يقدّرونها ، وقد يكونون أُمروا بها ـ في بعض الأحيان لظروف كانوا يقدرونها ـ .
وقد مرّ عليك ما يدل على المجال الأوّل ، في كلام الإمام الحسين(عليه السلام)وقوله :
________________________________________ الصفحة 251 ________________________________________
(لو ولد لي مائة لأحببت أن لا أسمّي أحداً منهم إلاّ عليّاً)(1) .
ولو تأملت في أسماء أولاد الإمام علي من بعد الإمام الحسين لرأيت أنّ اسم (علي) موجود عندهم بكثرة كاثرة .
فأحد أولاد الإمام عليّ بن الحسين بن عليّ (السجّاد ، زين العابدين) المعقبين سُمّي بعلي الأصغر .
وكذا أحد أبناء أخيه (الحسين الأصغر) المعقبين سمى بعلي أيضاً .
وابن أخيه الآخر (زيد الشهيد) اسمه الحسين ذي الدمعة له ابن اسمه علي .
وللإمام الصادق ولدٌ باسم علي العريضي وكنيته (أبو الحسن) صاحب كتاب (مسائل علي بن جعفر) .
ولعمر الأشرف بن علي بن الحسين ابنٌ واحد عقبه ، اسمه عليّ الأصغر .
وقد خلّف الإمام موسى بن جعفر للإمامة ابنه عليَّ بن موسى الرضا .
وللإمام الرضا ولد واحد وهو محمّد الجواد ، وقد خلّف هذا ابنه عليّ بن محمّد الهادي .
فانظر إلى كثرة وجود اسم (محمّد ) و (علي) بين أئمة أهل البيت وأولادهم ; كلّ ذلك إصراراً منهم على إبقاء هذه الأسماء عالية منتشرة ، مقابلةً لمخطّط آل أبي سفيان و إصرارهم على محوها و إبادتها .
هذا عن التسمية بعليّ .
أ مّا الكلام عن المجال الثاني ، فالأئمّة قد لا يخالفون التسمية بأسماء الثلاثة للضرورة ، وقد تراهم يأمرون أصحابهم بهذه التسميات في ظروف هم يقدّرونها .
روى ابن حمزة الطوسي في الثاقب ، عن أحمد بن عمر ، قال : خرجت إلى الرضا(عليه السلام) وامرأتي بها حَبَلٌ ، فقلت له : إنّي قد
____________
1- الكافي 6 : 19 ح 7 ، وسائل الشيعة 21 : 395 ح 1 ، بحار الأنوار 44 : 211 ح 8 عن الكافي .
وفي مناقب آل أبي طالب 3 : 309 عن كتاب النسب عن يحيى بن الحسن قال يزيد لعليّ بن الحسين : واعجباً لأبيك سمّى عليّاً وعليّاً ! فقال(عليه السلام) : انّ أبي أحبّ أباه فسمّى باسمه مراراً .
________________________________________ الصفحة 252 ________________________________________
خلّفت أهلي وهي حامل ، فادعُ الله أن يجعله ذكراً .
فقال لي : وهو ذكر ، فسمِّه عمر !!
فقلت : نويتُ أن أسمّيه عليّاً ، وأمرتُ الأهلَ به .
قال(عليه السلام) : سمِّه عمر .
فوردت الكوفة وقد ولد ابن لي وسُمي عليّاً ، فسمّيته عمر ، فقال لي جيراني : لا نصدّق بعدها بشيء ممّا كان يُحكى عنك ، فعلمت أ نّه(عليه السلام) كان أَ نْظَرَ لي من نفسي(1) .
وحكي عن أبي حنيفة أ نّه استأذن على الصادق فلم يَأْذن له ، ثمّ جاء قوم من أهل الكوفة فاستأذنوا فأذن لهم ، فدخل معهم ، قال أبو حنيفة : فلمّا صرت عنده قلت له : يا بن رسول الله لو أرسلت إلى أهل الكوفة فنهيتهم أن يشتموا أصحاب محمّد(صلى الله عليه وآله) فإنّي تركت بها أكثر من عشرة آلاف يشتمونهم .
فقال(عليه السلام) : لا يقبلون منّي .
فقال أبو حنيفة : ومن لا يقبل منك وأنت ابن رسول الله .
فقال : أنت ممّن لم تقبل منّي ، دخلتَ داري بغير إذني ، وجلست بغير أمري ، وتكلّمت بغير رأيي ، وقد بلغني أنّك تقول بالقياس ... الى آخر الخبر(2) .
ولا يخفى عليك بأنّ أبا حنيفة كان في الكوفة أيّام الغَلَيان الشيعي ، وذلك بعد شهادة الإمام الحسين ، وثورة التوابين ، وحركة المختار الثقفي ، وطلائع الزيدية .
فلا أستبعد أن يثار غضب بعض الشيعة هناك فيلعنوا الأصحاب الظالمين المنحرفين ، لأنّ مساوءهم التي كان يغطيها الأمويّون شاعت وذاعت بين الناس شيئاً فشيئاً في العصر الأموي وفي أوائل العصر العباسي ، فكان لذكرها ولعن أصحابها مجال ، لأنّ الناس كانوا قد علموا الواقع الفاسد وما جرى على العترة بعد
____________
1- الثاقب في المناقب : 214 ح 16 ، الخرائج والجرائح 1 : 362 ح 16 وعنه في بحار الأنوار 49 : 52 ح 55 ، وفيه : أحمد بن عمرة .
2- بحار الأنوار 10 : 220 ح 20 .
________________________________________ الصفحة 253 ________________________________________
رسول الله في العصور السابقة .
وهذه المعرفة من الشيعة بأئمّتهم والدعوة إلى البراءة من الشيخين جعلت الجهاز الحاكم يطاردهم ويضطهدهم ، وجعلت العيون عليهم تحصي أنفاسهم ودقات قلوبهم ، وهذا هو الذي دعا الإمام الرضا أن يأمر أحمد بن عمرة بالتقية وان يسمّي ابنه بعمر ، مع أنّه علويّ المذهب ، لأنّ ـ وحسب تعبير الإمام المعصوم ـ التقية ديني ودين آبائي وهي جارية إلى يوم القيامة .
وقضيّة أحمد بن عمر تشبه قضيّة عليّ بن يقطين حين سأل الامام الكاظم عن مسح الرجلين أهو من الأصابع إلى الكعبين ، أم من الكعبين إلى الأصابع ؟ فكتب إليه أبو الحسن الكاظم(عليه السلام) أن يتوضّأ وضوء العامّة . فلمّا وصل الكتاب إلى عليّ بن يقطين تعجّب ممّا رسم له الإمام خلافاً لإجماع الطائفة ، وبعد مدّة ورد عليه كتاب آخر من الإمام فيه : ابتدِئْ من الآن يا عليّ بن يقطين وتوضّأ كما أمرك الله ... فقد زال ما كنّا نخاف منه عليك(1) .
وهذه النصوص تشير إلى ما كان يمرّ به أهل البيت وشيعتهم من ظروف قاهرة في بعض الأحيان ، تدعوهم للأمر بالتسمية بأسماء الأعداء ـ فضلا عن تجويزه لهم ـ وكل ذلك حفاظاً على دماء الشيعة وأموالهم وأعراضهم ، وذلك ما يدلّ بلا ريب على أنّ التسمية بأسماء الثلاثة لا ترفع العداوة والبغضاء بين أهل البيت والحكّام ، فلا يشك أحد في العداوة بين هارون العبّاسي والإمام الكاظم ، لكنّ ذلك لا يمنع الإمام من أن يسمّي ابنه بـ (هارون) ، لأنّ اسم هارون ليس حِكْراً على هارون الرشيد العباسي ، بل في ذلك فتح باب السلامة والتنفّس للشيعة ، وذلك ما حصل بالفعل للشاعر الشيعي المشهور منصور النَّمِري ; حيث كان يذكر مدائح هارون في قصائده ويقصد به أميرالمؤمنين عليّاً(عليه السلام) لأ نّه بمنزلة هارون من
____________
1- الارشاد 2 : 227 ، الخرائج والجرائح 1 : 335 ح 26 ، اعلام الورى 2 : 21 ، بحار الأنوار 77 : 27 ح 25 عن خرائج الراوندي ، وسائل الشيعة 1 : 444 ح 3 .
________________________________________ الصفحة 254 ________________________________________
موسى ، وذلك ما لم يلتفت إليه هارون العباسي ، فكان يغدق الأموال والعطايا والهدايا على هذا الشاعر ، فلمّا علم بذلك وبمقصد منصور النمري جنّ
جنونه .
وقد نقل السيد المرتضى عن المرزباني ، عن الحكيمي ، عن يموت بن المزرّع عن الجاحظ قوله : كان منصور النميري ينافق(1) الرشيد ويذكر هارون في شعره ويريه أنّه من وجوه شيعته ، وباطِنُهُ ومرادُهُ بذلك أميرالمؤمنين(عليه السلام) علي بن أبي طالب لقول النبيّ(صلى الله عليه وآله) : (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى)(2) .
ولمّا وقف هارون العباسي على تشيّع منصور النمري أمر بِسَلِّ لسانه وقطع يديه ورجليه ثمّ ضرب عنقه وحمل رأسه إليه وصلب بدنه ، فلمّا ذهبوا لينفذوا ذلك وجدوه قد مات ودفن ، فرجعوا إلى هارون العباسي فأخبروه فقال : هلاّ احرقتموه بالنار ، وفي رواية أخرى أنّهم نبشوا قبره(3) .
إذَنْ لولا تشابه الأسماء واختلاطها لما استطاع منصور النمري ـ أو غيره من الشعراء أو الرواة أو الفقهاء ـ أن يبثّ قصائده وأفكاره بعيداً عن عيون الدولة وجواسيسها ، لكنّ تشابه الأسماء وعدم إظهار الحساسيّة منها كان له ـ في جانب من جوانبه ـ المردود الخيِّر على شيعة آل محمّد بفضل علم وسياسة أئمّتهم(عليهم السلام) .
وبهذا قد انتهينا من بيان مسيرة الأسماء في القرنين الأول والثاني ، وموقف أهل البيت والخلفاء منها ، والآن ، نأتي بجرد إحصائي لمن سُمّى باسماء الثلاثة
في العصور اللاّحقة كي نبيّن بأنّ الأئمة وشيعتهم لم يخالفوا الأسماء ، ومن
خلال ذلك تفند دعوى ابن تيمية وأتباعه القائلين بعدم وجود هذه الأسـماء عند
الشـيعة :
____________
1- هذه عبارته ، وهذا ليس نفاقاً و إنّما هو تقية ، وفي الأدب يسمّى حسنى المُواربة .
2- أمالي المرتضى 4 : 186 .
3- انظر مقدمة ديوانه : 24، وقاموس الرجال للتستري 11 : 526 وتاريخ بغداد 13 : 67 .
________________________________________ الصفحة 255 ________________________________________
وجود أسماء الثلاثة عند الشيعة في القرنين الثاني والثالث
تبيّن ممّا مرّ أنّ أسماء الثلاثة كانت موجودة بين الناس وأصحاب الأئمة ورواة الحديث عنهم(عليهم السلام) ، كما أكّدنا أيضاً بأن ليس لتلك الأسماء دلالة على محبّتهم للخلفاء ، وأنّ أئمّة أهل البيت لم ينهوهم نهياً مطلقاً عن التسمية بهذه الأسماء ، رغم ما لاقوه من أولئك الأشخاص ومن اتّبعوهم من الحكّام ، حتّى إنّنا نرى اسم معاوية ويزيد ومروان موجوداً بين أصحاب الأئمة .
فمثلا ترى اسم عمر (عمرو)(1) وعثمان ويزيد والحجاج وأمثالها بين المستشهدين بين يدي الحسين بن علي في واقعة الطف ، وقد وقع التسليم في الزيارة الرجبية على عمر (عمرو) بن كناد ، وعمر بن أبي كعب .
وكذا وقع التسليم على عمر (عمرو) بن خالد الصيداوي ، وعمر بن الأُحدوث في زيارة الناحية المقدّسة .
وقد وقع التسليم أيضاً على عمر (عمرو) بن عبد الله الأنصاري الصائدي في زيارَتَي الناحية المقدَّسة والرجبيّة معاً .
وكذا وقع السلام في الزيارة الرجبية ـ الذي ذكرها المفيد والسيد ابن طاووس ـ على من اسمه عثمان : (السلام على عثمان بن فروة القاري) .
وأيضاً على من اسمه : يزيد ، والحجاج في زيارة الناحية المقدّسة : (السلام على يزيد بن حصين الهمداني المشرفي القاري ... السلام على الحجاج بن مسروق الجعفي ... السلام على يزيد بن زياد بن مهاجر الكندي) .
وهذا يشير الى انّ الامام الحسين(عليه السلام) كان يسمو بروحه وفكره على تصرفات الأمويين ، فلم يكن يخالف اسم عمر أو عثمان أو يزيد أو الحجاج أو أيّ اسم آخر بما هو اسم ، وإن كان على طرفي نقيض مع عمر بن الخطاب ، وعثمان بن
____________
1- هناك احتمال طرحناه في اسماء الطالبيين مفاده ان شيوع اسم عمرو عندهم هو اكثر من عمر يمكنك مراجعة صفحة 324 من هذا الكتاب .
________________________________________ الصفحة 256 ________________________________________
عفان ، ويزيد بن معاوية ، فالإمام(عليه السلام) كان يعلم بأنّ ما جرى عليه وما سيجري على شيعته إنّما هو نتيجة طبيعية لسياسة الشيخين ومن لفّ لفّهما ، وحتى قيل بأن الحسين(عليه السلام) قد قتل من يوم السقيفة(1) .
وكذلك تقف على اسم عمر في أصحاب الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين(عليه السلام) ، مثل : عمر (عمرو) بن أبي المقدام ، وعمر بن جبلة ، وعمر (عمرو) بن ثابت .
وكذا يوجد هذا الاسم في أصحاب الإمام الباقر والرواة عنه مثل : عمر بن أبان ، وعمر بن أبي شيبة ، وعمر بن قيس الماصر ، وعمر (عمرو) بن هلال ، وعمر بن حنظلة ، وعمر بن عبد الله الثقفي ، وعمر (عمرو) بن معمر بن وشيكة ، وعمر بن ثابت ، وغيرهم .
وفي (الفائق في أصحاب الإمام الصادق) للحاج عبد الحسين الشبستري تقف على خمسة سمّوا بأبي بكر ، وهم : أبو بكر بن أبي سماك (أبي سمال) الأسدي ، وأبو بكر بن عبد الله بن سعد الأشعري القمّي ، و أبو بكر بن عيّاش الأسدي الكوفي(2) ، وأبو بكر بن محمّد ، وأبو بكر المرادي ، وعلى أكثر من سبعين شخصاً قد سُمُّوا بـ (عمر) ، و 32 شخصاً سمّوا بـ (عثمان) ، و 18 شخصاً سموا بـ (سفيان) ، و 11 شخصاً سموا بـ (معاوية) ، و 39 شخصاً سموا بـ (خالد) ، و 16 شخصاً سموا بـ (يزيد) ، و 18 شخصاً سموا بـ (الوليد) ، و 7 أشخاص سمّوا بـ (الضحاك) و (المغيرة) .
وذكر الشيخ الطوسي وغيره الذين سُمّوا بعمر في أصحاب أبي الحسن موسى بن جعفر ، وهم : عمر بن يزيد بيّاع السابري ، وعمر بن أذينة ، وعمر بن رياح ،
____________
1- قال القاضي أبو بكر بن قُرَيعة :
وأَريتُكُم أَنّ الحسيـ ـنَ أُصيبَ من يوم السقيفة
كشف الغمة للأربلي 2 : 127 .
2- هذا من علماء ومحدّثي العامّة الذين يثقون بهم ، وكان له محبة وميل إلى أهل البيت .
________________________________________ الصفحة 257 ________________________________________
وعمر بن محمّد بن يزيد الثقفي ، وعمر بن حفص ـ ذكره النجاشي في ترجمة حفص بن غياث ـ وعمر بن محمّد الأسدي ، وفيهم أيضاً : عثمان بن عيسى الرواسي ، وفيهم أيضاً : يزيد بن سليط الزيدي ، ويزيد بن خليفة ، ويزيد بن الحسن ، و(أبو بكر) عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري .
وفي أصحاب الإمام الرضا تقف على من سُمُّوا بعمر وعثمان ومروان ومعاوية ويزيد ، مثل : عمر بن زهير الجزري ، وعمر بن فرات البغدادي ـ كان بواباً للرضا(عليه السلام) ـ وعمر بن فرات ، وعمر الجعابي ، وعثمان بن عيسى الكلابي ، وعثمان بن رشيد ، و مروان بن يحيى ، ومعاوية بن يحيى ، ومعاوية بن سعيد الكندي ، ويزيد بن عمر بن بنت عثمان ، وأبو يزيد المكي .
وفي أصحاب الإمام الجواد يوجد اسم : معاوية بن حكيم .
وفي أصحاب الإمام الهادي اسم : أبو بكر الفهفكي ، وعمر بن توبة الصنعاني ، وعثمان بن سعيد العمري ، ومعاوية بن حكيم بن معاوية بن عمار .
وفي أصحاب الإمام العسكري اسم : يشبه اسم عمر بن أبي مسلم ، وعثمان بن سعيد العمري الزيّات ، وعمر بن أبي مسلم .
فوجود هذه الأسماء بين أصحاب الأئمة يؤكّد بأن الأئمّة(عليهم السلام) كانوا أسمى من أعدائهم ، حيث إنّهم (عليهم السلام) لم يتعاملوا مع الأشخاص على الهوية ، ولم يكشّروا وجهاً بوجه من سُمِّي باسم مخالفهم ، ولم يغضّوا سمعاً من اسم عمر وأبي بكر وعثمان ، إذ هم بعلمهم الربانيّ وعملهم الحكيم الإلهي لا يريدون أن يخرجوا عمّا اعتاد عليه الناس في التسميات ، بدعوى أنّ فلاناً يخالفني ويعاديني .
بل الاكثر من ذلك تراهم لا يمنعون أتباع السلطة من أن يكنّوهم بأبي بكر ، إذ حكى بعض أصحاب كتب التراجم والرجال بأنّ الأئمة : السجاد والرضا والهادي والحجة (عليهم السلام) كانوا يُكَنَّون من قِبَلِ أَهلِ المدينة وأهل الشام بهذه الكنى(1) ، ولم
____________
1- انظر في ذلك الصفحات 463 إلى 471 من هذا الكتاب .
________________________________________ الصفحة 258 ________________________________________
نرهم (عليهم السلام) يمنعونهم منها .
وحتّى إنّ بعض أصحابهم ـ الذين لهم أصول عامية ـ كانوا يطلقون تلك الكنى عليهم ، والأئمّةُ كانوا يسكتون ، فممّا جاء في هذا السياق قول أبي الصلت الهروي أ نّه قال : سألني المأمون عن مسألة ، فقلت : قال فيها أبو بكر كذا وكذا .
قال : من هو أبو بكر : أبو بكرنا أو أبو بكر العامّة ، قلت : أبو بكرنا ، قال عيسى : قلت لابي الصلت : من أبوبكركم ؟ فقال : عليّ بن موسى الرضا(1) كان يكنّى بها ، ووجود هذه الكنية للإمام الرضا وعدمه هو ما سنوضّحه في القسم الثاني من هذه الدراسة (الكنى) إن شاء الله تعالى .
القرن الرابع الهجري
ذكر الشيخ آغا بزرك الطهراني في كتابه (نوابغ الرواة في رابعة المئات) ثلاثة أشخاص من علماء الشيعة ـ أو ممّن روى عنهم الشيعة ـ قد كنّوا بأبي بكر في هذا العهد وهم :
وفي حرف الباء يوجد اسم بكر بن أحمد بن مخلّد من مشايخ الطوسي والنجاشي ; ذكره ابن النجّار في (ذيل تاريخ بغداد) كما نقله تلميذه ابن طاووس في كتاب (الأمان من أخطار الأسفار والأزمان) .
وبكر بن علي بن محمّد بن الفضل الحاكم الحنفي الشاشي من مشايخ
____________
1- مقاتل الطالبيين : 374 .
2- أعيان الشيعة 9 : 377 ت 837 ، الطليعة من شعراء الشيعة 2 : 248 / ت 270 ، معجم البلدان 1 : 57 ، قاموس الرجال للتستري : 348/ ت 6865 .
3- طبقات اعلام الشيعة (القرن الرابع) : صفحة 10 .
________________________________________ الصفحة 259 ________________________________________
الصدوق ، قال آغا بزرك : (إنّما ذكرته ليعلم أنّ الصدوق يتعرّض لمذهب شيخه لو كان من العامّة)(1) .
وفي حرف (العين) قال آغا بزرك : عمر بن أحمد بن حمدان القشيري في طبقة عبد العزيز بن يحيى الجلودي المتوفّى 332 من مشايخ الصدوق .
وعمر بن سهل الدينوري من مشايخ الصدوق في (الأمالي) .
وعمر بن أبي عسلان الثقفي من مشايخ الصدوق كما في (الأمالي) .
وعمر بن الفضل المطيري الراوي عن محمّد بن الحسن الفرغاني (حديث تنصيص زيد الشهيد بالاثني عشر) ويرويه عنه التلعكبري المتوفى 385 كما في (كفاية الأثر) .
وعمر بن الفضل الورّاق الطبري الذي روى عنه أبو غالب الزراري ـ المتوفى 368 ـ بعض خطب أمير المؤمنين في رسالته .
وعمر بن محمّد بن سالم بن البراء المعروف بابن الجعابي ، ترجمه في الفهرست وذكر أ نّه يروي عن المفيد .
وعمر بن محمّد بن علي المعروف بابن الزيّات الصيرفي ، يروي عنه المفيد في (الإرشاد) ، وهو يروي عن ابن أبي الثلج المتوفّى 325 ، ويروي عنه المفيد في الأمالي كثيراً .
وعثمان بن أحمد ، أبو عمرو الدّقّاق من مشايخ المفيد المتوفّى 413 .
وعثمان بن أحمد الواسطي من مشايخ النجاشي ، فالواسطي والدعلجي والتلعكبري في طبقة واحدة أدركهم النجاشي .
وعثمان بن جني النحوي الشهير المتوفّى 392 كان من خواصّ تلاميذ أبي علي الفارسي النحوي ، وقرأ عليه الشريفان الرضي والمرتضى .
إِذن أسماء الثلاثة موجودة عند الشيعة في هذا القرن ، وهو ما يفنّد مزاعم ابن
____________
1- طبقات أعلام الشيعة (القرن الرابع) : صفحة 66 .
________________________________________ الصفحة 260 ________________________________________
تيمية وغيره القائلين بأنّ الشيعة هجروا هذه الأسماء في العصور الأُولى .
القرن الخامس الهجري
لم أقف على اسم أبي بكر، و بكر في كتاب (النابس في القرن الخامس) للشيخ آغا بزرك الطهراني ، بل وقفت على اسم واحد قد سُمّي بعمر، وهو: عمر بن محمّد بن عمر بن يحيى من أحفاد زيد الشهيد ، وثلاثة أشخاص سُمّوا بعثمان هم :
وأنت ترى أنّ أسماء الثلاثة أخذت تقلّ منذ هذا القرن عند الشيعة ، شيئاً فشيئاً ، وذلك لما فعلته الحكومات السنيّة بهم في العصور السابقة ، ولوقوفهم على روايات أهل البيت في كتب المحمّدين الثلاث ـ الكليني ، الصدوق ، الطوسي ـ في ظلامات الظالمين لهم ، وما سيجري عليهم لاحقاً من مصائب وفتن في عهد السفياني وقتل من يسمى بعلي ومحمد والحسن والحسين وفاطمة .
القرن السادس الهجري
ذكر الشيخ آغا بزرك الطهراني في (الثقات العيون في سادس القرون) ثلاث اسماء قد سموا بعمر وهم :
________________________________________ الصفحة 261 ________________________________________
عمر بن إبراهيم الخيّامي النيشابوري(1) ، صاحب (رباعيات الخيّام) المتوفّى 515 أو 517 أو 525 .
وعمر بن إبراهيم بن محمّد ، من أحفاد الحسين ذي الدمعة بن زيد الشهيد ، ولد 442 وتوفي 539 ، ترجم له ياقوت في معجم الأدباء ونقل ولادته ووفاته عن تلميذه السمعاني وأ نّه رأى له جزءً في الحديث مترجماً : (تصحيح الأذان بحيّ على خير العمل ) ، امتنع من قراءتـه عليه وقال : هذا لا يصلح لك ، له طالب غيرك .
وعمر بن إسكندر ، ذكره منتجب الدين بن بابويه .
ولم يذكر الشيخ آغا بزرك من اسمه : أبوبكر ، أو بكر ، أو عثمان فيما كتبه عن أعلام الشيعة في (القرن السادس الهجري) .
إساءة المفتي السلجوقي للصّدّيقة البتول (عليها السلام)
وهنا نكتة يجب الإشارة إليها ، وهي : إنّ التعصّب الطائفي قد طغى في هذه الفترة ، و إنّ الصراعات احتدمت بين الطائفتين ، وقد كان للدولة السلجوقية في العراق و إيران ، ولِطَوامِّ صلاح الدين الأيوبي في مصر والشام ، الدور الأكبر في تشديد الخلاف والأزمة بين الطرفين ، وقد كُتِبَتْ آنذاك مؤلّفات في نقد عقائد الشيعة ، وبيدنا اليوم وثائق كثيرة موجودة عن ذلك العصر ، بعضها باللغة العربية(2)والأخرى باللغة الفارسية أو اللغة التركية ، أنقل لكم نصّاً واحداً منها ، أورده عن كتاب قديم فارسي أُلِّف رداً على ما كُتب من قِبَلِ أتباع الحكومة السلجوقية ضدّ الشيعة ، وهو يرتبط بموضوع الإمامة والولاية اسمه (النقض) ، ومن المسـائل التي بحثت في ذلك الكتاب موضوع تطابق أسماء أولاد الأئمة مع أسماء الخلفاء .
وأرى في هذا المقطع من كتاب (النقض) للقزويني الرازي ـ الّذي أُلِّف في
____________
1- لم يثبت تشيّعه لكنّا أتينا باسمه رعاية للأمانة العلميّة ودقّة لما أتى به الشيخ الطهراني .
2- منها كتب ابن تيمية .
________________________________________ الصفحة 262 ________________________________________
حدود سنة 560 هـ ـ حدّاً فاصلا وفَيصلا قاطعاً كان سبباً مؤثِّراً لترك الشيعة في أواخر القرن الخامس الهجري وأوائل القرن السادس التسمية بأسماء الثلاثة ، ثمّ ازدادت هذه الحساسية شيئاً فشيئاً إلى أن انعدمت التسمية بعمر في أواخر القرن الثامن الهجري عند الشيعة ، حتّى صار هذا الاسم غير مألوف عندهم ، لأ نّهم أحسّوا بالإجحاف وعدم المبالاة والسطو عليهم من قبل الحكّام ، في حين أنّ الشيعة كانوا يريدون العيش المشترك والتأكيد على المشتركات ، لكنّ الآخرين كانوا يستغلّون هذا اللين وهذه السماحة و يعتبرون ذلك ضعفاً ، وهذا دعاهم إلى أن يتركوا التسمية بأسماء الثلاثة في العصور اللاّحقة جَرَّاءَ ظلم ابن أبي سفيان ، والحجاج ، والعباسيين ، والسلجوقيين ، وصلاخ الدين الأيوبي وغيرهم ، و إليك هذا النص لترى فيه الظلامة والإجحاف من الطرف الآخر ، وأراه كافياً لتصوير ظلم الحكّام ومساسهم بالمقدّسات ، وهو نصّ مترجَم من اللغة الفارسية القديمة إلى العربية :
قال عبد الجليل القزويني الرازي صاحب كتاب (النقض) مجيباً دعاوى صاحب كتاب (بعض فضائح الروافض) على الشيعة ، إذ قال :
(... ونقول في جواب ما ادّعيتموه من أ نّكم(1) تسمّون أبناءكم بالحسن والحسين ، والشيعة لا تسمي بأبي بكر وعمر ، فهو كذب محض وبهتان لا أصل له ، فكثير من الشيعة يسمّون أولادهم بأبي بكر وعمر وعثمان ، وخصوصاً في العراق وخوزستان . والأهمّ من ذلك نرى اسم يزيد ومعاوية بين الرواة عن أئمة أهل البيت مثل : يزيد الجعفي ومعاوية بن عمار وغيرهما .
____________
1- اشارة إلى قول العامة وأ نّهم يسمون باسم الحسن والحسين والشيعة لا تسمي بأبي بكر وعمر .
________________________________________ الصفحة 263 ________________________________________
وفوق كلّ ذلك قد سمّى الإمام أمير المؤمنين أولاده بأبي بكر وعثمان ، وهما اللَّذان قُتِلا مع أخيهما الحسين بالطّفّ ، ولعمر بن علي أولاد وذرّيّة كثيرة .
أمّا سبب كثرة اسم الحسين ، ومحمّد ، وعلي ، والحسن ، وموسى ، وجعفر ، ومهدي ، وحيدر ، وأبو طالب ، وحمزة وأمثالها عند الشيعة فهو أمر طبيعي ، لأنّ الإنسان يحقّ له أن يأكل ويشرب ممّا يحبّه ، وبما أنّ التسمية من الأمور المباحة فلكلّ إنسان أن يسمّي بما يحبّ ويترك ما لا يحبّ ، فلو كان لشخص زوجتان مثلا ، إحداهما تحبّ الحلوى والأخرى السكباج ، فلا يحقّ لمن تحبّ الحلوى أن تعترض على الأخرى بقولها : لماذا لا تحبين الحلوى ، والعكس بالعكس ، وذلك لاختلاف الطبائع ، فلو قالها شخص لضحك عليه الناس ، فهو يشبه حال بعض الناس اليوم من الذين يحبّون ملك اليمين ولا يحبون الزواج .
وعليه فالتسمية من الأمور المباحة التي تخضع لمتطلّبات النفس ، وليس فيها إلزامٌ وتعبُّدٌ ، إلاّ اسم محمّد وعلي والحسن والحسين ; حيث ورد فيه النص في أنّ التسمية بها من السُّنَّة ، فلو سمّى الشيعي ابنه بهذه الأسماء وباسم حمزة وجعفر وعقيل وحيدر وموسى ومهدي فقد عمل بالسنة ، وسَمَّى بالأسماء المحبوبة عند أئمّة أهل البيت ، فلا يحقّ للمشبّهة والمجبّرة أن يعترضوا على الشيعي لتسمية أولادهم بهذه التسميات ، ومثال الشيعة هو مثال غيرهم من اتباع المذاهب ، فالاحناف يسمّون باسم إمامهم فلا يحقّ للشخص الشافعي الاعتراض عليهم بدعوى أنّ التسمية بأبي حنفية أو
________________________________________ الصفحة 264 ________________________________________
التسمية بالنعمان هو مساس بالشافعي ، وهكذا العكس فلا يجوز للحنفي أن يعترض على الشافعي لو سمى باسم امامه ـ أو من يحب ـ .
إذن اختيار اسم علي والحسن والحسين ليس لها الدلالة على العداوة مع أبي بكر وعمر وعثمان ، ولا غبار عند الجميع بأنّ الشيعة تحبّ هؤلاء الأئمّة أكثر من أبي بكر وعمر وعثمان ، لكنّ هذا لا يدعوهم لسبّهم ...
كما أنّا لا ننكر بأنّ التسمية بأبي بكر وعمر وعثمان في الريّ وقم وقاسان هي أقلّ من غيرها من المحافظات في إيران ، ولهذه القلّة سبب يعلمه مصنّف كتاب (بعض فضائح الروافض) ، لكنّ بغضه لأمير المؤمنين يجعله يتجاهل هذا الأمر ، والحادثة هي :
إنّ أحد وعّاظ السلاطين [في أواخر عهد ملكشاه السلجوقي (المتوفى 485 هـ) وأوائل عهد ابنه بركيارق (الذي ولد 471 وتوفي سنة 498)] أفتى بأمر تقشعرّ له الأبدان ، وهو أ نّه كان لفاطمة الزهراء عليها السلام عيبٌ وعلّة لا يمكن معها إلاّ أن تُزَوَّجَ لابن عمِّها ـ ( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إلاَّ كَذِباً )(1) .
نعم ، إنَّ العلّة والعيب هو عصمتها وعدم وجود كُفْو لها إلاّ ابن عمّها ، لأنّ المعصومة لا يتزوّجها إلاّ المعصوم .
وأضاف هذا المفتى السنّي بأنّ الروافض تسمّي أبناءَها بأبي
____________
1- الكهف : 5 .
________________________________________ الصفحة 265 ________________________________________
بكر وعمر وعثمان بغضاً للصحابة(1) ، وتنسب إليهم الكفر والإلحاد والولادة من الزنا ، كلّ ذلك كي يمكنهم سبّ الصحابه ، بدعوى أنّهم يسبّون أولادهم ، في حين أنّ مقصودهم الخلفاء الثلاثة ، وهنا ثارت ثائرة الشيعة فجاؤوا الى علمائهم ، مثل عليّ بن محمّد الرازي ـ والد أبي الفتوح الرازي المتوفّى 535 هـ(2) ـ والشيخ أبي المعالي سعد بن الحسن بن الحسين بن بابويه(3) ، وشمس الإسلام الحسن بن الحسين بن بابويه القمّي نزيل الرّيّ المدعو (حسكا)(4) ـ جد الشيخ منتجب الدين صاحب الفهرست ـ كان حياً سنة 510 هـ ، وأبي طالب : إسحاق بن محمّد بن الحسن بن الحسين بن بابويه القمّي(5) ـ من مشاهير تلامذة الشيخ الطوسي ـ ، والسيد محمّد بن الحسين الكيسكي(6) ، والسيد رضي الدين مانكديم بن إسماعيل بن عقيل من أحفاد الحسين الأصغر بن علي بن الحسين(7) ، وطلبوا منهم حلاًّ لِما يمرّون به من أزمة
____________
1- هذه الدعوى تشبه دعوى معاوية ضد الإمام علي والتي ذكرناها في أوّل (السير التاريخي للمسألة) ، انظر صفحة 167 من هذا الكتاب .
2- هذا ما استظهرناه . انظر إيضاح المكنون 1 : 585 والذريعة 4 : 126 وأعيان الشيعة 6 : 125 .
3- الفهرست لمنتجب الدين : 69 ت 187 ، طرائف المقال للسيد علي البروجردي 1 : 127 ت 556 ، مرآة الكتب للتبريزي : 273 .
4- فهرست منتجب الدين : 46 ت 72 ، أمل الآمل 2 : 64 ت 171 ، أعيان الشيعة 4 : 624 .
5- فهرست منتجب الدين : 33 ت 4 ، مرآة الكتب : 338 ـ 339 ، أعيان الشيعة 3 : 279 ، أمل الآمل 2 : 32 ت 85 ، معجم رجال الحديث 3 : 232 ت 1180 ، مستدركات علم رجال الحديث للنمازي 1 : 580 .
6- فهرست منتجب الدين : 44 ت 63 ، أمل الآمل 2 : 45 ت 677 ، معجم رجال الحديث 4 : 281 ـ 282 ت 1915 ، الذريعة 7 : 185 ، 24 : 210 .
7- فهرست منتجب الدين : 102 ت 362 ، امل الآمل 2 : 226 ـ 227 ت 677 ، معجم رجال الحديث 15 : 180 ت 9848 .
________________________________________ الصفحة 266 ________________________________________
نفسية وروحية ، فمن جهة يسمّون بتلك الأسماء تبعاً لتسمية الإمام علي ، ومن جهة أخرى يواجهون مثل هذا الاتّهام من قبل العامة ، فقال لهم بعض أولئك الأعلام :
اتركوا التسمية بأسماء الثلاثة حتّى لا يشنّعوا عليكم هذا الأمر ; لأنّ هؤلاء أبعدوا المرمى وتجاوزوا الحدّ ، وبذلك تركت التسمية بأسماء الثلاثة ، ويعود وِزْرُ ترك هذا العمل إلى فتوى ذلك العالم السنّيّ المتعصّب الذي افترى كذباً على شيعة آل محمّد .
ومن المؤسف أنّ مصنّف كتاب (بعض فضائح الروافض) يعلم خلفيّة هذه الأمور ، ومع ذلك يشنّع على الشيعة لتركهم هذه الأسامي ، فكان الأحرى به أن لا يتّهمهم حتّى لا يكون مأثوماً كغيره من المفترين)(1) انتهى كلام عبد الجليل القزويني الرازي .
وهذا النصّ يفسِّر لنا تماماً الحرب الأسمائية الشعواء التي كان يقودها
الحكّام وأتباعهم ضدّ أهل البيت وشيعتهم ، واستمرارها إلى القرن السادس الهجري ، وهذه الحرب عاد أمرها عليهم وَبالا في نهاية المطاف ، فانقرضت
ـ أو كادت ان تنقرض ـ أسـماء خلفائهم في العصـور اللاحقة من قاموس
الشيعة .
____________
1- النقض ، للقزويني الرازي : 402 ـ 405 ، وأيضا ذكر الدكتور السيد جلال الدين المحدث الارموي هذا الأمر عن كتاب (النقض) في ترجمته لكتاب الفهرست لمنتجب الدين : 416 ت 362 هامش (ترجمة رضى الدين مانكديم) فراجع .
________________________________________ الصفحة 267 ________________________________________
القرن السابع الهجري
قال الشيخ آغا بزرك في (الأنوار الساطعة في المائة السابعة) في حرف (العين) :
عمر بن الحسن بن خاقان ، تلميذ نجيب الدين يحيى بن أحمد بن سعيد الحلي ، قرأ عليه المبسوط وأجاز له سنة 674 ، حكاه في البحار عن مجموعة الجبعي عن خطّ الشهيد .
وعمر بن الحسن بن علي بن محمّد الكلبي ، ترجمه ابن خلّكان وقال : كانت أ مّه بنت ابن بسّام من أولاد جعفر بن علي (الهادي) بن محمّد (الجواد) بن علي (الرضا) بن موسى بن جعفر ، وكان يكتب عن نفسه : ذو النسبين ، ويقصد به دحية والحسين .
وعمر بن صالح من العلماء المجازين عن ابن طاووس في سنة 658 .
وعمر بن علي بن مرشد بن علي الحموي الأصل المصريّ المولد ، من أكابر الصوفية ، والمعروف بابن الفارض(1) ، ولد في 4 ذي القعدة 576 بالقاهرة ، وتوفّي بها في 632 .
ولم يذكر الشيخ آغا بزرك من سُمّي بأبي بكر أو بكر أو عثمان في حرفي (الباء) و (العين) .
القرن الثامن الهجري
لم أقف في كتاب (الحقائق الراهنة في المائة الثامنة) للشيخ آغا بزرك الطهراني على من سُمّي بأبي بكر ، أو بكر ، أو عمر ، أو عثمان ، إلاّ على وجود كنية أبي بكر لبعض المسمّين بأسماء خاصة .
____________
1- لم أسمع أ نّه شيعي إماميّ ، وان ذكره الأمين في أعيانه 2 : 275 ت 823 دون بيان شرح حاله ، وقال عنه القمّي في الكنى والألقاب 1 : 274 صرّح جمع بتشيّعه ونسبوا إليه هذه الأشعار وأظنّها للناشئ الأصغر : بآل محمّد عرف الصواب ... .
________________________________________ الصفحة 268 ________________________________________
وعليه فالتكنّي بأبي بكر كان موجوداً لا غير .
القرن التاسع الهجري
لم يذكر الشيخ آغا بزرك في كتابه ( الضياء اللاّمع في القرن التاسع ) من سُمِّي بأبي بكر ، أو بكر ، أو عمر ، أو عثمان ، إلاّ وجود توقيع على وقفية البقعة الحسينية الواقعة في محلة شهشهان بأصبهان في حدود سنة 886 ( حرّره أبو بكر بن أحمد بن مسعود الطهراني ) لا نعلم أنه كان شيعياً ، أم مستبصراً ، أم سنياً .
القرن العاشر إلى الثالث عشر الهجري
لم أقف في (إحياء الداثر من القرن العاشر) و (الروضة النضرة في علماء المائة الحادية عشرة) و (الكواكب المنتشرة في القرن الثاني بعد العشرة) و (الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة) للشيخ آغا بزرك الطهراني ، لم أقف على من سُمِّي بأبي بكر ، أو بكر ، أو عمر ، أو عثمان ، وهذا يؤكد ما قلناه بأنّ التسمية بأسماء الثلاثة أخذ يقل شيئاً فشيئاً حتى انعدمت في العصور المتأخرة .
* * * *
وتلخّص من كلّ ما سبق اُمور :
________________________________________ الصفحة 269 ________________________________________
________________________________________ الصفحة 270 ________________________________________
كما يذوب الرصاص ، حتى إذا سمع منادياً ينادي باسمِ عدوٍّ من أعدائنا اهتز
وصال .
وقولهم في نص آخر : وما الدين إلاّ الحب والبغض .
الأصغر .
وكذا كان اسم أحد أبناء أخيه (الحسن الأصغر) هو علي .
وأيضاً أحد أبناء أخيه الأخر (زيد الشهيد) اسمه الحسين ذي الدمعة ، وابنه كان اسمه علي .
وأحد أبناء الإمام الصادق علي العريضي .
ولعمر بن علي بن الحسين ابن واحد أعقبه اسمه علي .
وقد خلف الإمام الكاظم ابنه علي بن موسى .
وللإمام الرضا محمّد الجواد ، وللأخير الإمام علي الهادي(عليهم السلام) .
وعليه فإنّ اسم عليّ محبوب عند الله ورسوله وأهل البيت خصوصاً بعد وقوفنا على أهداف الآخرين و إصرارهم على طمسه .
عليّاً ، وعن الحسـن البصري أ نّه قال : لو قلت عن أبي زينب عن رسول الله ، أعني علياً .
________________________________________ الصفحة 271 ________________________________________
الارهاصات .
