زوجات الإمام علي وأمهات أولاده
التسميات
منذ 13 سنةالتسميات بين التسامح العلويّ والتوظيف الأمويّ ص 328 ـ 422 (لـ السيّد علي الشهرستاني)
________________________________________ الصفحة 328 ________________________________________
زوجات الإمام علي وأمهات أولاده :
أبوها : لقيط ـ وقيل مقسم وقيل غيره ـ ابن الربيع بن عبدالعزى بن عبدشمس بن عبدمناف بن قصي القرشي العبشمي الشهير بأبي العاص ، وأبو العاص هو ابن هالة أُخت خديجة بنت خويلد أم المؤمنين(1) .
أ مّها : زينب بنت رسول الله ، وبذلك تكون فاطمة الزهراء هي خالة أُمامة بنت زينب بنت رسول الله .
وكان رسول الله يحبّها وربّما حملها على عنقه في الصلاة(2) .
وكان النبيّ(صلى الله عليه وآله) قد زوّج أكبر بناته زينبَ من أبي العاص العبشمي قبل الإسلام فولدت له عليّاً وأُمامة ، وعليّ مات صبياً ، وأُمامة بقيت حتّى تزوجها الإمام علي بعد فاطمة الزهراء بوصية منها(عليها السلام)(3) ، فهي أوّل زوجة لعليّ بعد وفاة الزهراء ، لأنّ الزهراء أوصت بها خيراً وقالت (إنّها تكون لولدي مثلي)(4) .
قال ابن كثير عند ترجمته لأبي العاص : وقد توفّي في أيام الصدّيق سنة اثنتي عشرة ، وفي هذه السنة تزوّج علي بن أبي طالب بابنته أمامة بنت أبي العاص ، بعد وفاة خالتها فاطمة ، وما أدري هل كان ذلك قبل وفاة أبي العاص أو بعده والله أعلم(5) .
وغالب نصوص المؤرّخين تخطّئ ما ذهب إليه الذهبي من أ نّه(عليه السلام) تزوّجها
____________
1- انظر الترجمة 8627 من تاريخ دمشق 67 : 3 لابي العاص بن الربيع .
2- انظر الطبقات الكبرى 8 : 39 ، الاستيعاب 4 : 1788 الترجمة 3236 ، والمتن منه .
3- أسد الغابة 5 : 400 ، تاريخ دمشق 67 : 4 ، تهذيب الأسماء 2 : 599 .
4- روضة الواعظين : 151 ، مستدرك الوسائل 2 : 360 ح 4 ، عن كتاب سليم بن قيس : 392 .
5- البداية والنهاية 6 : 354 .
________________________________________ الصفحة 329 ________________________________________
في إمرة عمر بن الخطاب(1) ، لأنّ الزهراء(عليه السلام) استشهدت في أمرة أبي بكر بلا خلاف عند الأعلام .
هذا ، وقد ذكرت كتب التراجم والتاريخ أنّ الزبير بن العوام زوّج علياً منها ، لأنّ والدها كان قد أوصى بابنته إلى الزبير أن يزوجها(2) ، فمكثت عند الإمام ثلاثين سنة ولم تلد له حتى استشهد(3) .
قال الطبري والمقريزي : إنّ أُمامة ولدت لعلي محمّداً الأوسط(4) ، وقال الزبير بن بكار : لم تلد له(5) .
وروى الطبراني بسنده عن محمّد بن عبدالرحمن بن المغيرة : أنّ الإمام عليّاً قال لأُمامة : لا تتزوّجي [بعدي] فإن أردتِ الزَّواج فلا تخرجي من إمرة المغيرة بن نوفل(6) ، فخطبها معاوية بن أبي سفيان ، فجاءت إلى المغيرة تستأمره ، فقال لها : أنا خير لك منه فاجعلي أمرك إليَّ ، ففعلت ، فدعا رجالاً فتزوَّجها ، فهلكت أُمامة بنت أبي العاص عند المغيرة بن نوفل ولم تلد له ، فليس لزينب عقب(7) .
وفي الاستيعاب : إنّ عليّاً أَمَرَ المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب أن يتزوج أمامة بنت أبي العاص بن الربيع زوجته بعده ، لأ نّه خاف أن يتزوّجها معاوية ، فتزوّجها المغيرة ، فولدت له يحيى وبه كان يكنّى ، وهلكت عند المغيرة ،
____________
1- انظر سير اعلام النبلاء 1 : 335 الترجمة 71 ، وتاريخ الإسلام 4 : 24 الترجمة 4 .
2- الإصابة 7 : 501 الترجمة 10882 ، الاستيعاب 4 : 1788 الترجمة 3236 ، مجمع الزوائد 9 : 254 .
3- تاريخ دمشق 67 : 4 .
4- تاريخ الطبري 3 : 162 ، الكامل في التاريخ 3 : 263 .
5- امتاع الاسماع للمقريزي 5 : 367 .
6- جاء في أسد الغابة4 : 408 : هو الذي ألقى القطيفة على ابن ملجم لمّا ضَرَبَ علياً ، فإن الناس لما هموا بأخذ ابن ملجم حمل عليهم بسيفه فأفرجوا ، فتلقاه المغيرة فألقى عليه قطيفة كانت معه ، واحتمله وضرب به الأرض وأخذ سيفه ، وكان شديد القوة ... واُنظر الأصابة 6 : 200 .
7- المعجم الكبير للطبراني 22 : 443 ح 1083 . ومعناه انّ عقب رسول الله انحصر في السيّدة فاطمة الزهراء فقط ، ولا عقب لأُختها زينب اليوم لا من أمامة ولا من غيرها .
________________________________________ الصفحة 330 ________________________________________
وقد قيل أ نّها لم تلد لعليٍّ ولا للمغيرة ، وكذلك قال الزبير بن بكار : أ نّها لم تلد للمغيرة بن نوفل ، قال : وليس لزينب عقب(1) .
وقال السيّد محسن الامين : روى الكليني في باب النكاح من الكافي بسنده عن أبي جعفر أنّ في أولاد عليّ بن أبي طالب محمّد بن علي الأوسط ، أُمّه أمامة بنت أبي العاص ، وهو ينافي القول المنقول في الاستيعاب كما مرّ من أ نّها لم تلد لعلي(عليه السلام) ...(2)
وبنظرنا أ نّها لم تلد لا لعليّ ولا للمغيرة(3) ، بل ماتت ولا عقب لها ، ولم اقف على رواية الكليني في الكافي حتى أناقشها ، ولا ضرورة لبيان أدلّتنا في أ نّها ماتت بلا عقب ; لأ نّه لا يمسّ أصل بحثنا . المهمّ أنّ أمامة هي زوجته الأولى بعد فاطمة وليس له ولد منها حسب نظرنا ، وان كان هناك من يخالفنا من المؤرخين والنسابه و يذهب إلى وجود لها ولد من الإمام علي اسمه محمّد الأوسط(4) .
أبوها : جعفر بن قيس بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنفية بن لُجَيم(5) بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب
____________
1- الاستيعاب 4 : 1789 .
2- أعيان الشيعة 3 : 474 .
3- انظر في ذلك الإصابة 7 : 503 .
4- اُنظر مناقب الكوفي 2 : 49 ، مناقب بن شهرآشوب 3 : 89 ، كشف الغمة 2 : 68 ، بحار الأنوار 42 : 92 عن كتاب الإمامة للنوبختي ، أنساب الأشراف 2 : 413 ، تاريخ الطبري 3 : 162 ، الكامل في التاريخ 3 : 263 ، طبقات ابن سعد 3 : 20 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 213 وفيه محمّد الأصغر من أمامة ، مطالب السؤول : 314 ، امتاع الاسماع 6 : 292 ، المنتظم 5 : 69 ، ذخائر العقبى : 117 ، سمط النجوم العوالي 3 : 74 ، صفة الصفوة 1 : 309 ، تلقيح فهوم أهل الأثر : 80 .
5- تاريخ الطبري 3 : 162 ، أنساب الأشراف 2 : 421 ، وفيه ، من الدؤل بن حنيفة ، طبقات ابن سعد 3 : 19 ، 5 : 91 وفيهما : مسلمة بن ثعلبة ...
________________________________________ الصفحة 331 ________________________________________
بن أفصى بن دعميّ بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معدّ بن عدنان(1) .
أمها : أسماء بنت عمرو بن أرقم بن عبيد بن ثعلبة من بني حنيفة(2) .
الأقوال فيها ، وهل أ نّها زوجة للإمام علي أم مملوكة
قيل أ نّها زوجته وقد تزوّجها الإمام عليٌّ بعد أُمامة ، وقيل بأ نّه (عليه السلام) لم يتزوّجها بل بقيت أُمَّ ولد عنده :
ومما يستدل به على كونها زوجة حرّة قول السيد المرتضى في (تنزيه الأنبياء) استناداً على ما ذكره البلاذري في (انساب الاشراف) بسنده عن خراش بن إسماعيل العجلي ، قال : أغارت بنو أسد بن خزيمة على بني حنيفة فسبوا خوله بنت جعفر ، وقدموا بها المدينة في أول خلافة أبي بكر فباعوها من علي ، وبلغ الخبر قومها ، فقدموا المدينة على علي فعرفوها وأخبروه بموضعها منهم ، فأعتقها [علي] ومهرها وتزوجها فولدت له محمّداً ابنه(3) .
وفي الاصابة لابن حجر وغيره بأنّ هذا السبي كان على عهد رسول الله وأنّ رسول الله رآها في منزله فضحك ، ثم قال : يا علي ، أ مّا إنك تتزوّجها من بعدي ، وستلد لك غلاماً فسمِّه باسمي وكَنِّهِ بكنيتي و ...(4) .
أ مّا الاقول التي قيلت بأ نّها كانت سبية وبقيت كذلك فهي :
____________
1- التجبير في المعجم الكبير 2 : 341 ، الباب في تهذيب الأنساب 1 : 397 .
2- مناقب الكوفي 2 : 48 ، وانظر سر السلسلة العلوية : 81 ، عمدة الطالب : 353 .
3- تنزيه الأنبياء : 191 عن أنساب الأشراف 2 : 422 .
4- الإصابة 7 : 617 الترجمة 11108 .
________________________________________ الصفحة 332 ________________________________________
غلاماً فسمّه باسمي ، وكنِّه بكنيتي ، فولدت له بعد موت فاطمة محمّداً ، فكناه أبا القاسم(1) .
وقد جاء ما يدلّ على هذا المعنى فيما كتبه الإمام عليّ(عليه السلام) كي يقرأ على الناس يوم الجمعة :
ولولا خاصّةٌ بينه [أي بين أبي بكر] وبين عمر وأمرٌ كانا رضياه بينهما لظننت أ نّه لا يعدله عنّي وقد سمع قول رسول الله لبريدة الأسلمي حين بعثني وخالد بن الوليد إلى اليمن وقال : إذا افترقتما فكلّ واحد منكما على حياله و إذا اجتمعتما فعليّ عليكم جميعاً ، فاغرنا وأصبنا سبياً فيهم خويلة [خولة] بنت جعفر جار الصفا ـ وانّما سمي جار الصفا من حسنه ـ فأخذتُ الحنفية خولة ، واغتنمها خالدٌ منّي(2) ، وبعث بريدة إلى رسول الله محرِّشاً عَلَيَّ فأخبره بما كان من أخذي خولة ، فقال : يا بريدة ! حظّه في الخمس أكثر ممّا أخذ ، إنّه وليّكم بعدي ، سمعها أبوبكر وعمر وهذا بريدة حيّ لم يمت ، فهل بعد هذا مقال لقائل(3) ؟!
____________
1- شرح نهج البلاغة 1 : 244 وعنه في بحار الأنوار 42 : 99 . وانظر جمل من أنساب الأشراف للبلاذري 2 : 421 .
2- أي اغتنمها فرصةَ منّي للإيقاع بي عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) .
3- كشف المحجّة : 177 ـ 178 ، عن رسائل الكليني ، وبحار الأنوار 30 : 12 ح 1 عن كشف المحجة وتوجد فقرات منه في نهج البلاغة .
4- سر السلسلة العلوية : 81 وعنه في عمدة الطالب : 353 ، سير أعلام النبلاء 4 : 110 عن الواقدي وفيه زيادة : فوّهبها لفاطمة فباعتها فاشتراها مكمل الغفاري فولدت له عونة ، وذكر البلاذري في الأنساب 2 : 424 : وزعم بعضهم أن اُخت محمّد بن علي (لامه) عوانة بنت أبي مكمل من بني عفان . وباعتقادي أنّ التي روت الخبر هي سلمى بنت عميس ، أو سلامة ، لا أسماء ، لأنّ اسماء بنت عميس كانت مع زوجها جعفر بن أبي طالب في الحبشة .
________________________________________ الصفحة 333 ________________________________________
فقد حكى أبو نصر البخاري عن ابن الكلبي ، عن خراش بن إسماعيل : أنّ خولة سباها قوم من العرب في سلطان أبي بكر ، فاشتراها أُسامه بن زيد وباعها من عليّ ، فلمّا عرف عليٌّ صورَتَها أعتقها وأمهرها وتزوّجها ، فقال ابن الكلبي فيما زعم البخاري : من قال أنّ خولة من سبي اليمامة فقد أبطل(2) .
وقال البلاذري بسنده عن خراش بن إسماعيل العجلي ، قال : أغارت بنو أسد بن خزيمة على بني حنيفة فسبوا خولة بنت جعفر ثم قدموا بها المدينة في أول خلافة أبي بكر فباعوها من علي ، وبلغ الخبر قومها فقدموا المدينةَ على علي فعرفوها وأخبروه بموضعها منهم ، فأعتقها (علي) ومهّرها وتزوّجها ، فولدت له محمّداً ابنه ... وكناه أبا القاسم ، وهذا القول هو اختيار أحمد بن يحيى البلاذري في كتابه أنساب الأشراف ، إذ قال : وهذا أثبت من خبر المدائني(3) .
وفي المعارف لابن قتيبة والطبقات لابن سعد وغيرهما : أ نّها كانت أمةً من سبي اليمامة فصارت إلى عليّ ، وأ نّها كانت أَمةً لبني حنيفة سنديّة سوداء ولم تكن منهم ، و إنّما صالحهم خالد بن الوليد على الرقيق ولم يصالحهم على أنفسهم(4) .
____________
1- المعارف : 210 ، طبقات ابن سعد 5 : 91 ، تاريخ دمشق 54 : 323 ، سير أعلام النبلاء 4 : 110 ، المنتظم 6 : 228 ، عمدة القارئ 16 : 187 ، عون المعبود 1 : 59 ، الرياض النضرة 1 : 297 ، سمط النجوم العوالي 3 : 73 .
2- المنمق : 401 المجدي في أنساب الطالبيين : 196 ، عمدة الطالب : 352 ـ 353 . ويمكنك مراجعة كلام الكلبي في مثالب العرب : 109 ـ 110 .
3- أنساب الأشراف 2 : 422 وعنه ـ باختلاف يسير ـ في شرح النهج 1 : 244 ـ 245 وفيه : وهو الأظهر ، وعن الأخير في بحار الانوار 42 : 99 ـ 100 .
4- المعارف لابن قتيبة : 210 ، الطبقات الكبرى 5 : 91 ، تاريخ دمشق 54 : 323 ، وفيات الأعيان 4 : 169 ، المنتخب من ذيل المذيل للطبري 1 : 117 ـ 118 .
________________________________________ الصفحة 334 ________________________________________
أيام أبي بكر لمّا منع كثير من العرب الزكاة وارتدّت بنو حنيفة وادّعت نُبُوَّة مسيلمة ، وأنّ أبا بكر دفعها إلى علي(عليه السلام) من سهمه في المغنم(1) .
وقال ابن سعد في الطبقات : روي عن الحسن بن صالح ، قال : سمعت عبدالله بن الحسن يذكر أنّ أبا بكر أعطى علياً أمّ محمّد بن الحنفية(2) ...
وفي البداية والنهاية : سباها خالد أيام الصديق أيام الردة من بني حنيفة ، فصارت لعلي بن أبي طالب ، فولدت له محمّداً هذا(3) .
وقال السمعاني في (الانساب) عن محمّد بن الحنفية وأمه خوله : (وأ نّها كانت من سبي بني حنيفة ، أعطاه إياها أبو بكر ، ولو لم يكن إماماً لما صَحَّ قسمته ، وبهذا يستدل أهل السنة على الشيعة أنّ خولة كانت من سبي بني حنيفة وقسمها أبو بكر ، ولو لم يكن إماماً لما صح قسمته وتصرّفه في خمس الغنيمة ، وعلي(رضي الله عنه)أخذ خولة وأعتقها وتزوّج بها)(4) .
وقد رد ابن شهرآشوب والسيّد المرتضى وغيرهما شبهات السمعاني وأمثاله فقد حكى ابن شهرآشوب في (مناقب آل أبي طالب) : قال أبو بكر : خذها يا ابا الحسن بارك الله لك فيها ، فأنفدها علي إلى أسماء [سلمى] بنت عميس فقال : خذي هذه المرأة فأكرمي مثواها واحفظيها ، فلم تزل عندها إلى أن قدم أخوها فتزوّجها منه وأمهرها أمير المؤمنين وتزوّجها نكاحاً(5) .
وقال السيّد المرتضى في الشافي : فأ مّا الحنفية فلم تكن سبية على الحقيقة ، ولم يستبحها(عليه السلام) بالسِّبا ، لأ نّها بالإسلام قد صارت حرّة مالكة أمرها ، فأخرجها
____________
1- شرح النهج 1 : 244 ـ 245 وعنه في بحار الانوار 4 : 99 ـ 100 . وانظر عمدة الطالب 352 ـ 353 ، البدء والتاريخ 5 : 74 . ولا يخفى عليك بأنّ سبي اليمامة والردة واحد ، لكن فصلناهما لاختلاف النصوص .
2- طبقات ابن سعد 5 : 91 ، تاريخ دمشق 54 : 323 ، ذخائر العقبى : 117 .
3- البداية والنهاية 7 : 332 .
4- الانساب 2 : 281 .
5- مناقب آل أبي طالب 2 : 111 ـ 112 .
________________________________________ الصفحة 335 ________________________________________
من يد من استرقّها ثمّ عقد عليها عقد النكاح ، فمن أين أ نّه استباحها بالسِّبا دون عقد النكاح ؟! وفي أصحابنا من يذهب إلى أنّ الظالمين متى غَلَبوا على الدار وقهروا ولم يتمكّن المؤمن من الخروج من أحكامهم جاز له أن يطأ سبيهم و يُجْرِي أحكامهم مع الغلبة والقهر مجرى أحكام المُحقّين فيما يرجع إلى المحكوم عليه و إن كان فيما يرجع إلى الحاكم معاقَباً آثماً(1) .
لأنّ الردّة المزعومة لا توجب أحكام الكفر ، وأنّ منع الزكاة وأمثالها كان على التأويل ، فليس منه خروج عن ربقة الإسلام ، ولأنّ السبي لم يكن بأمر من وليّ الأمر(عليه السلام) ، فأعتقها بظاهر الحال ثم تزوجها وجعل لها المهر .
قال ابن حزم في (الإحكام) : إنّ خلاف عمر لأبي بكر أشهر من أن يجهله من له أقل علم بالروايات ، فمن ذلك خلافة إياه في سبي أهل الردة ، سباهم أبو بكر ، وبلغ الخلاف عن عمر له أن نقض حكمه في ذلك وردّهنّ حرائر إلى أهليهن إلاّ من ولدت لسيِّدها منهن ، ومن جملتهن كانت خولة الحنفية أم محمّد بن علي(2) .
وفي الخرائج والجرائح للقطب الراوندي عن دعبل الخزاعي قال : حدّثني الرضا ، عن أبيه ، عن جدّه (عليهم السلام) قال : كنت عند أبي الباقر (عليه السلام) إذ دخل عليه جماعة من الشيعة وفيهم جابر بن يزيد ، فقالوا : هل رضي أبوك عليّ [بن أبي طالب] (عليه السلام) بإمامة الأول والثاني ؟
فقال : اللهمّ لا .
قالوا : فلم نكح من سبيهم خولة الحنفية إذا لم يرض بإمامتهم ؟
____________
1- الشافي في الإمامة 3 : 271 .
2- الأحكام لابن حزم 6 : 798 ، اعلام الموقعين 2 : 235 ، أضواء البيان 7 : 325 ، وفي وفيات الأعيان 4 : 170 : ورأى أبو بكر سبي ذراريهم [أي العرب الذين ارتدوا على اصطلاحهم ]ونسائهم وساعده على ذلك أكثر الصحابة ، واستولد علي(رضي الله عنه) جارية من سبي بني حنيفة فولدت له محمّد بن علي الذي يدعى محمّد بن الحنفية ، ثم لم ينقرض عصر الصحابة حتى أجمعوا على أنّ المرتّد لا يُسْبَى .
________________________________________ الصفحة 336 ________________________________________
فقال الباقر (عليه السلام) : امض يا جابر بن يزيد إلى [منزل] جابر بن عبدالله الأنصاري فقل له : إنّ محمّد بن عليّ يدعوك .
قال جابر بن يزيد : فأتيت منزله وطرقت عليه الباب ، فناداني جابر بن عبدالله الأنصاري من داخل الدار : اصبر يا جابر بن يزيد .
قال جابر بن يزيد : فقلت في نفسي : من أين علم جابر الأنصاري أنّي جابر بن يزيد ولم يعرف الدلائل إلاّ الأئمّة من آل محمّد (عليهم السلام) ؟ والله لأسألنّه إذا خرج إليّ .
فلمّا خرج قلت له : من أين علمت أنّي جابر ، وأنا على الباب وأنت داخل الدار ؟
قال : [قد] خبّرني مولاي الباقر (عليه السلام) البارحة أ نّك تسأله عن الحنفية في هذا اليوم ، وأنا أبعثه إليك يا جابر بكرةَ غد أدعوك . فقلتُ : صدقتَ .
قال : سر بنا . فسرنا جميعاً حتّى أتينا المسجد . فلمّا بصر مولاي الباقر (عليه السلام) بنا ونظر إلينا ، قال للجماعة : قوموا إلى الشيخ فاسألوه حتّى ينبئكم بما سمع ورأى وحدث .
فقالوا : يا جابر هل رضي إمامك عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) بإمامة من تقدم ؟ قال : اللهمّ لا ، قالوا : فلم نكح من سبيهم [خولة الحنفية] إذا لم يرض بإمامتهم ؟
قال جابر : آه آه آه لقد ظننت أني أموت ولا أُسأَلُ عن هذا ، [والآن] إذ سألتموني فاسمعوا وعوا : حضرتُ السبي وقد اُدخلتِ الحنفية فيمن أُدخل ، فلمّا نظرت إلى جميع الناس عدلت إلى تربة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرنّت رنّةً وزفرت زفرةً ، وأعلنت بالبكاء والنحيب ، ثمّ نادت : السلام عليك يا رسول الله صلّى الله عليك ، وعلى أهل بيتك من بعدك ، هؤلاء أُمَّتك سبتنا سبي النوب والديلم ، و [الله] ما كان لنا إليهم من ذنب إلاّ الميل إلى أهل بيتك ، فجعلت الحسنة سيئة ، والسيئة حسنة فسبتنا .
ثمّ انعطفت إلى الناس ، وقالت : لم سبيتمونا وقد أقررنا بشهادة أن لا إله إلاّ
________________________________________ الصفحة 337 ________________________________________
الله ، وأنّ محمّد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟
قالوا : منعتمونا الزكاة .
قالت : هبوا الرجال منعوكم ، فما بال النسوان ؟ فسكت المتكلّم كأنما ألقم حجراً .
ثمّ ذهب إليها طلحة وخالد في التزوج بها وطرحا إليها ثوبين .
فقالت : لست بعريانة فتكسواني . قيل لها : إنهما يريدان أن يتزايدا عليك ، فأيهما زاد على صاحبه أخذك من السبي .
قالت : هيهات والله لا يكون ذلك أبداً ، ولا يملكني ولا يكون لي بعل إلاّ من يخبرني بالكلام الذي قلته ساعةَ خرجتُ من بطن أمّي . فسكت الناس ينظر بعضهم إلى بعض ، وورد عليهم من ذلك الكلام ما أبهر عقولهم وأخرس ألسنتهم ، وبقي القوم في دهشة من أمرها .
فقال أبوبكر : ما لكم ينظر بعضكم إلى بعض ؟ قال الزبير : لقولها الذي سمعت .
فقال أبوبكر : ما هذا الأمر الذي أحصر أفهامكم ، إنّها جارية من سادات قومها ولم يكن لها عادة بما لقيت ورأت ، فلا شكّ أ نّها داخلها الفزع ، وتقول ما لا تحصيل له .
فقالت : لقد رميتَ بكلامك غير مرمي ـ والله ـ ما داخلني فزع ولا جزع ، و الله ما قلت إلاّ حقّاً ، ولا نطقت إلاّ فصلا ، ولابدّ أن يكون كذلك ، وحقّ صاحب هذه البنية ما كَذِبْتُ ولا كُذِبْتُ . ثمّ سكتت وأخذ طلحة وخالد ثوبيهما ، وهي قد جلست ناحية من القوم .
فدخل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فذكروا له حالها ، فقال (عليه السلام) : هي صادقة فيما قالت ، وكان من حالها وقصتها كيت وكيت في حال ولادتها ، وقال : إنّ كل ما تكلمت به في حال خروجها من بطن أمّها هو كذا وكذا ، وكلّ ذلك مكتوب على لوح [نحاس] معها ، فرمت باللوح إليهم لمّا سمعت كلامه (عليه السلام) فقرؤوه فكان على
________________________________________ الصفحة 338 ________________________________________
ما حكى عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، لا يزيد حرفاً ولا ينقص . فقال أبوبكر : خذها يا أباالحسن بارك الله لك فيها .
فوثب سلمان فقال : والله ما لأحد هاهنا منّة على أميرالمؤمنين ، بل لله المنّة ولرسوله ولأميرالمؤمنين ، والله ما أخذها إلاّ لمعجزِهِ الباهر ، وعلمه القاهر ، وفضله الذي يعجز عنه كلّ ذي فضل .
ثمّ قام المقداد فقال : ما بال أقوام قد أوضح الله لهم طريق الهداية فتركوه ، وأخذوا طريق العمى ؟ وما من يوم إلاّ وتبيّن لهم فيه دلائل أميرالمؤمنين .
وقال أبوذر : واعجباً لمن يعاند الحقّ ، وما من وقت إلاّ وينظر إلى بيانه ، أ يّها الناس إنّ الله قد بيّن لكم فضل أهل الفضل ، ثمّ قال : يا فلان أتمنّ على أهل الحقّ بحقّهم وهم بما في يديك أحقّ وأولى ؟
وقال عمّار : أناشدكم الله أما سلّمنا على أميرالمؤمنين هذا عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بإمرة المؤمنين ؟
فوثب عمر وزجره عن الكلام ، وقام أبوبكر ، فبعث عليّ (عليه السلام) خولة إلى دار أسماء بنت عميس ، وقال لها : خذي هذه المرأة ، أكرمي مثواها . فلم تزل خولة عند أسماء إلى أن قدم أخوها وزوّجها من عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) . فكان الدليل على علم أميرالمؤمنين (عليه السلام) ، وفساد ما يورده القوم من سبيهم وأ نّه (عليه السلام) تزوّج بها نكاحاً ، فقالت الجماعة : يا جابر بن عبدالله أنقذك الله من حرّ النار كما أنقذتنا من حرارة الشك(1) .
هذه هي أهم الاقوال التي قيلت فيها مرجحين زواجه(عليه السلام) منها .
أجل ، إنّهم قد اختلفوا أيضاً في سنة ولادة ابنها محمّد ، فقال البعض أنه ولد
____________
1- الخرائج والجرائح للقطب الراوندي 2 : 589 ـ 593 ح 1 ، وقريب منه في مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 2 : 111 ـ 112 . وباعتقادي أن الصحيح أ نّه أرسلها إلى دار سلمى أو سلامة أختا أسماء لا إلى بيت أسماء بنت عميس .
________________________________________ الصفحة 339 ________________________________________
في خلافة أبي بكر(1) ، وآخر لِسنتين بقيتا من خلافة عمر(2) ، وثالث : لثلاث سنين بقين من خلافته(3) .
ففي الثقات لابن حبان : أ نّه مات برضوى سنة ثلاث وسبعين ، ويقال
____________
1- سير أعلام النبلاء 4 : 114 عن ابن سعد ، وانظر تاريخ الإسلام للذهبي 6 : 183 ، وتاريخ دمشق 54 : 319 .
2- عمدة القارئ 2 : 214 ، تاريخ الإسلام للذهبي 6 : 184 ، وفيات الأعيان 4 : 169 ، تهذيب الأسماء 1 : 103 وفي سير أعلام النبلاء 4 : 114 وتاريخ دمشق 54 : 326 عن يحيى بن سعيد قال : قلت لابن المسيب : ابن كم كنت في خلافة عمر ؟ قال : ولدت لسنتين بقيتا من خلافة عمر : قال يحيى : فذكرت ذلك لمحمد بن الحنفية فقال : ذلك مولدي .
وهناك نقل آخر يخالف ما قيل وفيه (انه ولد لسنتين مضيتا من خلافة عمر) أي في حدود سنة 15 للهجرة اُنظر مولد العلماء ووفياتهم 1 : 100 ، مشاهير علماء الامصار : 63 ، طبقات ابن سعد 5 : 120 ، سير اعلام النبلاء 4 : 218 ، زاد فيه : وقيل لاربع سنين مضيت منها ، طبقات الفقهاء : 39 . تهذيب الكمال 11 : 66 ، مصنف بن أبي شيبة 7 : 24 ، المطالب العالية 16 : 526 ، عمدة القارئ 1 : 186 ، التمهيد لابن عبدالبر 6 : 301 ، إذ فيه: هذا اشهر شيء في مولده واضحة ، وقد قيل : ولد لسنتى بقيتا من خلافة عمر : وعلى الأول أهل الأثر .
ولو صح القول الثاني سيكون مولد ابن الحنفية في حدود سنة 15 هـ على أقل تقدير هذا إذا أخذنا معه بنظر الاعتبار ما جاء في تاريخ وفاته ومقدار عمره يوم موته . فابن سعد في الطبقات 5 : 116 ، وابن قتيبة في المعارف : 216 وغيرهم ذهبوا إلى أنّه توفي سنة 81 هـ وسنه 65 عمااً ، ونحوه قول الذهبي في تاريخ الإسلام 6 : 5 وفي 6 : 196 نقلاً عن الواقدي إذ قال : وهو قول أبو عبيد والفلاس ، ثمّ وردّ ما قاله المدائني من أ نّه مات سنة 83 وكذلك ما قاله علي بن المدائني من أنّه توفي سنة 92 و 93 وعبر عنه بالخطأ الفاحش .
وأ مّا ما قيل من أ نّه توفي سنة 72 و 73 فيرده ما جاء في طبقات ابن سعد 5 : 112 ، وتاريخ دمشق 54 : 320 ، من أ نّه وفد على عبدالملك بن مروان سنة 78 هـ ، وهي السنة التي مات فيها جابر بن عبدالله ومع احتسابنا للفارق بين وفاته ومقدار عمره ستكون ولادته سنة 16 هـ وبذلك يكون ولادته ما بين 15 هـ إلى 16 هـ ، وفي تاريخ دمشق 54 : 326 ، ما يؤيد ذلك إذ قال بعد ذكر الاسناد انبأنا أبو سليمان ، قال : وفي هذه السنة يعني سنة ستة عشرة ولد محمّد بن الحنفية .
3- الثقات لابن حبان 5 : 347 الترجمة 5159 ، لابن الحنفية وانظر النجوم الزاهرة 1 : 202 . تاريخ دمشق 54 : 324 ، التحفة اللطيفة 2 : 542 ، تهذيب الأسماء 1 : 103 ، الجرح والتعديل 8 : 26 الترجمة 116 ، لابن الحنفية .
________________________________________ الصفحة 340 ________________________________________
ثمانين ، وقد قيل سنة أحد وثمانين ، وهو ابن خمس وستين(1) .
وفي تهذيب الكمال : مات برضوى سنة ثلاث وسبعين ودفن بالبقيع ، وقيل : مات سنة ثمانين ، وقيل سنة : إحدى وثمانين ، وقيل : سنة اثنين وثمانين ، وقيل : سنة اثنين وتسعين وقيل سنة ثلاث وتسعين وهو ابن خمس وستين ، وقيل غير ذلك في تاريخ وفاته(2) .
وفي تاريخ دمشق : عن يحيى بن بكير : مات سنة إحدى وثمانين وسنُّهُ خمس وستون سنة . قال عمرو بن علي : مات سنة إحدى وثمانين وهو ابن خمس وستين سنة . قال ابن سعد : وقال الواقدي : ولد في خلافة أبي بكر الصديق . قال ابن سعد : وقال هيثم : توفّي سنة ثنتين أو ثلاث وسبعين ، وقال الواقدي في الطبقات : مات في شهر ربيع الأول سنة إحدى وثمانين وهو ابن خمس وستين سنة لم يستكملها ، وقال في التاريخ : مات في المحرم .
وقال ابن أبي شيبة : مات سنة ثمانين ، وقال ابن نمير : مات سنة إحدى وثمانين ، وقال الغلابي عن ابن حنبل : مات سنة ثمانين(3) .
فلو قلنا بوفاته سنة 73 وعمره حين الوفاة كانت 65 سنة ، فذلك يعني ولادته في السنة الثامنة من الهجرة ، وهذا لا يصحّ بإجماع المسلمين ; لأنّ السيدة فاطمة الزهراء كانت موجودة آنذاك ، ومن الثابت أنّ الإمام عليّاً لم يتزوّج امرأة في حياتها(عليها السلام) ، اللّهم إلاّ أن نقول بأ نّها لم تكن زوجته بل أمّ ولد .
أ مّا لو قلنا بوفاته في السنة 80 أو 81 وعمره 65 سنة فذاك يعني ولادته في السنة الخامسة عشر ، أو السادسة عشر ، ويؤيد هذا القول ما جاء في تاريخ دمشق عن ابن سليمان قال : وفي هذه السنة ـ يعني سنة سته عشر ـ ولد محمّد بن
____________
1- الثقات لابن حبان 5 : 347 .
2- تهذيب الكمال 26 : 147 الترجمة 5484 لابن الحنفية .
3- تاريخ دمشق 54 : 326 .
________________________________________ الصفحة 341 ________________________________________
الحنفية(1) .
فلو قلنا بهذا فهو لا يتفق مع ما جاء في تاريخ مدينة دمشق بأ نّه ولد في خلافة أبي بكر(2) ، لأنّ خلافة أبي بكر كانت بين (11 ـ 13 هـ) ، أ مّا ولادته في السنة السادسة عشر فإنّها تعني ولادته في عهد عمر بن الخطاب .
وهناك قول آخر في عمدة القارئ وهو : أ نّه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر ، ومات سنة ثمانين أو إحدى وثمانين أو أربع عشرة ومائة(3) .
وفي المجلد السادس عشر من عمدة القارئ : مات سنة إحدى وثمانين وهو ابن خمس وستين برضوى ، ودفن بالبقيع ، ورضوى جبل بالمدينة(4) .
والنص الثاني يحدّد سنة ولادة محمّد بن الحنفية في حدود السنة السادسة عشر للهجرة والنص الاول في حدود سنة 21 ، وهناك قول آخر ذكره ابن حبان في كتابه الثقات إذ فيه : (وكان مولده لثلاث سنين بقين من خلافة عمر بن الخطاب)(5) ، أي في سنة 20 هـ .
وفي سير أعلام النبلاء : قيل : إنّ أبا بكر وهبها علياً ، ولد في العام الذي مات فيه أبو بكر ، ورأى عمر وروى عنه(6) .
بعد هذا العرض السريع لابدّ من طرح بعض التساؤلات :
إذا ثبت بأنّ خولة كانت من سبي اليمامة ، أو من سبي حروب الردة ـ حسب تعبير بعض المؤرخين ـ وقد سباها قوم من العرب ، أو بنو أسد خاصة .
وسواء كان خالد بن الوليد هو الذي سباها أيام الردة من بني حنيفة ، أو أ نّه
____________
1- تاريخ دمشق 54 : 326 .
2- تاريخ مدينة دمشق 54 : 323 .
3- عمدة القارئ 2 : 214 .
4- عمدة القارئ 16 : 187 .
5- الثقات : لابن حبان 5 : 347 ـ 348 .
6- سير اعلام النبلاء 4 : 111 . تاريخ دمشق 54 : 324 .
________________________________________ الصفحة 342 ________________________________________
صالحهم على الرقيق ولم يصالحهم على أنفسهم ، أو أ نّها كانت من سهم مغنم أبي بكر أو أن الإمام اشتراها ؟
فأسال : ألم يكن من الواقعية والإنصاف أن يسمّي الإمام عليٌّ ابنه من الحنفية بأبي بكر تقديراً لفضل أبي بكر عليه وعلى ابنه هذا ؟ إن صحت تلك الأخبار ؟
قد يقال : لا ، لأنّ من الطبيعي أن يسمّي الإمام علي أوّل أولاده بعد وفاة رسول الله بمحمد لا بأبي بكر ، ولو أراد أن يسمّي ابنه بأبي بكر كان عليه أن يحتفظ بهذا الاسم لأحد أولاده من زوجاته الأُخريات أي بعد محمد بن الحنفية ، وخصوصاً نحن نعلم أنّ من السنّة التسمية بمحمد ، فلو أراد الإمام أن يسمّي ابنه بأبي بكر كان عليه أن يسمّيه قبل الولادة ثمّ يوضع الاسم على ذلك الطفل بعد الولادة ، لأ نّه من السنة تسمية الولد قبل الولادة .
فلماذا لا يحتفظ الإمام باسم أبي بكر لابنه من الصهباء التغلبية والتي أولدت بعد خوله بنت جعفر الحنفية لو كانت التسمية وضعت عن محبة ولحظ فيها ترتيب الخلفاء !! كما يقولون .
فإنّه(عليه السلام) لو كان قد سمى ابنه أو كنّاه بأبي بكر قبل الولادة لما أمكن لعمر أن يطمع في تسميته ، وباعتقادي أنّ هذا يؤكّد على أنّ التسميات لم يلحظ فيها المحبّة كما يقولون . فلو أريد لحاظ المحبة في تسمية ابنه بعمر أو أبي بكر ، لكان عليه الاحتفاظ باسم أبي بكر لابنه الأكبر ثمّ التسمية بعمر بعد ذلك ، في حين نرى اسم أبي بكر أُطلق على من هو أصغر من عمر بن علي(1) .
وهناك إشكاليات أخرى في هذه النصوص ، فمن جهة يقولون بولادة محمّد بن الحنفية لسنتين ـ أو ثلاث سنين ـ بقين من خلافة عمر بن الخطاب ، ومن جهة أخرى ينقلون عن الإمام علي أ نّه قال : (ولد لي غلام يوم قام عمر ...)(2) . فلو
____________
1- هذا ما سنفصله بعد قليل في صفحة 393 في ولد ليلى النهشلية لنؤكد بأن ما قالوه باطل جملة وتفصيلاً .
2- تاريخ المدينة 1 : 400 ، الأغاني 9 : 302 .
________________________________________ الصفحة 343 ________________________________________
أخذنا جملة (يوم قام) أو في نص آخر (لما استخلف) فهي تشير إلى امكان ولادة عمر الاطرف فى أول خلافة عمر ويصير ابن الصهباء التغلبية أكبر من محمّد ابن علي الشهير بابن الحنفية ، وهذا كلام لا يقبله أحد من المحقّقين ، لاشتهار كون محمّداً هو أكبر أولاد الإمام علي بعد الإمامين الحسن والحسين(عليهما السلام) .
وقد شوهد بجنب والده في حروبه في الجمل وصفين والنهروان ، في حين لم نشاهد عمر بن علي الأطرف في تلك الحروب ، فقد جاء في التذكرة الحمدونية وربيع الأبرار : أ نّه لمّا تزوَّجَ [الإمامُ] النهشليةَ بالبصرة [اي في حدود سنة 35 هـ] قعد على سريره وأقعد الحسن عن يمينه والحسين عن شماله وجلس محمّد ابن الحنفية بالحضيض ، فخاف [علي] أن يجد من ذلك ، فقال : يا بني أنت ابني ، وهذان ابنا رسول الله(1) .
وهذا النص لا يمسّ بكرامة ابن الحنفية بقدر ماهو تكريم لأحفاد رسول الله ، وبقدر ما يُظْهِرُ أنَّ الإمامَ عليّاً أكرم الحسنين لمكانتهما من رسول الله ، وأنّ ابن الحنفية ـ لم يكن كعمر الاطرف بل ـ كان يعرف مقام الحسن والحسين ، فقد جاء في شعب الايمان ، للبيهقي : عن المفضل بن محمّد قال : سمعت أبي يقول : وقع بين الحسين بن علي ومحمّد بن الحنفية كلام ، حَبَس كل واحد منهما عن صاحبه ، فكتب إليه محمّد بن الحنفية : أبي وأبوك علي ، وأمي أمراة من بني حنيفة لا ينكر شرفها في قومها ، ولكنَّ أمك فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأنت أحقّ بالفضل منّي ، فصر إليّ حتى ترضَّاني ، فلبس الحسين رداءه ونعله وصار إليه فترضاه(2) .
وعليه فالإمام علي(عليه السلام) كان ينظر إلى أولاده بنظرة متساوية ولا يميّز أحداً
____________
1- موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب ، للريشهري 10 : 235 ، عن ربيع الابرار 2 : 598 ، طبعة دار صادر ، والتذكرة الحمدونية 3 : 96 ح 231 .
2- شعب الايمان 6 : 316 ، وعنه في تاريخ دمشق 54 : 333 وانظر مناقب بن شهرآشوب 3 : 222 ، حدثة الصولي عن الصادق(عليه السلام) .
________________________________________ الصفحة 344 ________________________________________
على آخر ، فقد جاء في وصيته وما يجب أن يعمل في أمواله قوله : و إنّ لابنَيْ فاطمة من صدقة عليٍّ مثل الذي لبني عليّ ، و إنّي إنّما جعلت القيام بذلك إلى ابنَيْ فاطمةَ ابتغاءَ وجهِ الله ، وقربةً إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وتكريماً لحرمته ، وتشريفاً لوصلته(1) .
وبذلك فإنّ محمّد بن الحنفية هو الولد الثالث من ولد الإمام علي ، لا عمر بن علي ابن الصهباء التغلبية كما توحى به بعض النصوص ، و إنّ أ مّه خولة كانت أقدم عند عليِّ من الصهباء ـ أُمِّ عمر الأطرف ـ (2) .
وبهذا ، فنحن نرجّح أحد القولين الأوّلين ، ونذهب إلى أنّ خولة كانت في بيت فاطمة أيّام حياتها(عليها السلام)(3) ، وقد تزوّجها(عليه السلام) ـ بعد وفاة فاطمة ـ وبعد أُمامة .
لأن أمامة بنت أبي العاص لم تلد للإمام علي بل بقيت تحفظ ولد فاطمة كما أرادت فاطمة(عليها السلام) .
أ مّا خولة الحنفية فهي التي ولدت له محمّداً بعد الحسن والحسين ومحسن .
وكلامنا هذا يعني عدم قبولنا بما قالوه عن سبيها في اليمامة أو الردة !!! أو أ نّها كانت من مغنم أبي بكر ، أو أنّ ولادة محمّد بن الحنفية كانت لسنتين بقيتا من خلافة عمر وما شابه ذلك ، لمنافاة هذه الأقوال مع ماجاء عن رسول الله في اختصاص ابن الحنفية بين جميع المسلمين بأن يكون له شرف حمل اسم رسول الله وكنيته معاً ، وكذا لوجودها في بيت فاطمة قبل هذا التاريخ ، ولإجماع المؤرّخين على وجود ابنها محمّد بن الحنفية في المواقف الكثيرة بجنب أبيه الإمام علي وتقدّمه في السّنّ على سوى الحسنين(عليهما السلام) .
____________
1- (نهج البلاغة : 379 / رسائل أمير المؤمنين ـ الرقم 24).
2- وممّا يؤكد بأن ابن الحنفية هو اكبر من عمر الاطرف هو ما حكي عنه أ نّه قال : دخل عمر بن الخطاب ، وأنا عند اختي أم كلثوم بنت علي فضمني وقال بالحلو تاريخ دمشق 54 : 331 .
3- سير أعلام النبلاء 4 : 110 ، وسمط النجوم العوالي 3 : 73 في الطبقات غير هذا .
________________________________________ الصفحة 345 ________________________________________
الصهباء التغلبية = أم عمر بن علي
وهي المكناة بـ (أم حبيب) بنت ربيعة بن بُجَير بن العبد بن علقمة بن الحرث بن عتبة بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعميّ بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معدّ بن عدنان(1) .