مالي رأيت بني العباس قد فتحوا من الكُنى ومن الألقاب أبواباً
ولقبوا رجـلاً لو عاش أولهـم ما كان يرضى به للحش بوَّابا
قلَّ الدراهـم في كَفّ خليفتنا هذا فأنفق في القـوم ألقابـا(1)
____________
1- الأبيات لأبي بكر الخوارزمي ، يتيمة الدهر 264:4 وحصن الاسم : ص54 ، جاكلين سوبيليا ، المعهد الفرنسي للدراسات العربية ، ترجمة سليم بركات.
________________________________________ الصفحة 272 ________________________________________
الصفويين وقبل أن يولد جدّهم (صفي الدين) .
ثلاث طرائف
إنّ ظُرفاء الشيعة وأهل السنة كانوا يتناقلون الحكايات ضدّ بعضهم الآخر ، وكانوا يستغلّون المواقف للإشادة برموزهم ولدعم ما يذهبون إليه ، و إنّي تلطيفاً للجوّ أنقل بعض الهزليّات التي وقفت عليها أثناء البحث لأوكّد وجود هذه الحساسية بين الطرفين في العصور الماضية وأ نّها لم تكن وليدة في العصر
الصفوي كما يقولون ، و إنّ الشيعة كانت لا تهاب من ذكر هزليّات أهل السنّة فيهم وكذا العكس بالعكس ، وبه أختم السير التاريخيّ للمسألة .
فجمعهم يوماً وقال لرؤسائهم : بلغني أ نّكم تبغضون صحابة رسول الله
____________
1- تاريخ بغداد 3 : 364 ، بحارالأنوار 61 : 189 ، وفيات الأعيان 2 : 205 . وفيه فاخبر أبو حنيفة فقال : انظروا فإني أخال أن البغل الذي سماه عمر هو الذي رمحه ، فنظروا ... الخ .
________________________________________ الصفحة 273 ________________________________________
وأ نّكم لبغضكم إيّاهم لا تسمّون أولادكم بأسمائهم ، وأنا أقسم بالله العظيم لئن لم تجيئوني برجل فيكم اسمه أبوبكر أو عمر ويثبت عندي أ نّه اسمه لأفعلنّ بكم ولأصنعنّ .
فاستمهلوه ثلاثة أ يّام وفتّشوا مدينتهم واجتهدوا فلم يَروا إلاّ رجلا صعلوكاً حافياً عارياً أحول ، أقبح خلق الله منظراً اسمه أبوبكر ، لأنّ أباه كان غريباً استوطنها فسمّاه بذلك .
فجاؤوا به ، فشتمهم وقال : جئتموني بأقبح خلق الله تتنادرون عليّ ! وأمر بصفعهم ، فقال له بعض ظرفائهم : أ يّها الأمير اصنع ما شئت فإنّ هواء قم لا يجيء
منه مَن اسمه أبوبكر أحسن صورة من هذا ، فغلبه الضحك وعفا عنهم(1) .
وهذه و إن كانت طريفة لكنها تصدق ما قلناه من ان فتوى ذلك العالم السلجوقي في القرن السادس الهجري هي التي جعلت الشيعة يمتنعون من التسمية باسماء الثلاثه .
أيضاً .
* * * *
والآن بعد هذه المسيرة الطويلة الشاقّة ندخل إلى صلب الموضوع لنرى : هل حقّاً أنّ هذه الأسماء كانت لأبناء المعصومين ؟ أم أ نّها تحريفات وتصحيفات المتأخّرين ؟ وهل أنّ هذه الظاهرة هي ظاهرة بارزة في أسمائهم كظهور اسم : محمّد ، وأحمد ، وعلي ، والحسن ، والحسين ، وجعفر ، و إبراهيم ، أم أ نّها أسماء
____________
1- معجم البلدان 4 : 397 ـ 398 (قم) .
________________________________________ الصفحة 274 ________________________________________
نادرة وضعت تحت ظروف خاصّة وليس لها دلالة على شيوع هذه الأسماء عندهم حتّى يقال بأ نّها دليل على الصداقة والمحبة بين الآل والخلفاء ؟
وكذا الحال بالنسبة إلى التكنية بأبي بكر ، فهل أ نّها كانت رائجة عندهم ، أم أنّ هذه الكنية وضعها الآخرون لهم ؟
إليك الآن أسماء أولاد الإمام علي(عليه السلام) ، ثمّ نأتي إلى ترتيب زوجاته ، لنعرف بأنّ ما قالوه عن ترتيب أولاد الإمام عليّ بترتيب الخلفاء (أبو بكر ، عمر ، عثمان) باطل جملةً وتفصيلا . وكذا نثبت عدم صحة ما قالوه من وجود المحبة بين الآل والصحابة من خلال التسميات ، إذ أنّ التسمية بأسماء الثلاثة وبعض الصحابة لم تكن إلاّ أسماءً نادرة بالنسبة إلى الكثرة الكاثرة من أسماء الأنبياء واسم علي
والحسن والحسين وزيد ويحيى ومسلم و ... ، مكتفين بعرض أسماء أولاد الأئمّة مع ذكرنا للطبقة الثانية والثالثة من بعدهم ، أي أسماء أبناء الإمام وأسماء أبناء أبنائه ـ وقد نشير في بعض الأحيان إلى أسماء أحفادهم وقد نتجاوز هذا الحدود ـ تاركين الاستنتاج إلى القارئ اللبيب .1 ـ دور عائشة بنت أبي بكر ( ت 58 هـ ) .2 ـ دور معاوية بن أبي سفيان ( ت 60 هـ ) .1 ـ نبز الرسول بـ ( ابن أبي كبشة )2 ـ تسمية مدينة رسول الله بـ ( الخبيثة ) أو ( النتنة )3 ـ التلاعب بمفهومي الخليفة والرسول4 ـ بئر زمزم أم أمّ الخنافس5 ـ استعمال الألفاظ النابية في حق عليّ(عليه السلام)1 ـ ألم يكن أولى لعليّ أن يقول : (هذا ابني عثمان) بدل أن يقول : هذا عثمان بن عليّ على نحو الإخبار عن الغائب !2 ـ ماذا يعني كلام الإمام (وقد سمّيته بعمر) ؟ وهل لهذا الغلام اسمان أو ثلاثة : عثمان ، عمر ، عباس ، أم إنّ الإمام كان يريد أن يذكر أولاده واحداً بعد آخر ، فيقول : إنّ لي ابناً آخر سمّيته بعمر بن الخطّاب وثالث بعباس ورابع ... فالنصّ مُرتَبكٌ اذن .3 ـ ماذا يعني الإمام بكلامه (بعبّاس عمّ النبيّ) ألم يكن عمّه أيضاً ؟!4 ـ ماذا يعني ذكره لأسماء أولاده الآخرين : محمّد ، والحسن ، والحسين ، ومحسن ؟ وما هو ربطها بالغلام والصبي . ولماذا لا يسمّي ـ أبو سعيد راوي الخبر ـ أبناء عليٍّ الآخرين ومنهم ابن آخر كان اسمه أبو بكر ؟!1 ـ أبو بكر الخوارزمي : محمّد بن العباس(2) .2 ـ أبو بكر الدوري : أحمد بن عبد الله بن جلين .3 ـ أبو بكر بن همام : محمّد بن همام بن سهيل(3) .1 ـ عثمان بن أحمد الواسطي من مشايخ النجاشي (وهو نفس الذي تقدّم اسمه في القرن الرابع الهجري) .2 ـ عثمان بن إسماعيل بن أحمد المكنّى بأبي بكر ، قال آغا بزرك : (أقول : ظاهر الاسم والكنية أنّ المترجَم له عاميّ ، إلاّ أنّ القراءة عليه مبّعدة له ، ثمّ إنّ في أوّل (مهج الدعوات) نقل أحرازاً عن كتاب (منية الداعي) .3 ـ عثمان بن حاتم بن المنتاب التغلبي ، من مشايخ النجاشي (372 ـ 450) ، قال النجاشي في ترجمة سعدان بن مسلم ما لفظه : فقال أستاذنا عثمان بن حاتم بن منتاب التغلبي .1 ـ ان عمر بن الخطاب طلب من الإمام علي أن يسمّي ابنه بعمر ، وأهدى غلامه موركاً للطفل ، في حين أنّ الإمام عليّاً(عليه السلام) لم يفعل ذلك مع من أسمّاه مثل علي بن عبدالله بن عباس .2 ـ استغلال الآخرين هذه التسمية لإحراج الإمام علي ، لكنّ الإمام تجاوز هذه المشكلة عند ولادة ابنه الثالث من أم البنين فسمّاه بعثمان مؤكِّداً بأن هذه التسمية جاءت لمكانه أخيه عثمان بن مظعون عنده ، لا لعمثان بن عفان ; قالها دَرْءًا لتلك التُّهَم ، أي أ نّه عرّض بالآخرين كناية .3 ـ تسمية عائشة غلامها بعبدالرحمن بن ملجم بعد مقتل الإمام علي ، وفي المقابل عدم رغبتها في أن تسمّي الإمام بآسمه الشريف في بعض الروايات مكتفية بقولها (ورجل آخر) .4 ـ اتّهام معاوية الإمام بأ نّه إنّما سَمَّى أولاده بأسماء الثلاثه كي يبرر نفسه لو ترحَّم عليهم ، و إذا سئل قال : أعني بذلك بَنِيَّ .5 ـ تأكيد الإمام الحسين على تسمية أولاده بعلي رغم قول مروان بن الحكم ـ و إلي معاوية على المدينة ـ لعليّ بن الحسين : (ما يريد أبوك أن يدع أحداً من ولده إلاّ سماه علياً) ؟! حيث قال الإمام(عليه السلام) : ويلي علي ابن الزرقاء دبَّاغَة الأَدَم ، لو ولد لي مائة لأحببت أن لا أسميّ أحداً منهم إلاّ علياً .6 ـ إن قبول الإمام علي بتسمية أو تكنية الآخرين لابنيه بأبي بكر وعمر رجا فيه فوائد كثيرة ، منها : سحب البساط من تحت رجل معاوية الذي يريد الاحتماء بالشيخين وعثمان .7 ـ بدء النهج الأموي في المضادة مع اسم علي وكنية أبي تراب وقتل من سُمّي أو كني بهما وحذف اسمه من الديوان بل حذف اسم كل شيعي .8 ـ اتّباع معاوية وابنه يزيد سياسة عمر بن الخطاب في التسميات فكانوا يعطون هدايا لمن يسمي باسمهما ، فجاء عن معاوية أ نّه قال لعبدالله بن جعفر سَمِّ ولدك باسمي ولك خمسمائة ألف درهم ، اشتر بها لِسَمِيِّي ضيعة ، وهكذا فعل يزيد بمعاوية بن عبدالله بن جعفر إذ طلب منه أن يسمّي ابنه يزيد .9 ـ لمّا رأى أهل البيت مضادّة النهج الحاكم مع اسم علي ونهجه ، والدعوة إلى التسمية بأسماء خلفائهم ـ في حين أنّ التسمية بأسماء أهل البيت كانت محبوبة عند رب العالمين ومشتقّة من اسمه جل وعلا ، وهي من أحسن الأسماء ـ تركوا التسمية بأسماء الثلاثة من بعد الإمام زين العابدين .10 ـ تقعيد الأئمّة قواعد عامة في التسميات دون التعريض بأسماء الأشخاص ، منها أنّ الشيطان إذا سمع منادياً ينادي يا محمّد يا علي ذاب 11 ـ وجود اسم علي عند غالب الأئمّة ، فقد مر عليك كلام الإمام الحسين قبل قليل ، كما أ نّه كان بين أولاد الإمام السجاد المعقبين من اسمه علي 12 ـ هَجْرُ بني هاشم لعبدالله بن جعفر لأ نّه سمى ابنه باسم معاوية .13 ـ انتشار سياسة الخوف من التسمية بعليّ ، حتى أنّ علي بن رياح قال : لا تسمّوني عَلياً فأنا عُلَي ، وقال الآخر : عقّني والدي حيث سمّاني 14 ـ الواقف على سياسة معاوية والأمويين يعلم بأ نّهم كانوا يريدون إبادة بني هاشم ، فجاء عن علي(عليه السلام) قوله : والله لَوَدَّ معاوية أ نّه ما بقي من بني هاشم نافح ضرمة إلاّ طُعِن في نِيطِهِ إخفاءً لنور الله (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) ، والأئمّة كانوا يريدون أن يبقوا اسم علي ونهجه قائماً رغم كل15 ـ شيوع ظاهرة التسمية بخالد والوليد ومعاوية ، والخوف من التسمية بعلي والحسن والحسين في العصر الأموي والعباسي ، أي أ نّهم رسموا البديل في التسميات .16 ـ تغيير الأمويين والعباسيين للمفاهيم والأسماء ، بل سعى العباسيون لمنح أنفسهم ألقاب أهل البيت مثل (الهادي) و (المهدي) و (القائم) و (المهتدي) ، والإمام الباقر نهى عن تسمية وتلقيب اعدائهم بالقابهم إلاّ عند الضرورة .وفي هذا الصدد قال الشاعر:17 ـ عدم حساسية الشيعة في العصور السابقة مع أسماء الثلاثة ، بل إنّهم كانوا يسمّون بهذه الأسماء على عهد الأئمّة ثم من بعدهم ، إذ يوجد هناك كثير من رواة الشيعة ومشايح الإجازة قد سموا بأبي بكر وعمر وعثمان ، لكنّ وعّاظ السلاطين والحكّام الظلمة ـ بافعالهم ـ شوهوا هذه الأسماء عند الشيعه ، غير منكرين بأن الشيعة قد وقفوا على اعمال الخلفاء المشينة بمرور التاريخ .18 ـ لا يجوز تحميل الحكومات الشيعية مثل الصفوية مسؤولية ترك التسمية بعمرو وأبي بكر وعثمان ، بل إنّها كانت نتيجة طبيعية لما فعله الآخرون بالشيعة ، لأن قضية التسميات لا تحدث فجأة بل حدثت نتيجة للصراعات الدامية بين الطرفين ، ولعدم الثقة المتبادلة بينهم وبين الشيعة حتّى قبل أن يعرفَ التاريخُ1 ـ أخرج الخطيب البغدادي (ت 436 هـ) بإسناده عن إسماعيل بن حمّاد ، عن أبي حنيفة ـ وعنه أخذ المجلسي من علماء الشيعة ـ قال : كان لنا جار طحّان رافضي ، وكان له بغلان ، سمّى أحدهما أبابكر ، والآخر عمر ، فرمحه ذات ليلة أحدُهُما ، فقتله ، فأخُبِرَ أبو حنيفة ، فقال : انظروا البغل الذي رمحه ، الذي سمّاه عمر ؟ فنظروا فكان كذلك(1) .2 ـ وحكى ياقوت الحموي (ت 626 هـ) طريفة عن أهل قم ، قال : كان لعبدالله بن سعد الأشعري ولد قد رُبي بالكوفة ، فانتقل منها إلى قم وكان اماميّاً ، فهو الذي نقل التشيّع إلى أهلها ، فلا يوجد بها سُنيّ قط ، ومن طريف ما يُحكى : أ نّه وُلِّي عليهم وال وكان سُنيّاً متشدّداً ، فبلغه عنهم أ نّهم لبغضهم الصحابة الكرام لا يوجد فيهم من اسمه أبوبكر قطّ ولا عمر .3 ـ وذكر الزاكاني القزويني (ت 772 هـ) في هزليّاته عن النزعة الطائفيّة عند بعض الشيعة أنّهم ضربوا شخصاً اسمه عمران، فقيل لهم: لماذا تضربونه وهو المسمّى بعمران لا بعمر، فقالوا: إنّه عمر، وسرق الألف والنون من عثمان
________________________________________ الصفحة 157 ________________________________________
السير التاريخي للمسألة
________________________________________ الصفحة 158 ________________________________________
________________________________________ الصفحة 159 ________________________________________
إنّ قضية تسمية بعض أولاد الأئمّة بأسماء بعض الخلفاء مرّت بعدّة مراحل ، وقد وضّحنا في الصفحات السابقة المرحلة الأولى منها ، وهي طلب عمر بن الخطاب من الإمام علي أن يسمّي ابنه بـ ( عمر ) ، وكان ذلك حينما ( قام عمر ) بالخلافة أي بعد السنة الثالثة عشرة للهجرة .
وبعد هذه المرحلة دخل الموضوع في مرحلة ثانية ، وهي استغلال أتباع الخليفة هذه التسمية للتدليل على وجود محبّة بين الإمام علي وعمر بن الخطاب ، أو نفي العداوة بينهما في حين أنّ الإمام كان ينظر إلى هذه المسألة كظاهرة اجتماعية ليس لها ارتباط بموضوع الخلافات العقائدية والفقهية والسياسية والاجتماعية .
وكلامي هذا لا يعني بأ نّه(عليه السلام) لم يكن يعلم باستغلال الآخرين لموضوع التسمية لاحقاً ، لكن كان عليه أن يتعامل مع الأُمور طبق الظواهر لا البواطن .
ولمّا رأى الإمام خروج موضوع التسمية من سياقه الطبيعي المرسوم له في الفترة اللاّحقة ، واتضحت وانتشرت عند الجميع أهداف عمر من هذه التسمية ، أخذ الموضوع طابعاً تدليسياً وتلبيسياً و إعلامياً للآخرين ، مما دعا الإمام ـ في أواخر عهد عثمان بن عفان ، أو أوائل خلافته ـ أن يصرّح بأ نّه قد سمّى ولده الثالث من أمّ البنين الكلابية بـ (عثمان) حبّاً بأخيه في الإيمان عثمان بن مظعون ، أي أنّ الإمام أراد أن يقول : للناس : ان التسمية لو دلت على المحبة فهي لابن مظعون لا لابن عفّان ، وبمعنى آخر ... أ نّه(عليه السلام) أراد توضيح أمرين :
الأول : صحيح أنّ العادة قد تدعو قسماً من الناس لاَِن يسمّوا أولادهم بأسماء من يحبّونهم ـ وهذا ما قالَهُ الإمام في سبب تسميته ابنه بعثمان ـ لكن لا يمكن
________________________________________ الصفحة 160 ________________________________________
تعميم هذا الأمر على كلّ الأسماء التي سمّاها الإمام قبل هذا التاريخ ، وأ نّه كان حبّاً بهذا أو ذاك ، فهو(عليه السلام) وضّح بأنّ المسمّى عندي غير ما تتصورونه .
الثاني : خَرَّجَ الإمام بجملة ( حبّاً لأخي عثمان بن مظعون ) عثمانَ بن عفان مع من سبقه من الخلفاء من دائرة التسمية للمحبّة ، أي أ نّه(عليه السلام) أراد أن يقول للآخرين : لا تتصوّروا أنّي سمّيت ابني بعثمان حُباً به ـ وخصوصاً أ نّه قال بهذا بعد مقتل عثمان ـ لأنّ اسم عثمان ليس حِكْراً على عثمان بن عفان ، فإنّي قد سمّيت ابني باسم غيره وهو عثمان بن مظعون !
وبعبارة أوضح : أ نّه كان يريد القول : إنّي حينما قبلت تسمية ابني بعمر أو أبي بكر لم يكن حبّاً لعمر بن الخطاب ، بل لوجود إخوان آخرين لي مسمَّين بعمر وأبو بكر ، منهم : عمر بن أبي سلمة وأبو بكر بن حزم وهما من عمالي على الأمصار .
الحرب المعلنة
بعد المرحلتين السابقتين جاءت المرحلة الثالثة ، وهي مرحلة أعداء الإمام علي ـ المحاربين له عَلَناً ـ ودورهم التخريبي لشخصه وشخصيته من خلال إبهام النصوص(1) واختلاقها والافتراء والاتّهام ، والظلم ، والتعسف . وهؤلاء جاؤوا ليغيّروا الضوابط الشرعية والعرفية الحاكمة في المجتمع الإسلامي من العقلنة والمنطق السليم إلى العداوة الباعثة على الحمق ، وتهيج العاطفة ، ومن الحقيقة إلى التمويه كل ذلك بغضاً لعليّ ، فأخذوا يثيرون الحساسيّات و يهيّجون العواطف ، ولذلك انقسم المسلمون بعد رسول الله إلى نهجين : مسلم أمويّ ، ومسلم نبويّ ، ولكلّ واحد منهما ضوابطه ومعاييره ، وإن كان الغالب عليهم هو النهج الأموي . مؤكدين بأن النهج النبوي كان ولا يزال موجوداً بين الأمة ، و يمكن التعرف عليه
____________
1- كما سيأتي بعد قليل عن عائشة وعدم ذكرها اسم الإمام علي .
________________________________________ الصفحة 161 ________________________________________
من خلال المواقف والاراء .
أجل ، أخذت ظاهرة التسمية في هذا العصر تخرج من إطارها العام ، وكونها ظاهرة اجتماعيّة لتدخل في معترك الصراع السياسي وموازنة القوى ، وأخذ هذا العمل يؤثّر شيئاً فشيئاً على من يسمّى بعليّ ومعاو ية ، والأوّل يُقْتَلُ والثاني توهب له العطايا وتهدى له الهدايا ، وقد قلنا بأن هذا هو سلاح الضعيف ومنهجه غالباً ، وأ مّا القويّ في فكره وسلوكه وشخصيّته فهو يتعالى عن مثل هكذا أعمال و يستحقرها ، لكنّه لمّا يرى المخطَّط عامّاً وشاملا يهدم كلَّ المقدّسات ولا يختصّ بالتسميات ، يدخل بكلّ قوّة للتعريف بمخطّطهم الإجرامي ضدّ الإسلام والمسلمين ، وكان هذا هو منهج أهل البيت(عليهم السلام) .
إنّ شيعة عليّ كانوا يعلمون بأنّ ولاية معاوية على الشام بعد أخيه يزيد بن أبي سفيان كانت بأمر عمر ، وأنّ عمر بن الخطّاب هو الذي قوّى سلطان معاوية وبني أميّة ، وأنّ كلّ ما لاقته الشيعة في عهد معاو ية ، ومروان ، والحجّاج يرجع وزره على عمر الذي نصبه حاكماً على رقاب المسلمين ، وقد جاء إقرار عثمان لمعاو ية تبعاً لولاية عمر له .
فالشيعيّ لم يكن حسّاساً أمام التسمية باسم الثلاثه والحجاج ومروان قبل هذا التاريخ ، لكونها اسماء عربيّة ، ولكون التسمية ظاهرة اجتماعيّة لا تعني شخصاً ، لكن لمّا جعلو هذه التسميات معياراً للموالاة والبراءة وتحسّسوا من التسمية باسم عليّ والحسن والحسين ـ وخصوصاً بعد تتبّع زياد بن أبيه ، والحجّاج بن يوسف الشيعة تحت كلّ حجر ومدَر ، حتّى صار الرجل ليقال عنه : كافر أو زنديق أحبّ إليه من أن يقال له : إنّه من شيعة عليّ(1) ـ فلما وصلت المباعضة في الأسماء إلى هذا الحد انعكس ذلك سلباً على جميع شرائح المجتمع فاشمأزُّوا من تلك الأسماء شيئاً فشيئاً .
____________
1- شرح نهج البلاغة 11 : 44 .
________________________________________ الصفحة 162 ________________________________________
و إنّي لا أستبعد أن يكون ترك أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) لأسماء الثلاثة ـ من بعد الإمام السجّاد(عليه السلام) ـ يعود للأعمال التي اقترفها الخلفاء والأمراء حينَ وقبل عهده(عليه السلام) مثل : معاو ية ، يزيد ، الحجّاج ، وقتلهم على الهو يّة كلّ من سُمِّيَ بعليّ ، ولم تكن ولاياتهم إلاّ امتداداً لحكومات الثلاثة الأوائل ، فهم كانوا على خلاف فكري مع أولئك لكن ذلك لا يدعهم للمخالفة مع أسمائهم ، لكن لما وصل الأمر إلى هذا الحد تركو التسمية بأسماء الثلاثة .
فالأئمّة أكّدوا على محبوبيّة التسمية باسم عليّ ، وسمّوا بالفعل أولادهم بهذا الاسم المبارك ، وتركوا التسمية بغيرها كي لا يظنّ أحدٌ بأنّ التسميات بأسماء الأغيار لها دلالات خاصّة ، أي أنّهم تركوا التسمية بأسماء الثلاثة من بعد الإمام السجّاد متعمّدين قاصدين كي لا يختلط الأمر على المتأخّرين كما اختلط على المتقدّمين ، فيتصوّروا بأنّ التسمية بعائشة أو عمر هي لمكانة زوجة النبيّ أو محبة لعمر بن الخطّاب ، مع الأخذ بنظر الاعتبار امكان وضع هذه الأسماء على بعض الطالبيين وأولاد الأئمّة للتقيّة في بعض الأحيان .
وكذا الحال بالنسبة إلى تركهم لأسماء الآخرين من الصحابة ، فقد يكونون تركوها كي لا ينتزع منها ما انتزع من غيرها .
وهذه المرحلة بدأَتْ بعد تسلّم الإمام علي الخلافة ، واختلافه مع عائشة ، ومعاوية ، والخوارج ، و إنّ هذا الاختلاف أدّى إلى حدوث واقعة الجمل وصفين والنهروان ، وهذه الخلافات والصراعات جعلت الآخرين يتعاملون مع الأمور بانفعالية دون أهل البيت الذين كانوا يتعاملون مع الأمور بمصداقية وعقلانية ، وقد كان لهذه المرحلة أدوات بشرية ، أشير إلى دور شخصيّتين منهم على وجه التحديد :
________________________________________ الصفحة 163 ________________________________________
دور عائشة في التسمية :
أ مّا دور عائشة في التسمية ، فكان انفعالياً يحمل بين جوانبه الحقد والضغينة ، فقد جاء في كتاب ( الشافي في الإمامة ) وغيره والنص منه :
عن مسروق ، قال : دخلت على عائشة فجلست إليها تحدّثني ، فاستدعت غلاماً لها أسود يقال له عبدالرحمن ، حتّى وقف ، فقالت : يا مسروق أتدري لِمَ سمّيته عبدالرحمن ؟ فقلت : لا ، فقالت : حبّاً منّي لعبد الرحمن بن ملجم(1) .
انظر إلى كلام عائشة لترى البغض والضغينة يطفحان على كلامها ، وهو نص قد صدر عنها بعد سنة أربعين للهجرة يقيناً ، أي بعد شهادة الإمام عليّ(عليه السلام) .
وفي هذا النص نقلةٌ نوعيّة لموضوع التسميات ، حيث إنّ الإمام عليّاً ـ وطبقَ النصوص السابقة ـ لم يجرح ولم يتعرّض لأحد كما فعلته عائشة في النصّ الآنف ، بل إنّه(عليه السلام) كما في ( تاريخ المدينة ) لابن شبّه أخبر عن ولادة مولود له ثم قبوله طلب عمر في تسمية ابنه بعمر .
لكنّه لمّا رأى ـ من بعد ـ استغلال الجهاز الحاكم لهذا الأمر ، أراد أن يوضّح سبب تسميات أبنائه ; أو قبوله بها من خلال تسمية ابنه الثالث بعثمان ، مصرّحاً بأ نّه سمّاه حبّاً بأخيه عثمان بن مظعون لا غير ، وفي كلامه(عليه السلام) إشارة إلى جانب إيجابي ، وفيه توضيح لحقيقة بقيت خافية على المسلمين لذلك اليوم في سبب تسمية أبنه بعمر ، فخاف أن تستغل من قِبلَ الآخرين في عثمان كذلك ، ولأجله قال : ( إنما سميته باسم أخي عثمان بن مظعون ) ، فلا ترى في كلامه (عليه السلام) شيء سلبيّ كالّذي رأيناه في كلام عائشة .
أي أ نّه(عليه السلام) أراد تصحيح التصوُّرات الخاطئة التي كان يحملها بعض الناس
____________
1- الشافي في الإمامة 4 : 356 ; الجمل ، للشيخ المفيد : 84 .
________________________________________ الصفحة 164 ________________________________________
عن سبب تسمية الإمام علي لأولاده بأسماء أبي بكر وعمر وعثمان والتي أشاعت الجهات الحكومية وأ نّها كانت عن حبّ للخلفاء ، كل ذلك مع عدم التصريح بشتم أو كراهة اسم أحد .
وفي مجال حرب الأسماء نرى أيضاً إبهام عائشة لاسم من اتّكأ عليه رسول الله حينما خرج إلى الصلاة ; فعن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة : أنّ عائشة قالت :
لمّا ثقل النبي(صلى الله عليه وآله) واشتدّ به وجعه ، استأذن أزواجَه في أن يُمَرَّضَ في بيتي ، فَأَذِنَّ له ، فخرج النبيّ بين رجلين ، تخطُّ رجلاه في الأرض ، بين عبّاس ورجل آخر .
قال عبيدالله : فأخبرت عبدالله بن عباس ، فقال : أتدري من الرجل الآخر ؟
قلت : لا .
قال : هو علي(1) .
وفي نصّ آخر : أتدري من الرجل الذي لم تُسَمِّ عائشة ؟ هو : عليّ(2) .
نعم ، إنّ عائشة لم تكن على وفاق مع علي والزهراء(عليها السلام) لكن هذا لا يجيز لها ان تكتم الحقيقة بحيث أنّ لا تسمي علياً(عليه السلام) فيما روته من خبر عن رسول الله .
فقد ذكر أبو الفرج الإصفهاني : أنّ عائشة سجدت شكراً لله لمّا سمعت بمقتل علي بن أبي طالب(3) .
____________
1- صحيح البخاري 1 : 83 ح 195 من كتاب الوضوء باب الغسل والوضوء في المِخضَب والقدح والخشب .
2- صحيح البخاري 4 : 1614 ح 4178 من كتاب المغازي ، باب مرض النبي(صلى الله عليه وآله) ووفاته ، و 1 : 236 ح 634 من كتاب الجماعة الإمامة ، باب حد المريض ان يشهد الجماعة ، و 2 : 914 ح 2448 ، و 5 : 216 ، صحيح مسلم 2 : 312 ح 418 من كتاب الصلاة باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر .
3- أنظر مقاتل الطالبيين : 27 .
________________________________________ الصفحة 165 ________________________________________
وحكى أصحاب المعاجم أ نّها لم تأت إلى بني هاشم لتعزّيهم بوفاة فاطمة ، بل نقل لعليّ عنها كلام يدل على سرورها(1) .
وقد قالت ذات مرة لرسول الله(صلى الله عليه وآله) : والله لقد عرفت أنّ علياً أَحبُّ إليك من أبي ومنّي ، قالتها مرتين(2) .
وحكي عنها أ نّها روت عن رسول الله قوله في علي : إنه يموت على غير ديني(3) !!
وقولها عنه(صلى الله عليه وآله) : من أراد أن ينظر إلى رجلين من أهل النار فلينظر إلى هذين ، فنظرت عائشة ... فإذا بعلي والعبَّاس قد أقبلا(4) .
وقد أشار الإمام علي إلى هذه الحقيقة في كتاب له : ... وأ مّا فلانة فأدركها رأي النساء ، وضِغنٌ غلا في صدرها كمرجل القين ، ولو دُعيتْ لتنال من غيري ما أتت إليَّ لم تفعل(5) .
وهذه الشخصية المبغضة لعلي وفاطمة هي التي دعت أمثال الشيخين أن يخصّاها بالعطاء أكثر من غيرها .
وتلك المواقف الكارهة حَتّى لاسم علَيٍّ هي التي جعلت معاوية يهدي إليها معاوية حلقاً فيه جوهر مائة ألف درهم دون غيرها من نساء النبي(6) .
وأخرج أبو نعيم : إنّ معاو ية أهدى لعائشة ثياباً ووَرِقاً وأشياء توضع في أُسطوانها(7) .
____________
1- شرح نهج البلاغة 9 : 198 .
2- مسند أحمد 4 : 275 ح 18444 ، مسند البزار 8 : 233 ح 3275 ، مجمع الزوائد 9 : 127 ، قال رواه البزار ورجاله رجال الصحيح .
3- شرح نهج البلاغة 4 : 64 .
4- شرح نهج البلاغة 4 : 64 .
5- نهج البلاغة : 218 ، الخطبة 156 ، شرح نهج البلاغة 9 : 189 .
6- الذخائر والتحف للقاضي الرشيد بن الزبير : 11 .
7- حلية الاولياء 2 : 48 .
________________________________________ الصفحة 166 ________________________________________
وأخرج ابن كثير ، عن عطاء : إنّ معاو ية بعث إلى عائشة وهي بمكة بطوق قيمته مائة ألف ، فقبلته(1) .
هذا بعض الشيء عن عائشة ودورها في حرب الأسماء وتشديدها للخلاف بين الآل والصحابة ، لا تمويع الجليد كما يقال . فلو كانت أماً بارة بأولادها لسعت إلى تمويع الجليد لا تشديد الخلاف وبث روح البغض والضغينه بين المسلمين وخصوصاً بين الصحابة الأوائل .
وقد جاء في كتاب ( الكافئة ) للشيخ المفيد ، والجمل ، والفتوح وغيرها : أ نّه لمّا بلغ عائشة نزول أميرالمؤمنين(عليه السلام) بذي قار كتبت إلى حفصة بنت عمر : ( أ مّا بعد ، فإنّا نزلنا البصرة ونزل علي بذي قار ، واللهُ داقٌّ عُنُقَه كدقّ البيضة على الصفا ، إنّه بذي قار بمنزلة الأشقر ، إن تقدم نحر ، و إن تأخّر عُقِر )(2) .
فلمّا وصل الكتاب إلى حفصة استبشرت بذلك ودعت صبيان بني تيم وعدي وأعطت جوار يها دفوفاً ، وأمرتهن أن يضربن بالدفوف و يقلن : ما الخبر ما الخبر ! علي كالأشقر ، إن تقدم نحر ، و إن تأخّر عْقِر .
فبلغ أمّ سلمة رضي الله عنها اجتماع النسوة على ما اجتمعن عليه من سبّ أميرالمؤمنين(عليه السلام) والمسرّة بالكتاب الوارد عليهنّ من عائشة ، فبكت وقالت : أعطوني ثيابي حتّى أخرج إليهنّ وأقع بهنّ ، فقالت أمّ كلثوم بنت أميرالمؤمنين(عليه السلام) : أنا أنوب عنك فإنّني أَ عْرَفُ منك ، فلبست ثيابها وتنكّرت وتخفّرت واستصحبت جواريها متخفّرات ، وجاءت حتّى دخلت عليهنّ كأ نّها من النَّظَّارة ، فلمّا رأت ما هنّ فيه من العبث والسفه كشفت نقابها وأبرزت لهنّ وجهها ، ثمّ قالت لحفصة : إن تظاهرتِ أنت وأُختُكِ على أميرالمؤمنين(عليه السلام) فقد تظاهرتما على أخيه رسول الله(صلى الله عليه وآله) من قبل ، فأنزل الله عزّ وجلّ فيكما ما أنزل ،
____________
1- تاريخ دمشق 59 : 192 ، البداية والنهاية 8 : 139 .
2- وفي شرح نهج البلاغة 14 : 13 ـ 14 : وأقام(عليه السلام) بها مرعوباً خائفاً لِمَا بلغه من عدّتنا وجماعتنا فهو بمنزله الأشقر إن تقدم عقر و إن تأخّر نحر .
________________________________________ الصفحة 167 ________________________________________
والله من وراء حربكما . فانكسرت حفصة وأظهرت خجلا وقالت : إنّهن فعلن هذا بجهل ، وفرّقتهن في الحال ، فانصرفن من المكان(1) .
ولم تكن عائشة بدعاً من قريش التي جدّت في حربها ضدّ الإمام علي بعد رسول الله ، وقد قال(عليه السلام) في كتاب لأخيه عقيل بن أبي طالب :
فإنّهم قد أجمعوا على حربي كإجماعهم على حرب رسول الله قبلي ، فجَزَتْ قريشاً عنّي الجوازي ، فقد قطعوا رحمي ، وسلبوني سلطان ابن أمي(2) .
دور معاوية في حرب الأسماء :
وقريب من موقف عائشة كان موقف معاوية بن أبي سفيان لكن بشكل آخر يغلب عليه الكذب والدجل ، فقد كتب إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) بقوله :
لئن كان ما قلتَ وادّعيتَ واستشهدت عليه أصحابك حقّاً لقد هلك أبو بكر وعمر وعثمان وجميع المهاجرين والأنصار غيرَك وغيرَ أهل بيتك وشعيتك .
وقد بَلَغني ترحّمك عليهم واستغفارك لهم ، و إنّه لَعلى وجهين ما لهما ثالث :
إمّا تقيّة إن أنت تبرّأتَ منهم خِفتَ أن يتفرّق عنك أهل عسكرك الّذين تُقاتلني بهم .
أو إنَّ الّذي ادّعيت باطل وكذب . وقد بلغني وجائني بذلك بعض من تثق به من خاصّتك بأ نّك تقول لشيعتك [الضالّة ]وبطانتك بطانة السوء : ( إنّي قد سمّيتُ ثلاثة بنين لي أبا بكر وعمر وعثمان ، فإذا سمعتموني أترحّم على أحد من أئمّة
____________
1- الكافئة ، الشيخ المفيد : 16 ـ 17 ، والجمل : 149 .
2- نهج البلاغة : 409 الكتاب 36 ، شرح النهج 16 : 148 .
________________________________________ الصفحة 168 ________________________________________
الضلالة فإنّي أعني بذلك بَنِيَّ )(1) .
فاجابه أمير المؤمنين بكتاب طويل ، فيه :
ولعمري يا معاوية ، لو ترحّمتُ عليك وعلى طلحة والزبير ما كان ترحّمي عليكم واستغفاري لكم ليحقّ باطلاً ، بل يجعل الله ترحّمي عليكم واستغفاري لكم لعنة وعذاباً . وما أنت وطلحة والزبير بأحقر جرماً ولا أصغر ذنباً ولا أهون بدعة وضلالة ممّن استنّا لك(2) ولصاحبك الّذي تطلب بدمه ، ووطّئا لكم ظُلمنا أهل البيت ، وحَملاكم على رقابنا ، فإنّ الله يقول : ( ألَمْ تَرَ إلى الَّذينَ اُوتُو نَصيباً مِنَ الكِتاب يُؤْمِنُونَ بالجبْتِ وَالطّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذينَ كَفَروا هؤلاءِ أهْدى مِنَ الَّذينَ آمَنوا سَبيلاً * أولئك الَّذينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَن الله فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصيراً * أمْ لَهُمْ نصيبٌ مِن المُلْكِ فَإذا لا يُؤتُونَ النّاسَ نَقيراً * أمْ يَحْسُدونَ النَّاسَ على ما آتاهُم اللهُ مِنْ فَضْلِهِ )(3) ، فنحن الناس ونحن المحسودون ; قال الله عزّوجل : ( فَقَدْ آتَيْنا آلَ إبْراهيمَ الكِتابَ وَالحِكْمَةَ وآتَيْناهُم مُلْكاً عَظيماً * فَمِنْهُم مَنْ آمَنَ به وَمِنْهُمْ مَنْ صَدّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعيراً )(4) .(5)
فالإمام(عليه السلام) بكلامه هذا كان يريد الاشارة إلى أن الدخول في مثل هذه الأمور
____________
1- كتاب سليم بن قيس : 301 . وفي نسخة (ج) من الكتاب المزبور (انك قد سميت ثلاثة بنين لك ، كنيت أحدهم ابا بكر ، وسميت الاثنين عمر وعثمان) .
2- يعني بذلك أبا بكر وعمر .
3- النساء : 51 ـ 54 .
4- النساء : 54 ـ 55 .
5- كتاب سليم بن قيس 305 ، بحار الأنوار 33 : 154 باختلاف يسير .
________________________________________ الصفحة 169 ________________________________________
ليست من مهامّ الطلقاء ، والذين قاوموا الإسلام حتى الساعات الأخيرة ، بل هذا الأمر يرتبط به وبالسابقين إلى الإسلام من المهاجرين والأنصار ، وقد جاء هذا الأمر صريحاً في كتاب له(عليه السلام) إلى معاوية مجيباً في ذلك الكتاب مدعياته فقال :
وَزَعَمْتَ أنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ فِي الاِْسْلاَمِ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ ; فَذَكَرْتَ أَمْراً إنْ تَمَّ اعْتَزَلَك كُلُّهُ ، وَ إِنْ نَقَصَ لَمْ يَلْحَقْكَ ثَلْمُهُ . وَمَا أَنْتَ وَالْفَاضِلَ وَالْمَفْضُولَ ، وَالسَّائِسَ وَالْمَسُوسَ ! وَمَا لِلطُّقَاءِ وَأَبْنَاءِ الطُّلَقَاءِ ، وَالتَّمْييزَ بَيْنَ آلْمُهَاجِرِينَ ، وَتَرْتِيبَ دَرَجَاتِهِمْ ، وَتَعْرِيفَ طَبَقَاتِهِمْ ! هَيْهَاتَ لَقَدْ حَنَّ قَدْحٌ لَيْسَ مِنْهَا ، وَطَفِقَ يَحْكُمُ فِيهَا مَنْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ لَهَا ! أَلاَ تَرْبَعُ أَ يُّهَا الاِْنْسَانُ عَلَى ظَلْعِكَ ، وَتَعْرِفُ
قُصُورَ ذَرْعِكَ ، وَتَتَأَخَّرُ حَيْثُ أَخَّرَكَ الْقَدَرُ ! فَمَا عَلَيْك غَلَبَةُ الْمَغْلُوبِ ، وَلاَ ظَفَرُ الظَّافِرِ(1) !
ثمّ جاء(عليه السلام) يذكره بالأقدمين إسلاماً :
أنَّ قَوْماً آسْتُشْهِدُوا فِي سَبيلِ اللهِ تَعَالى مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَآلاَْنْصَارِ ، وَلِكُلٍّ فَضْلٌ ، حَتَّى إِذَا اسْتُشْهِدَ شَهِيدُنَا قِيلَ : سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ ، وخَصَّهُ رَسُولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله) بِسَبْعِينَ تَكْبِيرَةً عِنْدَ صَلاَتِهِ عَلَيْهِ ! أَوَ لاَ تَرَى أَنَّ قَوْماً قُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ـ وَلِكُلٍّ فَضْلٌ ـ حَتَّى إِذَا فُعِلَ بِوَاحِدِنَا مَا فُعِلَ بِوَاحِدِهِمْ ، قِيلَ : ( الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ وَذُو الْجَنَاحَيْنِ ! ) وَلَوْلاَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ مِنْ تَزْكِيَةِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ ، لَذَكَرَ ذَاكِرٌ فَضَائِلَ جَمَّةً ، تَعْرِفُهَا قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَلاَ تَمُجُّهَا آذَانُ السَّامِعِينَ . فَدَعْ عَنْكَ مَنْ مَالَتْ بِهِ الرَّمِيَّةُ ; فَإِنَّا صَنَائِعُ رَبِّنَا ، وَالنَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا . لَمْ يَمْنَعْنَا قَدِيمُ عِزِّنَا وَلاَ عَادِي طَوْلِنَا عَلَى قَوْمِكَ أَنْ خَلَطْنَاكُمْ بِأَنْفُسِنَا ; فَنَكَحْنَا وأَنكَحْنَا ، فِعْلَ الاَْكْفَاءِ ، وَلَسْتُمْ هُنَاكَ ! وَأَنَّى يَكُونُ ذْلِكَ وَمِنَّا النَّبِيُّ وَمِنْكُمُ الْمُكَذِّبُ ، وَمِنَّا أسَدُ اللهِ وَمِنْكُمْ أَسَدُ الاَْحْلاَفِ ، وَمِنَّا سَيِّدا شَبَابِ أهْلِ الْجَنَّةِ وَمِنْكُمْ صِبْيَةُ النَّارِ ، وَمِنَّا خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينِ ، وَمِنْكُمْ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ ، في كَثِير مِمَّا لَنَا وعَلَيْكُمْ !
____________
1- نهج البلاغة : 385 ـ 386 . الكتاب 28 .
________________________________________ الصفحة 170 ________________________________________
إلى أن يقول :
وَزَعَمْتَ أَنِّي لِكُلِّ الْخُلَفَاءِ حَسَدْتُ ، وَعَلَى كُلِّهِمْ بَغَيْتُ ، فَإِنْ يَكُنْ ذلِكَ كَذْلِكَ فَلَيْسَتِ آلْجِنَايةُ عَلَيْكَ ، فَيَكُونَ الْعُذْرُ إِلَيْكَ . ( وَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ
عَارُهَا ) .
وَقُلْتَ : إِنِّي كُنْتُ أُقَادُ كَمَا يُقَادُ آلْجَمَلُ آلْمَخْشُوشُ حَتَّى أُبَايِعَ ، وَلَعَمْرُ آللهِ لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تَذُمِّ فَمَدَحْتَ ، وَأَنْ تَفْضَحَ فَافْتَضَحْتَ ! وَمَا عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ غَضَاضَة في أنْ يَكُونَ مَظْلُوماً مَا لَمْ يَكُنْ شَاكّاً في دِينِهِ ، وَلاَ مُرْتَاباً بِيَقِينِهِ ! وَهذِهِ حُجَّتِي إلَى غَيْرِكَ قَصْدُهَا ، وَلكِنِّي أَطْلَقْتُ لَكَ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا سَنَحَ مِنْ ذِكْرِهَا(1) .
بهذه الكلمات والآهات وضّح الإمام ما كان يعيش فيه ، والمتأمّل في كلماته في نهج البلاغة وغيره يعرف هذه الحقيقة بكل وضوح ، فمما قاله(عليه السلام) أيضاً :
كنت في أ يّام رسول الله كجزء من رسول الله ، ينظر إليّ الناس كما يُنظر إلى الكواكب في أفق السماء ، ثم غضَّ الدهر منّي فقُرن بي فلان وفلان ، ثمّ قُرِنْتُ بخمسة أمثلُهم عثمان فقلت : وا ذفراه(2) ، ثمّ لم يرض الدهر لي بذلك حتّى أرذلني ، فجعلني نظيراً لابن هند وابن النابغة ، لقد استنَّت الفِصال حتّى القَرْعى(3) .
وفي رسالته(عليه السلام) إلى معاوية بن أبي سفيان :
فياعجبا للدهر ، إذ صرت يُقرَنُ بي من لم يسع بَقدمي ، ولم تكن له كسابقتي التي لا يُدلي أحد بمثلها إلاّ أن يدّعي مُدَّع ما لا أعرفه ولا أظن الله يعرفه ، والحمد لله على كلّ حال(4) .
هذا ، وقد يمكن أن ترى فيما رواه المدائني جوانب اخرى ، إذ طلب معاوية
____________
1- نهج البلاغة : 387 ـ 388 الكتاب 28 .
2- والذفر : الرائحة الكريهة .
3- شرح نهج البلاغة 20 : 326 ، في الحكم المنسوبة إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) الرقم 733 .
4- نهج البلاغة : 368 ، الكتاب 9 وشرح النهج 14 : 47 .
________________________________________ الصفحة 171 ________________________________________
من عمّاله والخطباء لعن أبي تراب ، وكان أشدّ الناس بلاءً حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي ، فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضمّ إليه البصرة(1) ، فكان
____________
1- جاء في الغارات ، للثقفي (ت 283 هـ) عن أبي غسّان البصري : بني عبيدالله بن زياد ـ لعنه الله ـ مساجد بالبصرة تقوم على بغض عليّ (عليه السلام) والوقيعة فيه : مسجد بني عدي ، ومسجد بني مجاشع ، ومسجد كان في العلافين على فرضة البصرة ، ومسجد في الأزد (الغارات 2 : 558) .
تأمّل في النصّ لترى قيام المساجد الأربعة في البصرة على الوقيعة في عليّ(عليه السلام) ، وهي سياسة بعض الحكّام في البلدان الإسلامية اليوم أيضاً ، وقد قال لي أحد أئمّة هذه المساجد : كلاّ إنّ الحكومات لا تنهانا عن الرواية عن علي لكنّنا نرجح الرواية عن غيره كي لا نرمى بالتشيع .
انظُرْ إلى تعليل هذا الخطيب وهو يعلم بقرب عليّ من رسول الله ورجحانه في العلم والقضاء والفتوى على غيره لكنه يرجح الرواية عن غيره .
ان الحكومات وعن طريق وزارات الأوقاف التابعة لها تبني المساجد وتنصب أئمّة عليها حسب ضوابط الوزارة ، فمن الطبيعيّ انّ لا يرتضى من يخالفهم بالمعايير التي رسمها الحاكم ، وخصوصاً الشيعيّ فانه لا يرتضي ذلك ، لانّه يشترط في إمام الجماعة العدالة ، وان المعيّن من قبل السلطان الجائر ليس بعادل عنده ، فلا يمكنه الصلاة خلفه في الظروف العادية ، ولا يخفى عليك بأنّ الراضي بالله العباسي هدم مسجد براثا على الشيعة بحجّة لعن الصحابه .
وهذا الامر وغيره دعا الشيعة إلى أن ينظّموا مجالسهم بعيداً عن المساجد الحكوميّة ، متخذين إماماً وخطيباً يرتضونه بعيداً عن الحاكم ، ومن هنا انتشرت الحسينيات عند الشيعة ، وإنّ الشيعة تمركزوا فيها تبعاً لأمر أئمّة أهل البيت في إقامة مجالس العزاء في دُورهم ، إذ أنّ الحكومات كانت لا تسمح لهم باقامة مآتم العزاء على السبط الشهيد في المساجد ، فكان من الضروريّ ان تجتمع الشيعة فيما بينهم لمدارسة قضاياهم ، ومن هنا جاءت الحسينيات .
وباعتقادي انّ كثرة الحسينيات على المساجد في البلدان الشيعية يعود إلى هذا السبب ، إذ ان السيدة فاطمة الزهراء قد رسمت أصول هذا المنهج عند الشيعة ، حينما ذهبت إلى خارج المدينة (بيت الأحزان) أ يّام أبي بكر ، لتبكي على والدها(صلى الله عليه وآله) وما اصابها من ظلم من قبل الخليفة !! ثمّ انتهجه أئمّة أهل البيت في الأزمان التي تلتها ، وقد يمكننا ارجاع اهتمام الشيعة بالحسينيات إلى اختلاف احكام الحسينيات عن المساجد ، فلا يجوز أن يدخل المسجد جنب ، أو حائض بخلاف الحسينية فإنه يجوز ذلك ، مع علم جميع الشيعة بأنّ الصلاة في المسجد أفضل من الصلاة في الحسينية ، لكنّ الضرورة ـ الدينية والسياسة ـ كانت تدعوهم للصلاة في الحسينية في بعض الأحيان .
وبهذا فقد فنّدنا بهذه التعليقة البسيطة شبهة يثيرها الخصم ضدّنا إذ يقولون بأنّ الشيعة لا يهتمّون بالمساجد ، فالأمر لم يكن كذلك ، فللشيعة مساجد كثيرة مضافاً إلى الحسينيات ، وقد تركوا الصلاة في المساجد اعتراضاً على الحكّام الظلمة كشاه ايران أيّام زمانه وعدم قبولهم بشرعية الإمام المنصوب من قبل السلطة في المساجد ، لا لنفس المساجد ، ويا حبّذا أن يفتح الكتّاب والعلماء هذا الأمر أكثر مما قلته ، وأن تكتب في هذا الموضوع رسائل ، لأنّها التفاتة مهمّة لم يسبقني إليها أحد .
________________________________________ الصفحة 172 ________________________________________
يتَتَبَّع الشيعة ـ وهو بهم عارف لأ نّه كان منهم أيام علي(عليه السلام) ـ فقتلهم تحت كلّ حجر ومدر ، وأخافهم ، وقطع الأيدي والأرجل ، وسمل العيون ، وصلبهم على جذوع النخل ، وطردهم وشرّدهم من العراق ، فلم يبق بها معروف منهم .
وجاء في كتاب معاوية إلى عماله في الأمصار : أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة .
وكتب إليهم أيضاً : أنِ انْظُرُوا من قِبَلَكُمْ من شيعة عثمان ومحبّيه وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم ، وقربوهم وأكرموهم ، واكتبوا لي بكل ما يروي كلّ رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته ، ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه ; لِما كان يبعثه إليهم معاوية من الصِّلات والكساء والحباء والقطائع ، ويفيضه في العرب منهم والموالي ، فكثر ذلك في كلّ مِصر ، وتنافسوا في المنازل والدنيا ، فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملاً من عمال معاو ية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلاّ كتب اسمه وقرّبه وشفّعه ، فلبثوا بذلك حينا ، ثم كتب إلى عماله :
إنّ الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كلّ مصر وفي كلّ وجهَ وناحية ، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين ، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلاّ وتأتوني بمناقض له في الصحابة ، فإنّ هذا أحب إليّ ، وأقرّ لعيني ، وأدحض لحجّة أبي تراب وشيعته ، وأشدّ عليهم من مناقب عثمان وفضله فَقُرئت كتبه على الناس فرويت اخبار كثيرة
________________________________________ الصفحة 173 ________________________________________
في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقية(1) .
فمعاوية كان يريد دائماً تهييج الخلاف العُمَري العلوي ، والخلاف الموجود بين علي وعائشة ، وبينه(عليه السلام) وبين طلحة والزبير ، واستغلال كل ذلك لمآربه الخاصة .
وكذا كان حال أبنائه وأتباع مدرسته أيضاً ، فالأمويّون كانوا يريدون أن يثيروا الخلاف بين الطالبيين وغيرهم ليصفو لهم مشربهم ، و يسهل عليهم كسر شوكتهم ، فلو قرات في حوادث سنة 121 من تاريخ الطبري فترى فيها مخاصمة زيد بن علي بن الحسين الشهيد مع عبد الله بن الحسن بن الحسن السبط ، وفيه :
( لما كان الغد أحضرهم الوالي [وهو إبراهيم بن هشام] وأحضر قريشاً والأنصار ... وفطن عبد الله [بن الحسن] وزيد لشماتة الوالي بهما ، فذهب عبد الله يتكلّم فطلب إليه زيد فسكت ، وقال زيد للوالي : أما والله لقد جمعتنا لأمر ما كان أبو بكر ولا عمر ليجمعنا على مثله ، و إنّي أُشْهِدُ الله أَن لا أنازعه إليك مُحِقّاً ولا مبطلاً ما كنتُ حياً ، ثمّ قال لعبد الله : انهض يا بن عم ، فنهض وتفرّق الناس ...
ثمّ ولّى هشامُ بن عبد الملك خالدَ بن عبد الملك المدينة ... فقال خالد لهما : اغدوا علينا غداً فلست لعبد الملك إن لم أفصل بينكما .
فباتت المدينة تغلي كالمِرجَل ، يقول قائل كذا وقائل كذا ، قائل يقول : قال زيد كذا ، وقائل يقول : قال عبد الله كذا ، فلمّا كان الغد جلس في المسجد واجتمع الناس ، فمن شامت ومن مهموم ، فدعا بهما خالد وهو يحبّ أن يتشاتما ، فذهب عبد الله يتكلّم فقال : زيد لا تعجل يا أبا محمّد ، أعتق زيد ما يملك إن خاصمك إلى خالد أبدا .
ثم أقبل على خالد ، فقال له : يا خالد لقد جمعت ذرّيّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمر ما كان يجمعهم عليه أبو بكر ولا عمر .
____________
1- شرح ابن أبي الحديد 11 : 44 ـ 45 .
________________________________________ الصفحة 174 ________________________________________
قال خالد : أما لهذا السفيه أحد ؟! فتكلّم رجل من الأنصار من آل عمرو بن حزم ، فقال : يابن أبي تراب وابن حسين السفيه ، ما ترى لوال عليك حقّاً ولا طاعة ، فقال زيد : اسكت أيها القحطاني فإنّا لا نجيب مثلك ) (1) .
هذا غيض من فيض جرائم الأمويين وأسيادهم الخلفاء الثلاثة .
والإمام كان عالماً بهذا الأمر ، فلذا لم يقدّم أمثال أبي سفيان ومعاوية على أبي بكر وعمر وحتى على عثمان ، لأنّ الشيخين وعثمان كانوا يراعون بنِسَب متفاوتة ظواهر الإسلام ، و إذا ارتكبوا مخالفة ارتكبوها بشيء من الحَذَر والدهاء وعدم المجاهرة بالخلاف ، بعكس معاوية ويزيد وأبي سفيان الذين ابتنت حياتهم على المجاهرة بالكسرو ية والقيصرية والسعي لمحو الإسلام ، نفاقاً وزوراً .
فمعاو ية ثبت عنه أ نّه قال حينما سمع الأذان : ( إلاّ دفناً دفنا )(2) ، أو : ( لله أبوك يا بن عبدالله لقد كنت عالي الهمة ، ما رضيت لنفسك إلاّ أن يقرن اسمك باسم ربّ العالمين )(3) ، أو قوله : ( لم أقاتلكم لتصلّوا وتصوموا بل قاتلتكم لأَتَأَمَّرَ عليكم )(4) .
وجاء عن أبي سفيان قوله : ( لله درّ أخي بني هاشم انظروا أين وضع اسمه )(5) .
وعن يزيد أ نّه قال :
لعبت هاشم بالملك فلا خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل(6)
____________
1- تاريخ الطبري 5 : 484 ـ 485 .
2- مروج الذهب 3 : 454 ، شرح النهج 5 : 130 ، وأنظر الأخبار الموقفيات للزبير بن كبار : 576 .
3- شرح النهج 10 : 101 .
4- مقاتل الطالبين : 45 ، شرح النهج 16 : 15 ، 46 ، شرح الأخبار 2 : 157 ح 483 .
5- قصص الأنبياء : 293 ، وعنه في بحار الأنوار 18 : 108 ح 31 : 523 ح 22 .
6- مناقب بن شهرآشوب 3 : 261 ، اللهوف في قتلى الطفوف : 105 ، كشف الغمة 2 : 230 ، شذرات الذهب 1 : 69 ، رواه عن ابن عساكر ، البداية والنهاية 8 : 224 ، تاريخ الطبري 8 : 187 ، ( في الطبعة التي قوبلت على النسخة المطبوعة بمطبعة ابريل ) ـ لندن 1879 م .
________________________________________ الصفحة 175 ________________________________________
وهذا ما لا نسمعه من أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وطلحة و ...
اذن الحرب ضدّ أهل البيت كانت آخذة طابعَ التلبيس والمداهنة في كلّ شيء حتّى التسميات ، ثمّ أخذت طابع المجاهرة بالعداوة في كل شيء حتّى في الأسماء ، وقد كان أهل البيت(عليهم السلام) وأتباعهم يعرفون تلك الأمور أدقّ المعرفة وأتمّها ، فكانوا يقاومون التيّار الانتهازي الأموي ، فاصلين بين الشيخين وبين الأمو يين الذين كانوا يتّخذون من الشيخين وعثمان ترساً وغطاء يحتمون به وذريعة لمحاربة أهل البيت ، كل ذلك لتثبيت أركان حكومتهم الجائرة . فشيعة علي ـ تبعاً لمولاهم ـ كانوا ادرى بهذه الاعيب .
فقد جاء في كتاب ( الفتوح ) أنّ عبيد الله بن زياد قال لعبد الله بن عفيف الأزدي : يا عدوَّ الله ما تقول في عثمان بن عفان رضي الله عنه ؟
قال [عبد الله بن عفيف] : يابن عبد بني علاج! يابن مرجانة وسمية ! ما أنت وعثمان بن عفان؟ عثمان أساء أم أحسن ، وأصلح أم أفسد ، اللهُ تبارك وتعالى وليّ خلقه ، يقضي بين خلقه وبين عثمان بن عفان بالعدل والحقّ ، ولكن سلني عنكَ وعن أبيك ، وعن يزيد وأبيه .
فقال ابن زياد : والله لا سألتُكَ عن شيء أو تذوقَ الموت ، فقال عبد الله بن عفيف : الحمد لله ربّ العالمين ! أما إنّي كنت أسأل ربي عزّوجل أن يرزقني الشهادة والآن فالحمد لله الذي رزقني إيّاها بعد الإياس منها ، وعرّفني الإجابة منه لي في قديم دعائي ! فقال ابن زياد : اضربوا عنقه ! فضربت رقبته وصلب رحمة الله عليه(1) .
بهذا المنطق وهذه السياسة وقف أهل البيت وأصحابهم أمام من يريد أن يحتمي بأبي بكر وعمر وعثمان ، فلذلك أكّد أهل البيت قولاً وفعلاً على ضرورة سحب البساط من تحت أرجل الأمويين الذين كانوا يريدون الصعود على اكتاف
____________
1- الفتوح 5 : 125 ـ 126 ، اللهوف في قتلى الطفوف : 95 ـ 98 .
________________________________________ الصفحة 176 ________________________________________
الآخرين لتحقيق مآربهم ، والأئمّة من خلال تسميتهم اولادهم باسماء الثلاثة وقفوا أمام هذا المخطط المشووم .
التسمية بعلي(عليه السلام) في عهد معاوية
إنّ التسمية بعليّ كانت من الأمور المحظورة في عهد معاوية إلاّ للطالبيين ، وقد كان البعض يصر على اسمه رغم العقبات و يقبل بكل ما يصيبه .
والآخر كان يخاف و يصغّر اسمه بدواً فيقول : انا عُلَيّ ولست بعلي .
وهناك من كان يُصغّر اسمه من قبل اعدائه أو اعداء الإمام علي ، وهناك من كان يداهن أو يجامل فتارة يسمى بعلي واخرى بعُلى .
قال قتيبة بن سعيد سمعت الليث بن سعد يقول : قال عليُّ بن رباح : لا أجعل في حلٍّ من سمّاني عُلَيّاً فإن اسمي عَلِيّ .
وقال سلمة بن شبيب : سمعت أبا عبد الرحمن المقرىء يقول : كانت بنو اُمية إذا سمعوا بمولود اسمه عَلِيّ قتلوه ، فبلغ ذلك رباحاً فقال : هو عُلَيّ ، وكان يغضب من ( عَلِيٍّ ) و يُحرّج على من سمّاه به(1) .
وفي الاكمال : وامّا عُلَيَّ ـ بضمّ العين وفتح اللام ـ فهو عُليّ بن رباح بن قصير اللخمي من ازدة من القشيب ، أبو عبد الله ، وكان أحول أعور ، ولد سنة خمس عشرة ، ومات سنة سبع عشرة ومائة ، ويقال : سنة أربع عشرة ومائة ، وكان اسمه
____________
1- تهذيب الكمال ج 20 : 429 ، تهذيب التهذيب 7 : 280 ، الترجمة 541 ، تاريخ دمشق 41 : 480 ، 61 : 7 ، وفيه قتيبة بن سعيد قال : سمعت الليث بن سعد يقول : سمعت موسى بن علي يقول : من قال موسى بن عُلي لم اجعله في حل .
أبو زرعة صيوة بن طلق بن اسمع يقول سمعت أبي يقول : سمعت موسى بن علي بن رباح يقول : ليس اجعل احداً ينسبني إلى عُلي في حل انا ابن عَلي بن رباح . وفي خبر آخر عن الليث قال : سمعت موسى بن علي بن رباح يقول : من قال لي عُلي فقد أغتابني .
________________________________________ الصفحة 177 ________________________________________
عَليّاً فصغّر ، وكان يحرج على من سمّاه بالتصغير .
ومسلَمة بن عليّ كان يكره تصغير اسم أبيه أيضاً(1) .
وفي ( الغاية في شرح الهداية في علم الرواية ) المتفق والمختلف والمفترق والمؤتلف : ومُثّل للأوّل بموسى بن عُلَيّ ـ بضمّ العين مصغّراً ـ بن رباح اللخمي المصري أمير مصر ، اشتهر بالضمّ وصحّح البخاري وصاحب المشارق الفتح ، وقيل : بالضمّ لقبه ، وبالفتح اسمه ، وروي عنه قال : اسم أبي عَلي ـ يعني بفتح العين ـ ولكن بنو أميّه قالوه بالضمّ وفي حرج من قاله بالضم .
وروى عنه أ نّه قال : لم أجعله في حلّ ، ونحوه قول أبيه : لا أجعل أحداً في حلّ من تصغير اسمي .
قال ابن سعيد : أهل مصر يفتحونه بخلاف أهل العراق .
قال الدارقطني : كان يلقّب بعُلي وكان اسمه عَليّاً ، وقد اختلف في سبب تصغيره ، فقال أبو عبد الرحمن المقري : كان بنو أميّة إذا سمعوا بمولود عَلِيّاً قتلوه فبلغ من ذلك رباحاً فقال : هو عُلي بن رباح(2) .
وفي تدريب الراوي : وروي عن موسى [بن علي اللخمي المصري أمير مصر] (3) أ نّه قال : اسم أبي : عَلي ، ولكنّ بنو اُمية قالوا : عُلي ، وفي حرج من
____________
1- الاكمال 6 : 250 ، قال الدارقطني : كان يكره ان ينسب عُلي ، وغلب عليه ذلك . ( تاريخ دمشق 58 : 47 ـ 50 النكت على مقدمة ابن الصلاح 3 : 656 وفي الاكمال لابن ماكولا 6 : 250 ـ 251 ) .
وأ مّا علي بضم العين وفتح اللام فهو سلمة بن علي الخشني كان يكره تصغير اسم أبيه أيضاً . وفي توضيح المشتبه 6 : 336 وسلمة بن علي الخشني كان يكره لصغير اسم أبيه كموسى بن علي و إنما صغر في أ يّام بني أمية مراغمة من الجهلة .
2- الغاية في شرح الهداية في علم الرواية 1 : 280 ، تاريخ الإسلام 7 : 427 .
3- وموسى هذا قُتِل ابن له في حجره كان يسمّى عليّاً ، قال صاحب المصالت ، قيل ( الزم السُنّة تدخل الجنة ) قال : وما السنة ؟ قال : حبّ أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية ولعن أبي تراب ، قال : هو الذي كان يقاتل مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ قال : صار اليوم خارجيا . ونهى معاوية عن تسميته ، فسمّى موسى بن رباح ابنه عليا فُذِبَح في حجره . ( الصراط المستقيم 1 : 151 ـ 152 ) .
________________________________________ الصفحة 178 ________________________________________
قال عُلي .
وعنه أيضا : من قال : موسى بن عُلي ، لم أجعله في حِلّ ، وعن أبيه : لا أجعل في حلّ أحد يصغّر اسمي .
قال أبو عبد الرحمن المقرئ : كانت بنو اُمية إذا سمعوا بمولود اسمه عَلِيّ قتلوه ، فبلغ ذلك رباحاً فقال : هو عُلَي .
وقال ابن حبان في الثقات : كان أهل الشام يجعلون كلّ عَلِيٍّ عندهم عُلَيّاً ، لبغضهم عليا رضي الله تعالى عنه ، ومن أجله قيل لوالد مسلمة ولابن رباح : ( عُلَيّ )(1) .
وهذه النصوص مختلفة عن عليّ بن رباح ، وقد سعى النووي في شرحه أن يجمع بينها فقال : عُلَيّ بن رباح ، وهو بضمّ العين على المشهور ، وقيل بفتحها ، وقيل يقال بالوجهين ، فالفتح اسم والضم لقب(2) .
كل هذه النصوص ترشدنا إلى وجود حالة استثنائية في التسميات سواء كان الشخص يصغّر اسمه خوفاً ، أو انّ الآخرين يصغّرونه تنقيصاً ، المهمّ عندنا بيان هذه الحالة ووجودها آنذاك لا غير ، وليس هدفنا ضبط الاسم ، هل هو علي أم عُلي .
أجل انّ معاوية كتب إلى عماله نسخة واحدة : انظروا من قامت عليه البينة أ نّه يحبّ علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان ، وأسقطوا عطاءه ورزقه(3) .
وفي نص آخر : ( من اتّهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكّلوه به واهدموا داره ) ، قال ابن أبي الحديد : فلم يكن البلاء أشدّ ولا أكثر منه بالعراق ولا سيما بالكوفة ، حتّى إنّ الرجل من شيعة علي (عليه السلام) ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سرّه ،
____________
1- تدريب الراوي 2 : 331 ، الشذا الفياح 2 : 688 ، تهذيب الكمال 20 : 427 ، الثقات لابن حبان 7 : 454 ت 10895 ، قاله عن أبي حاتم .
2- شرح النووي على مسلم 11 : 17 .
3- شرح النهج 11 : 45 ، كتاب سليم بن قيس : 318 .
________________________________________ الصفحة 179 ________________________________________
و يخاف من خادمه ومملوكه ، ولا يحدّثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتُمنَّ عليه(1) .
ولا يخفى عليك بأن محاربة اسم عليٍّ كانت ضمن هذه السياسة المشدّدة ضده(عليه السلام) و إليك بعض النصوص في ذلك .
فجاء في كتاب ( الكافي ) ، عن عبدالرحمن بن محمّد العزرمي ، قال :
استعمل معاو يةُ مروانَ بن الحكم على المدينة ، وأمره أن يفرض لشباب قريش ، ففرض لهم ، فقال علي بن الحسين(عليه السلام) : فاتيته ، فقال : ما اسمك ؟
فقلت : علي بن الحسين .
فقال : ما اسم أخيك ؟
فقلت : علي .
قال : علي وعلي ؟! ما يريد أبوك أن يدع أحداً من ولده إلاّ سمّاه علياً ؟
ثمّ فرض لي ، فرجعت إلى أبي فأخبرته ، فقال : ويلي على ابن الزرقاء دبّاغة الأَدَم ، لو ولد لي مائة لأحببت أن لا أسمّي أحداً منهم إلاّ علياً(2) .
وهذا النصّ يرشدنا إلى أنّ الحساسيّة مع اسم عليّ صُرِّحَ بها علانيةً منذ أن وَليَ المدينة مروان بن الحكم من قبل معاوية ، أي بين سنة 41 هـ وسنة 49 هـ ، وأنّ التسمية بعليّ لم تكن ردة فعل من قبل الطالبيين فحسب ، بل كانت لجمالية هذا الإسم المبارك ومحبوبيّته عند الله ورسوله وأئمّة أهل البيت وتأكيد الله ورسوله عليه .
____________
1- شرح النهج 11 : 45 .
2- الكافي 6 : 19 ح 7 وعنه في وسائل الشيعة 21 : 395 ح 1 .
________________________________________ الصفحة 180 ________________________________________
التسمية بعلي عند أهل البيت
نعم ، جاء التأكيد على التسمية بمحمد وعلي والحسن والحسين وحمزة وفاطمة(1) من قبل أئمّة أهل البيت رغم أنف معاوية ومروان والنواصب ، وتأكيداً لرمزية أهل البيت الممنوحة من قبل الله ورسوله لهم :
فعن محمّد بن عمرو ، أ نّه قال لأبي الحسن [الرضا] (عليه السلام) : ولد لي غلام .
فتبسم ثم فقال(عليه السلام) : سمَّيْتَهُ ؟
قلت : لا .
قال : سمّه علياً ، فإنّ أبي كان إذا أبطات عليه جارية من جواريه قال لها : يا فلانة ، انوي عليّاً ، فلا تلبث أن تحمل فتلد غلاماً(2) .
وعن الحسين بن سعيد قال : كنت أنا وابن غيلان المدائني دخلنا على أبي الحسن الرضا(عليه السلام) ، فقال له ابن غيلان :
أصلحك الله بلغني أنّ من كان له حمل فنوى أن يسمّيه محمّداً ولد له غلام ؟ فقال(عليه السلام) : من كان له حمل فنوى أن يسمّيه عليّاً ولد له غلام ، ثمّ قال : عليّ محمّد ، ومحمّد علي ; شيئاً واحداً .
قال : أصلحك الله إنّي خلّفت امرأتي وبها حَبَلٌ ، فادعُ الله أن يجعله غلاماً ، فأطرق إلى الأرض طويلاً ثم رفع رأسه فقال : سَمِّه علياً فإنه أطول لعمره ، فدخلنا مكّة فوافانا كتاب من
____________
1- مستدرك وسائل الشيعة 15 : 131 باب 17 في استحباب التسميه أحمد والحسن والحسين وجعفر وطالب وعبدالله وفاطمة .
2- الكافي 6 : 10 ح 11 ، وعنه في وسائل الشيعة 21 : 377 ح 6 .
________________________________________ الصفحة 181 ________________________________________
المدائن أ نّه قد ولد له غلام(1) .
وفي الخرائج والجرائح للراوندي والثاقب في المناقب لابن حمزة الطوسي ، والنصّ عن الثاني :
روي عن بكر بن صالح ، قال : قلت للرضا(عليه السلام) : امرأتي ـ أخت محمّد بن سنان ـ بها حبل ، فادع الله تعالى أن يجعله ذكراً ، قال : هما اثنان ، فقلت في نفسي : محمّد وعليّ ، فدعاني بعد انصرافي ، فقال : سمّ واحداً عليّاً والأُخرى أمّ عمرو .
فقدمت الكوفة وقد ولد لي غلام وجارية في بطن واحد ، فسمّيت كما أمرني ، فقلت لأمّي : ما معنى أمّ عمرو ؟
فقالت : ان أمّي كانت تُدعَى أُمّ عمرو(2) .
انّ محبوبيّة التسمية باسم عليّ لم يكن مختصّاً بالعهد الأموي أو العباسيّ أو من بعدهما لأنّ التسمية بعليّ كان محبوباً ومنذ ولادة الإمام عليّ ـ لأ نّه اسم جميل ومشتقّ من الله العليّ ـ وسيبقى محبوباً حتّى يوم القيامة ، وهو اسم رائج عند المؤمنين قد يغلب على الأسماء الأخرى عندهم ، وهذا كان يؤذي أعداء أهل البيت وخصوصاً الأمويين منهم ، الذين كانوا يحاولون جادين لطمس رمزية هذا الاسم واستبداله برمزية أسمائهم .
فقد كان معاوية يحبّ أن يُخلّد اسمه ، وأن يصبح رمزاً كعمر بن الخطاب و إن يكون اسمه مثل اسم محمّد ، يحيى ، داود ، إبراهيم ، موسى ، عيسى وغيرهم ، فقد قال ابن أبي الحديد :
ولد لعبدالله بن جعفر بن أبي طالب ولد ذكر فبُشِّرَ به وهو عند
____________
1- الكافي 6 : 11 ح 2 ، وسائل الشيعة 21 : 376 ح 1 .
2- الخرائج والجرائح للراوندي 1 : 362 ح 17 ، الثاقب في المناقب : 214 ح 17 .
________________________________________ الصفحة 182 ________________________________________
معاوية بن أبي سفيان، فقال له معاوية : سَمِّه باسمي ولك خمسمائة ألف درهم ، فسمّاه : معاويةَ ، فدفعها إليه ، وقال : اشتر بها لسميّي ضيعة(1) .
وحكي عن معاوية بن عبدالله بن جعفر هذا أ نّه كان صديقاً ليزيد بن معاو ية بن أبي سفيان خاصّاً به ، والأخير سمّى ابن معاوية بن عبدالله بن جعفر باسمه(2) .
وهذان النصّان ونص تسمية عمر تشير إلى أنّ عمر ومعاوية وابنه يزيد كانوا يحبون أن يسمّي الناس أولادهم بأسمائهم ، واهبين الهدايا لمّن يسمي بأسمائهم ، وفي المقابل كان معاوية واتباعه يقتلون كل من تسمّى بعلي والحسن والحسين(3) ، أي أ نّهم يحبّون أن يسمّي الناس أولادهم بخالد ، و يزيد ، ومعاوية و يعطون على ذلك بدلا و يخالفون التسمية بعلي والحسن والحسين(4) .
من هنا بدأت حرب الأسماء تستعر شيئاً فشيئاً ، لأنّ الطلقاء جنّدوا بعض الأسماء لصالحهم ومنعوا من أسماء أخرى .
وقد كان عبدالله بن جعفر وابنه معاوية بعده الوحيدَين من الهاشميين اللَّذين تعاطفا مع معاوية و يزيد وسمَّيا أولادهما بمعاوية ويزيد ، مضافاً إلى تسمية عبدالله بن جعفر ابناً آخر له باسم أبي بكر ، وقيل بأن هذا كان كنية لابنه محمّد الأصغر وليس هو باسم لَهُ ، لكن الأمويين والعباسين حرفوه وجعلوه اسماً ، كلّ هذه الأمور دعت الهاشميين إلى أن يهجروا عبدالله بن جعفر .
____________
1- شرح نهج البلاغة 19 : 369 ، الاعلام للزركلي 7 : 262 ، وانظر الغارات 2 : 695 ، وفيه قال : سمه باسمي ولك مائة الف درهم ، ففعل لحاجته وأعطاه معاوية المال فوهبه عبدالله للذي بشره به .
2- انظر تاريخ دمشق 59 : 246 ، الأغاني 12 : 261 .
3- من قبل معاوية على وجه الخصوص .
4- انظر دراسات عن المورخين العرب لمارجليوت وتاريخ المسعودي حوادث 212 هـ .
________________________________________ الصفحة 183 ________________________________________
قال ابن إسحاق : لم يسمّ أحد من بني هاشم ولده بمعاوية إلاّ عبدالله بن جعفر ، ولمّا سمّاه هجره بنو هاشم ، فلم يكلّموه حتى توفّي(1) .
ولا يخفى عليك إنّ هجر الطالبيين لعبدالله بن جعفر كان لهيجان عاطفي أصابهم ، وهو أمر وجداني يصيب كل أحد ، لأ نّهم كانوا يرون أنفسهم مظلومين ، فمن جهة يرون الأمويين يشعلون نار الفتنة بين الناس و يثيرون الحساسيات بين الهاشميين وبين الأنصار .
ومن جهة أخرى يستغلّون أبناء الصحابة واخوانهم في حروبهم وفي مواقفهم ضد الطالبيين ، فأبناء أبي طالب لم يرتضوا التسمية بمعاوية ويزيد في ظروفهم العادية ، وان كانوا قد سمو ـ في ظروف خاصة ـ اولادهم بإسماء الثلاثة .
وقد يمكننا أن نعذر عبدالله بن جعفر ، لأن الطالبيين عموماً والعلويين بوجه خاص كانوا يمرون بضغوط مالية ومعنوية عالية ، فالبعض منهم كان يصبر ، والآخر كان لا يطيق الصبر . مثل عبدالله بن جعفر .
فإنّ عبدالله بن جعفر كان في ركاب عمّه أميرالمؤمنين في خلافته وبيعته وحروبه . لكنّ الحقد الأموي وأَخْذَ الخمس والفيء وفدك وغيرها من آل البيت ، جعلهم يرزحون تحت وطأة الضغوطات اللئيمة ، ومثل هذا ستراه في مواقف عمر الأطرف ابن أمير المؤمنين(2) .
فغصب فدك وأخذ الخمس والفيء من قبل الشيخين ، هو نفسه نهج معاوية والأمويين بزيادةِ قطع عطاء الشيعة وخصوصاً لمن سُمّي بـ ( عليّ ) ، وان هذه الضغوط تخرج الانسان من نصابه وخصوصاً حينما نراهم يذبحون و يسجنون كلّ من ينتمي لأهل البيت ولو بالاسم ، بل الأمويون كانوا يودّون أن لا يبقى من
____________
1- تذكرة الخواص : 175 .
2- في صفحة 348 .
________________________________________ الصفحة 184 ________________________________________
بني هاشم نافخ ضرمة حسبما سيتضح لك في الصفحات القليلة القادمة .
معاوية وأبادته للهاشميين
جاء في عيون الأخبار لابن قتيبة ، عن أبي الأغرّ التميمي : إنّ رجلا من أهل الشام يُعرف بعرار بن أدهم طلب براز العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب يوم صفّين بقوله : يا عبّاس ، هلمّ إلى البراز !
قال العبّاس : فالنزول إذاً فإنّه إياسٌ من القفول ; فنزل الشاميّ ، وهو يقول :
إن تركبوا فرُكوبُ الخيلِ عادَتُنا أو تنزلون فإنّا مَعْشَرٌ نُزُلُ
وثنى العباس وِركَهُ منزل ، وهو يقول :
وتصدّ عنك مَخِيلَة الرّجُل العرِّيض موضحِةٌ عن العَظمِ
بحُسامِ سيفك أو لسانِك والكَلِمُ الأصيلُ كأرغَبِ الكَلمِ
... فتكافحا بسيفيهما مَليّاً من نهارهما ; لا يصل واحدٌ منهما إلى صاحبه لكمال لامته ; إلى أن لحظ العبّاس وَهْياً في درع الشاميّ ، فأهوى إليه بيده ، فهتكه إلى ثُنْدُوَته ، ثمّ عاد لمجاولته وقد أصحر له مفتَّق الدرع ، فضربه العباس ضربَةً انتظم بها جوانحَ صدره ، وضرّ الشاميّ لوجهه ، وكبّر الناس تكبيرة ارتجّت لها الأرض من تحتهم ، وأنشَامَ العباس في الناس وآتساع أمره ، و إذا قائل يقول من ورائي : ( قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَ يُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْم مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن يَشَاءُ )(1) ، فالتفتُّ وإذا أميرالمؤمنين(رضي الله عنه) علي بن أبي طالب ، فقال : يا أبا الأغرّ ، من المنازل لعدوَّنا ؟
فقلت : هذا ابن أخيكم ، هذا العباس بن ربيعة . فقال : و إنّه لهو ! يا عبّاس ألم
________________________________________ الصفحة 185 ________________________________________
أنهَك ، وابنَ عبّاس [وحسناً وحسيناً وعبدالله بن جعفر] (2) أن تُخِلاّ بمركزكما ، أو تباشرا حرباً ؟ قال : إنّ ذلك يعني نعم ، قال : فما عَدا ممّا بدا ؟! قال : فأُدعَى إلى البراز فلا أجيب ؟ قال : نعم طاعة إمامك أولى بك من إجابة عدوّك ، ثمّ تغيّظ واستشاط حتّى قلت : الساعة الساعة . ثمّ تطامن وسكن ، ورفع يديه مبتهلا ، فقال : اللهمّ اشكر للعباس مقامه ، واغفر له ذنبه ، إنّي قد غفرتُ له ، فاغفر له .
قال : وتأسف معاوية على عرار ، وقال : متى يَنطِفُ فحلٌ بمثله ! أيُطَلّ دمه ! لاها الله ذا ! ألا رجلٌ يشري نفسه لله ، يطلُب بدم عرار ؟ فانتدَب له رجلان من لَخْم فقال : اذهبا ، فأ يّكما قتل العباس بِرازاً فله كذا .
فأتياه ، ودعواه إلى ابراز ، فقال : إنّ لي سيّداً أريد أن أؤامره ؟
فأتي عليّاً عليه السّلام ، فأخبره الخبر .
فقال عليّ(عليه السلام) ، والله لودّ معاوية أ نّه ما بقِيَ من بني هاشم نافخ ضَرمة إلاّ طُعِنَ في نيطه(3) ، إطفاءً لنور الله ( وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ )(4) .
وفي كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي : أنّ معاوية أقبل على عبيدالله بن عمر ـ وقد كان في جيشه ـ محرّضاً إياه على مبارزة الإمام علي أو مبارزه أحد ولده ، فقال له :
يا بن أخ ! هذا يوم من أيّامك ، فلا عليك أن يكون منك اليوم بما يسرّ به أهل الشام ، فخرج عبيدالله بن عمر وعليه درعان سابغان ... فذهب محمّد ابن الحنفية ليخرج إليه ، فصاح به علي : مكانك يا بني ! لا تخرج إليه(5) .
إنّ الإمام عليّ بن أبي طالب كان قد أخبر عن قلّة أنصاره يوم السقيفة ـ وهو
____________
1- التوبة : 14 ـ 15 .
2- الزيادة من تفسير العياشي 2 : 81 سورة براءة قوله تعالى ( و يشف صدور قوم مؤمنين ) .
3- وفي نسخة بطنه .
4- عيون الأخبار 1 : 274 ، وعنه في شرح نهج البلاغة 5 : 219 ـ 221 ، الآية في : التوبة : 32 .
5- الفتوح لابن الاعثم 3 : 128 ـ 129 .
________________________________________ الصفحة 186 ________________________________________
العالم اليوم بمخطط قريش المشؤوم وسعيهم لإبادة أهل بيته ـ فقال :
( فَنَظِرتُ فَإذا لَيسَ لي رَافِدٌ ولا ذَابٌّ وَلا مُساعِدٌ إلاّ أَهلَ بَيتي فَضَننْتُ بِهِم عَنِ المَنيّةِ فأَغضَيتُ عَلى القَذَى ... )(1) .