اتّفق الكلّ على أ نّها كانت سبّية وقد بقيت أمَّ ولد إلى آخر حياتها، وأنّ الإمام لم يتزوّجها ، لكنّهم اختلفوا في مكان سبيها وهل كانت من السبي الذي أصابهم خالد بن الوليد حين أغار على قبيلة بني تغلب ـ النصرانية آنذاك ـ بناحية عين التمر(2) .
أم إنّها سبيّة من سبي اليمامة في الحرب التي وقعت بين المسلمين وبين مسيلمة الكذاب في زمن أبي بكر ، أي في سنة 12 للهجرة ، أم أ نّها سبية من مكان آخر ؟ وهل أن الإمام علي اشتراها(3) أم وُهبت له ، أم هناك شيء آخر .
أولاد الصهباء من علي
رزق الله الصهباء من علي بن أبي طالب توأماً ذكراً وأنثى ، الذكر سمّاه عمر بن الخطاب بـ (عمر) ، والأنثى هي المسماة بـ (رقية) .
وقد تزوّج الأوّل (عمر) بابنة عمّه أسماء بنت عقيل بن أبي طالب ، وتزوّجت الثانية (رقية) بابن عمّها مسلم بن عقيل ، و إليك الآن صورة مختصرة عن حياة كُلٍّ من عمر الأطرف ورقية وإني ادرسها لكونها غير مدروسة لحد الان :
____________
1- منتقلة الطالبية : 262 . وانظر الطبقات الكبرى 3 : 20 ، 5 : 117 .
2- مناقب أمير المؤمنين للكوفي 2 : 49 ، الطبقات الكبرى 3 : 20 ، تاريخ الطبري 4 : 118 ، تهذيب الكمال 21 : 468 ، البداية والنهاية 6 : 352 .
3- في الكامل في التاريخ 3 : 250 ، البداية والنهاية 6 : 352 ، الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله 4 : 109 فاشترى علي من ذلك السبي ابنة ربيعة التغلبي ، فاتخذها فولدت له عمر وربيعة .
________________________________________ الصفحة 346 ________________________________________
قيل أ نّه ولد في أوّل خلافة عمر بن الخطاب ; لِما حكي عن الإمام عليّ
من قـوله ( ولد لي غلام يـوم قام عمر )(1) ، وفي آخـر : ( يوم استخلـف
عمر )(2) .
وذهب آخرون إلى أنّ ولادته كانت في أواسط خلافة عمر ; لما استفاده من سنة وفاته (وأنّ ذلك كان في عهد الوليد بن عبدالملك) ، ومن عمره حين الوفاة (وأ نّه كان 80 أو 75 أو 77 سنة) ، فالوليد بن عبدالملك توفّي في سنة 96 ، فلو نَقَصنا 80 عاماً منها لصارت ولادته في سنة 16 هـ .
أو وفاته في عهد عبدالملك بن مروان أو مصعب بن الزبير ، إلى غيرها من الأقوال التي قيلت في سنة وفاته ، فإنهم على ضوء الأقوال التي قيلت في سنة وفاته وعمره حين الوفاة اختلفوا في تاريخ ولادته .
ومثل ذلك مر عليك ما قيل في أخيه محمّد بن الحنفية ، فقيل أ نّه ولد في خلافة أبي بكر أو صدر خلافة عمر أو سنتين بقيتا من خلافة عمر أو ثلاث سنين بقين من خلافته ، وكذا قالوا أ نّه توفي في سنة 73 ، 80 ، 82 ، 83 ، 92 ، 99 ، كلّ ذلك مع الحفاظ على أ نّه مات وعمره 65 عاماً .
وعلى أيّ حال ، فنحن لم نقف على مواقف لعمر الأطرف في بيعة أمير المؤمنين(عليه السلام) ، ولا في حروب الجمل وصفين والنهروان مع أبيه ، مع وقوفنا على مواقف لأخيه الأكبر محمّد بن خولة الحنفية في غالب أدوار خلافة أميرالمؤمنين(عليه السلام)(3) ، بل نصّ بعض المؤرّخين على حضور لأخيه الاصغر أبي
____________
1- تاريخ المدينة 1 : 400 ، الأغاني 9 : 302 .
2- أنساب الأشراف 2 : 412 ، تاريخ الإسلام 6 : 164 .
3- فقد شهد الجمل (انظر الثقات لابن حبان 5 : 347 ترجمة 5159) وكانت راية علي(عليه السلام) بيده لمّا سار من ذي قار (انظر سير اعلام النبلاء 4 : 116 عن خليفة) .
وفي اخبار المدينة 2 : 251 ح 2146 ، عن مغيرة قال : أرسل عثمان يستغيث فقام عليٌّ ليغيثه ، فتعلق به ابن الحنفية واستعان عليه بالنساء وقال : والله لئن دخل الدار ليقتلنه بنو أمية ، فحبسوه حتى قتل عثمان .
________________________________________ الصفحة 347 ________________________________________
الفضل العباس ابن أم البنين الكلابية في معركة صفين(1) ، وعند شهادة والده في محراب مسجد الكوفة(2) ، وعند ممانعة مروان بن الحكم من دفن أخيه الحسن بجنب رسول الله في المدينة .
وكذا وقفنا على بكاء أُخته رقية على أبيها وهو متشحّط بدمه من ضربة عبدالرحمن بن ملجم(3) ، ولا نرى موقفاً يشابه كل هذه المواقف من عمر .
إذن لا يمكن التعليل بصغر سنّ عمر الأطرف وقلّة خبرته بالقتال وما شابه ذلك كما أراد البعض أن يصوره ، لأنّ العباس(عليه السلام) كان أصغر منه سناً ومع ذلك كانت له مواقف وأدوار .
لقد ولد العباس(عليه السلام) في الرابع من شعبان سنة ست وعشرين ، وقيل أ نّه ولد قبل ذلك ، واستشهد بالطف سنة إحدى وستّين ، وكان عمره المبارك آنذاك خمساً وثلاثين سنة ، وقيل أربعاً وثلاثين سنّة .
فلو قلنا بولادته(عليه السلام) في سنة 26 فيكون عمره الشريف يوم صفين 11 سنة .
أ مّا لو قلنا بشهادته في الطف وعمره 35 سنة فيكون ولادته في سنة 27 وعمره يوم صفّين عشر سنوات .
وهناك أقوال تشير إلى ولادته قبل هذا التاريخ ، فهو أصغر من عمر الأطرف على نحو القطع واليقين ، فلماذا لا نقف على مواقف لعمر الأطرف كما رأيناها في
____________
1- انظر ابصار العين في أنصار الحسين للسماوي : 57 ، وفيه : حضر بعض الحروب فلم يأذن له ابوه بالنزال ، وانظر كتاب العباس للمقرم : 241 ـ 242 ، نقلاً عن كتاب الكبريت الأحمر .
2- الدرر النظيم : 418 ، بحار الأنوار 42 : 296 .
3- شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي 2 : 434 .
________________________________________ الصفحة 348 ________________________________________
أخيه العباس أو محمّد بن الحنفية ، وعلى أيِّ شيء يدل هذا ؟!
أحتملُ أن تعود هذه الضبابيّة في سيرته إلى أ نّه كان يريد أن يُساوي الحسنين(عليهما السلام) وأولادهما ، باعتبار أنّ الأب واحد ـ وهي النظرة الجاهلية التي لا تعطي للأمّ ميزة ما ـ ولم يكن يتقبّل أن يكون امتداد النسب لرسول الله(صلى الله عليه وآله) عن طريق فاطمة(عليها السلام) ميزة فارقة بين النَّسْلَيْنِ ، أي أن عمراً الأطرف كان لا يرى ـ طبقا لنظرته الخاصة ـ ميزه للسجاد وعبدالله بن الحسن ، بل كان يرى نفسه هو الأحق والأولى بصدقات أبيه الإمام علي ، مع أن الإمام كان قد أكد بأن تولية الصدقات هي للإمامين الحسن والحسين ثم للأولادهما ولا يشركهما أحد من أولاده في التوليه .
فعمر بن علي أحسَّ بهذه العقدة في نفسه ، وعزاها لكونه ابن أم ولد ، و إن كانت رؤيته غير صحيحة ، فلم يخرج إلى الأضواء وخصوصاً في عهد إخوته : الحسن والحسين ومحمّد بن الحنفيّة ، بل ظهر نجمه بعد واقعة كربلاء مطالباً بحقوقه التي تَخَيَّلَها من أبيه و إخوته .
أجل ، لا يمكن تعميم هذا الكلام على جميع أبناء الإمام ورجال العرب ، فهناك العشرات من الرجال أمّهاتهم أمهات أولاد ، مع ذلك تراهم رجالاً متزنين ملتزمين .
هذا ، ولو كانت لعمر الأطراف مواقف مشهورة لذكره أصحاب التاريخ ، لكنّا لمّا لم نقف على مواقف مشهودة له نحتمل أن يكون قد رَكَنَ إلى الدعة والسكينة بدلاً من الجهاد والخوض في المعترك السياسي والاجتماعي ، وقد يكون تبايُنُ مواقفه وخروجُهُ عن إجماع الطالبيين هو الذي جعله غير مرضيّ السيرة عند أهل البيت ، وقد تكون هناك أمور أخرى .
فالآن نسأل : هل شهد عمر مع أخيه الحسين واقعة الطف أم لا ؟
هناك قولان
أحدهما :
إنّه كان مع أخيه الحسين في كربلاء ، وكانت معه أ مّه وأخته رقية ـ زوجة
________________________________________ الصفحة 349 ________________________________________
مسلم بن عقيل ـ وولداها : عبدالله ومحمّد .
وقد نص على هذا أبو مخنف في (المقتل) ، وابن شهرآشوب في المناقب ، والمجلسي في بحار الأنوار (احد نقليه) وغيرهم من العامة والخاصة(1) ، وقيل : إنّه قد برز بعد أخيه أبي بكر بن علي لقتال الأعداء وهو يقول :
أضربكُمْ ولا أرى فيكم زَجَرْ ذاك الشقيُّ بالنبيّ قد كَفَرْ
يا زَجْرُ يا زَجْرُ تدانَ من عُمَرْ لعلَّكَ اليومَ تَبَوَّا من سَقَرْ
شَرَّ مكان في حَرِيق وسَعَرْ لأنّك الجاحد يا شَرَّ البَشَرْ
ثم حمل على (زجر) قاتل أخيه أبي بكر فقتله ، واستقبل القوم وجعل يضرب بسيفه ضرباً منكراً وهو يقول :
خَلُّوا عُداةَ الله خَلُّوا عن عُمَرْ خَلُّوا عن اللَّيْثِ العبوس المُكْفَهِرْ
يضربكُمْ بِسَيْفِهِ ولا يَفِرْ وليسَ فيها كالجبان المُنْجَحِرْ
فلم يزل يقاتل حتى قتل(2) .
وفي مناقب آل أبي طالب ـ باب إمامة أبي عبدالله الحسين ـ قال ابن شهرآشوب : إنّه قتل في واقعة الطف بين يدي الحسين(3) .
هذا هو القول الأوّل ، ولم يرتضه الشيخ المفيد في الإرشاد(4) ، والمجلسيّ في البحار(5) ، والشيخ المامقاني في تنقيح المقال(6) ، والسيّد الخوئي في معجم
____________
1- كتاب الفتوح 5: 113 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 255 ، وفيه زجر بدل زحر ، بحار الأنوار 45 : 37 .
2- بحار الأنوار 45 : 37 ، كتاب الفتوح 5 : 113 وفيه : المستجر بدل المنجحر .
3- انظر مناقب بن شهرآشوب 3 : 259 .
4- انظر الإرشاد 2 : 125 ، اذ لم يذكر عمراً فيمن استشهد مع الحسين(عليه السلام) من ولد علي بن أبي طالب(عليه السلام) .
5- بحار الأنوار 46 : 113 .
6- تنقيح المقال (طبعة حجرية) 2 : 346 .
________________________________________ الصفحة 350 ________________________________________
رجال الحديث(1) ، وذلك لوجود نصوص أخرى تؤكّد حياته إلى زمان عبدالملك بن مروان ، وفيها أ نّه خاصم الإمام زين العابدين السجاد(2) ، أو نازع الحسن المثنى في صدقات أبيه ، عند عبدالملك بن مروان(3) ، وفي نصوص ثالثة أ نّه خاصم عبيدَالله بن العباسِ ـ السّقّاءِ بكربلاء ـ في ميراث العباس و إخوته ، وصولح معه على شيء في زمن عبدالملك أو قبله(4) .
وفي نقل رابع أ نّه خاصم الحسن المثنى عند الوليد بن عبدالملك لا عند عبدالملك(5) .
وفي خامس : حصلت له مخاصمة بينه وبين الحسن المثنى أيام مروان بن الحكم(6) .
وعليه فعدم حضوره الطّفّ أمر مقطوعٌ به عند هؤلاء الأعلام ، لأنّ الّذين ذكروا المستشهدين في واقعة الطف من المؤرخين والنسّابين كالطبري ، وابن قتيبة ، وابن عبدربه ، وأبي الفرج ، والمفيد ، لم يذكروه فيهم ، ولم يشيروا إلى وجود اختلاف في ذلك كما أشاروا إلى الاختلاف في شهادة أَخَويه عبيدالله بن علي ، و إبراهيم بن علي ، والاختلاف في علي بن عقيل ، وجعفر بن محمّد بن عقيل وغيرهم .
مضافاً لذلك عدم وقوع التسليم عليه في زيارة الناحية المقدسة أو الزيارة الرجبية ، فقد جاء في الزيارة الرجبية اسم أربعة عشر شهيداً من شهداء الطالبيين في كربلاء ، وفي زيارة الناحية سبعة عشر ، وقد ذُكر فيها بعض ما لم يُذكر في
____________
1- معجم رجال الحديث 14 : 51 الترجمة 8787 .
2- الإرشاد 2 : 150 ، مناقب بن شهرآشوب 3 : 308 ، مستدرك الوسائل 14 : 61 عن المفيد في الارشاد ، بحار الأنوار 42 : 91 ، كشف الغمة 2 : 300 .
3- الإرشاد 2 : 23 ـ 25 ، عمدة الطالب : 99 ، تهذيب الكمال 6 : 92 ، تاريخ دمشق 13 : 65 .
4- مقاتل الطالبيين : 55 .
5- مختصر تاريخ دمشق 19 : 138 ـ 139 .
6- معالي السبطين 2 : 262 ، عن القمقام الزخّار .
________________________________________ الصفحة 351 ________________________________________
الأخرى وبالعكس ، وفي جميعها لم نجد اسم عمر بن علي الأطرف .
ولو جازفنا وقلنا باستشهاده بكربلاء لأمكننا المجازفة وترجيح ما جاء في بعض الزيادات المحكيّة عن بعض النسابة بأن للإمام علي(عليه السلام) عمر الأصغر تبعاً لأولئك النسابة الذين ذكروا للإمام علي عدداً آخر من الأولاد ; كلهم يضاف إليهم قيد الأصغر أو الصغرى لوجود آخرين مسمَّين بهذا الاسم قبلهم ، هم : عثمان الأصغر ، وجعفر الأصغر ، وعبّاس الأصغر ، وعمر الأصغر ، ورملة الصغرى .
وهذا ما لا نقبله ، لكونه ادعاءً بحتاً ، وذلك لتخالفه مع أقوالِ بقية النسابة ، والقدرِ المتيقّن المعروفِ من أولاد الإمام علي(1) . فلو أردنا أن نذهب إلى التعدّد في اسم عمر لقلنا شيئاً آخر غير هذا .
ثانيهما :
إنه تخلف عن أخيه وكان من الناهين له(عليه السلام) عن الخروج إلى كربلاء .
قال ابن عنبة : وتخلّف عمر عن أخيه الحسين(عليه السلام) ولم يَسِرْ معه إلى الكوفة ، وكان قد دعاه إلى الخروج معه فلم يخرج ، ويقال : إنّه لما بلغه قتل أخيه الحسين(عليه السلام) خرج في معصفرات له وجلس بفناء داره وقال : أنا الغلام الحازم ، ولو خرجتُ معهم لذهبتُ في المعركة وقتلتُ .
ثم اضاف ابن عنبة :
ولا تصح رواية من روى أنّ عمر حضر كربلاء ، وكان أوّل من بايع عبدالله بن الزبير ، ثم بايع بعده الحجّاج ، وأراد الحجّاج إدخاله مع الحسن بن الحسن في تولية صدقات أمير المؤمنين(عليه السلام) فلم يتيسّر له ذلك ، ومات بينبع ، وهو ابن سبع وسبعين سنة وقيل خمس وسبعين(2) .
____________
1- سيأتي في آخر هذا القسم (الخلاصة) : 415 ما يرتبط بهذا الموضوع .
2- عمدة الطالب : 362 ، وفي سر السلسلة العلوية لأبي نصر البخاري : 96 ولا يصح رواية من روى أنّ عمر حضر كربلاء ، وهرب ليلة عاشوراء ، قعد في الجواليق ، ولقبوا اولاده بأولاد الجواليق ، ولا يصح ذلك بل كان هو بمكة مع ابن الزبير ولم يخرج إلى كربلاء والسبب في تلقيبهم بأولاد الجواليق غير ذلك والله اعلم . (بتصوري إن ما قيل ـ وهو ابن سبع وسبعين سنه وقيل خمس وسبعين ـ هو تصحيف لسبع وتسعين وخمس وتسعين) .
________________________________________ الصفحة 352 ________________________________________
وفي معالي السبطين : إنّه بقي إلى خلافة مروان بن الحكم ، وحصلت بينه وبين الحسن المثنّى بن الحسن السبط مخاصمة في صدقات أمير المؤمنين(1) .
روى المفيد عن عبدالملك بن عبدالعزيز ، قال : لمّا ولي ـ عبدالملك بن مروان ـ الخلافة ردّ إلى الإمام علي بن الحسين صدقات رسول الله وصدقات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وكانتا مضمومتين ، فخرج عمر الأطرف بن علي إلى عبدالملك يتظلّم إليه من نفسه ، فقال عبدالملك : أقول كما قال ابن أبي الحقيق :
إنّا إذا مالَتْ دواعي الهوى وأَنْصَتَ السَّامعُ للقائلِ
واصطرَعَ الناسُ بألبابهم نقضي بحكم عادل فاصلِ
لا نجعلُ الباطل حقّاً ولا نُلِظُّ دونَ الحقِّ بالباطلِ
نخافُ أَن تُسْفَهَ أحلامُنا فَنَخْملَ الدَّهْرَ معَ الخامِلِ(2)
وفي (مختصر تاريخ دمشق) : كان عمر آخر ولد علي بن أبي طالب(3) ، وقدم
____________
1- معالي السبطين 2 : 262 .
2- انظر الإرشاد للمفيد 2 : 150 ، وبحار الأنوار 42 : 91 ، 46 : 113 ، عن الإرشاد، كشف الغمة 2 : 300 .
3- أي وفاةً ، و إنّ ما قالوه بأ نّه كان آخر ولد الإمام علي فهم لا يعنون آخر من ولد له(عليه السلام) ; لأنا نعلم بأن جعفراً وعثمان ابنَيْ الإمام من أُمِّ البنين ، وعبيدالله وعبدالله ابنَيْ ليلى النهشلية قد ولدا بعده ، وهم أصغر منه سنّاً على نحو القطع واليقين ، فكيف يقال عنه بأ نّه آخر ولد علي ـ ويعنون به ولادةً ـ والصحيح أ نّهم يعنون بكلامهم آخر ولد علي وفاةً ، لأنّ معطيات غالب النصوص تؤكّد على أ نّه قد توفّي في زمن عبدالملك بن مروان ، وفي أخرى في زمن الوليد بن عبدالملك ، وبذلك كان إخوته قد توفوا قبله سواء الحسن والحسين من ولد الصديقة فاطمة الزهراء ، أو الأربعة من أولاد أم البنين ، أو عبدالله وعبيدالله من أولاد ليلى النهشلية ، أو غيرهم من ولد اسماء ـ ان كان لها ولد ـ أو غيرهم .
ويويد كلامنا ما جاء صريحاً في (المجدي : 197) : وكان آخر من مات من بني علي(عليه السلام)الذكور المعقبين .
________________________________________ الصفحة 353 ________________________________________
مع أبان بن عثمان على الوليد بن عبدالملك يسأله أن يولّيه صدقة أبيه ، وكان يليها يومئذ ابن أخيه الحسن بن الحسن بن علي ، فعرض عليه الوليد الصلة وقضاء الدين ، فقال : لا حاجة لي في ذلك ، إنّما جئت في صدقة أبي ، أَنا أولى بها ، فاكْتُبْ لي ولايتها ، فكتب له الوليد رقعة فيها أبيات ربيع بن أبي الحقيق اليهودي .. :
لا نجعل الباطلَ حقّاً ولا نُلِظّ دون الحقّ بالباطل
ثم دفع الرقعة إلى أبان وقال : ادفعها إليه وأعلمه أنّي لا أُدخل على ولد فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) غيرهم ، فانصرف عمر غضبان ولم يقبل منه صلة(1) .
وفي (نسب قريش) : قُتل العباس بن علي بعد إخوته ، فورث إخوته [الذين ]لم يكن لهم ولد ، وورث العباس ابنه عبيدالله ، وكان محمّد بن الحنفية وعمر حييّن ، فسلّم محمّدٌ لعبيد الله ميراثَ عمومته ، وامتنع عمر حتّى صولح وأُرضي من حقّه(2) .
وحكى العمري في (المجدي) ما رواه الدنداني عن جدّه : أ نّه خاصم ابنَ أخيه حسناً إلى بعض بني عبدالملك في ولايته في صدقات عليّ ، وهذا يزعم أ نّه مات من جراح أصابه أ يّام مصعب ، ومصعب قتل قبل أخيه عبدالله ، وعبدالملك حيّ ، وما ولي أحد من بني عبدالملك إلاّ بعد موت أبيه ، فهذه مناقضة(3) .
وهذه النصوص توقفنا على أعمال مشينة قام بها عمر بن عليّ الأطرف ضد أبناء إخوته وهو المنتسب إلى أميرالمؤمنين ، فهل حقّاً أ نّه قام بهذه الأفعال والأعمال أم أ نّها منسوبة إليه من قبل الحكام ولا تصحّ ؟!
____________
1- تاريخ دمشق 45 : 306 .
2- نسب قريش مصعب الزبير : 42 .
3- المجدي في أنساب الطالبيين : 198 .
________________________________________ الصفحة 354 ________________________________________
بل كيف يخرج عمر الأطرف بعد شهادة أخيه الحسين في ثياب معصفرات و يجلس بفناء داره ويقول : (أنا الغلام الحازم ولو خرجتُ معهم لذهبتُ في المعركة وقتلت)(1) ؟! وعلى أيّ شيء يدلّ هذا الفعل القبيح منه ، هل كان لدعته وركونه إلى الدنيا ، أم خوفاً ومداراة للأمويين ؟!
بل كيف يتخلّف عن أخيه الإمام الذي قال عنه وعن أخيه الحسن رسول الله(صلى الله عليه وآله) : (الحسن والحسين امامان قاما أو قعدا)(2) ؟!
وهل يتفق ما قيل من خروجه في ثياب معصفرات والجلوس بفناء الدار والقول : أنا الغلام الحازمُ ، مع ما ذكره السيّد ابن طاووس في اللهوف عن عمر الأطرف وأ نّه قال : لما امتنع أخي الحسين عن البيعة ليزيد بالمدينة دخلت عليه فوجدته خالياً فقلت له : جعلت فداك يا أبا عبدالله حدّثني أخوك أبو محمّد الحسن عن أبي (عليه السلام) ثمّ سبقتني الدمعة وعلا شهيقي ، فضمّني إليه ، وقال : حدثك أ نّي مقتول ؟
فقلت : حوشيت يا ابن رسول الله . فقال : سألتك بحقّ أبيك بقتلي أخبرك ؟ فقلت : نعم ، فلولا ناوَّلْتَ وبايعت(3) ؟!
بل كيف يقول : لو خرجت معهم لذهبت في المعركة وقتلت ؟!
وهل أ نّه أراد ـ والعياذ بالله ـ أن يقول بما قاله المشركون للمؤمنين في صدر الإسلام ، وأ نّه(عليه السلام) لو بقي في المدينة لَمَا قتل ، في حين سبحانه وتعالى يقول :
(يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزَّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) .
____________
1- سر السلسلة العلوية : 96 ، عمدة الطالب : 362 .
2- علل الشرائع 1 : 211 ، الارشاد 2 : 30 ، الفصول المختارة : 303 .
3- اللهوف في قتلى الطفوف : 19 ، وعنه في معالم المدرستين : 48 وفيه فلولا تأوَّلت وبايعت .
________________________________________ الصفحة 355 ________________________________________
بل كيف يلبس المعصفر وهو المنهيّ عنه ـ في رواية مسلم عن عليّ ـ : نهاني رسول الله عن التختّم بالذهب ... وعن لبس المعصفر(1) .
أجل إني لا أنكر احتمال وجود التقية في عمله ـ إن صح النقل عنه ـ خصوصاً بعد وقوفه على تلك الجرائم التي ارتكتبها بنو أمية بحق أهل بيت الرسالة ، فلا يُستبعَد ان يكون عمر الأطرف قالها وفعلها ليحقن دمه من بني أميّة ويؤكده قوله : (فوجدته خالياً ، فقلت له : ...) ، إذ لا يمكن لمسلم ذي وجدان أن يلبس المعصفر عند سماعه مأساة كمأساة كربلاء ، فكيف يفعل عمر الأطرف ذلك في شهادة أخيه الذي قال عنه رسول الله : هو سيد شباب أهل الجنة ، وهو الذي كان يفدّي أخاه الحسين بنفسه كما في النص الآنِف عن السيد ابن طاووس ؟! إذن يحتمل أن يكون صدور تلك الكلمات منه جارياً مجرى التقيّة .
لكن لو قلنا بالتقية فماذا نقول عمّا قيل من مبايعته لعبدالله بن الزبير(2) ـ عدوّ آل محمّد ـ والحجّاج بن يوسف الثقفي(3) وتزويجه أم كلثوم بنت عبدالله بن جعفر منه ، وانخراطه في ركاب مصعب بن الزبير(4) ، وتركه الإمام السجاد بل اختلافه معه في صدقات عليّ(عليه السلام) وقوله : أنا ابن المصدق وهذا ابن ابن المصدق ، فأنا أولى بها منه(5) .
وأيضاً استعانته بخلفاء الجور مثل عبدالملك بن مروان في استرداد صدقات علي ، لكنّ عبدالملك لم يكترث له وأوكل أمر الصدقات إلى الإمام السجّاد(6) ، ولمّا خرج السجّاد تناوله عمر الأطرف وآذاه ، فسكت (عليه السلام) ولم يردَّ عليه شيئاً .
____________
1- صحيح مسلم 3 : 1628 .
2- سر السلسلة العلوية : 97 ، عمدة الطالب : 362 ، أعيان الشيعة 5 : 45 .
3- سر السلسلة العلوية : 97 ، عمدة الطالب : 362 ، أعيان الشيعة 5 : 45 .
4- تهذيب الكمال 21 : 469 تهذيب التهذيب 7 : 426 .
5- انظر مناقب بن شهرآشوب 3 : 308 ، بحار الأنوار 46 : 113 .
6- انظر مناقب بن شهرآشوب 3 : 308 ، بحار الأنوار 46 : 113 .
________________________________________ الصفحة 356 ________________________________________
فلمّا كان بعد ذلك دخل محمّد بن عمر ـ ولده ـ على عليّ بن الحسين فسلّم عليه وأكبّ عليه يقبّله .
فقال عليّ بن الحسين : يابن عمّ لا تمنعني قطيعةُ أبيك أَن أصلَ رحمك ، فقد زوّجتك ابنتي خديجة(1) .
كل هذه النصوص تشير إلى وجود خلاف مالي بينه وبين أبناء اخوته ، وأنَّ عمر قد استعان بالآخرين للوصول إلى ما يريده ، وهو يؤكّد بأنّ الإنسان جائز الخطأ ، وأنّ عمر الأطرف ليس بمعصوم ، وقد يكون تأثّر بمحيطه ، أو أثَّر الآخرون عليه ، فصار اداة بيد الأخرين يستفيدون منه حينما يشاؤون .
إنّ عمر الأطرف لم يختلف مع الإمام عليّ بن الحسين السجّاد فحسب ، بل اختلف مع الحسن المثنّى في صدقات أبيه الإمام عليّ(2) ، وكذا مع عبيدالله بن العباس ابن أميرالمؤمنين في ميراث العباس الشهيد بكربلاء ، وميراث اخوة العباس(3) .
وقد استعان بالسلطة الأموية للحصول على ما كان يريده ، فطلب من الحجّاج بن يوسف حينما كان أميراً على الحجاز (73 ـ 75) أن يتوسّط في إقناع الحسن المثنى بن الحسن السبط أن يُدْخِلَهُ في صدقات عليّ التي كانت تحت ولايته ، فقال له الحجّاج يوماً : أَدْخِلْ عمّك عمر بن عليّ معك في صدقة عليّ فإنّه عمّك وبقيّة أهلك .
فقال الحسن المثنّى : لا أغيّر شرط علي ولا أُدْخِلُ فيها من لا يدخل(4) .
قال الحجّاج : إذاً أَدْخِلْهُ معك .
____________
1- انظر مناقب بن شهرآشوب 3 : 308 ، بحار الأنوار 46 : 113 .
2- تهذيب الكمال 6 : 92 ، تاريخ دمشق 13 : 65 ، تاريخ الإسلام 6 : 329 الارشاد 2 : 24 .
3- مقتل علي لابن أبي الدنيا : 40 الحديث 128 .
4- تهذيب الكمال 6 : 92 ، تاريخ دمشق 13 : 65 ، تاريخ الإسلام 6 : 329 ، الارشاد 2 : 24 ، ومعناه لا ادخل فيها من لا يُدْخِلهْ الواقف وهو الإمام على في تولية الصدقات .
________________________________________ الصفحة 357 ________________________________________
فنكص عنه الحسن المثنى وتوجّه إلى عبدالملك حتّى قدم عليه فوقف ببابه يطلب الإذن ، فمرّ به يحيى بن الحكم ، فلمّا رآه يحيى عدل إليه فسلّم عليه وسأله عن مقدمه وخبره واحتفى به ، ثمّ قال له : إنّي سأتبعك عند أميرالمؤمنين ـ يعني عبدالملك ـ فدخل الحسن على عبدالملك فرحّب به وأحسن مساءلته ، وكان الحسن بن الحسن قد أسرع إليه الشيب ، فقال له عبدالملك : لقد أسرع إليك الشيب ـ ويحيى بن الحكم في المجلس ـ فقال له يحيى : وما يمنعه شَيَّبَتْهُ أَمانيُّ أهل العراق ; كلَّ عام يقدم عليه منهم ركبٌ يمنّونه الخلافة ، فأقبل عليه الحسن فقال : بئس والله الرفد رفدت ، وليس كما قلتَ ، ولكنّا أهل بيت طيّبة أفواهنا فتميل نساؤنا إلينا فتقبّلنا فيها فيسرع إلينا الشيب من أنفاسهنّ .
فنكس عبدالملك رأسه لأنّه كان أبخَر الفم ، ثمّ أقبل عليه وقال : يا أبامحمّد هَلُمَّ لِما قدمتَ له ، فأخبره بقول الحجّاج فقال : ليس ذلك له ، اكتبوا كتاباً إليه لا يتجاوزه ، فكتب إليه ووصل الحسن بن الحسن وأحسن صلته .
فلمّا خرج من عنده لقيه يحيى بن الحكم فعاتبه الحسن على سوء محضره وقال له : ما هذا الذي وعدتني به ؟!!
فقال له يحيى : إِيهاً عليك ، فو الله لا يزال يهابك ، ولولا هيبتك ما قضى لك حاجة ، وما آلُوكَ رفداً(1) .
فماذا تعني هذه المواقف المشينة من عمر الأطرف ضد بني إخوته (الحسن والحسين والعباس) ، وعلى أيّ شيء يمكننا حمل هذه النصوص المزدوجة في حياته ؟
صحيح أنّ عمر الاطرف لم يكن معصوماً وقد يخطأ ويتأثر بهواه ، لكن لا أدري كيف يطالب بإرث إخوة العباس مع وجود أمّهم أمّ النبين قيد الحياة ، وهذه المطالبة لا تتّفق مع فقه أهل البيت إلاّ أن نقول بأ نّه لا يعلم بفقه أبيه ، أو أن نقول انّ
____________
1- تهذيب الكمال 6 : 93 ، تاريخ دمشق 13 : 65 ، سمط النجوم العوالي 4 : 124 .
________________________________________ الصفحة 358 ________________________________________
الواقعة مكذوبة عليه ، أو أن نقول أ نّه تأثّر بفقه الحكّام ، وأنّهم هم الذين كانوا يحرِّكونه ويسيِّرونه .
بلى ، إنَّ موقفه يختلف عن موقف أخيه محمّد بن الحنفية في أمر الصدقات وميرات العباس بن علي ، ففي (مقتل علي) لابن أبي الدنيا : ثم قتل العباس بن علي بعد إخوته مع الحسين صلوات الله عليه ، فورث العباس إخوته ولم يكن لهم ولد ، وورث العبّاسَ ابنُهُ عبيدُالله بن العباس ، وكان محمّد بن علي ابن الحنفية ، وعمر بن علي [الأطرف] حيَّين ، فسلَّم محمدُ [ابن الحنفية] لعبيدالله بن العباس ميراثَ عمومته ، وامتنع عمرُ حتَّى صولح وأُرضيَ من حقِّه ، وأمّ العباس و إخوته هؤلاء : أم البنين بنت حزام ...(1)
فمن جهة نراه هنا يطالب في الأمور المالية بما لا يتفق مع مذهب أهل البيت ، ومن جهة أخرى نراه يوذِّن بـ (حيّ على خير العمل)(2) ويجهر في القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم ، وهما من خصائص الشيعة الإمامية .
فهنا سؤال يطرح نفسه : هل أ نّه كان يفرق بين الأمور الماديّة والأُخروية ؟! فكان يسمح لنفسه أن يطالب بما لا حق له فيه من الأمور الدنيوية والتعبد في الأمور الأخروية . قد يأتي الجواب : أجل أنّه كان يتعبّد فيها بما عرفه عن أبيه ؟! بعكس الأمور المادية فكان يصر على اخذها لتحكيم موقعيته الدنيويه والقبلية .
فقد روى الدارقطني (ت 385 هـ) بسنده عن عيسى بن عبدالله بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب ، قال : حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ ، قال : كان رسول الله يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في السورتين جميعاً(3) .
إنّها ازدواجية ، أو قُل نحوٌ من أنحاء النمطيّة ، فمن جهة يروي أخباراً تؤيّد ما يرويه الإمام السجاد والحسن بن الحسن ، والعباس بن علي عن الإمام علي ـ تلك
____________
1- مقتل علي : 40 الحديث 128 .
2- حي على خير العمل لعزان : 60 .
3- سنن الدراقطني 1 : 302 ح 2 .
________________________________________ الصفحة 359 ________________________________________
الروايات المخالفة للنقل الحكومي عن علي(عليه السلام) ـ ومن جهة أخرى تراه يستعين بأبان بن عثمان بن عفّان عند الوليد بن عبدالملك (86 ـ 96 هـ) لكي يولّيه تلك الصدقات ، لكنَّ الأخير يعرض عليه الصلة بدل ذلك فلا يرضى عمر(1) .
كل هذه النصوص تؤكد ما قلناه عنه وأنّه كان يريد السلطة والمكانة التي كانت لاخويه من قبل وليس الأمر يرتبط بالمال فقط .
لأن الوليد عرض عليه عروضاً ماليّة كثيرة وجيّدة لكنه لم يَرْضَ إلاّ بأنّ يكون شريكا في الصدقات ، وهو يدل على أنّه كانت عنده عقدة من تفضيل أولاد فاطمة عليه وعلى غيره من ابناء الإمام ، مع أنّهم جميعاً أولاد علي .
نعم ، قد يقال بأن ليس هناك تخالف بين الأمرين ، إذ المطالبة بالأمور المادية وحيازته للصدقات تخضع للظروف التي كان يعيشها ، وحبه لرئاسة القبيلة والعشيرة .
أما نقله أمثال هذه الروايات فهو تثبيت للفقه الصحيح الذي عرفه من أبيه وأهل بيته ، ولا يستبعد أن يكون لا يعرف بعض فقه أبيه وخصوصاً لو ارتبط بالمسائل الخلافية بين الصحابة ، أو أن نفسه كانت تدعوه للقيام بعمل لا يُرضي به أباه(عليه السلام) .
حكى العمري قال : اجتاز عمر بن علي [الأطرف] في سفر كان له في بيوت من بني عدي فنزل عليهم ، وكانت شِدّةٌ ، فجاءه شيوخ الحيّ فحادثوه واعترض رجل منهم مارّاً له شارة .
فقال : من هذا ؟
فقالوا : سَلْم بن قَتَّة وله انحراف عن بني هاشم ، فاستدعاه وسأله عن أخيه سليمان بن قَتَّه ، وكان سليمان من الشيعة ، فأخبره بأ نّه غائب ، فلم يزل عمر يلطف له في القول ويشرح له الأدلّة حتى رجع سلم إلى مذهب أخيه ، وفرّق عمر
____________
1- تاريخ دمشق 45 : 305 .
________________________________________ الصفحة 360 ________________________________________
في البيوت أكثر زاده ونفقته وكسوته ، وأشبع جميعهم طول مقامه فلما رحل عنهم بعد يوم وليلة حتى عشبوا وخصبوا ، فقال : هذا أبركُ الناس حِلاًّ ومرتحلاً ، وكانت هداياه تصل إلى سَلْم ، فلمّا مات قال يرثيه .
صلَّى الإلهُ على قبر تَضَمَّنَ من نَسْلِ الوَصِيِّ عَليٍّ خيرَ من سُئِلا
ما كنتَ يا عُمَرُ الخَيْرُ الَّذي جُمِعَتْ له المكارِمُ طيَّاشاً ولا وَكِلا
قد كُنْتَ أَكرَمَهُمْ كَفّاً وأَكثَرَهُمْ عِلْما وأَبْرَكَهُمْ حِلاًّ ومُرْتَحَلا
كان هذا مجمل ما قيل في عمر الأطرف ، وترى الازدواجية بارزة في شخصيته ، أو قل الاختلاف واضحاً فيما يُحكى عنه في كتب التاريخ والأنساب ، من شهادته في كربلاء مع أخيه الحسين ، أو مقتله مع مصعب بن الزبير في حربه مع المختار الثقفي(1) ، أو وفاته في عهد عبدالمك بن مروان بعد نزاعه مع السجاد(عليه السلام) ، أو في زمن الوليد ابن عبدالملك بعد نزاعه مع ابن أخيه الحسن ، أي أ نّهم اختلفوا في سنة وفاته أيضاً بين من قال بشهادته في كربلاء سنة 60 ، وبين
____________
1- عمدة الطالب : 361 وفيه : سالم بن رقية ، وأيضاً فيه : حتى غيثوا وأخصبوا . وفي المجدي : 198 ، وجدت في بعض الكتب أنّ عمر شهد حرب مصعب بن الزبير وكان من أصحابه ، وأ نّه قتل وقبره بمسكن ، وهذه الرواية باطلة بعيدة عن الصواب ، وقال لي بعض أصحابنا : إنّما هذا عمر [الشجري] بن علي الأصغر ، ولا أعلم لهذه الرواية صحّة ، وممّا يدلّ على بطلان ذلك ...
وجاء في تهذيب التهذيب 7 : 426 ، وكتاب مقتل أمير المؤمنين لابن أبي الدنيا : 40 الحديث 128 ذكر غير واحد من أهل التاريخ أنّ الذي قتل مع مصعب بن الزبير هو عبيدالله بن علي بن أبي طالب ، [لا عمر ]والله أعلم .
وفي شذرات الذهب 1 : 75 في التهذيب عبدالله ، وتهذيب التهذيب 7 : 485 ، وتهذيب الكمال 21 : 469 ، وتاريخ الإسلام حوادث سنة 67 : وقتل من جيش مصعب : محمّد بن الأشعث الكندي ابن أخت أبي بكر ، وعبيدالله بن علي بن أبي طالب ، وقتل من جيش المختار عمر الأكبر بن علي بن أبي طالب .
وقال خليفة بن خياط في تاريخه : 264 سنة سبع وستين وفيها مقتل المختار وعمر بن سعد ، وفيها وقعة المذار ، وفيها قتل عمر بن علي بن أبي طالب ومحمّد بن الاشعث بن قيس .
________________________________________ الصفحة 361 ________________________________________
وفاته في زمن مروان بن الحكم(1) ، أو في زمان عبد الملك بن مروان ، أو الوليد بن عبد الملك ، أي انّ وفاته مشكوك فيها بين سنة 60 إلى سنة 96 للهجرة ، وهي السنة التي توفّى فيها الوليد بن عبدالملك .
ولنا أن نحتمل في مثل هذا أمرين مضافاً إلى ما قلناه :
الأوّل : إنّ الاختلاف في عمر الأطرف ، وفي المتنازع معه ، وفي الشيء المتنازع عليه (الصدقات) ، وفي الخليفة المتنازع عنده (مروان ، عبدالملك ، الوليد بن عبدالملك) ، يشير إلى وجود أصابع أمويّة في هذه المسألة ، كما هي في زواج أمّ كلثوم ، وغناء سكينة (أعوذ بالله) ، فلا يستبعد أن يكونوا وضعوا تلك الأخبار على لسانه كي يقولوا بأنّ أقرب المقرّبين للإمام الحسين نهاه عن الخروج حتّى أخوه ، في حين هناك نصوص موجودة عند مدرسة أهل البيت تعارض هذه المقولة ، وهي تشير إلى أنّ الإمام الحسين كان متعمّداً في عدم إخراج جميع الطالبيين حفاظاً عليهم ، ولذلك طلب(عليه السلام) من ابن الحنفيّة أن يبقى في المدينة كي لا تتحقّق أمنية الأمويين بانقطاع نسل عليّ بن أبي طالب ، وقد مرّت عليك نصوص تشير إلى انّ معاوية كان يريد إبادة الهاشميين(2) .
فلا أدري هل أنّ عمر الأطرف خرج وقتل مع الحسين(عليه السلام) ، أم بقي بالمدينة بأمر الإمام الحسين(عليه السلام) كما بقي ابن الحنفية ، أم تصحّ حكاية ابن عنبة عنه من أ نّه امتنع من الخروج مع الحسين رغم طلب الإمام منه ، أم إنّ أمراً نفسيّاً انتابه فجاء موقفه معترضاً على الإمام ، أم أ نّه كان يريد الصدارة والسيادة المطلقة ـ كقبيلة بني هاشم ـ التي لم تتحقق له ؟!
الثاني : أ نّه لم يكن شخصاً مرضيّاً عند الأئمّة(3) ، وذلك لاختلافه مع الإمام
____________
1- انظر تهذيب الكمال 21 : 468 ، تهذيب التهذيب 7 : 426 .
2- مر في صفحه 184 ـ 222 .
3- قال ابن الطقطقي في الاصيلي : لم يكن مرضيّ السيرة . وقريب منه كلام ابن عنبة في عمدة الطالب : 362 .
________________________________________ الصفحة 362 ________________________________________
السجاد ولبسه المعصفر بعد مقتل الحسين ، وقوله : (أنا الغلام الحازم ، ولو خرجتُ معهم لذهبتُ في المعركة وقتلت) ، إلى ما شابه ذلك .
وذلك لاستعداده النفسيّ للقيام بمثل هذه الأعمال ، مع أنّ سائر أخوته من أبيه لم يكونوا كذلك ، فمحمد بن الحنفية مشهور بشجاعته ومشاركته مع الإمام علي في النشاط الحربي والسياسي والاجتماعي ، فقد كان ابن الحنفية بجنب والده في جميع الحروب ، وقد حمل راية أبيه(عليه السلام) في ذي قار وغيرها ولم يعترض على تولية الإمامين الحسن والحسين(عليهما السلام) صدقات الإمام علي .
المهم أنّ عمر الأطرف لم يكن له دور مهم في تاريخ الإسلام ، ولم يثبت مشاركته في واقعة الطف ، بل إنّ غالب المواقف المذكورة له هي مواقف سلبية ، مع انه قد عاش إلى زمن متأخّر ، فلا نرى له مواقف إيجابيه مع إخوته وأبنائهم ، بل اختلف مع الحسن المثنى ، وعبيدالله بن العباس ، وعلي بن الحسين السجاد ، وان قبولنا بوقوع هذه المخالفات ـ تبعاً للمؤرخين ـ يلزمنا القول بحياته إلى عهد الوليد بن عبدالملك وأ نّه غير مرضيّ السيرة .