قالها (عليه السلام) ليس خوفاً من القتل بما هو قتل ، ولا بما أ نّهم أهل بيته وعشيرته ، بل لكونهم المحامين الرساليين للرسالة المحمدية ، ولولاهم لما اخضر للدين عود ، مع وجود هؤلاء الأعداء الالداء للإسلام فجاء في كتاب له إلى معاوية :
( وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذا احمَرَّ البَأسُ قَدَّمَ أَهْلَ بَيتِهِ فَوَقَى بِهِمْ أَصحَابَهُ حَرَّ السُّيُوفِ والأَسِنَّةِ )(2) .
فالإمام عليّ بهذه الكلمات كان يريد أن يُعلم معاوية بأنّ ليس له المزايدة عليه في اهتمامه بأصحاب رسول الله وأ نّه لا يريد برازهم لأ نّه عرف مخططهم .
إنّ نهي الإمام عليّ لابن عمّه العباس وكذا لابنه محمّد بن الحنفية لم يكن خوفاً من البراز والشهادة ، لأنّ الشهادة هي الطريق الأمثل لكلّ مسلم ، فكيف بأهل بيت الرسول الذين هم أسّ الدين وأساسه .
بل لعلمه بأن معاوية كان يريد الاحتماء بأبناء الخلفاء وزجهم في هكذا أمور تسعيراً للفتنة والأحقاد القديمة ، في حين يدّخر ولده يزيد للحكم القادم ...
وحين جيء بالأسرى من كربلاء إلى الشام طفح حقد يزيد على أهل البيت وعلى اسم عليٍّ بالذات ، فقد التفت إلى عليّ بن الحسين فقال : ما اسمك ؟
فقال : أنا عليّ بن الحسين ، فقال : أليس قد قتل الله عليّ بن الحسين ؟ فقال عليّ(عليه السلام) : قد كان لي أخ [أكبر منّي] يسمّى عليّاً فقتلتموه ، فقال له يزيد : (وَمَآ أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَة فَبَِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) .
فقال علي بن الحسين(عليه السلام) : ( مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَة فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ
____________
1- نهج البلاغة : 336 ، من كلام له(عليه السلام) 217 .
2- نهج البلاغة : 368 ، من كتاب له(عليه السلام) إلى معاوية 9 .
________________________________________ الصفحة 187 ________________________________________
إِلاَّ فِي كِتَاب مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ أَ تَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور )(1) ...
فقال : بل الله قتله ، فقال عليّ : ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا )(2) .
كانت هذه صورة إجمالية عن المخطط الأموي وهدف معاوية و يزيد في القضاء على الإمام عليّ وأولاده وأهله وعشيرته ، وأنّ الممانعة من التسمية بأسمائهم كانت على رأس المخطط ، وان الأمويون كانوا يتعرّفون على الاتجاهات الفكرية عند المسلمين من خلال التسميات .
وفي المقابل كان الإمام أميرالمؤمنين والإمام الحسن والإمام زين العابدين يسمون ـ أو قل يقبلون التسمية ـ بأسماء الخلفاء ولا يهابون من اطلاق هذه الأسماء على اولادهم ، كل ذلك لكي يجوّزوا هذه التسميات لشيعتهم ، والقول بأن لا ضير من التسمية بأمثال هذه الأسماء لو ضاق بهم الأمر ، خصوصاً إذا كان في تلك التسميات إفشالٌ للمخطط الأموي الرامي لتسعير حرب الأسماء وعزل الشيعة والتعرف عليهم من خلال الأسماء .
الأمويون والتسمية بمعاوية والوليد وخالد
والمنع من التسمية بعليّ والحسن والحسين
إنّ الأمويين كانوا يستغلّون عواطف الأمة والخلافات الموجودة بين الصحابة أبشع استغلال ، ترسيخاً لحكمهم وتثقيفاً للأمة على بغض آل البيت ، وأ نّهم بتقديسهم للخلفاء ، أخذوا يُكرِّهون أهل البيت للناس ، لأ نّهم قالوا كذا وكذا عن فلان وفلان ، بهذه السياسة أَخذو يحوّلون الناس عن التسمية بهذه الأسماء المباركة .
____________
1- مقاتل الطالبيين : 80 ، وانظر تفسير القمي 2 : 277 ، الارشاد ، للمفيد 2 : 115 ـ 116 ، اللهوف في قتلى الطفوف ، لابن طاووس 93 ـ 95 ، وفيه زيادة على ما جاء في الارشاد .
2- الزمر : 42 .
________________________________________ الصفحة 188 ________________________________________
روى أبو الحسن المدائني [عن أبي سلمة الأنصاري أنه] قال : حدّثني رجل ، قال : كنت بالشّام فجعلت لا أسمع أحداً يسمّي أحداً أو يناديه : يا علي ، أو يا حسن ، أو يا حسين ، و إنّما أسمع يا معاوية ، والوليد ، و يزيد ، حتّى مررت برجل فاستسقيته ماء ، فجعل ينادي : يا علي ، يا حسن ، يا حسين ، فقلت : يا هذا إنّ أهل الشام لا يسمّون بهذه الأسماء !
قال : صدقت ، إنّهم يسمّون أبناءهم بأسماء الخلفاء ، فإذا لعن أحدهم ولده أو شتمه فقد لعن اسم بعض الخلفاء ، و إنّما سمّيت أولادي بأسماء أعداء الله [و يعني بذلك آل البيت الأطهار] فإذا شتمتُ أحدهم أو لعنته فإنّما ألعن أعداء الله(1) .
وهذا النص يذكرنا بعدة نقاط :
أحدها : عدم وجود اسم علي والحسن والحسين في الشام إلاّ نادراً جدّاً جدّاً .
الثانية : شيوع أسماء أمثال الوليد ، ومعاوية ، ويزيد فيها .
الثالثة : إنّ الرجل المحبّ لآل البيت فرح واسترّ لمّا سمع شخصاً ينادي أولاده بأسماء ائمّة أهل البيت ، لكنّه سرعان ما خاب ظنّه وعلم أ نّه إنمّا سمّاهم بهذه الأسماء تنكيلا بهم ولكي يلعنهم .
الرابعة : إنّ ظاهرة اللّعن ليست مختصة بالشيعة كما يقولون ، بل كانت متفشية وشائعة بشكل عدائي مبرمج عند الأمويين ، بل إنّهم هم الذين سنّوا لعن عليٍّ من على المنابر .
____________
1- شرح نهج البلاغة 7 : 159 . وانظر تاريخ الإسلام للذهبي 16 : 290 ـ 291 ( حوادث ووفيات 221 ـ 230 ) وفيه اضافه : فقلت : حسبك خير أهل الشام وإذا ليس في جهم شرٌ منكم ، فقال المأمون : لا جرم قد جعل الله من يلعن احياءهم وأمواتهم ومن في الاصلاب ، يعني لعن الشيعة للناصبة .
________________________________________ الصفحة 189 ________________________________________
الخامسة : إنّ هذا الزاهد من أهل الشام !! كان يتحرّج من لعن أهل الشام أسماء الخلفاء ، فاستبدل أسماءهم بأسماء أهل البيت !!!
و يؤكّد مبغوضية اسم علي والحسن والحسين في الحكومة الأموية ما رواه الصدوق بسنده عن الاعمش أ نّه قال : بعث إليّ أبو جعفر الدوانيقي في جوف الليل أن أَجِبْ ، قال : فبقيت متفكّراً فيما بيني وبين نفسي وقلت : ما بعث إليّ أميرالمؤمنين في هذه الساعة إلاّ ليسألني عن فضائل عليّ(عليه السلام) ، ولعلّي إن أخبرته قتلني .
قال : فكتبت وصيّتي ولبست كفني ودخلت عليه ، فقال : أُدْنُ ، فدنوت منه وعنده عمرو بن عبيد ، فلمّا رأيته طابت نفسي شيئاً ، ثمّ قال : أُدْنُ ، فدنوتُ حتّى كادت تمسّ ركبتي ركبته ، قال : فوجد منّي رائحة الحنوط فقال : والله لتصدقني أو لأصلبنّك .
قلت : ما حاجتك يا أميرالمؤمنين ؟
قال : ما شأنك متحنّطاً ؟
قلت : أتاني رسولك في جوف الليل أن أجِبْ ، فقلت : عسى أن يكون أميرالمؤمنين بعث إليّ في هذه الساعة ليسألني عن فضائل علي(عليه السلام) ، فلعلّي إن أخبرته قتلني ، فكتبت وصيّتي ولبست كفني .
قال : وكان متّكئاً فاستوى قاعداً ، فقال : لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، سألتك بالله يا سليمان كم حديثاً ترويه في فضائل عليّ(عليه السلام) ؟
قال : فقلت : يسيراً يا أميرالمؤمنين .
قال : كم .
قلت : عشرة آلاف حديث وما زاد .
فقال : يا سليمان والله لأحدّثنّك بحديث في فضائل عليّ(عليه السلام) تنسى كلّ حديث سمعته .
قال : قلت : حدّثني يا أميرالمؤمنين .
________________________________________ الصفحة 190 ________________________________________
قال : نعم ، كنت هارباً من بني أميّة وكنت أتردّد في البلدان فأتقرّب إلى الناس بفضائل عليّ ، وكانوا يطعموني ويزودوني ، حتّى وردت بلاد الشام و إنّي لفي كساء خَلِق ما عليّ غيره ، فسمعت الإقامة وأنا جائع ، فدخلت المسجد لأصلّي وفي نفسي أن أُكلّم الناس في عشاء يعشّوني .
فلمّا سلّم الإمام دخل المسجد صَبِيّانِ ، فالتفتَ الإمامُ إليهما ، وقال : مرحباً بكما ومرحباً بمن اسمكما على اسمهما ، فكان إلى جنبي شابّ ، فقلت : يا شابّ ما الصَّبِيَّان من الشيخ ؟
قال : هو جدّهما ، وليس بالمدينة أحدٌ يحبّ عليّاً غير هذا الشيخ ، فلذلك سمّى أحدهما الحسن والآخر الحسين .
فقمت فرحاً ، فقلت للشيخ : هل لك في حديث أقرّ به عينك ، فقال : إن أقررتَ عيني أقررتُ عينك .
قال : فقلت : حدّثني والدي ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : كنّا قعوداً عند رسول الله إذ جاءت فاطمة تبكي ، فقال لها النبيّ(صلى الله عليه وآله) ما يبكيك يا فاطمة ؟ قالت : يا أبه خرج الحسن والحسين فما أدري أين باتا ... ـ والخبر طويل وفي آخره ـ قال : ـ فلمّا قلت ذلك للشيخ قال : من أنت يا فتى ؟
قلت : من أهل الكوفة .
قال : أعربيّ أنت ، أم مولى ؟
قلت : بل عربيّ .
قال : فأنت تحدث بهذا الحديث وأنت في هذا الكساء ! فكساني خلعته ، وحملني على بغلته . فتبعها بمائة دينار ... إلى أخره(1) .
وهذا الخبر كان قد صدر أ يّام اشتداد ثورة الهاشمين على الأمويين ، أي في أواخر الخكم الأموي ، وهو يدلّ على مدى ترسّخ العداء الأموي لأسماء آل محمّد
____________
1- أمالي الصدوق : 521 ـ 523 ( المجلس السابع والستون ) ، ح 2 .
________________________________________ الصفحة 191 ________________________________________
في الشام معقل الأمويين ، كما يدلّ على وجودِ بعض ضئيل جدّاً ممن لم تَنْطَلِ عليهم ألاعيب ومخططات الأمويين ، كالشيخ الكبير جَدِّ الصبيَّينِ .
هذا من جانب ، ومن جانب آخر فإنه يدلّ على مدى لؤم المنصور العباسي الذي كان يعيش تحت ظل فضائل أمير المؤمنين علي(عليه السلام) ، ثمّ لمّا تسلّم أمور السلطة غرز أنيابه وأنشب مخالبه في أولاد أمير المؤمنين(عليه السلام) .
تغيير الأمويين لبعض المفاهيم والأسماء
إنّ الأمويين لم يكونوا صادقين في إسلامهم ، بل كانوا يريدون الوقيعة بمحمد وآل بيته ، والاستخفاف بالمقدّسات ، فشبهوا رسول الله برجل من خزاعة لم يوافقه أحد من العرب كان يعبد الشِّعرى ، يعرف بـ ( أبي كبشة ) .
وغيروا اسم مدينة رسول الله من ( طيبة ) الى ( نتنة ) أو ( خبيثة ) ، وسمّوا بئر نبي الله إبراهيم زمزم بـ ( أمّ الخنافس ) أو ( أمّ الجعلان ) ، وقالوا عن الخليفة أ نّه أهمّ من رسول الله ، وركّزوا على التنقيص بعلي وكنية أبي تراب إلى غيرها من عشرات الكلمات البذيئة .
( ابن أبي كبشة ) هي الكنية التي كانت قريش تعيّر بها رسول الله ، فعن خالد بن سعيد : إنّ أباه سعيد بن العاص بن اُمية مرض مرضاً شديداً ، فقال : لئن شفاني الله من وجعي هذا لا يعبد إله محمّد بن أبي كبشة ببطن مكة ، قال خالد : فهلك(1) .
وفي المستدرك للحاكم ، عن بن العباس : إنّ أبا سفيان قال يوم أحد وهو يصيح في أسفل الجبل : اُعْلُ هبل ، أعْلُ هبل ، يعني آلهته ، أين ابن أبي كبشة ...(2) .
____________
1- المعجم الكبير 4 : 195 ح 4119 ، ومجمع الزوائد 6 : 19 ، طبقات ابن سعد 4 : 95 ، تاريخ دمشق 16 : 76 .
2- المستدرك على الصحيحين 2 : 324 ح 3163 ، المعجم الكبير 10 : 301 ح 10731 ، البداية والنهاية 3 : 246 .
________________________________________ الصفحة 192 ________________________________________
وجاء في صحيح البخاري خبر لقاء أبي سفيان برسول قيصر ببعض الشام والذهاب معه إلى قيصر لقراءة رسالة رسول الله إليه ، وبعد قراءة الرسالة خرج وهو يقول : لقد أَمِرَ أَ مْرُ ابن أبي كبشة ، هذا مَلِكُ بني الأصفر يخافه ، قال أبو سفيان : والله مازلت ذليلاً مستيقناً بأنّ أمره سيظهر حتى أدخل الله قلبي الإسلام وأنا كاره(1) .
وعن أبي هريرة ، قال : مرّ رسول الله بعبدالله بن أبيّ وهو في ظل أُطُم فقال: عبر علينا ابن أبي كبشة .
فقال ابنه عبدالله بن عبدالله: يا رسول الله والذي أكرمك لئن شئت لآئتينَّك برأسه .
فقال: ولكن بِرَّ أباك وأحسن صحبته، رواه البزار ورجاله ثقات(2) .
وفي المصنف : إنّ أمّ جميل أخت عمر أسلمت و إن عندها كتباً أكتتبتها من القرآن نقرأه سراً وحدث أ نّها لا تأكل من الميتة التي يأكل منها عمر، فدخل عليها يوماً عمر فقال: ما الكَتِفُ الذي ذكر لي عندك تقرئين فيها ما يقول ابن أبي كبشة؟ يريد رسول الله(3) .
وجاء عن معاوية أ نّه قال ـ للمغيرة حينما طلب منه أن يصل بني هاشم لأ نّه أبقى لذكره ـ قال: هيهات هيهات ، أيّ ذكر أرجو بقاءه؟ ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل فما عدا أن هلك حتّى هلك ذكره إلاّ أن يقول قائل : أبوبكر.
ثمّ ملك أخو عدي فاجتهد وشمّر عشر سنين ، فما عدا أن هلك حتّى هلك
____________
1- صحيح البخاري 3 : 1074 ـ 1076 ح 2782 ، مسند أحمد بن حنبل 1 : 262 ح 2370 ، مسند أبي عوانة 4 : 268 ـ 271 ح 6727 .
2- مجمع الزوائد 9 : 318 .
3- المصنف لعبدالرزاق الصنعاني 5 : 325 ـ 326 .
________________________________________ الصفحة 193 ________________________________________
ذكره إلاّ أن يقول قائل : عمر.
و إنّ ابن أبي كبشة ليُصاح به كلّ يوم خمس مرّات ( أشهد أنّ محمّدا رسول الله )، فأيّ عمل يبقى؟ وأيّ ذكر يدوم بعد هذا لا أباً لك؟ لا والله إلاّ دفناً دفناً(1).
وفي تفسير فرات الكوفي: إنّ رسول الله كان من أحسن الناس صوتاً بالقرآن ، فإذا قام من الليل يصلّي جاء أبوجهل والمشركون يستمعون قراءته ، فإذا قال ( بسم الله الرحمن الرحيم ) وضعوا أصابعهم في آذانهم وهربوا، فإذا فرغ من ذلك جاؤوا فاستمعوا، وكان أبوجهل يقول: إنّ ابن أبي كبشة ليردّد اسم ربّه، إنّه ليحبّه ، فقال الإمام جعفر الصادق(عليه السلام): صدق وإن كان كذوبا(2) .
ومن خلال النص الأخير نعرف سرّ إخفات الآخرين بالبسملة أو تركهم لها، وفي الطرف المقابل إصرار أهل البيت على الجهر بها وجعلها من علائم المؤمن(3) ، وهذا ما سأبحثه لاحقاً في مبحث البسملة من كتابي (صلاة النبي) .
وعلى كلّ حال ، فإنّ من الغرابة بمكان ما فعله النووي(4) حيث إنّه بعد أن وقف على أقوال أبي جهل ، وأبي سفيان ، ومعاوية ، وعبدالله بن أبيّ ، وسعيد بن العاص بن أميّة ، أراد التقليل من وطأة هذه الكنية والقول بأ نّها كنية لجدّ رسول الله من قِبَلِ أمّه ; أي لعمرو بن زيد النجاري ، ثم قال : وقيل : هي كنية لأبيه من الرضاعة أي زوج حليمة ; وهو الحارث بن عبدالعزى السعدي ، في حين أنّ النووي يعلم كغيره بأنّ ما قالوه وكنّوه إنّما قالوه عداوة له(صلى الله عليه وآله) ونَبْزاً ، لا حبّا به ولا إخباراً عن نسبه وسببه، فلو كانت تعييراً لرسول الله فهي أولى أن تكون كنية لذلك الرجل من
____________
1- شرح النهج 5 : 129 ـ 130، وفي مروج الذهب 3 : 454 ، قيل إنّ المأمون لما سمع هذا الخبر أمر منادياً يقول: برئنا من أحد من الناس ذكر معاوية بخير أو قدّمه على أحد من أصحاب رسول الله .
2- مستدرك وسائل الشيعة 4 : 185 ح 5 عن تفسير فرات الكوفي : 242 .
3- التهذيب 6 : 52 ح 37 ، وسائل الشيعة 14 : 478 ح 1 .
4- شرح مسلم للنووي 12 : 110 ـ 111 .
________________________________________ الصفحة 194 ________________________________________
خزاعة الذي قال عنه النووي : ( كان يعبد الشِّعْرى ولم يوافقه أحد من العرب في عبادته ; شبّهوا النبيّ به لمخالفته إيّاهم في دينهم كما خالفهم أبوكبشة )(1) . ومناسبة النبز واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار .
ذكر ابن عساكر بسنده عن محمّد بن عمارة ، قال: قدمت الشام في تجارة، فقال لي رجل: من أنت ؟
فقلت: رجل من المدينة .
قال: خبيثة !
فقلت: سبحان الله ! يسمّيها رسول الله طيّبة وتقول أنت : خبيثة !!
قال: إنّ لي ولها شأنا(2) .
وعن أبي معشر : قال لي رجل: بينا أنا في أسواق الشام إذا برجل ضخم، فقال لي: ممن أنت؟
قلت: رجل من أهل المدينة.
قال: من أهل الخبيثة !
فقلت له: سبحان الله ! رسول الله سمّاها ( طيّبة ) وسمّيتها خبيثة(3) !!
وفي أنساب الأشراف للبلاذري: إنّ يحيى بن الحكم بن أبي العاص جرى بينه وبين عبدالله بن جعفر كلام، فقال يحيى: كيف تركت الخبيثة؟ يعني المدينة.
فقال: سمّاها رسول الله طيّبة وتسميها خبيثة؟!! قد اختلفتما في الدنيا وستختلفان في الآخرة.
فقال [ابن أبي العاص] : والله لَئِنْ أموت ، أُدفن بالشام ـ الأرض المقدسّة ـ
____________
1- شرح مسلم للنووي 12 : 110 ـ 111 .
2- تاريخ دمشق 55 : 13 ، الكامل في التاريخ 3 : 461 .
3- الإمامة والسياسة لابن قتيبة : 184 .
________________________________________ الصفحة 195 ________________________________________
أحبُّ إليَّ من أن أدفن بها!
فقال عبدالله: اخترتَ مجاورة اليهود والنصارى على مجاورة رسول الله والمهاجرين والأنصار(1).
وجاء في مروج الذهب : أنّ مسلم بن عقبة ـ الذي يقال له : مسرف أو مجرم بن عقبة المُرِّي ـ استباح المدينة بعد واقعة الطف ، وأخاف أهلها ، وأخذ البيعة منهم على أ نّهم عبيد ليزيد ، وسمّى المدينة ( نتنة ) ، وقد سمّاها رسول الله طيبة(2).
وذكر أصحاب السير والتاريخ : أنّ معاوية لمّا تغلّب على الأمر قيل له: لو سكنت المدينة فهي دار الهجرة وبها قبر رسول الله.
فقال: قد ظللتُ إذاً وما أنا من المهتدين(3).
لأ نّه كان يسعى لبناء مجد خاصّ به وبالأمويين، ولو تأ مّلت في النصوص السابقة لعرفت اختلاف المنهجين، فيحيى بن الحكم بن أبي العاص يعتبر الشام الأرض المقدّسة وأن الدفن فيها أحب إليه من الدفن في مدينة الرسول، في حين عبدالله بن جعفر يقول له: اخترتَ مجاورة اليهود والنصارى على مجاورة رسول الله والمهاجرين والأنصار.
ومسرف بن عقبة يصف مدينة رسول الله بـ ( النتنة ) مخالفاً بذلك رسول الله الذي سمّاها طيبة ، ومعاوية يقول عن سكونه في المدنية : قد ظللت.
بلى ، أنّها حرب الأسماء ، فإنهم رووا أحاديث كثيرة في فضل الشام ومعاوية
وأبي سفيان، وروى الواقدي أنّ معاوية لمّا عاد من العراق إلى الشام بعد صلح الإمام الحسن سنة 41 خطب فقال: أ يّها الناس ، إنّ رسول الله قال: إنّك ستلي الخلافة من بعدي! فاخترِ الأرضَ المقدّسة فإنّ فيها الأبدال ، وقد اخترتكم فالعنوا
____________
1- انساب الاشراف 2 : 305 .
2- مروج الذهب 3 : 69 .
3- شرح الأخبار 2 : 165 ، حياة الإمام الحسين 2 : 148 .
________________________________________ الصفحة 196 ________________________________________
أبا تراب ـ أي عليّ بن أبي طالب ـ(1).
عن ابن عيّاش ، قال: كنّا عند عبدالملك بن مروان إذ أتاه كتاب من الحجاج يعظّم فيه أمر الخلافة و يزعم أنّ ما قامت السماوات والأرض إلاّ بها ، وأنّ الخليفة عند الله أفضل من الملائكة المقرّبين والأنبياء المرسلين(2).
وخطب الحجّاج بالكوفة فذكر الّذين يزورون قبر رسول الله(صلى الله عليه وآله) بالمدينة، فقال: تبّاً لهم! إنّما يطوفون بأعواد ورِمّة بالية! هلاّ طافوا بقصر أميرالمؤمنين عبدالملك! ألا يعلمون أنّ خليفة المرء خير من رسوله(3).
وخطب خالد بن عبدالله القسري على منبر مكّة فقال : أ يّها الناس أ يّهما أعظم أخليفة الرجل على أهله أم رسوله إليهم ؟ والله لو لم تعلموا فضل الخليفة الا أنّ إبراهيم خليل الرحمن استسقى ربّه فسقاه ملحاً أجاجاً ، واستسقاه الخليفة فسقاه عذباً فراتاً ، يعني بئراً حفرها الوليد بن عبدالملك بالثنيتين ـ ثنية طوى وثنية الحجون ـ فكان ينقل ماؤها فيوضع في حوض من أدم إلى جنب زمزم ليعرف فضله على زمزم(4) .
وفي الكامل للمبرد: وممّا كفّر به الفقهاءُ الحجّاجَ بنَ يوسف، أ نّه رأى الناس يطوفون حول حُجْرة رسول الله فقال: إنّما تطوفون بأعواد ورِمَّة ، قال الدميري في
____________
1- شرح نهج البلاغة 4 : 72 وفيه : فلما كان من الغد كتب ( معاوية ) كتاباً ثم جمعهم فقرأه عليهم ، وفيه : هذا كتاب كتبه أمير المؤمنين معاوية صاحب وحي الله الذي بعث محمّد اً نبياً ، وكان أمياً لا يقرأ ولا يكتب ، فاصطفى له من أهله وزيراً كاتباً أميناً ، فكان الوحي ينزل على محمّد وأنا اكتبه ، وهو لا يعلم ما أكتب ، فلم يكن بيني وبين الله أحد من خلقه ، فقال له الحاضرون كلهم: صدقت يا أميرالمؤمنين .
2- العقد الفريد 5 : 310 .
3- شرح نهج البلاغة 15: 242 .
4- تاريخ الطبري 5 : 222 ، جمهرة خطب العرب 2 : 322 ، الخطبة 308 .
________________________________________ الصفحة 197 ________________________________________
الحيوان و إنّما كفّروه بهذا لأنّ في هذا الكلام تكذيباً لرسول الله ـ نعوذ بالله من اعتقاد ذلك ـ فإنّه صحّ عنه أ نّه قال: إنّ الله عزّ وجلّ حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء(1).
وفي أنساب الأشراف : حدّثني عبدالله بن صالح ، عن حمزة الزيّات أ نّه سمعه يقول: وذكر الحجاج : إنّه أرسل الى مطرف بن المغيرة بن شعبة وكان يتألّه ، فقال له: يا مطرف ، أرسولك أكرم عليك أم خليفتك في أهلك؟
فقال: بل خليفتي أكرم.
قال الحجاج: فإنّ عبدالملك خليفة الله في عباده ، فهو أكرم عليه من محمّد وغيره من الرسل. فوقرت في نفس مطرف واختبأها وقال: جهادك والله أولى من جهاد الروم، فخرج عليه(2).
وقريب من ذلك ما سمعه المغيرة بن الربيع وخالد الضبّي عنه(3) ، فأقسما أن لا يصلّيا خلفه.
جاء في أنساب الأشراف وتاريخ دمشق : أنّ خالد بن عبدالله القسري ذمّ بئر زمزم، فقال: إنّ زمزم لا تُنزح ولا تُذَمّ، بلى والله إنّها لَتُنْزَحُ وتذمّ، هذا أميرالمؤمنين [و يعني به هشام بن عبدالملك] قد ساق لكم قناة بمكة من حالها وحالها(4).
وفي أنساب الأشراف : وحدّثني محمّد بن سعد الواقدي في إسناده : أنّ خالداً
____________
1- الكامل في اللغة 1 : 179 ، حياة الحيوان للدميري 1 : 247 والحديث في سنن أبي داود 1 : 275 ح 1047 ، 2 : 88 ح 10531 ، سنن ابن ماجة 1 : 345 ح 1085 ، و 1 : 524 ح 1636 ، سنن الدارمي 1 : 445 ح 1572 .
2- أنساب الأشراف 13 : 380 .
3- أنساب الأشراف 7 : 342 ، والمحن 1 : 246 .
4- انساب الاشراف 9 : 58 تاريخ دمشق 16 : 160 .
________________________________________ الصفحة 198 ________________________________________
قال: إنّ نبي الله إسماعيل استسقى ربّه فسقاه ملحاً أجاجا ، وسقي أميرَالمؤمنين عذباً زلالاً بئراً احتفرها له.
وقال أبوعاصم النبيل: ساق خالدٌ الماء إلى مكّة فنصب طستاً إلى جانب زمزم ، ثمّ خطب فقال: قد جئتكم بماء الغادية لا يشبه ماء أمّ الخنافس ، يعني زمزم(1) .
وفي نص آخر: صنع خالد القسري ما بين زمزم والحجر الأسود حوضاً كحوض العباس رضي الله عنه ، وجلب إليه الماء العذب من أصل جبل ثبير ، وكان ينادي مناديه: هلمّوا إلى الماء العذب واتركوا أمّ الخنافس، يعني زمزم، أخزاه الله، فلمّا مضت دولة بني أميّة غيّر أهل مكّة تلك السقاية وهدموها ولم يتركوا لها أثراً(2) .
وفي الأغاني: قال المدائني: وكان له [أي لهشام] عامل يقال له : خالد بن أميّ، وكان يقول: والله لخالد بن أُميّ أفضل أمانة من عليّ بن أبي طالب.
وقال له يوما: أيّما أعظم ، ركيَّتُنا أم زمزم؟ فقال له: أ يّها الأمير من يجعل الماء العذب النقاخ مثل الملح الأجاج ؟! وكان يسمّي زمزم أمَّ الجُعْلان(3).
استغل الأمويون كثيراً من المسلّمات القرآنية والحديثية لماربهم فمثلا استغل معاوية النصّ القرآني ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَب وَتَبَّ )(4) ليقول لأهل الشام: إنّ أبالهب ـ المذموم في القرآن باسمه ـ هو عمّ الإمام عليّ بن أبي طالب، فارتاع أهل الشام
____________
1- انساب الاشراف 9 : 59 وتاريخ دمشق 16 : 160 ـ 161 .
2- الروض المعطار : 293 .
3- الاغاني 22 : 22 وماء جعل ماتت فيه الجعلان ـ وهي دويبة سوداء ـ والخنافس .
4- المسد : 1 .
________________________________________ الصفحة 199 ________________________________________
لذلك، وشتموا عليّاً ولعنوه(1).
فكما ان أبا لهب هو عم لعلي بن أبي طالب فهو أيضاً عمّ لرسول الله أيضا، فالقوم لمّا لم يمكنهم التجريح برسول الله علناً اتخذوا النيل من عليّ وسيلة للنيل من رسول الله ، فالهجوم على عليّ يعني الهجوم على رسول الله وقد مرّ عليك كلام محمّد بن الحنفية وقوله : والله ما يشتم عليّاً إلاّ كافر يُسِرُّ شتمَ رسول الله ; يخاف أن يبوح به فيكنّي بشتم عليّ.
وقد ذكرني فعل معاوية هذا بما فعله مع عقيل ـ وعنده عمرو بن العاص ـ فقال لعمرو: لأضحكنّك من عقيل، فلمّا سلّم عقيل قال معاوية: مرحبا بمن عمّه أبولهب.
قال عقيل: وأهلا برجل عمّته ( حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِن مَسَد )(2) ، لأنّ امرأة أبي لهب أمُّ جميل بنت حرب بن أميّة.
قال معاوية: يا أبا يزيد ما ظنّك بعمّك أبي لهب ؟
قال: إذا دخلتَ النار فخُذْ على يسارك تجده مفترشاً عمّتك حمالة الحطب! أفناكِحٌ في النار خير أم منكوح !
قال: كلاهما شرّ والله(3).
بلى ، ان القوم اتهموا عليا بالكذب على الله وعلى رسوله وذلك دعا أميرالمؤمنين أن يخطب و يقول: ولقد بلغني أ نّكم تقولون : عليّ يكذب، قاتلكم الله ، فعلى من أكذب ؟ أعلى الله فأنا أوّل من آمن به، أم على نبيّه فأنا أوّل من صدّقه(4).
____________
1- شرح نهج البلاغة 2 : 172 .
2- المسد : 4 ـ 5 .
3- شرح نهج البلاغة 4 : 93 امالي المرتضى 1 : 200 .
4- نهج البلاغة 100 ، الخطبة 71 في ذم أهل العراق وانظر كلامنا حول هذا النص في كتابنا منع تدوين الحديث : 519 الطبعة الثالثة وفي الطبعة الرابعة : 557 .
________________________________________ الصفحة 200 ________________________________________
فالقوم هم أبناء القوم، فمعاوية اتّبع أبابكر وعمر(1) في تكذيب علي ، إذ هدّد عمرُ الإمام عليّاً بالقتل إن لم يبايع فقال(عليه السلام): إذن تقتلون عبدالله وأخا رسوله ، فقال عمر: أ مّا عبدالله فنعم ، وأ مّا أخو رسول الله فلا(2).
لا أدري كيف يجرؤ عمر وأبوبكر على إنكار مؤاخاة الإمام علي مع رسول الله، وهذه منقبة شهد العدوّ بها قبل الصديق وقد أراد البعض ان يجعلها لنفسه أيضاً فاُصيب، فعن زيد بن وهب قال: كنّا ذات يوم عند علي فقال : أنا عبدالله وأخو رسوله لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب. فقال رجل من غطفان: والله لأقولنّ كما قال هذا الكذّاب! أنا عبدالله وأخو رسوله. قال: فَصُرِعَ فجعل يضطرب ، فحمله أصحابه ، فاتّبعتهم حتى انتهينا الى دار عُمَارةَ. فقلت لرجل منهم: أخبرني عن صاحبكم ؟ قال: ماذا عليك من أمره؟ فسألتهم بالله ، فقال بعضهم: لا والله ما كنا نعلم به بأسا حتّى قال تلك الكلمة فأصابه ما ترى ، فلم يزل كذلك حتّى مات(3) .
وجاء في تاريخ الطبري أن عبيدالله بن زياد دخل المسجد بعد مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) وصعد المنبر وقال:... وقتل الكذَّابَ ابنَ الكذَّاب الحسين بن علي وشيعته ، فلم يفرغ ابن زياد من مقالته حتى وثب إليه عبدالله بن عفيف الأزدي قائلا: يابن مرجانة ، إنّ الكذّاب ابن الكذّاب أنتَ وأبوكَ ، والّذي ولاّكَ وأبوه.
يابن مرجانة ، أتقتلون أبناء النبيّ وتتكلمون بكلام الصدّيقين.
فقال ابن زياد: عليّ به، قال: فوثب عليه الجلاوزة فأخذوه(4).
____________
1- وهذا ما سنوضّحه بعد قليل ان شاء الله تعالى .
2- الإمامة والسياسة : 20 ، تقريب المعارف : 328 ، شرح نهج البلاغة 2 : 60 .
3- تاريخ دمشق 42 : 61 ، مناقب الكوفي 308 ، وانظر هذا الحديث في سنن ابن ماجة 1 : 44 ح 120 ، مصنف بن أبي شيبة 6 : 367 ، 368 ح 32079 ، ح 32084 ، الاحاد والمثاني 1 : 148 ح 178 ، مسند بن أبي حنيفة 1 : 211 ، كنز العمال 13 : 54 ح 36389 ، السنة لابن أبي عاصم 2 : 598 ح 1324 ، خصائص النسائي : 87 .
4- تاريخ الطبري 3 : 337 ، أنساب الاشراف 3 : 413 ، وفي الفتوح لابن الاعثم 5 : 123 ، فغضب ابن زياد ثمّ قال: من المتكلم؟ فقال: أنا المتكلّم يا عدوّ الله! أتقتل الذرية الطاهرة التي قد أذهب الله عنها الرجس في كتابه وتزعم أنّك على دين الإسلام؟ واعوناه؟ أين أولاد المهاجرين والانصار لينتقموا منك ومن طاغيتك اللعين ابن اللعين على لسان محمّد نبيّ ربّ العالمين...
________________________________________ الصفحة 201 ________________________________________
نعم ، إنّ معاوية استغلّ قميص عثمان لأثارة المشاعر وتهييج الأمّة ضدّ عليّ ، معتبراً شيعة أميرالمؤمنين علي(عليه السلام) فرقة نَبَزَها باسم الترابية ، واعتبرها هو وأذنابه من الفرق الضالّة ، فعن سعيد بن يسار قال : دخلت على أبي عبدالله (عليه السلام) وهو على سرير فقال : يا سعيد إنّ طائفة سُمِّيَت المرجئة ، وطائفة سميت الخوارج ، وسُمّيتُم الترابيّة(1) .
قال الكميت ـ وهو من شعراء العصر الأموي وعاش تلك المحنة السوداء ـ :
وقالوا ترابيٌّ هواهُ ودينُهُ بذلك أُدعى بينهم وأُلَقبُ(2)
وعن معاوية بن أبي سفيان أ نّه كتب في عهده إلى ابنه يزيد: أن يبعد قاتلي الأحبّة ، وأن يقدّم بني أمية وآل عبد شمس على بني هاشم ، وأن يقدّم آل المظلوم المقتول أميرالمؤمنين عثمان بن عفان على آل أبي تراب وذرّيّته(3).
وجاء في رسالة زياد بن أبيه إلى معاوية قائلاً: إنّ طواغيت الترابيّة السبئية السابة ـ رأسهم حجر بن عدي ـ خلعوا أميرالمؤمنين وفارقوا الجماعة(4).
في حين ستقف لاحقاً أنّ المسمَّين بالترابية لم يكونوا سبّابين كما وصفهم زياد ، بل كانوا جريئين يردّون السبّ بالسبّ، امتثالا لقوله تعالى : ( لاَ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ )(5) .
وقد اشتهر عن معاوية قوله في آخر خطبة الجمعة: اللّهمّ إنّ أبا تراب ألحَدَ في
____________
1- المحاسن ، للبرقي 1 : 156 ح 86 ، وعنه في بحار الأنوار 65 : 90 ح 22 .
2- خزانة الأدب 4 : 290 .
3- الفتوح 4 : 347 ـ 348 .
4- تاريخ الطبري 3 : 228 ، تاريخ دمشق 8 : 22 ، الأغاني 17 : 152 ، وفيه : الترابية السابة .
5- النساء : 148 .
________________________________________ الصفحة 202 ________________________________________
دينك ، وصدَّ عن سبيلك ، فالعنه لعناً وبيلاً ، وعذّبه عذاباً أليما ، وكتب بذلك إلى الآفاق(1).
ولقد كان الإمام عليّ(عليه السلام) يعلم ما سيلاقيه هو وشيعته ومحبّوه من معاوية ومن آل أبي سفيان ، لذلك قال(عليه السلام) قوله : إلاّ سيأمركم بسبي والبراءة منّي ، فإنه لي زكاة ولكم نجاة ، فأمّا السّبّ فسبّوني ، وأ مّا البراءة فلا تتبرّؤوا منّي ، فإنّي ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة(2).
وقال المعتمر بن سليمان: سمعت أبي يقول: كان في أ يّام بني أمية ما أحد يذكر عليّاً إلاّ قطع لسانه(3).
( وكان حجر بن عدي الكندي وعمرو بن الحمق الخزاعي وأصحابهما من شيعة عليّ بن أبي طالب إذا سمعوا المغيرة وغيره من أصحاب معاوية وهم يلعنون عليّا على المنبر يقومون فيردُّون اللَّعن عليهم و يتكلّمون في ذلك.
فلمّا قدم زياد الكوفة خطب خطبة له مشهورة لم يحمد الله فيها ولم يصلّ على محمّد، وأرعد فيها وأبرق، وتوعّد وتهدّد، وأنكر كلام من تكلم، وحذّرهم ورهّبهم، وقال: قد سميت الكِذْبة على المنبر ، الصلعاء، فإذا أوعدتكم أو وعدتكم فلم أفِ لكم بوعدي ووعيدي، فلا طاعة لي عليكم.
وكانت بينه [أي بين زياد] وبين حجر بن عدي مودّة ، فوجّه إليه فأحضره ثمّ قال له: يا حجر أرأيت ما كنت عليه من المحبة والموالاة لعليّ؟ قال: نعم، قال: فإنّ الله قد حوّل ذلك بغضةً وعداوةً. أو رأيت ما كنت عليه من البغضة والعداوة لمعاوية ؟ قال: نعم، قال: فإنّ الله قد حوّل ذلك محبّة وموالاة ، فلا أعلمنّك ما ذكرت عليّاً بخير ولا أميرالمؤمنين
____________
1- شرح نهج البلاغة 4 : 56 ـ 57 .
2- نهج البلاغة : 92 ، الكلمة 57 ، وانظر أنساب الاشراف 2 6 119 ح 77 .
3- الصراط المستقيم 1 : 152 .
________________________________________ الصفحة 203 ________________________________________
معاوية بشرّ(1) ).
وجاء في كتب التواريخ أيضاً ان زياداً بعث زياد إلى صيفيّ بن فسيل ـ من رؤوس أصحاب حجر وأشدّ الناس على زياد ـ فقال له زياد: يا عدوّ الله ما تقول في أبي تراب؟
قال: ما أعرف أبا تراب.
قال: ما أعرفك به.
قال: ما أعرفه.
قال: أما تعرف عليّ بن أبي طالب؟
قال: بلى.
قال: فذاك أبو تراب.
قال: كلا ذاك أبو الحسن والحسين.
فقال له صاحب شرطته : يقول لك الأمير : هو أبو تراب، وتقول أنت : لا !!
قال: و إن كذب الأمير، أتريد أن أكذب وأشهد له على باطل كما شهد(2).
وجاء في البداية والنهاية: وقد كان بعض بني أميّة يعيب عليّاً بتسميته أبا تراب(3) .
وفي نثر الدرّ : جلس معاوية بالكوفة يبايع على البراءة من عليّ(عليه السلام) ، فجاء رجل من بني تميم فأراده على ذلك ، فقال: يا أميرالمؤمنين نطيع أحياءكم ولا نتبرأ من موتاكم. فالتفت إلى المغيرة، فقال: إنّ هذا رجل فاستوصِ به خيراً(4) . قال الشعبي: ما لقينا من عليّ بن أبي طالب ; إن أحببناه قتلنا ، و إن أبغضناه هلكنا(5).
____________
1- تاريخ اليعقوبي 2 : 230 .
2- تاريخ الطبري 3 : 225، الكامل لابن الأثير 3 : 330، تاريخ مدينة دمشق 24 : 258 .
3- البداية والنهاية 7 : 336 .
4- نثر الدر 5 : 137 ، البيان والتبيين 1 : 266 .
5- ربيع الابرار 1 : 494 ، الامالي في لغة العرب 3 : 177 .
________________________________________ الصفحة 204 ________________________________________
وفي آخر : قال الشعبي لولده: يا بُنَيَّ ، ما بَنَى الدِّينُ شيئاً فهدمته الدنيا، وما بنت الدنيا شيئاً إلاّ وهدمه الدين، انظر إلى عليّ وأولاده ، فإنّ بني أميّة لم يزالوا يجهدون في كتم فضائلهم وإخفاء أمرهم، وكأنّما يأخذون بضبعهم إلى السماء ، وما زالوا يبذلون مساعيهم في نشر فضائل أسلافهم، وكأنما ينشرون منهم جيفة. هذا مع أنّ الشعبي كان ممن يُتَّهَمُ ببغض عليّ (عليه السلام)(1).
وحكي عن معاوية أنّه بينما هو جالس وعنده وجوه الناس فيهم الأحنف بن قيس إذ دخل رجل من أهل الشام فقام خطيباً ، فكان آخر كلامه أَنْ سَبَّ عَليّاً(رضي الله عنه) ، فأطرق الناس.
وتكلّم الأحنف فقال: يا أميرالمؤمنين ، إنّ هذا القائل آنفاً لو يعلم أنَّ رضاك في لعن المرسلين لفعل ، فاتَّقِ الله ودَعْ عنك عليّاً فقد لقيَ ربّه(2).
وأسند العرفي إلى خالد بن عبدالله القسريّ أنّه قال على المنبر والله: والله لو كان في أبي تراب خَير ما أمر أبوبكر بقتله . وهذا يدلّ على كون الخبر مستفيضاً(3)، ولولا وصيّة النبيّ صلّى الله عليه وآله لكان عليٌّ بالقبض على
____________
1- أصل الشيعة وأصولها : 202 .
2- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان 2 : 505 ، جمهرة خطب العرب 2 : 357 ، المستطرف في كلّ فنّ مستظرف 1 : 100 .
3- أي خبر أمر أبي بكر خالداً بقتل أميرالمؤمنين(عليه السلام) عند صلاة الفجر .
والذي ذكره السمعاني في أنسابه 3 : 95 (ترجمة الرواجني) قال : وروى عنه حديث أبي بكر أ نّه قال : لا يفعل خالد ما أمر به ، سألت الشريف عمر بن إبراهيم الحسني بالكوفة عن معنى هذا الأمر ، فقال : كان أمر خالد بن الوليد أن يقتل عليّاً ثمّ ندم بعد ذلك فنهى عن ذلك .
وفي أنساب الأشراف للبلاذري 2 : 269 : بعث أبو بكر عمر بن الخطّاب إلى عليّ حين قعد عن بيعته وقال : ائتني به بأعنف العنف . فجاءه ، وقال له : بايع ، فقال عليّ : إن أنا لم أفعل فمه ؟ قالوا : إذاً والله الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك .
فقال عليّ : تقتلون عبدالله وأخا رسوله .
قال : أ مّا عبدالله فنعم ، وأ مّا أخو رسوله فلا (الإمامة والسياسة 1 : 20) .
وقد خاطب الإمام عليّ رسول الله بقوله (ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُوني وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي) .
كل هذه النصوص مع وجود غيرها تدل على ان أبا بكر وعمر كانا يريدان قتل الإمام علي ، فاين الصلة بين المحبة مع القتل ، افتونا يا دعاة وضع الأسماء للمحبة ؟!!
وجاء في تاريخ الطبري وغيره انّهم همّوا بحرق بيت عليّ وفاطمة . ومعناه أنّهم أرادوا إبادتهم وقتلهم .
________________________________________ الصفحة 205 ________________________________________
رؤوسِ أعدائه، وضربِ بعضها في بعض حتّى ينثر دماغها مَلِيّاً(1).
وعن الأصبغ بن نباتة، قال: لقيني محبس بن هود، فقال: يا أصبغ، كيف أنت وأخوك أبو تراب الكذّاب؟
فقلت: لعن الله شرَّكما أبا وأ مّا وخالاً وعمّاً، أ مّا إنّي سمعت عليّاً(عليه السلام) يقول: وبارئ النَّسَمَة وفالقِ الحبَّة وناصب الكعبة ، لا يبغضني إلاّ ولد زنا، أو من حملت به أ مّه وهي حائض، أو منافقٌ ، أ مّا إنّي أقول: اللهمَّ خذ محبساً أخذة رابية لا تبقي له في الأرض باقية(2).
أجل إنّ بني أمية كانوا يرون قوام حكومتهم في سبّ الإمام علي والبراءة منه ، والتنقيص به والمنع من التسمية باسمه ، بل أ نّهم حذفوا بالفعل أسماء شيعته من الديوان خوفاً من استحكام فكر الإمام ونهجه ـ كما مرّ عليك في النصوص السابقة ـ فعن عمرو بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، قال :
قال لي مروان : ما كان في القوم أدفعَ عن صاحبنا من صاحبكم ؟
قلت : فما بالكم تسبّونه على المنابر ؟
قال مروان : لا يستقيم لنا الأمر إلاّ بذلك(3) .
وقد ذكر صاحب دلائل الإمامة ما جرى بين الإمام الباقر(عليه السلام) وعالم النصارى
____________
1- الصراط المستقيم 1 : 324 واصل الخبر موجود في المسترشد لابن جرير الطبري : 456 فليراجع هناك .
2- شرح الأخبار 1 : 168 .
3- العثمانية للجاحظ : 283 ، تاريخ دمشق 42 : 438 ، تاريخ الإسلام 3 : 460 ، شرح النهج 13 : 220 .
________________________________________ الصفحة 206 ________________________________________
وأمر هشام بن عبدالملك الإمامين الباقر والصادق(عليهما السلام) بالانصراف إلى المدينة ، لأنّ الناس ماجوا وخاضوا فيما جرى بينهما ، فقال الصادق (عليه السلام) :
فركبنا دوابّنا منصرفين، وقد سَبَقَنا بريدٌ من عند هشام إلى عامل مدين على طريقنا إلى المدينة: إنّ ابنَيْ أبي تراب ـ الساحِرَيْن محمَّد بن عليّ وجعفر بن محمّد الكذَّابَيْنِ فيما يظهران من الإسلام ـ وردا عَلَيّ، فلمّا صرفتهما إلى المدينة مالا إلى القسيسين والرهبان من كفّار النصارى، وتقرّبا إليهم بالنصرانية، فكرهت أن أنكّل بهما لقرابتهما، فإذا قرأت كتابي هذا فنادِ في الناس: برئت الذمة ممن يشاريهما، أو يبايعهما، أو يصافحهما، أو يسلّم عليهما، فإنهما قد ارتدّا عن الإسلام، ورَأْيُ أميرُالمؤمنين أن تقتلهما ودوابّهما وغلمانهما ومن معهما شرّ قتلة.
قال [الصادق(عليه السلام)] : فورد البريد إلى مدين، فلمّا شارفنا مدينة مدين قَدَّمَ أبي غلمانَهُ ليرتادوا له منزلا ويشتروا لدوابّنا علفاً، ولنا طعاما. فلمّا قرب غلماننا من باب المدينة أغلقوا الباب في وجوهنا وشتمونا، وذكروا أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه، وقالوا: لا نُزُولَ لكم عندنا، ولا شراءَ ولا بيع، يا كفّار، يا مشركين، يا مرتدّين، يا كذّابين، يا شرّ الخلائق أجمعين(1) !!
بهذه السياسة وبدعوى كذب الأئمة تعاملت الحكومات الأموية مع أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) وذريّة عليّ حتّى آل الأمر إلى الرواة أن يخافوا من ذكر اسم عليّ(عليه السلام)ونقل فضائله ، ففي شرح نهج البلاغة : قال أبوجعفر: وقد صحّ أنّ بني أميّة منعوا من إظهار فضائل عليّ (عليه السلام) ، وعاقبوا على ذلك الراوي له; حتّى إنّ الرجل إذا روى عنه حديثاً لا يتعلّق بفضله بل بشرائع الدين لا يتجاسر على ذكر اسمه; فيقول: عن أبي زينب .
وروى عطاء، عن عبدالله بن شداد بن الهاد، قال: وددت أن أُ تْرَكَ فأحدّث بفضائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام يوماً إلى اللَّيل; و إنّ عنقي هذه ضربت
____________
1- دلائل الإمامة : 239 ـ 240 ، الامان لابن طاووس : 72 .
________________________________________ الصفحة 207 ________________________________________
بالسيف.
قال: فالأحاديث الواردة في فضله لو لم تكن في الشهرة والاستفاضة وكثرة النقل إلى غاية بعيدة، لانقطع نقلها ; للخوف والتقية من بني مروان ، مع طول المدّة، وشدّة العداوة; ولولا أنّ لله تعالى في هذا الرجل سرّاً يعلمه من يعلمه لم يُرْوَ في فضله حديث، ولا عرفت له منقبة ، ألا ترى أنّ رئيس قرية لو سخط على واحد من أهلها، ومنع الناس أن يذكروه بخير وصلاح ، لخمل ذكره، ونُسِيَ اسمه، وصار وهو موجود معدوماً، وهو حيّ ميتاً! هذه خلاصة ما ذكره شيخنا أبو جعفر رحمه الله تعالى في هذا المعنى في كتاب التفضيل(1).
والأنكى من ذلك أنّ بني أمية وأتباعهم أخذوا يضعون الأحاديث المضحكة في فضلهم وفضل أسلافهم ، و يغيّرون المفاهيم، وقد بدّلوا معنى ( آل البيت ) المختصّ بعترة الرسول إلى زوجات النبيّ ، ثمّ إلى كلّ من لم يشتم أبابكر وعمر وعثمان ومعاوية !!
فقد روى ابن عساكر عن الإمام الحسين(عليه السلام) أ نّه قال : حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن جبرئيل (عليه السلام) ، عن ربّه عزّ وجلّ : أنّ تحت قائمة كرسي العرش في ورقةِ آس خضراء مكتوب عليها : لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، يا شيعة آل محمّد لا يأتي أحد منكم يوم القيامة يقول ( لا إله إلاّ الله ) إلاّ أدخله الله الجنة ، قال : فقال معاوية بن أبي سفيان : سألتك بالله يا أبا عبدالله مَنْ شيعة آل محمّد ؟ فقال : الذين لا يشتمون الشيخين أبابكر وعمر ، ولا يشتمون عثمان ، ولا يشتمون أبي ، ولا يشتمونك يا معاوية(2) !!! هذا وما عشت أراك الدهر عجباً .
____________
1- شرح نهج البلاغة 4 : 73 .
2- تاريخ مدينة دمشق 14 : 114 .
________________________________________ الصفحة 208 ________________________________________
القبائل والتسمية بأعمال قتلة الحسين
أجل ان بعض القبائل العربية الموالية إلى بني أمية وبعد مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) أخذوا يتفننون في مروياتهم وأعمالهم وأقوالهم :
ففي أنساب الأشراف : ويقال : إنّ خولي بن يزيد هو الذي تولّى احتزاز رأسه [أي رأس الحسين(عليه السلام)] بإذن سنان ، وسَلَبَ الحسين (عليه السلام) ما كان عليه !! فأخذ قيس بن الأشعث بن قيس الكندي قطيفة ـ له وكانت من خز ـ فسمي قيس قطيفة .
وأخذ نعليه رجل من بني أود يقال له : الأسود .
وأخذ سيفه رجل من بني نهشل بن دارم .
وأخذ أبو الجنوب الجعفي جملا وكان يستسقي عليه وسمّاه حسيناً(1) .
وفي مغاني الأخيار ـ باب النون (الناجي) الترجمة 3976 ـ الناجي : بالجيم المكسورة نسبة إلى بني ناجية بن أسامة بن لؤي . منهم أبو الجنوب لعنه الله ، وهو عبدالرحمن بن زياد بن زهير [من أحفاد ]ناجية ، شهد قتل الحسين (رضي الله عنه) ، وأخذ جملا من جماله سقى عليه الماء ، فسمّاه حسيناً(2) .
وفي كتاب (البلدان) باب (افتخار الكوفيين والبصريين) قال : اجتمع عند أبي العباس [السفّاح] أميرالمؤمنين عدّة من بني عليّ وعدّة من بني العباس ، وفيهم بصريون وكوفيون ، منهم أبوبكر الهذلي وكان بصريّاً ، وابن عيّاش وكان كوفيّاً .
فقال أبو العباس : تناظروا حتّى نعرف لمن الفضل منكم .
فأخذ ابن العيّاش يباهي برجال قومه حتّى قال : وعبدالرحمن بن محمّد بن الأشعث الكندي ، فقال أبو بكر [الهذلي] : هذا الذي سلب الحسين بن عليّ قطيفة
____________
1- أنساب الأشراف 4 : 204 .
2- انظر الاشتقاق : 410 ، اللباب في تهذيب الانساب : 287 ، الاعلام للزركلي 7 : 345 .
________________________________________ الصفحة 209 ________________________________________
فسمّاه أهل الكوفة : عبدالرحمن قطيفة ؟ فقد كان ينبغي أن لا تذكره ، فضحك أبو العبّاس من قول أبي بكر(1) .
وقد أشار عماد الدين الطبري (من علماء القرن السابع الهجري) في (أسرار الإمامة) إلى أسماء (الأبناوات) التي قاتلت الحسين(عليه السلام) ، فقال : في الشام قبائل مكرّمون معظّمون تُحمل إليهم المبرّات والصدقات .
منهم : بنو السنان ، أولاد من رفع الرمح الذي كان عليه رأس الحسين(عليه السلام) .
ومنهم : بنو الطشت ، وهم أولاد اللعين الذي وضع رأس الحسين(عليه السلام) في الطشت وحمله إلى بين يدي يزيد اللعين .
ومنهم : بنو النعل ، وهم أولاد من أركض الخيل على جسد الحسين(عليه السلام) في كربلاء ، وأخذوا من ذلك النعل بقاياه ويخلطونه بمثله أباً عن أب . ويعلَّق حلقة منه على أبواب الدور تَفَؤُّلاً وتيمّناً بها .
ومنهم : بنو المكبّر(2) ، وهم أولاد من كبّر على رأس الحسين(عليه السلام) يوم دخوله في الشام .
ومنهم : بنو الفرزدجي ، وهم أولاد من أدخل رأس الحسين في الشام من درب فرزدج حرون .
ومنهم : بنو القضيب ، وهم أولاد من حمل القضيب إلى يزيد ليضرب ثنايا الحسين(عليه السلام) .
ومنهم : بنو الفتح ، وهم أولاد من قرأ : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً )(3) بعد العصر الذي قُتل عنده الحسين(عليه السلام) بشارةً لفتح يزيد عليه اللعنة والعذاب الشديد(4) .
____________
1- البلدان ، لابن الفقيه : 208 ـ 209 .
2- قال الشاعر : ويكبّرون بأن قتلت وإنّما قتلوا بك التكبير والتهليلا
3- الفتح : 1 .
4- أسرار الإمامة : 378 ، وانظر خاتمة مستدرك وسائل الشيعة 3 : 137 ، ففيها : بنو السراويل : هم أولاد الذي سلب سراويل الحسين (عليه السلام) ، بنو السرج : هم أولاد الذي سرجت خيله تدوس جسد الحسين (عليه السلام) ، ودخل بعض هذه الخيل إلى مصر ، فقلعت نعالها من حوافرها ، وسمرت على أبواب الدور ليتبرّك بها ، وجرت بذلك السُنة عندهم ... ، وبنو الدرجي : هم أولاد الذي ترك الرأس في درج جيرون ، عن (التعجب للكراجكي : 116 ـ 117) .
________________________________________ الصفحة 210 ________________________________________
هذا هو حال الأمويين وحال التسميات والألقاب عندهم !! وانّ الإمام السّجّاد عليّ بن الحسين عاش في ظروف كهذه ، وقد عاش قبله أبوه وعمّه الحسن وجدّه الإمام أميرالمؤمنين في ظروف مشابهة ، فلا يستبعد أن يسمي الإمام ابنه بعمر (الأشرف) أو يتكنى هو من قبل الأخرين بأبي بكر ويسكت عن هذه الكنية تقية ، لأن الأئمّة ليسوا بمختلفين عمّا يجري على الناس ، بل هم أئمّة الشيعة والجهازُ الحاكم في تضادّ معهم ، وترى التسميات البغيضة أخذت مأخذها عندهم .
الحجّاج والتسمية بعليّ
اشتدّت الوطأة على شيعة عليّ في أيّام الحجّاج بن يوسف الثقفي (ت 95 هـ)، قال ابن سعد: خرج عطية مع ابن الأشعث فكتب الحجّاج إلى محمّد بن القاسم أن يعرضه على سبّ عليّ ، فان لم يفعل فاضربه أربعمائة سوط واحلق لحيته، فاستدعاه، فأبى أن يسبّ عليّاً(عليه السلام) فأمضى حكم الحجّاج فيه، ثمّ خرج إلى خراسان فلم يزل بها حتّى ولي عمر بن هبيرة العراق فقدمها فلم يزل بها إلى أن توفّي(1) .
وفي الاشتقاق لابن دريد: كان عليّ بن أصمع على البارجاه(2)ولاّه علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، فظهرت له منه خيانة فقطع أصابع يده، ثمّ عاش حتّى أدرك الحجّاج ، فاعترضه
____________
1- تهذيب التهذيب 7 : 201 (ترجمة عطية بن سعيد بن جنادة العوفي) الغدير 8 : 327 .
2- البارجاه : موضع بالبصرة ، وفيات الاعيان 3 : 175 ، وقد يكون معرب بارگاه ، أي مرفأ السفن أو محلّ تحميل السلع .
________________________________________ الصفحة 211 ________________________________________
يوماً فقال: أيّها الأمير ، إنّ أهلي عقّوني.
قال: وبم ذاك؟
قال: سمّوني علياً.
قال: ما أحسن ما لطفت، فولاّه ولاية ثمّ قال: والله لئن بلغني عنك خيانة لأقطعنّ ما أبقى عَلِيٌّ من يدك(1) .
وفي الوافي بالوفيات: وكان جدّ الأصمعي عليّ بن أصمع سرق بسفوان ، فأتوا به عليّ بن أبي طالب ، فقال: جيئوني بمن يشهد أ نّه أَخرجها من الرحل، فشهد عليه بذلك، فقطع من أشاجعه، فقيل له: يا أميرالمؤمنين ألاّ قطعته من زنده؟
فقال: يا سبحان الله ! كيف يتوكأ؟ كيف يصلّي؟ كيف يأكل؟
فلمّا قدم الحجاج البصرة أتاه عليّ بن أصمع، فقال: أ يّها الأمير إنّ أبويّ عقَّاني، فسَمَّياني عليّاً، فسمِّني أنت.
فقال: ما أحسن ما توسّلت به، قد ولَّيتك سَمَكَ البارجاه، وأجريت لك كلّ يوم دانقين فلوساً، ووالله لئن تعدّيتهما لأقطعنّ ما أبقاه عليّ عليك(2).
وقال هشام بن الكلبي : إنّي أدركت بني أَوْد وهم يعلّمون أولادهم وحرمهم سبّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، وفيهم رجل [من رهط عبدالله بن إدريس بن هاني] ، دخل على الحجّاج فكلّمه بكلام فأغلظ عليه الحجاج في الجواب ، فقال: لا تقل هذا أيّها الأمير، فما لقريش ولا لثقيف منقبة يعتدُّون بها إلاّ ونحن نعتدُّ بمثلها.
قال: وما مناقبكم؟
قال: ما ينتقص عثمان ولا يُذكَرُ بسوء في نادينا قطّ.
قال: هذه منقبة.
____________
1- الاشتقاق : 272 .
2- الوافي بالوفيات 19 : 128 ، وفيات الأعيان 3 : 175 .
________________________________________ الصفحة 212 ________________________________________
قال: ولا رؤي منّا خارجيٌّ قطّ.
قال: منقبة.
قال: وما شهد منّا مع أبي تراب مشاهده إلاّ رجل فأسقطه ذلك عندنا.
قال: منقبة.
قال: وما أراد رجل منّا قطّ أن يتزوّج امرأة إلاّ سأل عنها: هل تحبّ أبا تراب أو تذكره بخير؟ فإن قيل: إنها تفعل اجتنبها.
قال: منقبة.
قال: ولا ولد فينا ذكر فسمّي عليّاً ولا حسناً ولا حسيناً، ولا ولدت فينا جارية فسمّيت فاطمة.
قال: منقبة.
قال: ونذرت امرأة منّا إن قتل الحسين أن تنحر عشرة جُزُر، فلمّا قتل وفت بنذرها.
قال: منقبة.
قال: ودعي رجلٌ منّا إلى البراءة من عليّ ولعنه، فقال: نعم وأزيدكم حسناً وحسيناً .
قال: منقبة والله .
وقد كان معاوية يسبّ عليّاً ويتتبّع أصحابه مثل: ميثم التمار، وعمرو بن الحمق، وجويرية بن مسهر، وقيس بن سعد، ورشيد الهجري، ويقنت بسبّه في الصلاة، ويسبّ ابن عباس، وقيس بن سعد، والحسن، والحسين (عليهما السلام)، ولم ينكر ذلك عليه أحد(1).
وقال الشعبي: كنت بواسط، وكان يوم أضحى، فحضرت صلاة العيد مع الحجاج فخطب خطبة بليغة، فلمّا انصرف جاءني رسوله، فأتيته فوجدته جالساً
____________
1- الغارات، للثقفي 2 : 842 ـ 843 ، فرحة الغري للسيّد أحمد بن طاووس : 49 ـ 50 .
________________________________________ الصفحة 213 ________________________________________
مُسْتَوْفِزاً، قال : يا شعبي، هذا يوم أضحى، وقد أردت أن أضحّي برجل من أهل العراق! وأحببت أن تسمع قوله فتعلم أنّي قد أصبت الرأي فيما أفعل به! فقلت: أ يّها الأمير، لو ترى أن تستنَّ بسنّة رسول الله صلّى الله عليه وآله وتضحّي بما أمر أن يضحى به وتفعل مثل فعله، وتدع ما أردت أن تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره...(1).
وروى الكشّي في رجاله عن العامّة بطرق مختلفة : أنّ الحجاج بن يوسف قال ذات يوم : أحبّ أن أُصيب رجلا من أصحاب أبي تراب ، فأتقرب إلى الله بدمه ! فقيل له : ما نعلم أحداً أطول صحبة لأبي تراب من قنبر مـولاه ، فبعث في طلبه فأتي به(2) .
وعن الحسن بن صالح، عن جعفر بن محمّد (عليه السلام) قال: قال عليّ (عليه السلام) : والله لتذبحنّ على سبّي ـ وأشار بيده إلى حلقه ـ ثمّ قال: فإن أمروكم بسبّي فسبّوني; و إن أمروكم أن تبرءوا منّي فإنّي على دين محمّد صلّى الله عليه وآله. ولم ينههم عن إظهار البراءة(3).
وكان أميرالمؤمنين(عليه السلام) قد أخبر خاصة أصحابه بما سيؤول إليه الأمر من بعده وما سيصنعه بنو أميّة بهم ، فعن قيس بن الربيع، عن يحيى بن هانئ المراديّ، عن رجل من قومه يقال له : زياد بن فلان، قال: كنّا في بيت مع عليّ (عليه السلام) نحن شيعته وخواصّه، فالتفت فلم ينكر منّا أحداً، فقال: إنّ هؤلاء القوم سيظهرون عليكم فيقطعون أيديكم ويسملون أعينكم.
فقال رجل منّا: وأنت حيّ يا أمير المؤمنين؟
قال: أعاذني الله من ذلك; فالتفتَ فإذا واحد يبكي، فقال له: يابن الحمقاء،
____________
1- كنز الفوائد : 167 .
2- مستدرك الوسائل للنوري 12 : 273 ، الارشاد للمفيد 1 6 328 ، كشف الغمة 1 : 281 .
3- شرح نهج البلاغة 4 : 106 ، مستدرك الوسائل 12 : 271 ح 5 .
________________________________________ الصفحة 214 ________________________________________
أتريد اللَّذّات في الدنيا ؟ والدرجاتُ في الآخرة! إنّما وعد الله الصابرين(1).
بهذا الشكل تعاملوا مع الذوات الطاهرة والمطهرين بنصّ الذكر الحكيم ، فتفننوا في التسمية ببني النعل وبني السنان وبني الطشت وبني القضيب ، وصار عدم التسمية بعلي والحسن والحسين منقبة ليس في قريش ما يماثلها ، بل صارت التسمية من عقوق الأهل للولد .
وكان هذا المنهج قد بَدَأَ بصراحة ووضوح من عائشة ومعاوية ثم استمر إلى اللاحقين حتى حكومة العثمانيّين ، وسيبقى إلى زمان السفياني .
وبهذا فقد عرفت أنّ حرب الأسماء حَمِيَ وطيسها وظهرت علناً في عهد معاوية ، الذي كان يتفنن و يتلذّذ في حرب الأسماء ، ومن ثمّ حذا حذوه باقي الأمويين والمروانيّين وحتّى العباسيّون حين استلامهم أُمور الحكم ، فجاء في كتاب (المستطرف في كل فن مستظرف) : أن معاوية قال يوماً لجارية بن قدامة : ما كان أهونك على قومك إذ سمّوك جارية!! .
فقال : ما كان أهونك على قومك إذ سمّوك معاوية وهي الأنثى من الكلاب .
قال : اسكت لا أمَّ لك .
قال : أمٌّ لي ولدتني ، أما والله إنّ القلوب التي أبغضناك بها لبين جوانحنا ، والسيوف التي قاتلناك بها لفي أيدينا ، وإنّك لم تهلكنا قسوة ، ولم تملكنا عنوة ، ولكنّك أعطيتنا عهداً وميثاقاً ، وأعطيناك سمعاً وطاعة ، فإن وفيت لنا وفينا لك ، وإن نزعت إلى غير ذلك فإنّا تركنا وراءنا رجالاً شداداً وأسنّة حداداً .
فقال معاوية : لا أكثر الله في الناس مثلك يا جارية .
فقال له : قل معروفاً فإن شر الدعاء محيط بأهله(2) .
نعم ، إنّ الخلفاء الثلاثة ـ ومتبعيهم ـ لم يكونوا على وفاق مع عليّ وآله، وقد
____________
1- شرح نهج البلاغة 4 : 109 وعنه في بحار الأنوار 34 : 334 .
2- المستطرف في كل فن مستظرف 1 : 134 .
________________________________________ الصفحة 215 ________________________________________
جرى على نهجهم الحكّام الاخرون ـ أمويين كانوا أم عباسيين ـ فإنّهم كانوا مخالفين لمنهج عليّ بن أبي طالب، ونحن بذكرنا النصوص السابقة أردنا توضيح الحقيقة وإعطاء المطالع الكريم صورة أقرب إلى الواقع ممّا يرسمه له أتباع السلطان ، فلا أخوّة بين علي وعمر ولا محبّة بين الخلفاء وأهل البيت ، وليس في التسميات أو المصاهرات ما يدل على ذلك ، وهو ليس كما يحاول أن يصوّره بعض الكتّاب وبعض الجمعيّات في البلدان العربيّة والإسلاميّة ويصر عليه .
فعن حنّان بن سدير الصيرفي، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: لما قبض أميرالمؤمنين وأفضت الخلافة إلى بني أميّة سفكوا الدماء ولعنوا أميرالمؤمنين صلوات الله عليه على المنابر ، وتبرَّؤوا منه ، واغتالوا الشيعة في كلّ بلدة وقتلوهم ، وما يليهم من الشيعة بحطام الدنيا ، فجعلوا يمتحنون الناس في البلدان ; كلّ من لم يلعن أميرالمؤمنين ويتبرأ منه قتلوه، فشكت الشيعة إلى زين العابدين وسيّد الرهبان من المؤمنين و إمامهم عليّ بن الحسين صلوات الله عليهما ، فقالوا: يا ابن رسول الله قد قتلونا تحت كلّ حجر ومدر، واستأصلوا شأْفتنا ، وأعلنوا لعن أميرالمؤمنين على المنابر والطرق والسكك ، وتبرَّؤوا منه ، حتّى أنهم ليجتمعون في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وعند منبره فيطلقون على أميرالمؤمنين(عليه السلام) اللعنة علانية ، لا ينكر ذلك عليهم ولا يغير ، فإن أنكر ذلك أحد منّا حملوا عليه بأجمعهم، قالوا: ذكرتَ أبا تراب بخير، فيضربونه ويحبسونه.
فلمّا سمع ذلك نظر إلى السماء، وقال: سبحانك ما أحلمك، وأعظم شأنك، ومِنْ حلمك أنَّك أمهلت عبادك حتّى ظنّوا أنّك أغفلتهم ، وهذا كلّه لا يغالب قضاؤك ولا يرد حكمك ، تدبيرك كيف شئت وما أنت أعلم به منّي(1).
وفي العثمانية للجاحظ : عن ابن اليقظان قال : قام رجل من ولد عثمان إلى
____________
1- الهداية الكبرى : 226 ـ 227 ، وهذا ما نشاهده اليوم من الوهابية وطريقة تعاملهم مع شيعة الإمام علي خصوصاً في بلد يسمى بالسعودية .
________________________________________ الصفحة 216 ________________________________________
هشام بن عبدالملك يوم عرفة ، فقال : إن هذا يوم كانت الخلفاء تستحب فيه لعن أبي تراب(1) .
بلى إنّ الخلفاء ـ أمويون كانوا أم عباسيين ـ كانوا يحاربون الشيعة ولم يرتضوا التسمية باسم عليّ ، لكنّ التسمية أخذت تعود شيئاً فشيئاً إلى الساحة رغم كلّ هذا الإجحاف .
قال الذهبي في تاريخ الإسلام في حوادث سنة تسع وثمانين ومائتين : وقام بعده ابنه المكتفي بالله ، أبو محمّد علي ، وليس في الخلفاء من اسمه عليّ إلاّ هو وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، ولد سـنة أربع وستّـين ومائتين ، وأمّه تركية ، وكان من أحسـن الناس(2) .
وفي البداية والنهاية : خلافة المكتفي بالله أبي محمّد ، عليّ بن المعتضد بالله ، أميرالمؤمنين ، بويع له بالخلافة عند موت أبيه في ربيع الأوّل من هذه السنة ، وليس في الخلفاء من اسمه عليّ سوى هذا وعليّ بن أبي طالب ، وليس فيهم من يكنّى بأبي محمّد إلاّ هو والحسن بن عليّ بن أبي طالب والهاديوالمستضيء بالله(3) .
وهذا النصّ صريح في عدم وجود من اسمه عليّ بين الخلفاء إلى زمان المكتفي بالله إلاّ هو والإمام عليّ ، فلا نعلم سبب تسمية المكتفي بعليّ ؟ وهل أ نّها كانت لمحبّة والده المعتضد للإمام عليّ ، أو لمحبوبيّة هذا الإسم عنده وتناغمه مع روحيّاته وطبعه ؟ أو إنّه وضع هذا الاسم على ابنه سياسةً كي يستميل قلوب العلويين ؟ أو أنّ هناك دواعي أخرى ؟
____________
1- العثمانية : 284 وعنه في شرح نهج البلاغة 13 : 221 .
2- تاريخ الإسلام 21 : 35 ، تاريخ بغداد 11 : 316 ، تاريخ الخلفاء : 376 .
3- البداية والنهاية ، لابن كثير 11 : 94 ، 104 .
________________________________________ الصفحة 217 ________________________________________
المهمّ انّ التسمية بعليّ عادت إلى قاموس الخلفاء ثمّ من بعده إلى جمهور الناس ، وأخذ الوضع يتوازن بعد أكثر من قرنين من الزمن ، وصارت أعمال بني أميّة من الماضي البغيض حيث كانوا يصغّرون مَنْ آسمْه عَلي استنقاصاً له فيقولون : (عُلَي) ، ومن الناس من كان يُصغّر اسمه خوفاً من الأمويين فيقول : أنا لست بعَلي اسمي عُلَي ، وقد مرّ عليك بأنّ البعض كان لا يرتضي تصغير اسمه مثل عليّ بن رباح رغم تصغير الأمويين ـ أو أبوه ـ اسمه في فترة خاصة من (عَلي) إلى (عُلي) لكنه كان لا يريد استمرار هذا الاسم عليه في الأزمان اللاحقه .
بلى ، إنّ البعض كان يغير اسمه ، أو إنّ أقرباءه كانوا يطلقون اسماً آخر عليه خوفاً من أن يرمى أو يُرْمَوا بالتشيع أو أي سبب آخر ، ومن ذلك ما جاء في (الطبقات الكبرى) للشعراني بأنّ عليّ بن شهاب ـ جدّ المصنّف ـ كان يكره
من يقول له : يا نور الدين ، ويقول : نادوني باسمي عليّ كما سمّاني بذلك
والدي(1) .
وعليه فالحسّاسيّة مع اسم عليّ كانت موجودة في العهدين الأموي والعبّاسي الأوّل ، لكنّها أخذت تقلّ ، مؤكدّين بأنّ الحساسية مع اسمه (عليه السلام) لم تكن كالحساسيّة مع الأسماء الأخرى ، فإنّ التارك لإسم الإمام عليّ كان يتركه للخوف ، بخلاف التارك للأسماء الأخرى مثل عمار ، وغيرها من الأسماء العربية ، وقد ترشدنا هذه التسمية إلى تقليل الوطئة مع اسم عليّ شيئاً فشيئاً ، إذ قال الشيخ الأميني عند كلامه عن ابن الرومي المسمّى بعليّ :
وقد اتّفق لبعض الخلفاء وولاة العهد [في العهد العبّاسي الأوّل ]أنفسهم أنّهم كانوا يكرمون عليّاً وأبناءه ، كما كان مشهوراً عند (المعتضد) الخليفة الذي أكثر ابن الرومي من مدحه ، وكما كان مشهوراً عن (المنتصر) ـ وليّ العهد ـ الذي
____________
1- الطبقات الكبرى للشعراني 1 : 340 .
________________________________________ الصفحة 218 ________________________________________
قيل : إنّه قتل أباه (المتوكّل) جريرةَ مُلاحاة وقعت بينهما في الذَّبِّ عن حرمة عليّ وآله(1) ، وقد لا تعني هذه التسميات شيئاً .
حرب الأسماء والمضادّة مع الأسماء المشتقّة من اسم الباري
من ابن أبي سفيان إلى السفياني :
وبهذا ، فقد عرفت بأنّ معاداة آل البيت مع بني أميّة كانت لله وفي الله ، وأنّ عليّاً كان يعرف معاصريه حقّ المعرفة، وقد وضح ذلك للناس بقوله: (ايّها الناس! انّي أحقّ من أجاب إلى كتاب الله، ولكنّ معاوية ، وعمرو بن العاص، وابن أبي معيط، وابن أبي سرح، وابن سلمة ، ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن....! إنّي أَعْرَفُ بهم منكم، صحبتهم صغاراً ورجالاً، فكانوا شَرّ صغار وشرّ رجال...)(2).
وجاء عن الإمام الصادق قوله: إنّا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في الله، قلنا: صدق الله ، وقالوا: كذب الله!
قاتل أبوسفيان رسول الله، وقاتل معاوية عليّ بن أبي طالب، وقاتل يزيد بن معاويه الحسين بن عليّ، والسفياني يقاتل القائم(3) .
وفي كنز العمّال عن عليّ ، قال: يُقْتَلُ في آخر الزمان كُلُّ عليّ، وأبي عليّ ، وكلّ حسن، وأبي حسن، وذلك إذا أفرطوا فِيَّ كما أفرطت النصارى في عيسى ابن مريم ، فانثالوا على ولدي فأطاعوهم طلبا للدنيا(4).
فإن ذيل هذا الحديث وضعته بنو أمية مقابل ما جاء في روايات أهل البيت
____________
1- الغدير 3 : 41 .
2- شرح النهج 2 : 216 .
3- معاني الأخبار : 346 ، بحار الأنوار 33 : 165 و 52 : 190 ، وفي شرح النهج 4 : 79 ـ 80 قريب منه عن عليّ .
4- كنز العمال 11 : 333 .
________________________________________ الصفحة 219 ________________________________________
عن الأمويين وأنّهم يقتلون كل من سمي بعلي والحسن والحسين ، وهو يؤكد ما قلناه من حرب الأسماء .
فقد نقل الشيخ أبو الحسن المرندي في (مجمع النورين) بعض علائم خروج السفياني قبل ظهور القائم، ثم قال : قال أميرالمؤمنين: لم يزل السفياني يقتل مَنْ اسمه محمّد وعليّ والحسن والحسين وجعفر وموسى وفاطمة وزينب ومريم وخديجة وسكينة ورقية حَنَقاً وبغضاً لآل محمّد ، ثم يبعث في سائر البلد فيجمع له الأطفال ، فيغلي لهم الزيت فيقولون : إِن كان آباؤنا عصوك فنحن ما ذنبنا ؟ فيأخذ كلّ من اسمه ما ذكرته فيغليهم ، ثمّ يسير إلى كوفانكم هذه فيدور فيه كما تدور الدوّامة ، يفعل بهم كما فعل بالأطفال ، فيصلب على بابها كلّ من اسمه حسن وحسين ، ثمّ يسير إلى المدينة فينهبها ثلاثة ، ويقتل فيها خلق كثير ، ويصلب على بابها كلّ من اسمه الحسن والحسين ، فعند ذلك تغلى دماؤهم كما غلي دم يحيى بن زكريا ، فإذا رأى السفياني ذلك الأمر أيقن بالهلاك ، فيولى هارباً فيرجع منهزماً إلى الشام فلا يرى...(1).
وفي عقد الدرر في أخبار المنتظر : عن أميرالمؤمنين قال :
... ويقتل من كان اسمه محمّداً ، وأحمدَ ، وعليّاً ، وجعفراً ، وحمزةَ ، وحسناً ، وحسيناً ، وفاطمة ، وزينباً ، ورقية ، وأمّ كلثوم ، وخديجة ، وعاتكة ، حنقاً وبغضاً لبيت آل رسول الله(صلى الله عليه وآله) .
ثمّ يبعث فيجمع الأطفال ويغلي الزيت لهم ، فيقولون : إن كان آباؤنا عصوك فنحن ما ذنبنا ؟! فيأخذ منهم اثنين اسمهما حسناً وحسيناً ، فتصلبهما ...
فتَغْلي دماؤهما كما غلى دم يحيى بن زكريّا(عليهما السلام) ، فإذا رأى
____________
1- مجمع النورين : 329 ـ 330 .
________________________________________ الصفحة 220 ________________________________________
ذلك أيقن بالهلاك والبلاء ، فيخرج هارباً متوجهاً منها إلى الشام ، فلا يرى في طريقه أحداً يخالفه(1) .
إِنَّ أخبار آخر الزمان المرويّة عن الإمام عليّ هي موجودة في كتاب (الزام الناصب) وفي غيره ، ومما جاء في نص الزام الناصب خروج السفياني في عصائب أهل الشام وقتله خلقاً كثيراً ، وسيره إلى حمص ، ثمّ العبور منه إلى الفرات من باب مصر ، فيقتل بالزوراء سبعين ألفاً ، ويبقر بطون ثلاثمائة امرأة حامل ، ويخرج الجيش إلى الكوفة ، فكم من باك وباكية ، فيُقْتَلُ بها خلقٌ كثير، وأما جيش المدينة فإنه إذا توسط البيداء صاح به جبرائيل صيحة عظيمة فلا يبقى منهم أحد إلاّ وخسف الله به الأرض ، ويكون في إِثْرِ الجيش رجلان أحدهما بشير والآخر نذير ، فينظرون إلى ما نزل بهم فلا يرون إلاّ رؤوساً خارجة من الأرض ، فيقولان : ما أصاب الجيش ؟ فيصيح بهما جبرائيل فيحوّل الله وجوههما إلى قهقرى ، فيمضي أحدهما إلى المدينة وهو البشير فيبشرهم بما سلّمهم الله تعالى ، والآخر نذير فيرجع إلى السفياني ويخبره بما أصاب الجيش، قال: (وعند جهينة الخبر الصحيح) لأ نّهما من جُهْينة بشير ونذير .
فيهرب قوم من أولاد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهم أشرافٌ إلى بلد الروم، فيقول السفياني لملك الروم: تردُّ عليّ عبيدي ، فيردّهم إليه فيضرب أعناقهم على الدرج الشرقي لجامع دمشق ، فلا ينكر ذلك عليه أحد... قال: ولا يزال السفياني يقتل كلّ من اسمه محمّد وعليّ وحسن وحسين وفاطمة وجعفر وموسى وزينب وخديجة ورقيّة بغضاً وحنقاً لآل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثمّ يبعث في جميع البلدان فيجمع له الأطفال ويغلي لهم الزيت ، فيقول له الأطفال: إن كان آباؤنا عصوك فما ذنبنا؟! فيأخذ كلّ من اسمه على ما ذكرت فيغليهم في الزيت ، ثمّ يسير إلى كوفانكم هذه فيدور فيها كما تدور الدوّامة ، فيفعل
____________
1- عقد الدرر : 130 ـ 131 .
________________________________________ الصفحة 221 ________________________________________
بالرجال كما يفعل بالأطفال ، ويصلب على بابها كلّ من اسمه حسن وحسين ، ثمّ يسير إلى المدينة فينهبها في ثلاثة أيام ، ويقتل فيها خلق كثير ، ويصلب على مسجدها كلّ من اسمه حسن وحسين، فعند ذلك تغلي دماؤهم كما غلى دم يحيى بن زكريا، فإذا رأى ذلك الأمر أيقن بالهلاك، فيولّي هارباً ويرجع منهزماً إلى الشام ...(1) .
ولا يخفى عليك بأنّ سبب قتل السفياني لمن اسمه عليّ ، حسن ، حسين ، جعفر ، حمزة إنّما هو لكونهم من شيعة أمير المؤمنين(عليه السلام) ، ومن المخالفين لمنهجه ، فأراد التنكيل بمن ليس على منهجه المشؤوم .