هذا ، إن عدم ذكر خطباء المنبر الحسيني اسم عمر الأطرف ضمن رجال واقعة كربلاء ، جاء لعدم ثبوت شهادته عندهم ، وقد يكون لمواقفه السيّئة الأخرى مع إخوته وأبنائهم ، وقد يكون لأمور اخرى . فالخطباء في مجالسهم يذكرون روايات عمر بن اُذينه ، والمفضل بن عمر ، ومعاوية بن عمار عن الصادق والباقر(عليهما السلام) ولا يهأبون الاسماء ، وهذا يؤكد بأن الأمر لا يعود إلى خصوص الاسماء بل إلى عمر الأطرف نفسه .
بمعنى أ نّا لو أردنا أن نصحح ما قيل للزمنا أن نرجّح وفاته في عهد الوليد بن عبدالملك ، لإطباق المؤرّخين والنسّابة بأ نّه آخر ولد علي المعقبين وفاةً(1) ، أي أنّه توفّي بعد أخيه محمّد بن الحنفية المتوفّى سنة 81 حسبما قاله امثال :
____________
1- المجدي : 197 ، تهذيب التهذيب 7 : 426 الرقم 807 ، تهذيب الكمال 21 : 469 .
________________________________________ الصفحة 363 ________________________________________
المسعودي(1) وابن الجوزي(2) وابن قتيبة(3) وابن أبي الدنيا(4) والبلاذري(5)وابن سعد(6) ـ وهو الأصح بين الأقوال في وفاته ـ ويؤيّد ذلك ما رواه عبدالله بن محمّد بن عقيل ، قال : سمعت محمّد بن الحنفية يقول : ولدتُ سنة الجحاف ، وحين دخَلَتْ إحدى وثمانون هذه : لي ست وستون سنة قد جاوزتُ سنَّ أَبِي .
قال ، قلت : وكم كانت سِنّه يوم قتل ؟
قال : ثلاث وستون .
قال عبدالله : ومات أبو القاسم محمّد بن الحنفية في تلك السنة(7) .
أ مّا لو أردنا أن نجمع بين ما قاله سبط ابن الجوزي في التذكرة (بأ نّه عمّر خمساً وثمانين سنّة ، وحاز نصف ميراث أمير المؤمنين)(8) ، وبين ما ذكره الزبير بن بكار من أ نّه عاش إلى زمن الوليد بن عبدالملك لطال عمره وللزم أن تكون ولادته سـنة 11 ، لأنّ الوليد استخلف سنة سـت وثمانين ومات سنة ست وتسعين .
فلو قلنا بموت عمر في آخر أ يّام الوليد فيكون قد مات في سنة 96 للهجرة ، فلو قلنا بهذا للزم أن تكون ولادته في سنة 11 ، أي في عهد أبي بكر لا في عهد عمر بن الخطاب ، إلاّ أن نرجّح ما قيل عنه أ نّه مات وعمره ثمانون سنة أو خمسة
____________
1- مروج الذهب 3 : 116 ، التنبيه والإشراف : 273 .
2- صفة الصفوة 2 : 79 .
3- المعارف : 216 .
4- مقتل أمير المؤمنين لابن أبي الدنيا : الحديث 126 .
5- أنساب الاشراف 3 : 488 .
6- طبقات ابن سعد 5 : 116 .
7- مقتل ابن أبي الدنيا : الحديث رقم 125 وسنة الجحاف سنة جاء السيل مكة وجحف الحاج فيها .
8- بحار الأنوار 42 : 75 ، عن ابن الجوزي ، وهو أيضاً في سر السلسلة العلوية : 97 .
________________________________________ الصفحة 364 ________________________________________
وسبعون سنة أو سبع وسبعون سنه حسبما جاء عن ابن عنبه قبل قليل(1) .
بهذا فقد عرفت أنّ شخصيّة عمر بن علي الأطرف غير واضحة المعالم في التاريخ ولم تَدْرَسْ بعد ، وأنّ ذكره طلع فجأة حينما قام عمر بن الخطاب ، ثم خفي بعد ولادته سريعاً ـ أي في زمان عمر بن الخطاب نفسه أيضاً وفي زمان عثمان ـ وأسدل عليه الستار لعدّة عقود فلا نشاهد له موقفاً مع أبيه في بيعته وانتقاله إلى الكوفة وفي صفّين والجمل والنهروان ، وأيضاً لم نقف له على دور يوم مقتل أخيه الإمام الحسن ، ثم يبرزُ مفاجأَةً مرّة أخرى عند أحداث كربلاء ، وهذا من العجب العجاب !!
نعم ، يمكن أن يكون ذِكْرُهُ ضمن العمومات التي تذكر حضور ولد الإمام علي الاثني عشر عند الإمام(عليه السلام) حين شهادته في الكوفة(2) ، وقد تكون أُمُّه هي إحدى أمّهات الأولاد اللواتي أشار إليهنّ الإمام في وصيته التي حكاها الإمام الكاظم(3) ، لكنّ العمومات لا تفيد شيئاً .
فلماذا لا يذكر المؤرخون اسم عمر الأطرف في أربعة عقود الاولى من حياته ، ولم يطلع نجمه إلاّ بعد مقتل أخيه الحسين بن عليّ ، وماذا تعني مواقفه العدوانية مع أبناء إخوته : الحسن والحسين والعبّاس ، وهل أنّ هذه الحالة النفسيّة حدثت له بأخرة أم كانت معه منذ عهد الإمام علي ، لأ نّه كان يحسّ بعقدة كونه دون أولاد فاطمة الذين كانوا يَسمون عليه في الوجاهة والمكانة العائليّة ، وأ نّه كان لا يطيق الاعتراض والبروز مع وجود إخوانه : الحسن والحسين وابن الحنفيّة والعبّاس .
أجل ، إنّ عمر الأطرف لمّا أيقن بذهاب هؤلاء الإخوة جاء ليطالب بصدقات أبيه عليّ بن أبي طالب من أبنائهم ، لأ نّه الابن الوحيد الباقي للإمام ، وهو الأولى
____________
1- في صفحة 354 .
2- اثبات الوصية : 131 ، الخرائج والجرائح 1 : 183 ح 7 ، وانظر امالي الطوسي : 595 .
3- الكافي 7 : 50 ـ 51 ، المصنف لعبدالرزاق 7 : 288 ، تاريخ المدينة 1 : 141 .
________________________________________ الصفحة 365 ________________________________________
من أبناء إخوته بهذه الصدقات ، فأخذ ينازع الحسن المثنّى بن الحسن السبط ، وعليّ بن الحسين الشهيد ـ متناسياً وصيته والده(عليه السلام) يكون تولية الصدقات بيد أولاد الحسن والحسين ـ وعبيدالله بن العباس (في ميراث العباس و إخوانه) ، وبهذا يمكننا إرجاع كلّ هذه الاعمال التي قام بها عمر الأطرف إلى ما قلناه عن حالته النفسيّة ، لأنّه إنسان غير معصوم ، وقد يتأثر بالآخرين وخصوصاً الحكّام منهم ، وقد مرّ عليك بعض التطبيقات ، وعرفت دور معاوية وعبدالملك والوليد والحجّاج في إثارة هكذا أمور ، فكانوا يثيرون مسألة الصدقات ويحرّكون مشاعر أمثال : عمر بن عليّ ضدّ الحسن المثنّى وعليّ بن الحسين لمآربهم الخاصّة .
أولاده
انحصر عقب عمر الأطرف بن علي في ولده محمّد(1) من أسماء بنت عقيل بن أبي طالب ، وقد تزوّج محمّد هذا خديجة ابنة علي بن الحسين بن علي(2)وأولدها :
وكان له ابن رابع من أمّ ولد ، اسمه : جعفر الأبله ، لأ نّه قيل له : من خالك ؟ فقال : أُ مّي فتاة .
منوهين إلى أ نّا قد أشرنا سابقاً إلى قلة وجود اسم عمر بالنسبة إلى الأسماء الأُخرى عند الطالبيين وحتّى في هذا العمود ، فلا نرى اسم عمر كثيراً حتّى زمان ابن عنبه 828 هـ إلاّ لأربعة أشخاص هم :
____________
1- المجدي : 450 .
2- مناقب آل أبي طالب 3 : 208 ، المجدي : 451 .
________________________________________ الصفحة 366 ________________________________________
وهذه الأسماء الأربعة ـ حتى لو قلنا بأنّها عشرة ـ لا شي بالنسبة إلى الأسماء الكثيرة الأُخرى الموجودة عند الطالبيين .
أ مّا اسما أبي بكر أو عثمان فلم أقف عليهما عندهم .
وهي أُخت عمر بن علي ، وهما توأمٌ ولدتهما الصهباء التغلبية ، في عهد عمر بن الخطاب ، وكانت في حبالة مسلم بن عقيل فولدت له عبدالله وعلياً(1) ، وقيل عبدالله ومحمّداً(2) ، وقد كانت لهما (أي لطفلي مسلم) أخت أخرى اسمها عاتكة سُحِقَتْ يومَ الطَّفِّ لمّا هجم القوم على المخيّم وكان عمرها يوم خروج الحسين إلى كربلاء سبع سنين .
نحن لو اتخذنا تاريخ زواج مسلم بن عقيل وأعمار اولاده وتاريخ ولادة عمر الأطرف ورقية في عهد عمر بن الخطاب لعرفنا أنّ عُمْرَ (رقيّة( و (عُمَر) ابنَيْ علي من الصهباء كان فوق (46) عاماً في واقعة كربلاء .
وباعتقادي أنّ أمّهما الصهباء لم تكن حاضرة مع رقية في كربلاء ، وذلك لعدم وجود اسمها ضمن من مات عنهن علي بن أبي طالب من زوجاته(3) ـ بالطبع ان
____________
1- المعارف لابن قتيبة : 204 .
2- اعلام الورى : 397 .
3- الدر النظيم : 411 ، وفيه : وخلف اربع حرائر منهن : امامة وليلى واسماء وام البنين ، وثمان عشر أم ولد .
________________________________________ الصفحة 367 ________________________________________
كانت زوجة له ـ فيلزم ان تكون ماتت في زمن الإمام علي ، وقد تكون أُمّ ولد فلهذا لم تذكر في عداد الزوجات اللواتي مات عنهنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) .
هي ممن أسلمت بمكة قديماً ، وبايعت وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب(1) ، ولمّا قدم جعفر ـ حين فتح خيبر ـ من الحبشة تلقاه رسول الله واعتنقه وقال : ما أدري بأ يّهما أنا أشدّ فرحاً ، أبقدوم جعفر أم بفتح خيبر(2) ؟
إنّ أسماء بنت عميس هي أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي من قِبَلِ أُ مِّها .
ولها أُخت أخرى من أُ مّها تسمّى بأم الفضل بنت الحارث ، امرأة العباس ، عمِّ الرسول .
ولها أُختان أُخريان من قبل أبيها وأ مّها تسمّى إحداهما سلامة والأخرى سلمى ، والأخيرة تزوّجها حمزة عمِّ الرسول(3) .
وعليه فهي من عائلة عريقة أصيلة فيها أكرم الأصهار .
أبوها : عميس بن سعد بن الحارث بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن معاوية بن زيد بن مالك بن بشر بن وهب الله بن شهراب بن عفرس بن خلف بن أقبل(4) .
____________
1- صفة الصفوة 2 : 61 ، وسير اعلام النبلاء 2 : 282 .
2- انظر الآحاد والمثاني 1 : 276 ح 363 ، المعجم الكبير 2 : 108 ح 1469 و 1470 ، وسائل الشيعة 8 : 52 ح 7 عن المقنع للشيخ الصدوق : 139 .
3- الاستيعاب 4 : 1784 ، 1861 ، 1915 ، تهذيب الاسماء 2 : 599 .
4- الاستيعاب 4 : 178 ، وانظر تهذيب الكمال 35 : 127 ، الأغاني 12 : 251 .
________________________________________ الصفحة 368 ________________________________________
أمها : هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن كنانة(1) .
إنّ أسماء بنت عميس تزوّجها أولاً جعفر بن أبي طالب ، فولدت له عبدالله ومحمّداً وعوناً ، وانّ عبدالله بن جعفر هو أول مولود ولد في الإسلام بأرض الحبشة وقدم مع أبيه المدينةَ(2) .
ولما قتل جعفر ـ يوم مؤته ـ تزوّجها أبو بكر ، فولدت له محمّداً وقت الإحرام ، فحجّت حجة الوداع(3) ، وأوصى أبو بكر بأن تغسّله .
ثم تزوّجها الإمام علي بن أبي طالب ، واتّفق الكلّ على أنّها وَلدت له يحيى ، واختلفوا في محمّد وعون هل أ نّهما وَلَدا علي أم ربائبه ؟ أو أن أحدهما هو ولد علي والآخر ولد غيره ، أو أ نّهما ولدا أخيه جعفر ; ـ لوجود هذين الاسمين في ولد جعفر ـ فسميا باسمه .
وهل أنّ محمّداً وعوناً هما اسمان لشخص واحد ، أم غير ذلك من الاحتمالات ؟ أنا لا أستبعد أحد أمرين :
وعلى هذا التفسير يكون محمّد اسم لثلاثة أولاد لأسماء بنت عميس ، أحدهما : محمّد بن أبي بكر ، والآخر : محمّد بن جعفر بن أبي طالب ، والثالث :
____________
1- انظر عن حياتها مقاتل الطالبيين : 11 ـ 12 .
2- الاستيعاب 2 : 881 .
3- سير أعلام النبلاء 2 : 283 .
4- محمد بن جعفر بن أبي طالب ومحمد بن علي بن أبي طالب .
________________________________________ الصفحة 369 ________________________________________
محمّد بن علي بن أبي طالب ; لأنّ اسم محمّد هو المحبوب عند المسلمين ، وكان من السنّة التسمية به ، هذا مجمل ما نريد قوله في أولاد أسماء بنت عميس ، ولنرجع إلى مكانتها على عهد رسول الله .
روى الشيخان في الصحيحين أنّ عمر دخل على حفصةَ وأسماءُ عندها ، فقال عمر حين رأى أسماء : من هذه ؟
فقالت : أسماء بنت عميس .
فقال عمر : الحبشية هذه البحرية هذه ؟
فقالت أسماء : نعم .
فقال عمر : سبقناكم بالهجرة ، فنحن أحقّ برسول الله منكم ، فغضبت وقالت : كلا [يا عمر] ، كلا والله ، كنتم مع رسول الله يطعم جائعكم ، ويعظ جاهلكَم ، وكنا في دار أو في أرض البعداء البغضاء بالحبشة ، وذلك في الله عزّوجلّ وفي رسوله ، وايمُ الله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتّى أذكر ما قلت لرسول الله ونحن كنا نؤذى ونخاف وسأذكر ذلك للنبي(صلى الله عليه وآله) وأساله ، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه .
فلما جاء النبي ، قالت : يا نبي الله إنّ عمر قال كذا وكذا .
فقال رسول الله : فما قلتِ له ؟
قالت : قلت له كذا وكذا .
فقال رسول الله : ليس بأحقّ بي منكم ، وله ولأصحابه هجرة واحدة ، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان .
قالت : فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتونني أرسالاً يسألوني عن هذا الحديث ، ما من الدنيا شيءٌ هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال رسول الله(1) .
____________
1- صحيح البخاري 4 : 1946 ، صحيح مسلم 4 : 1946 ، مصنف بن أبي شيبة 7 : 351 .
________________________________________ الصفحة 370 ________________________________________
توفيت أسماء بنت عميس في سنة ثمان وثلاثين للهجرة كما في بعض المصادر ، وقيل بعد الستين(1) ، لكنّ غالب المصادر قالت أنّ الإمام عليّاً مات عن أربعة زوجات وذكروا فيهن أسماء بنت عميس ، وهن : أمامة ، أسماء ، أمّ البنين ، ليلى النهشلية(2) . وهذا يعني أ نّها ماتت بعد سنة 40 هـ .
وأسماء هي التي نقلت كلام أمير المؤمنين عند شهادته فقالت : كنت عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بعدما ضربه ابن ملجم ، إذ شهق شهقة بعد أن أُغمي عليه ، ثم أفاق وقال : مرحباً ، (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ)(3) .
وإليك الآن الأقوال في اسماء أولاد علي بن أبي طالب من أسماء بنت عميس مميزين الثابت منه والمشكوك فيهم ، فنذكر أولاً من انفرد بذكر يحيى بن علي ، ثم نذكر من ذكر هذا مع إِخوان له :
أطبق النسّابة على أن أسماء ولدت لعلي بن أبي طالب(عليه السلام) يحيى ، وقد مات صغيراً .
أ مّا وجود اسم محمّد وعون في ولد علي من اسماء فقد اختلفوا فيه ، وقد قلت قبل قليل بأني لا أستبعد أن يكون سببه هو وقوع الخلط عند النسّابة والمؤرخين حيث عدّوا أولاد جعفر بن أبي طالب ضمن ولد علي بن أبي طالب لمكانة أسماء بنت عميس عندهما ، فهي زوجة علي وجعفر ، وقد يكونا (محمّد وعون) لجعفر وعلي معاً وهما مكرران ، أي أنّ لجعفر محمّداً وعوناً من أسماء ، وكذلك مثلهما لعلي .
____________
1- الوافي بالوفيات 9 : 34 .
2- الدر النظيم : 411 .
3- المستطرف للابشيهي2 : 577 .
________________________________________ الصفحة 371 ________________________________________
قال ابن أبي الثلج (ت 325) في (تاريخ أهل البيت) : وولد له من أسماء بنت عميس الخثعمية : يحيى(1) .
وقال الخصيبي (ت 334 هـ) في (الهداية الكبرى) : وكان له يحيى من أسماء بنت عميس الخثعمية(2) .
وقال الشيخ المفيد (ت 478 هـ) في (الإرشاد) : ويحيى أ مّه أسماء بنت عميس الخثعمية(3) .
وقال الشيخ المفيد (ت 478هـ ) في (الإرشاد) : ويحيى أمّه أسماء بنت عميس الخثعمية (4).
وقال ابن عبدالبر (463 هـ) في (الاستيعاب) : فولدت له هناك [أي لجعفر بن أبي طالب في الحبشة] محمّد اً وعبدالله وعونا ، ثم هاجرت إلى المدينة ، فلما قتل جعفر بن أبي طالب تزوّجها أبو بكر الصديق فولدت له محمّد بن أبي بكر ، ثم مات عنها فتزوجها علي بن أبي طالب فولـدت له يحيى بن علي بن أبي طالب لا خلاف في ذلك .
وزعم الكلبي أنّ عون بن علي بن أبي طالب أ مّه أسماء بنت عميس الخثعمية ، ولم يقل هذا أحد غيره فيما علمت .
وقيل : كانت أسماء بنت عميس تحت حمزة بن عبدالمطلب فولدت له ابنة تسمّى أَمَةَ الله ، وقيل : إنّ التي كانت تحت حمزة وشداد سلمى بنت عميس لا أسماء أختها(5) .
____________
1- تاريخ أهل البيت : 95 .
2- الهداية الكبرى : 95 .
3- مروج الذهب 2 : 300 .
4- الإرشاد 1 : 354 .
5- الاستيعاب 4 : 1785 .
________________________________________ الصفحة 372 ________________________________________
وقال الطبرسي (ت 548 هـ) في (إعلام الورى) : و يحيى أمُّه أسماء بنت عميس الخثعمية ، وتوفّي صغيراً قبل أبيه(1) .
وقال أيضاً في (تاج المواليد) : ويحيى أ مّه أسماء بنت عميس الخثعمية(2) .
وقال الكاتب البغدادي (ت 567 هـ) في (تاريخ الأئمة) : وولد له من أسماء بنت عميس الخثعمية : يحيى(3) .
وقال ابن أبي الحديد (ت 656 هـ) في (شرح النهج) : تزوّجها علي بن أبي طالب فولدت له يحيى بن علي لا خلاف في ذلك .
وقال النووي (676 هـ) في (تهذيب الأسماء) : أسماء بنت عميس ... ولدت لعلي يحيى(4) .
وقال العلاّمة الحلي (ت 726 هـ) في (المستجاد من الإرشاد) : و يحيى أ مّه أسماء بنت عميس الخثعمية رضي الله عنها(5) .
وقال المرتضى الزيدي (ت 740 هـ) في (البحر الزخّار) عند ذكره أولاد الإمام علي : ثمّ يحيى ، أُمه أسماء بنت عميس ، مات صغيراً(6) .
وقال الصالحي الشامي (ت 942 هـ) في (سبل الهدى) : اسماء بنت عميس كانت تحت جعفر فولدت له عبدالله ومحمّداً وعوناً ثم مات فخلف عليها أبو بكر الصديق فولدت له محمّداً ثمّ مات فخلف عليها علي بن أبي طالب فولدت له يحيى(7) .
____________
1- اعلام الورى 1 : 396 .
2- تاج المواليد : 18 ـ 19 .
3- تاريخ الأئمّة : 16 .
4- تهذيب الأسماء 2 : 599 .
5- المستجاد من الارشاد : 139 ـ 140 .
6- البحر الزخار 2 : 384 .
7- سبل الهدى والرشاد 11 : 207 .
________________________________________ الصفحة 373 ________________________________________
وقال في مكان آخر : ويحيى مات طفلا(1) .
كل هذه النصوص تؤكّد بأنّ أسماء بنت عميس ولدت لعلي بن أبي طالب يحيى وأن ذلك لا خلاف فيه ; لكنّ الاختلاف في وجود أولاد آخرين منها لعلي .
قال اليعقوبي (ت 292 هـ) في (تاريخه) : وعثمان الأصغر(2) ويحيى ، أ مّهما اسماء بنت عميس الخثعمية(3) .
وقال الكوفي (ت 300 هـ) في (مناقب الإمام أمير المؤمنين) : ويحيى وعون ابنا علي ، وأ مّهما أسماء بنت عميس بن النعمان بن كعب(4) .
وقال ابن شهرآشوب (ت 588 هـ) في (مناقب ال أبي طالب) : ومن أسماء بنت عميس الخثعمية يحيى ومحمّد الأصغر ، وقيل : بل ولدت له عوناً ، ومحمّدُ الاصغر من أمّ ولد(5) .
وقال ابن عبدالبر في الاستيعاب : ذكر ابن الكلبي أنّ عوناً أمّه أسماء بنت عميس ولم يقل ذلك أحد غيره(6) .
وقال ابن الجوزي (ت 597 هـ) في (المنتظم) : ثم تزوّجت بعده بعلي بن أبي طالب ، فولدت له يحيى وعونا(7) .
____________
1- سبل الهدى والرشاد 11 : 288 .
2- انفرد اليعقوبي بهذا القول ، و يُخطّئُهُ اشتهار اسم عثمان لابن أم البنين الذي وضعه الإمام علي على ابنه بعد مقتل عثمان ، فلو ثبت لك يجب ان يكون ابن اسماء بنت عميس هو الاكبر لا الاصغر لزواجه بها قبل أم البنين .
3- تاريخ اليعقوبي 2 : 213 .
4- مناقب أمير المؤمنين 2 : 49 .
5- مناقب آل أبي طالب 3 : 89 ، وعنه في بحار الأنوار 42 : 91 ـ 92 .
6- شرح نهج البلاغة 16 : 142 ـ 143 .
7- المنتظم 5 : 154 .
________________________________________ الصفحة 374 ________________________________________
وقال ابن البطريق (ت 600 هـ) في (العمدة) : يحيى وعبيدالله أ مّهما أسماء بنت عميس الخثعمية(1) .
وقال ابن حاتم العاملي (ت 664 هـ) في (الدر النظيم) : وكان له من أسماء بنت عميس الخثعمية : يحيى وعون(2) .
وقال أحمد بن علي الطبري (ت 694 هـ) في (ذخائر العقبى) : ومحمّد الاصغر قتل مع الحسين أمه أم ولد ، ويحيى وعون أ مّهما : أسماء بنت عميس ، فهما أخوا بني جعفر ، وأخوا محمّد بن أبي بكر لأُمِّه(3) .
وقال في موضع آخر ـ في ولد جعفر ـ : كان له من الولد ثلاثة : عبدالله وبه كان يكنّى ، ومحمّد وعون ، ولدوا كلّهم بأرض الحبشة ذكره الدارقطني وأبو عمرو والبغوي ، أ مّهم أسماء بنت عميس ، و إخوتهم لأمهم : محمّد بن أبي بكر ويحيى بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم(4) .
وحكى الذهبي (ت 748 هـ) في (سير اعلام النبلاء) قول الواقدي : ثم تزوَّجَتْ علياً فولدت له يحيى وعوناً(5) .
وقال الزرندي (ت 750 هـ) في (نظم درر السمطين) : وقتل معه [الحسين(عليه السلام)] من إخوته وبنيه وبني أخيه الحسن ومن أولاد جعفر وعقيل تسعة عشر رجلاً ... ومن ولد عبدالله بن جعفر اثنان عونٌ ومحمّد(6) .
وقال ابن الصبّاغ المالكي (ت 855 هـ) في (الفصول المهمة) : ويحيى وعون أ مّهما أسماء بنت عميس الخثعمية(7) .
____________
1- العمدة : 30 .
2- الدر النظيم : 430 .
3- ذخائر العقبى : 116 ـ 117 .
4- ذخائر العقبى : 219 .
5- سير اعلام النبلاء 2 : 286 .
6- نظم درر السمطين : 218 .
7- الفصول المهمة 1 : 643 ـ 644 .
________________________________________ الصفحة 375 ________________________________________
وقال ابن الدمشقي (ت 871 هـ) في (جواهر المطالب) : وتزوّج أيضاً أسماء بنت عميس الخثعمية ، فولدت يحيى ومحمّد الأصغر ولا عقب لهما .
قال الواقدي : وولدت له محمّد الأصغر ، قتل مع الحسين(1) .
وقال العاصمي (ت 1111 هـ) في (سمط النجوم العوالي) : ويحيى وعون أ مّهما اسماء بنت عميس الخثعمية(2) .
ثم حكى التستري بسنده عن المدائني أ نّه قال : إنّ رجلاً من بني أبان بن دارم قتله رضوان الله عليه ولعن الله قاتله(3) .
قلت قبل قليل : بأنّ ما أَحْتِمُلُه في وَلَدَي أسماء بنت عميس يرجع سببه إلى وجود مثلهما في ولد زوجها الأول جعفر بن أبي طالب ، وأيضاً وجود اسم محمّد في ولدها من أبي بكر .
توضيح ذلك : إنَّ أسماء بنت عميس تزوّجها الإمام علي بعد زوجين ، أوَّلُهما أخوه جعفر بن أبي طالب ، وقد ولدت منه محمّداً وعوناً ، وثانيهما أبو بكر بن أبي قحافة وقد ولدت منه محمّد اً ، وبعد هذا فلا يستبعد أن يختلط هذا الأمر على المؤرّخين والنسّابة وأن ينسبوا محمّداً وعوناً ابنَيْ أسماء من جعفر(4) إلى زوجها الإمام علي ، لأ نّهما يكونان ربيبْيه وابْنَيْ أخيه ، وهو(عليه السلام) بمنزلة الأب لهما ، فلا يستبعد أن يقال لمحمد أو عون ابنَيْ جعفر : محمّد أو عون ابنا علي ، لأ نّه أب لهما بمعنيين ، لأ نّه زوج أ مِّهما وعمُّهما .
____________
1- جواهر المطالب 2 : 122 .
2- سمط النجوم العوالي 3 : 74 .
3- قاموس الرجال 9 : 25 .
4- قال ابن عنبة في أولاد جعفر بن أبي طالب ، وأنهم : ثمانية بنين وهم : عبدالله ، وعون ، ومحمّد الأكبر ، ومحمّد الاصغر ، وحميد ، وحسين ، وعبدالله الأصغر ، وعبدالله الأكبر ، وأمهم أجمع أسماء بنت عميس الخثعمية .
أ مّا محمّد الأكبر فقتل مع عمه أمير المؤمنين بصفين .
وأ مّا عون ومحمّد الأصغر فقتلا مع ابن عمهما الحسين يوم الطف عمدة الطالب : 36 .
________________________________________ الصفحة 376 ________________________________________
ولا أَستبعدُ أن يكون هذان الاسمان موجودَيْن معاً لولَدَي جعفر بن أبي طالب ولوَلدَي علي بن أبي طالب ، وحيث رأينا غالب المؤرّخين لا يقبلون بوجود ابن للإمام علي من أسماء باسم محمّد أو عون قلنا بالاحتمال الأوّل ، و إلاّ فالأمر لا يستبعد وجوده في أولاد الإمام وعند غيره .
اسمها : فاطمة ، وكنيتها : أمّ البنين الكلابية العامرية(1) ، كنّاها بذلك الإمام علي بن أبي طالب بطلب منها حتّى لا يتأذَّى أولاد الزهراء حينما يناديها الإمام أمير المؤمنين بـ (يا فاطمة) .
أبوها : حزام ـ وقيل حرام بالراء المهملة(2)ـ بن خالد بن ربيعة بن الواحد وهو عامر بن كعبب بن عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر(3) .
أمها : ثمامة(4) ـ وقيل ليلى(5) ـ بنت السهل بن عامر بن مالك بن أبي برّة عامر بن ملاعب الأسنّة بن جعفر بن كلاب ، وقد عدّ أبو الفرح الاصفهاني إحدى عشرة إمرأة من أ مّهات أمّ البنين(6) .
____________
1- يقال لها العامرية لأ نّها من غصن بني عامر ، كما يقال لها الوحيدية لأ نّها من بني الوحيد أحد بني كلاب .
2- مروج الذهب 3 : 63 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 213 ، الكامل في التاريخ 3 : 262 ، الإصابة 2 : 169 ، جمهرة أنساب العرب : 38 ، 282 ، سر السلسلة العلوية : 88 ، قاموس الرجال 12 : 195 .
3- منتقلة الطالبية : 261 ـ 262 .
4- مقاتل الطالبيين : 53 ، إبصار العين : 56 .
5- عمدة الطالب : 356 .
6- مقاتل الطالبيين : 54 ، عمدة الطالب : 356 ، ذكر اربعة منهن .
________________________________________ الصفحة 377 ________________________________________
تاريخ زواجها
اختلف المؤرّخون في تاريخ زواجها من الإمام علي ، فبعضهم قال : إنّ عليّاً تزوّجها بعد شهادة فاطمة مباشرة ـ بعد ثلاث ليال أو تسع ليال ـ مخالفين بذلك الوصية المشهورة عن الزهراء في زواجه من أُمامَة ، لكنّ القائلين بهذا القول
علّلوا كلامهم بعدم منافاة هذا الأمر مع وصيّة الزهراء ; لأ نّها(عليها السلام) لم تُوصِ
أن يتزوّج(عليه السلام) أُمامة بلا فصل بعد وفاتها(1) ، وهذا البعض سعى أن يؤيد كلامه بكلمة (ثم) الواردة في تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير(2) ، وأ نّها دالّة
على الترتيب ; لأنّ الطبري قال : فأوّل زوجة تزوّجها فاطمة بنت رسول الله ولم يتزوّج عليها حتّى توفّيت عنده ... ثمّ تزوّج بَعْدُ أم البنين بنت حزام ...
ثم ... ثم .
لكنّي لا أقبل هذا الاستدلال ولا هذا التعليل ، لأنّ السيّدة فاطمة الزهراء استشهدت في النصف الأوّل من سنة 11 الهجرة ، فلو كان الإمام قد تزوّجها بلا فصل فقد خالف الوصية ونَفَى ضرورة الزواج من أُمامة ، علماً بأنّ العبّاس كان أكبر ولدها إذ ولد سنة 24 هـ ، وهذا ليشير إلى أنّه قد تزوّجها بعد أُمامة ، وخولة ، وأسماء ـ أ مّا الصهباء فقد ولدت له مبكّراً لكنّها بقيت أمّ ولد ـ وبذلك تكون أمّ البنين الزوجة الثالثة للإمام بعد الزهراء(عليها السلام) ـ إن كانت خولة قد توفيت لِكبر سنها(3) ـ لأنّ محمّد بن الحنفية هو أكبر من العباس يقيناً ، لكنهم اختلفوا فيمن هو الاكبر : هل عمر بن الصهباء ، أم العبّاس بن أم البنين ، فالبعض رجّح الأول ، والآخر الثاني .
وهناك رأي ثالث وهو أ نّه(عليه السلام) تزوّجها بعد أمامة مباشرة لأنّ أمامة لم تلد له ،
____________
1- الخصائص العباسية ، للكلباسي : 74 .
2- تاريخ الطبري 3 : 162 ، حوادث سنة 40 ، الكامل في التاريخ 3 : 662 .
3- لأنّه جاء في بعض الأخبار أن ابنها محمد كان يمشط شعرها وهو ليشير إلى كهولة سنها .
________________________________________ الصفحة 378 ________________________________________
وحيث إنّ الإمام كان(عليه السلام) يريد الولد فتزوّجها لكي تلد له غلاماً فارساً بطلا يسند أخاه الحسين في كربلاء(1) ، وهناك أقوال أخرى لا أرى ضرورة لذكرها .
أ مّا مكان ولادتها فلا نعلمه بالتحديد ، لكنّا نعلم أنّ قبيلتها بني كلاب كانوا يقطنون الجزيرة العربية والكوفة ، وكانوا يرتبطون فيما بينهم عن طريق وادي عرعر أو وادي عذيب .
والراجح أ نّها مدنية ولادةً ونشأةً ، وفي آبائها يقول لبيد بن ربيعة العامري للنعمان بن المنذر ملك الحيرة :
نحن بنو أمُّ البنين الأربعةْ ونحنُ خيرُ عامر بن صعصعةْ
الضَّاربونَ الهامَ وَسْطَ المعمَعةْ
فلم يُنكِر على لبيد النعمانُ ولا أحد من العرب ; لأنّ لهم شرفاً لا يدافع(2) ، ولبيد بن ربيعة هو عمّ أمّ البنين وقيل : عمّ حزام ـ أبيها ـ(3) .
وملاعب الأسنة ـ عامر بن مالك الكلابي ـ جدّ أمّ البنين من أ مّها يضرب به المثل في الشجاعة .
ولبيد بن ربيعة هو من فحول الشعراء والقائل :
ألا كلُّ شيء ما خلا الله باطلُ وكلُّ نعيم لا محالةَ زائلُ
فقال رسول الله : أصدقُ كلمة قالتها العرب كلمة لبيد(4) .
هذه النصوص وغيرها تؤكّد أنّ بني كلاب كانوا يتنقلون بين مكة والمدينة ، ويذهبون إلى الكوفة ويسكنونها أحياناً ، وأنّ (الوحيدة) هي اسمٌ لمكان كان
____________
1- قاموس الرجال 12 : 195 ، أعيان الشيعة 7 : 429 عن عمدة الطالب .
2- لسان العرب 8 : 74 (بتصرف) ، وانظر جمهرة الامثال للعسكري 2 : 117 ، الاغاني 17 : 189 ، مجمع الامثال 2 : 103 .
3- انساب الاشراف 2 : 412 .
4- تهذيب الاثار للطبري 2 : 658 ، فيض القدير 1 : 524 ، تاريخ اصبهان 1 : 321 ، وانظر صحيح مسلم 4 : 1768 وسنن الترمذي 5 : 140 ، وتاريخ بغداد 5 : 42 ، 12 : 493 ، وفيهن : اشعر كلمة قالتها العرب ... الخ .
________________________________________ الصفحة 379 ________________________________________
يعيش فيه آباء أمّ البنين من أعراض المدينة ، بينها وبين مكة فراسخ ، فإن قلنا بأنّ نسبة ( الوحيدية ) إليها جاءت نسـبة لهذه المنطقة فهي مدنية ولادةً ونشأةً وآباءً .
أ مّا لو أردنا الذهاب إلى كوفيّتها ـ اعتماداً على ما حكاه ابن الأثير عن ابن أخي أمّ البنين الآتي ـ فتكون هي كوفية ويكون عمر العبّاس في كربلاء 24 سنة ، لأنّ الإمام لم يدخل الكوفة إلاّ بعد خلافته الظاهريّة في سنة 35 هـ ، وهذا يخالف جميع الحقائق التاريخيّة ، اللّهمّ إلاّ أن نقول انّ المقصود من الكوفة حدودها الموازية للمدينة ، أي أنّ قبيلتها كانت تتنقل بين الكوفة والمدينة ، فمن يأتي إليها من الكوفة يراها كوفيّة ومن يأتي إليها من المدينة فيعتبرها مدنيّة ، وهذا كلام بعيد جدّاً .
و إمّا أن نقول أنّ قول ابن حزام العامري (عندنا بالكوفة) محرّف عن (عندنا بالمدينة) ، وبهذا يمكن أنّ نجمع بين القولين ، لكنّ الأمر شائك في الجمع بين القولين .
ما يدل على كوفيتها
جاء في الفتوح لابن اعثم : أنّ عبدالله بن المحل بن حزام العامري ـ ابن أخي أمّ البنين ـ جاء إلى عبيدالله بن زياد وقال له : إنّ علي بن أبي طالب قد كان عندنا بالكوفة فخطب إلينا فزوّجناه بنت عمّ لنا يقال لها : أمّ البنين بنت حزام ، فولدت له عبدالله وعثمان وجعفراً والعباس ، فهم بنو أختنا وهم مع أخيهم الحسين بن علي ، فإن أذنت لنا أن نكتب إليهم كتاباً بأمان منك فعلتَ متفضّلاً .
فأجابه عبيدالله بن زياد إلى ذلك ، فكتب عبدالله بن المحل ودفع الكتاب ... إلى آخر الخبر(1) .
ومن الطريف أ نَّا لا نرى اسم عثمان بين ولد أمّ البنين في أحد نصي الفتوح
____________
1- الفتوح 5 : 93 وليس فيه عثمان بين ولد أم البنين لكنه ذكره في 5 : 113 ضمن من تسمية من قتل مع الحسين .
________________________________________ الصفحة 380 ________________________________________
والمعارف ومروج الذهب والجوهرة(1) في حين أ نّه موجود في نص البلاذري وخليفة بن خياط واليعقوبي وابن سعد والطبري(2) ، لا أدري هل سقط أم أُسقِطَ اشارة إلى عدم وجود هذا الولد للإمام ، أو إشارة إلى شيء آخر !!
اولادها
____________
1- الفتوح 5 : 93 ـ 94 ، المعارف : 88 ، 211 ، مروج الذهب 3 : 63 ، الجوهرة في نسب الإمام علي(عليه السلام) : 58 لكن المسعودي في التنبيه والاشراف : 258 ـ عند ذكره ولد أمير المؤمنين(عليه السلام) ـ قال : والعباس واُمه أم البنين ابنة حزام وعبدالله وجعفر وعثمان ومحمّد الأصغر ويكنّى ابا بكر .
2- أنساب الاشراف 2 : 413 ، 3 : 390 ـ 391 ، تاريخ خليفة : 234 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 213 ، طبقات ابن سعد 3 : 20 ، تاريخ الطبري 3 : 162 ، 313 .
3- العباس للمقرم : 245 .
4- مقاتل الطالبيين : 53 ـ 54 .
5- تحت عنوان (أبو بكر اسم ام كنيه) في صفحة 393 .
6- قال الموضح العمري في المجدي : 197 وعثمان بن علي يكنّى أبا عمرو ، قتل وهو ابن إحدى وعشرين ، وجعفر أبو عبدالله وهو ابن تسع وعشرين سنة ، وعبدالله أبو محمّد الاكبر قتل وهو ابن خمس وعشرين سنة ودمه في بني دارم ، أم الأربعة اُم البنين بنت حزام الكلابية ، قتلوا جميعاً بالطف رضي الله عنهم . وانظر مقاتل الطالبيين : 55 ، وفيه : قتل عثمان بن علي وهو ابن إحدى وعشرين سنة ، وقال الضحاك المشرفي ... أنّ خولى بن يزيد رمى عثمان بسهم فأوسطه وشدّ عليه رجل من بني أبان بن دارم فقتله وأخذ راسه ، وعثمان بن علي الذي روى عن علي أ نّه قال : إنما سميته باسم أخي عثمان بن مظعون .
________________________________________ الصفحة 381 ________________________________________
قال أهل السير : لما قتل عبدالله بن علي دعا العباس عثمان وقال له : تقدم يا أخي ، كما قال لعبدالله ، فتقدّم إلى الحرب يضرب بسيفه يقول(1) .
وفي أنساب الاشراف : فجعل عمر [بن سعد] شمراً على الرجَّالة ونهض بالناس عشية الجمعة ، ووقف شمر على مخيّم الحسين فقال : أين بنو أختنا ؟ يعني العباس وعبدالله وجعفراً وعثمان بن علي بن أبي طالب ، وأ مّهم أم البنين بنت حزام بن ربيعة الكلابيّ الشاعر ، فخرجوا إليه فقال : لكم الأمان ، فقالوا له : لعنك الله ولعن أمانك !!! أتؤمّننا وابن بنت رسول الله لا أمان له(2) .
ومن منفردات ابن أبي الحديد إبداله اسم (عثمان) الثابت والمعروف بين ولد علي بـ (عبد الرحمن) ضمن أولاد أمّ البنين(3) ، ولا أعرف سبب ذلك ، إذ لم يقل أحد بأن لأم البنين من أمير المؤمنين ولد بأسم عبدالرحمن ، فمن أين أتى بهذا الاسم لها ؟!
وكذا لم يذكر ابن قتيبة(4) ولا المسعودي في مروج الذهب(5) ولا المفيد في
____________
1- ابصار العين : 68 .
2- أنساب الاشراف 3 : 390 ، وانظر تاريخ الطبري 3 : 314 ، الكامل في التاريخ 3 : 415 ، المنتظم 5 : 337 .
3- شرح نهج البلاغة 9 : 243 .
4- المعارف لابن قتيبة : 88 ، 211 .
5- مروج الذهب 3 : 63 .
________________________________________ الصفحة 382 ________________________________________
الاختصاص(1) اسم عثمان ضمن أولاد عليّ وأمّ البنين .
وكلامي هذا لا يعني بأ نّي أريد أن أشكّك في وجود ابن للإمام علي باسم عثمان ، فهو كان موجوداً في واقعة الطّفّ واستشهد مع إخوته ، وقد وقع التسليم عليه في زيارة الناحية : (السّلام على عثمان ابن أميرالمؤمنين ، سَمِيِّ عثمان بن مظعون ، لعن الله راميَهُ بالسهم خوليَّ بن يزيد الأصبحي الإِيادي الدارمي(2)) لكنّي أردت أن آتي بكلّ شيء وقفت عليه في دراستي ، حتّى لا أرمى بالتحيّز .
نعم ، جاء في مناقب بن شهرآشوب وعنه في بحار الأنوار أ نّه برز من بعد أخيه عمر بن علي ، قال أبو الفرج : ثمّ برز من بعده أخوه عثمان بن علي ، وأ مّه أمّ البنين بنت حزام بن خالد من بني كلاب ، وهو يقول :
إنّي أَنا عثمانُ ذُو المفاخرِ شيخي عليٌّ ذُو الفَعال الظاهرِ
و إِبنُ عَمٍّ للنبيّ الطاهرِ أخي حسينٌ خيرةُ الأَخايِرِ
وسيِّدُ الكِبار والأَصاغرِ بَعدَ الرَّسُولِ وَالوَصِيِّ النَّاصِرِ
فرماه خوليّ بن يزيد الأصبحي على جبينه فسقط عن فرسه ، وجزّ رأسه رجل من بني أبان بن دارم(3) .
قال أبو الفرج : قال يحيى بن الحسن ، عن علي بن إبراهيم ، عن عبيدالله بن الحسن وعبدالله بن العباس قالا : قتل عثمان بن علي وهو ابن إحدى وعشرين سنة ، وقال الضحاك بإسناده : إنَّ خولي بن يزيد رمى عثمان بن علي بسهم فأوهطه وشدّ عليه رجل من بني أبان بن دارم وأخذ رأسه .
وروي عن علي(عليه السلام) أ نّه قال : إنّما سمّيته باسم أخي عثمان بن مظعون(4) .
____________
1- الاختصاص للمفيد : 82 .
2- المزار للمشهدي : 489 ، اقبال الاعمال 3 : 75 ، بحار الانوار 45 : 67 وفيه زيادة الاباني الدارمي .
3- مناقب بن شهرآشوب 3 : 255 ، وبحار الأنوار 45 : 37 .
4- مقاتل الطالبيين : 55 .
________________________________________ الصفحة 383 ________________________________________
أقول [والكلام للمجلسي] : ولم يذكر أبو الفرج عمر بن علي في المقتولين يومئذ(1) .
ولم يعقّب أحدُ هؤلاء الأربعة من أولاد أمّ البنين إلاّ العباس .
وحكى الطبري عن أبي مخنف قوله : وزعموا أنّ العبّاس بن علي قال لإخوته من أ مّه ـ عبدالله ، وجعفر ، وعثمان ـ : يا بني أمّي ! تقدّموا حتّى
أرثكم(2) .
والنصّ لم يكن كذلك ، وإنّما هو بشكل آخر سنذكره بعد قليل .
لقد حرّضهم أبو الفضل على الشهادة ، لأنهم لو بقوا بعد الحسين (عليه السلام)لأصابهم ما أصابهم ، ولَما وُفِّقوا للشهادة في سبيل الله ، فأراد العباس أن يقدّمهم للحرب كي يفدوا بأنفسهم إمامهم الحسين ، لأنّهم لو بقوا لشمت بهم شمر بن ذي الجوشن الكلابي ، والنص الصحيح هو الذي ورد في الإرشاد وغيره وهو أنّ العباس(عليه السلام) ـ لمّا رأى كثرة القتلى قال لأخوته من أُمّه ـ : يا بني أُمّي ! تقدّموا حتى أراكم قد نصحتم لله ولرسوله فإنّه لا ولد لكم(3) ، فوقع التصحيف من (أراكم) إلى (أرثكم) بجعل الهمزة على الكرسي ثاءً (أرثكم) .
____________
1- بحار الأنوار 45 : 37 ـ 38 .
2- تاريخ الطبري 3 : 332 ، الكامل في التاريخ 3 : 430 .
3- الإرشاد للمفيد 2 : 224 ، اعلام الورى 1 : 466 ، الدر النظيم : 556 ، مثير الاحزان : 50 .
________________________________________ الصفحة 384 ________________________________________
وهي المكناة بأم عبيدالله ، وهذه الكنية تشير إلى أنّ عبيدالله هو أكبر من أخيه عبدالله المكنى بأبي بكر ، وقد تزوّجها(عليه السلام) بعد أن ماتت خولة ـ أم محمّد بن الحنفية ـ .
أبوها : مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم(1) .
أمها : عميرة بنت قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر [سيد أهل الوبر ]ابن عبيد بن الحارث(2) .
تاريخ زواجها :
جاء في التذكرة الحمدونية وربيع الأبرار وغيرهما ما مضمونه : أنّ الإمام علي بن أبي طالب تزوّج ليلى النهشلية لمّا دخل البصرة حدود عام 35 للهجرة ، وذلك ليعمّق روابطه مع قبائلها ، فتزوّج من أعرق قبيلة فيها وهم بنو دارم ، وقد مر عليك قول الإمام لابنه محمّد بن الحنفية لمّا تزوج النهشلية وقعد(عليه السلام) على سريره وأقعد الحسن عن يمينه والحسين عن شماله وجلس محمّد بن الحنفية بالحضيض ، فخاف الإمام علي أن يجد محمّدُ بن الحنفية في نفسه شيئاً ، فقال له : يا بني أنت ابني ، وهذان ابنا رسول الله(3) .
وفي الغارات للثقفي (ت 283 هـ) عن مغيرة الضّبّي (ت 136 هـ) قال : لما نكح عليٌّ ليلى بنت مسعود النهشلي قالت : ما زلت أحب أن يكون بيني وبينه سبب منذ
____________
1- الجمهرة لابن حزم : 38 .
2- مقاتل الطالبيين : 56 .
3- موسوعة الإمام علي(عليه السلام) للريشهري 10 : 235 ، عن ربيع الابرار 2 : 598 . والتذكرة الحمدونية 3 : 96 ح 231 .
________________________________________ الصفحة 385 ________________________________________
رأيته قام مقاماً من رسول الله(صلى الله عليه وآله)(1) .
وفي (سفرنامه) لناصر خسرو : وفي البصرة ثلاثة عشر مشهداً باسم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، يقال لأحدها ، مشهد بني مازن ، وذلك أنّ أمير المؤمنين علياً جاء إلى البصرة في ربيع الأول سنة خمس وثلاثين (سبتمبر 655) من هجرة النبي عليه الصلاة والسلام ، وكانت عائشة رضي الله عنها قد أتت مُحارِبةً ، وقد تزوّج أمير المؤمنين(عليه السلام) ليلى بنت مسعود النهشلي ، وكان هذا المشهد بيتها ، وقد أقام أمير المؤمنين اثنين وسبعين يوماً ، ثم رجع إلى الكوفة(2) .
أولادها
ترجمة عبيدالله (أبي علي)
قال ابن سعد (ت 230 هـ) في (الطبقات الكبرى) : عبيدالله بن علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب .... وكان عبيدالله بن عليّ قدم من الحجاز على المختار بالكوفة وسأله فلم يعطه ، وقال [المختار] : أَقَدِمت بكتاب من المهدي [ويعني محمّد بن الحنفية] ؟(3)
____________
1- الغارات 1 : 93 .
2- سفرنامه لناصر خسرو : 148 .
3- وقد حكوا مثل هذا الأمر في أخيه عمر بن علي الأطرف أيضاً انظر الأخبار الطوال : 306 ، وتاريخ حلب : 164 حوادث سنة 67 ، وخلاصة الخزرجي : 285 ، وشذرات الذهب 1 : 75 حوادث 67 ، وتاريخ الإسلام 5 : 197 حوادث سنة 67 ، وسفينة البحار 2 : 144 لكن بفارق ان عبيدالله بن علي قتل في جيش مصعب لكنّ عمر بن علي قتل في جيش المختار ، ولا يخفى عليك بأن المؤرخين اختلفوا في مقتله هل كان في جيش مصعب أو المختار ؟
________________________________________ الصفحة 386 ________________________________________
قال : لا ، فحبسه أ يّاماً ثمّ خلّى سبيله ، وقال : اخرُجْ عنّا .
فخرج إلى مصعب بن الزبير بالبصرة هارباً من المختار ، فنزل على خاله نُعيم بن مسعود التميمي ثم النهشلي ، وأمر له مصعب بمائة ألف درهم ، ثمّ أمر مصعب بن الزبير الناس بالتهيؤ لعدوّهم ووقّت للمسير وقتا ، ثمّ عسكر ، ثمّ انقلع من معسكره ذلك واستخلف على البصرة عبيدالله بن عمر بن عبيدالله بن معمر .
فلمّا سار مصعب تخلَّف عبيدالله بن علي بن أبي طالب في أخواله ، وسار خاله نعيم بن مسعود مع مصعب ، فلمّا فصل مصعب من البصرة جاءت بنو سعد بن زيد مناة بن تميم إلى عبيدالله بن عليّ فقالوا : نحن أيضاً أخوالك ولنا فيك نصيب فتحوّل إلينا فإنا نحبّ كرامتك . قال : نعم ، فتحوّل إليهم ، فأنزلوه وسطهم وبايعوا له بالخلافة وهو كاره يقول : يا قوم لا تعجلوا ولا تفعلوا هذا الأمر ، فأبوا ، فبلغ ذلك مصعباً ، فكتب إلى عبيدالله بن عمر بن عبيد بن معمر بعجّزه ويخبره غفلته عن عبيدالله بن علي وعمّا أحدثوا من البيعة له .
ثم دعا مصعب خاله نعيم بن مسعود ، فقال ، لقد كنتُ مُكْرِماً لك محسناً فيما بيني وبينك ، فما حملك على ما فعلت في ابن أُختك وتخلّفه بالبصرة يؤلّب الناس ويخدعهم ؟ فحلف بالله ما فعل وما علم من قصته هذه بحرف واحد ، فقبل منه مصعب وصدّقه ، وقال مصعب : قد كتبتُ إلى عبيدالله ألومه في غفلته عن هذا ، فقال نعيم بن مسعود : فلا يهيجه أحد أنا أكفيك أمره وأقدم به عليك .
فسار نعيم حتى أتى البصرة ، فاجتمعت بنو حنظلة وبنو عمرو بن تميم فسار بهم حتى أتى بني سعد ، فقال : والله ما كان لكم في هذا الأمر الذي صنعتم خير ، وما أردتم إلاّ هلاك تميم كلّها ، فادفعوا إليَّ ابن اختي .
فتلاوموا ساعة ثم دفعوه إليه ، فخرج حتى قدم به على مصعب فقال : يا أخي ما حملك على الذي صنعت ؟
فحلف عبيدالله بالله ما أراد ذلك ولا كان له به علم حتّى فعلوه ، ولقد كرهتُ ذلك وأبيتُهُ ، فصدّقه مصعب وقبل منه ، وأمر مصعب بن الزبير صاحب مقدّمته
________________________________________ الصفحة 387 ________________________________________
عبّاداً الحبطي أن يسير إلى جمع المختار ، فسار فتقدّم وتقدم معه عبيدالله بن علي بن أبي طالب فنزلو المذار ، وتقدّم جيش المختار فنزلوا بإزائهم ، فبيّتهم أصحاب مصعب بن الزبير فقتلوا ذلك الجيش فلم يفلت منهم إلاّ الشريد ، وقتل عبيدالله بن علي بن أبي طالب تلك الليلة(1) .
وفي تهذيب التهذيب ومقتل ابن أبي الدنيا عن الزبير بن بكار عن عمه مصعب : (ذكر غير واحد من أهل التاريخ أنّ الذي قتل مع مصعب بن الزبير هو عبيدالله بن علي بن أبي طالب [لا عمر بن علي] والله أعلم)(2) .
لكنّ الشيخ محمّد مهدي شمس الدين نقل خطأ عن المفيد في (الارشاد) أ نّه قال (عبدالله) في حين الموجود في الارشاد المطبوع أ نّه عبيدالله بن علي فقال شمس الدين : ورد ذكره عند المفيد في الإرشاد ولم يذكره غيره ، وقال : إنّ أ مّه وأمّ أبي بكر بن علي هي ليلى بنت مسعود الثقفية ، وينبغي أن يكون هذا غير عبدالله بن علي بن أبي طالب الذي أ مّه أمّ البنين بنت حزام ، فذاك متّفق على شهادته ، وقد ذكرناه في عداد السبعة عشر(3) .
لكنّي أرى أنّ عبدالله الموجود في بعض نسخ الإرشاد ـ كما يراه البعض ـ هو تصحيف لعبيدالله بلا كلام ، لاتّفاق المؤرخين على أنّ الذي يقابل (أبي بكر) هو (عبيدالله) لا (عبدالله) .
ولا يخفى عليك أنّ جمعاً من العلماء والمؤرّخين خالفوا الشيخ المفيد بما قاله من مقتل عبيدالله في كربلاء ، إذ قال الشيخ الطوسي (ت 460 هـ) في (الرسائل العشر) : وقد ذهب أيضاً شيخنا المفيد في الإرشاد إلى أنّ عبيدالله بن النهشلية قتل بكربلاء مع أخيه الحسين(عليه السلام) ، وهذا خطأ محض بلا مراء ، لأنّ عبيدالله بن النهشلية كان في جيش مصعب بن الزبير ومن جملة أصحابه، فقتله أصحاب
____________
1- الطبقات الكبرى 5 : 117 ـ 118 .
2- تهذيب التهذيب 7 : 485 الرقم 806 ومقتل ابن أبي طالب : 119 .
3- أنصار الحسين : 136 .
________________________________________ الصفحة 388 ________________________________________
المختار بن أبي عبيده في المذار ، وقبره هناك ظاهر ، والخبر بذلك متواتر ، وقد ذكره شيخنا أبو جعفر في الحائريات لمّا سأله السائل عمّا ذكره المفيد في الإرشاد فأجاب بأن عبيدالله بن النهشلية قتله أصحاب المختار بن أبي عبيدالله بالمذار ، وقبره هناك معروف عند أهل تلك البلاد(1) .
وقال ابن إدريس الحلي (ت 598 هـ) في (السرائر) : وقد ذهب أيضاً شيخنا المفيد في كتاب الإرشاد إلى أنّ عبيدالله بن النهشلية قتل بكربلاء مع أخيه الحسين(عليه السلام) ، وهذا خطأٌ محض بلا مراء ; لأنّ عبيدالله بن النهشلية كان في جيش مصعب بن الزبير ، ومن جملة اصحابه ، قتله أصحاب المختار أبي عبيد بالمذار ، وقبره هناك ظاهر والخبر بذلك متواتر(2) .
وقال أبو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين : وذكر يحيى بن الحسن فيما حدثني به أحمد بن سعيد أنّ أبا بكر بن عبيدالله الطَّلْحي حدّثه عن أبيه : أنّ عبيدالله بن علي قتل مع الحسين ، وهذا خطأ ، و إنّما قتل عبيدالله يوم المذار ، قتله أصحاب المختار بن أبي عبيدة ، وقد رأيته بالمذار(3) .
وقال بعده : عبيدالله بن علي بن أبي طالب ، وأ مّه ليلى بنت مسعود ... قتله أصحاب المختار بن أبي عبيدة يوم المذار ، وكان صار إلى المختار فسأله أن يدعو إليه و يجعل الأمر له فلم يفعل ، فخرج فلحق بمصعب بن الزبير فقتل في الوقعة وهو لا يعرف(4) .
وفي تاريخ الطبري : ... فزعم هشام بن محمّد أنّهما [أي عبيدالله وأبو بكر ]قتلا مع الحسين بالطف ، وأ مّا محمّد بن عمر [الواقدي] فإنه زعم أن عبيدالله بن علي قتله المختار بن أبي عبيدة بالمذار ، وزعم أن لا بقية لعبيدالله ولا لأبي بكر
____________
1- انظر الرسائل العشر : 287 .
2- السرائر 1 : 656 .
3- مقاتل الطالبيين : 57 ، وانظر أنساب الأشراف للبلاذري 2 : 410 أيضاً .
4- مقاتل الطالبيين : 84 .
________________________________________ الصفحة 389 ________________________________________
ابني علي(1) .
وقال الشيخ محمّد تقي التستري في (قاموس الرجال) معلقاً على كلام ابن إدريس بقوله : الأمر كما ذكر ابن إدريس من تواتر الخبر بقتل هذا في المذار من أصحاب المختار ، وقد روى المسعودي في إثباته [أي اثبات الوصية] : أنّ أمير المؤمنين دعا عليه بذلك ، فقال : إنّ أمير المؤمنين جمع في حال احتضاره أهل بيته ـ وهم اثنا عشر ذكراً ـ وقال : إنّ الله تعالى أحبّ أن يجعل فيَّ سنّة نبيه يعقوب ، إذ جمع بنيه وهم اثنا عشر فقال (إني أُوصي إلى يوسف فاستمعوا له وأطيعوا أمره) ، و إنّي أوصي إلى الحسن والحسين ، فاسمعوا لهما وأطيعوا أمرهما .
فقام عبيدالله ، فقال : أَدُونَ محمَّد ـ يعني ابن الحنفية ؟! فقال له [علي] : أَجُرْأَةً في حياتي ! كأني بك وقد وُجِدْتَ مذبوحاً في خيمة .
ثم أضاف التستري قائلاً :
ورواه صاحب الخرائج عن الباقر(عليه السلام) وزاد : لا يُدْرَي من قتلك ، فلمّا كان في زمن المختار أتاه فقال : لستَ هناك ، فغضب ، فذهب إلى مصعب وهو بالبصرة ، فقال : وَلّني قتالَ أهل الكوفة ، فكان على مقدمة مصعب فالتقوا بحروراء ، فلمّا حجز الليل بينهم أصبحوا وقد وجدوه مذبوحاً في فسطاطه ! لا يُدرى من قتله(2) .
إنّي لا أُوافق المسعودي ولا التستري فيما ذكراه من قرائن ، لأن الإمام علياً كان قد تزوج ليلى النهشلية ـ أم عبيدالله ـ حينما دخل البصرة أيام حربه مع عائشة ، أي بعد السنة 35 هـ ، وكانت شهادته(عليه السلام) في سنة 40 للهجرة ، فعبيدالله بن ليلى النهشلية كان صغيراً لا يتجاوز عمره السادسة ، فإن شخصاً بهذا العمر لا يطيق الكلام مع أبيه ، ولا يعقل أن يقول الإمام علي هذا الكلام لطفل بهذا العمر : (أجراة في حياتي) !!
____________
1- تاريخ الطبري 3 : 162 وقريب منه في البداية والنهاية 7 : 332 ، والكامل في التاريخ 3 : 262 .
2- قاموس الرجال 7 : 81 ، وانظر الجرائح والخرائج 1 : 184 .
________________________________________ الصفحة 390 ________________________________________
قال السيّد الخوئي (ت 1411 هـ) في (معجم رجال الحديث) : عبيدالله بن علي بن أبي طالب عدّه الشيخ المفيد في الإرشاد من أولاد أمير المؤمنين حيث قال : محمّد الأصغر المكنّى بأبي بكر ، وعبيدالله ، الشهيدين مع أخيهما الحسين(عليه السلام) بالطفّ ، وأ مّهما ليلى بنت مسعود الدارمية(1) .
وهكذا نقل ذلك الأربلي في كشف الغمة 2 : 66 عن الإرشاد .
وقد تقدم في عبدالله عن المفيد أيضاً عدّه عبدالله من المقتولين بالطفّ حيث قال [في فصل أسماء من قتل مع الحسين] : وعبدالله(2) وأبو بكر ابنا أمير المؤمنين(عليهما السلام) ، امّهما ليلى بنت مسعود الثقفية .
ومن ذلك يظهر أن له(عليه السلام) من ليلى بنت مسعود ابنين ، وكلاهما قتلا بالطف .
وفي الاختصاص ص 82 عند عدّه من شهد مع الحسين ، عدّ منهم أبا بكر بن علي وأ مّه ليلى .
وقال ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة عند ذكره أولاد علي(عليه السلام) : وأ مّا أبو بكر وعبدالله(3) فأ مّهما ليلى بنت مسعود النهشلية من تميم .
وقال الشيخ في الكنى من رجاله من أصحاب الحسين(عليه السلام) : أبو بكر بن علي(عليه السلام) ، أخوه ، قتل معه ، أمه ليلى بنت مسعود بن خالد بن ربعي بن سلمة بن جندل بن نهشل من بني دارم .
ولكن عن الخوارزمي أنّ أبا بكر بن علي اسمه عبدالله كما في مقتله ; حيث ذكره وذكر أ مّه كما في الرجال وذكر رجزه :
شيخى عليٌّ ذو الفخار الأطولِ من هاشم الصدق الكريم المفضل(4)
____________
1- معجم رجال الحديث 12 : 88 .
2- باعتقادي أنه تصحيف (عبيدالله) لأ نّه الموافق لما في المصادر ولما قاله الشيخ المفيد فيما مضى (في اولاد أمير المؤمنين) من الارشاد 1 : 354 .
3- الصحيح عبيدالله ، وهو الموافق لما في المصادر .
4- انظر مقتل الحسين للخوارزمي 2 : 38 .
________________________________________ الصفحة 391 ________________________________________
وذكر هذا في البحار وذكر أنّ اسمه عبيدالله(1) ، فلم يعلم أنَّ أبا بكر كنية عبدالله بن علي ، أو عبيدالله .
وذكر غير واحد أنّ عبيدالله بن علي لم يقتل بالطف ، بل بقي إلى زمان المختار فبايع مصعباً ، فقتل يوم المختار وقبره بالمزار [المذار] مشهور(2) . انتهى كلام السيّد الخوئي .
كان هذا هو مختصر ترجمة عبيدالله بن علي المكنّى بأبي علي بن ليلى النهشلية . و إليك الآن ترجمة أخيه عبدالله ـ أو محمّد الأصغر ـ المكنى بأبي
بكر .
ترجمة عبدالله أو محمّد المكنى بأبي بكر
وهو الثاني من أولاد الإمام علي من ليلى بنت مسعود النهشلية ، وقد اختلفوا في كون أبي بكر هل هو اسمٌ له ، أو كنية ؟
أبو بكر اسم أم كنية ؟
أراد البعض الاستدلال على كونه اسماً بما جاء في بعض النصوص التاريخية ، إذ جعلوه قسيما لعبيدالله فقالوا : أبو بكر وعبيدالله .
وذهب آخرون إلى أنّ تلك النصوص لا دلالة لها على كونه اسماً له ، فقد تكون كنية اشتهر بها . و إنّي أرجّح أن يكونوا قد استفادوا من هذه الشهرة لتمييزه عن غيره من أبناء علي ، وذلك لوجود إخوة له يسّمون بعبدالله ومحمّد ، مثل عبدالله ابن أمّ البنين المكنّى بأبي بكر والمقتول مع أخيه العباس في كربلاء ، ومحمّد الأصغر بن أمّ ولد ، وقيل أنّ محمّد الأصغر هو ابن أسماء بنت عميس .
____________
1- بحار الأنوار 45 : 36 .
2- معجم رجال الحديث 12 : 88 ت 7500 .
________________________________________ الصفحة 392 ________________________________________
فقد يكون المترجم له اسمان احدهما قد سُمّي من قبل أمّه بعبدالله ، والآخر من قبل أبيه بمحمد ، وهذان الاسمان عبدالله ومحمّد يشترك فيهما مع إخوته سواء الذين سمتهم الأمهات كعبدالله ، أو الذين سُمُّوا من قبل أبيهم مثل اسم محمّد ، لكي يميزّوه عن أخوية .
فوجود هذه الأسماء بين إخوته ، وأيضاً تسميته بأكثر من اسم ، دعت المؤرّخين وأصحاب المقاتل أن يكنّوه بكنية أبي بكر تمييزاً عن إخوانه .
ومعنى هذا أنّ كنية (أبي بكر) قد أُطلقت عليه بعد مقتل الحسين ، ولم يكن يعرف بها في الصدر الأوّل ، في حين هناك نصوص توحي بأنّ هذه الكنية كانت موضوعة عليه منذ زمن الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) وعلى لسان معاويه .
وهناك عبدالله آخر وهو أخو العباس وجعفر وعثمان أبناء أمير المؤمنين من أم البنين بنت حزام الكلابية ، والذي استشهد في الطف مع أخيه الحسين .
ومحمّد الأصغر هو من ابن أمّ ولد ، وهذا أيضاً استشهد مع أخيه الحسين في كربلاء .
وبما أنّ أبا بكر بن علي المسمى بعبدالله أو محمّد قيل عنه أ نّه كان من المستشهدين في كربلاء فلا يستبعد أن يكون النسّابة والمؤرخون وأصحاب المقاتل ميّزوه عن أخويه بكنية أبي بكر .
وهناك احتمال آخر وهو أن تكون هذه الكنية أخذت من محمّد بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب المكنّى بأبي بكر والمستشهد في كربلاء ، لأنّ أباه عبدالله بن جعفر هو ابن أسماء بنت عميس والتي تزوّجها الإمام علي بعد جعفر وأبي بكر ، وكذا هو زوج ليلى النهشلية ـ أم عبدالله بن علي المكنّى بأبي بكر ـ فقد تكون هذه الكنية جاءته لهذا الأمر .
وهناك احتمال ثالث وهو أنّ يكون هذا هو ابن الإمام الحسن المجتبى لا الإمام عليّ المباشر ، لورود اسمه في الزيارة وأنّ قاتله هو عبدالله الغنوي أو عقبة الغنوي ، والذي قيل عنه بأ نّه وجد في ساقه مقتولا ، أو أنّ رجلا من همدان قد قتله
________________________________________ الصفحة 393 ________________________________________
واتحاد الاشعار التي قيلت في حقهما ، وهذه الأقوال يشترك فيها مع ما قيل في أبي بكر بن عليّ بن أبي طالب ، فقد يكون اسم الإمام الحسن قد سقط ـ أو أسقط ـ لعلل سنشير إلى بعضها في آخر هذا القسم إن شاء الله تعالى .
وعليه فهذا الاشتهار لا دلالة له على كونه اسماً له . ولا يخفى عليك بأنّ العرب كانت تسمي أولادها بعدّة أسماء ، فلا يستبعد أن يكون للمكنّى بأبي بكر ثلاثة اسماء : عبدالله ، وعبدالرحمن ، ومحمّد الأصغر ، لأ نّا احتملنا بأن تكون عائلة الام ـ من الأخوال والجد ـ قد سموه بعبدالله وعبدالرحمن مثلاً ، والأب سماه محمّداً .
بهذا التقريب يمكن الجمع بين الأقوال المطروحة فيه ، مع الحفاظ على كنية أبي بكر له ، وبذلك يكون المسمّى في بعض المصادر عبدالله ، وفي البعض الآخر محمدُ الاصغر ، وفي بعض ثالث بأبي بكر ، كلّها لشخص واحد ، فأحدها هو ما سمّته به أ مّه ، والآخر ما سمّاه به أبوه ، وثالث خاله ، ورابع هي كنية أطلقوها عليه للتمييز عن إخوته . و إليك الآن الاقوال التي قيلت في أنّ اسمه هو (أبو بكر) :
أبو بكر اسماً
حكي عن ابن هشام (ت 213 هـ) أ نّه قال في (السيرة النبوية) : وقد قيل أنّ أبا بكر بن علي قتل في ذلك اليوم ، وأمه ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي(1) .
وقال ابن سعد (ت 230 هـ) في (الطبقات الكبرى) : وعبيدالله بن علي قتله المختار بن أبي عبيده بالمذار ، وأبو بكر بن علي قتل مع الحسين ولا عقب لهما ، وأ مّهما ليلى بنت مسعود بن خالد(2) .
____________
1- السيرة النبوية لابن هشام 1 : 370 .
2- الطبقات الكبرى لابن سعد 3 : 19 ـ 20 .
________________________________________ الصفحة 394 ________________________________________
وقال ابن قتيبة (ت 276 هـ) في (المعارف) : ولد علي(رضي الله عنه) : فولد علي .... عبيدالله وأبو بكر ، أ مّهما ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلي(1) .
وقال البلاذري (ت 279 هـ) في (أنساب الأشراف) : وكانت ليلى بنت مسعود بن خالد عند علي بن أبي طالب فولدت له : عبيدالله وأبا بكر ، ثم خلف عليها عبدالله بن جعفر(2) .
وقال أيضاً في ولد عبدالله بن جعفر : ... ومحمّداً وعبدالله وأبا بكر قتل مع الحسين ، وأُ مُّهُم الخوصاء من ربيعة .
وصالحاً وموسى وهارون ويحيى وأم أبيها ، أمهم ليلى بنت مسعود النهشلية ، خلف عليها [أي عبدالله بن جعفر] بعد علي(3) .
وقال في مكان آخر : وولد(عليه السلام) : [عبيدالله] وأبا بكر ، وأ مّهما ليلى بنت مسعود من بني تميم ، لا بقية لهما(4) .
وقال اليعقوبي (ت 284 هـ) في (تاريخه) : وعبيدالله وأبو بكر لا عقب لهما ، أ مّهما ليلى بنت مسعود الحنظلية من بني تميم(5) .
وقال الطبري (ت 310 هـ) في (تاريخه) وعنه أخذ ابن الأثير (ت 630 هـ) في الكامل : وتزوج ليلى ابنة مسعود بن خالد ... فولدت له عبيدالله وأبا بكر ، فزعم هشام بن محمّد أ نّهما قتلا مع الحسين بالطف ، وأ مّا محمّد بن عمر [الواقدي ]فإنه زعم أنّ عبيدالله بن علي قتله المختار بن أبي عبيد بالمذار ، وزعم أن لا بقيّة لعبيدالله ولا لأبي بكر ابني علي(6) .
____________
1- المعارف ، لابن قتيبة : 210 .
2- انساب الاشراف ، للبلاذري 12 : 124 .
3- انساب الاشراف 2 : 325 .
4- انساب الاشراف ، للبلاذري 2 : 412 .
5- تاريخ اليعقوبي 2 : 213 .
6- تاريخ الطبري 3 : 162 ، الكامل في التاريخ 3 : 262 وفيه : قتلا مع الحسين ولم يذكر أنّ ذلك هو زعم هشام بن محمّد .
________________________________________ الصفحة 395 ________________________________________
وقال الخصيبي (ت 334 هـ) في (الهداية الكبرى) : وكان له أبو بكر وعبيدالله وأ مّهما ليلى ابنة مسعود النهشلية(1) .
وقال ابن حبان (ت 354 هـ) في (الثقات) : وقد قيل أنّ أبا بكر بن علي بن أبي طالب قتل في ذلك اليوم ، وأُ مّه ليلى بنت مسعود(2) .
وروى الطبراني (ت 360 هـ) في (المعجم الكبير) بإسناده عن الليث بن سعد أ نّه قال : توفي معاوية ... واستخلف يزيد وفي سنة إحدى وستين قتل الحسين وقتل العباس ... وجعفر ... وعبدالله ... وأبو بكر بن علي وأُ مُّه ليلى بنت مسعود(3) .
وقال المقدسي (ت اواخر القرن الرابع الهجري) في (البدء والتاريخ) : كان له(عليه السلام) أحد عشر ذكراً ، وسبع عشرة أُنثى ، منهم ... أبو بكر وعبيدالله من ليلى بنت مسعود النهشلية(4) .
وقال ابن حزم (ت 456 هـ) في (جمهرة أنساب العرب) : (ولد نهشل بن دارم) ، منهم : خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نشهل بن دارم ، كان سيداً ، وابن ابنه عباد بن مسعود بن خالد ، كان سيداً ، وأُخته ليلى بنت مسعود ، كانت تحت علي بن أبي طالب(رضي الله عنه) فولدت له أبا بكر وعبيدالله ، قتل عبيدالله يوم هزيمة أصحاب المختار ، وكان عبيدالله مع مصعب بن الزبير على المختار ، وقتل أبو بكر مع الحسين(رضي الله عنه)(5) .
وقد كان قد قال قبله في أولاد علي : ولعلي من الولد : أبو بكر وعثمان وجعفر وعبدالله وعبيدالله ومحمّد الأصغر و يحيى ...
____________
1- الهداية الكبرى : 95 .
2- الثقات ، لابي حبان 2 : 311 .
3- المعجم الكبير للطبراني 3 : 103 ح 2803 .
4- البدء والتاريخ 5 : 73 ـ 74 .
5- جمهرة أنساب العرب : 230 والموجود في تحقيق محمّد عبدالسلام هارون : 230 (وابن ابنه عباد بن مسعود) .
________________________________________ الصفحة 396 ________________________________________
وأم عبيدالله : ليلى بنت مسعود بن خالد ... وعبيدالله قتل في جيش مصعب بن الزبير يوم لقوا المختار بن أبي عبيد مع محمّد بن الأشعث ، وقتل أبو بكر وجعفر وعثمان والعباس مع أخيهم الحسين رضي الله عنهم(1) .
وقال الشيخ الطوسي (ت 460 هـ) في (رجاله) باب الكنى من أصحاب الحسين بن علي : أبو بكر بن علي(عليه السلام) ، أخوه ، قتل معه(عليه السلام) ، أ مّه ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلمة بن جندل بن نهشل من بني دارم(2) .
وقال ابن ماكولا (ت 475 هـ) في (تهذيب مستمر الأوهام) : وليلى هي بنت مسعود بن خالد ... أُخت عباد بن مسعود ، ولدت لعلي بن أبي طالب عبيدالله وأبا بكر ، دَرَجا ، قال ذلك ابن الكلبي(3) .
وقال أيضاً : و إخوة عبيدالله وأبي بكر لأُ مِّهما : صالح وأمّ أبيها وأمّ محمّد بنو عبدالله بن جعفر بن أبي طالب ، خلف عليها [أي على أُ مِّهما] عبدالله بن جعفر بعد علي بن أبي طالب ، جمع بين ابنته وزوجته(4) .
وقد يستفاد من كلام الشيخ المفيد (ت 478 هـ) في (الارشاد)(5)والاختصاص(6) بأنّ أبا بكر هو اسم لقوله : وعبدالله وأبو بكر ابنا أمير المؤمنين أمهما ليلى بنت مسعود الثقفية ، لكنه(رحمه الله) صرح ـ في باب أولاد أمير المؤمنين ـ بأنّ اسم أبي بكر بن علي هو محمّد الأصغر ، فقال (محمّد الأصغر المكنى أبا بكر وعبدالله الشهيدان مع أخيهما الحسين بالطفّ ، أمهما ليلى بنت مسعود)(7) .
____________
1- جمهرة أنساب العرب لابن حزم : 37 ـ 38 .
2- رجال الشيخ الطوسي : 106 ت 1055 . وعنه في رجال ابن داود ، القسم الأول باب الكنى : 215 الرقم 11 .
3- تهذيب مستمر الاوهام 1 : 69 .
4- تهذيب مستمر الاوهام 1 : 70 .
5- الإرشاد 2 : 125 ، في أسماء من قتل مع الحسين .
6- الاختصاص : 82 ، تسمية من شهد مع الحسين بن علي بكربلاء .
7- الإرشاد 1 : 354 .
________________________________________ الصفحة 397 ________________________________________
وقال الطبرسي (ت 548 هـ) في (إعلام الورى) : فجميع من قتل مع الحسين(عليه السلام) من أهل بيته بطف كربلاء ثمانية عشر نفساً ، هو صلوات الله عليه تاسع عشرهم ، منهم العباس ... وعبيدالله(1) وأبو بكر(2) ابنا أمير المؤمنين ، وأمّهما ليلى بنت مسعود الثقفي(3) .
وروى ابن عساكر (ت 571 هـ) في (تاريخ دمشق) : بسنده إلى الزبير بن بكار ، قال في تسمية ولد علي بن أبي طالب : وولد علي بن أبي طالب ... فذكر جماعة ثم قال : وعبيدالله وأبا بكر ابني علي لا بقيّة لهما ، وكان عبيدالله بن علي قدم على المختار بن أبي عبيد الثقفي ، وأمّ عبيدالله وأبي بكر ابني علي ليلى بنت مسعود بن خالد ... وكان قتلهما في سنة سبع وستين(4) .
وقال الكاتب البغدادي (ت 567 هـ) في (تاريخ الأئمة) : ووُلِد له من ليلى بنت مسعود : أبو بكر وعبيدالله(5) .
وقال محمّد بن طلحة الشافعي (ت 652 هـ) في (مطالب السؤول في مناقب آل الرسول) نقلاً عن كتاب صفوة الصفوة وغيره : أنّ أولاده(عليه السلام) الذكور أربعة عشر ذكراً ، والإناث تسع عشرة أُنثى ، وهذا تفصيل الذكور : الحسن ، الحسين ، محمّد الأكبر ، عبيدالله ، أبو بكر ، العباس ، عثمان ، جعفر ، عبدالله ، محمّد الأصغر ، يحيى ، عون ، عمر ، محمّد الأوسط ...
وعبيدالله وأبو بكر أمهما ليلى بنت مسعود(6) .
وقال ابن أبي الحديد (ت 656 هـ) في (شرح النهج) : أولاده : ... وأما أبو بكر
____________
1- قتل مع مصعب بن الزبير وقبره بالمذار .
2- هناك قول بذلك لكنه لم يثبت .
3- إعلام الورى بأعلام الهدى 1 : 476 .
4- تاريخ دمشق 52 : 131 .
5- تاريخ الأئمة (المجموعة) : 17 .
6- مطالب السؤول : 313 .
________________________________________ الصفحة 398 ________________________________________
وعبدالله(1) ، فأ مّهما ليلى بنت مسعود النهشلية من تميم(2) .
وقال المحبّ الطبري (ت 694 هـ) : وعبيدالله قتله المختار ، وأبو بكر قتل مع الحسين ، أ مّهما ليلى بنت مسعود(3) بن خالد النهشلي ، وهي التي تزوّجها عبدالله بن جعفر وخلف عليها بعد عمه ، جمع بين زوجة علي وابنته ، فولدت له : صالحاً وغيره ، فهم أخوة عبدالله [الصحيح عبيدالله] وأبي بكر ابني علي لأ مّهما ; ذكره الدارقطني(4) .
وقال العمري العلوي من أعلام القرن الخامس في (المجدي) : ... وأبا بكر وعبدالله(5) بني النهشلية(6) .
وفي (الجوهرة في نسب الإمام علي وآله) للبري : وأم عبيدالله وأبي بكر ابني علي : ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلي(7) .
وقال أبو الفداء (ت 732 هـ) في (تاريخه) : وتزوّج علي ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلي التميمي وولد له منها عبيدالله وأبو بكر ; قتلا مع الحسين أيضاً(8) .
وقال النويري (ت 733 هـ) في (نهاية الأَرَب) : وتزوّج ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلية التميمية ، فولدت عبيدالله وأبا بكر قتلا مع الحسين ، وقيل إنّ عبيدالله قتله المختار بن أبي عبيد(9) .
وقال المرتضى الزبيدي (ت 740 هـ) في (البحر الزخّار) : عبدالله [= عبيدالله ]
____________
1- الصحيح عبيدالله وهو الموافق للمصادر .
2- شرح نهج البلاغة 9 : 242 .
3- الصحيح مسعود .
4- ذخائر العقبى : 117 .
5- الصحيح عبيدالله وهو الموافق للمصادر .
6- المجدي : 198 .
7- الجوهرة : 58 .
8- تاريخ أبي الفداء 1 : 252 .
9- نهاية الأَرَب 20 : 136 .
________________________________________ الصفحة 399 ________________________________________
وأبو بكر أمهما ليلى بنت مسعود النهشلية ولا عقب لهما(1) .
وقال ابن كثير (ت 774 هـ) في (البداية والنهاية) : ومنهن ليلى بنت مسعود بن خالد ... فولدت له عبيدالله وأبا بكر ، قال هشام بن الكلبي : وقد قتلا بكربلاء أيضاً ، وزعم الواقدي : أنّ عبيدالله قتله المختار بن أبي عبيد يوم المذار(2) .
وقال الهيثمي (ت 807 هـ) في (مجمع الزوائد) : قتل الحسين بن علي وأصحابه لعشر ليال خلون من محرم ... وأبو بكر بن علي بن أبي طالب وأمه ليلى بنت مسعود النهشلية(3) .
وقال ابن الدمشقي (ت 871 هـ) في (جواهر المطالب) : وتزوّج أيضاً ليلى بنت مسعود بن خالد ... فولدت له عبدالله [= عبيدالله] وأبا بكر ، قتلا مع الحسين بالطف(4) .
وقال العصامي (ت 1111 هـ) في (سمط النجوم العوالي) : وعبدالله [= عبيدالله] قتله المختار ، وأبو بكر قتل بالطف مع الحسين ، أمهما ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلي ، وهي التي تزوّجها عبدالله بن جعفر ، خلف عليها بعد عمّه علي [بن أبي طالب] ، جمع بين زوجةِ عليٍّ وابنته ، فولدت له : صالحاً و ... إلى آخر ما جاء في الرياض النضرة للمحب الطبري .
هذه النصوص توقفنا على عدة اُمور :
____________
1- البحر الزخار 2 : 384 ، باب فيه ذكر العشرة المشهورين من أصحابه(صلى الله عليه وآله) .
2- البداية والنهاية 7 : 332 وفيه : يوم الدار بدل يوم المذار .
3- مجمع الزوائد 9 : 197 عن الليث بن سعد .
4- جواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب 2 : 121 ـ 122 .
________________________________________ الصفحة 400 ________________________________________
وكذا الحال بالنسبة إلى أبي بكر بن علي فالغالب أ نّهم قالوا بشهادته في الطف ، وهناك من شك في شهادته في كربلاء .
وقد شكك الطبري في كلام هشام بن محمّد بأ نّهما قتلا مع الحسين بالطف ، وكذا قتل المختار لعبيدالله بن علي بالمذار .
وقد أولد عبدالله بن جعفر ليلى : صالحاً ، وأمَّ أبيها ، وأمَّ محمّد . وقد مرَّ عليك أنَّ أُمَّ عبدالله بن جعفر كانت أسماء بنت عميس ، وقد قيل عن أسماء بنت عميس بأن لها ابناً من الإمام علي باسم محمّد الأصغر ـ والذي شك في قتله مع ابن عمه الحسين في كربلاء ـ وأيضاً لعبدالله بن جعفر ابن باسم محمّد الأصغر ، وكان يكنّى بأبي بكر ، وقد قتل هذا في الطف ، وكذا كان للإمام الحسن ابن باسم عبدالله وقد كان يكنّى بأبي بكر فلا يستبعد أن يقع الخلط في المصادر فيمن اسمه محمّد الأصغر أو عبدالله من الطالبيين وخصوصاً المقرّبين من عليّ بن أبي طالب .
ولا تنسى بأنّ القوم كانوا يطلقون كنية أبي بكر على غالب من اسمه عبدالله حفظاً للتجانس بين الاسم والكنية ، والبيان على الصلة والمحبة بين الصحابة والآل ، وهذا ما سنوضحه لاحقاً في القسم الثاني من هذه الدراسة (التكنية بأبي بكر) فراجع .
________________________________________ الصفحة 401 ________________________________________
في أبي بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب وأن اسمه عبدالله ـ وخصوصاً لو أردنا الجمع بينها وبين النصوص الأُخرى ، فهي إمّا أن تكون كنية لمن اسمه عبدالله ، أو لمن اسمه محمّد الاصغر ، أو لمن اسمه عبدالرحمن ، و إليك الآن الأقوال الأُخرى .
أبو بكر اسمه عبدالله
قال أحمد بن أعثم الكوفي (ت 314 هـ) في كتاب (الفتوح) : ثمّ تقدم إخوة الحسين عازمين على أن يموتوا من دونه ، فأوّل من تقدم أبو بكر بن علي واسمه عبدالله وأمّه ليلى بنت مسعود ... فحمل عليه رجل من أصحاب عمر بن سعد يقال له زجر بن بدر النخعي فقتله ...(1)
وقال التوحيدي (ت 380 هـ) في (البصائر والذخائر) : ولد لعلي بن أبي طالب(رضي الله عنه) لصلبه : ... ومن ليلى بنت مسعود الدارمية : عبيدالله [= عبدالله] وهو أبو بكر ... ومن أمِّ ولد محمّد الأصغر(2) .
وفي (المجدي في أنساب الطالبيين) للعمري العلوي من أعلام القرن الخامس الهجري : قال الموضح : وأبو بكر واسمه عبدالله ، قتل بالطف ، وأبو علي عبيدالله أمهما النهشلية ، فأمّا عبيدالله فكان مع أخواله بني تميم بالبصرة حتى حضر وقائع المختار فأصابه جراح وهو مع مصعب ، فمات وقبره بالمذار من سواد البصرة يزار إلى اليوم ، وكان مصعب شنع على المختارية ويقول : قَتَلَ ابنَ إِمامه(3) .
وقال أبو العباس أحمد بن إبراهيم (أواسط القرن الرابع الهجري) في (المصابيح) : وعبيدالله وأبو بكر ، وقيل : إن أبا بكر هذا هو عبدالله الذي قدمنا ذكره ،
____________
1- الفتوح 5 : 112 .
2- البصائر والذخائر 1 : 214 ، أي له(عليه السلام) ولد آخر من آم ولد اسمه محمّد الأصغر .
3- المجدي : 198 ـ 199 .
________________________________________ الصفحة 402 ________________________________________
وأمهما ليلى بنت مسعود(1) .
وروى المجلسي (ت 1111 هـ) خبراً عن المقاتل فيه : قالوا : ثمّ تقدّمت إخوة الحسين عازمين على أن يموتوا دونه ، فأوّل من خرج منهم أبو بكر بن علي واسمه عبيدالله [الصحيح عبدالله] وأمه ليلى بنت مسعود بن خالد بن ربعي التميمية فتقدم وهو يرتجز :
شيخي عليٌّ ذُو الفَخارِ الأَطْوَلِ من هاشمِ الخيرِ الكريمِ المُفْضِلِ
فلم يزل يقاتل حتى قتله زجر بن بدر النخعي وقيل : عبدالله بن عقبة الغنوي ، قال أبو الفرج : لا يعرف اسمه ، وذكر أبو جعفر الباقر(عليه السلام) في الإسناد المتقدم أنّ رجلاً من همدان قتله ، وذكر المدائني أ نّه وجد في ساقية مقتولاً لا يُدرَى من قتله ...(2)
وفي (أنصار الحسين) ذكر الشيخ محمّد مهدي شمس الدين اسم سبعة عشر من بني هاشم من الذين ثبتت شهادتهم في كربلاء ، ثم ذكر عشرة أشخاص مشكوك في شهادتهم في كربلاء ، كان أولهم : أبو بكر بن علي بن أبي طالب ... : في الخوارزمي : اسمه عبدالله أمه ليلى بنت مسعود(3) .
وفي تاريخ مواليد الأئمة : وكان له أبو بكر وعبدالله ـ من الميلاء بنت مسعود(4) .
والذي أحتمله أنّ (الميلاء) و (الهملاء)(5) كما جاء في خبر آخر هو تصحيف لليلاء = ليلى .
____________
1- المصابيح 1 : 173 باب أولاد علي(عليه السلام) .