وعليه ، فإنّ أتباع معاوية كانوا قساةَ شرسين يستهزؤون بكلّ شيء، ويسحقون كلّ القيم ، ويعادون ويحاربون كلّ من خالفهم وحتّى الأسماء ، وقد كانوا يبغضون عليّاً وأولاده وشيعته بما جعلهم في مصافّ من يردون يوم القيامة النار ; روى الأعمش أنّ جريراً والأشعث خرجا إلى جبّان(2) الكوفة ، فمر بهما ضبّ يعدو وهما في ذمّ عليّ ، فنادياه: يا أبا حِسْل، هلمَّ يدك نبايعك
بالخلافة . فبلغ عليّاً قولهما فقال : أما إنّهما يحشران يوم القيامة وإمامهما
ضبّ(3) .
نعم ، إنّ بني أميّة كانوا يستغلون عطف ولين بني هاشم ، لأنّهم عرفوا أنّ أهل البيت مأمورون بالسكوت من قبل الله ورسوله : فقال معاوية ذات يوم لعقيل: إنّ فيكم يا بني هاشم ليناً ، قال [عقيل] : أجل إنّ فينا ليناً من غير ضعف ، وعزّاً من غير عنف ، وإنّ لينكم يا معاوية غدر ، وسلمكم كفر(4).
____________
1- الزام الناصب في اثبات الحجة الغائب 2 : 171 ـ 173 . وهذه الأخبار الثلاث ـ ما رواه المرندي وصاحب عقد الدرر و إلزام الناصب ـ باعتقادي هي رواية واحدة .
2- أي الصحراء وأهل الكوفة يسمون المقبرة جبانة .
3- شرح النهج 4 : 75 ـ 76 .
4- شرح النهج 4 : 92 ـ 93 .
________________________________________ الصفحة 222 ________________________________________
وجاء عن رسول الله قوله : مروّتنا أهل البيت العفو عمّن ظلمنا وإعطاء من حرمنا(1) .
وعليه فالإمام(عليه السلام) لا يتعامل مع أعدائه ومخالفيه من منطلق الحقد والكراهية ، بل يتعامل معهم بمنتهى اللين والوداعة ، فيجادلهم بالتي هي أحسن ، وليس بين هذا وبين أن يدعو عليهم وأن يطلب من الله أن يبعدهم عن رحمته مخالفة وتضاد .
فعليّ كان يقنت في صلاة الفجرِ وفي صلاة المغرب ، ويلعن معاوية، وعمراً، والمغيرة، والوليد بن عقبة، وأبا الاعور، والضحاك بن قيس، وبسر بن أرطاة، وحبيب بن سلمة، وأبا موسى الأشعري، ومروان بن الحكم، وكان هؤلاء يقنتون عليه ويلعنونه(2).
ومع كلّ ذلك فلا نراه (عليه السلام) ـ كالأمويين ـ يمنع من التسمية بهذه الأسماء وغيرها من الأسماء التي يكون المسمَّون بها في غاية القبح ، اللّهمّ إلاّ
تكون بعض هذه الأسماء ممنوعة ومنهيّ عنها من حيث دخولها تحت تلك العمومات الناهية من التسمية بأسماء الاعداء ، فالإمام(عليه السلام) لا يستهزئ بأحد ولا يستنقص إنساناً من خلال اسمه كائناً من كان، ولا ينحو منحى الأمويين في محاربة الأسماء .
قال دعبل الخزاعي مصوّراً حال آل محمّد بقوله:
إنّ اليهود بحبّها لنبيّها أَمِنَتْ بوائقَ دهرها الخوّانِ
وكذا النصارى حُبّهم لنبيِّهم يمشون زهواً في قرى نجرانِ
والمسلمونَ بحبّ آل نبيِّهم يُرمونَ في الآفاق بالنيرانِ(3)
____________
1- بحار الأنوار 74 : 145 .
2- شرح النهج 4 : 79 .
3- ديوان دعبل الخزاعي : 172 ، وانظر روضة الواعظين : 251 باختلاف يسير .
________________________________________ الصفحة 223 ________________________________________
أهل البيت وموقفهم من تغييرات الخلفاء للأسماء والمفاهيم
ذكرنا سابقاً دور قريش وبعض خططهم ، وأكّدنا على منهج الأمويّين في تعاملهم مع المقدّسات ، ومساسهم بالرسول والرسالة كناية وتصريحاً ، وتغييرهم لاسم المدينة المنوّرة من (الطيبة) إلى (الخبيثة) ، واسم بئر زمزم إلى أُمّ الخنافس أو أُمّ الجُعلان ، والقول بأنّ الخليفة أهمّ من رسول الله ، ثمّ التركيز على المباغضة والمضادة مع عليّ بن أبي طالب والاستنقاص منه ومن آله المعصومين الأطهار (عليهم السلام) ، وقتل من تسمّى باسمه وباسم أحد أبنائه أو اسم أعمامه أو اسم الزهراء(عليها السلام) ، كل ذلك لأنّ هذه الأسماء والصفات هي أسماء وصفات يحبها الله ورسوله ، وقد تسمّى بها أتباع آل محمّد .
والأمويون حسداً وبُغضاً ضادُّوا هذه الأسماء وكان ضمن المخطّط الاستنقاص بالإمام الباقر(عليه السلام) .
ذكر ابن قتيبة الدينوري في (عيون الأخبار) أنّ هشاماً قال لزيد بن عليّ لمّا دخل عليه : ما فعل أخوك البقرة ؟
فقال زيد : سمّاه رسولُ الله باقِرَ العلم وأنت تسمّيه بقرة ؟! لقد اختلفتما إذاً(1) .
نعم ، قال هشام بن عبدالملك هذا في الباقر(عليه السلام) في حين أنّ جابر بن عبدالله الأنصاري كان قد روى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله : إنّك ستعيش حتّى ترى رجلاً من أولادي اسمه اسمي ، يبقر العلم بقراً ، فإذا لقيته فأَقْرِئْهُ منّي السلام ، فلقيه جابر وأقرأه السلام(2) .
____________
1- عيون الأخبار 1 : 313 ، وعنه في إعلام الورى للطبرسي 1 : 494 ، سر السلسلة العلوية : 33 ، عمدة الطالب : 194 .
2- سمط النجوم العوالي 4 : 141 ، تاج العروس 10 : 229 ، وانظر تاريخ دمشق 54 : 275 ، المعجم الأوسط للطبراني 6 : 14 ، وعنه في مجمع الزوائد 10 : 22 ، سير أعلام النبلاء 4 : 404 ، والكافي 1 : 304 ح 4 .
________________________________________ الصفحة 224 ________________________________________
إنّ الناس المرتبطين بأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) كانوا يعرفون هذه الأمور ، ويعلمون بأنّ تسلّط الأمويّين على رقاب المسلمين كان بِفِعْل عمر بن الخطّاب ، وأنّ مردود كلّ هذه الأعمال الإجرامية يرجع وزرها إلى الاول والثاني لأنّهما المسؤولان عن كلّ ذلك ، فعمر ـ الذي جاء إلى الحكم بوصية من أبي بكر ـ هو الذي ثبّت حكم معاوية بن أبي سفيان وقوّى سلطانه ، وقد أخبرت السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) عن هذا الأمر وأنّ التالين سيعرفون غبّ ما أسّسه الأوّلون(1) .
فقد اخرج الكليني في الكافي عن الكميت بن زيد الأسدي قال : دخلت على أبي جعفر(عليه السلام) فقال : والله يا كميت لو كان عندنا مال لأعطيناك منه ولكن لك ما قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) لحسّان بن ثابت لن يزال معك روح القدس ما ذببت عنّا .
قال : قلت : خبّرني عن الرَّجلين ؟
قال : فأخذ الوسادة فكسرها في صدره ثمَّ قال : والله يا كميت ما اهريق محجمة من دم ولا اُخذ مال من غير حلّة ولا قُلب حجر عن حجر إلاّ ذاك في أعناقهما(2) .
وأيضاً روى باسناده عن أبي العبّاس المكّي قال : سمعت أبا جعفر(عليه السلام)يقول : إنَّ عمر لقي عليّاً صلوات الله عليه فقال له : أنت الّذي تقرأ هذه الآية (بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ)(3) وتعرّض بي وبصاحبي ؟ قال : فقال له : أفلا اُخبرك بآية نزلت في بني اُميّة : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الاَْرْضِ وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ) فقال : كذبت ، بنو أميّة أوصل للرَّحم منك ولكنك أبيت إلاّ عداوة لبني
____________
1- جواهر المطالب 1 : 168 .
2- الكافي 8 : 102 ح 75 .
3- المفتون بمعنى الفتنة كما تقول : ليس له معقول أي عقل وقوله تعالى : (بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ)أي بأي الفريقين منكم الجنون بفريق المؤمنين أو الكافرين ، وقد أتى الإمام بهذه الآية تعريضاً بهما حيث نسبا الجنون إلى النبي كما ذكر في نزول الآية .
________________________________________ الصفحة 225 ________________________________________
تيم وبني عدي وبني اُميّة(1) .
وقال(عليه السلام) لأبي الفضل : يا أبا الفضل ! ما تسألني عنهما ، فوالله ما مات منّا بيت قطّ إلاّ ساخطاً عليهما ، وما منّا اليوم إلاّ ساخط عليهما ، يوصي بذلك الكبير منّا الصغير ، إنّهما ظلمانا حقّنا ، ومنعانا فيئنا ، وكانا أوّل من ركب أعناقنا ، والله ما أسست من بلية ولا قضية تجري علينا أهل البيت إلاّ هما أسّسا أوّلها ، فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين(2) .
وقال أيضاً(عليه السلام) : هما والله أوّل من ظلمنا حقّنا في كتاب الله ، وأوّل من حمل الناس على رقابنا ، ودماؤنا في أعناقهما إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت(3) .
وعن بشير قال سألت أبا جعفر [الباقر] عن أبي بكر وعمر فلم يجيبني ، ثم سألته فلم يجيبني ، فلما كان في الثالثة قلت : جعلت فداك اخبرني عنهما ؟
فقال ما قطرت من دمائنا ولا دماء أحد من المسلمين إلاّ وهي في اعناقهما إلى يوم القيامة(4) .
وفي خبر آخر عن بشير عن الباقر : انتم تقتلون على دم عثمان بن عفان ، فكيف لو اظهرتم البراءة منهما(5) إذا لما ناظروكم طرفة عين(6) .
وسئل زيد بن علي بن الحسين عن أبي بكر وعمر فلم يجب فيهما ، فلمّا أصابته الرميّة فنزع الرمح من وجهه استقبل الدم بيده حتّى صار كأ نّه كبد ، فقال : أين السائل عن أبي بكر وعمر ؟ هما والله شركاء في هذا الدم ، ثم رمى به وراء ظهره .
____________
1- الكافي 8 : 103 ح 76 .
2- الكافي 8 : 245 ح 340 وعنه في بحار الأنوار 30 : 269 ح 138 .
3- تهذيب الأحكام 4 : 145 ح 405 .
4- بحار الأنوار 30 : 281 .
5- أي أبي بكر وعمر .
6- بحار الأنوار 30 : 282 ـ 283 .
________________________________________ الصفحة 226 ________________________________________
وعن نافع الثقفي ـ وكان قد أدرك زيد بن عليّ ـ ، قال : فسأله رجل عن أبي بكر وعمر ، فسكت فلم يجبه ، فلمّا رمي قال : أين السائل عن أبي بكر وعمر ؟ هما أوقفاني هذا الموقف .
وفي نص آخر سئل زيد بن علي وقد أصابه سهم في جبينه : من رماك به ؟ قال : هما رمياني .. هما قتلاني(1) .
فجاء في تاريخ أبي الفداء ، ووفيات الأعيان ، ومرآة الجنان عن محمّد بن منصور قال : كنّا مع المأمون في طريق الشام فأمر فنودي بتحليل المتعة ، فجاءه أبو العيناء معترضاً ، فرآه يستاك وهو يقول مغتاضاً : متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما ، ومن أنت يا جُعَل حتّى تنهى عمّا فعله رسول الله وأبوبكر ؟!
سمع أبو العيناء ذلك وسكت ، حتّى جاء يحيى بن أكثم ونقل للمأمون رواية عن الزهري عن أميرالمؤمنين عن رسول الله في حرمة المتعة(2) فقيل انّ المأمون رجع عن رايه حينما سمع بهذه الرواية .
أنا لا أُريد أن أدخل في نقاش مع يحيى بن أكثم ، وما رواه عن الزهري عن أميرالمؤمنين وهل هو صحيح أم لا ، كما لا أريد أن أُبيّن من هو الزهري فأنكَأُ القُرحَةَ ، لأنّ القول بجواز المتعة عند أهل البيت (عليهم السلام) لا غبار عليه ، وقد غدا موضع سهام الخصوم عليهم ، وقد كان ابن عبّاس(3) وسعد بن أبي وقّاص(4)وأبو موسى الأشعري(5) وغيرهم من الصحابة يقولون بجوازها وقد ذكر البغدادي
____________
1- بحار الأنوار 85 : 264 .
2- تاريخ ابي الفداء 1 : 353 ، وفيات الأعيان 6 : 150 ، مرآة الجنان 2 : 137 ، الشعور بالعور للصفدي : 239 ، وانظر في مدعيات ابن اكثم مناظرة الشيخ المفيد مع شيخ من الاسماعيلية في (الفصول المختارة للشيخ المفيد : 158 ـ 162) .
3- المغني 7 : 136 ، المبدع 7 : 87 .
4- مسند أحمد 1 : 181 ح 1568 ، مسند أبي عوانه 2 : 344 ح 3368 ، وانظر صحيح مسلم 2 : 898 .
5- صحيح مسلم 2 : 896 ح 1222 ، سنن ابن ماجة 2 : 992 ح 2979 ، المجتبى للنسائي 5 : 153 ح 2735 .
________________________________________ الصفحة 227 ________________________________________
في المحبر اخرين منهم(1) ، و إنّ عدم إرث المتمتّع بها لا يمنع من تشريع المتعة ، و إنّ الولد في هذا النكاح يلحق بأبيه ، و إنّ فيه العدّة كالدائم ، ولا أرى بين العامة من أفتى بإجراء الحدّ عليه بل اكتفوا بالتعزير للقاعدة الشرعيّة (ادرؤوا الحدود بالشبهات) ; كلّ هذه الأمور تدلّ على حليّتها وسقم حكاية يحيى بن أكثم وكذب ما رواه الزهري عن الإمام علي .
وكيف نصدّق بمناداة المأمون بتحريم المتعة بهذه السهولة وهو العارف بمجريات الأحداث في هذه المسألة على وجه التحديد ؟!
إنّهم أتوا بهذا الذيل كي يخدشوا فيما قاله المأمون في عمر : (ومن أنت يا جُعَل) ؟! وفي سياق تحريفاتهم أبدلوا عبارة المأمون السابقة بـ (ومن أنت يا أحول)(2) ، استغلالا لِحَوَل عُمَر ـ الواردة في بعض النصوص ـ ، مع أنّ المأمون ـ لو صح الخبر ـ لم يُرِدْ نَبْزَهُ بالحَوَل ، و إنّما أراد بيان تفاهته وسفاهة رأيه في المتعة ، وكيفما كان ، فإنّ ما شرعه الأوّلون من بذاءة الألفاظ ، ومحاربة كلّ شيء حتّى الأسماء ، عاد مردوده عليهم ، فذاقوا وبال ما أسّسوه ، كما وقفت على قولهم في عمر .
وبالعودة إلى صلب الموضوع نقول :
مرّت عليك كيفيّة تعامل الأمويّين وعائشة مع موضوع التسمية ، وأنّ أهل البيت (عليهم السلام) لم يسكتوا على مخطّط قريش ، إذ أنّ الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)هو أوّل من بدأ بالفكر التصحيحي والوقوف أمام استغلال الآخرين لموضوع
____________
1- كتاب المحبر : 289 من كان يرى المتعة من أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله) : خالد بن عبدالله الأنصاري ، وزيد بن ثابت الأنصاري ، وسلمة بن الاكوع الأسلمي ، وعمران بن الحصين الخزاعي ، وعبدالله بن العباس بن عبدالمطلب .
2- تاريخ بغداد 14 : 199 ، تاريخ دمشق 64 : 71 ، تهذيب الكمال 31 : 214 ، المنتظم 11 : 315 ، طبقات الحنابلة 1 : 413 .
________________________________________ الصفحة 228 ________________________________________
التسميات ، وقد قلنا بأ نّه حاربهم بالقول ; حيث سمّى ابنه (عثمان) حبّاً لعثمان بن مظعون لا لعثمان بن عفّان ، أي أنّ التسمية في وضعها الأوّلي لا يلحظ فيها المحبّة ، ولو أردتم لحاظ المحبة في ذلك فقد وضعته حباً لابن مظعون لا لابن عفان .
ثمّ جاءت النصوص من قبل أئمّة أهل البيت يتلو بعضها بعضاً لتوكّد استحباب التسمية بمحمّد وعليّ والحسن والحسين وقوفاً أمام التيّار الذي أحدثه عمر الذي يقضي بالمنع من التسمية بمحمّد وغيره من الأنبياء ، حيث إنّ التسمية بهم والتكنية بكناهم هي من خير الأسماء وخير الكنى ، إلاّ ما استثني من التسمية بمحمّد والتكنية بأبي القاسم .
فعن جابر ، عن أبي جعفر ـ في حديث ـ أنّه قال لابن صغير : ما اسمك ؟
قال : محمّد .
قال : بم تُكنّى ؟
قال : بعلي .
فقال أبو جعفر : لقد احتظرت من الشيطان احتظاراً(1)شديداً ، إنّ الشيطان إذا سمع منادياً ينادي : يا محمّد ، يا علي ، ذاب كما يذوب الرصاص ، حتّى إذا سمع منادياً ينادي باسم عدوّ من أعدائنا اهتزّ واختال(2) .
وهذا الحديث صادرٌ بعد فُشُوّ المخطّط الأمويّ الرامي إلى محو كلّ ما يمتّ إلى محمّد وعليّ بصلة ، ونشر كلّ ما يرتبط بالجاهليّة والسفيانيّة ، لذلك جاء هذا النصّ بعد تبلوُر الأمور ـ وقطعها شوطاً واتّضاح الخُطى الأمويّة ـ ليعالج
____________
1- أي احتميت بحمى عظيم من الشيطان . انظر النهاية 1 : 404 ، لسان العرب 4 : 204 .
2- الكافي 6 : 20 ح 12 وعنه في وسائل الشيعة 21 : 393 ح 3 ، ومرآة العقول 21 : 35 ح 12 .
________________________________________ الصفحة 229 ________________________________________
الموضوع ، و يضع الخطى المحمدية العلوية على الدرب ، في مقابل المخطّط المشؤوم المحاول لمحو كل شيء عن أهل البيت حتّى الأسماء .
التكنية بأسماء الانبياء
لم يقتصر عمل الأئمّة (عليهم السلام) التصحيحي على هذا فحسب ، بل ردّوا الفكرة القائلة بعدم جواز التكنية بمن لا والد له ، والذي دعا اليه عمر ، حيث ضرب من تكنى بأبي عيسى ، بدعوى أنّ عيسى ليس له أب ، فقد جاء في شرح نهج البلاغة أنّ عمر ضرب ابنه عبدالله لتكنّيه بأبي عيسى قائلاً : و يلك هل لعيسى أب ؟ أتدري ما كنّى العرب ؟ أبو سلمة ، أبو حنظلة ، أبو عرفطة ، أبو مرّة(1) .
إنّ عمر نهى عن التكنية بأبي عيسى ، في حين أنّ هناك جملة من الصحابة قد تكنّوا بهذه الكنية ، فعن زيد بن أسلم ، عن أبيه : أنّ عمر بن الخطّاب ضرب ابناً له تكنّى أبا عيسى ، و إنّ المغيرة بن شعبة تكنّى بأبي عيسى .
فقال له عمر : أما يكفيك أن تُكَنَّى بأبي عبدالله ؟
فقال : رسول الله كنّاني [أبا عيسى] ، فقال : إنّ رسول الله قد غُفِرَ له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر و إنّا في جلجلتنا ، فلم يزل يكنّى بأبي عبدالله حتّى هلك(2) .
وكما منع عمر من التكنية بمن لا والد له ، كذلك مَنَعَ تَكَنِّي من لا وَلَدَ له مثل يحيى(عليه السلام) .
فعن حمزة بن صهيب : إنّ صهيباً كان يكنّى أبا يحيى ، ويقول أ نّه من العرب ، و يطعم الطعام الكثير .
فقال له عمر بن الخطّاب : يا صهيب ، مالك تتكنّى أبا يحيى وليس لك ولد ؟
____________
1- شرح نهج البلاغة 6 : 343 ، 13 : 44 ، 19 : 368 .
2- سنن أبي داود 4 : 291 ح 4693 ، الأحاديث المختارة 1 : 179 ح 86 . وقال العظيم آبادي في عون المعبود 13 : 206 . جلجلتنا : أي في عدد من امثالنا من المسلمين لا ندري ما يصنع بنا وفي (الحطة في ذكر الصحاح الستة : 252 الجلجة أي : الأمر المضطرب) .
________________________________________ الصفحة 230 ________________________________________
وتقول إنّك من العرب ؟ وتطعم الطعام الكثير وذلك سرف في المال ؟
فقال صهيب : إنّ رسول الله كنّاني أبا يحيى ، وأ مّا قولك في النسب فأنا رجل من النمر بن قاسط من أهل الموصل ، ولكنّي سُبِيت غلاماً صغيراً قد غفلت أهلي وقومي ، وأمّا قولك في الطعام فإنّ رسول الله كان يقول : خياركم من أطعم الطعام وردّ السلام ، فذلك الذي يحملني أن أُطعم الطعام(1) .
لا أدري كيف يدعو عمر إلى كُنى عرب الجاهليّة وبينها كُنى قبيحة ومنهيّ عنها ، فإنّ أبا مرّة كنية إبليس ، وحرب من أقبح الأسماء كما في زاد المعاد(2) ، وهكذا غيرها .
ألم يكن الأجدر به أن ينصح ابنه وغيره من الصحابة أن لا يسمّوا ولا يكنّوا بتلك الكنى لا أن يضربهم عليها !
فعن زرارة قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : إنّ رجلاً كان يغشى عليّ بن الحسين وكان يكنّى : أبا مرّة ، فكان إذا استأذن عليه يقول : أبو مرّة بالباب ، فقال له عليّ بن الحسين : باللّه إذا جئت إليّ بابنا فلا تقولنَّ : أبو مرّة(3) .
هذا هو المنهج الصحيح الذي دعا إليه الأئمّة ، وهو الإرشاد لا الضرب ; لأ نّه ليس على الرسول إلاّ البلاغ ، والأئمّة بمنهجهم القويم سعوا إلى تصحيح ما حرّفه الخلفاء وما أفسده الدهر من آراء واستحسانات .
فعن سعيد بن خيثم ، عن معمر بن خيثم ، قال : قال لي أبو
____________
1- مسند أحمد 6 : 16 ح 23971 ، مجمع الزوائد 5 : 16 ، الاستيعاب 2 : 73 .
2- زاد المعاد 2 : 334 ، 341 ، وفيه : كان اقبح الأسماء حرباً ومرة وعلى قياس هذا حنظلة وحزن وما اشبههما .
3- الكافي 6 : 21 ح 17 ، وسائل الشيعة 21 : 399 ح 1 . وفي رواية أُخرى عن الباقر (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال على منبره : وشرّ الأسماء : ضرار ومرّة وحرب وظالم . الخصال : 250 ح 118 وعنه في الوسائل 21 : 399 ح 5 .
________________________________________ الصفحة 231 ________________________________________
جعفر [الباقر(عليه السلام)] : ما تكنّى ؟
قال : ما اكتنيت بعد ، وما لي ولد ولا امرأة ولا جارية .
قال : فما يمنعك من ذلك ؟
قال : قلت : حديث بلغنا عن عليّ (عليه السلام) ; قال : من اكتنى وليس له أهل فهو أبو جعر(1) .
فقال أبو جعفر : شوّه ، ليس هذا من حديث عليّ ، إنّا لنكنّي أولادنا في صغرهم مخافةَ النبز أن يلحق بهم(2) .
وعن ابن أبي عمير ، عن عليّ بن عطيّة ، قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام)لعبدالملك بن أعين : كيف سمّيت ابنك ضريساً ؟
قال : كيف سمّاك أبوك جعفراً ؟
قال : إنّ (جعفراً) نهر في الجنّة ، وضريس اسم شيطان(3) .
فالإمام أراد أن يوقف عبدالملك بن أعين على أنّ اسم ضريس اسم منهيّ عنه ، وهو اسم للشيطان يجب الابتعاد عنه، وأنّ على الناس أن لا يأخذوا بكلّ اسم عرفوه ، بل يجب عليهم أن يتعرّفوا على معانيه ودلالاته ، أما ضريس فقد اخذته العزة بالأثم فسال الإمام : كيف سمّاك أبوك جعفراً ، معتقداً بأن اسم ضريس مثل اسم جعفر يلحظ فيه العلمية فقط ، ولأجل ذلك وضّح(عليه السلام) له بأنّ (جعفراً) نهر في الجنّة .
إنّ الأمويّين لم يكونوا هم الوحيدين الجادّين في تغيير ثقافة الأسماء ، فقد كان هناك مَن يساندهم من الصحابة والتابعين وزوجات النبي ، والكلّ يريد إبعاد النهج العلويّ المدافع عن النهج النبويّ بالطرق التي يرونها ، ثم ترسيخ ما يلائم
____________
1- في النهاية : الجعر : ما يبس من الثفل في الدبر أو خرج يابساً .
2- الكافي 6 : 19 ح 11 ، مرآة العقول 21 : 35 ، التهذيب 7 : 438 ح 14 ، وسائل الشيعة 21 : 397 ح 1 .
3- رجال الكشّيّ 1 : 412 ح 302 ، وعنه في وسائل الشيعة 21 : 399 ح 6 .
________________________________________ الصفحة 232 ________________________________________
أذواقهم وأهدافهم .
فقد مرّ عليك كلام مروان لعليّ بن الحسين (عليه السلام) واعتراضه على الإمام الحسين في تكرار اسم علي بين أولاده (عليهم السلام) ، وقوله : ( علي وعلي ؟ ما يريد أبوك أن يدع أحداً من ولده إلاّ سمّاه عليّاً ) .
وقول الإمام الحسين (عليه السلام) في جواب هذا المنحى المعوَجِّ : (و يلي على ابن الزرقاء دبّاغة الأدم ، لو ولد لي مائة لأحببت أن لا أُسمّي أحداً منهم إلاّ عليّاً) .
وهؤلاء الحكّام وإن فعلوا ما فعلوا فهم لا يقدرون على إخماد هذا النور الوهّاج الذي اشتق من نور الباري جلّ وعلا .
إنّ الخط العلوي أخذ يتنامى شيئاً فشيئاً بفضل قوّة حججه وأصالة انتمائه ، وكذا من خلال الوداعة ، واللين ، وكظم الغيظ والصبر على الأذى .
فالإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) لم يكن له يوم السقيفة أربعون رجلاً يدافعون عن حقّه وينصرونه ، وحين جاءته الخلافة الفعليّة ونهض بالأمر نكثت طائفة وقسطت أخرى ومرقت ثالثة ، لكنّ نهجه رغم كلّ العقبات أخذ يتنامى شيئاً فشيئاً بلينه وسماحته ، حتى ترى اليوم خمس المسلمين ـ أو سدسهم ـ من شيعته وشيعة أهل بيته ، وإن كان(عليه السلام) في زمانه قد عانى الأمرّين حقاً .
صحيح أن منهج أهل البيت يسير بخُطًى وئيدة لكنّ العقبى له لا محالة ، لأنّه منهج قويم مبنيٌّ على العدل والمسامحة ، وأن هذا المنهج السليم دعا إلى أن يكثر أتباعه يوماً بعد يوم حتّى يشمل العالم باسره في يوم ما ، لأ نّه منهج مبنيٌّ على أُصول إنسانيّة يقبلها الجميع .
فعلي بن أبي طالب ـ وكما قال محمّد بن سليمان ـ (دحضه الأوّلان وأسقطاه ، وكُسر ناموسه بين الناس ، فصار نسياً منسيّاً ، ومات الأكثر ممن يعرف خصائصه التي كانت في أ يّام النبوّة وفضله ، ونشأ قوم لا يعرفونه ولا يرونه إلاّ رجلاً من عرض المسلمين ، ولم يبق ممّا يمتّ به إلاّ أ نّه ابن عمّ الرسول ، وزوج ابنته ، وأبو سبطيه ، ونُسِيَّ ما وراء ذلك كلّه ، واتّفق له من بغض قريش وانحرافها ما لم يتّفق
________________________________________ الصفحة 233 ________________________________________
لأحد(1)) .
لكنه(عليه السلام) وأبناءه أعادوا الأمر إلى نصابه رغم الحملات المسعورة المترامية الأطراف ضدهم ، وقاموا بإصلاح الواقع الفاسد ; تارة بالإشارة والكناية ، وأخرى ببيان الصحيح فقط دون المساس بالآخر ، وثالثة بالتحذير من أئمة الباطل ، ورابعة وخامسة ... فكانوا لا يرتضون الصراع المباشر مع أسماء الثلاثة لكي لا يحقق الأمويون أهدافهم من المخططات المريضة التي كانوا يبثّونها بين المسلمين .
وممّا أثاره القوم في مجال التسمية في العهدين الأموي والعباسي هو قولهم : لماذا لم يسم ربّ العالمين عليّاً في القرآن ، فإن قلتم أ نّه موجود ، فأين هو ؟ وإن لم يكن موجوداً فيه صريحاً فكيف تستدلّ الشيعة على أمر لم ينصّ عليه القرآن الحكيم ؟
ومثله قولهم : كيف يسمّى ولد فاطمة بأبناء رسول الله ، مع أنّ المرء ينسب الى أبيه لا إلى أمّه ؟ فإنّهم وبهذه الإثارات كانوا يريدون أن يبعدوا شيعة آل محمّد عن أئمّتهم ، وأن يشككوا في نسبة الآل إلى رسول الله والعياذ بالله .
لِم لم يُسمَّ عَلِيٌّ في القرآن ؟
عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله [الصادق] (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ ( وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الأَمْرِ مِنْكُمْ )(2) .
فقال : نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين (عليهم السلام) .
فقلت له : إنّ الناس يقولون : فما له لم يسمّ عليّاً وأهل بيته في كتاب الله عزّ وجلّ ؟
قال : فقال : قولوا لهم : إنّ رسول الله نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ الله لهم ثلاثاً
____________
1- شرح نهج البلاغة 9 : 28 .
2- النساء : 59 .
________________________________________ الصفحة 234 ________________________________________
ولا أربعاً حتّى كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) هو الذي فسّر ذلك لهم .
ونزلت عليه الزكاة ولم يسمّ لهم من كلّ أربعين درهماً حتّى كان رسول الله هو الذي فسّر ذلك لهم .
ونزل الحجّ فلم يقل لهم : طوفوا أُسبوعاً ، حتّى كان رسول الله هو الذي فسّر ذلك لهم ، ونزلت ( وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الأَمْرِ مِنْكُمْ ) ، فقال رسول الله في علي : من كنت مولاه فعلي مولاه ... إلى أن يقول : فلو سكت رسول الله فلم يبيّن من أهل بيته لادّعاها آل فلان وآل فلان ، لكنّ الله عزّ وجلّ أنزله في كتابه تصديقاً لنبيّه ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )(1) ، فكان علي والحسن والحسين وفاطمة ، فأدخلهم رسول الله تحت الكساء في بيت أمّ سلمة ثمّ قال : اللهم ...(2)
ولد فاطمة أبناء النبي أم أبناء علي ؟
عن هاني بن محمّد بن محمود ، عن أبيه رفعه إلى موسى بن جعفر(عليه السلام) أ نّه قال : دخلتُ على الرشيد فقال لي : لم جوّزتم للعامّة والخاصّة أن ينسبوكم إلى رسول الله ، و يقولون لكم : يا بني رسول الله ، وأنتم بنو علي ، و إنّما ينسب المرء إلى أبيه ، وفاطمةُ إنّما هي وعاء ، والنبيُّ جدّكم من قبل أُمِّكم ؟
فقلت : يا أمير المؤمنين ، لو أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) نُشِرَ فخطب إليك كريمتك ، هل كنت تجيبه ؟ فقال : سبحان الله ! ولِمَ لا أجيبه ؟ بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك .
فقلت : لكنّه(صلى الله عليه وآله) لا يخطب إليّ ولا اُزوّجه .
فقال : ولِمَ ؟ فقلت :
____________
1- الأحزاب : 33 .
2- الكافي 1 : 286 ح 1 باب ما نصّ الله ورسوله على الائمّة (عليهم السلام) واحداً فواحداً .
________________________________________ الصفحة 235 ________________________________________
لأ نّه ولدني ولم يلدك .
فقال : أحسنت يا موسى .
ثمّ قال : كيف قلتم : إنّا ذرّيّة النبي(صلى الله عليه وآله) ، والنبيُّ لم يُعقِّب ، و إنّما العقب للذكر لا للأُنثى ، أنتم ولد البنت ، ولا يكون لها عقب ؟
فقلت : أسألك بحقّ القرابة والقبر ومن فيه إلاّ ما أعفيتني عن هذه المسألة .
فقال : لا ، أو تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد علي ، وأنت يا موسى يعسوبهم و إمام زمانهم ، كذا أُنْهِيَ إليّ ، ولست أعفيك في كلّ ما أسألك عنه ، حتّى تأتيني فيه بحجّة من كتاب الله تعالى ، وأنتم تدّعون معشر ولد علي أ نّه لا يسقط عنكم منه شيء أَلِفٌ ولا واوٌ إلاّ وتأويله عندكم ، واحتججتم بقوله عزّ وجلّ : ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيء )(1) ، وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم .
فقلت : تأذن لي في الجواب ؟ فقال : هات !
فقلت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمانَ وَأَ يُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِى الُْمحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى )(2) ، مَنْ أبو عيسى يا أمير المؤمنين ؟ فقال : ليس لعيسى أب . فقلت : إنّما ألحقناه بذراري الأنبياء من طريق مريم(عليها السلام) ، وكذلك أُلحقنا بذراري النبيّ(صلى الله عليه وآله) من قبل أُمنا فاطمة(عليها السلام) .
أزيدك يا أمير المؤمنين ؟ قال : هات ! قلت : قول الله عزّ وجلّ : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ )(3) ، ولم يدّع أحد أنه أدخله النبيّ(صلى الله عليه وآله) تحت الكساء عند المباهلة للنّصارى إلاّ علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) ، فكان تأويل قوله عزّ وجلّ : ( أَبْنَاءَنَا ) الحسن
____________
1- الأنعام : 38 .
2- الأنعام : 84 ـ 85 .
3- آل عمران : 61 .
________________________________________ الصفحة 236 ________________________________________
والحسين ، ( وَنِسَاءَنَا ) فاطمة ، ( وَأَنْفُسَنَا ) علي بن أبي طالب(1) .
إنّ أئمّة أهل البيت كانوا يذكّرون الشيعة بمقاماتهم المعنوية وما ورد فيهم عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) من الفضائل ، وكانوا يكنّون عن أسماء أعدائهم ، لكنّ الحكّام كانوا يسعون لتهييج التنابز والسباب وذكر الأسماء صراحة من خلال عدّة أساليب لئيمة .
منها وضع أخبار حسنة في ظاهرها ومشينة في باطنها في مدح أهل البيت وذكر فضائلهم ومقاماتهم المعنوية ، حتى وصل الأمر في بعض الأحيان إلى دعوى الغلو فيهم .
وقد استغلوا بالفعل بعض من دَسُّوا أنفسهم في أصحاب الأئمة لوضع تلك الأخبار على لسانهم(عليهم السلام) ، وقد أخبر الأئمّة بأنّ المغيرة بن سعيد ، وبنان بن سمعان ، وأبا الخطاب ، دسّوا أحاديث على لسان الأئمّة ، وأ نّهم(عليهم السلام) براءٌ من تلك الأخبار وما يذكرونه من مقامات لهم وفي بعض الأحيان على لسانهم .
وممّا فعله القوم أيضاً هو التصريحُ بأَسماء الّذين ورد فيهم الذمّ ، ونشروا ذلك كي يثيروا الفتنه ، خلافاً لمنهج الأئمّة الذين صدر منهم الذمّ لأسماء أعداء الله ، لكن بنحو الكناية والتعريض لا بالإِشهار والتصريح ، وانّ معاني تلك الكنى كان لا يعرفها إلاّ الخواص ، وأ نّهم(عليهم السلام) أمروا شيعتهم بكتمان ما قالوا في أعداء الله كي لا تستغلّها السلطات في سياساتها المريضة ، ولكي لا يعرفوا مغزاها فيتّخذوها سلاحاً ضدّ أهل البيت ، لكنّ مجموعة ممّن تعاونوا مع السلطات أفشوا مقصود الأئمة من تلك الأسماء والكنى ونشروها بعينها ورسمها وحروفها .
أجل، إنّ أهل البيت وقفوا أمام خطط الحكّام، مذكّرين شيعتهم بمحبوبية التسمية بأسمائهم (عليهم السلام) والتكنية بكناهم ، وتناقل ما جرى عليهم من مظالم في
____________
1- عيون أخبار الرضا 2 : 80 ـ 81 . وجاء قريب من ذلك في مناظرة يحيى بن يعمر مع الحجاج ; انظر كنز الفوائد للكراجكي :167 ـ 168 ، ووفيات الأعيان 6 : 174 ، شرح الأخبار 3 : 92 ح 102 وأنظر الفصول المختارة للمفيد 1 : 16 ـ 17 .
________________________________________ الصفحة 237 ________________________________________
العصور السابقة كي تبقى هذه الأسماء حيّة عند المسلمين ، فجاء في الزيارة الجامعة الكبيرة لأئمة أهل البيت (وأسماؤكم في الأسماء)، هذا من جهه ، ومن جهة أخرى نهوا خُلَّص أصحابهم عن التكنية بأسماء أعدائهم ومخالفيهم ، لأنّ تلك الأسماء صارت رمزاً للشّرّ والأمور السلبية، ولأنّ عرش الله يهتزّ بذكر تلك الأسماء.
فعن سليمان الجعفري ، قال : سمعت أبا الحسن(عليه السلام) يقول : لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمّد أو أحمد أو عليّ أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله ، أو فاطمة من النساء(1) .
مع حديث ابن عساكر في تسمية أولاد علي(عليه السلام)
مرّ عليك بأنّ الشيطان إذا سمع منادياً ينادي باسم عدوّ من أعداء أهل البيت اهتزّ واختال ، وكذا وقفت على نهى الإمام الكاظم عن التسمية بحميراء .
وفي هذا المعترك سُئل حفيد عمر الأطرف ـ في أوائل العصر العباسي ـ عن سبب تسمية الإمام عليّ جدّه بعمر ، فجاء عيسى بن عبدالله بن محمّد بن عمر الأطرف ليوضح خلفية ملابسات هذه التسمية وأ نّها لم توضع من الإمام علي بل وضعت من قِبَلِ عمر بن الخطاب .
أخرج ابن عساكر بسنده ، عن الزبير ، عن محمّد بن سلام ، قال : قلت لعيسى بن عبدالله بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب : كيف سَمَّى جدُّكَ عليٌّ عُمَرَ ؟
فقال : سألتُ أبي عن ذلك ، فأخبرني عن أبيه ، عن عمر عن عليّ ، بن أبي طالب ، قال : ولدتُ لأبي بعد ما استُخلِفَ عمر
____________
1- الكافي 6 : 19 ح 8 والتهذيب 7 : 438 ح 1348 وعنه في وسائل الشيعة 21 : 396 ح1 .
________________________________________ الصفحة 238 ________________________________________
بن الخطّاب ، فقال له : يا أميرالمؤمنين ولد لي غلام .
فقال [عمر] : هبه لي .
فقلت : هو لك .
قال : قد سمّيته عمر ونحلته غلامي مورق .
قال : فله الآن ولد كثير . قال الزبير : فلقيت عيسى بن عبدالله فسألته فخبّرني بمثل ما قاله محمّد بن سلام(1) .
فأنت تلاحظ استغراب محمّد بن سلام واستغراب الزبير ، وتقبّل عيسى بن عبدالله لهذا الاستغراب ، وكان هو أيضاً قد تعجب من ذلك فسأل أباه عنه ، تلاحظ كلّ ذلك دالاًّ بوضوح على أنّ هناك نزاعاً وصراعاً قويّاً بين أمير المؤمنين علي وعمر ، بحيث أنّ هذا النزاع والصراع زَرَع في أذهان الجميع أنَّ من العجيب أن يسمّي عليّ ابنه باسم خصمه اللدود ، فجاء الردُّ واضحاً بأنّ عمر كان هو المبادر لهذه التسمية الساعي لزرع مجد عُمَريّ مبتن على صراع الأسماء .
ولا يخفى عليك بأنّ الحكّام على طول فترة الحكمين الأموي والعباسي كانوا يسعون لترسيخ فكرة وضع الإمام علي لأسماء الثلاثة، و يستغلّونها أيّما استغلال للقول بوضعها عن محبّة لهم ، لكنّ علامات الوضع ظاهرة وإليك نصيّن منها .
النص الأول :
أحدهما ما أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ، قال : أخبرنا أبو عبدالله محمّد بن إبراهيم النشابي ، أنا أبوالفضل أحمد بن عبدالمنعم بن أحمد بن بندار ، نا أبوالحسن العتقي ، أنا أبوالحسن الدارقطني ، نا أبوبكر الشافعي ، نا عبدالله بن ناحية ، نا عباد بن أحمد العرزمي ، نا عمّي ، عن أبيه ، عن عمرو بن قيس ، عن عطيّة ، عن أبي سعيد ، قال :
____________
1- تاريخ دمشق ، لابن عساكر 45 : 304 .
________________________________________ الصفحة 239 ________________________________________
مررتُ بغلام له ذؤابة وجُمَّة إلى جنب عليّ بن أبي طالب ، فقلت : ما هذا الصبيّ إلى جانبك ؟ قال : هذا عثمان بن عليّ سمّيته بعثمان بن عفّان ، وقد سمّيته(1) بعمر بن الخطاب ، وسمّيت بعبّاس عمّ النبيّ ، وسمّيت بخير البريّة محمّد ، فأمّا حسن وحسين ومحسن فإنّما سمّاهم رسول الله وعقّ عنهم ، وحلق رؤوسهم وتصدّق بوزنها وأمر بهم فَسُرُّوا وخُتِنُوا(2) .
أنا لا أريد أن أدخل في مناقشة سندية لهذا الخبر ، بل أريد أن ألفت نظر القارئ إلى بعض النقاط فيه :
وهل يمكننا أن ندّعي بأنّ هذا الخبر المفتعل وضع من قبل النافين لوجود ابن لعليّ اسمه أبوبكر ؟ إلى غيرها من التساؤلات التي يمكن طرحها في نص كهذا .
إنّ أتباع الخلفاء وضعوا أخباراً كثيرة في هذا السياق ، لأ نّك تَرى كلّ واحد
____________
1- الصحيح أن يقول : (وقد سمَّيتُ بعمر) .
2- تاريخ مدينة دمشق 45 : 303 ـ 304 . وكلمة (فسرّوا) : قطعت سِرّتهم .
________________________________________ الصفحة 240 ________________________________________
من هؤلاء الرواة ينقل الحادثة بالشكل الذي يرتضيه ، فمرّة تكون الواقعة في عهد الإمام ، وأخرى بعد وفاته (عليه السلام) ، وثالثة ورابعة ، وقد انتقلت حكايات هؤلاء الرواة إلى المجاميع الحديثيّة والتاريخيّة عن طريق إخراج الحفّاظ لها .
فاختلاف النقول في الأخبار شيء قد يحدث ولا غبار في ذلك ، لكن نقول أنّه في الأماكن الخلافية الحساسة يكون مقصوداً ، و ينبئ عن حسّاسيّة الأمويين مع هذا الاسم .
إذن تارة الحادثة ترتبط مع تسمية عبدالله بن جعفر ابنه باسم معاوية ، وتارة أخرى ترتبط مع تغيير عبدالله بن جعفر اسم ابنه من عليّ إلى معاوية ، كما تراه في الخبر الآتي ، فلو صح هذا الخبر فهو لا يتّفق مع تسميته ابنه بمعاوية ابتداءً كما في نصوص أخرى .
النص الثاني :
وإليك ما أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق، عن أبي الفضل الربعي أ نّه قال:
حدّثني أبي وسمعته يقول : ولد أبومحمّد ، عليّ بن عبدالله ـ سنة أربعين ـ بعد قتل عليّ بن أبي طالب ، فسمّاه عبدالله بن العباس (عليّاً) وكنّاه بأبي الحسن ، وولد معه في تلك السنة لعبدالله بن جعفر غلام فسمّاه (عليّاً) وكنّاه بأبي الحسن ، فبلغ ذلك معاوية فوجّه إليهما أن انقلا اسم أبي تراب وكنيته عن ابنيكما ، وسمّياهما باسمي وكنّياهما بكنيتي ، ولكلّ واحد منكما ألف ألف درهم .
فلمّا قدم الرسول عليهما بهذه الرسالة سارع في ذلك عبدالله بن جعفر فسمّى عبدالله بن جعفر ابنه معاوية وأخذ ألف ألف درهم ، وأمّا عبدالله بن عبّاس فإنّه أبى ذلك ، وقال : حدّثني عليّ بن أبي طالب عن النبيّ (عليه السلام) أ نّه قال : ما من قوم يكون
________________________________________ الصفحة 241 ________________________________________
فيهم رجل صالح فيموت فيخلف فيهم بمولود فيسمونه باسمه إلاّ خلفهم الله بالحسنى ، وما كنت لأفعل ذلك أبداً .
فأتى الرسول معاوية فأخبره بخبر ابن عباس ، فردّ الرسول ، وقال : فانقل الكنية عن كنيته ولك خمس مائة ألف ألف .
فلمّا رجع الرسول إلى ابن عباس بهذه الرسالة ، قال : أمّا هذا فنعم ، فكنّاه بأبي محمّد(1) .
وهذا النص يختلف عما نقلناه سابقاً(2) عن ابن عبّاس ، وأ نّه أتى عليّاً أ يّام خلافته وطلب منه أن يسمّي ابنه ، فسمّا علياً وكنّاه بأبي الحسن(3) .
فإن طلب ابن عباس من الإمام علي في أن يسمي ولده ـ أيّام خلافته(عليه السلام) ـ لا يتفق مع تسمية ابن عباس مولوده بعد وفاة الإمام علي ; لما سمعه من رسول الله .
وكذا هو الآخر يخالف ما أخرجه ابن عساكر ، عن عيسى بن موسى ، قال :
لمّا قدم علي بن عبدالله بن عباس على عبدالملك بن مروان من عند أبيه ، قال له عبدالملك : ما اسمك ؟
قال : علي .
قال : أبو من ؟
قال : أبو الحسن .
قال : أَ تَجمَعُهُمَا عَلَيَّ ؟! حوّل كنيتك ولك مائة ألف .
قال : أ مّا وأبي حيّ فلا ، فلمّا مات عبدالله بن عبّاس كنّاه
____________
1- تاريخ مدينة دمشق 43 : 44 ـ 45 .
2- في صفحة : 58 .
3- قال ابن حجر في تهذيب التهذيب 7 : 312 ـ 313 وقد حكى المبرد وغيره أنّه لمّا ولد جاء به أبوه إلى عليّ بن أبي طالب فقال : ما سمّيته ، فقال : أو يجوز لي ان أسمّيه قبلك فقال (عليه السلام) : قد سمّيته باسمي وكنّيته بكنيتي وهو أبو الأملاك ، وذكر بعد ذلك تغيير عبدالملك لكنيته والله أعلم .
________________________________________ الصفحة 242 ________________________________________
عبدالملك أبا محمّد(1) .
وفي تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير والنصّ عن الأخير :
وقيل أ نّه ولد في الليلة التي قتل فيها عليّ بن أبي طالب فسمّاه أبوه عليّاً ، وقال : سمّيته باسم أحبّ الناس إليّ وكنّاه أبا الحسن ، فلمّا قدم على عبدالملك بن مروان أكرمه وأجلسه معه على سريره ، وسأله عن كنيته فأخبره ، فقال : لا يجتمع في عسكري هذا الاسم والكنية لأحد ، وسأله هل ولد لك من ولد ؟ قال : نعم ، وقد سمّيته محمّداً ، قال : فأنت أبو محمّد(2) .
وفي حلية الأولياء : كان عليّ بن عبدالله بن عبّاس يكنّى ابا الحسن ، فلما قدم على عبدالملك بن مروان قال له : غيّر اسمك وكنيتك فلا صبر لي على اسمك وكنيتك . فقال : أ مّا الاسم فلا ، وأ مّا الكنية فأُكنَّى بأبي محمّد ، فغيّر كنيته .
قال اليافعي : قيل : و إنّما قال عبدالملك هذه المقالة لبغضه في عليّ بن أبي طالب اذ اسمه وكنيته كذلك(3) .
أنا لا أريد أن أرجّح خبراً على آخر في هذه القضية ، بل أريد أن أُذكّر القارئ الكريم بأنّ بين الأخبار المذكورة في وقائع كهذه ، ما هو صحيح وما هو باطل ، والواقعة إمّا أن تكون قد وقعت في عهد الإمام علي ، أو من بعد وفاته في عهد معاوية ، أو أ نّها كانت في عهد عبدالملك ، في حياة عبدالله بن عبّاس أو بعده .
وسواء كان تبديل الكنية من قبل ابن عباس بعوض ، أم لم يكن بعوض ، فإنّ المهمّ هو أ نّهم كانوا حسّاسين مع اسم عليّ وخصوصاً لو قرن هذا الاسم مع كنية
____________
1- تاريخ دمشق 43 : 45 ، فقال : أمّا الإسم فلا ، وأمّا الكنية فتكنّى بأبي محمّد ، فغيّر كنيته .
2- تاريخ الطبري 4 : 165 ، الكامل في التاريخ 4 : 422 .
3- حلية الأولياء 3 : 207 ، مرآة الجنان 1 : 245 .
________________________________________ الصفحة 243 ________________________________________
أبي الحسن ، لأ نّه سيكون دليلاً على المحبّة لا محالة ـ بالطبع طبق نظريّتهم !! ـ وبالتالي فإنّه سيقوّض أطراف حكومتهم وسياساتهم المبتنية على بغض أهل البيت وعلى راسهم أمير المؤمنين علي(عليه السلام) .
وقد قال الدكتور داود سلوم عن البحتري وأنّه بدّل كنيته من أبي الحسن إلى أبي عبادة ارضاً للمتؤكل العباسي ، كما أنّه قال عن الشاعر يزيد بن مفرغ الحميري (ت 69) بأنّه ولكي يفنذ في المجتمع الجديد فقد تكنى بأبي عثمان واتصل بالأمويين واولاد عثمان(1) .
إنّ انصار النهج الحاكم سرقوا لقب الصديق ، والفاروق ، وجامع القرآن ، وسيف الله وأعطوها جُزافاً لأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وخالد بن الوليد .
كما أنّهم لقّبوا عثمان بـ (ذي النورين) كي ينتقصوا من أهميّة لقب (الزهراء) الممنوح لفاطمة سلام الله عليها على وجه الخصوص .
وأيضاً شرّعوا الاختلاف بين الصدّيقة فاطمة(عليها السلام) والمسمَّى بالصّدّيق أبي بكر للقول بأ نّهما في مرتبة واحدة لا يكذبان أصلا ، في حين يعلم الكُلُّ بأنّ الاختلاف معناه وجود صادق وكاذب في القضيّة، بصرف النظر عن كون أيهما الصِّديق والكِذِّيب ، فالزهراء(عليها السلام) تقول صريحاً لأبي بكر: (لقد جئت شيئاً فريّاً)، لكنّه لا يجرؤ على تكذيبها وعمد إلى القول بأنّ شهودها لم يكتملوا ، وبهذا الفعل أراد تكذيبها عَملاً، فإذن كلّ واحد يكذب الأخر، فكيف يعد كلّ منهما صدِّيقاً(2)؟!
وفي هذا الإطار لقّبوا أبابكر وعمر بسيّدي كهول أهل الجنّة ، قِبالا لما ورد في ـ الصحيح ـ عن الحسن والحسين بأ نّهما سيّدا شباب أهل الجنّة .
وأخذوا لقب (الشهيد) من حمزة عمّ الرسول وأطلقوه على عثمان ، ولقب
____________
1- ديوان يزيد بن مفرغ الحميري : 80 تحقيق دكتور داود سلوم وفيه : وقد تحولت قبائل كثيرة عن نسبها إلى النسب اليماني في سبيل المال أو السلطة .
2- هذا ما وضحناه في كتابنا (من هو الصديق ومن هي الصديقه) .
________________________________________ الصفحة 244 ________________________________________
(أمير المؤمنين) من الإمام علي وأطلقوه على عمر ومن جَرَّ جَرَّه ، إلى غيرها من عشرات الألقاب والأسماء المنحولة لهذا وذاك .
وقد استمرّت ظاهرة وضع الألقاب والنعوت على الخلفاء في العهدين الأموي والعباسي ، فنسبوا إلى معاوية أنّه كان كاتباً للوحي ، ولأبي مسلم الخراساني أ نّه (وزير آل محمّد) و(سيف آل محمّد) .
وقد لقّب إبراهيم بن محمّد في أوّل الدولة العبّاسيّة بلقب (الإمام) ، وهناك ألقاب كثيرة أخرى سرقوها من آل محمّد وأطلقوها على خلفائهم مثل : (الهادي) و (المهدي) و (المهتدي) و (المرتضى) و (القائم) .
وكذا كان حال الأمويين ، فإنّهم وان كانوا قد عارضوا التسمية بعلي والحسن والحسين أيّام قوّة حكمهم ، لكنّهم ومن منطق السياسة اتّخذوا عند ضعفهم اسم الإمام علي سلاحاً في وجه العباسيين ، لأ نّهم وبسقوط حكمهم لم يبق لهم إلاّ التسلّح بسلاح الآخرين والاحتماء بالرموز ، وقد استغل بالفعل أحد أحفاد معاوية بن أبي سفيان اسم الإمام علي كغطاء في عمله السياسي ، فأراد إعادة الخلافة الأموية بطريقة ذكية ، وذلك بالاستفادة من عليّ ومعاوية معاً ، واستغلال رموزهم في العملية السياسية المرجوّ تطبيقها ، كلّ ذلك من خلال الأسماء والكنى والمؤهّلات ، فجاء في الكامل (حوادث سنة خمس وتسعين ومائة) وسير أعلام النبلاء ، ترجمة السفياني :
هو الأمير ، أبو الحسن ، عليّ بن عبدالله ، بن خالد ، بن يزيد ، بن معاوية بن أبي سفيان القرشي الأموي ، و يعرف بأبي العميطر ، كان سيّد قومه وشيخهم في زمانه ، بويع بالخلافة بدمشق زمن الأمين ، وغلب على دمشق في أوّل سنة ست وتسعين ، [وكان من أبناء الثمانين](1) ، وكان يقول : أنا من
____________
1- سير أعلام النبلاء 9 : 284 .
________________________________________ الصفحة 245 ________________________________________
شيخَيْ صفّين ، يعني عليّاً ومعاوية(1) ، وكان شعار أنصاره : يا عليُّ يا مُختار ، يا من اختاره الجبّار ، على بني العبّاس الأشرار(2) .
انظر إلى قول هذا الأموي الخارج على بني العباس ، كيف يريد أن يلفّق بين عليّ ومعاوية ـ جامعاً في أطروحته القَوّتين المعارضتين للعباسيين ـ فيقول : أنا من شيخي صفّين يعني عليّاً ومعاوية ، وهو يجمع أيضاً بين اسم علي وكنية (أبوالحسن ، عليّ) ، وبين عشيرته وقومه (القرشي الأموي) وبين ما ثبت لأهل البيت وانّ الله اختارهم ، فجعله شعاراً له ضدّ العباسيين ، فكان أنصاره يقولون : يا عليّ يا مختار يا من اختاره الجبّار ، على بني العبّاس الأشرار .
نعم بهذه الطرق التمويهية الملتوية كانوا يسعون إلى تحريف الحقائق وتوظيفها لصالحهم ، لكن الأئمة كانوا حذرين من مخططاتهم ودورهم في استغلال الأسماء والكنى موضحين لشيعتهم تلك الطرق الملتوية .
فعن عليّ بن الحسين زين العابدين(عليه السلام) أ نّه قال : ... هذه أحوال من كتم فضائلنا ، وجحد حقوقنا ، وسُمّي بأسمائنا ، ولُقّب بألقابنا ، وأعان ظالمنا على غصب حقوقنا ، ومالأ علينا أعداءنا(3) .
وفي عيون أخبار الرضا(عليه السلام) أ نّه قال لابن أبي محمود : إنّ مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام :
أحدها : الغلوّ .
ثانيها : التقصير في أمرنا .
____________
1- الكامل في التاريخ 5 : 377 (حوادث سنة 195 هـ) .
2- سير أعلام النبلاء 9 : 286 .
3- تفسير الإمام العسكري : 589 ، وعنه في بحار الأنوار 26 : 236 .
________________________________________ الصفحة 246 ________________________________________
وثالثها : التصريح بمثالب أعدائنا .
فإذا سمع الناس الغلوّ فينا كفّروا شيعتنا ، ونسبوهم إلى القول بربوبيّتنا ، و إذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا ، و إذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا ; وقد قال الله عزّ وجلّ ( وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْم )(1) .
وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله :
من سمّانا بأسمائنا ، ولقّبنا بألقابنا ، ولم يسمّ أضدادنا بأسمائنا ، ولم يلقّبهم بألقابنا ـ إلاّ عند الضرورة التي عند مثلها نسمّي نحن ونلقّب أعداءنا بأسمائنا وألقابنا ـ فانّ الله عزّ وجلّ يقول لنا يوم القيامة : اقترحوا لأوليائكم هؤلاء ما تعينونهم به ...(2) .
وعن الإمام موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام) ، قال :
من أعان محبّاً لنا على عدوّ لنا ، فقوّاه وشجّعه حتى يخرج الحقّ الدالّ على فضلنا بأحسن صورته ، ويخرج الباطل ـ الذي يروم به أعداؤنا دفع حقّنا ـ في أقبح صورة ، حتّى يتنبّه الغافلون ، ويستبصر المتعلمون ، ويزداد في بصائرهم العاملون ، بعثه الله تعالى يوم القيامة في أعلى منازل الجنان ، و يقول : يا عبدي الكاسر لأعدائي ، الناصر لأوليائي ، المصرِّح بتفضيل محمّد خير أنبيائي ، وبتشريف عليٍّ أفضل أوليائي ، والمناوي إلى من ناوأُهما ، وتسمَّى بأسمائهما ،
____________
1- عيون أخبار الرضا 2 : 272 وعنه في بحار الأنوار 26 : 239 .
2- بحار الأنوار 24 : 391 .
________________________________________ الصفحة 247 ________________________________________
وأسماء خلفائهما ، وتلقب بألقابهما ، فيقول ذلك ، و يبلغ الله جميع أهل العرصات . فلا يبقى ملكٌ ولا جبّار ولا شيطان إلاّ صلّى على هذا الكاسر لأعداء محمّد(صلى الله عليه وآله) ، ولعن الذين كانوا يناصبونه في الدنيا من النواصب لمحمّد وعلي صلوات الله عليهما(1) .
وعليه ، فالتسميات أخذت وضعها الصحيح ببركة أهل البيت ، و إنّ التأكيد على اسمائهم جاء في روايات متعددة عن أهل البيت(عليهم السلام) ، كان من أواخرها ما علّمه الإمام علي الهادي(عليه السلام) (ت 254 هـ) لموسى بن عبدالله النخعي من الزيارة التي يزور بها أئمّة أهل البيت ، وهي المعروفة اليوم بالزيارة الجامعة الكبيرة ، والتي تحتوي على المعارف الحقّة وفيها الموالاة الكاملة لآل البيت والبراءة من أعدائهم ، جاء في بعض فقراتها الأخيرة منها : (وأسماؤكم في الأسماء .... فما أحلى أسماءكم وأكرم أنفسكم) .
وهاتان الفقرتان ـ كغيرهما من الفقرات ـ تحتوي على معارف قيّمة لا يمكننا بهذه العجالة شرحها ، لكنّنا نشير إلى أنّهما يشيران إلى أهمية أسماء أهل البيت وأَبْعادها الإلهية .
أجل إنّ القوم مضافاً إلى سرقتِهم أسماء الأئمة وكناهم كانوا يسعون إلى تغيير معاني بعض تلك الأسماء والألقاب لصالحهم ، فعن أحمد بن أبي نصر البزنطي ، قال : قلت لأبي جعفر محمّد بن عليّ الثاني (عليهما السلام) : إنّ قوماً من مخالفيكم يزعمون أنّ أباك صلوات الله عليه إنّما سمّاه المأمون الرضا لما رضيه لولاية عهده .
فقال : كذبوا والله وفجروا بل الله تعالى سمّاه الرضا لأ نّه كان (عليه السلام) رضىً للهِ تعالى ذكره في سمائه ، ورضى لرسوله والأئمّة بعده (عليهم السلام) في أرضه .
قال : فقلت له : ألم يكن كلّ واحد من آبائك الماضين (عليهم السلام) رضىً لله تعالى
____________
1- تفسير الإمام العسكري(عليه السلام) : 209 ، وعنه في بحار الأنوار 24 : 391 .
________________________________________ الصفحة 248 ________________________________________
ولرسوله والأئمّة من بعده ؟ فقال : بلى ، فقلت له : فلم سَمَّي (عليه السلام) من بينهم الرضا ؟
قال : لأ نّه رَضيَ به المخالفون من أعدائه ، كما رضيَ به الموافقون من أوليائه ، ولم يكن ذلك لأحد من آبائه (عليهم السلام) ، فلذلك سمّي من بينهم الرضا (عليه السلام) (1) .
وهذا الكلام من الإمام يرشدنا إلى أنّهم (عليهم السلام) مع اهتمامهم ببيان القواعد العامّة في التسميات والكنى والألقاب ، كانوا يشيرون إلى بعض التطبيقات الخاطئة المرسومة من قبل الحكّام ، مصحّحين تحريفات المغرضين ودجل المدلسين ; إذ مرّ عليك ما قاله الإمام الجواد في سبب تلقّب الإمام الرضا بالرضا ، وسيأتي أيضاً في خبر يعقوب السراج أنّ الإمام الكاظم نهاه عن التسمية بحميراء ، لأنّ (حميراء) صارت علماً مُبْتَدَعاً لأعداء أميرالمؤمنين من النساء ، فلو لوحظت معاداة أميرالمؤمنين في التسميات صار الاسم مبغوضاً عند الله ، مشيرين إلى أن زوجات النبي لا يعرفن بكنية أو لقب خاص إلاّ عائشة .
وهذا اللقب اطلق على عائشة حينما اخبر رسول الله زوجاته بأن منهن من تخرج على إمام زمانها ، فقال(صلى الله عليه وآله) مخاطباً عائشة (إيَّاك أن تكونيها يا حميراء) .
فنهي الإمام لم يكن معاداة للأسماء والألقاب والكنى بما هي أسماء وألقاب وكُنّى ، بل بياناً لما أمر الله به في كتابه وأكّد عليه نبيّه .
فالأئمّة لا يعادون أحداً بما هو شخص وذات ، حتّى أ نّهم لم يعادوا الخلفاء السابقين الاّ لتعديهم حدود الله وتجاوزهم قول ربّ العالمين وتأكيدات الرسول الأمين في الإمامة الإلهيّة .
فعن يعقوب السراج ، قال : دخلت على أبي عبد الله [الصادق ]وهو واقف على رأس أبي الحسن موسى وهو في المهد ، ... فقال لي : ادنُ من مولاك فسلّم ، فدنوتُ فسلّمت عليه ، فردَّ عَلَيّ السلام بلسان فصيح ، ثمّ قال لي : اذهب فغيّر اسم ابنتك
____________
1- علل الشرايع ، للصدوق 1 : 236 ـ 237 ح 1 .
________________________________________ الصفحة 249 ________________________________________
التي سمّيتها أمسِ ، فإنّه اسم يبغضه الله ، وكان ولدت لي ابنة سمّيتها بالحميراء(1) .
فالإمام قد يسمّي ابنته بعائشة ، لأ نّه اسم عربي رائج وليس فيه قبح ذاتي ، لأنّه ليس حكراً على أحد ، وقد يكون(عليه السلام) سمى ابنته بعائشة للوقوف أمام استغلال الآخرين اسمها في صراعهم مع الإمام الكاظم(عليه السلام) .
أ مّا التسمية بـ (الحميراء) فلا يرتضيه ـ لمن يدّعي محبّة آل البيت ـ لأ نّه عَلَمٌ يختص بعائشة ; لأنّه لم يعرف بهذا اللقب غيرها ، وقد أخبر رسول الله بأنّ كلاب الحوأب تنبح إحدى نسائه ثم قال مخاطباً عائشة (إياك أن تكوني أنت يا حميراء) ، فهو اسم مختصّ بها ، بخلاف اسم عائشة فانّه مشاع للجميع ويتسمى به كثير من الناس قبل وحين وبعد أمّ المؤمنين بنت أبي بكر .
وعليه فالولاء والبراءة يلحظان في التسميات أيضاً ، لكنْ بشروط وظروف محدّدة معيّنة .
ففي تفسير العيّاشي : عن ربعي بن عبدالله ، قال : قيل لأبي عبدالله (عليه السلام) : جعلت فداك ، إنّا نسمّي بأسمائكم وأسماء آبائكم ، فينفعنا ذلك ؟
فقال : إي والله ، وهل الدين إلاّ الحبّ والبغض ، قال الله : ( إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ )(2) .
بهذا النصّ وضّح الإمام (عليه السلام) بأنّ التولّي والتبرّي من أركان الدين ، وأنّ التسمية إن كان يقصد بها الحبّ لأهل البيت تنفع ، وكذا التسمية بأسماء الأعداء بما هم أعداء لله ولرسوله ولأوليائه فهي مضرّة ; لقوله تعالى (إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ
____________
1- الكافي 1 : 310 ح 11 وانظر الإرشاد للمفيد 2 : 219 ، ومستدرك وسائل الشيعة 15 : 128 ، ووسائل الشيعة 21 : 389 ح 3 ، وإعلام الورى 2 : 14 ، والثاقب في المناقب : 433 ح 1 .
2- تفسير العيّاشي : 168 ، مستدرك وسائل الشيعة 15 : 129 ح 2 ، والسورة آل عمران : 31 .
________________________________________ الصفحة 250 ________________________________________
فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) فإنّ الله أَناطَ محبّته باتّباع النبي ، وهو يفهم بأنّ الحب والبغض يجب أن يكون لله وفي الله ، فمن اذى الرسول في عترته واعترض عليهم(صلى الله عليه وآله) وكتم الشهادة لوليّه فهو ممن أبغضه الله لا محالة .
إذن لابدّ من الاجهار والقول بوجود المنافرة بين أهل البيت وبعض الصحابة ، لتخالف مواقفهم مع الذكر الحكيم والسنة المطهرة ، فلا يعقل أن يكون تطابق تسميات الأئمّة(عليهم السلام) لأسماء الخلفاء عن محبة لأُولئك ، لأن الله لا يجمع حبّ وليه وعدّوه في قلب واحد .
فقد تكون التسمية جاءت للعوامل التي ذكرناها ، وقد تكون لوصيّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) للإمام علي بأ نّه سيواجه هكذا أمور فإن ابتُلي فَلْيُسَمِّ ، وقد تكون لتطييب نفوس الاخرين ، لكي لا يصير الناس نواصبَ ، وقد أخبرني أحد المستبصرين أ يّام كان على مذهب الخلفاء بأ نّه لمّا وقف على مطابقة اسم أحد أولاد الإمام علي لاسم أحد الثلاثة ازداد حبّاً و إعجاباً بالإمام عليّ ـ واعتبره صحابيّاً عظيماً حسب قوله ـ وقد كان لذلك من بَعْدُ أَثَرٌ في تشيُّعه واستبصاره واهتدائه للحقّ ، وبكلامه هذا كان يريد القول بأنّ هذه التسميات لها عامل إيجابي في بعض الأحيان وليست سلبية في جميع الحالات ، وإني احببت الاشارة إلى كلامه في هذا الكتاب .
التسمية بعلي في أولاد الأئمّة
وعليه يدور عمل أهل البيت في التسميات على مجالين :
أوّلهما تسمية أولادهم بعلي .
والثاني عدم المخالفة مع التسمية بأسماء الثلاثة في ظروف هم يقدّرونها ، وقد يكونون أُمروا بها ـ في بعض الأحيان لظروف كانوا يقدرونها ـ .
وقد مرّ عليك ما يدل على المجال الأوّل ، في كلام الإمام الحسين(عليه السلام)وقوله :
________________________________________ الصفحة 251 ________________________________________
(لو ولد لي مائة لأحببت أن لا أسمّي أحداً منهم إلاّ عليّاً)(1) .
ولو تأملت في أسماء أولاد الإمام علي من بعد الإمام الحسين لرأيت أنّ اسم (علي) موجود عندهم بكثرة كاثرة .
فأحد أولاد الإمام عليّ بن الحسين بن عليّ (السجّاد ، زين العابدين) المعقبين سُمّي بعلي الأصغر .
وكذا أحد أبناء أخيه (الحسين الأصغر) المعقبين سمى بعلي أيضاً .
وابن أخيه الآخر (زيد الشهيد) اسمه الحسين ذي الدمعة له ابن اسمه علي .
وللإمام الصادق ولدٌ باسم علي العريضي وكنيته (أبو الحسن) صاحب كتاب (مسائل علي بن جعفر) .
ولعمر الأشرف بن علي بن الحسين ابنٌ واحد عقبه ، اسمه عليّ الأصغر .
وقد خلّف الإمام موسى بن جعفر للإمامة ابنه عليَّ بن موسى الرضا .
وللإمام الرضا ولد واحد وهو محمّد الجواد ، وقد خلّف هذا ابنه عليّ بن محمّد الهادي .
فانظر إلى كثرة وجود اسم (محمّد ) و (علي) بين أئمة أهل البيت وأولادهم ; كلّ ذلك إصراراً منهم على إبقاء هذه الأسماء عالية منتشرة ، مقابلةً لمخطّط آل أبي سفيان و إصرارهم على محوها و إبادتها .
هذا عن التسمية بعليّ .
أ مّا الكلام عن المجال الثاني ، فالأئمّة قد لا يخالفون التسمية بأسماء الثلاثة للضرورة ، وقد تراهم يأمرون أصحابهم بهذه التسميات في ظروف هم يقدّرونها .
روى ابن حمزة الطوسي في الثاقب ، عن أحمد بن عمر ، قال : خرجت إلى الرضا(عليه السلام) وامرأتي بها حَبَلٌ ، فقلت له : إنّي قد
____________
1- الكافي 6 : 19 ح 7 ، وسائل الشيعة 21 : 395 ح 1 ، بحار الأنوار 44 : 211 ح 8 عن الكافي .
وفي مناقب آل أبي طالب 3 : 309 عن كتاب النسب عن يحيى بن الحسن قال يزيد لعليّ بن الحسين : واعجباً لأبيك سمّى عليّاً وعليّاً ! فقال(عليه السلام) : انّ أبي أحبّ أباه فسمّى باسمه مراراً .
________________________________________ الصفحة 252 ________________________________________
خلّفت أهلي وهي حامل ، فادعُ الله أن يجعله ذكراً .
فقال لي : وهو ذكر ، فسمِّه عمر !!
فقلت : نويتُ أن أسمّيه عليّاً ، وأمرتُ الأهلَ به .
قال(عليه السلام) : سمِّه عمر .
فوردت الكوفة وقد ولد ابن لي وسُمي عليّاً ، فسمّيته عمر ، فقال لي جيراني : لا نصدّق بعدها بشيء ممّا كان يُحكى عنك ، فعلمت أ نّه(عليه السلام) كان أَ نْظَرَ لي من نفسي(1) .
وحكي عن أبي حنيفة أ نّه استأذن على الصادق فلم يَأْذن له ، ثمّ جاء قوم من أهل الكوفة فاستأذنوا فأذن لهم ، فدخل معهم ، قال أبو حنيفة : فلمّا صرت عنده قلت له : يا بن رسول الله لو أرسلت إلى أهل الكوفة فنهيتهم أن يشتموا أصحاب محمّد(صلى الله عليه وآله) فإنّي تركت بها أكثر من عشرة آلاف يشتمونهم .
فقال(عليه السلام) : لا يقبلون منّي .
فقال أبو حنيفة : ومن لا يقبل منك وأنت ابن رسول الله .
فقال : أنت ممّن لم تقبل منّي ، دخلتَ داري بغير إذني ، وجلست بغير أمري ، وتكلّمت بغير رأيي ، وقد بلغني أنّك تقول بالقياس ... الى آخر الخبر(2) .
ولا يخفى عليك بأنّ أبا حنيفة كان في الكوفة أيّام الغَلَيان الشيعي ، وذلك بعد شهادة الإمام الحسين ، وثورة التوابين ، وحركة المختار الثقفي ، وطلائع الزيدية .
فلا أستبعد أن يثار غضب بعض الشيعة هناك فيلعنوا الأصحاب الظالمين المنحرفين ، لأنّ مساوءهم التي كان يغطيها الأمويّون شاعت وذاعت بين الناس شيئاً فشيئاً في العصر الأموي وفي أوائل العصر العباسي ، فكان لذكرها ولعن أصحابها مجال ، لأنّ الناس كانوا قد علموا الواقع الفاسد وما جرى على العترة بعد
____________
1- الثاقب في المناقب : 214 ح 16 ، الخرائج والجرائح 1 : 362 ح 16 وعنه في بحار الأنوار 49 : 52 ح 55 ، وفيه : أحمد بن عمرة .
2- بحار الأنوار 10 : 220 ح 20 .
________________________________________ الصفحة 253 ________________________________________
رسول الله في العصور السابقة .
وهذه المعرفة من الشيعة بأئمّتهم والدعوة إلى البراءة من الشيخين جعلت الجهاز الحاكم يطاردهم ويضطهدهم ، وجعلت العيون عليهم تحصي أنفاسهم ودقات قلوبهم ، وهذا هو الذي دعا الإمام الرضا أن يأمر أحمد بن عمرة بالتقية وان يسمّي ابنه بعمر ، مع أنّه علويّ المذهب ، لأنّ ـ وحسب تعبير الإمام المعصوم ـ التقية ديني ودين آبائي وهي جارية إلى يوم القيامة .
وقضيّة أحمد بن عمر تشبه قضيّة عليّ بن يقطين حين سأل الامام الكاظم عن مسح الرجلين أهو من الأصابع إلى الكعبين ، أم من الكعبين إلى الأصابع ؟ فكتب إليه أبو الحسن الكاظم(عليه السلام) أن يتوضّأ وضوء العامّة . فلمّا وصل الكتاب إلى عليّ بن يقطين تعجّب ممّا رسم له الإمام خلافاً لإجماع الطائفة ، وبعد مدّة ورد عليه كتاب آخر من الإمام فيه : ابتدِئْ من الآن يا عليّ بن يقطين وتوضّأ كما أمرك الله ... فقد زال ما كنّا نخاف منه عليك(1) .
وهذه النصوص تشير إلى ما كان يمرّ به أهل البيت وشيعتهم من ظروف قاهرة في بعض الأحيان ، تدعوهم للأمر بالتسمية بأسماء الأعداء ـ فضلا عن تجويزه لهم ـ وكل ذلك حفاظاً على دماء الشيعة وأموالهم وأعراضهم ، وذلك ما يدلّ بلا ريب على أنّ التسمية بأسماء الثلاثة لا ترفع العداوة والبغضاء بين أهل البيت والحكّام ، فلا يشك أحد في العداوة بين هارون العبّاسي والإمام الكاظم ، لكنّ ذلك لا يمنع الإمام من أن يسمّي ابنه بـ (هارون) ، لأنّ اسم هارون ليس حِكْراً على هارون الرشيد العباسي ، بل في ذلك فتح باب السلامة والتنفّس للشيعة ، وذلك ما حصل بالفعل للشاعر الشيعي المشهور منصور النَّمِري ; حيث كان يذكر مدائح هارون في قصائده ويقصد به أميرالمؤمنين عليّاً(عليه السلام) لأ نّه بمنزلة هارون من
____________
1- الارشاد 2 : 227 ، الخرائج والجرائح 1 : 335 ح 26 ، اعلام الورى 2 : 21 ، بحار الأنوار 77 : 27 ح 25 عن خرائج الراوندي ، وسائل الشيعة 1 : 444 ح 3 .
________________________________________ الصفحة 254 ________________________________________
موسى ، وذلك ما لم يلتفت إليه هارون العباسي ، فكان يغدق الأموال والعطايا والهدايا على هذا الشاعر ، فلمّا علم بذلك وبمقصد منصور النمري جنّ
جنونه .
وقد نقل السيد المرتضى عن المرزباني ، عن الحكيمي ، عن يموت بن المزرّع عن الجاحظ قوله : كان منصور النميري ينافق(1) الرشيد ويذكر هارون في شعره ويريه أنّه من وجوه شيعته ، وباطِنُهُ ومرادُهُ بذلك أميرالمؤمنين(عليه السلام) علي بن أبي طالب لقول النبيّ(صلى الله عليه وآله) : (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى)(2) .
ولمّا وقف هارون العباسي على تشيّع منصور النمري أمر بِسَلِّ لسانه وقطع يديه ورجليه ثمّ ضرب عنقه وحمل رأسه إليه وصلب بدنه ، فلمّا ذهبوا لينفذوا ذلك وجدوه قد مات ودفن ، فرجعوا إلى هارون العباسي فأخبروه فقال : هلاّ احرقتموه بالنار ، وفي رواية أخرى أنّهم نبشوا قبره(3) .
إذَنْ لولا تشابه الأسماء واختلاطها لما استطاع منصور النمري ـ أو غيره من الشعراء أو الرواة أو الفقهاء ـ أن يبثّ قصائده وأفكاره بعيداً عن عيون الدولة وجواسيسها ، لكنّ تشابه الأسماء وعدم إظهار الحساسيّة منها كان له ـ في جانب من جوانبه ـ المردود الخيِّر على شيعة آل محمّد بفضل علم وسياسة أئمّتهم(عليهم السلام) .
وبهذا قد انتهينا من بيان مسيرة الأسماء في القرنين الأول والثاني ، وموقف أهل البيت والخلفاء منها ، والآن ، نأتي بجرد إحصائي لمن سُمّى باسماء الثلاثة
في العصور اللاّحقة كي نبيّن بأنّ الأئمة وشيعتهم لم يخالفوا الأسماء ، ومن
خلال ذلك تفند دعوى ابن تيمية وأتباعه القائلين بعدم وجود هذه الأسـماء عند
الشـيعة :
____________
1- هذه عبارته ، وهذا ليس نفاقاً و إنّما هو تقية ، وفي الأدب يسمّى حسنى المُواربة .
2- أمالي المرتضى 4 : 186 .
3- انظر مقدمة ديوانه : 24، وقاموس الرجال للتستري 11 : 526 وتاريخ بغداد 13 : 67 .
________________________________________ الصفحة 255 ________________________________________
وجود أسماء الثلاثة عند الشيعة في القرنين الثاني والثالث
تبيّن ممّا مرّ أنّ أسماء الثلاثة كانت موجودة بين الناس وأصحاب الأئمة ورواة الحديث عنهم(عليهم السلام) ، كما أكّدنا أيضاً بأن ليس لتلك الأسماء دلالة على محبّتهم للخلفاء ، وأنّ أئمّة أهل البيت لم ينهوهم نهياً مطلقاً عن التسمية بهذه الأسماء ، رغم ما لاقوه من أولئك الأشخاص ومن اتّبعوهم من الحكّام ، حتّى إنّنا نرى اسم معاوية ويزيد ومروان موجوداً بين أصحاب الأئمة .
فمثلا ترى اسم عمر (عمرو)(1) وعثمان ويزيد والحجاج وأمثالها بين المستشهدين بين يدي الحسين بن علي في واقعة الطف ، وقد وقع التسليم في الزيارة الرجبية على عمر (عمرو) بن كناد ، وعمر بن أبي كعب .
وكذا وقع التسليم على عمر (عمرو) بن خالد الصيداوي ، وعمر بن الأُحدوث في زيارة الناحية المقدّسة .
وقد وقع التسليم أيضاً على عمر (عمرو) بن عبد الله الأنصاري الصائدي في زيارَتَي الناحية المقدَّسة والرجبيّة معاً .
وكذا وقع السلام في الزيارة الرجبية ـ الذي ذكرها المفيد والسيد ابن طاووس ـ على من اسمه عثمان : (السلام على عثمان بن فروة القاري) .
وأيضاً على من اسمه : يزيد ، والحجاج في زيارة الناحية المقدّسة : (السلام على يزيد بن حصين الهمداني المشرفي القاري ... السلام على الحجاج بن مسروق الجعفي ... السلام على يزيد بن زياد بن مهاجر الكندي) .
وهذا يشير الى انّ الامام الحسين(عليه السلام) كان يسمو بروحه وفكره على تصرفات الأمويين ، فلم يكن يخالف اسم عمر أو عثمان أو يزيد أو الحجاج أو أيّ اسم آخر بما هو اسم ، وإن كان على طرفي نقيض مع عمر بن الخطاب ، وعثمان بن
____________
1- هناك احتمال طرحناه في اسماء الطالبيين مفاده ان شيوع اسم عمرو عندهم هو اكثر من عمر يمكنك مراجعة صفحة 324 من هذا الكتاب .
________________________________________ الصفحة 256 ________________________________________
عفان ، ويزيد بن معاوية ، فالإمام(عليه السلام) كان يعلم بأنّ ما جرى عليه وما سيجري على شيعته إنّما هو نتيجة طبيعية لسياسة الشيخين ومن لفّ لفّهما ، وحتى قيل بأن الحسين(عليه السلام) قد قتل من يوم السقيفة(1) .
وكذلك تقف على اسم عمر في أصحاب الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين(عليه السلام) ، مثل : عمر (عمرو) بن أبي المقدام ، وعمر بن جبلة ، وعمر (عمرو) بن ثابت .
وكذا يوجد هذا الاسم في أصحاب الإمام الباقر والرواة عنه مثل : عمر بن أبان ، وعمر بن أبي شيبة ، وعمر بن قيس الماصر ، وعمر (عمرو) بن هلال ، وعمر بن حنظلة ، وعمر بن عبد الله الثقفي ، وعمر (عمرو) بن معمر بن وشيكة ، وعمر بن ثابت ، وغيرهم .
وفي (الفائق في أصحاب الإمام الصادق) للحاج عبد الحسين الشبستري تقف على خمسة سمّوا بأبي بكر ، وهم : أبو بكر بن أبي سماك (أبي سمال) الأسدي ، وأبو بكر بن عبد الله بن سعد الأشعري القمّي ، و أبو بكر بن عيّاش الأسدي الكوفي(2) ، وأبو بكر بن محمّد ، وأبو بكر المرادي ، وعلى أكثر من سبعين شخصاً قد سُمُّوا بـ (عمر) ، و 32 شخصاً سمّوا بـ (عثمان) ، و 18 شخصاً سموا بـ (سفيان) ، و 11 شخصاً سموا بـ (معاوية) ، و 39 شخصاً سموا بـ (خالد) ، و 16 شخصاً سموا بـ (يزيد) ، و 18 شخصاً سموا بـ (الوليد) ، و 7 أشخاص سمّوا بـ (الضحاك) و (المغيرة) .
وذكر الشيخ الطوسي وغيره الذين سُمّوا بعمر في أصحاب أبي الحسن موسى بن جعفر ، وهم : عمر بن يزيد بيّاع السابري ، وعمر بن أذينة ، وعمر بن رياح ،
____________
1- قال القاضي أبو بكر بن قُرَيعة :
وأَريتُكُم أَنّ الحسيـ ـنَ أُصيبَ من يوم السقيفة
كشف الغمة للأربلي 2 : 127 .