2- بحار الأنوار 45 : 36 .
3- انصار الحسين : 135 .
4- مواليد الأئمة : 15 والصحيح (ليلا بنت مسعود) كتابه قديمة لـ (ليلى) .
5- هو ما جاء في مناقب آل أبي طالب (ت 588) 3 : 89 وفيه : ومن الهملاء بنت مسروق [الصحيح مسعود] النهشلية : أبو بكر وعبدالله [الصحيح عبيدالله] .
________________________________________ الصفحة 403 ________________________________________
وكذا ما جاء في اسم أبيها (معوذ) و (مسروق) هما تصحيف لمسعود كما في نصوص أخرى ، وعبدالله تصحيف لعبيد الله ، لأنّ من يقابل أبا بكر هو (عبيدالله) لا (عبدالله) .
ومثل هذا التصحيف وقع في كتاب (الأمالي الشجرية) وفيه : وعبدالله بن علي بن أبي طالب وأمّه أيضاً أمّ البنين ... وأبو بكر بن علي بن أبي طالب وأمه ليلى بنت مسعود النهشلية(1) . فالصحيح هو عبيدالله .
إنّ النسابة والمؤرخين كثيراً ما كانوا يصحّفون اسم عبيدالله إلى عبدالله ، في حين الكل يعلم بأنّ المقتول في كربلاء ـ على فرض وجوده في كربلاء ـ هو عبدالله لا عبيدالله ، فكيف يجعلون عبدالله قسيماً لأبي بكر في حين أن عبيدالله هو الذي يقابل (أبا بكر) لا (عبدالله) .
موضحين بانّ هذا قد لا يكون ابن للإمام عليّ ، فهو ابن الإمام الحسن المجتبى فنسب إلى الإمام عليّ لكون الإمام عليّ جدّه .
وقد يكون هو محمّد الأصغر بن عبدالله بن جعفر زوج ليلى النهشلية ـ زوجة الإمام عليّ سابقاً ـ فنسب إلى الإمام علي .
أبو بكر اسمه محمّد الأصغر
وهناك نصوص اخرى تقول أنّ المكنّى بأبي بكر ـ من ولد علي ـ اسمه محمّد الأصغر لا (عبدالله) ، و إليك تلك النصوص .
قال المسعودي (ت 345) في (التنبية والإشراف) : ومحمّد الأصغر يكنّى أبا بكر وعبيدالله و ...(2) .
وقال الطبرسي (ت 548 هـ) في (إعلام الورى) نقلاً عن المفيد (ت 478 هـ) :
____________
1- الامالي الشجرية 1 : 224 ح 807 .
2- التنبيه والاشراف : 258 .
________________________________________ الصفحة 404 ________________________________________
ومحمّد الأصغر المكنى بأبي بكر وعبيدالله الشهيدان مع أخيهما الحسين بطف كربلاء ، وأ مّهما ليلى بنت مسعود الدارمية(1) .
وقال الطبرسي في تاج المواليد : ومحمّد الأصغر المكنّى بأبي بكر وعبيدالله الشهيدان مع أخيهم الحسين بالطف رضي الله عنهم ، أ مّهما ليلى بنت مسعود الدارمية(2) .
وقال ابن البطريق (ت 600 هـ) في (العمدة) : محمّد الأصغر المكنّى بأبي بكر وعبيدالله الشهيدان مع أخيهما الحسين بطف كربلاء ، أُ مّهما ليلى ابنة مسعود الدارمية(3) .
وقال علي بن يوسف الحلي ـ أخو العلاّمة الحلي (ت 705 هـ) ـ في (العدد القوية) : وكان له من ليلى ابنة مسعود الدارمية [محمّد] الأصغر المكنّى بأبي بكر وعبيدالله(4) .
وقال العلاّمة الحلي (ت 726) في (المستجاد من الإرشاد) : ومحمّد الأصغر المكنّى بأبي بكر وعبيدالله الشهيدان مع أخيهما الحسين بالطف ، أ مّهما ليلى بنت مسعود الدارمية(5) .
وقال ابن حاتم العاملي (ت 664 هـ) في (الدر النظيم) : وكان له من ليلى بنت مسعود الدارمية : محمّد الأصغر المكنّى أبا بكر وعبيدالله(6) .
____________
1- إعلام الورى 1 : 396 ، والارشاد 1 : 354 ، وهذا الكلام لا ينافي ما قاله الطبرسي في مكان آخر من اعلام الورى : 476 : وعبيدالله وأبو بكر ابنا أمير المؤمنين وأمهما ليلى بنت مسعود . فإن النص الثاني اكتفى بكنيته دون ذكر اسمه ، وهذا يوضّح بأن المؤرخين والنسابة كانوا يكتفون بالكنية في بعض الأحيان لاشتهار الشخص بها ، فلا يمكن بعد هذا القول بأن ابا بكر كان اسماً .
2- تاج المواليد : 19 .
3- العمدة : 30 .
4- العدد القوية : 242 ـ 243 .
5- المستجاد من الإرشاد : 139 .
6- الدر النظيم : 430 والصحيح عبيدالله .
________________________________________ الصفحة 405 ________________________________________
وحكى الأربلّيّ (ت 693 هـ) في (كشف الغمة) قول المفيد دون زيادة : (ومحمّد الاصغر المكنّى أبا بكر وعبيدالله الشهيدان مع أخيهما الحسين بالطف ، أمهما ليلى بنت مسعود الدارمية(1) .
وقال ابن الصباغ المالكي (ت 855 هـ) في (الفصول المهمة في معرفة الأئمة) : ومحمّد الاصغر المكنى بأبي بكر وعبدالله(2) الشهيدان أيضاً مع أخيهما الحسين بكربلاء أمهما ليلى بنت مسعود الدارمية(3) .
وقفة مع السيّد الامين في أعيانه
قال السيّد محسن الأمين (ت 1370 هـ) في (أعيان الشيعة) في ـ ما بُدئَ بأب من الكنى ـ :
أبو بكر بن علي بن أبي طالب ، قتل مع أخيه الحسين بكربلاء سنة 61 ، وقال الطبري وابن الاثير : شُكَّ في قتله ، ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الحسين ... وفي مقاتل الطالبيين ـ عند ذكر من قتل مع الحسين من أهل بيته ـ : وأبو بكر بن علي بن أبي طالب لم يعرف اسمه ، وأمه ليلى بنت مسعود ... وفي إبصار العين : أبو بكر بن علي بن أبي طالب اسمه محمّد الأصغر أو عبدالله وأ مّه ليلى ، إلى آخر ما مرّ عن المقاتل .
أقول ; [والكلام للسيّد محسن الامين] :
قد سمعت قول أبي الفرج لم يعرف اسمه ، وهو أوسع اطلاعاً من كلّ مؤرخ .
وسمعت أنّ صاحب المناقب ـ وسعة اطّلاعه غير منكورة ـ لم يسمه .
أما محمّد الأصغر بن علي بن أبي طالب فقد ذكره أبو الفرج في مقاتل
____________
1- كشف الغمة 2 : 67 .
2- الصحيح عبيدالله والاخير لم يستشهد في كربلاء بل قتل في وقعة المذار مع مصعب بن الزبير قتله المختار حسبما اشتهر في كتب التاريخ .
3- الفصول المهمة 1 : 644 .
________________________________________ الصفحة 406 ________________________________________
الطالبيين على حِدَة ، ولم يشر إلى أ نّه يكنّى بأبي بكر ، فلا ندري من أين أخذ ذلك صاحب (إبصار العين) ، وهو اعلم بما قال .
وقد سمعت أنّ صاحب البحار قال : اسمه عبيدالله لا عبدالله ، ولم نعلم مأخذه من ذلك ، فإنه لم يسنده إلى كتاب مخصوص ، و إنّما ذكره عقب قوله (قالوا) ، على أنّ أبا الفرج في المقاتل قال : ذكر يحيى بن الحسن أنّ أبا بكر بن عبيدالله الطلحي حدّثه عن أبيه : أنّ عبيدالله بن علي قتل مع الحسين قال : (وهذا خطأ و إنّما قتل عبيدالله يوم المذار قتله أصحاب المختار بن أبي عبيدة ، وقد رأيته بالمذار) فهو مضافاً إلى أ نّه لم يذكر تكنية عبيدالله بأبي بكر أنكر قتله بكربلاء أصلاً ، ولم يذكر أبو الفرج ولداً لعلي بن أبي طالب قتل بكربلاء اسمه عبدالله غير أخي العباس الذي أ مّه أم البنين ، وحاصل الأمر أ نّه لم يتحقّق عندنا اسمه فلذلك
ذكرناه في باب الكنى فقط ولم نذكره في باب الأسماء(1) . انتهى كلام السيّد
الامين .
قلت : هذا لا يتفق مع ما قاله(رحمه الله) في المجلد الأول من (أعيانه) في أولاد علي وجزمه بأنّ محمّد الأصغر هو اسم لمن تكنى بأبي بكر إذ قال تحت رقم (12) من أولاد الإمام علي : (12 ـ محمّد الاصغر المكنى بأبي بكر ، وبعضهم عدَّ أبا بكر ومحمّد الأصغر اثنين ، والظاهر أ نّهما واحد .
ومن جهة اخرى كيف يفصل السيّد الأمين محمّد الأصغر عن عبدالله أو عبيدالله معتبراً محمّداً الاصغر هو كنية لأبي بكر دون عبدالله ، في حين هناك من يقول أ نّه كنية لعبدالله دون محمّد كما مر عليك .
____________
1- أعيان الشيعة 2 : 302 .
2- أعيان الشيعة 1 : 327 .
________________________________________ الصفحة 407 ________________________________________
فمن هي أم محمّد الأصغر ، هل هي أسماء بنت عميس ، أم لبابة بنت عبدالله بن العباس ، أم أ مّه أم ولد يقال لها ورقاء(1) ؟
ولماذا لم يذكر اسم أم محمّد الأصغر كما ذكر اسم أم عبدالله أو عبيدالله ؟
فهل أراد بذلك القول بالثنائية لا الوحدة ، فقال بأنّ أم محمّد الأصغر أم ولد ، وأم عبيد الله هي ليلى النهشلية ؟
ولا أدري كيف يوفّق السيّد بين قول غالب المؤرخين القائلين بأنّ أبابكر بن علي هو ابن ليلى النهشلية لا ابن أم ولد كما يريد السيّد الامين أن يقوله في المجلد الأول في ولد علي .
ولماذا لا يذكر السيّد الأمين مَنْ اسمه ـ أو كنيته ـ أبو بكر في ولد ليلى النهشلية الذي أشار إليه الآخرون .
في حين أ نّه(رحمه الله) نقل عن أصحاب المقاتل : أنّ أول من خرج من إخوة الحسين : أبو بكر بن علي واسمه عبدالله وأ مّه ليلى بنت مسعود بن خالد(2) كما مر عليك مثل ذلك عن ابن اعثم في (الفتوح) والعمري في (المجدي) .
وقال المسعودي في (التنبيه والإشراف) ، والمفيد في (الإرشاد) ، والطبرسي في (إعلام الورى) ، وابن البطريق في (العمدة) بأنّ اسمه محمّد الأصغر ، فهل هؤلاء أقّل اطّلاعاً من أبي الفرج الاصفهاني ؟
بل كيف يمكن أن يوفّق السيّد الأمين بين كلام صاحب (مناقب آل أبي طالب) ـ الذي قال عنه بأن (سعة اطلاعه غير منكورة) والذي ترى في نقوله التسمية لا عدمها ـ وبين ما نقله عن أبي الفرج من أ نّه لم يسمِّه .
صحيح أنّ أبا الفرج ذكر محمّد الأصغر في مقاتل الطالبيين على حده ولم يشر إلى أ نّه كان يكنّى بأبي بكر ، لكن السيّد الأمين أشار إلى اسمه وكنيته ضمن
____________
1- أنظر أنساب الأشراف 2 : 412 .
2- أعيان الشيعة 2 : 302 .
________________________________________ الصفحة 408 ________________________________________
ذكره لأولاد أمير المؤمنين .
وبتصوّري أنّ مدرك صاحب (إبصار العين) كان الجمع بين النصوص التاريخية . وقد فعل الشيخ النمازي مثل ما فعله السماوي ، إذ قال في (مستدركات علم رجال الحديث) ـ في الكنى ـ : أبو بكر بن أمير المؤمنين كان مع أخويه الحسن والحسين صلوات الله عليهم ، وتشرّف بالشهادة يوم الطف ، وبالسلام في الزيارة الرجبية ، واسمه محمّد أو عبيدالله المتشرّف بالسلام في زيارة الناحية المقدسة ، وأ مّه ليلى بنت مسعود بن خالد(1) .
وقال في مكان آخر : محمّد بن أمير المؤمنين مصاديقه ثلاثة : أحدهم ابن الحنفية و يأتي في محله .
وثانيهم : محمّد الأصغر شهيد الطف ، أ مّه أم ولد ، وتشرف بسلام الناحية ، ويظهر من بعض أنّ كنيته أبو بكر وقد تقدم .
وثالثهم : محمّد الأوسط ، أ مّه أُ مّامة بنت أبي العاص ، وهو أيضاً من شهداء الطف(2) .
وقال الشيخ محمّد تقي التستري في (قاموس الرجال) : أبو بكر بن علي بن أبي طالب مرّ في محمّد بن أمير المؤمنين ، وقال الشيخ في رجاله في أصحاب الحسين : أبو بكر بن علي ، أخوه قتل معه ، أُ مّهُ ...(3)
كان هذا مجمل الكلام عن المكنّى بأبي بكر والمسمى بمحمد الأصغر من ولد علي بن أبي طالب .
____________
1- مستدركات علم رجال الحديث 8 : 343 الرقم 16685 ، والصحيح عبدالله .
2- مستدركات علم الرجال 6 : 473 الرقم 12754 .
3- قاموس الرجال 11 : 236 الرقم 97 وانظر ج 9 : 125 الرقم 6473 ترجمة محمّد بن أمير المؤمنين(عليه السلام) .
________________________________________ الصفحة 409 ________________________________________
أبو بكر كنية لمن اسمه عبدالرحمن أو عتيق
انفرد المقريزي (ت 845 هـ) في (اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء) بالقول : وعبدالرحمن الذي يكنّى أبا بكر ، وعبيدالله ، أ مّهما ليلى بنت مسعود بن خالد التميمي(1) .
كما انفرد المزي (ت 742 هـ) في (تهذيب الكمال) وتبعه الصفدي في الوافي بالوفيات بالقول بأنّ عتيقاً هو اسم لمن يكنّى بأبي بكر من ولد علي بن أبي طالب ; إذ قال : (وعبيدالله يكنّى أبا علي يقال أ نّه قتل بكربلاء ، وعبدالرحمن درج ، وحمزة درج ، وأبو بكر : عتيق يقال أ نّه قتل بالطف(2) ...) .
وذكر ابن حزم (ت 456 هـ) في (جمهرة أنساب العرب) أبو بكر ضمن اخوة العباس بن علي بن أبي طالب السّقاء ، وهو كلام لا يوافقه عليه أحد ، وقد يفهم من كلامه بأنّ أبا بكر هو كنية لعبدالله بن علي من أمّ البنين الكلابية ; إذ أنّه لم يذكر عبدالله ضمن أولاد أمّ البنين ، بل اكتفى بأبي بكر ، فقال ابن حزم : (وقتل أبو بكر وجعفر وعثمان والعباس مع أخيهم الحسين رضي الله عنهم)(3) .
بهذا فقد عرفت أنّ أبا بكر لم يكن اسماً كما يتصوّره القارئ ابتداءً ، بل هو كنية ، أما لمن اسمه عبدالله ، أو اسمه محمّد الأصغر ، وأ مّا دعوى أ نّها كنية لمن اسمه عبدالرحمن أو عتيق ، فهي دعوى بعيدة عن الصحة ، وهي من منفردات المزي وتبعه الصفدي وتلوح على دعوى اسم (عتيق) ملامح الوضع ، حيث جمعوا بين (عتيق) و (أبي بكر) في ابناء الإمام علي(عليه السلام) .
وقد يمكننا أن نجمع بين جميع هذه الاقوال أيضاً ـ لو قلنا وقبلنا إمكان تعدد الأسماء عند العرب ـ وبذلك فقد يكون الأب وضع اسماً ، والاسم الآخر وضعته الأمّ ، وثالث الخال أو الجد ، وبذلك يصحّ أن يكون للشخص اسمان أو ثلاثة ، مع
____________
1- اتعاظ الحنفاء ، الجزء الأول في ذكر أولاد أمير المؤمنين كرم الله وجهه .
2- تهذيب الكمال 20 : 479 ،الوافي بالوفيات 21 : 185 ، سبل الهدى والرشاد 11 : 288 .
3- جمهرة أنساب العرب : 38 .
________________________________________ الصفحة 410 ________________________________________
الحفاظ على كنية واحدة للأسماء الثلاثة معاً .
قال الشيخ السماوي (ت 1370 هـ) في (إبصار العين في أنصار الحسين) : وأبو بكر بن علي بن أبي طالب اسمه محمّد أو عبدالله وأ مّه ليلى بنت مسعود ... قيل قتله زجر بن بدر النخعي ، وقيل : بل عقبة الغنوي ، وقيل : بل رجل من همدان ، وقيل : وجد في ساقية مقتولاً لا يُدرَى من قتله ، وذكر بعض الرواة أ نّه تقدّم إلى الحرب وهو يقول :
شيخي عليٌّ ذو الفَخارِ الأَطولِ مِن هاشم وهاشِمٌ لا تُعْدَلُ(1)
ولم يزل يقاتل حتى اشترك في قتله جماعة منهم عقبة الغنوي(2) .
والذي أَحتمله فيما نحن فيه هو أنّ هناك خلطاً وقع للنسابة والمؤرّخين ، ولو تأملت في هذا النص لرأيت الخلط واضحاً مشهوداً ، لأنّ المشهور بأنّ عقبة الغنوي(3) ـ أو عبدالله بن عقبة الغنوي ـ هو قاتل أبي بكر بن الحسن بن علي ـ المسمى بعبدالله ، حسب قول الموضح النسابة(4) ـ .
وكذا ما قيل بأنّ قاتله رجل من همدان إذ وجد في ساقية مقتولاً لا يُدْرَى من قتله ، فإن هذا ورد في عبيدالله بن علي ابن ليلى النهشلية المقتول في جيش
____________
1- تقدمت روايته بنحو آخر : من هاشم الخير الكريم المفصل .
2- ابصار العين : 71 .
3- مقتل الحسين لأبي مخنف : 174 ، الارشاد 2 : 109 ، معجم رجال الحديث 22 : 70 رقم 14000 ، الأخبار الطوال : 257 ، بغية الطلب 6 : 2628 ، وذكر الطبري في تاريخه 3 : 332 ، 343 ان عبدالله بن عقبة الغنوي قتل أبو بكر بن الحسين بن علي(عليه السلام) وكذلك ابن الأثير في الكامل في التاريخ 3 : 430 والبداية والنهاية 8 : 187 ، وانظر المعجم الكبير 3 : 103 وباعتقادي أن الحسين هو تصحيف للحسن .
4- في الزيارة المنسوبة إلى الناحية المقدسة ما يخالف كلام الموضح النسابة إذ فرّق بين أبي بكر وعبدالله ففيه : السلام على أبي بكر بن الحسن الزكي الولي ، المرمي بالسهم الردي ، لعن الله قاتله عبدالله بن عقبه الغنوي ، والسلام على عبدالله بن الحسن بن علي الزكي ، لعن الله قاتله وراميه حرملة بن كاهل الأسدي ، (انظر بحار الأنوار 36445 و 98 : 27 و 339 و 101 : 341 ، إقبال الأعمال 3 : 75 و 743) .
________________________________________ الصفحة 411 ________________________________________
مصعب بن الزبير وقبره بالمذار في البصرة .
نعم ، نسب بعض المؤرّخين هذا الأمر إلى أخيه عبدالله بن علي ابن ليلى النهشلية ، لكنّه غير صحيح حسب التحقيق العلمي .
وبعد كلّ هذا فلا نستبعد أن يكون عبدالله أو محمّد أو غير ذلك هو ابن علي بن أبي طالب من ليلى النهشلية كُنّي بأبي بكر لوجود إخوة آخرين له من أبيه مثل : محمّد الأصغر من أم ولد وعبدالله من أم البنين .
فالمؤرخون والنّسّابة أطلقوا عليه كنية (أبي بكر) كي يميّزوه عن أخيه محمّد الأصغر الذي هو من أم ولد ، ومن أخيه الآخر عبدالله الذي هو ابن أمّ البنين ، ويؤيّد ذلك النصوص التالية التي اعتبرت محمّد الأصغر هو غير أبي بكر :
أبو بكر هو غير محمّد الأصغر
قال أبو مخنف (ت 157 هـ) في (المقتل) : ... وقتل الحسين وأ مّه فاطمة بنت رسول الله ، وقتل محمّد بن علي بن أبي طالب وأ مّه أم ولد ، قتله رجل من بني أبان بن دارم ، وقتل أبو بكر بن علي بن أبي طالب وأمّه ليلى ابنة مسعود بن خالد(1) .
وقال أيضاً : ورمى رجل من بني أبان بن دارم محمّد بن علي بن أبي طالب فقتله وجاء برأسه ...(2) .
وقال ابن سعد (ت 230 هـ) في (الطبقات الكبرى) : ومحمّد الأصغر بن علي قتل مع الحسين وأ مّه أمّ ولد(3) .
وقال ابن الكلبي (ت 204 هـ) في (الجمهرة) : وعبدالله [= عبيدالله] وأبو بكر درجا ، وأُ مُّهما ليلى بنت مسعود بن خالد بن ... ومحمّد لأمّ ولد قتل مع
____________
1- مقتل الحسين لأبي مخنف الأزدي : 235 .
2- مقتل الحسين لأبي مخنف الأزدي : 186 ـ 187 .
3- الطبقات الكبرى لأبن سعد 3 : 20 .
________________________________________ الصفحة 412 ________________________________________
الحسين(عليه السلام)(1) .
وقال الطبري (ت 310 هـ) في (تاريخه) : وقتل محمّد بن علي بن أبي طالب وأمه أم ولد قتله رجل من بني دارم ، وقتل أبو بكر بن علي بن أبي طالب وأ مّه ليلى ابنة مسعود ...(2) .
وقال أبو نعيم (ت 430 هـ) في (معرفة الصحابة) : وأمّ عبيدالله وأبي بكر : ليلى بنت مسعود بن خالد ، ... ومحمّد الأصغر أمّهما أمّ ولد ...(3) .
وقال الشيخ المفيد (ت 478 هـ) في (الاختصاص) تسمية من شهد مع الحسين بن علي(عليهما السلام) بكربلاء : ... ومحمّد بن علي وأمه أم ولد ، وأبو بكر بن علي وأمه ليلى بنت مسعود(4) .
وقال ابن الجوزي (ت 597 هـ) في كتبه الثلاثة (المنتظم) و (صفة الصفوة) و (تلقيح فهوم أهل الأثر) : وعبيدالله قتله المختار ، وأبو بكر قتل مع الحسين ، أمهما ليلى بنت مسعود ... ومحمّد الأصغر قتل مع الحسين أمّه أم ولد(5) .
وقال ابن الشجري (ت 542 هـ) في (الأمالي الشجرية) : ومحمّد بن علي بن أبي طالب(عليهما السلام) الأصغر ، قتله رجل من بني أبان بن دارم ، وليس بقاتل عبدالله بن علي وأ مّه أمّ ولد ، وأبو بكر بن علي بن أبي طالب وأ مّه ليلى بنت مسعود(6) .
وقال ابن الأثير (ت 630 هـ) في (الكامل في التاريخ) : وقتل محمّد بن علي وأ مّه أم ولد قتله رجل من بني دارم ، وقتل أبو بكر بن علي وأ مّه ليلى بنت مسعود الدارمية ، وقد شُكَّ في قتله(7) .
____________
1- الجمهرة 1 : 4 .
2- تاريخ الطبري 3 : 343 .
3- معرفة الصحابة 1 : 88 الرقم 89 .
4- الاختصاص : 82 .
5- المنتظم 5 : 69 ، صفة الصفوة 1 : 309 ، تلقيح فهوم أهل الأثر 1 : 80 .
6- الامالي الشجرية 1 : 224 ح 807 .
7- الكامل في التاريخ 3 : 443 .
________________________________________ الصفحة 413 ________________________________________
وقال أحمد بن عبدالله الطبري (ت 694 هـ) في (ذخائر العقبى) : وكان له من الولد أربعة عشر ذكراً ... وعبيدالله قتله المختار ، وأبو بكر قتل مع الحسين ، أ مّهما ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلي وهي التي تزوجها عبدالله بن جعفر ... ومحمّد الأصغر قتل مع الحسين أ مّه أم ولد ...(1) .
وقال ابن كثير (ت 774 هـ) في (البداية والنهاية) : ومنهنّ ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك من بني تميم ، فولدت له عبيدالله وأبا بكر ... قال الواقدي : فأما محمّد الأصغر فمن أمّ ولد(2) .
وقال ابن الصباغ المالكي (ت 855 هـ) في (الفصول المهمة في معرفة الأئمة) عند ذكره (من قتل من أصحاب الحسين ومن أهل بيته) : ... وقتل محمّد بن علي وأمه أمّ ولد ، قتله رجل من بني دارم ، وقتل أبو بكر بن علي وأ مّه ليلى بنت مسعود الدارميّة(3) .
وبهذا فقد اتّضح لك ـ وفق هذه النصوص ـ بأنّ محمّد الأصغر الذي قتله رجل من بني دارم هو من أم ولد ، وليس ابن ليلى النهشلية الدارمية الشهير بأبي بكر بن علي ، لأنّ قتل رجل من بني دارم لمحمد الأصغر بن ليلى الدارمية بعيد طبقاً للأعراف القبليّة .
وبعبارة أخرى : إنّ كون القاتل من بني دارم مُبَعِّداً لاَِنْ يكون المقتول ابن ليلى الدارمية ، لأنّ القاتل من عشيرتها وقبيلتها فلا يقدم على قتل من كان منها بالنظر البدوي ، وبهذا يكون قتله لمن هو ابن أمّ ولد اقرب إلى الواقع .
وبذلك نحتمل وجود ولدين أو ثلاثة أولاد للإمام علي بن أبي طالب قد تَسمَّوا بمحمد الأصغر وقتلوا في الطف مع أخيهم الحسين(عليه السلام) .
أحدهم : أمه أم ولد وهو قتيل الأباني الدارمي .
____________
1- ذخائر العقبى : 116 ـ 117 .
2- البداية والنهاية 7 : 332 .
3- الفصول المهمة في معرفة الأئمة 2 : 843 ـ 844 .
________________________________________ الصفحة 414 ________________________________________
والآخر هو الشهير بأبي بكر بن علي وأمه ليلى الدارمية النهشلية .
وثالثهم يمكن أن نقول أ نّه ابن أسماء بنت عميس ، وهو ليس ببعيدطبق بعض النصوص .
وقد يكون المسمى بمحمد الأصغر هو ابن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب والذي تكون جدته أسماء ـ زوجة الإمام علي ـ وبذلك يكون محمّد هذا هو حفيد أخ الإمام علي بن أبي طالب (جعفر) ، وكذا حفيد زوجته أسماء ، فاختلط الأمر على النسّابة إذ عدّوه ابناً لعلي بن أبي طالب(عليه السلام) .
لكن قد يقال في جواب احتمال كهذا : لماذا لا يقع السلام ـ في زيارة الناحية والرجبية ـ على أبي بكر بن النهشلية ، أو ابن أسماء بنت عميس كما وقع على محمّد الأصغر قتيل الأباني الدارمي ؟
الجواب : إنّ السلام الواقع في الزيارات كان على العَيِّنة من أهل البيت وأصحاب الإمام الحسين لا على جميع المستشهدين بين يديه ، وقد يكون لمحمّد الأصغر ابن أمير المؤمنين قتيل الأباني خصوصيّة لم تكن عند الآخرين ، وقد تكون هناك احتمالات أخرى .
________________________________________ الصفحة 415 ________________________________________
الخلاصة
فتلخّص مما سبق : أنّ للإمام علي من ليلى الدارمية النهشلية ابنين : اسم أحدهما عبيدالله المكنّى بأبي علي .
والآخر عبدالله أو محمّد الأصغر المكنّى بأبى بكر .
وقد شك المؤرّخون في مقتل اخيه عبيدالله في كربلاء ; لأنّ غالب المصادر تذهب إلى مقتله مع مصعب بن الزبير ، وقبره مشهور بالمذار قرب البصرة .
أما عبدالله المكنّى بأبي بكر ، فهو الآخر قد شك في مقتله في الطف ، وقد مر عليك كلام الطبري في عبيدالله وأبي بكر ابنَي الإمام علي من ليلى النهشلية وشكّه في قتلهما في كربلاء بقوله (فزعم هشام بن محمّد أ نّهما قتلا مع الحسين بالطف) . وهناك قول آخر يذهب إلى أ نّه قتل في الطف هذا من جهة .
ومن جهة أخرى : بما أنّ لعلي بن أبي طالب ابنين آخرين يشتركان مع الابن الثاني لليلى النهشلية في الاسم .
أحدهما : ابن أم البنين الكلابية والذي اسمه عبدالله ـ أخو العباس وعثمان وجعفر ـ .
والثاني : محمّد الأصغر ابن أمّ ولد ، واللَّذان استُشهدا في كربلاء ، فلا يستبعد أن يكون المؤرّخون والنّسابة وأصحاب المقاتل كنّوا المسمى بعبدالله أو محمّد بن ليلى النهشلية بأبي بكر كي يميّزوه عن أخويه من قبل الأَب .
وقد يكون أبا بكر هذا هو ابن الإمام الحسن المجتبى ابن الإمام عليّ فنسب إلى الإمام عليّ لعلل رجوها .
وقد لا يكون (أبو بكر) كنية لابن ليلى النهشلية بل هو اسم ، خصوصاً إن صحَّ كتاب معاوية المروّي في كتاب سليم بن قيس إلى الإمام علي ، والذي فيه : (وقد بلغني وجائني بذلك بعض من تثق به من خاصّتك بأنّك تقول لشيعتك [الضالة ]وبطانتك بطانة السوء : (إنّي قد سميت ثلاثة بنين لي أبا بكر وعمر وعثمان ، فإذا
________________________________________ الصفحة 416 ________________________________________
سمعتموني أترحَّم على أحد من أئمّة الضلالة فإنّي أعني بذلك بَنِيَّ) .
فلو صح خبر كتاب سليم بن قيس وادعاء معاوية بن أبي سفيان فيُتَصَوَّرُ بدواً بأنّ أبا بكر هو اسم لأحد ولد علي بن أبي طالب ، والأرجح أن يكون ابن ليلى النهشلية ، لأ نّه ليس بين ولد الإمام علي من سُمِّي أو كُنِّي بأبي بكر غير هذا .
وهذا الخبر سيدعونا إلى القول بأن اسم أبي بكر قد أطلق على ابن ليلى النهشلية منذ زمان معاوية بن أبي سفيان لا بعد واقعة كربلاء كما يستفاد من تحليلنا السابق .
لكن هذا الكلام هو الآخر غير صحيح ، لأنّ التسمية أعّم من الاسم والكنية واللقب ، وأنّ رسول الله حينما أمرنا بتحسين الأسماء عنى أيضاً تحسين الكنى والألقاب أيضاً ، ومثله قوله تعالى (وَلاَ تَنَابَزُواْ بِالاَْلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ)فهو لا يعني عدم التنابز بالألقاب بما هي القاب ، بل يعني عدم التنابز بالأسماء والكنى والألقاب معاً .
مضافاً إلى ذلك وجود هذه الجملة في نسخة (جـ) من كتاب سليم بن قيس : (إنك قد سميت ثلاثة بنين لك ، كنيت أحدهم أبا بكر ، وسميت الاثنين عمر وعثمان) وهو مُبَعِّدٌ أن يكون أبو بكر اسماً لابن ليلى النهشلية .
ويضاف إلى ذلك أنّ لفظة الاسم تطلق على الكنية أيضاً ، إذ أخرج مسلم والبخاري بسنديهما عن سهل بن سعد الساعدي أ نّه قال في علي : والله ، إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) سماه بأبي تراب ، ولم يكن له اسم أحبّ إليه منه(1) .
ومما يمكن احتماله في أبي بكر بن علي أيضاً هو وقوع الالتباس على المؤرخين والنسابة وأصحاب المقاتل وخلطهم بين ولد عبدالله بن جعفر وبين ولد الإمام علي بن أبي طالب أو بين أبو بكر بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب
____________
1- صحيح البخاري 3 : 1358 ح 3500 ، 5 : 2316 ح 5924 ، صحيح مسلم 4 : 1874 ح 2409 .
________________________________________ الصفحة 417 ________________________________________
وبين المكنّى بأبي بكر : أعني عبدالله بن عليّ ابن ليلى النهشلية ـ زوجة عبدالله بن جعفر بعد الإمام عليّ ـ .
لأن المعروف بأنّ عبدالله بن جعفر قد تزوّج ليلى النهشلية بعد الإمام علي ، فقد جمع بين زوجة علي (ليلى) وبنته (زينب) ، وأنّ أولاد ليلى النهشلية وزينب بنت علي بن أبي طالب وأولاد غيرهم من نساء عبدالله بن جعفر كانوا مع الحسين بن علي في كربلاء ، لأنّ عبدالله بن جعفر كان قد سمح لولده بأن يخرجوا مع الحسين ، فليس من البعيد أن يخلط النسابة والمؤرّخون بين أبي بكر بن عبدالله بن جعفر وبين أحد ولد علي من ليلى النهشلية ، المسمى بعبدالله ويطلقوا عليه لقب أبي بكر .
وقد يكون هذا الأمر مقصوداً من قبل بعض المؤرّخين والنّسابة لكي يكملوا أسماء الثلاثة في ولد علي .
ولعلَّ المسمّى بعبدالله أو محمّد ابن ليلى النهشلية لم يكن ابناً لعلي بل هو ابن عبدالله بن جعفر .
وقد يكون هذا هو أخو عبدالله بن جعفر ، لأنّ أ مّهم أسماء بنت عميس قد تزوّجها الإمام علي بعد أبي بكر ، وكان لها ولدان من جعفر بن أبي طالب باسم محمّد :
محمّد الأكبر الذي قتل مع عمه علي في صفين وقيل بتستر .
والآخر محمّد الأصغر المقتول مع ابن عمه الحسين في كربلاء .
وقد يقال أيضاً بأنّ ما حكوه عن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب وأ نّه سَمَّى أحد ولده بأبي بكر ، أ نّها كانت كنية لمن اسمه محمّد الأصغر من ولده المقتول في كربلاء .
وعليه فلا يستبعد أن يختلط ولد ليلى الدارمية النهشلية من علي ، مع ولدها من عبدالله بن جعفر ، وقد يمكن أن ينسب ولد عبدالله بن جعفر الآخرين إلى جدّتهم أسماء بنت عميس ، وقد ينسب ولد أسماء من غير علي إلى الإمام علي ،
________________________________________ الصفحة 418 ________________________________________
وبالعكس .
وقد يكون أبو بكر بن علي هذا هو عبدالله بن الحسن بن علي بن أبي طالب المكنّى بأبي بكر والمستشهد في كربلاء ، وذلك لاتحاد ما قيل فيهما .
وعلى أيّ حال فحياة أبي بكر بن علي بن أبي طالب لم تكن واضحة المعالم ـ كأخيه عمر الاطرف ـ ولم يكن له دورٌ مهمّ كالعباس أو مسلم بن عقيل أو زهير بن القين أو غيرهم من أصحاب الحسين ، ولم يكن قتله مفجعاً كقتل عبدالله الرضيع بن الحسين بن علي ، فهذه العلل واختلاط اسمه وكنيته مع اسم وكنية الآخرين ، كلّ هذه الامور لا تجعل حياته واضحة تماماً كحياة غيره من أبطال كربلاء ، ولأجله لم يسلّط خطباء المنبر الحسيني الضوءَ على شخصيته كما يسلّطون الضوء على كبار رجالات كربلاء .
فأبو بكر بن علي لم يثبت قتله في كربلاء ، بل إنّ شهادته مشكوك فيها ، حتى أنّ الشيخ شمس الدين ذكره كما ذكر عمر بن علي الأطرف ضمن العشرة المشكوك في قتلهم(1) .
وعليه فعدم ذكرهم جاء لهذه العلل والأسباب ، لا لتكنيِّه بأبي بكر ـ كما يريد البعض أن يصور ذلك ـ والخطباء يتعرضون إلى الشخصيات البارزة والمهمة في واقعة كربلاء مثل موقف زينب ، وخطبة علي بن الحسين في مجلس يزيد ، ودخول مسلم إلى الكوفة ، وأخبار ساقي عطاشى كربلاء العباس(عليه السلام) وأمثالها ، فإنّ تلك المواقف لم تكن كمواقف أبي بكر بن علي ، أو عمر بن علي ، أو عثمان بن علي وهؤلاء ـ على فرض شهادتهم ـ فهم شهداء كغيرهم من الشهداء .
هذا ، مع أنّ الخطباء لا يذكرون جميع الشهداء ; إذ ترى بين الشهداء من هم من أولاد جعفر بن أبي طالب وعقيل بن أبي طالب وغيرهم ، واسمائهم غير اسماء الثلاثة ومع ذلك لا يُذكَرون بأجمعهم ، فالخطباء لا يذكرون إلاّ العِينة من الشهداء ،
____________
1- انظر أنصار الحسين : 136 .
________________________________________ الصفحة 419 ________________________________________
وهذا لا يعني عدم احترامهم وتجليلهم للشهداء غير المذكورين على المنابر ، فكيف بمن شك في قتله في كربلاء مثل : أبي بكر بن علي ، وعمر بن علي .
فعمر بن علي بن الصهباء التغلبية لم يثبت مشاركته في الطف فضلاً عن شهادته ، بل أن أمر شهادته لا يختلف عما قيل في أخيه أبي بكر بن علي ووقوع التصحيف فيه ، فلا يستبعد أن يصحفوا عمرو بن الحسن بن علي إلى عمر ثم يسقطو اسم الحسن فيقولوا بوجود عمر بن علي بن أبي طالب في كربلاء ، في حين أن المستشهد هو ابن أخيه : عمرو = عمر بن الحسن بن علي بن أبي طالب لا عمر بن علي بن أبي طالب .
وهذا ما قالوه أيضاً في أبناء الإمام الحسين وأن له ابنان باسم أبي بكر وعمر في حين لم يثبت هذا الأمر ولو كان فهما للإمام الحسن لا الحسين حسبما مر الكلام عنه قبل قليل .
وبهذا فقد عرفت حال أبو بكر بن علي بن ليلى النهشلية ، وأنّه لم يكن له دور كغيره من أبطال كربلاء ، كما شكّ في قتله ، وعلى فرض كونه من شهداء كربلاء ، فدوره ليس بأكبر من أدوار عبدالله وجعفر وعثمان أبناء أمّ البنين الذين لم يُسَلَّط الضوء عليهم حينما ننقل وقائع كربلاء كما يُسلَّط على أخيهم العباس السقّاء . كل ذلك بعد الوقوف على أقوال البعض وأ نّهم يشككون في مقتله .
إذن الحساسية لم تكن مع أسمائهم ـ بما أنّها أسماء تطابق لأسماء الثلاثة ـ بل لعدم وجود أدوار رئيسة لهم ، كغيرهم من رجالات كربلاء .
نعم ، إنّ خطباء المنبر الحسيني يذكرون هذه الاسماء في السنة مرة ، يوم عاشوراء ، أي عند قراءتهم للمقتل الحسيني في اليوم العاشر ، أ مّا في غير تلك المناسبة فيقتصرون على نقل المشاهد الهامة من واقعة كربلاء كمواقف العباس وزينب و ...
بهذا أختم جوابي عن السؤالين المطروحين سابقاً ، وأقول لمن يثير هكذا شبهات :
________________________________________ الصفحة 420 ________________________________________
ثم يأتي اسم عثمان ، وقد وضع هذا الاسم من قبل الإمام بعد مقتل عثمان لا لعثمان ابن عفان بل لعثمان بن مظعون .
ثم يأتي الاسم الثالث وهو المشتهر بأبي بكر ، وهذا آخر من تسمى وتكنى بأسماء الثلاثة . و إنّ معرفتنا بولادة هؤلاء الثلاثة من ولد الإمام علي يدلّنا على عدم وجود الترتيب في أسماء الثلاثة ، ويثبت كذب من قال أنّ الإمام(عليه السلام) سمّاهم بالترتيب مستدّلاً على وجود المحبّة بين الإمام علي والثلاثة .
فلم أقف بين تلك الأسامي على عمر الأصغر ، وعمر الأكبر ، أو جعفر الأصغر ، وجعفر الأكبر .
مع أ نّه ذكر ثلاثة أولاد سمّوا بمحمد : 1 ـ محمّد بن الحنفية ، 2 ـ محمّد الأصغر ، 3 ـ محمّد الأوسط ، وبنتان سمّيتا بزينب : زينب الكبرى وزينب الصغرى ، وأم كلثوم الكبرى ، وأم كلثوم الصغرى ، ورملة ، ورملة الصغرى ، ورقية ، ورقية الصغرى .
فلو كان للإمام عُمَران أو عثمانان أو جعفران أو أي شي آخر لذكره الزرباطي كما شاهدناه في محمّد ، وزينب ، وأم كلثوم ، ورملة ، ورقية .
إنّ ما جاء به الزرباطي كان أقصى ما يمكن أن يقال في ولد الإمام علي ، لأ نّه جمع بين الثابت والمنسوب من ولد علي ، إذ لم نقف على ولد للإمام علي أكثر
________________________________________ الصفحة 421 ________________________________________
مما جاء في هذا الجمع بين روايتي المفيد والشبلنجي ، وهو يؤكّد بأنّ زيادة شيخ الشرف هي زيادة منه لم يوافقه عليها الآخرون ، وكلامنا هذا يؤيده ما جاء في كتب الزيدية وخصوصاً ما جاء في كتاب (الاحكام) ليحيى بن الحسين الزيدي والذي مّر سابقاً حين الكلام عن عمر الأطرف ، قال يحيى بن الحسين : بلغنا عن علي بن أبي طالب أ نّه دعا بنيه وهم أحد عشر رجلاً أولهم : الحسن بن علي ، والحسين ، ومحمّد الأكبر ، وعمر ، ومحمّد الأصغر ، وعباس ، وعبدالله ، وجعفر ، وعثمان ، وعبيدالله ، وأبو بكر بنوا علي بن أبي طالب ...(1) .
إن من أراد القول بأن للإمام عمَرين أو عثمانين أو جعفرين أراد أن يجمع بين شتى الأقوال ; لأ نّه رأى عند الذهبي السني مثلا كلمة عمر الأكبر ، وعند الآخر عمر الأصغر ، فأراد الجَمْعَ بينهما والقول بأنّ هناك عمرين ، وازداد عزماً على هذا الجمع حينما وقف على أنّ أحدهما عاش إلى سنة ثمانين أو خمسة وثمانين والآخر قتل في الطف ، ومن هؤلاء كان الشيخ النمازي الذي قال في (مستدركات علم الرجال) وبعد أن ذكر قول ابن الجوزي في (تذكرة الخواص) : أقول : يستفاد من تصريحه بعمر الاكبر وأ نّه عاش خمساً وثمانين : أ نّه لم يكن من شهداء الطفّ ، وأنّ له(عليه السلام) عمر الأصغر وهو من الشهداء .
فله ابنان يسميان بعمر : الأصغر والأكبر .
فالأصغر أمه الصهباء كان من شهداء الطف .
والأكبر بقي إلى خمس وثمانين سنة ، فيكون له عُمَران ، كما أنّ له محمَّدين : أحدهما من شهداء الطف ، والثاني محمّد بن الحنفية ـ بل له ثلاثة أولاد تسمي بمحمد ـ وكما أنّ له عباسيين وعثمانيين وجعفرين ، ... ، ولمولانا علي بن الحسين : الحسين ، والحسين الأصغر ، وكذلك غيرهم(2) .
____________
1- الأحكام 2 : 524 .
2- مستدركات علم رجال الحديث 6 : 102 .
________________________________________ الصفحة 422 ________________________________________
والعجيب من الشيخ النمازي أنّه لا يفطن إلى أنّ الصهباء كانت ـ في احدى الاقوال ـ من سبي اليمامة أي في سنة 11 ـ 12 للهجرة ، وأن عمر الأطرف ولد حينما قام عمر بين سنة 12 إلى 24 .
فكيف يكون من ولد في سنة 14 للهجرة هو الأصغر عند واقعة الطف الواقعة في سنة 61 .
بل من هي أم عمر الأكبر وما اسمها ، ومتى تزوجها الإمام ؟! فلو أراد القائل إثبات كونه أكبر من ابن الصهباء كان عليه أن يذهب إلى ولادته قبل أخذ أسرى عين التمر أو اليمامة ، أي أن تكون ولادته قبل زمن أبي بكر ، وفي زمن رسول الله ، وللزم عليه أن يكون أكبر من محمّد ابن الحنفية ، مع أ نّا لم نقف على اسم عمر بين ولد فاطمة ، أو أُمامة ، أو خولة ، أو أسماء ، وكذا الحال لم نقف على اسمه بين من هي أم ولد من إماء الإمام علي .
وكذا ليس من الثابت أنّ للإمام(عليه السلام) عثمانين وجعفرين وعباسين ، بل هي من زيادات شيخ الشرف انفرد بها ولم يوافقه عليها أحد .
وعليه فالاختلاف في اسمه وأ نّه هل هو محمّد الأصغر ، أو عبدالله ، وكذا الشك في مقتله(1) ، وأيضاً الشك في مقتل محمّد الأصغر الذي هو من أم ولد أو من ليلى النهشليه(2) ، وعدم وجود دور بارز مشهود لأبي بكر بن علي أو عمر بن علي كدور أبي الفضل العباس وغيرها من الأمور ، كلها جعلتهم لا يأتون باسم عمر وأبي بكر ابني علي بن أبي طالب في المجالس الحسينية إلاّ قليلا .
ونحن بهذا الكلام قد فنّدنا ما أثاره البعضُ من شبهات في موضوع التسمية ، و إليك الآن الكلام عن القسم الثاني وهو موضوع التكنّي بأبي بكر .
____________
1- أعيان الشيعة 1 : 610 .
2- قاموس الرجال 9 : 125 ، عن مصعب الزبيري ، قال : محمد الاصغر درج ، واُمه أم ولد .1 ـ أَمامة بنت أبي العاص2 ـ خولة بنت جعفر = (أمّ محمّد بن الحنفية)1 ـ قال قوم ـ منهم أبو الحسن علي بن محمّد بن سيف المدائني ـ : هي سبية في أيام رسول الله ، قالوا : بعث رسول الله عليّاً إلى اليمن فأصاب خولة في بني زبيد ، وقد ارتدُّوا مع عمرو بن معدي كرب ، وكانت زبيد سبتها من بني حنيفة في غارة لهم عليهم ، فصارت في سهم عليٍّ ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إن ولدت منك2 ـ وعن أسماء بنت عميس أنّها قالت : رأيت الحنفيّة سوداء ، حسنة الشعر ، اشتراها أمير المؤمنين علي بذي المجاز ـ سوق من أسواق العرب ـ أوآن مَقْدَمَهُ من اليمن ، فوهبها لفاطمة(4) .3 ـ إنّها من سبي اليمامة ـ في الحرب التي وقعت على مسيلمة الكذّاب بين بني حنيفة وأبي بكر في زمان حكومته ـ(1) .4 ـ وقال قوم أنها سبية من سبايا الردة ، قوتل أهلها على يد خالد بن الوليد في1 ـ عمر بن علي1 ـ عبدالله .2 ـ عبيدالله .3 ـ عمر .1 ـ عمر الأطرف .2 ـ عمر بن محمّد بن عمر الأطرف .3 ـ عمر المنجوراني بن محمّد بن عبدالله بن محمّد بن عمر الأطرف .4 ـ عمر الموضح النسابة بن علي بن الحسين بن عبدالله بن محمّد الصوفي بن يحيى الصالح بن عبدالله بن محمّد بن عمر الأطرف .2 ـ رقيّة بنت عليّ = أمُّ طفلي مسلم بن عقيل3 ـ أسماء بنت عميس = أم يحيى1 ـ أن يكونا اسمين لشخصين أحدهما ابن جعفر ، والآخر ابن علي(4) ، وقد يكونا ـ محمد وعون ـ اسمان لشخص واحد ، سمّت أحدهما الأم والآخر هو تسمية الأب ، وهذا جائز عند العرب حسبما فصّلناه سابقاً .2 ـ أن يكونا ابني زوجها الأوّل جعفر بن أبي طالب ، فنسـبا إلى الإمام عليّ لأ نّهـما ربيباهُ وابنا أخيه ، وأنّ الإمام كان بمنزلة الأب لهما .1 ـ من ذكر يحيى بن علي فقط2 ـ من ذكر معه أسماءَ آخرين4 ـ أم البنين الكلابية = أم العباس وعبدالله وعثمان وجعفر1 ـ أبو الفضل العباس : وهو أكبر أولاد أمّ البنين ، وقد ولد سنة 26 للهجرة ـ على المشهور ـ وكان عمره الشريف أيام واقعة الطف أربعاً وثلاثين ، أو خمساً وثلاثين عاماً ـ على المشهور ـ وكان عمره أ يّامَ شهادة أخيه الحسن 24 سنة ، ونقل عنه أنّه لمّا رأى جنازة أخيه الحسن(عليه السلام) تُرمى بالسهام من قِبَلِ بني مروان أراد البطش بهم فنهاه الحسين(عليه السلام)(3) .2 ـ عبدالله : وقد ولد هذا بعد أخيه العباس بثمان سنين ، وكان عمره وقت الشهادة خمساً وعشرين سنة(4) ، ولا يخفى عليك بأنّ لعبدالله أخاً من ليلى النهشلية سميه كان يكنّى بأبي بكر ، وكان أصغر منه ، استشهد في كربلاء ، وقد وقع الخلط والالتباس بين هذين كثيراً كذلك ، وسنتكلّم عنه لاحقاً(5) .3 ـ عثمان : وهو الثالث من ولد أمّ البنين ، وقد ولد بعد أخيه عبدالله بسنتين ، وكان عمره وقت الشهادة ثلاثة وعشرين سنة(6) .4 ـ جعفر : ولد بعد عثمان بسنتين ، وكان عمره الشريف وقت الشهادة إحدى وعشرين سنة .5 ـ ليلى النهشلية = أم أبي بكر وعبيدالله1 ـ عبيدالله (أبو علي) .2 ـ عبدالله أو محمّد (أبو بكر) .1 ـ إن لليلى النهشلية ابنين من الإمام علي اسم أحدهما : عبيدالله وكان يكنّى بأبي علي ، والآخر أبو بكر واسمه عبدالله أو محمّد ، وقد وقع التصحيف كثيراً عند المؤرخين والنسابة بين اسم عبدالله وعبيدالله وكذا العكس ، وهو تصحيف كثير الوقوع .2 ـ اختلافهم في مقتل عبيدالله بن علي ، فمنهم من قال أنّه استشهد مع أخيه الحسين في كربلاء ، والآخر قال أنّه قتل بالمذار مع مصعب بن الزبير ، قتله المختار بن أبي عبيد .3 ـ إنّ عبيدالله وأبا بكر لا عقب لهما ، وشكّك الطبري وغيره في هذا الكلام .4 ـ إنّ ليلى النهشلية تزوّجها عبدالله بن جعفر بعد الإمام علي ، وبذلك يكون عبدالله بن جعفر قد جمع بين بنت الإمام علي ، (زينب المكناة بأم كلثوم) وزوجته(عليه السلام) (ليلى) .5 ـ ظاهر النصوص السابقة تشير إلى أن أبا بكر بن علي هو اسمٌ لابن ليلى النهشلية ، لكنّا لا نستبعد أن تكون كنية له ـ لكونها تشابه ما قاله الموضح النسابة 13 ـ عبدالله أو عبيدالله الشهيدين بكربلاء ، أ مّهما ليلى بنت مسعود النهشلية . 14 ـ 15...) (2) ، إلى غيرها من أسماء أولاد الإمام علي ، هذا من جهة .1 ـ عرفت على ضوء الصفحات السابقة بأنّ الإمام عليّاً لم يُسّمِ ابنه بعمر ، بل إنّ عمر بن الخطاب هو الذي طلب من الإمام علي أن يهبه تسمية ولده ، بعمر ، وبذلك يكون اسم عمر هو الاسم الأول من أسماء الثلاثة في أولاد الإمام علي .2 ـ لم يثبت وجود ولدين للإمام علي باسم عمر أو عثمان أو جعفر ، ومَن أراد التأكُّد من صحّة كلامنا فليراجع كتاب (الجريدة في أصول أنساب العلويين) للسيّد حسين الزرباطي فإنّه(رحمه الله) سعى أن يحصل على أكبر عدد من ولد الإمام علي ، فجمع بين روايتي المفيد في (الإرشاد) والشبلنجي في (نور الأبصار) فذكر خمسة عشر ابنا وإحدى وعشرين بنتاً ، فصاروا 36 شخصاً .
________________________________________ الصفحة 328 ________________________________________
زوجات الإمام علي وأمهات أولاده :
أبوها : لقيط ـ وقيل مقسم وقيل غيره ـ ابن الربيع بن عبدالعزى بن عبدشمس بن عبدمناف بن قصي القرشي العبشمي الشهير بأبي العاص ، وأبو العاص هو ابن هالة أُخت خديجة بنت خويلد أم المؤمنين(1) .
أ مّها : زينب بنت رسول الله ، وبذلك تكون فاطمة الزهراء هي خالة أُمامة بنت زينب بنت رسول الله .
وكان رسول الله يحبّها وربّما حملها على عنقه في الصلاة(2) .
وكان النبيّ(صلى الله عليه وآله) قد زوّج أكبر بناته زينبَ من أبي العاص العبشمي قبل الإسلام فولدت له عليّاً وأُمامة ، وعليّ مات صبياً ، وأُمامة بقيت حتّى تزوجها الإمام علي بعد فاطمة الزهراء بوصية منها(عليها السلام)(3) ، فهي أوّل زوجة لعليّ بعد وفاة الزهراء ، لأنّ الزهراء أوصت بها خيراً وقالت (إنّها تكون لولدي مثلي)(4) .
قال ابن كثير عند ترجمته لأبي العاص : وقد توفّي في أيام الصدّيق سنة اثنتي عشرة ، وفي هذه السنة تزوّج علي بن أبي طالب بابنته أمامة بنت أبي العاص ، بعد وفاة خالتها فاطمة ، وما أدري هل كان ذلك قبل وفاة أبي العاص أو بعده والله أعلم(5) .
وغالب نصوص المؤرّخين تخطّئ ما ذهب إليه الذهبي من أ نّه(عليه السلام) تزوّجها
____________
1- انظر الترجمة 8627 من تاريخ دمشق 67 : 3 لابي العاص بن الربيع .
2- انظر الطبقات الكبرى 8 : 39 ، الاستيعاب 4 : 1788 الترجمة 3236 ، والمتن منه .
3- أسد الغابة 5 : 400 ، تاريخ دمشق 67 : 4 ، تهذيب الأسماء 2 : 599 .
4- روضة الواعظين : 151 ، مستدرك الوسائل 2 : 360 ح 4 ، عن كتاب سليم بن قيس : 392 .
5- البداية والنهاية 6 : 354 .
________________________________________ الصفحة 329 ________________________________________
في إمرة عمر بن الخطاب(1) ، لأنّ الزهراء(عليه السلام) استشهدت في أمرة أبي بكر بلا خلاف عند الأعلام .
هذا ، وقد ذكرت كتب التراجم والتاريخ أنّ الزبير بن العوام زوّج علياً منها ، لأنّ والدها كان قد أوصى بابنته إلى الزبير أن يزوجها(2) ، فمكثت عند الإمام ثلاثين سنة ولم تلد له حتى استشهد(3) .
قال الطبري والمقريزي : إنّ أُمامة ولدت لعلي محمّداً الأوسط(4) ، وقال الزبير بن بكار : لم تلد له(5) .
وروى الطبراني بسنده عن محمّد بن عبدالرحمن بن المغيرة : أنّ الإمام عليّاً قال لأُمامة : لا تتزوّجي [بعدي] فإن أردتِ الزَّواج فلا تخرجي من إمرة المغيرة بن نوفل(6) ، فخطبها معاوية بن أبي سفيان ، فجاءت إلى المغيرة تستأمره ، فقال لها : أنا خير لك منه فاجعلي أمرك إليَّ ، ففعلت ، فدعا رجالاً فتزوَّجها ، فهلكت أُمامة بنت أبي العاص عند المغيرة بن نوفل ولم تلد له ، فليس لزينب عقب(7) .
وفي الاستيعاب : إنّ عليّاً أَمَرَ المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب أن يتزوج أمامة بنت أبي العاص بن الربيع زوجته بعده ، لأ نّه خاف أن يتزوّجها معاوية ، فتزوّجها المغيرة ، فولدت له يحيى وبه كان يكنّى ، وهلكت عند المغيرة ،
____________
1- انظر سير اعلام النبلاء 1 : 335 الترجمة 71 ، وتاريخ الإسلام 4 : 24 الترجمة 4 .
2- الإصابة 7 : 501 الترجمة 10882 ، الاستيعاب 4 : 1788 الترجمة 3236 ، مجمع الزوائد 9 : 254 .
3- تاريخ دمشق 67 : 4 .
4- تاريخ الطبري 3 : 162 ، الكامل في التاريخ 3 : 263 .
5- امتاع الاسماع للمقريزي 5 : 367 .
6- جاء في أسد الغابة4 : 408 : هو الذي ألقى القطيفة على ابن ملجم لمّا ضَرَبَ علياً ، فإن الناس لما هموا بأخذ ابن ملجم حمل عليهم بسيفه فأفرجوا ، فتلقاه المغيرة فألقى عليه قطيفة كانت معه ، واحتمله وضرب به الأرض وأخذ سيفه ، وكان شديد القوة ... واُنظر الأصابة 6 : 200 .
7- المعجم الكبير للطبراني 22 : 443 ح 1083 . ومعناه انّ عقب رسول الله انحصر في السيّدة فاطمة الزهراء فقط ، ولا عقب لأُختها زينب اليوم لا من أمامة ولا من غيرها .
________________________________________ الصفحة 330 ________________________________________
وقد قيل أ نّها لم تلد لعليٍّ ولا للمغيرة ، وكذلك قال الزبير بن بكار : أ نّها لم تلد للمغيرة بن نوفل ، قال : وليس لزينب عقب(1) .
وقال السيّد محسن الامين : روى الكليني في باب النكاح من الكافي بسنده عن أبي جعفر أنّ في أولاد عليّ بن أبي طالب محمّد بن علي الأوسط ، أُمّه أمامة بنت أبي العاص ، وهو ينافي القول المنقول في الاستيعاب كما مرّ من أ نّها لم تلد لعلي(عليه السلام) ...(2)
وبنظرنا أ نّها لم تلد لا لعليّ ولا للمغيرة(3) ، بل ماتت ولا عقب لها ، ولم اقف على رواية الكليني في الكافي حتى أناقشها ، ولا ضرورة لبيان أدلّتنا في أ نّها ماتت بلا عقب ; لأ نّه لا يمسّ أصل بحثنا . المهمّ أنّ أمامة هي زوجته الأولى بعد فاطمة وليس له ولد منها حسب نظرنا ، وان كان هناك من يخالفنا من المؤرخين والنسابه و يذهب إلى وجود لها ولد من الإمام علي اسمه محمّد الأوسط(4) .
أبوها : جعفر بن قيس بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنفية بن لُجَيم(5) بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب
____________
1- الاستيعاب 4 : 1789 .
2- أعيان الشيعة 3 : 474 .
3- انظر في ذلك الإصابة 7 : 503 .
4- اُنظر مناقب الكوفي 2 : 49 ، مناقب بن شهرآشوب 3 : 89 ، كشف الغمة 2 : 68 ، بحار الأنوار 42 : 92 عن كتاب الإمامة للنوبختي ، أنساب الأشراف 2 : 413 ، تاريخ الطبري 3 : 162 ، الكامل في التاريخ 3 : 263 ، طبقات ابن سعد 3 : 20 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 213 وفيه محمّد الأصغر من أمامة ، مطالب السؤول : 314 ، امتاع الاسماع 6 : 292 ، المنتظم 5 : 69 ، ذخائر العقبى : 117 ، سمط النجوم العوالي 3 : 74 ، صفة الصفوة 1 : 309 ، تلقيح فهوم أهل الأثر : 80 .
5- تاريخ الطبري 3 : 162 ، أنساب الأشراف 2 : 421 ، وفيه ، من الدؤل بن حنيفة ، طبقات ابن سعد 3 : 19 ، 5 : 91 وفيهما : مسلمة بن ثعلبة ...
________________________________________ الصفحة 331 ________________________________________
بن أفصى بن دعميّ بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معدّ بن عدنان(1) .
أمها : أسماء بنت عمرو بن أرقم بن عبيد بن ثعلبة من بني حنيفة(2) .
الأقوال فيها ، وهل أ نّها زوجة للإمام علي أم مملوكة
قيل أ نّها زوجته وقد تزوّجها الإمام عليٌّ بعد أُمامة ، وقيل بأ نّه (عليه السلام) لم يتزوّجها بل بقيت أُمَّ ولد عنده :
ومما يستدل به على كونها زوجة حرّة قول السيد المرتضى في (تنزيه الأنبياء) استناداً على ما ذكره البلاذري في (انساب الاشراف) بسنده عن خراش بن إسماعيل العجلي ، قال : أغارت بنو أسد بن خزيمة على بني حنيفة فسبوا خوله بنت جعفر ، وقدموا بها المدينة في أول خلافة أبي بكر فباعوها من علي ، وبلغ الخبر قومها ، فقدموا المدينة على علي فعرفوها وأخبروه بموضعها منهم ، فأعتقها [علي] ومهرها وتزوجها فولدت له محمّداً ابنه(3) .
وفي الاصابة لابن حجر وغيره بأنّ هذا السبي كان على عهد رسول الله وأنّ رسول الله رآها في منزله فضحك ، ثم قال : يا علي ، أ مّا إنك تتزوّجها من بعدي ، وستلد لك غلاماً فسمِّه باسمي وكَنِّهِ بكنيتي و ...(4) .
أ مّا الاقول التي قيلت بأ نّها كانت سبية وبقيت كذلك فهي :
____________
1- التجبير في المعجم الكبير 2 : 341 ، الباب في تهذيب الأنساب 1 : 397 .
2- مناقب الكوفي 2 : 48 ، وانظر سر السلسلة العلوية : 81 ، عمدة الطالب : 353 .
3- تنزيه الأنبياء : 191 عن أنساب الأشراف 2 : 422 .
4- الإصابة 7 : 617 الترجمة 11108 .
________________________________________ الصفحة 332 ________________________________________
غلاماً فسمّه باسمي ، وكنِّه بكنيتي ، فولدت له بعد موت فاطمة محمّداً ، فكناه أبا القاسم(1) .
وقد جاء ما يدلّ على هذا المعنى فيما كتبه الإمام عليّ(عليه السلام) كي يقرأ على الناس يوم الجمعة :
ولولا خاصّةٌ بينه [أي بين أبي بكر] وبين عمر وأمرٌ كانا رضياه بينهما لظننت أ نّه لا يعدله عنّي وقد سمع قول رسول الله لبريدة الأسلمي حين بعثني وخالد بن الوليد إلى اليمن وقال : إذا افترقتما فكلّ واحد منكما على حياله و إذا اجتمعتما فعليّ عليكم جميعاً ، فاغرنا وأصبنا سبياً فيهم خويلة [خولة] بنت جعفر جار الصفا ـ وانّما سمي جار الصفا من حسنه ـ فأخذتُ الحنفية خولة ، واغتنمها خالدٌ منّي(2) ، وبعث بريدة إلى رسول الله محرِّشاً عَلَيَّ فأخبره بما كان من أخذي خولة ، فقال : يا بريدة ! حظّه في الخمس أكثر ممّا أخذ ، إنّه وليّكم بعدي ، سمعها أبوبكر وعمر وهذا بريدة حيّ لم يمت ، فهل بعد هذا مقال لقائل(3) ؟!
____________
1- شرح نهج البلاغة 1 : 244 وعنه في بحار الأنوار 42 : 99 . وانظر جمل من أنساب الأشراف للبلاذري 2 : 421 .
2- أي اغتنمها فرصةَ منّي للإيقاع بي عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) .
3- كشف المحجّة : 177 ـ 178 ، عن رسائل الكليني ، وبحار الأنوار 30 : 12 ح 1 عن كشف المحجة وتوجد فقرات منه في نهج البلاغة .
4- سر السلسلة العلوية : 81 وعنه في عمدة الطالب : 353 ، سير أعلام النبلاء 4 : 110 عن الواقدي وفيه زيادة : فوّهبها لفاطمة فباعتها فاشتراها مكمل الغفاري فولدت له عونة ، وذكر البلاذري في الأنساب 2 : 424 : وزعم بعضهم أن اُخت محمّد بن علي (لامه) عوانة بنت أبي مكمل من بني عفان . وباعتقادي أنّ التي روت الخبر هي سلمى بنت عميس ، أو سلامة ، لا أسماء ، لأنّ اسماء بنت عميس كانت مع زوجها جعفر بن أبي طالب في الحبشة .
________________________________________ الصفحة 333 ________________________________________
فقد حكى أبو نصر البخاري عن ابن الكلبي ، عن خراش بن إسماعيل : أنّ خولة سباها قوم من العرب في سلطان أبي بكر ، فاشتراها أُسامه بن زيد وباعها من عليّ ، فلمّا عرف عليٌّ صورَتَها أعتقها وأمهرها وتزوّجها ، فقال ابن الكلبي فيما زعم البخاري : من قال أنّ خولة من سبي اليمامة فقد أبطل(2) .
وقال البلاذري بسنده عن خراش بن إسماعيل العجلي ، قال : أغارت بنو أسد بن خزيمة على بني حنيفة فسبوا خولة بنت جعفر ثم قدموا بها المدينة في أول خلافة أبي بكر فباعوها من علي ، وبلغ الخبر قومها فقدموا المدينةَ على علي فعرفوها وأخبروه بموضعها منهم ، فأعتقها (علي) ومهّرها وتزوّجها ، فولدت له محمّداً ابنه ... وكناه أبا القاسم ، وهذا القول هو اختيار أحمد بن يحيى البلاذري في كتابه أنساب الأشراف ، إذ قال : وهذا أثبت من خبر المدائني(3) .
وفي المعارف لابن قتيبة والطبقات لابن سعد وغيرهما : أ نّها كانت أمةً من سبي اليمامة فصارت إلى عليّ ، وأ نّها كانت أَمةً لبني حنيفة سنديّة سوداء ولم تكن منهم ، و إنّما صالحهم خالد بن الوليد على الرقيق ولم يصالحهم على أنفسهم(4) .
____________
1- المعارف : 210 ، طبقات ابن سعد 5 : 91 ، تاريخ دمشق 54 : 323 ، سير أعلام النبلاء 4 : 110 ، المنتظم 6 : 228 ، عمدة القارئ 16 : 187 ، عون المعبود 1 : 59 ، الرياض النضرة 1 : 297 ، سمط النجوم العوالي 3 : 73 .
2- المنمق : 401 المجدي في أنساب الطالبيين : 196 ، عمدة الطالب : 352 ـ 353 . ويمكنك مراجعة كلام الكلبي في مثالب العرب : 109 ـ 110 .
3- أنساب الأشراف 2 : 422 وعنه ـ باختلاف يسير ـ في شرح النهج 1 : 244 ـ 245 وفيه : وهو الأظهر ، وعن الأخير في بحار الانوار 42 : 99 ـ 100 .
4- المعارف لابن قتيبة : 210 ، الطبقات الكبرى 5 : 91 ، تاريخ دمشق 54 : 323 ، وفيات الأعيان 4 : 169 ، المنتخب من ذيل المذيل للطبري 1 : 117 ـ 118 .
________________________________________ الصفحة 334 ________________________________________
أيام أبي بكر لمّا منع كثير من العرب الزكاة وارتدّت بنو حنيفة وادّعت نُبُوَّة مسيلمة ، وأنّ أبا بكر دفعها إلى علي(عليه السلام) من سهمه في المغنم(1) .
وقال ابن سعد في الطبقات : روي عن الحسن بن صالح ، قال : سمعت عبدالله بن الحسن يذكر أنّ أبا بكر أعطى علياً أمّ محمّد بن الحنفية(2) ...
وفي البداية والنهاية : سباها خالد أيام الصديق أيام الردة من بني حنيفة ، فصارت لعلي بن أبي طالب ، فولدت له محمّداً هذا(3) .
وقال السمعاني في (الانساب) عن محمّد بن الحنفية وأمه خوله : (وأ نّها كانت من سبي بني حنيفة ، أعطاه إياها أبو بكر ، ولو لم يكن إماماً لما صَحَّ قسمته ، وبهذا يستدل أهل السنة على الشيعة أنّ خولة كانت من سبي بني حنيفة وقسمها أبو بكر ، ولو لم يكن إماماً لما صح قسمته وتصرّفه في خمس الغنيمة ، وعلي(رضي الله عنه)أخذ خولة وأعتقها وتزوّج بها)(4) .
وقد رد ابن شهرآشوب والسيّد المرتضى وغيرهما شبهات السمعاني وأمثاله فقد حكى ابن شهرآشوب في (مناقب آل أبي طالب) : قال أبو بكر : خذها يا ابا الحسن بارك الله لك فيها ، فأنفدها علي إلى أسماء [سلمى] بنت عميس فقال : خذي هذه المرأة فأكرمي مثواها واحفظيها ، فلم تزل عندها إلى أن قدم أخوها فتزوّجها منه وأمهرها أمير المؤمنين وتزوّجها نكاحاً(5) .
وقال السيّد المرتضى في الشافي : فأ مّا الحنفية فلم تكن سبية على الحقيقة ، ولم يستبحها(عليه السلام) بالسِّبا ، لأ نّها بالإسلام قد صارت حرّة مالكة أمرها ، فأخرجها
____________
1- شرح النهج 1 : 244 ـ 245 وعنه في بحار الانوار 4 : 99 ـ 100 . وانظر عمدة الطالب 352 ـ 353 ، البدء والتاريخ 5 : 74 . ولا يخفى عليك بأنّ سبي اليمامة والردة واحد ، لكن فصلناهما لاختلاف النصوص .
2- طبقات ابن سعد 5 : 91 ، تاريخ دمشق 54 : 323 ، ذخائر العقبى : 117 .
3- البداية والنهاية 7 : 332 .
4- الانساب 2 : 281 .
5- مناقب آل أبي طالب 2 : 111 ـ 112 .
________________________________________ الصفحة 335 ________________________________________
من يد من استرقّها ثمّ عقد عليها عقد النكاح ، فمن أين أ نّه استباحها بالسِّبا دون عقد النكاح ؟! وفي أصحابنا من يذهب إلى أنّ الظالمين متى غَلَبوا على الدار وقهروا ولم يتمكّن المؤمن من الخروج من أحكامهم جاز له أن يطأ سبيهم و يُجْرِي أحكامهم مع الغلبة والقهر مجرى أحكام المُحقّين فيما يرجع إلى المحكوم عليه و إن كان فيما يرجع إلى الحاكم معاقَباً آثماً(1) .
لأنّ الردّة المزعومة لا توجب أحكام الكفر ، وأنّ منع الزكاة وأمثالها كان على التأويل ، فليس منه خروج عن ربقة الإسلام ، ولأنّ السبي لم يكن بأمر من وليّ الأمر(عليه السلام) ، فأعتقها بظاهر الحال ثم تزوجها وجعل لها المهر .
قال ابن حزم في (الإحكام) : إنّ خلاف عمر لأبي بكر أشهر من أن يجهله من له أقل علم بالروايات ، فمن ذلك خلافة إياه في سبي أهل الردة ، سباهم أبو بكر ، وبلغ الخلاف عن عمر له أن نقض حكمه في ذلك وردّهنّ حرائر إلى أهليهن إلاّ من ولدت لسيِّدها منهن ، ومن جملتهن كانت خولة الحنفية أم محمّد بن علي(2) .
وفي الخرائج والجرائح للقطب الراوندي عن دعبل الخزاعي قال : حدّثني الرضا ، عن أبيه ، عن جدّه (عليهم السلام) قال : كنت عند أبي الباقر (عليه السلام) إذ دخل عليه جماعة من الشيعة وفيهم جابر بن يزيد ، فقالوا : هل رضي أبوك عليّ [بن أبي طالب] (عليه السلام) بإمامة الأول والثاني ؟
فقال : اللهمّ لا .
قالوا : فلم نكح من سبيهم خولة الحنفية إذا لم يرض بإمامتهم ؟
____________
1- الشافي في الإمامة 3 : 271 .
2- الأحكام لابن حزم 6 : 798 ، اعلام الموقعين 2 : 235 ، أضواء البيان 7 : 325 ، وفي وفيات الأعيان 4 : 170 : ورأى أبو بكر سبي ذراريهم [أي العرب الذين ارتدوا على اصطلاحهم ]ونسائهم وساعده على ذلك أكثر الصحابة ، واستولد علي(رضي الله عنه) جارية من سبي بني حنيفة فولدت له محمّد بن علي الذي يدعى محمّد بن الحنفية ، ثم لم ينقرض عصر الصحابة حتى أجمعوا على أنّ المرتّد لا يُسْبَى .
________________________________________ الصفحة 336 ________________________________________
فقال الباقر (عليه السلام) : امض يا جابر بن يزيد إلى [منزل] جابر بن عبدالله الأنصاري فقل له : إنّ محمّد بن عليّ يدعوك .
قال جابر بن يزيد : فأتيت منزله وطرقت عليه الباب ، فناداني جابر بن عبدالله الأنصاري من داخل الدار : اصبر يا جابر بن يزيد .
قال جابر بن يزيد : فقلت في نفسي : من أين علم جابر الأنصاري أنّي جابر بن يزيد ولم يعرف الدلائل إلاّ الأئمّة من آل محمّد (عليهم السلام) ؟ والله لأسألنّه إذا خرج إليّ .
فلمّا خرج قلت له : من أين علمت أنّي جابر ، وأنا على الباب وأنت داخل الدار ؟
قال : [قد] خبّرني مولاي الباقر (عليه السلام) البارحة أ نّك تسأله عن الحنفية في هذا اليوم ، وأنا أبعثه إليك يا جابر بكرةَ غد أدعوك . فقلتُ : صدقتَ .
قال : سر بنا . فسرنا جميعاً حتّى أتينا المسجد . فلمّا بصر مولاي الباقر (عليه السلام) بنا ونظر إلينا ، قال للجماعة : قوموا إلى الشيخ فاسألوه حتّى ينبئكم بما سمع ورأى وحدث .
فقالوا : يا جابر هل رضي إمامك عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) بإمامة من تقدم ؟ قال : اللهمّ لا ، قالوا : فلم نكح من سبيهم [خولة الحنفية] إذا لم يرض بإمامتهم ؟
قال جابر : آه آه آه لقد ظننت أني أموت ولا أُسأَلُ عن هذا ، [والآن] إذ سألتموني فاسمعوا وعوا : حضرتُ السبي وقد اُدخلتِ الحنفية فيمن أُدخل ، فلمّا نظرت إلى جميع الناس عدلت إلى تربة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرنّت رنّةً وزفرت زفرةً ، وأعلنت بالبكاء والنحيب ، ثمّ نادت : السلام عليك يا رسول الله صلّى الله عليك ، وعلى أهل بيتك من بعدك ، هؤلاء أُمَّتك سبتنا سبي النوب والديلم ، و [الله] ما كان لنا إليهم من ذنب إلاّ الميل إلى أهل بيتك ، فجعلت الحسنة سيئة ، والسيئة حسنة فسبتنا .
ثمّ انعطفت إلى الناس ، وقالت : لم سبيتمونا وقد أقررنا بشهادة أن لا إله إلاّ
________________________________________ الصفحة 337 ________________________________________
الله ، وأنّ محمّد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟
قالوا : منعتمونا الزكاة .
قالت : هبوا الرجال منعوكم ، فما بال النسوان ؟ فسكت المتكلّم كأنما ألقم حجراً .
ثمّ ذهب إليها طلحة وخالد في التزوج بها وطرحا إليها ثوبين .
فقالت : لست بعريانة فتكسواني . قيل لها : إنهما يريدان أن يتزايدا عليك ، فأيهما زاد على صاحبه أخذك من السبي .
قالت : هيهات والله لا يكون ذلك أبداً ، ولا يملكني ولا يكون لي بعل إلاّ من يخبرني بالكلام الذي قلته ساعةَ خرجتُ من بطن أمّي . فسكت الناس ينظر بعضهم إلى بعض ، وورد عليهم من ذلك الكلام ما أبهر عقولهم وأخرس ألسنتهم ، وبقي القوم في دهشة من أمرها .
فقال أبوبكر : ما لكم ينظر بعضكم إلى بعض ؟ قال الزبير : لقولها الذي سمعت .
فقال أبوبكر : ما هذا الأمر الذي أحصر أفهامكم ، إنّها جارية من سادات قومها ولم يكن لها عادة بما لقيت ورأت ، فلا شكّ أ نّها داخلها الفزع ، وتقول ما لا تحصيل له .
فقالت : لقد رميتَ بكلامك غير مرمي ـ والله ـ ما داخلني فزع ولا جزع ، و الله ما قلت إلاّ حقّاً ، ولا نطقت إلاّ فصلا ، ولابدّ أن يكون كذلك ، وحقّ صاحب هذه البنية ما كَذِبْتُ ولا كُذِبْتُ . ثمّ سكتت وأخذ طلحة وخالد ثوبيهما ، وهي قد جلست ناحية من القوم .
فدخل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فذكروا له حالها ، فقال (عليه السلام) : هي صادقة فيما قالت ، وكان من حالها وقصتها كيت وكيت في حال ولادتها ، وقال : إنّ كل ما تكلمت به في حال خروجها من بطن أمّها هو كذا وكذا ، وكلّ ذلك مكتوب على لوح [نحاس] معها ، فرمت باللوح إليهم لمّا سمعت كلامه (عليه السلام) فقرؤوه فكان على
________________________________________ الصفحة 338 ________________________________________
ما حكى عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، لا يزيد حرفاً ولا ينقص . فقال أبوبكر : خذها يا أباالحسن بارك الله لك فيها .
فوثب سلمان فقال : والله ما لأحد هاهنا منّة على أميرالمؤمنين ، بل لله المنّة ولرسوله ولأميرالمؤمنين ، والله ما أخذها إلاّ لمعجزِهِ الباهر ، وعلمه القاهر ، وفضله الذي يعجز عنه كلّ ذي فضل .
ثمّ قام المقداد فقال : ما بال أقوام قد أوضح الله لهم طريق الهداية فتركوه ، وأخذوا طريق العمى ؟ وما من يوم إلاّ وتبيّن لهم فيه دلائل أميرالمؤمنين .
وقال أبوذر : واعجباً لمن يعاند الحقّ ، وما من وقت إلاّ وينظر إلى بيانه ، أ يّها الناس إنّ الله قد بيّن لكم فضل أهل الفضل ، ثمّ قال : يا فلان أتمنّ على أهل الحقّ بحقّهم وهم بما في يديك أحقّ وأولى ؟
وقال عمّار : أناشدكم الله أما سلّمنا على أميرالمؤمنين هذا عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بإمرة المؤمنين ؟
فوثب عمر وزجره عن الكلام ، وقام أبوبكر ، فبعث عليّ (عليه السلام) خولة إلى دار أسماء بنت عميس ، وقال لها : خذي هذه المرأة ، أكرمي مثواها . فلم تزل خولة عند أسماء إلى أن قدم أخوها وزوّجها من عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) . فكان الدليل على علم أميرالمؤمنين (عليه السلام) ، وفساد ما يورده القوم من سبيهم وأ نّه (عليه السلام) تزوّج بها نكاحاً ، فقالت الجماعة : يا جابر بن عبدالله أنقذك الله من حرّ النار كما أنقذتنا من حرارة الشك(1) .
هذه هي أهم الاقوال التي قيلت فيها مرجحين زواجه(عليه السلام) منها .
أجل ، إنّهم قد اختلفوا أيضاً في سنة ولادة ابنها محمّد ، فقال البعض أنه ولد
____________
1- الخرائج والجرائح للقطب الراوندي 2 : 589 ـ 593 ح 1 ، وقريب منه في مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 2 : 111 ـ 112 . وباعتقادي أن الصحيح أ نّه أرسلها إلى دار سلمى أو سلامة أختا أسماء لا إلى بيت أسماء بنت عميس .
________________________________________ الصفحة 339 ________________________________________
في خلافة أبي بكر(1) ، وآخر لِسنتين بقيتا من خلافة عمر(2) ، وثالث : لثلاث سنين بقين من خلافته(3) .
ففي الثقات لابن حبان : أ نّه مات برضوى سنة ثلاث وسبعين ، ويقال
____________
1- سير أعلام النبلاء 4 : 114 عن ابن سعد ، وانظر تاريخ الإسلام للذهبي 6 : 183 ، وتاريخ دمشق 54 : 319 .
2- عمدة القارئ 2 : 214 ، تاريخ الإسلام للذهبي 6 : 184 ، وفيات الأعيان 4 : 169 ، تهذيب الأسماء 1 : 103 وفي سير أعلام النبلاء 4 : 114 وتاريخ دمشق 54 : 326 عن يحيى بن سعيد قال : قلت لابن المسيب : ابن كم كنت في خلافة عمر ؟ قال : ولدت لسنتين بقيتا من خلافة عمر : قال يحيى : فذكرت ذلك لمحمد بن الحنفية فقال : ذلك مولدي .
وهناك نقل آخر يخالف ما قيل وفيه (انه ولد لسنتين مضيتا من خلافة عمر) أي في حدود سنة 15 للهجرة اُنظر مولد العلماء ووفياتهم 1 : 100 ، مشاهير علماء الامصار : 63 ، طبقات ابن سعد 5 : 120 ، سير اعلام النبلاء 4 : 218 ، زاد فيه : وقيل لاربع سنين مضيت منها ، طبقات الفقهاء : 39 . تهذيب الكمال 11 : 66 ، مصنف بن أبي شيبة 7 : 24 ، المطالب العالية 16 : 526 ، عمدة القارئ 1 : 186 ، التمهيد لابن عبدالبر 6 : 301 ، إذ فيه: هذا اشهر شيء في مولده واضحة ، وقد قيل : ولد لسنتى بقيتا من خلافة عمر : وعلى الأول أهل الأثر .
ولو صح القول الثاني سيكون مولد ابن الحنفية في حدود سنة 15 هـ على أقل تقدير هذا إذا أخذنا معه بنظر الاعتبار ما جاء في تاريخ وفاته ومقدار عمره يوم موته . فابن سعد في الطبقات 5 : 116 ، وابن قتيبة في المعارف : 216 وغيرهم ذهبوا إلى أنّه توفي سنة 81 هـ وسنه 65 عمااً ، ونحوه قول الذهبي في تاريخ الإسلام 6 : 5 وفي 6 : 196 نقلاً عن الواقدي إذ قال : وهو قول أبو عبيد والفلاس ، ثمّ وردّ ما قاله المدائني من أ نّه مات سنة 83 وكذلك ما قاله علي بن المدائني من أنّه توفي سنة 92 و 93 وعبر عنه بالخطأ الفاحش .
وأ مّا ما قيل من أ نّه توفي سنة 72 و 73 فيرده ما جاء في طبقات ابن سعد 5 : 112 ، وتاريخ دمشق 54 : 320 ، من أ نّه وفد على عبدالملك بن مروان سنة 78 هـ ، وهي السنة التي مات فيها جابر بن عبدالله ومع احتسابنا للفارق بين وفاته ومقدار عمره ستكون ولادته سنة 16 هـ وبذلك يكون ولادته ما بين 15 هـ إلى 16 هـ ، وفي تاريخ دمشق 54 : 326 ، ما يؤيد ذلك إذ قال بعد ذكر الاسناد انبأنا أبو سليمان ، قال : وفي هذه السنة يعني سنة ستة عشرة ولد محمّد بن الحنفية .
3- الثقات لابن حبان 5 : 347 الترجمة 5159 ، لابن الحنفية وانظر النجوم الزاهرة 1 : 202 . تاريخ دمشق 54 : 324 ، التحفة اللطيفة 2 : 542 ، تهذيب الأسماء 1 : 103 ، الجرح والتعديل 8 : 26 الترجمة 116 ، لابن الحنفية .
________________________________________ الصفحة 340 ________________________________________
ثمانين ، وقد قيل سنة أحد وثمانين ، وهو ابن خمس وستين(1) .
وفي تهذيب الكمال : مات برضوى سنة ثلاث وسبعين ودفن بالبقيع ، وقيل : مات سنة ثمانين ، وقيل سنة : إحدى وثمانين ، وقيل : سنة اثنين وثمانين ، وقيل : سنة اثنين وتسعين وقيل سنة ثلاث وتسعين وهو ابن خمس وستين ، وقيل غير ذلك في تاريخ وفاته(2) .
وفي تاريخ دمشق : عن يحيى بن بكير : مات سنة إحدى وثمانين وسنُّهُ خمس وستون سنة . قال عمرو بن علي : مات سنة إحدى وثمانين وهو ابن خمس وستين سنة . قال ابن سعد : وقال الواقدي : ولد في خلافة أبي بكر الصديق . قال ابن سعد : وقال هيثم : توفّي سنة ثنتين أو ثلاث وسبعين ، وقال الواقدي في الطبقات : مات في شهر ربيع الأول سنة إحدى وثمانين وهو ابن خمس وستين سنة لم يستكملها ، وقال في التاريخ : مات في المحرم .
وقال ابن أبي شيبة : مات سنة ثمانين ، وقال ابن نمير : مات سنة إحدى وثمانين ، وقال الغلابي عن ابن حنبل : مات سنة ثمانين(3) .
فلو قلنا بوفاته سنة 73 وعمره حين الوفاة كانت 65 سنة ، فذلك يعني ولادته في السنة الثامنة من الهجرة ، وهذا لا يصحّ بإجماع المسلمين ; لأنّ السيدة فاطمة الزهراء كانت موجودة آنذاك ، ومن الثابت أنّ الإمام عليّاً لم يتزوّج امرأة في حياتها(عليها السلام) ، اللّهم إلاّ أن نقول بأ نّها لم تكن زوجته بل أمّ ولد .
أ مّا لو قلنا بوفاته في السنة 80 أو 81 وعمره 65 سنة فذاك يعني ولادته في السنة الخامسة عشر ، أو السادسة عشر ، ويؤيد هذا القول ما جاء في تاريخ دمشق عن ابن سليمان قال : وفي هذه السنة ـ يعني سنة سته عشر ـ ولد محمّد بن
____________
1- الثقات لابن حبان 5 : 347 .
2- تهذيب الكمال 26 : 147 الترجمة 5484 لابن الحنفية .
3- تاريخ دمشق 54 : 326 .
________________________________________ الصفحة 341 ________________________________________
الحنفية(1) .
فلو قلنا بهذا فهو لا يتفق مع ما جاء في تاريخ مدينة دمشق بأ نّه ولد في خلافة أبي بكر(2) ، لأنّ خلافة أبي بكر كانت بين (11 ـ 13 هـ) ، أ مّا ولادته في السنة السادسة عشر فإنّها تعني ولادته في عهد عمر بن الخطاب .
وهناك قول آخر في عمدة القارئ وهو : أ نّه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر ، ومات سنة ثمانين أو إحدى وثمانين أو أربع عشرة ومائة(3) .
وفي المجلد السادس عشر من عمدة القارئ : مات سنة إحدى وثمانين وهو ابن خمس وستين برضوى ، ودفن بالبقيع ، ورضوى جبل بالمدينة(4) .
والنص الثاني يحدّد سنة ولادة محمّد بن الحنفية في حدود السنة السادسة عشر للهجرة والنص الاول في حدود سنة 21 ، وهناك قول آخر ذكره ابن حبان في كتابه الثقات إذ فيه : (وكان مولده لثلاث سنين بقين من خلافة عمر بن الخطاب)(5) ، أي في سنة 20 هـ .
وفي سير أعلام النبلاء : قيل : إنّ أبا بكر وهبها علياً ، ولد في العام الذي مات فيه أبو بكر ، ورأى عمر وروى عنه(6) .
بعد هذا العرض السريع لابدّ من طرح بعض التساؤلات :
إذا ثبت بأنّ خولة كانت من سبي اليمامة ، أو من سبي حروب الردة ـ حسب تعبير بعض المؤرخين ـ وقد سباها قوم من العرب ، أو بنو أسد خاصة .
وسواء كان خالد بن الوليد هو الذي سباها أيام الردة من بني حنيفة ، أو أ نّه
____________
1- تاريخ دمشق 54 : 326 .
2- تاريخ مدينة دمشق 54 : 323 .
3- عمدة القارئ 2 : 214 .
4- عمدة القارئ 16 : 187 .
5- الثقات : لابن حبان 5 : 347 ـ 348 .
6- سير اعلام النبلاء 4 : 111 . تاريخ دمشق 54 : 324 .