2- هذا من علماء ومحدّثي العامّة الذين يثقون بهم ، وكان له محبة وميل إلى أهل البيت .
________________________________________ الصفحة 257 ________________________________________
وعمر بن محمّد بن يزيد الثقفي ، وعمر بن حفص ـ ذكره النجاشي في ترجمة حفص بن غياث ـ وعمر بن محمّد الأسدي ، وفيهم أيضاً : عثمان بن عيسى الرواسي ، وفيهم أيضاً : يزيد بن سليط الزيدي ، ويزيد بن خليفة ، ويزيد بن الحسن ، و(أبو بكر) عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري .
وفي أصحاب الإمام الرضا تقف على من سُمُّوا بعمر وعثمان ومروان ومعاوية ويزيد ، مثل : عمر بن زهير الجزري ، وعمر بن فرات البغدادي ـ كان بواباً للرضا(عليه السلام) ـ وعمر بن فرات ، وعمر الجعابي ، وعثمان بن عيسى الكلابي ، وعثمان بن رشيد ، و مروان بن يحيى ، ومعاوية بن يحيى ، ومعاوية بن سعيد الكندي ، ويزيد بن عمر بن بنت عثمان ، وأبو يزيد المكي .
وفي أصحاب الإمام الجواد يوجد اسم : معاوية بن حكيم .
وفي أصحاب الإمام الهادي اسم : أبو بكر الفهفكي ، وعمر بن توبة الصنعاني ، وعثمان بن سعيد العمري ، ومعاوية بن حكيم بن معاوية بن عمار .
وفي أصحاب الإمام العسكري اسم : يشبه اسم عمر بن أبي مسلم ، وعثمان بن سعيد العمري الزيّات ، وعمر بن أبي مسلم .
فوجود هذه الأسماء بين أصحاب الأئمة يؤكّد بأن الأئمّة(عليهم السلام) كانوا أسمى من أعدائهم ، حيث إنّهم (عليهم السلام) لم يتعاملوا مع الأشخاص على الهوية ، ولم يكشّروا وجهاً بوجه من سُمِّي باسم مخالفهم ، ولم يغضّوا سمعاً من اسم عمر وأبي بكر وعثمان ، إذ هم بعلمهم الربانيّ وعملهم الحكيم الإلهي لا يريدون أن يخرجوا عمّا اعتاد عليه الناس في التسميات ، بدعوى أنّ فلاناً يخالفني ويعاديني .
بل الاكثر من ذلك تراهم لا يمنعون أتباع السلطة من أن يكنّوهم بأبي بكر ، إذ حكى بعض أصحاب كتب التراجم والرجال بأنّ الأئمة : السجاد والرضا والهادي والحجة (عليهم السلام) كانوا يُكَنَّون من قِبَلِ أَهلِ المدينة وأهل الشام بهذه الكنى(1) ، ولم
____________
1- انظر في ذلك الصفحات 463 إلى 471 من هذا الكتاب .
________________________________________ الصفحة 258 ________________________________________
نرهم (عليهم السلام) يمنعونهم منها .
وحتّى إنّ بعض أصحابهم ـ الذين لهم أصول عامية ـ كانوا يطلقون تلك الكنى عليهم ، والأئمّةُ كانوا يسكتون ، فممّا جاء في هذا السياق قول أبي الصلت الهروي أ نّه قال : سألني المأمون عن مسألة ، فقلت : قال فيها أبو بكر كذا وكذا .
قال : من هو أبو بكر : أبو بكرنا أو أبو بكر العامّة ، قلت : أبو بكرنا ، قال عيسى : قلت لابي الصلت : من أبوبكركم ؟ فقال : عليّ بن موسى الرضا(1) كان يكنّى بها ، ووجود هذه الكنية للإمام الرضا وعدمه هو ما سنوضّحه في القسم الثاني من هذه الدراسة (الكنى) إن شاء الله تعالى .
القرن الرابع الهجري
ذكر الشيخ آغا بزرك الطهراني في كتابه (نوابغ الرواة في رابعة المئات) ثلاثة أشخاص من علماء الشيعة ـ أو ممّن روى عنهم الشيعة ـ قد كنّوا بأبي بكر في هذا العهد وهم :
وفي حرف الباء يوجد اسم بكر بن أحمد بن مخلّد من مشايخ الطوسي والنجاشي ; ذكره ابن النجّار في (ذيل تاريخ بغداد) كما نقله تلميذه ابن طاووس في كتاب (الأمان من أخطار الأسفار والأزمان) .
وبكر بن علي بن محمّد بن الفضل الحاكم الحنفي الشاشي من مشايخ
____________
1- مقاتل الطالبيين : 374 .
2- أعيان الشيعة 9 : 377 ت 837 ، الطليعة من شعراء الشيعة 2 : 248 / ت 270 ، معجم البلدان 1 : 57 ، قاموس الرجال للتستري : 348/ ت 6865 .
3- طبقات اعلام الشيعة (القرن الرابع) : صفحة 10 .
________________________________________ الصفحة 259 ________________________________________
الصدوق ، قال آغا بزرك : (إنّما ذكرته ليعلم أنّ الصدوق يتعرّض لمذهب شيخه لو كان من العامّة)(1) .
وفي حرف (العين) قال آغا بزرك : عمر بن أحمد بن حمدان القشيري في طبقة عبد العزيز بن يحيى الجلودي المتوفّى 332 من مشايخ الصدوق .
وعمر بن سهل الدينوري من مشايخ الصدوق في (الأمالي) .
وعمر بن أبي عسلان الثقفي من مشايخ الصدوق كما في (الأمالي) .
وعمر بن الفضل المطيري الراوي عن محمّد بن الحسن الفرغاني (حديث تنصيص زيد الشهيد بالاثني عشر) ويرويه عنه التلعكبري المتوفى 385 كما في (كفاية الأثر) .
وعمر بن الفضل الورّاق الطبري الذي روى عنه أبو غالب الزراري ـ المتوفى 368 ـ بعض خطب أمير المؤمنين في رسالته .
وعمر بن محمّد بن سالم بن البراء المعروف بابن الجعابي ، ترجمه في الفهرست وذكر أ نّه يروي عن المفيد .
وعمر بن محمّد بن علي المعروف بابن الزيّات الصيرفي ، يروي عنه المفيد في (الإرشاد) ، وهو يروي عن ابن أبي الثلج المتوفّى 325 ، ويروي عنه المفيد في الأمالي كثيراً .
وعثمان بن أحمد ، أبو عمرو الدّقّاق من مشايخ المفيد المتوفّى 413 .
وعثمان بن أحمد الواسطي من مشايخ النجاشي ، فالواسطي والدعلجي والتلعكبري في طبقة واحدة أدركهم النجاشي .
وعثمان بن جني النحوي الشهير المتوفّى 392 كان من خواصّ تلاميذ أبي علي الفارسي النحوي ، وقرأ عليه الشريفان الرضي والمرتضى .
إِذن أسماء الثلاثة موجودة عند الشيعة في هذا القرن ، وهو ما يفنّد مزاعم ابن
____________
1- طبقات أعلام الشيعة (القرن الرابع) : صفحة 66 .
________________________________________ الصفحة 260 ________________________________________
تيمية وغيره القائلين بأنّ الشيعة هجروا هذه الأسماء في العصور الأُولى .
القرن الخامس الهجري
لم أقف على اسم أبي بكر، و بكر في كتاب (النابس في القرن الخامس) للشيخ آغا بزرك الطهراني ، بل وقفت على اسم واحد قد سُمّي بعمر، وهو: عمر بن محمّد بن عمر بن يحيى من أحفاد زيد الشهيد ، وثلاثة أشخاص سُمّوا بعثمان هم :
وأنت ترى أنّ أسماء الثلاثة أخذت تقلّ منذ هذا القرن عند الشيعة ، شيئاً فشيئاً ، وذلك لما فعلته الحكومات السنيّة بهم في العصور السابقة ، ولوقوفهم على روايات أهل البيت في كتب المحمّدين الثلاث ـ الكليني ، الصدوق ، الطوسي ـ في ظلامات الظالمين لهم ، وما سيجري عليهم لاحقاً من مصائب وفتن في عهد السفياني وقتل من يسمى بعلي ومحمد والحسن والحسين وفاطمة .
القرن السادس الهجري
ذكر الشيخ آغا بزرك الطهراني في (الثقات العيون في سادس القرون) ثلاث اسماء قد سموا بعمر وهم :
________________________________________ الصفحة 261 ________________________________________
عمر بن إبراهيم الخيّامي النيشابوري(1) ، صاحب (رباعيات الخيّام) المتوفّى 515 أو 517 أو 525 .
وعمر بن إبراهيم بن محمّد ، من أحفاد الحسين ذي الدمعة بن زيد الشهيد ، ولد 442 وتوفي 539 ، ترجم له ياقوت في معجم الأدباء ونقل ولادته ووفاته عن تلميذه السمعاني وأ نّه رأى له جزءً في الحديث مترجماً : (تصحيح الأذان بحيّ على خير العمل ) ، امتنع من قراءتـه عليه وقال : هذا لا يصلح لك ، له طالب غيرك .
وعمر بن إسكندر ، ذكره منتجب الدين بن بابويه .
ولم يذكر الشيخ آغا بزرك من اسمه : أبوبكر ، أو بكر ، أو عثمان فيما كتبه عن أعلام الشيعة في (القرن السادس الهجري) .
إساءة المفتي السلجوقي للصّدّيقة البتول (عليها السلام)
وهنا نكتة يجب الإشارة إليها ، وهي : إنّ التعصّب الطائفي قد طغى في هذه الفترة ، و إنّ الصراعات احتدمت بين الطائفتين ، وقد كان للدولة السلجوقية في العراق و إيران ، ولِطَوامِّ صلاح الدين الأيوبي في مصر والشام ، الدور الأكبر في تشديد الخلاف والأزمة بين الطرفين ، وقد كُتِبَتْ آنذاك مؤلّفات في نقد عقائد الشيعة ، وبيدنا اليوم وثائق كثيرة موجودة عن ذلك العصر ، بعضها باللغة العربية(2)والأخرى باللغة الفارسية أو اللغة التركية ، أنقل لكم نصّاً واحداً منها ، أورده عن كتاب قديم فارسي أُلِّف رداً على ما كُتب من قِبَلِ أتباع الحكومة السلجوقية ضدّ الشيعة ، وهو يرتبط بموضوع الإمامة والولاية اسمه (النقض) ، ومن المسـائل التي بحثت في ذلك الكتاب موضوع تطابق أسماء أولاد الأئمة مع أسماء الخلفاء .
وأرى في هذا المقطع من كتاب (النقض) للقزويني الرازي ـ الّذي أُلِّف في
____________
1- لم يثبت تشيّعه لكنّا أتينا باسمه رعاية للأمانة العلميّة ودقّة لما أتى به الشيخ الطهراني .
2- منها كتب ابن تيمية .
________________________________________ الصفحة 262 ________________________________________
حدود سنة 560 هـ ـ حدّاً فاصلا وفَيصلا قاطعاً كان سبباً مؤثِّراً لترك الشيعة في أواخر القرن الخامس الهجري وأوائل القرن السادس التسمية بأسماء الثلاثة ، ثمّ ازدادت هذه الحساسية شيئاً فشيئاً إلى أن انعدمت التسمية بعمر في أواخر القرن الثامن الهجري عند الشيعة ، حتّى صار هذا الاسم غير مألوف عندهم ، لأ نّهم أحسّوا بالإجحاف وعدم المبالاة والسطو عليهم من قبل الحكّام ، في حين أنّ الشيعة كانوا يريدون العيش المشترك والتأكيد على المشتركات ، لكنّ الآخرين كانوا يستغلّون هذا اللين وهذه السماحة و يعتبرون ذلك ضعفاً ، وهذا دعاهم إلى أن يتركوا التسمية بأسماء الثلاثة في العصور اللاّحقة جَرَّاءَ ظلم ابن أبي سفيان ، والحجاج ، والعباسيين ، والسلجوقيين ، وصلاخ الدين الأيوبي وغيرهم ، و إليك هذا النص لترى فيه الظلامة والإجحاف من الطرف الآخر ، وأراه كافياً لتصوير ظلم الحكّام ومساسهم بالمقدّسات ، وهو نصّ مترجَم من اللغة الفارسية القديمة إلى العربية :
قال عبد الجليل القزويني الرازي صاحب كتاب (النقض) مجيباً دعاوى صاحب كتاب (بعض فضائح الروافض) على الشيعة ، إذ قال :
(... ونقول في جواب ما ادّعيتموه من أ نّكم(1) تسمّون أبناءكم بالحسن والحسين ، والشيعة لا تسمي بأبي بكر وعمر ، فهو كذب محض وبهتان لا أصل له ، فكثير من الشيعة يسمّون أولادهم بأبي بكر وعمر وعثمان ، وخصوصاً في العراق وخوزستان . والأهمّ من ذلك نرى اسم يزيد ومعاوية بين الرواة عن أئمة أهل البيت مثل : يزيد الجعفي ومعاوية بن عمار وغيرهما .
____________
1- اشارة إلى قول العامة وأ نّهم يسمون باسم الحسن والحسين والشيعة لا تسمي بأبي بكر وعمر .
________________________________________ الصفحة 263 ________________________________________
وفوق كلّ ذلك قد سمّى الإمام أمير المؤمنين أولاده بأبي بكر وعثمان ، وهما اللَّذان قُتِلا مع أخيهما الحسين بالطّفّ ، ولعمر بن علي أولاد وذرّيّة كثيرة .
أمّا سبب كثرة اسم الحسين ، ومحمّد ، وعلي ، والحسن ، وموسى ، وجعفر ، ومهدي ، وحيدر ، وأبو طالب ، وحمزة وأمثالها عند الشيعة فهو أمر طبيعي ، لأنّ الإنسان يحقّ له أن يأكل ويشرب ممّا يحبّه ، وبما أنّ التسمية من الأمور المباحة فلكلّ إنسان أن يسمّي بما يحبّ ويترك ما لا يحبّ ، فلو كان لشخص زوجتان مثلا ، إحداهما تحبّ الحلوى والأخرى السكباج ، فلا يحقّ لمن تحبّ الحلوى أن تعترض على الأخرى بقولها : لماذا لا تحبين الحلوى ، والعكس بالعكس ، وذلك لاختلاف الطبائع ، فلو قالها شخص لضحك عليه الناس ، فهو يشبه حال بعض الناس اليوم من الذين يحبّون ملك اليمين ولا يحبون الزواج .
وعليه فالتسمية من الأمور المباحة التي تخضع لمتطلّبات النفس ، وليس فيها إلزامٌ وتعبُّدٌ ، إلاّ اسم محمّد وعلي والحسن والحسين ; حيث ورد فيه النص في أنّ التسمية بها من السُّنَّة ، فلو سمّى الشيعي ابنه بهذه الأسماء وباسم حمزة وجعفر وعقيل وحيدر وموسى ومهدي فقد عمل بالسنة ، وسَمَّى بالأسماء المحبوبة عند أئمّة أهل البيت ، فلا يحقّ للمشبّهة والمجبّرة أن يعترضوا على الشيعي لتسمية أولادهم بهذه التسميات ، ومثال الشيعة هو مثال غيرهم من اتباع المذاهب ، فالاحناف يسمّون باسم إمامهم فلا يحقّ للشخص الشافعي الاعتراض عليهم بدعوى أنّ التسمية بأبي حنفية أو
________________________________________ الصفحة 264 ________________________________________
التسمية بالنعمان هو مساس بالشافعي ، وهكذا العكس فلا يجوز للحنفي أن يعترض على الشافعي لو سمى باسم امامه ـ أو من يحب ـ .
إذن اختيار اسم علي والحسن والحسين ليس لها الدلالة على العداوة مع أبي بكر وعمر وعثمان ، ولا غبار عند الجميع بأنّ الشيعة تحبّ هؤلاء الأئمّة أكثر من أبي بكر وعمر وعثمان ، لكنّ هذا لا يدعوهم لسبّهم ...
كما أنّا لا ننكر بأنّ التسمية بأبي بكر وعمر وعثمان في الريّ وقم وقاسان هي أقلّ من غيرها من المحافظات في إيران ، ولهذه القلّة سبب يعلمه مصنّف كتاب (بعض فضائح الروافض) ، لكنّ بغضه لأمير المؤمنين يجعله يتجاهل هذا الأمر ، والحادثة هي :
إنّ أحد وعّاظ السلاطين [في أواخر عهد ملكشاه السلجوقي (المتوفى 485 هـ) وأوائل عهد ابنه بركيارق (الذي ولد 471 وتوفي سنة 498)] أفتى بأمر تقشعرّ له الأبدان ، وهو أ نّه كان لفاطمة الزهراء عليها السلام عيبٌ وعلّة لا يمكن معها إلاّ أن تُزَوَّجَ لابن عمِّها ـ ( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إلاَّ كَذِباً )(1) .
نعم ، إنَّ العلّة والعيب هو عصمتها وعدم وجود كُفْو لها إلاّ ابن عمّها ، لأنّ المعصومة لا يتزوّجها إلاّ المعصوم .
وأضاف هذا المفتى السنّي بأنّ الروافض تسمّي أبناءَها بأبي
____________
1- الكهف : 5 .
________________________________________ الصفحة 265 ________________________________________
بكر وعمر وعثمان بغضاً للصحابة(1) ، وتنسب إليهم الكفر والإلحاد والولادة من الزنا ، كلّ ذلك كي يمكنهم سبّ الصحابه ، بدعوى أنّهم يسبّون أولادهم ، في حين أنّ مقصودهم الخلفاء الثلاثة ، وهنا ثارت ثائرة الشيعة فجاؤوا الى علمائهم ، مثل عليّ بن محمّد الرازي ـ والد أبي الفتوح الرازي المتوفّى 535 هـ(2) ـ والشيخ أبي المعالي سعد بن الحسن بن الحسين بن بابويه(3) ، وشمس الإسلام الحسن بن الحسين بن بابويه القمّي نزيل الرّيّ المدعو (حسكا)(4) ـ جد الشيخ منتجب الدين صاحب الفهرست ـ كان حياً سنة 510 هـ ، وأبي طالب : إسحاق بن محمّد بن الحسن بن الحسين بن بابويه القمّي(5) ـ من مشاهير تلامذة الشيخ الطوسي ـ ، والسيد محمّد بن الحسين الكيسكي(6) ، والسيد رضي الدين مانكديم بن إسماعيل بن عقيل من أحفاد الحسين الأصغر بن علي بن الحسين(7) ، وطلبوا منهم حلاًّ لِما يمرّون به من أزمة
____________
1- هذه الدعوى تشبه دعوى معاوية ضد الإمام علي والتي ذكرناها في أوّل (السير التاريخي للمسألة) ، انظر صفحة 167 من هذا الكتاب .
2- هذا ما استظهرناه . انظر إيضاح المكنون 1 : 585 والذريعة 4 : 126 وأعيان الشيعة 6 : 125 .
3- الفهرست لمنتجب الدين : 69 ت 187 ، طرائف المقال للسيد علي البروجردي 1 : 127 ت 556 ، مرآة الكتب للتبريزي : 273 .
4- فهرست منتجب الدين : 46 ت 72 ، أمل الآمل 2 : 64 ت 171 ، أعيان الشيعة 4 : 624 .
5- فهرست منتجب الدين : 33 ت 4 ، مرآة الكتب : 338 ـ 339 ، أعيان الشيعة 3 : 279 ، أمل الآمل 2 : 32 ت 85 ، معجم رجال الحديث 3 : 232 ت 1180 ، مستدركات علم رجال الحديث للنمازي 1 : 580 .
6- فهرست منتجب الدين : 44 ت 63 ، أمل الآمل 2 : 45 ت 677 ، معجم رجال الحديث 4 : 281 ـ 282 ت 1915 ، الذريعة 7 : 185 ، 24 : 210 .
7- فهرست منتجب الدين : 102 ت 362 ، امل الآمل 2 : 226 ـ 227 ت 677 ، معجم رجال الحديث 15 : 180 ت 9848 .
________________________________________ الصفحة 266 ________________________________________
نفسية وروحية ، فمن جهة يسمّون بتلك الأسماء تبعاً لتسمية الإمام علي ، ومن جهة أخرى يواجهون مثل هذا الاتّهام من قبل العامة ، فقال لهم بعض أولئك الأعلام :
اتركوا التسمية بأسماء الثلاثة حتّى لا يشنّعوا عليكم هذا الأمر ; لأنّ هؤلاء أبعدوا المرمى وتجاوزوا الحدّ ، وبذلك تركت التسمية بأسماء الثلاثة ، ويعود وِزْرُ ترك هذا العمل إلى فتوى ذلك العالم السنّيّ المتعصّب الذي افترى كذباً على شيعة آل محمّد .
ومن المؤسف أنّ مصنّف كتاب (بعض فضائح الروافض) يعلم خلفيّة هذه الأمور ، ومع ذلك يشنّع على الشيعة لتركهم هذه الأسامي ، فكان الأحرى به أن لا يتّهمهم حتّى لا يكون مأثوماً كغيره من المفترين)(1) انتهى كلام عبد الجليل القزويني الرازي .
وهذا النصّ يفسِّر لنا تماماً الحرب الأسمائية الشعواء التي كان يقودها
الحكّام وأتباعهم ضدّ أهل البيت وشيعتهم ، واستمرارها إلى القرن السادس الهجري ، وهذه الحرب عاد أمرها عليهم وَبالا في نهاية المطاف ، فانقرضت
ـ أو كادت ان تنقرض ـ أسـماء خلفائهم في العصـور اللاحقة من قاموس
الشيعة .
____________
1- النقض ، للقزويني الرازي : 402 ـ 405 ، وأيضا ذكر الدكتور السيد جلال الدين المحدث الارموي هذا الأمر عن كتاب (النقض) في ترجمته لكتاب الفهرست لمنتجب الدين : 416 ت 362 هامش (ترجمة رضى الدين مانكديم) فراجع .
________________________________________ الصفحة 267 ________________________________________
القرن السابع الهجري
قال الشيخ آغا بزرك في (الأنوار الساطعة في المائة السابعة) في حرف (العين) :
عمر بن الحسن بن خاقان ، تلميذ نجيب الدين يحيى بن أحمد بن سعيد الحلي ، قرأ عليه المبسوط وأجاز له سنة 674 ، حكاه في البحار عن مجموعة الجبعي عن خطّ الشهيد .
وعمر بن الحسن بن علي بن محمّد الكلبي ، ترجمه ابن خلّكان وقال : كانت أ مّه بنت ابن بسّام من أولاد جعفر بن علي (الهادي) بن محمّد (الجواد) بن علي (الرضا) بن موسى بن جعفر ، وكان يكتب عن نفسه : ذو النسبين ، ويقصد به دحية والحسين .
وعمر بن صالح من العلماء المجازين عن ابن طاووس في سنة 658 .
وعمر بن علي بن مرشد بن علي الحموي الأصل المصريّ المولد ، من أكابر الصوفية ، والمعروف بابن الفارض(1) ، ولد في 4 ذي القعدة 576 بالقاهرة ، وتوفّي بها في 632 .
ولم يذكر الشيخ آغا بزرك من سُمّي بأبي بكر أو بكر أو عثمان في حرفي (الباء) و (العين) .
القرن الثامن الهجري
لم أقف في كتاب (الحقائق الراهنة في المائة الثامنة) للشيخ آغا بزرك الطهراني على من سُمّي بأبي بكر ، أو بكر ، أو عمر ، أو عثمان ، إلاّ على وجود كنية أبي بكر لبعض المسمّين بأسماء خاصة .
____________
1- لم أسمع أ نّه شيعي إماميّ ، وان ذكره الأمين في أعيانه 2 : 275 ت 823 دون بيان شرح حاله ، وقال عنه القمّي في الكنى والألقاب 1 : 274 صرّح جمع بتشيّعه ونسبوا إليه هذه الأشعار وأظنّها للناشئ الأصغر : بآل محمّد عرف الصواب ... .
________________________________________ الصفحة 268 ________________________________________
وعليه فالتكنّي بأبي بكر كان موجوداً لا غير .
القرن التاسع الهجري
لم يذكر الشيخ آغا بزرك في كتابه ( الضياء اللاّمع في القرن التاسع ) من سُمِّي بأبي بكر ، أو بكر ، أو عمر ، أو عثمان ، إلاّ وجود توقيع على وقفية البقعة الحسينية الواقعة في محلة شهشهان بأصبهان في حدود سنة 886 ( حرّره أبو بكر بن أحمد بن مسعود الطهراني ) لا نعلم أنه كان شيعياً ، أم مستبصراً ، أم سنياً .
القرن العاشر إلى الثالث عشر الهجري
لم أقف في (إحياء الداثر من القرن العاشر) و (الروضة النضرة في علماء المائة الحادية عشرة) و (الكواكب المنتشرة في القرن الثاني بعد العشرة) و (الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة) للشيخ آغا بزرك الطهراني ، لم أقف على من سُمِّي بأبي بكر ، أو بكر ، أو عمر ، أو عثمان ، وهذا يؤكد ما قلناه بأنّ التسمية بأسماء الثلاثة أخذ يقل شيئاً فشيئاً حتى انعدمت في العصور المتأخرة .
* * * *
وتلخّص من كلّ ما سبق اُمور :
________________________________________ الصفحة 269 ________________________________________
________________________________________ الصفحة 270 ________________________________________
كما يذوب الرصاص ، حتى إذا سمع منادياً ينادي باسمِ عدوٍّ من أعدائنا اهتز
وصال .
وقولهم في نص آخر : وما الدين إلاّ الحب والبغض .
الأصغر .
وكذا كان اسم أحد أبناء أخيه (الحسن الأصغر) هو علي .
وأيضاً أحد أبناء أخيه الأخر (زيد الشهيد) اسمه الحسين ذي الدمعة ، وابنه كان اسمه علي .
وأحد أبناء الإمام الصادق علي العريضي .
ولعمر بن علي بن الحسين ابن واحد أعقبه اسمه علي .
وقد خلف الإمام الكاظم ابنه علي بن موسى .
وللإمام الرضا محمّد الجواد ، وللأخير الإمام علي الهادي(عليهم السلام) .
وعليه فإنّ اسم عليّ محبوب عند الله ورسوله وأهل البيت خصوصاً بعد وقوفنا على أهداف الآخرين و إصرارهم على طمسه .
عليّاً ، وعن الحسـن البصري أ نّه قال : لو قلت عن أبي زينب عن رسول الله ، أعني علياً .
________________________________________ الصفحة 271 ________________________________________
الارهاصات .
مالي رأيت بني العباس قد فتحوا من الكُنى ومن الألقاب أبواباً
ولقبوا رجـلاً لو عاش أولهـم ما كان يرضى به للحش بوَّابا
قلَّ الدراهـم في كَفّ خليفتنا هذا فأنفق في القـوم ألقابـا(1)
____________
1- الأبيات لأبي بكر الخوارزمي ، يتيمة الدهر 264:4 وحصن الاسم : ص54 ، جاكلين سوبيليا ، المعهد الفرنسي للدراسات العربية ، ترجمة سليم بركات.
________________________________________ الصفحة 272 ________________________________________
الصفويين وقبل أن يولد جدّهم (صفي الدين) .
ثلاث طرائف
إنّ ظُرفاء الشيعة وأهل السنة كانوا يتناقلون الحكايات ضدّ بعضهم الآخر ، وكانوا يستغلّون المواقف للإشادة برموزهم ولدعم ما يذهبون إليه ، و إنّي تلطيفاً للجوّ أنقل بعض الهزليّات التي وقفت عليها أثناء البحث لأوكّد وجود هذه الحساسية بين الطرفين في العصور الماضية وأ نّها لم تكن وليدة في العصر
الصفوي كما يقولون ، و إنّ الشيعة كانت لا تهاب من ذكر هزليّات أهل السنّة فيهم وكذا العكس بالعكس ، وبه أختم السير التاريخيّ للمسألة .
فجمعهم يوماً وقال لرؤسائهم : بلغني أ نّكم تبغضون صحابة رسول الله
____________
1- تاريخ بغداد 3 : 364 ، بحارالأنوار 61 : 189 ، وفيات الأعيان 2 : 205 . وفيه فاخبر أبو حنيفة فقال : انظروا فإني أخال أن البغل الذي سماه عمر هو الذي رمحه ، فنظروا ... الخ .
________________________________________ الصفحة 273 ________________________________________
وأ نّكم لبغضكم إيّاهم لا تسمّون أولادكم بأسمائهم ، وأنا أقسم بالله العظيم لئن لم تجيئوني برجل فيكم اسمه أبوبكر أو عمر ويثبت عندي أ نّه اسمه لأفعلنّ بكم ولأصنعنّ .
فاستمهلوه ثلاثة أ يّام وفتّشوا مدينتهم واجتهدوا فلم يَروا إلاّ رجلا صعلوكاً حافياً عارياً أحول ، أقبح خلق الله منظراً اسمه أبوبكر ، لأنّ أباه كان غريباً استوطنها فسمّاه بذلك .
فجاؤوا به ، فشتمهم وقال : جئتموني بأقبح خلق الله تتنادرون عليّ ! وأمر بصفعهم ، فقال له بعض ظرفائهم : أ يّها الأمير اصنع ما شئت فإنّ هواء قم لا يجيء
منه مَن اسمه أبوبكر أحسن صورة من هذا ، فغلبه الضحك وعفا عنهم(1) .
وهذه و إن كانت طريفة لكنها تصدق ما قلناه من ان فتوى ذلك العالم السلجوقي في القرن السادس الهجري هي التي جعلت الشيعة يمتنعون من التسمية باسماء الثلاثه .
أيضاً .
* * * *
والآن بعد هذه المسيرة الطويلة الشاقّة ندخل إلى صلب الموضوع لنرى : هل حقّاً أنّ هذه الأسماء كانت لأبناء المعصومين ؟ أم أ نّها تحريفات وتصحيفات المتأخّرين ؟ وهل أنّ هذه الظاهرة هي ظاهرة بارزة في أسمائهم كظهور اسم : محمّد ، وأحمد ، وعلي ، والحسن ، والحسين ، وجعفر ، و إبراهيم ، أم أ نّها أسماء
____________
1- معجم البلدان 4 : 397 ـ 398 (قم) .
________________________________________ الصفحة 274 ________________________________________
نادرة وضعت تحت ظروف خاصّة وليس لها دلالة على شيوع هذه الأسماء عندهم حتّى يقال بأ نّها دليل على الصداقة والمحبة بين الآل والخلفاء ؟
وكذا الحال بالنسبة إلى التكنية بأبي بكر ، فهل أ نّها كانت رائجة عندهم ، أم أنّ هذه الكنية وضعها الآخرون لهم ؟
إليك الآن أسماء أولاد الإمام علي(عليه السلام) ، ثمّ نأتي إلى ترتيب زوجاته ، لنعرف بأنّ ما قالوه عن ترتيب أولاد الإمام عليّ بترتيب الخلفاء (أبو بكر ، عمر ، عثمان) باطل جملةً وتفصيلا . وكذا نثبت عدم صحة ما قالوه من وجود المحبة بين الآل والصحابة من خلال التسميات ، إذ أنّ التسمية بأسماء الثلاثة وبعض الصحابة لم تكن إلاّ أسماءً نادرة بالنسبة إلى الكثرة الكاثرة من أسماء الأنبياء واسم علي
والحسن والحسين وزيد ويحيى ومسلم و ... ، مكتفين بعرض أسماء أولاد الأئمّة مع ذكرنا للطبقة الثانية والثالثة من بعدهم ، أي أسماء أبناء الإمام وأسماء أبناء أبنائه ـ وقد نشير في بعض الأحيان إلى أسماء أحفادهم وقد نتجاوز هذا الحدود ـ تاركين الاستنتاج إلى القارئ اللبيب .1 ـ دور عائشة بنت أبي بكر ( ت 58 هـ ) .2 ـ دور معاوية بن أبي سفيان ( ت 60 هـ ) .1 ـ نبز الرسول بـ ( ابن أبي كبشة )2 ـ تسمية مدينة رسول الله بـ ( الخبيثة ) أو ( النتنة )3 ـ التلاعب بمفهومي الخليفة والرسول4 ـ بئر زمزم أم أمّ الخنافس5 ـ استعمال الألفاظ النابية في حق عليّ(عليه السلام)1 ـ ألم يكن أولى لعليّ أن يقول : (هذا ابني عثمان) بدل أن يقول : هذا عثمان بن عليّ على نحو الإخبار عن الغائب !2 ـ ماذا يعني كلام الإمام (وقد سمّيته بعمر) ؟ وهل لهذا الغلام اسمان أو ثلاثة : عثمان ، عمر ، عباس ، أم إنّ الإمام كان يريد أن يذكر أولاده واحداً بعد آخر ، فيقول : إنّ لي ابناً آخر سمّيته بعمر بن الخطّاب وثالث بعباس ورابع ... فالنصّ مُرتَبكٌ اذن .3 ـ ماذا يعني الإمام بكلامه (بعبّاس عمّ النبيّ) ألم يكن عمّه أيضاً ؟!4 ـ ماذا يعني ذكره لأسماء أولاده الآخرين : محمّد ، والحسن ، والحسين ، ومحسن ؟ وما هو ربطها بالغلام والصبي . ولماذا لا يسمّي ـ أبو سعيد راوي الخبر ـ أبناء عليٍّ الآخرين ومنهم ابن آخر كان اسمه أبو بكر ؟!1 ـ أبو بكر الخوارزمي : محمّد بن العباس(2) .2 ـ أبو بكر الدوري : أحمد بن عبد الله بن جلين .3 ـ أبو بكر بن همام : محمّد بن همام بن سهيل(3) .1 ـ عثمان بن أحمد الواسطي من مشايخ النجاشي (وهو نفس الذي تقدّم اسمه في القرن الرابع الهجري) .2 ـ عثمان بن إسماعيل بن أحمد المكنّى بأبي بكر ، قال آغا بزرك : (أقول : ظاهر الاسم والكنية أنّ المترجَم له عاميّ ، إلاّ أنّ القراءة عليه مبّعدة له ، ثمّ إنّ في أوّل (مهج الدعوات) نقل أحرازاً عن كتاب (منية الداعي) .3 ـ عثمان بن حاتم بن المنتاب التغلبي ، من مشايخ النجاشي (372 ـ 450) ، قال النجاشي في ترجمة سعدان بن مسلم ما لفظه : فقال أستاذنا عثمان بن حاتم بن منتاب التغلبي .1 ـ ان عمر بن الخطاب طلب من الإمام علي أن يسمّي ابنه بعمر ، وأهدى غلامه موركاً للطفل ، في حين أنّ الإمام عليّاً(عليه السلام) لم يفعل ذلك مع من أسمّاه مثل علي بن عبدالله بن عباس .2 ـ استغلال الآخرين هذه التسمية لإحراج الإمام علي ، لكنّ الإمام تجاوز هذه المشكلة عند ولادة ابنه الثالث من أم البنين فسمّاه بعثمان مؤكِّداً بأن هذه التسمية جاءت لمكانه أخيه عثمان بن مظعون عنده ، لا لعمثان بن عفان ; قالها دَرْءًا لتلك التُّهَم ، أي أ نّه عرّض بالآخرين كناية .3 ـ تسمية عائشة غلامها بعبدالرحمن بن ملجم بعد مقتل الإمام علي ، وفي المقابل عدم رغبتها في أن تسمّي الإمام بآسمه الشريف في بعض الروايات مكتفية بقولها (ورجل آخر) .4 ـ اتّهام معاوية الإمام بأ نّه إنّما سَمَّى أولاده بأسماء الثلاثه كي يبرر نفسه لو ترحَّم عليهم ، و إذا سئل قال : أعني بذلك بَنِيَّ .5 ـ تأكيد الإمام الحسين على تسمية أولاده بعلي رغم قول مروان بن الحكم ـ و إلي معاوية على المدينة ـ لعليّ بن الحسين : (ما يريد أبوك أن يدع أحداً من ولده إلاّ سماه علياً) ؟! حيث قال الإمام(عليه السلام) : ويلي علي ابن الزرقاء دبَّاغَة الأَدَم ، لو ولد لي مائة لأحببت أن لا أسميّ أحداً منهم إلاّ علياً .6 ـ إن قبول الإمام علي بتسمية أو تكنية الآخرين لابنيه بأبي بكر وعمر رجا فيه فوائد كثيرة ، منها : سحب البساط من تحت رجل معاوية الذي يريد الاحتماء بالشيخين وعثمان .7 ـ بدء النهج الأموي في المضادة مع اسم علي وكنية أبي تراب وقتل من سُمّي أو كني بهما وحذف اسمه من الديوان بل حذف اسم كل شيعي .8 ـ اتّباع معاوية وابنه يزيد سياسة عمر بن الخطاب في التسميات فكانوا يعطون هدايا لمن يسمي باسمهما ، فجاء عن معاوية أ نّه قال لعبدالله بن جعفر سَمِّ ولدك باسمي ولك خمسمائة ألف درهم ، اشتر بها لِسَمِيِّي ضيعة ، وهكذا فعل يزيد بمعاوية بن عبدالله بن جعفر إذ طلب منه أن يسمّي ابنه يزيد .9 ـ لمّا رأى أهل البيت مضادّة النهج الحاكم مع اسم علي ونهجه ، والدعوة إلى التسمية بأسماء خلفائهم ـ في حين أنّ التسمية بأسماء أهل البيت كانت محبوبة عند رب العالمين ومشتقّة من اسمه جل وعلا ، وهي من أحسن الأسماء ـ تركوا التسمية بأسماء الثلاثة من بعد الإمام زين العابدين .10 ـ تقعيد الأئمّة قواعد عامة في التسميات دون التعريض بأسماء الأشخاص ، منها أنّ الشيطان إذا سمع منادياً ينادي يا محمّد يا علي ذاب 11 ـ وجود اسم علي عند غالب الأئمّة ، فقد مر عليك كلام الإمام الحسين قبل قليل ، كما أ نّه كان بين أولاد الإمام السجاد المعقبين من اسمه علي 12 ـ هَجْرُ بني هاشم لعبدالله بن جعفر لأ نّه سمى ابنه باسم معاوية .13 ـ انتشار سياسة الخوف من التسمية بعليّ ، حتى أنّ علي بن رياح قال : لا تسمّوني عَلياً فأنا عُلَي ، وقال الآخر : عقّني والدي حيث سمّاني 14 ـ الواقف على سياسة معاوية والأمويين يعلم بأ نّهم كانوا يريدون إبادة بني هاشم ، فجاء عن علي(عليه السلام) قوله : والله لَوَدَّ معاوية أ نّه ما بقي من بني هاشم نافح ضرمة إلاّ طُعِن في نِيطِهِ إخفاءً لنور الله (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) ، والأئمّة كانوا يريدون أن يبقوا اسم علي ونهجه قائماً رغم كل15 ـ شيوع ظاهرة التسمية بخالد والوليد ومعاوية ، والخوف من التسمية بعلي والحسن والحسين في العصر الأموي والعباسي ، أي أ نّهم رسموا البديل في التسميات .16 ـ تغيير الأمويين والعباسيين للمفاهيم والأسماء ، بل سعى العباسيون لمنح أنفسهم ألقاب أهل البيت مثل (الهادي) و (المهدي) و (القائم) و (المهتدي) ، والإمام الباقر نهى عن تسمية وتلقيب اعدائهم بالقابهم إلاّ عند الضرورة .وفي هذا الصدد قال الشاعر:17 ـ عدم حساسية الشيعة في العصور السابقة مع أسماء الثلاثة ، بل إنّهم كانوا يسمّون بهذه الأسماء على عهد الأئمّة ثم من بعدهم ، إذ يوجد هناك كثير من رواة الشيعة ومشايح الإجازة قد سموا بأبي بكر وعمر وعثمان ، لكنّ وعّاظ السلاطين والحكّام الظلمة ـ بافعالهم ـ شوهوا هذه الأسماء عند الشيعه ، غير منكرين بأن الشيعة قد وقفوا على اعمال الخلفاء المشينة بمرور التاريخ .18 ـ لا يجوز تحميل الحكومات الشيعية مثل الصفوية مسؤولية ترك التسمية بعمرو وأبي بكر وعثمان ، بل إنّها كانت نتيجة طبيعية لما فعله الآخرون بالشيعة ، لأن قضية التسميات لا تحدث فجأة بل حدثت نتيجة للصراعات الدامية بين الطرفين ، ولعدم الثقة المتبادلة بينهم وبين الشيعة حتّى قبل أن يعرفَ التاريخُ1 ـ أخرج الخطيب البغدادي (ت 436 هـ) بإسناده عن إسماعيل بن حمّاد ، عن أبي حنيفة ـ وعنه أخذ المجلسي من علماء الشيعة ـ قال : كان لنا جار طحّان رافضي ، وكان له بغلان ، سمّى أحدهما أبابكر ، والآخر عمر ، فرمحه ذات ليلة أحدُهُما ، فقتله ، فأخُبِرَ أبو حنيفة ، فقال : انظروا البغل الذي رمحه ، الذي سمّاه عمر ؟ فنظروا فكان كذلك(1) .2 ـ وحكى ياقوت الحموي (ت 626 هـ) طريفة عن أهل قم ، قال : كان لعبدالله بن سعد الأشعري ولد قد رُبي بالكوفة ، فانتقل منها إلى قم وكان اماميّاً ، فهو الذي نقل التشيّع إلى أهلها ، فلا يوجد بها سُنيّ قط ، ومن طريف ما يُحكى : أ نّه وُلِّي عليهم وال وكان سُنيّاً متشدّداً ، فبلغه عنهم أ نّهم لبغضهم الصحابة الكرام لا يوجد فيهم من اسمه أبوبكر قطّ ولا عمر .3 ـ وذكر الزاكاني القزويني (ت 772 هـ) في هزليّاته عن النزعة الطائفيّة عند بعض الشيعة أنّهم ضربوا شخصاً اسمه عمران، فقيل لهم: لماذا تضربونه وهو المسمّى بعمران لا بعمر، فقالوا: إنّه عمر، وسرق الألف والنون من عثمان
التعلیقات