________________________________________ الصفحة 342 ________________________________________
صالحهم على الرقيق ولم يصالحهم على أنفسهم ، أو أ نّها كانت من سهم مغنم أبي بكر أو أن الإمام اشتراها ؟
فأسال : ألم يكن من الواقعية والإنصاف أن يسمّي الإمام عليٌّ ابنه من الحنفية بأبي بكر تقديراً لفضل أبي بكر عليه وعلى ابنه هذا ؟ إن صحت تلك الأخبار ؟
قد يقال : لا ، لأنّ من الطبيعي أن يسمّي الإمام علي أوّل أولاده بعد وفاة رسول الله بمحمد لا بأبي بكر ، ولو أراد أن يسمّي ابنه بأبي بكر كان عليه أن يحتفظ بهذا الاسم لأحد أولاده من زوجاته الأُخريات أي بعد محمد بن الحنفية ، وخصوصاً نحن نعلم أنّ من السنّة التسمية بمحمد ، فلو أراد الإمام أن يسمّي ابنه بأبي بكر كان عليه أن يسمّيه قبل الولادة ثمّ يوضع الاسم على ذلك الطفل بعد الولادة ، لأ نّه من السنة تسمية الولد قبل الولادة .
فلماذا لا يحتفظ الإمام باسم أبي بكر لابنه من الصهباء التغلبية والتي أولدت بعد خوله بنت جعفر الحنفية لو كانت التسمية وضعت عن محبة ولحظ فيها ترتيب الخلفاء !! كما يقولون .
فإنّه(عليه السلام) لو كان قد سمى ابنه أو كنّاه بأبي بكر قبل الولادة لما أمكن لعمر أن يطمع في تسميته ، وباعتقادي أنّ هذا يؤكّد على أنّ التسميات لم يلحظ فيها المحبّة كما يقولون . فلو أريد لحاظ المحبة في تسمية ابنه بعمر أو أبي بكر ، لكان عليه الاحتفاظ باسم أبي بكر لابنه الأكبر ثمّ التسمية بعمر بعد ذلك ، في حين نرى اسم أبي بكر أُطلق على من هو أصغر من عمر بن علي(1) .
وهناك إشكاليات أخرى في هذه النصوص ، فمن جهة يقولون بولادة محمّد بن الحنفية لسنتين ـ أو ثلاث سنين ـ بقين من خلافة عمر بن الخطاب ، ومن جهة أخرى ينقلون عن الإمام علي أ نّه قال : (ولد لي غلام يوم قام عمر ...)(2) . فلو
____________
1- هذا ما سنفصله بعد قليل في صفحة 393 في ولد ليلى النهشلية لنؤكد بأن ما قالوه باطل جملة وتفصيلاً .
2- تاريخ المدينة 1 : 400 ، الأغاني 9 : 302 .
________________________________________ الصفحة 343 ________________________________________
أخذنا جملة (يوم قام) أو في نص آخر (لما استخلف) فهي تشير إلى امكان ولادة عمر الاطرف فى أول خلافة عمر ويصير ابن الصهباء التغلبية أكبر من محمّد ابن علي الشهير بابن الحنفية ، وهذا كلام لا يقبله أحد من المحقّقين ، لاشتهار كون محمّداً هو أكبر أولاد الإمام علي بعد الإمامين الحسن والحسين(عليهما السلام) .
وقد شوهد بجنب والده في حروبه في الجمل وصفين والنهروان ، في حين لم نشاهد عمر بن علي الأطرف في تلك الحروب ، فقد جاء في التذكرة الحمدونية وربيع الأبرار : أ نّه لمّا تزوَّجَ [الإمامُ] النهشليةَ بالبصرة [اي في حدود سنة 35 هـ] قعد على سريره وأقعد الحسن عن يمينه والحسين عن شماله وجلس محمّد ابن الحنفية بالحضيض ، فخاف [علي] أن يجد من ذلك ، فقال : يا بني أنت ابني ، وهذان ابنا رسول الله(1) .
وهذا النص لا يمسّ بكرامة ابن الحنفية بقدر ماهو تكريم لأحفاد رسول الله ، وبقدر ما يُظْهِرُ أنَّ الإمامَ عليّاً أكرم الحسنين لمكانتهما من رسول الله ، وأنّ ابن الحنفية ـ لم يكن كعمر الاطرف بل ـ كان يعرف مقام الحسن والحسين ، فقد جاء في شعب الايمان ، للبيهقي : عن المفضل بن محمّد قال : سمعت أبي يقول : وقع بين الحسين بن علي ومحمّد بن الحنفية كلام ، حَبَس كل واحد منهما عن صاحبه ، فكتب إليه محمّد بن الحنفية : أبي وأبوك علي ، وأمي أمراة من بني حنيفة لا ينكر شرفها في قومها ، ولكنَّ أمك فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأنت أحقّ بالفضل منّي ، فصر إليّ حتى ترضَّاني ، فلبس الحسين رداءه ونعله وصار إليه فترضاه(2) .
وعليه فالإمام علي(عليه السلام) كان ينظر إلى أولاده بنظرة متساوية ولا يميّز أحداً
____________
1- موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب ، للريشهري 10 : 235 ، عن ربيع الابرار 2 : 598 ، طبعة دار صادر ، والتذكرة الحمدونية 3 : 96 ح 231 .
2- شعب الايمان 6 : 316 ، وعنه في تاريخ دمشق 54 : 333 وانظر مناقب بن شهرآشوب 3 : 222 ، حدثة الصولي عن الصادق(عليه السلام) .
________________________________________ الصفحة 344 ________________________________________
على آخر ، فقد جاء في وصيته وما يجب أن يعمل في أمواله قوله : و إنّ لابنَيْ فاطمة من صدقة عليٍّ مثل الذي لبني عليّ ، و إنّي إنّما جعلت القيام بذلك إلى ابنَيْ فاطمةَ ابتغاءَ وجهِ الله ، وقربةً إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وتكريماً لحرمته ، وتشريفاً لوصلته(1) .
وبذلك فإنّ محمّد بن الحنفية هو الولد الثالث من ولد الإمام علي ، لا عمر بن علي ابن الصهباء التغلبية كما توحى به بعض النصوص ، و إنّ أ مّه خولة كانت أقدم عند عليِّ من الصهباء ـ أُمِّ عمر الأطرف ـ (2) .
وبهذا ، فنحن نرجّح أحد القولين الأوّلين ، ونذهب إلى أنّ خولة كانت في بيت فاطمة أيّام حياتها(عليها السلام)(3) ، وقد تزوّجها(عليه السلام) ـ بعد وفاة فاطمة ـ وبعد أُمامة .
لأن أمامة بنت أبي العاص لم تلد للإمام علي بل بقيت تحفظ ولد فاطمة كما أرادت فاطمة(عليها السلام) .
أ مّا خولة الحنفية فهي التي ولدت له محمّداً بعد الحسن والحسين ومحسن .
وكلامنا هذا يعني عدم قبولنا بما قالوه عن سبيها في اليمامة أو الردة !!! أو أ نّها كانت من مغنم أبي بكر ، أو أنّ ولادة محمّد بن الحنفية كانت لسنتين بقيتا من خلافة عمر وما شابه ذلك ، لمنافاة هذه الأقوال مع ماجاء عن رسول الله في اختصاص ابن الحنفية بين جميع المسلمين بأن يكون له شرف حمل اسم رسول الله وكنيته معاً ، وكذا لوجودها في بيت فاطمة قبل هذا التاريخ ، ولإجماع المؤرّخين على وجود ابنها محمّد بن الحنفية في المواقف الكثيرة بجنب أبيه الإمام علي وتقدّمه في السّنّ على سوى الحسنين(عليهما السلام) .
____________
1- (نهج البلاغة : 379 / رسائل أمير المؤمنين ـ الرقم 24).
2- وممّا يؤكد بأن ابن الحنفية هو اكبر من عمر الاطرف هو ما حكي عنه أ نّه قال : دخل عمر بن الخطاب ، وأنا عند اختي أم كلثوم بنت علي فضمني وقال بالحلو تاريخ دمشق 54 : 331 .
3- سير أعلام النبلاء 4 : 110 ، وسمط النجوم العوالي 3 : 73 في الطبقات غير هذا .
________________________________________ الصفحة 345 ________________________________________
الصهباء التغلبية = أم عمر بن علي
وهي المكناة بـ (أم حبيب) بنت ربيعة بن بُجَير بن العبد بن علقمة بن الحرث بن عتبة بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعميّ بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معدّ بن عدنان(1) .
اتّفق الكلّ على أ نّها كانت سبّية وقد بقيت أمَّ ولد إلى آخر حياتها، وأنّ الإمام لم يتزوّجها ، لكنّهم اختلفوا في مكان سبيها وهل كانت من السبي الذي أصابهم خالد بن الوليد حين أغار على قبيلة بني تغلب ـ النصرانية آنذاك ـ بناحية عين التمر(2) .
أم إنّها سبيّة من سبي اليمامة في الحرب التي وقعت بين المسلمين وبين مسيلمة الكذاب في زمن أبي بكر ، أي في سنة 12 للهجرة ، أم أ نّها سبية من مكان آخر ؟ وهل أن الإمام علي اشتراها(3) أم وُهبت له ، أم هناك شيء آخر .
أولاد الصهباء من علي
رزق الله الصهباء من علي بن أبي طالب توأماً ذكراً وأنثى ، الذكر سمّاه عمر بن الخطاب بـ (عمر) ، والأنثى هي المسماة بـ (رقية) .
وقد تزوّج الأوّل (عمر) بابنة عمّه أسماء بنت عقيل بن أبي طالب ، وتزوّجت الثانية (رقية) بابن عمّها مسلم بن عقيل ، و إليك الآن صورة مختصرة عن حياة كُلٍّ من عمر الأطرف ورقية وإني ادرسها لكونها غير مدروسة لحد الان :
____________
1- منتقلة الطالبية : 262 . وانظر الطبقات الكبرى 3 : 20 ، 5 : 117 .
2- مناقب أمير المؤمنين للكوفي 2 : 49 ، الطبقات الكبرى 3 : 20 ، تاريخ الطبري 4 : 118 ، تهذيب الكمال 21 : 468 ، البداية والنهاية 6 : 352 .
3- في الكامل في التاريخ 3 : 250 ، البداية والنهاية 6 : 352 ، الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله 4 : 109 فاشترى علي من ذلك السبي ابنة ربيعة التغلبي ، فاتخذها فولدت له عمر وربيعة .
________________________________________ الصفحة 346 ________________________________________
قيل أ نّه ولد في أوّل خلافة عمر بن الخطاب ; لِما حكي عن الإمام عليّ
من قـوله ( ولد لي غلام يـوم قام عمر )(1) ، وفي آخـر : ( يوم استخلـف
عمر )(2) .
وذهب آخرون إلى أنّ ولادته كانت في أواسط خلافة عمر ; لما استفاده من سنة وفاته (وأنّ ذلك كان في عهد الوليد بن عبدالملك) ، ومن عمره حين الوفاة (وأ نّه كان 80 أو 75 أو 77 سنة) ، فالوليد بن عبدالملك توفّي في سنة 96 ، فلو نَقَصنا 80 عاماً منها لصارت ولادته في سنة 16 هـ .
أو وفاته في عهد عبدالملك بن مروان أو مصعب بن الزبير ، إلى غيرها من الأقوال التي قيلت في سنة وفاته ، فإنهم على ضوء الأقوال التي قيلت في سنة وفاته وعمره حين الوفاة اختلفوا في تاريخ ولادته .
ومثل ذلك مر عليك ما قيل في أخيه محمّد بن الحنفية ، فقيل أ نّه ولد في خلافة أبي بكر أو صدر خلافة عمر أو سنتين بقيتا من خلافة عمر أو ثلاث سنين بقين من خلافته ، وكذا قالوا أ نّه توفي في سنة 73 ، 80 ، 82 ، 83 ، 92 ، 99 ، كلّ ذلك مع الحفاظ على أ نّه مات وعمره 65 عاماً .
وعلى أيّ حال ، فنحن لم نقف على مواقف لعمر الأطرف في بيعة أمير المؤمنين(عليه السلام) ، ولا في حروب الجمل وصفين والنهروان مع أبيه ، مع وقوفنا على مواقف لأخيه الأكبر محمّد بن خولة الحنفية في غالب أدوار خلافة أميرالمؤمنين(عليه السلام)(3) ، بل نصّ بعض المؤرّخين على حضور لأخيه الاصغر أبي
____________
1- تاريخ المدينة 1 : 400 ، الأغاني 9 : 302 .
2- أنساب الأشراف 2 : 412 ، تاريخ الإسلام 6 : 164 .
3- فقد شهد الجمل (انظر الثقات لابن حبان 5 : 347 ترجمة 5159) وكانت راية علي(عليه السلام) بيده لمّا سار من ذي قار (انظر سير اعلام النبلاء 4 : 116 عن خليفة) .
وفي اخبار المدينة 2 : 251 ح 2146 ، عن مغيرة قال : أرسل عثمان يستغيث فقام عليٌّ ليغيثه ، فتعلق به ابن الحنفية واستعان عليه بالنساء وقال : والله لئن دخل الدار ليقتلنه بنو أمية ، فحبسوه حتى قتل عثمان .
________________________________________ الصفحة 347 ________________________________________
الفضل العباس ابن أم البنين الكلابية في معركة صفين(1) ، وعند شهادة والده في محراب مسجد الكوفة(2) ، وعند ممانعة مروان بن الحكم من دفن أخيه الحسن بجنب رسول الله في المدينة .
وكذا وقفنا على بكاء أُخته رقية على أبيها وهو متشحّط بدمه من ضربة عبدالرحمن بن ملجم(3) ، ولا نرى موقفاً يشابه كل هذه المواقف من عمر .
إذن لا يمكن التعليل بصغر سنّ عمر الأطرف وقلّة خبرته بالقتال وما شابه ذلك كما أراد البعض أن يصوره ، لأنّ العباس(عليه السلام) كان أصغر منه سناً ومع ذلك كانت له مواقف وأدوار .
لقد ولد العباس(عليه السلام) في الرابع من شعبان سنة ست وعشرين ، وقيل أ نّه ولد قبل ذلك ، واستشهد بالطف سنة إحدى وستّين ، وكان عمره المبارك آنذاك خمساً وثلاثين سنة ، وقيل أربعاً وثلاثين سنّة .
فلو قلنا بولادته(عليه السلام) في سنة 26 فيكون عمره الشريف يوم صفين 11 سنة .
أ مّا لو قلنا بشهادته في الطف وعمره 35 سنة فيكون ولادته في سنة 27 وعمره يوم صفّين عشر سنوات .
وهناك أقوال تشير إلى ولادته قبل هذا التاريخ ، فهو أصغر من عمر الأطرف على نحو القطع واليقين ، فلماذا لا نقف على مواقف لعمر الأطرف كما رأيناها في
____________
1- انظر ابصار العين في أنصار الحسين للسماوي : 57 ، وفيه : حضر بعض الحروب فلم يأذن له ابوه بالنزال ، وانظر كتاب العباس للمقرم : 241 ـ 242 ، نقلاً عن كتاب الكبريت الأحمر .
2- الدرر النظيم : 418 ، بحار الأنوار 42 : 296 .
3- شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي 2 : 434 .
________________________________________ الصفحة 348 ________________________________________
أخيه العباس أو محمّد بن الحنفية ، وعلى أيِّ شيء يدل هذا ؟!
أحتملُ أن تعود هذه الضبابيّة في سيرته إلى أ نّه كان يريد أن يُساوي الحسنين(عليهما السلام) وأولادهما ، باعتبار أنّ الأب واحد ـ وهي النظرة الجاهلية التي لا تعطي للأمّ ميزة ما ـ ولم يكن يتقبّل أن يكون امتداد النسب لرسول الله(صلى الله عليه وآله) عن طريق فاطمة(عليها السلام) ميزة فارقة بين النَّسْلَيْنِ ، أي أن عمراً الأطرف كان لا يرى ـ طبقا لنظرته الخاصة ـ ميزه للسجاد وعبدالله بن الحسن ، بل كان يرى نفسه هو الأحق والأولى بصدقات أبيه الإمام علي ، مع أن الإمام كان قد أكد بأن تولية الصدقات هي للإمامين الحسن والحسين ثم للأولادهما ولا يشركهما أحد من أولاده في التوليه .
فعمر بن علي أحسَّ بهذه العقدة في نفسه ، وعزاها لكونه ابن أم ولد ، و إن كانت رؤيته غير صحيحة ، فلم يخرج إلى الأضواء وخصوصاً في عهد إخوته : الحسن والحسين ومحمّد بن الحنفيّة ، بل ظهر نجمه بعد واقعة كربلاء مطالباً بحقوقه التي تَخَيَّلَها من أبيه و إخوته .
أجل ، لا يمكن تعميم هذا الكلام على جميع أبناء الإمام ورجال العرب ، فهناك العشرات من الرجال أمّهاتهم أمهات أولاد ، مع ذلك تراهم رجالاً متزنين ملتزمين .
هذا ، ولو كانت لعمر الأطراف مواقف مشهورة لذكره أصحاب التاريخ ، لكنّا لمّا لم نقف على مواقف مشهودة له نحتمل أن يكون قد رَكَنَ إلى الدعة والسكينة بدلاً من الجهاد والخوض في المعترك السياسي والاجتماعي ، وقد يكون تبايُنُ مواقفه وخروجُهُ عن إجماع الطالبيين هو الذي جعله غير مرضيّ السيرة عند أهل البيت ، وقد تكون هناك أمور أخرى .
فالآن نسأل : هل شهد عمر مع أخيه الحسين واقعة الطف أم لا ؟
هناك قولان
أحدهما :
إنّه كان مع أخيه الحسين في كربلاء ، وكانت معه أ مّه وأخته رقية ـ زوجة
________________________________________ الصفحة 349 ________________________________________
مسلم بن عقيل ـ وولداها : عبدالله ومحمّد .
وقد نص على هذا أبو مخنف في (المقتل) ، وابن شهرآشوب في المناقب ، والمجلسي في بحار الأنوار (احد نقليه) وغيرهم من العامة والخاصة(1) ، وقيل : إنّه قد برز بعد أخيه أبي بكر بن علي لقتال الأعداء وهو يقول :
أضربكُمْ ولا أرى فيكم زَجَرْ ذاك الشقيُّ بالنبيّ قد كَفَرْ
يا زَجْرُ يا زَجْرُ تدانَ من عُمَرْ لعلَّكَ اليومَ تَبَوَّا من سَقَرْ
شَرَّ مكان في حَرِيق وسَعَرْ لأنّك الجاحد يا شَرَّ البَشَرْ
ثم حمل على (زجر) قاتل أخيه أبي بكر فقتله ، واستقبل القوم وجعل يضرب بسيفه ضرباً منكراً وهو يقول :
خَلُّوا عُداةَ الله خَلُّوا عن عُمَرْ خَلُّوا عن اللَّيْثِ العبوس المُكْفَهِرْ
يضربكُمْ بِسَيْفِهِ ولا يَفِرْ وليسَ فيها كالجبان المُنْجَحِرْ
فلم يزل يقاتل حتى قتل(2) .
وفي مناقب آل أبي طالب ـ باب إمامة أبي عبدالله الحسين ـ قال ابن شهرآشوب : إنّه قتل في واقعة الطف بين يدي الحسين(3) .
هذا هو القول الأوّل ، ولم يرتضه الشيخ المفيد في الإرشاد(4) ، والمجلسيّ في البحار(5) ، والشيخ المامقاني في تنقيح المقال(6) ، والسيّد الخوئي في معجم
____________
1- كتاب الفتوح 5: 113 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 255 ، وفيه زجر بدل زحر ، بحار الأنوار 45 : 37 .
2- بحار الأنوار 45 : 37 ، كتاب الفتوح 5 : 113 وفيه : المستجر بدل المنجحر .
3- انظر مناقب بن شهرآشوب 3 : 259 .
4- انظر الإرشاد 2 : 125 ، اذ لم يذكر عمراً فيمن استشهد مع الحسين(عليه السلام) من ولد علي بن أبي طالب(عليه السلام) .
5- بحار الأنوار 46 : 113 .
6- تنقيح المقال (طبعة حجرية) 2 : 346 .
________________________________________ الصفحة 350 ________________________________________
رجال الحديث(1) ، وذلك لوجود نصوص أخرى تؤكّد حياته إلى زمان عبدالملك بن مروان ، وفيها أ نّه خاصم الإمام زين العابدين السجاد(2) ، أو نازع الحسن المثنى في صدقات أبيه ، عند عبدالملك بن مروان(3) ، وفي نصوص ثالثة أ نّه خاصم عبيدَالله بن العباسِ ـ السّقّاءِ بكربلاء ـ في ميراث العباس و إخوته ، وصولح معه على شيء في زمن عبدالملك أو قبله(4) .
وفي نقل رابع أ نّه خاصم الحسن المثنى عند الوليد بن عبدالملك لا عند عبدالملك(5) .
وفي خامس : حصلت له مخاصمة بينه وبين الحسن المثنى أيام مروان بن الحكم(6) .
وعليه فعدم حضوره الطّفّ أمر مقطوعٌ به عند هؤلاء الأعلام ، لأنّ الّذين ذكروا المستشهدين في واقعة الطف من المؤرخين والنسّابين كالطبري ، وابن قتيبة ، وابن عبدربه ، وأبي الفرج ، والمفيد ، لم يذكروه فيهم ، ولم يشيروا إلى وجود اختلاف في ذلك كما أشاروا إلى الاختلاف في شهادة أَخَويه عبيدالله بن علي ، و إبراهيم بن علي ، والاختلاف في علي بن عقيل ، وجعفر بن محمّد بن عقيل وغيرهم .
مضافاً لذلك عدم وقوع التسليم عليه في زيارة الناحية المقدسة أو الزيارة الرجبية ، فقد جاء في الزيارة الرجبية اسم أربعة عشر شهيداً من شهداء الطالبيين في كربلاء ، وفي زيارة الناحية سبعة عشر ، وقد ذُكر فيها بعض ما لم يُذكر في
____________
1- معجم رجال الحديث 14 : 51 الترجمة 8787 .
2- الإرشاد 2 : 150 ، مناقب بن شهرآشوب 3 : 308 ، مستدرك الوسائل 14 : 61 عن المفيد في الارشاد ، بحار الأنوار 42 : 91 ، كشف الغمة 2 : 300 .
3- الإرشاد 2 : 23 ـ 25 ، عمدة الطالب : 99 ، تهذيب الكمال 6 : 92 ، تاريخ دمشق 13 : 65 .
4- مقاتل الطالبيين : 55 .
5- مختصر تاريخ دمشق 19 : 138 ـ 139 .
6- معالي السبطين 2 : 262 ، عن القمقام الزخّار .
________________________________________ الصفحة 351 ________________________________________
الأخرى وبالعكس ، وفي جميعها لم نجد اسم عمر بن علي الأطرف .
ولو جازفنا وقلنا باستشهاده بكربلاء لأمكننا المجازفة وترجيح ما جاء في بعض الزيادات المحكيّة عن بعض النسابة بأن للإمام علي(عليه السلام) عمر الأصغر تبعاً لأولئك النسابة الذين ذكروا للإمام علي عدداً آخر من الأولاد ; كلهم يضاف إليهم قيد الأصغر أو الصغرى لوجود آخرين مسمَّين بهذا الاسم قبلهم ، هم : عثمان الأصغر ، وجعفر الأصغر ، وعبّاس الأصغر ، وعمر الأصغر ، ورملة الصغرى .
وهذا ما لا نقبله ، لكونه ادعاءً بحتاً ، وذلك لتخالفه مع أقوالِ بقية النسابة ، والقدرِ المتيقّن المعروفِ من أولاد الإمام علي(1) . فلو أردنا أن نذهب إلى التعدّد في اسم عمر لقلنا شيئاً آخر غير هذا .
ثانيهما :
إنه تخلف عن أخيه وكان من الناهين له(عليه السلام) عن الخروج إلى كربلاء .
قال ابن عنبة : وتخلّف عمر عن أخيه الحسين(عليه السلام) ولم يَسِرْ معه إلى الكوفة ، وكان قد دعاه إلى الخروج معه فلم يخرج ، ويقال : إنّه لما بلغه قتل أخيه الحسين(عليه السلام) خرج في معصفرات له وجلس بفناء داره وقال : أنا الغلام الحازم ، ولو خرجتُ معهم لذهبتُ في المعركة وقتلتُ .
ثم اضاف ابن عنبة :
ولا تصح رواية من روى أنّ عمر حضر كربلاء ، وكان أوّل من بايع عبدالله بن الزبير ، ثم بايع بعده الحجّاج ، وأراد الحجّاج إدخاله مع الحسن بن الحسن في تولية صدقات أمير المؤمنين(عليه السلام) فلم يتيسّر له ذلك ، ومات بينبع ، وهو ابن سبع وسبعين سنة وقيل خمس وسبعين(2) .
____________
1- سيأتي في آخر هذا القسم (الخلاصة) : 415 ما يرتبط بهذا الموضوع .
2- عمدة الطالب : 362 ، وفي سر السلسلة العلوية لأبي نصر البخاري : 96 ولا يصح رواية من روى أنّ عمر حضر كربلاء ، وهرب ليلة عاشوراء ، قعد في الجواليق ، ولقبوا اولاده بأولاد الجواليق ، ولا يصح ذلك بل كان هو بمكة مع ابن الزبير ولم يخرج إلى كربلاء والسبب في تلقيبهم بأولاد الجواليق غير ذلك والله اعلم . (بتصوري إن ما قيل ـ وهو ابن سبع وسبعين سنه وقيل خمس وسبعين ـ هو تصحيف لسبع وتسعين وخمس وتسعين) .
________________________________________ الصفحة 352 ________________________________________
وفي معالي السبطين : إنّه بقي إلى خلافة مروان بن الحكم ، وحصلت بينه وبين الحسن المثنّى بن الحسن السبط مخاصمة في صدقات أمير المؤمنين(1) .
روى المفيد عن عبدالملك بن عبدالعزيز ، قال : لمّا ولي ـ عبدالملك بن مروان ـ الخلافة ردّ إلى الإمام علي بن الحسين صدقات رسول الله وصدقات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وكانتا مضمومتين ، فخرج عمر الأطرف بن علي إلى عبدالملك يتظلّم إليه من نفسه ، فقال عبدالملك : أقول كما قال ابن أبي الحقيق :
إنّا إذا مالَتْ دواعي الهوى وأَنْصَتَ السَّامعُ للقائلِ
واصطرَعَ الناسُ بألبابهم نقضي بحكم عادل فاصلِ
لا نجعلُ الباطل حقّاً ولا نُلِظُّ دونَ الحقِّ بالباطلِ
نخافُ أَن تُسْفَهَ أحلامُنا فَنَخْملَ الدَّهْرَ معَ الخامِلِ(2)
وفي (مختصر تاريخ دمشق) : كان عمر آخر ولد علي بن أبي طالب(3) ، وقدم
____________
1- معالي السبطين 2 : 262 .
2- انظر الإرشاد للمفيد 2 : 150 ، وبحار الأنوار 42 : 91 ، 46 : 113 ، عن الإرشاد، كشف الغمة 2 : 300 .
3- أي وفاةً ، و إنّ ما قالوه بأ نّه كان آخر ولد الإمام علي فهم لا يعنون آخر من ولد له(عليه السلام) ; لأنا نعلم بأن جعفراً وعثمان ابنَيْ الإمام من أُمِّ البنين ، وعبيدالله وعبدالله ابنَيْ ليلى النهشلية قد ولدا بعده ، وهم أصغر منه سنّاً على نحو القطع واليقين ، فكيف يقال عنه بأ نّه آخر ولد علي ـ ويعنون به ولادةً ـ والصحيح أ نّهم يعنون بكلامهم آخر ولد علي وفاةً ، لأنّ معطيات غالب النصوص تؤكّد على أ نّه قد توفّي في زمن عبدالملك بن مروان ، وفي أخرى في زمن الوليد بن عبدالملك ، وبذلك كان إخوته قد توفوا قبله سواء الحسن والحسين من ولد الصديقة فاطمة الزهراء ، أو الأربعة من أولاد أم البنين ، أو عبدالله وعبيدالله من أولاد ليلى النهشلية ، أو غيرهم من ولد اسماء ـ ان كان لها ولد ـ أو غيرهم .
ويويد كلامنا ما جاء صريحاً في (المجدي : 197) : وكان آخر من مات من بني علي(عليه السلام)الذكور المعقبين .
________________________________________ الصفحة 353 ________________________________________
مع أبان بن عثمان على الوليد بن عبدالملك يسأله أن يولّيه صدقة أبيه ، وكان يليها يومئذ ابن أخيه الحسن بن الحسن بن علي ، فعرض عليه الوليد الصلة وقضاء الدين ، فقال : لا حاجة لي في ذلك ، إنّما جئت في صدقة أبي ، أَنا أولى بها ، فاكْتُبْ لي ولايتها ، فكتب له الوليد رقعة فيها أبيات ربيع بن أبي الحقيق اليهودي .. :
لا نجعل الباطلَ حقّاً ولا نُلِظّ دون الحقّ بالباطل
ثم دفع الرقعة إلى أبان وقال : ادفعها إليه وأعلمه أنّي لا أُدخل على ولد فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) غيرهم ، فانصرف عمر غضبان ولم يقبل منه صلة(1) .
وفي (نسب قريش) : قُتل العباس بن علي بعد إخوته ، فورث إخوته [الذين ]لم يكن لهم ولد ، وورث العباس ابنه عبيدالله ، وكان محمّد بن الحنفية وعمر حييّن ، فسلّم محمّدٌ لعبيد الله ميراثَ عمومته ، وامتنع عمر حتّى صولح وأُرضي من حقّه(2) .
وحكى العمري في (المجدي) ما رواه الدنداني عن جدّه : أ نّه خاصم ابنَ أخيه حسناً إلى بعض بني عبدالملك في ولايته في صدقات عليّ ، وهذا يزعم أ نّه مات من جراح أصابه أ يّام مصعب ، ومصعب قتل قبل أخيه عبدالله ، وعبدالملك حيّ ، وما ولي أحد من بني عبدالملك إلاّ بعد موت أبيه ، فهذه مناقضة(3) .
وهذه النصوص توقفنا على أعمال مشينة قام بها عمر بن عليّ الأطرف ضد أبناء إخوته وهو المنتسب إلى أميرالمؤمنين ، فهل حقّاً أ نّه قام بهذه الأفعال والأعمال أم أ نّها منسوبة إليه من قبل الحكام ولا تصحّ ؟!
____________
1- تاريخ دمشق 45 : 306 .
2- نسب قريش مصعب الزبير : 42 .
3- المجدي في أنساب الطالبيين : 198 .
________________________________________ الصفحة 354 ________________________________________
بل كيف يخرج عمر الأطرف بعد شهادة أخيه الحسين في ثياب معصفرات و يجلس بفناء داره ويقول : (أنا الغلام الحازم ولو خرجتُ معهم لذهبتُ في المعركة وقتلت)(1) ؟! وعلى أيّ شيء يدلّ هذا الفعل القبيح منه ، هل كان لدعته وركونه إلى الدنيا ، أم خوفاً ومداراة للأمويين ؟!
بل كيف يتخلّف عن أخيه الإمام الذي قال عنه وعن أخيه الحسن رسول الله(صلى الله عليه وآله) : (الحسن والحسين امامان قاما أو قعدا)(2) ؟!
وهل يتفق ما قيل من خروجه في ثياب معصفرات والجلوس بفناء الدار والقول : أنا الغلام الحازمُ ، مع ما ذكره السيّد ابن طاووس في اللهوف عن عمر الأطرف وأ نّه قال : لما امتنع أخي الحسين عن البيعة ليزيد بالمدينة دخلت عليه فوجدته خالياً فقلت له : جعلت فداك يا أبا عبدالله حدّثني أخوك أبو محمّد الحسن عن أبي (عليه السلام) ثمّ سبقتني الدمعة وعلا شهيقي ، فضمّني إليه ، وقال : حدثك أ نّي مقتول ؟
فقلت : حوشيت يا ابن رسول الله . فقال : سألتك بحقّ أبيك بقتلي أخبرك ؟ فقلت : نعم ، فلولا ناوَّلْتَ وبايعت(3) ؟!
بل كيف يقول : لو خرجت معهم لذهبت في المعركة وقتلت ؟!
وهل أ نّه أراد ـ والعياذ بالله ـ أن يقول بما قاله المشركون للمؤمنين في صدر الإسلام ، وأ نّه(عليه السلام) لو بقي في المدينة لَمَا قتل ، في حين سبحانه وتعالى يقول :
(يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزَّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) .
____________
1- سر السلسلة العلوية : 96 ، عمدة الطالب : 362 .
2- علل الشرائع 1 : 211 ، الارشاد 2 : 30 ، الفصول المختارة : 303 .
3- اللهوف في قتلى الطفوف : 19 ، وعنه في معالم المدرستين : 48 وفيه فلولا تأوَّلت وبايعت .
________________________________________ الصفحة 355 ________________________________________
بل كيف يلبس المعصفر وهو المنهيّ عنه ـ في رواية مسلم عن عليّ ـ : نهاني رسول الله عن التختّم بالذهب ... وعن لبس المعصفر(1) .
أجل إني لا أنكر احتمال وجود التقية في عمله ـ إن صح النقل عنه ـ خصوصاً بعد وقوفه على تلك الجرائم التي ارتكتبها بنو أمية بحق أهل بيت الرسالة ، فلا يُستبعَد ان يكون عمر الأطرف قالها وفعلها ليحقن دمه من بني أميّة ويؤكده قوله : (فوجدته خالياً ، فقلت له : ...) ، إذ لا يمكن لمسلم ذي وجدان أن يلبس المعصفر عند سماعه مأساة كمأساة كربلاء ، فكيف يفعل عمر الأطرف ذلك في شهادة أخيه الذي قال عنه رسول الله : هو سيد شباب أهل الجنة ، وهو الذي كان يفدّي أخاه الحسين بنفسه كما في النص الآنِف عن السيد ابن طاووس ؟! إذن يحتمل أن يكون صدور تلك الكلمات منه جارياً مجرى التقيّة .
لكن لو قلنا بالتقية فماذا نقول عمّا قيل من مبايعته لعبدالله بن الزبير(2) ـ عدوّ آل محمّد ـ والحجّاج بن يوسف الثقفي(3) وتزويجه أم كلثوم بنت عبدالله بن جعفر منه ، وانخراطه في ركاب مصعب بن الزبير(4) ، وتركه الإمام السجاد بل اختلافه معه في صدقات عليّ(عليه السلام) وقوله : أنا ابن المصدق وهذا ابن ابن المصدق ، فأنا أولى بها منه(5) .
وأيضاً استعانته بخلفاء الجور مثل عبدالملك بن مروان في استرداد صدقات علي ، لكنّ عبدالملك لم يكترث له وأوكل أمر الصدقات إلى الإمام السجّاد(6) ، ولمّا خرج السجّاد تناوله عمر الأطرف وآذاه ، فسكت (عليه السلام) ولم يردَّ عليه شيئاً .
____________
1- صحيح مسلم 3 : 1628 .
2- سر السلسلة العلوية : 97 ، عمدة الطالب : 362 ، أعيان الشيعة 5 : 45 .
3- سر السلسلة العلوية : 97 ، عمدة الطالب : 362 ، أعيان الشيعة 5 : 45 .
4- تهذيب الكمال 21 : 469 تهذيب التهذيب 7 : 426 .
5- انظر مناقب بن شهرآشوب 3 : 308 ، بحار الأنوار 46 : 113 .
6- انظر مناقب بن شهرآشوب 3 : 308 ، بحار الأنوار 46 : 113 .
________________________________________ الصفحة 356 ________________________________________
فلمّا كان بعد ذلك دخل محمّد بن عمر ـ ولده ـ على عليّ بن الحسين فسلّم عليه وأكبّ عليه يقبّله .
فقال عليّ بن الحسين : يابن عمّ لا تمنعني قطيعةُ أبيك أَن أصلَ رحمك ، فقد زوّجتك ابنتي خديجة(1) .
كل هذه النصوص تشير إلى وجود خلاف مالي بينه وبين أبناء اخوته ، وأنَّ عمر قد استعان بالآخرين للوصول إلى ما يريده ، وهو يؤكّد بأنّ الإنسان جائز الخطأ ، وأنّ عمر الأطرف ليس بمعصوم ، وقد يكون تأثّر بمحيطه ، أو أثَّر الآخرون عليه ، فصار اداة بيد الأخرين يستفيدون منه حينما يشاؤون .
إنّ عمر الأطرف لم يختلف مع الإمام عليّ بن الحسين السجّاد فحسب ، بل اختلف مع الحسن المثنّى في صدقات أبيه الإمام عليّ(2) ، وكذا مع عبيدالله بن العباس ابن أميرالمؤمنين في ميراث العباس الشهيد بكربلاء ، وميراث اخوة العباس(3) .
وقد استعان بالسلطة الأموية للحصول على ما كان يريده ، فطلب من الحجّاج بن يوسف حينما كان أميراً على الحجاز (73 ـ 75) أن يتوسّط في إقناع الحسن المثنى بن الحسن السبط أن يُدْخِلَهُ في صدقات عليّ التي كانت تحت ولايته ، فقال له الحجّاج يوماً : أَدْخِلْ عمّك عمر بن عليّ معك في صدقة عليّ فإنّه عمّك وبقيّة أهلك .
فقال الحسن المثنّى : لا أغيّر شرط علي ولا أُدْخِلُ فيها من لا يدخل(4) .
قال الحجّاج : إذاً أَدْخِلْهُ معك .
____________
1- انظر مناقب بن شهرآشوب 3 : 308 ، بحار الأنوار 46 : 113 .
2- تهذيب الكمال 6 : 92 ، تاريخ دمشق 13 : 65 ، تاريخ الإسلام 6 : 329 الارشاد 2 : 24 .
3- مقتل علي لابن أبي الدنيا : 40 الحديث 128 .
4- تهذيب الكمال 6 : 92 ، تاريخ دمشق 13 : 65 ، تاريخ الإسلام 6 : 329 ، الارشاد 2 : 24 ، ومعناه لا ادخل فيها من لا يُدْخِلهْ الواقف وهو الإمام على في تولية الصدقات .
________________________________________ الصفحة 357 ________________________________________
فنكص عنه الحسن المثنى وتوجّه إلى عبدالملك حتّى قدم عليه فوقف ببابه يطلب الإذن ، فمرّ به يحيى بن الحكم ، فلمّا رآه يحيى عدل إليه فسلّم عليه وسأله عن مقدمه وخبره واحتفى به ، ثمّ قال له : إنّي سأتبعك عند أميرالمؤمنين ـ يعني عبدالملك ـ فدخل الحسن على عبدالملك فرحّب به وأحسن مساءلته ، وكان الحسن بن الحسن قد أسرع إليه الشيب ، فقال له عبدالملك : لقد أسرع إليك الشيب ـ ويحيى بن الحكم في المجلس ـ فقال له يحيى : وما يمنعه شَيَّبَتْهُ أَمانيُّ أهل العراق ; كلَّ عام يقدم عليه منهم ركبٌ يمنّونه الخلافة ، فأقبل عليه الحسن فقال : بئس والله الرفد رفدت ، وليس كما قلتَ ، ولكنّا أهل بيت طيّبة أفواهنا فتميل نساؤنا إلينا فتقبّلنا فيها فيسرع إلينا الشيب من أنفاسهنّ .
فنكس عبدالملك رأسه لأنّه كان أبخَر الفم ، ثمّ أقبل عليه وقال : يا أبامحمّد هَلُمَّ لِما قدمتَ له ، فأخبره بقول الحجّاج فقال : ليس ذلك له ، اكتبوا كتاباً إليه لا يتجاوزه ، فكتب إليه ووصل الحسن بن الحسن وأحسن صلته .
فلمّا خرج من عنده لقيه يحيى بن الحكم فعاتبه الحسن على سوء محضره وقال له : ما هذا الذي وعدتني به ؟!!
فقال له يحيى : إِيهاً عليك ، فو الله لا يزال يهابك ، ولولا هيبتك ما قضى لك حاجة ، وما آلُوكَ رفداً(1) .
فماذا تعني هذه المواقف المشينة من عمر الأطرف ضد بني إخوته (الحسن والحسين والعباس) ، وعلى أيّ شيء يمكننا حمل هذه النصوص المزدوجة في حياته ؟
صحيح أنّ عمر الاطرف لم يكن معصوماً وقد يخطأ ويتأثر بهواه ، لكن لا أدري كيف يطالب بإرث إخوة العباس مع وجود أمّهم أمّ النبين قيد الحياة ، وهذه المطالبة لا تتّفق مع فقه أهل البيت إلاّ أن نقول بأ نّه لا يعلم بفقه أبيه ، أو أن نقول انّ
____________
1- تهذيب الكمال 6 : 93 ، تاريخ دمشق 13 : 65 ، سمط النجوم العوالي 4 : 124 .
________________________________________ الصفحة 358 ________________________________________
الواقعة مكذوبة عليه ، أو أن نقول أ نّه تأثّر بفقه الحكّام ، وأنّهم هم الذين كانوا يحرِّكونه ويسيِّرونه .
بلى ، إنَّ موقفه يختلف عن موقف أخيه محمّد بن الحنفية في أمر الصدقات وميرات العباس بن علي ، ففي (مقتل علي) لابن أبي الدنيا : ثم قتل العباس بن علي بعد إخوته مع الحسين صلوات الله عليه ، فورث العباس إخوته ولم يكن لهم ولد ، وورث العبّاسَ ابنُهُ عبيدُالله بن العباس ، وكان محمّد بن علي ابن الحنفية ، وعمر بن علي [الأطرف] حيَّين ، فسلَّم محمدُ [ابن الحنفية] لعبيدالله بن العباس ميراثَ عمومته ، وامتنع عمرُ حتَّى صولح وأُرضيَ من حقِّه ، وأمّ العباس و إخوته هؤلاء : أم البنين بنت حزام ...(1)
فمن جهة نراه هنا يطالب في الأمور المالية بما لا يتفق مع مذهب أهل البيت ، ومن جهة أخرى نراه يوذِّن بـ (حيّ على خير العمل)(2) ويجهر في القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم ، وهما من خصائص الشيعة الإمامية .
فهنا سؤال يطرح نفسه : هل أ نّه كان يفرق بين الأمور الماديّة والأُخروية ؟! فكان يسمح لنفسه أن يطالب بما لا حق له فيه من الأمور الدنيوية والتعبد في الأمور الأخروية . قد يأتي الجواب : أجل أنّه كان يتعبّد فيها بما عرفه عن أبيه ؟! بعكس الأمور المادية فكان يصر على اخذها لتحكيم موقعيته الدنيويه والقبلية .
فقد روى الدارقطني (ت 385 هـ) بسنده عن عيسى بن عبدالله بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب ، قال : حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ ، قال : كان رسول الله يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في السورتين جميعاً(3) .
إنّها ازدواجية ، أو قُل نحوٌ من أنحاء النمطيّة ، فمن جهة يروي أخباراً تؤيّد ما يرويه الإمام السجاد والحسن بن الحسن ، والعباس بن علي عن الإمام علي ـ تلك
____________
1- مقتل علي : 40 الحديث 128 .
2- حي على خير العمل لعزان : 60 .
3- سنن الدراقطني 1 : 302 ح 2 .
________________________________________ الصفحة 359 ________________________________________
الروايات المخالفة للنقل الحكومي عن علي(عليه السلام) ـ ومن جهة أخرى تراه يستعين بأبان بن عثمان بن عفّان عند الوليد بن عبدالملك (86 ـ 96 هـ) لكي يولّيه تلك الصدقات ، لكنَّ الأخير يعرض عليه الصلة بدل ذلك فلا يرضى عمر(1) .
كل هذه النصوص تؤكد ما قلناه عنه وأنّه كان يريد السلطة والمكانة التي كانت لاخويه من قبل وليس الأمر يرتبط بالمال فقط .
لأن الوليد عرض عليه عروضاً ماليّة كثيرة وجيّدة لكنه لم يَرْضَ إلاّ بأنّ يكون شريكا في الصدقات ، وهو يدل على أنّه كانت عنده عقدة من تفضيل أولاد فاطمة عليه وعلى غيره من ابناء الإمام ، مع أنّهم جميعاً أولاد علي .
نعم ، قد يقال بأن ليس هناك تخالف بين الأمرين ، إذ المطالبة بالأمور المادية وحيازته للصدقات تخضع للظروف التي كان يعيشها ، وحبه لرئاسة القبيلة والعشيرة .
أما نقله أمثال هذه الروايات فهو تثبيت للفقه الصحيح الذي عرفه من أبيه وأهل بيته ، ولا يستبعد أن يكون لا يعرف بعض فقه أبيه وخصوصاً لو ارتبط بالمسائل الخلافية بين الصحابة ، أو أن نفسه كانت تدعوه للقيام بعمل لا يُرضي به أباه(عليه السلام) .
حكى العمري قال : اجتاز عمر بن علي [الأطرف] في سفر كان له في بيوت من بني عدي فنزل عليهم ، وكانت شِدّةٌ ، فجاءه شيوخ الحيّ فحادثوه واعترض رجل منهم مارّاً له شارة .
فقال : من هذا ؟
فقالوا : سَلْم بن قَتَّة وله انحراف عن بني هاشم ، فاستدعاه وسأله عن أخيه سليمان بن قَتَّه ، وكان سليمان من الشيعة ، فأخبره بأ نّه غائب ، فلم يزل عمر يلطف له في القول ويشرح له الأدلّة حتى رجع سلم إلى مذهب أخيه ، وفرّق عمر
____________
1- تاريخ دمشق 45 : 305 .
________________________________________ الصفحة 360 ________________________________________
في البيوت أكثر زاده ونفقته وكسوته ، وأشبع جميعهم طول مقامه فلما رحل عنهم بعد يوم وليلة حتى عشبوا وخصبوا ، فقال : هذا أبركُ الناس حِلاًّ ومرتحلاً ، وكانت هداياه تصل إلى سَلْم ، فلمّا مات قال يرثيه .
صلَّى الإلهُ على قبر تَضَمَّنَ من نَسْلِ الوَصِيِّ عَليٍّ خيرَ من سُئِلا
ما كنتَ يا عُمَرُ الخَيْرُ الَّذي جُمِعَتْ له المكارِمُ طيَّاشاً ولا وَكِلا
قد كُنْتَ أَكرَمَهُمْ كَفّاً وأَكثَرَهُمْ عِلْما وأَبْرَكَهُمْ حِلاًّ ومُرْتَحَلا
كان هذا مجمل ما قيل في عمر الأطرف ، وترى الازدواجية بارزة في شخصيته ، أو قل الاختلاف واضحاً فيما يُحكى عنه في كتب التاريخ والأنساب ، من شهادته في كربلاء مع أخيه الحسين ، أو مقتله مع مصعب بن الزبير في حربه مع المختار الثقفي(1) ، أو وفاته في عهد عبدالمك بن مروان بعد نزاعه مع السجاد(عليه السلام) ، أو في زمن الوليد ابن عبدالملك بعد نزاعه مع ابن أخيه الحسن ، أي أ نّهم اختلفوا في سنة وفاته أيضاً بين من قال بشهادته في كربلاء سنة 60 ، وبين
____________
1- عمدة الطالب : 361 وفيه : سالم بن رقية ، وأيضاً فيه : حتى غيثوا وأخصبوا . وفي المجدي : 198 ، وجدت في بعض الكتب أنّ عمر شهد حرب مصعب بن الزبير وكان من أصحابه ، وأ نّه قتل وقبره بمسكن ، وهذه الرواية باطلة بعيدة عن الصواب ، وقال لي بعض أصحابنا : إنّما هذا عمر [الشجري] بن علي الأصغر ، ولا أعلم لهذه الرواية صحّة ، وممّا يدلّ على بطلان ذلك ...
وجاء في تهذيب التهذيب 7 : 426 ، وكتاب مقتل أمير المؤمنين لابن أبي الدنيا : 40 الحديث 128 ذكر غير واحد من أهل التاريخ أنّ الذي قتل مع مصعب بن الزبير هو عبيدالله بن علي بن أبي طالب ، [لا عمر ]والله أعلم .
وفي شذرات الذهب 1 : 75 في التهذيب عبدالله ، وتهذيب التهذيب 7 : 485 ، وتهذيب الكمال 21 : 469 ، وتاريخ الإسلام حوادث سنة 67 : وقتل من جيش مصعب : محمّد بن الأشعث الكندي ابن أخت أبي بكر ، وعبيدالله بن علي بن أبي طالب ، وقتل من جيش المختار عمر الأكبر بن علي بن أبي طالب .
وقال خليفة بن خياط في تاريخه : 264 سنة سبع وستين وفيها مقتل المختار وعمر بن سعد ، وفيها وقعة المذار ، وفيها قتل عمر بن علي بن أبي طالب ومحمّد بن الاشعث بن قيس .
________________________________________ الصفحة 361 ________________________________________
وفاته في زمن مروان بن الحكم(1) ، أو في زمان عبد الملك بن مروان ، أو الوليد بن عبد الملك ، أي انّ وفاته مشكوك فيها بين سنة 60 إلى سنة 96 للهجرة ، وهي السنة التي توفّى فيها الوليد بن عبدالملك .
ولنا أن نحتمل في مثل هذا أمرين مضافاً إلى ما قلناه :
الأوّل : إنّ الاختلاف في عمر الأطرف ، وفي المتنازع معه ، وفي الشيء المتنازع عليه (الصدقات) ، وفي الخليفة المتنازع عنده (مروان ، عبدالملك ، الوليد بن عبدالملك) ، يشير إلى وجود أصابع أمويّة في هذه المسألة ، كما هي في زواج أمّ كلثوم ، وغناء سكينة (أعوذ بالله) ، فلا يستبعد أن يكونوا وضعوا تلك الأخبار على لسانه كي يقولوا بأنّ أقرب المقرّبين للإمام الحسين نهاه عن الخروج حتّى أخوه ، في حين هناك نصوص موجودة عند مدرسة أهل البيت تعارض هذه المقولة ، وهي تشير إلى أنّ الإمام الحسين كان متعمّداً في عدم إخراج جميع الطالبيين حفاظاً عليهم ، ولذلك طلب(عليه السلام) من ابن الحنفيّة أن يبقى في المدينة كي لا تتحقّق أمنية الأمويين بانقطاع نسل عليّ بن أبي طالب ، وقد مرّت عليك نصوص تشير إلى انّ معاوية كان يريد إبادة الهاشميين(2) .
فلا أدري هل أنّ عمر الأطرف خرج وقتل مع الحسين(عليه السلام) ، أم بقي بالمدينة بأمر الإمام الحسين(عليه السلام) كما بقي ابن الحنفية ، أم تصحّ حكاية ابن عنبة عنه من أ نّه امتنع من الخروج مع الحسين رغم طلب الإمام منه ، أم إنّ أمراً نفسيّاً انتابه فجاء موقفه معترضاً على الإمام ، أم أ نّه كان يريد الصدارة والسيادة المطلقة ـ كقبيلة بني هاشم ـ التي لم تتحقق له ؟!
الثاني : أ نّه لم يكن شخصاً مرضيّاً عند الأئمّة(3) ، وذلك لاختلافه مع الإمام
____________
1- انظر تهذيب الكمال 21 : 468 ، تهذيب التهذيب 7 : 426 .
2- مر في صفحه 184 ـ 222 .
3- قال ابن الطقطقي في الاصيلي : لم يكن مرضيّ السيرة . وقريب منه كلام ابن عنبة في عمدة الطالب : 362 .
________________________________________ الصفحة 362 ________________________________________
السجاد ولبسه المعصفر بعد مقتل الحسين ، وقوله : (أنا الغلام الحازم ، ولو خرجتُ معهم لذهبتُ في المعركة وقتلت) ، إلى ما شابه ذلك .
وذلك لاستعداده النفسيّ للقيام بمثل هذه الأعمال ، مع أنّ سائر أخوته من أبيه لم يكونوا كذلك ، فمحمد بن الحنفية مشهور بشجاعته ومشاركته مع الإمام علي في النشاط الحربي والسياسي والاجتماعي ، فقد كان ابن الحنفية بجنب والده في جميع الحروب ، وقد حمل راية أبيه(عليه السلام) في ذي قار وغيرها ولم يعترض على تولية الإمامين الحسن والحسين(عليهما السلام) صدقات الإمام علي .
المهم أنّ عمر الأطرف لم يكن له دور مهم في تاريخ الإسلام ، ولم يثبت مشاركته في واقعة الطف ، بل إنّ غالب المواقف المذكورة له هي مواقف سلبية ، مع انه قد عاش إلى زمن متأخّر ، فلا نرى له مواقف إيجابيه مع إخوته وأبنائهم ، بل اختلف مع الحسن المثنى ، وعبيدالله بن العباس ، وعلي بن الحسين السجاد ، وان قبولنا بوقوع هذه المخالفات ـ تبعاً للمؤرخين ـ يلزمنا القول بحياته إلى عهد الوليد بن عبدالملك وأ نّه غير مرضيّ السيرة .
هذا ، إن عدم ذكر خطباء المنبر الحسيني اسم عمر الأطرف ضمن رجال واقعة كربلاء ، جاء لعدم ثبوت شهادته عندهم ، وقد يكون لمواقفه السيّئة الأخرى مع إخوته وأبنائهم ، وقد يكون لأمور اخرى . فالخطباء في مجالسهم يذكرون روايات عمر بن اُذينه ، والمفضل بن عمر ، ومعاوية بن عمار عن الصادق والباقر(عليهما السلام) ولا يهأبون الاسماء ، وهذا يؤكد بأن الأمر لا يعود إلى خصوص الاسماء بل إلى عمر الأطرف نفسه .
بمعنى أ نّا لو أردنا أن نصحح ما قيل للزمنا أن نرجّح وفاته في عهد الوليد بن عبدالملك ، لإطباق المؤرّخين والنسّابة بأ نّه آخر ولد علي المعقبين وفاةً(1) ، أي أنّه توفّي بعد أخيه محمّد بن الحنفية المتوفّى سنة 81 حسبما قاله امثال :
____________
1- المجدي : 197 ، تهذيب التهذيب 7 : 426 الرقم 807 ، تهذيب الكمال 21 : 469 .
________________________________________ الصفحة 363 ________________________________________
المسعودي(1) وابن الجوزي(2) وابن قتيبة(3) وابن أبي الدنيا(4) والبلاذري(5)وابن سعد(6) ـ وهو الأصح بين الأقوال في وفاته ـ ويؤيّد ذلك ما رواه عبدالله بن محمّد بن عقيل ، قال : سمعت محمّد بن الحنفية يقول : ولدتُ سنة الجحاف ، وحين دخَلَتْ إحدى وثمانون هذه : لي ست وستون سنة قد جاوزتُ سنَّ أَبِي .
قال ، قلت : وكم كانت سِنّه يوم قتل ؟
قال : ثلاث وستون .
قال عبدالله : ومات أبو القاسم محمّد بن الحنفية في تلك السنة(7) .
أ مّا لو أردنا أن نجمع بين ما قاله سبط ابن الجوزي في التذكرة (بأ نّه عمّر خمساً وثمانين سنّة ، وحاز نصف ميراث أمير المؤمنين)(8) ، وبين ما ذكره الزبير بن بكار من أ نّه عاش إلى زمن الوليد بن عبدالملك لطال عمره وللزم أن تكون ولادته سـنة 11 ، لأنّ الوليد استخلف سنة سـت وثمانين ومات سنة ست وتسعين .
فلو قلنا بموت عمر في آخر أ يّام الوليد فيكون قد مات في سنة 96 للهجرة ، فلو قلنا بهذا للزم أن تكون ولادته في سنة 11 ، أي في عهد أبي بكر لا في عهد عمر بن الخطاب ، إلاّ أن نرجّح ما قيل عنه أ نّه مات وعمره ثمانون سنة أو خمسة
____________
1- مروج الذهب 3 : 116 ، التنبيه والإشراف : 273 .
2- صفة الصفوة 2 : 79 .
3- المعارف : 216 .
4- مقتل أمير المؤمنين لابن أبي الدنيا : الحديث 126 .
5- أنساب الاشراف 3 : 488 .
6- طبقات ابن سعد 5 : 116 .
7- مقتل ابن أبي الدنيا : الحديث رقم 125 وسنة الجحاف سنة جاء السيل مكة وجحف الحاج فيها .
8- بحار الأنوار 42 : 75 ، عن ابن الجوزي ، وهو أيضاً في سر السلسلة العلوية : 97 .
________________________________________ الصفحة 364 ________________________________________
وسبعون سنة أو سبع وسبعون سنه حسبما جاء عن ابن عنبه قبل قليل(1) .
بهذا فقد عرفت أنّ شخصيّة عمر بن علي الأطرف غير واضحة المعالم في التاريخ ولم تَدْرَسْ بعد ، وأنّ ذكره طلع فجأة حينما قام عمر بن الخطاب ، ثم خفي بعد ولادته سريعاً ـ أي في زمان عمر بن الخطاب نفسه أيضاً وفي زمان عثمان ـ وأسدل عليه الستار لعدّة عقود فلا نشاهد له موقفاً مع أبيه في بيعته وانتقاله إلى الكوفة وفي صفّين والجمل والنهروان ، وأيضاً لم نقف له على دور يوم مقتل أخيه الإمام الحسن ، ثم يبرزُ مفاجأَةً مرّة أخرى عند أحداث كربلاء ، وهذا من العجب العجاب !!
نعم ، يمكن أن يكون ذِكْرُهُ ضمن العمومات التي تذكر حضور ولد الإمام علي الاثني عشر عند الإمام(عليه السلام) حين شهادته في الكوفة(2) ، وقد تكون أُمُّه هي إحدى أمّهات الأولاد اللواتي أشار إليهنّ الإمام في وصيته التي حكاها الإمام الكاظم(3) ، لكنّ العمومات لا تفيد شيئاً .
فلماذا لا يذكر المؤرخون اسم عمر الأطرف في أربعة عقود الاولى من حياته ، ولم يطلع نجمه إلاّ بعد مقتل أخيه الحسين بن عليّ ، وماذا تعني مواقفه العدوانية مع أبناء إخوته : الحسن والحسين والعبّاس ، وهل أنّ هذه الحالة النفسيّة حدثت له بأخرة أم كانت معه منذ عهد الإمام علي ، لأ نّه كان يحسّ بعقدة كونه دون أولاد فاطمة الذين كانوا يَسمون عليه في الوجاهة والمكانة العائليّة ، وأ نّه كان لا يطيق الاعتراض والبروز مع وجود إخوانه : الحسن والحسين وابن الحنفيّة والعبّاس .
أجل ، إنّ عمر الأطرف لمّا أيقن بذهاب هؤلاء الإخوة جاء ليطالب بصدقات أبيه عليّ بن أبي طالب من أبنائهم ، لأ نّه الابن الوحيد الباقي للإمام ، وهو الأولى
____________
1- في صفحة 354 .
2- اثبات الوصية : 131 ، الخرائج والجرائح 1 : 183 ح 7 ، وانظر امالي الطوسي : 595 .
3- الكافي 7 : 50 ـ 51 ، المصنف لعبدالرزاق 7 : 288 ، تاريخ المدينة 1 : 141 .
________________________________________ الصفحة 365 ________________________________________
من أبناء إخوته بهذه الصدقات ، فأخذ ينازع الحسن المثنّى بن الحسن السبط ، وعليّ بن الحسين الشهيد ـ متناسياً وصيته والده(عليه السلام) يكون تولية الصدقات بيد أولاد الحسن والحسين ـ وعبيدالله بن العباس (في ميراث العباس و إخوانه) ، وبهذا يمكننا إرجاع كلّ هذه الاعمال التي قام بها عمر الأطرف إلى ما قلناه عن حالته النفسيّة ، لأنّه إنسان غير معصوم ، وقد يتأثر بالآخرين وخصوصاً الحكّام منهم ، وقد مرّ عليك بعض التطبيقات ، وعرفت دور معاوية وعبدالملك والوليد والحجّاج في إثارة هكذا أمور ، فكانوا يثيرون مسألة الصدقات ويحرّكون مشاعر أمثال : عمر بن عليّ ضدّ الحسن المثنّى وعليّ بن الحسين لمآربهم الخاصّة .
أولاده
انحصر عقب عمر الأطرف بن علي في ولده محمّد(1) من أسماء بنت عقيل بن أبي طالب ، وقد تزوّج محمّد هذا خديجة ابنة علي بن الحسين بن علي(2)وأولدها :
وكان له ابن رابع من أمّ ولد ، اسمه : جعفر الأبله ، لأ نّه قيل له : من خالك ؟ فقال : أُ مّي فتاة .
منوهين إلى أ نّا قد أشرنا سابقاً إلى قلة وجود اسم عمر بالنسبة إلى الأسماء الأُخرى عند الطالبيين وحتّى في هذا العمود ، فلا نرى اسم عمر كثيراً حتّى زمان ابن عنبه 828 هـ إلاّ لأربعة أشخاص هم :
____________
1- المجدي : 450 .
2- مناقب آل أبي طالب 3 : 208 ، المجدي : 451 .
________________________________________ الصفحة 366 ________________________________________
وهذه الأسماء الأربعة ـ حتى لو قلنا بأنّها عشرة ـ لا شي بالنسبة إلى الأسماء الكثيرة الأُخرى الموجودة عند الطالبيين .
أ مّا اسما أبي بكر أو عثمان فلم أقف عليهما عندهم .
وهي أُخت عمر بن علي ، وهما توأمٌ ولدتهما الصهباء التغلبية ، في عهد عمر بن الخطاب ، وكانت في حبالة مسلم بن عقيل فولدت له عبدالله وعلياً(1) ، وقيل عبدالله ومحمّداً(2) ، وقد كانت لهما (أي لطفلي مسلم) أخت أخرى اسمها عاتكة سُحِقَتْ يومَ الطَّفِّ لمّا هجم القوم على المخيّم وكان عمرها يوم خروج الحسين إلى كربلاء سبع سنين .
نحن لو اتخذنا تاريخ زواج مسلم بن عقيل وأعمار اولاده وتاريخ ولادة عمر الأطرف ورقية في عهد عمر بن الخطاب لعرفنا أنّ عُمْرَ (رقيّة( و (عُمَر) ابنَيْ علي من الصهباء كان فوق (46) عاماً في واقعة كربلاء .
وباعتقادي أنّ أمّهما الصهباء لم تكن حاضرة مع رقية في كربلاء ، وذلك لعدم وجود اسمها ضمن من مات عنهن علي بن أبي طالب من زوجاته(3) ـ بالطبع ان
____________
1- المعارف لابن قتيبة : 204 .
2- اعلام الورى : 397 .
3- الدر النظيم : 411 ، وفيه : وخلف اربع حرائر منهن : امامة وليلى واسماء وام البنين ، وثمان عشر أم ولد .
________________________________________ الصفحة 367 ________________________________________
كانت زوجة له ـ فيلزم ان تكون ماتت في زمن الإمام علي ، وقد تكون أُمّ ولد فلهذا لم تذكر في عداد الزوجات اللواتي مات عنهنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) .
هي ممن أسلمت بمكة قديماً ، وبايعت وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب(1) ، ولمّا قدم جعفر ـ حين فتح خيبر ـ من الحبشة تلقاه رسول الله واعتنقه وقال : ما أدري بأ يّهما أنا أشدّ فرحاً ، أبقدوم جعفر أم بفتح خيبر(2) ؟
إنّ أسماء بنت عميس هي أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي من قِبَلِ أُ مِّها .
ولها أُخت أخرى من أُ مّها تسمّى بأم الفضل بنت الحارث ، امرأة العباس ، عمِّ الرسول .
ولها أُختان أُخريان من قبل أبيها وأ مّها تسمّى إحداهما سلامة والأخرى سلمى ، والأخيرة تزوّجها حمزة عمِّ الرسول(3) .
وعليه فهي من عائلة عريقة أصيلة فيها أكرم الأصهار .
أبوها : عميس بن سعد بن الحارث بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن معاوية بن زيد بن مالك بن بشر بن وهب الله بن شهراب بن عفرس بن خلف بن أقبل(4) .
____________
1- صفة الصفوة 2 : 61 ، وسير اعلام النبلاء 2 : 282 .
2- انظر الآحاد والمثاني 1 : 276 ح 363 ، المعجم الكبير 2 : 108 ح 1469 و 1470 ، وسائل الشيعة 8 : 52 ح 7 عن المقنع للشيخ الصدوق : 139 .
3- الاستيعاب 4 : 1784 ، 1861 ، 1915 ، تهذيب الاسماء 2 : 599 .
4- الاستيعاب 4 : 178 ، وانظر تهذيب الكمال 35 : 127 ، الأغاني 12 : 251 .
________________________________________ الصفحة 368 ________________________________________
أمها : هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن كنانة(1) .
إنّ أسماء بنت عميس تزوّجها أولاً جعفر بن أبي طالب ، فولدت له عبدالله ومحمّداً وعوناً ، وانّ عبدالله بن جعفر هو أول مولود ولد في الإسلام بأرض الحبشة وقدم مع أبيه المدينةَ(2) .
ولما قتل جعفر ـ يوم مؤته ـ تزوّجها أبو بكر ، فولدت له محمّداً وقت الإحرام ، فحجّت حجة الوداع(3) ، وأوصى أبو بكر بأن تغسّله .
ثم تزوّجها الإمام علي بن أبي طالب ، واتّفق الكلّ على أنّها وَلدت له يحيى ، واختلفوا في محمّد وعون هل أ نّهما وَلَدا علي أم ربائبه ؟ أو أن أحدهما هو ولد علي والآخر ولد غيره ، أو أ نّهما ولدا أخيه جعفر ; ـ لوجود هذين الاسمين في ولد جعفر ـ فسميا باسمه .
وهل أنّ محمّداً وعوناً هما اسمان لشخص واحد ، أم غير ذلك من الاحتمالات ؟ أنا لا أستبعد أحد أمرين :
وعلى هذا التفسير يكون محمّد اسم لثلاثة أولاد لأسماء بنت عميس ، أحدهما : محمّد بن أبي بكر ، والآخر : محمّد بن جعفر بن أبي طالب ، والثالث :
____________
1- انظر عن حياتها مقاتل الطالبيين : 11 ـ 12 .
2- الاستيعاب 2 : 881 .
3- سير أعلام النبلاء 2 : 283 .
4- محمد بن جعفر بن أبي طالب ومحمد بن علي بن أبي طالب .
________________________________________ الصفحة 369 ________________________________________
محمّد بن علي بن أبي طالب ; لأنّ اسم محمّد هو المحبوب عند المسلمين ، وكان من السنّة التسمية به ، هذا مجمل ما نريد قوله في أولاد أسماء بنت عميس ، ولنرجع إلى مكانتها على عهد رسول الله .
روى الشيخان في الصحيحين أنّ عمر دخل على حفصةَ وأسماءُ عندها ، فقال عمر حين رأى أسماء : من هذه ؟
فقالت : أسماء بنت عميس .
فقال عمر : الحبشية هذه البحرية هذه ؟
فقالت أسماء : نعم .
فقال عمر : سبقناكم بالهجرة ، فنحن أحقّ برسول الله منكم ، فغضبت وقالت : كلا [يا عمر] ، كلا والله ، كنتم مع رسول الله يطعم جائعكم ، ويعظ جاهلكَم ، وكنا في دار أو في أرض البعداء البغضاء بالحبشة ، وذلك في الله عزّوجلّ وفي رسوله ، وايمُ الله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتّى أذكر ما قلت لرسول الله ونحن كنا نؤذى ونخاف وسأذكر ذلك للنبي(صلى الله عليه وآله) وأساله ، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه .
فلما جاء النبي ، قالت : يا نبي الله إنّ عمر قال كذا وكذا .
فقال رسول الله : فما قلتِ له ؟
قالت : قلت له كذا وكذا .
فقال رسول الله : ليس بأحقّ بي منكم ، وله ولأصحابه هجرة واحدة ، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان .
قالت : فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتونني أرسالاً يسألوني عن هذا الحديث ، ما من الدنيا شيءٌ هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال رسول الله(1) .
____________
1- صحيح البخاري 4 : 1946 ، صحيح مسلم 4 : 1946 ، مصنف بن أبي شيبة 7 : 351 .
________________________________________ الصفحة 370 ________________________________________
توفيت أسماء بنت عميس في سنة ثمان وثلاثين للهجرة كما في بعض المصادر ، وقيل بعد الستين(1) ، لكنّ غالب المصادر قالت أنّ الإمام عليّاً مات عن أربعة زوجات وذكروا فيهن أسماء بنت عميس ، وهن : أمامة ، أسماء ، أمّ البنين ، ليلى النهشلية(2) . وهذا يعني أ نّها ماتت بعد سنة 40 هـ .
وأسماء هي التي نقلت كلام أمير المؤمنين عند شهادته فقالت : كنت عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بعدما ضربه ابن ملجم ، إذ شهق شهقة بعد أن أُغمي عليه ، ثم أفاق وقال : مرحباً ، (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ)(3) .
وإليك الآن الأقوال في اسماء أولاد علي بن أبي طالب من أسماء بنت عميس مميزين الثابت منه والمشكوك فيهم ، فنذكر أولاً من انفرد بذكر يحيى بن علي ، ثم نذكر من ذكر هذا مع إِخوان له :
أطبق النسّابة على أن أسماء ولدت لعلي بن أبي طالب(عليه السلام) يحيى ، وقد مات صغيراً .
أ مّا وجود اسم محمّد وعون في ولد علي من اسماء فقد اختلفوا فيه ، وقد قلت قبل قليل بأني لا أستبعد أن يكون سببه هو وقوع الخلط عند النسّابة والمؤرخين حيث عدّوا أولاد جعفر بن أبي طالب ضمن ولد علي بن أبي طالب لمكانة أسماء بنت عميس عندهما ، فهي زوجة علي وجعفر ، وقد يكونا (محمّد وعون) لجعفر وعلي معاً وهما مكرران ، أي أنّ لجعفر محمّداً وعوناً من أسماء ، وكذلك مثلهما لعلي .
____________
1- الوافي بالوفيات 9 : 34 .
2- الدر النظيم : 411 .
3- المستطرف للابشيهي2 : 577 .
________________________________________ الصفحة 371 ________________________________________
قال ابن أبي الثلج (ت 325) في (تاريخ أهل البيت) : وولد له من أسماء بنت عميس الخثعمية : يحيى(1) .
وقال الخصيبي (ت 334 هـ) في (الهداية الكبرى) : وكان له يحيى من أسماء بنت عميس الخثعمية(2) .
وقال الشيخ المفيد (ت 478 هـ) في (الإرشاد) : ويحيى أ مّه أسماء بنت عميس الخثعمية(3) .
وقال الشيخ المفيد (ت 478هـ ) في (الإرشاد) : ويحيى أمّه أسماء بنت عميس الخثعمية (4).
وقال ابن عبدالبر (463 هـ) في (الاستيعاب) : فولدت له هناك [أي لجعفر بن أبي طالب في الحبشة] محمّد اً وعبدالله وعونا ، ثم هاجرت إلى المدينة ، فلما قتل جعفر بن أبي طالب تزوّجها أبو بكر الصديق فولدت له محمّد بن أبي بكر ، ثم مات عنها فتزوجها علي بن أبي طالب فولـدت له يحيى بن علي بن أبي طالب لا خلاف في ذلك .
وزعم الكلبي أنّ عون بن علي بن أبي طالب أ مّه أسماء بنت عميس الخثعمية ، ولم يقل هذا أحد غيره فيما علمت .
وقيل : كانت أسماء بنت عميس تحت حمزة بن عبدالمطلب فولدت له ابنة تسمّى أَمَةَ الله ، وقيل : إنّ التي كانت تحت حمزة وشداد سلمى بنت عميس لا أسماء أختها(5) .
____________
1- تاريخ أهل البيت : 95 .
2- الهداية الكبرى : 95 .
3- مروج الذهب 2 : 300 .
4- الإرشاد 1 : 354 .
5- الاستيعاب 4 : 1785 .
________________________________________ الصفحة 372 ________________________________________
وقال الطبرسي (ت 548 هـ) في (إعلام الورى) : و يحيى أمُّه أسماء بنت عميس الخثعمية ، وتوفّي صغيراً قبل أبيه(1) .
وقال أيضاً في (تاج المواليد) : ويحيى أ مّه أسماء بنت عميس الخثعمية(2) .
وقال الكاتب البغدادي (ت 567 هـ) في (تاريخ الأئمة) : وولد له من أسماء بنت عميس الخثعمية : يحيى(3) .
وقال ابن أبي الحديد (ت 656 هـ) في (شرح النهج) : تزوّجها علي بن أبي طالب فولدت له يحيى بن علي لا خلاف في ذلك .
وقال النووي (676 هـ) في (تهذيب الأسماء) : أسماء بنت عميس ... ولدت لعلي يحيى(4) .
وقال العلاّمة الحلي (ت 726 هـ) في (المستجاد من الإرشاد) : و يحيى أ مّه أسماء بنت عميس الخثعمية رضي الله عنها(5) .
وقال المرتضى الزيدي (ت 740 هـ) في (البحر الزخّار) عند ذكره أولاد الإمام علي : ثمّ يحيى ، أُمه أسماء بنت عميس ، مات صغيراً(6) .
وقال الصالحي الشامي (ت 942 هـ) في (سبل الهدى) : اسماء بنت عميس كانت تحت جعفر فولدت له عبدالله ومحمّداً وعوناً ثم مات فخلف عليها أبو بكر الصديق فولدت له محمّداً ثمّ مات فخلف عليها علي بن أبي طالب فولدت له يحيى(7) .
____________
1- اعلام الورى 1 : 396 .
2- تاج المواليد : 18 ـ 19 .
3- تاريخ الأئمّة : 16 .
4- تهذيب الأسماء 2 : 599 .
5- المستجاد من الارشاد : 139 ـ 140 .
6- البحر الزخار 2 : 384 .
7- سبل الهدى والرشاد 11 : 207 .
________________________________________ الصفحة 373 ________________________________________
وقال في مكان آخر : ويحيى مات طفلا(1) .
كل هذه النصوص تؤكّد بأنّ أسماء بنت عميس ولدت لعلي بن أبي طالب يحيى وأن ذلك لا خلاف فيه ; لكنّ الاختلاف في وجود أولاد آخرين منها لعلي .
قال اليعقوبي (ت 292 هـ) في (تاريخه) : وعثمان الأصغر(2) ويحيى ، أ مّهما اسماء بنت عميس الخثعمية(3) .
وقال الكوفي (ت 300 هـ) في (مناقب الإمام أمير المؤمنين) : ويحيى وعون ابنا علي ، وأ مّهما أسماء بنت عميس بن النعمان بن كعب(4) .
وقال ابن شهرآشوب (ت 588 هـ) في (مناقب ال أبي طالب) : ومن أسماء بنت عميس الخثعمية يحيى ومحمّد الأصغر ، وقيل : بل ولدت له عوناً ، ومحمّدُ الاصغر من أمّ ولد(5) .
وقال ابن عبدالبر في الاستيعاب : ذكر ابن الكلبي أنّ عوناً أمّه أسماء بنت عميس ولم يقل ذلك أحد غيره(6) .
وقال ابن الجوزي (ت 597 هـ) في (المنتظم) : ثم تزوّجت بعده بعلي بن أبي طالب ، فولدت له يحيى وعونا(7) .
____________
1- سبل الهدى والرشاد 11 : 288 .
2- انفرد اليعقوبي بهذا القول ، و يُخطّئُهُ اشتهار اسم عثمان لابن أم البنين الذي وضعه الإمام علي على ابنه بعد مقتل عثمان ، فلو ثبت لك يجب ان يكون ابن اسماء بنت عميس هو الاكبر لا الاصغر لزواجه بها قبل أم البنين .
3- تاريخ اليعقوبي 2 : 213 .
4- مناقب أمير المؤمنين 2 : 49 .
5- مناقب آل أبي طالب 3 : 89 ، وعنه في بحار الأنوار 42 : 91 ـ 92 .
6- شرح نهج البلاغة 16 : 142 ـ 143 .
7- المنتظم 5 : 154 .
________________________________________ الصفحة 374 ________________________________________
وقال ابن البطريق (ت 600 هـ) في (العمدة) : يحيى وعبيدالله أ مّهما أسماء بنت عميس الخثعمية(1) .
وقال ابن حاتم العاملي (ت 664 هـ) في (الدر النظيم) : وكان له من أسماء بنت عميس الخثعمية : يحيى وعون(2) .
وقال أحمد بن علي الطبري (ت 694 هـ) في (ذخائر العقبى) : ومحمّد الاصغر قتل مع الحسين أمه أم ولد ، ويحيى وعون أ مّهما : أسماء بنت عميس ، فهما أخوا بني جعفر ، وأخوا محمّد بن أبي بكر لأُمِّه(3) .
وقال في موضع آخر ـ في ولد جعفر ـ : كان له من الولد ثلاثة : عبدالله وبه كان يكنّى ، ومحمّد وعون ، ولدوا كلّهم بأرض الحبشة ذكره الدارقطني وأبو عمرو والبغوي ، أ مّهم أسماء بنت عميس ، و إخوتهم لأمهم : محمّد بن أبي بكر ويحيى بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم(4) .
وحكى الذهبي (ت 748 هـ) في (سير اعلام النبلاء) قول الواقدي : ثم تزوَّجَتْ علياً فولدت له يحيى وعوناً(5) .
وقال الزرندي (ت 750 هـ) في (نظم درر السمطين) : وقتل معه [الحسين(عليه السلام)] من إخوته وبنيه وبني أخيه الحسن ومن أولاد جعفر وعقيل تسعة عشر رجلاً ... ومن ولد عبدالله بن جعفر اثنان عونٌ ومحمّد(6) .
وقال ابن الصبّاغ المالكي (ت 855 هـ) في (الفصول المهمة) : ويحيى وعون أ مّهما أسماء بنت عميس الخثعمية(7) .
____________
1- العمدة : 30 .
2- الدر النظيم : 430 .
3- ذخائر العقبى : 116 ـ 117 .
4- ذخائر العقبى : 219 .
5- سير اعلام النبلاء 2 : 286 .
6- نظم درر السمطين : 218 .
7- الفصول المهمة 1 : 643 ـ 644 .
________________________________________ الصفحة 375 ________________________________________
وقال ابن الدمشقي (ت 871 هـ) في (جواهر المطالب) : وتزوّج أيضاً أسماء بنت عميس الخثعمية ، فولدت يحيى ومحمّد الأصغر ولا عقب لهما .
قال الواقدي : وولدت له محمّد الأصغر ، قتل مع الحسين(1) .
وقال العاصمي (ت 1111 هـ) في (سمط النجوم العوالي) : ويحيى وعون أ مّهما اسماء بنت عميس الخثعمية(2) .
ثم حكى التستري بسنده عن المدائني أ نّه قال : إنّ رجلاً من بني أبان بن دارم قتله رضوان الله عليه ولعن الله قاتله(3) .
قلت قبل قليل : بأنّ ما أَحْتِمُلُه في وَلَدَي أسماء بنت عميس يرجع سببه إلى وجود مثلهما في ولد زوجها الأول جعفر بن أبي طالب ، وأيضاً وجود اسم محمّد في ولدها من أبي بكر .
توضيح ذلك : إنَّ أسماء بنت عميس تزوّجها الإمام علي بعد زوجين ، أوَّلُهما أخوه جعفر بن أبي طالب ، وقد ولدت منه محمّداً وعوناً ، وثانيهما أبو بكر بن أبي قحافة وقد ولدت منه محمّد اً ، وبعد هذا فلا يستبعد أن يختلط هذا الأمر على المؤرّخين والنسّابة وأن ينسبوا محمّداً وعوناً ابنَيْ أسماء من جعفر(4) إلى زوجها الإمام علي ، لأ نّهما يكونان ربيبْيه وابْنَيْ أخيه ، وهو(عليه السلام) بمنزلة الأب لهما ، فلا يستبعد أن يقال لمحمد أو عون ابنَيْ جعفر : محمّد أو عون ابنا علي ، لأ نّه أب لهما بمعنيين ، لأ نّه زوج أ مِّهما وعمُّهما .
____________
1- جواهر المطالب 2 : 122 .
2- سمط النجوم العوالي 3 : 74 .
3- قاموس الرجال 9 : 25 .
4- قال ابن عنبة في أولاد جعفر بن أبي طالب ، وأنهم : ثمانية بنين وهم : عبدالله ، وعون ، ومحمّد الأكبر ، ومحمّد الاصغر ، وحميد ، وحسين ، وعبدالله الأصغر ، وعبدالله الأكبر ، وأمهم أجمع أسماء بنت عميس الخثعمية .
أ مّا محمّد الأكبر فقتل مع عمه أمير المؤمنين بصفين .
وأ مّا عون ومحمّد الأصغر فقتلا مع ابن عمهما الحسين يوم الطف عمدة الطالب : 36 .
________________________________________ الصفحة 376 ________________________________________
ولا أَستبعدُ أن يكون هذان الاسمان موجودَيْن معاً لولَدَي جعفر بن أبي طالب ولوَلدَي علي بن أبي طالب ، وحيث رأينا غالب المؤرّخين لا يقبلون بوجود ابن للإمام علي من أسماء باسم محمّد أو عون قلنا بالاحتمال الأوّل ، و إلاّ فالأمر لا يستبعد وجوده في أولاد الإمام وعند غيره .
اسمها : فاطمة ، وكنيتها : أمّ البنين الكلابية العامرية(1) ، كنّاها بذلك الإمام علي بن أبي طالب بطلب منها حتّى لا يتأذَّى أولاد الزهراء حينما يناديها الإمام أمير المؤمنين بـ (يا فاطمة) .
أبوها : حزام ـ وقيل حرام بالراء المهملة(2)ـ بن خالد بن ربيعة بن الواحد وهو عامر بن كعبب بن عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر(3) .
أمها : ثمامة(4) ـ وقيل ليلى(5) ـ بنت السهل بن عامر بن مالك بن أبي برّة عامر بن ملاعب الأسنّة بن جعفر بن كلاب ، وقد عدّ أبو الفرح الاصفهاني إحدى عشرة إمرأة من أ مّهات أمّ البنين(6) .
____________
1- يقال لها العامرية لأ نّها من غصن بني عامر ، كما يقال لها الوحيدية لأ نّها من بني الوحيد أحد بني كلاب .
2- مروج الذهب 3 : 63 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 213 ، الكامل في التاريخ 3 : 262 ، الإصابة 2 : 169 ، جمهرة أنساب العرب : 38 ، 282 ، سر السلسلة العلوية : 88 ، قاموس الرجال 12 : 195 .
3- منتقلة الطالبية : 261 ـ 262 .
4- مقاتل الطالبيين : 53 ، إبصار العين : 56 .
5- عمدة الطالب : 356 .
6- مقاتل الطالبيين : 54 ، عمدة الطالب : 356 ، ذكر اربعة منهن .
________________________________________ الصفحة 377 ________________________________________
تاريخ زواجها
اختلف المؤرّخون في تاريخ زواجها من الإمام علي ، فبعضهم قال : إنّ عليّاً تزوّجها بعد شهادة فاطمة مباشرة ـ بعد ثلاث ليال أو تسع ليال ـ مخالفين بذلك الوصية المشهورة عن الزهراء في زواجه من أُمامَة ، لكنّ القائلين بهذا القول
علّلوا كلامهم بعدم منافاة هذا الأمر مع وصيّة الزهراء ; لأ نّها(عليها السلام) لم تُوصِ
أن يتزوّج(عليه السلام) أُمامة بلا فصل بعد وفاتها(1) ، وهذا البعض سعى أن يؤيد كلامه بكلمة (ثم) الواردة في تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير(2) ، وأ نّها دالّة
على الترتيب ; لأنّ الطبري قال : فأوّل زوجة تزوّجها فاطمة بنت رسول الله ولم يتزوّج عليها حتّى توفّيت عنده ... ثمّ تزوّج بَعْدُ أم البنين بنت حزام ...
ثم ... ثم .
لكنّي لا أقبل هذا الاستدلال ولا هذا التعليل ، لأنّ السيّدة فاطمة الزهراء استشهدت في النصف الأوّل من سنة 11 الهجرة ، فلو كان الإمام قد تزوّجها بلا فصل فقد خالف الوصية ونَفَى ضرورة الزواج من أُمامة ، علماً بأنّ العبّاس كان أكبر ولدها إذ ولد سنة 24 هـ ، وهذا ليشير إلى أنّه قد تزوّجها بعد أُمامة ، وخولة ، وأسماء ـ أ مّا الصهباء فقد ولدت له مبكّراً لكنّها بقيت أمّ ولد ـ وبذلك تكون أمّ البنين الزوجة الثالثة للإمام بعد الزهراء(عليها السلام) ـ إن كانت خولة قد توفيت لِكبر سنها(3) ـ لأنّ محمّد بن الحنفية هو أكبر من العباس يقيناً ، لكنهم اختلفوا فيمن هو الاكبر : هل عمر بن الصهباء ، أم العبّاس بن أم البنين ، فالبعض رجّح الأول ، والآخر الثاني .
وهناك رأي ثالث وهو أ نّه(عليه السلام) تزوّجها بعد أمامة مباشرة لأنّ أمامة لم تلد له ،
____________
1- الخصائص العباسية ، للكلباسي : 74 .
2- تاريخ الطبري 3 : 162 ، حوادث سنة 40 ، الكامل في التاريخ 3 : 662 .
3- لأنّه جاء في بعض الأخبار أن ابنها محمد كان يمشط شعرها وهو ليشير إلى كهولة سنها .
________________________________________ الصفحة 378 ________________________________________
وحيث إنّ الإمام كان(عليه السلام) يريد الولد فتزوّجها لكي تلد له غلاماً فارساً بطلا يسند أخاه الحسين في كربلاء(1) ، وهناك أقوال أخرى لا أرى ضرورة لذكرها .
أ مّا مكان ولادتها فلا نعلمه بالتحديد ، لكنّا نعلم أنّ قبيلتها بني كلاب كانوا يقطنون الجزيرة العربية والكوفة ، وكانوا يرتبطون فيما بينهم عن طريق وادي عرعر أو وادي عذيب .
والراجح أ نّها مدنية ولادةً ونشأةً ، وفي آبائها يقول لبيد بن ربيعة العامري للنعمان بن المنذر ملك الحيرة :
نحن بنو أمُّ البنين الأربعةْ ونحنُ خيرُ عامر بن صعصعةْ
الضَّاربونَ الهامَ وَسْطَ المعمَعةْ
فلم يُنكِر على لبيد النعمانُ ولا أحد من العرب ; لأنّ لهم شرفاً لا يدافع(2) ، ولبيد بن ربيعة هو عمّ أمّ البنين وقيل : عمّ حزام ـ أبيها ـ(3) .
وملاعب الأسنة ـ عامر بن مالك الكلابي ـ جدّ أمّ البنين من أ مّها يضرب به المثل في الشجاعة .
ولبيد بن ربيعة هو من فحول الشعراء والقائل :
ألا كلُّ شيء ما خلا الله باطلُ وكلُّ نعيم لا محالةَ زائلُ
فقال رسول الله : أصدقُ كلمة قالتها العرب كلمة لبيد(4) .
هذه النصوص وغيرها تؤكّد أنّ بني كلاب كانوا يتنقلون بين مكة والمدينة ، ويذهبون إلى الكوفة ويسكنونها أحياناً ، وأنّ (الوحيدة) هي اسمٌ لمكان كان
____________
1- قاموس الرجال 12 : 195 ، أعيان الشيعة 7 : 429 عن عمدة الطالب .
2- لسان العرب 8 : 74 (بتصرف) ، وانظر جمهرة الامثال للعسكري 2 : 117 ، الاغاني 17 : 189 ، مجمع الامثال 2 : 103 .
3- انساب الاشراف 2 : 412 .
4- تهذيب الاثار للطبري 2 : 658 ، فيض القدير 1 : 524 ، تاريخ اصبهان 1 : 321 ، وانظر صحيح مسلم 4 : 1768 وسنن الترمذي 5 : 140 ، وتاريخ بغداد 5 : 42 ، 12 : 493 ، وفيهن : اشعر كلمة قالتها العرب ... الخ .
________________________________________ الصفحة 379 ________________________________________
يعيش فيه آباء أمّ البنين من أعراض المدينة ، بينها وبين مكة فراسخ ، فإن قلنا بأنّ نسبة ( الوحيدية ) إليها جاءت نسـبة لهذه المنطقة فهي مدنية ولادةً ونشأةً وآباءً .
أ مّا لو أردنا الذهاب إلى كوفيّتها ـ اعتماداً على ما حكاه ابن الأثير عن ابن أخي أمّ البنين الآتي ـ فتكون هي كوفية ويكون عمر العبّاس في كربلاء 24 سنة ، لأنّ الإمام لم يدخل الكوفة إلاّ بعد خلافته الظاهريّة في سنة 35 هـ ، وهذا يخالف جميع الحقائق التاريخيّة ، اللّهمّ إلاّ أن نقول انّ المقصود من الكوفة حدودها الموازية للمدينة ، أي أنّ قبيلتها كانت تتنقل بين الكوفة والمدينة ، فمن يأتي إليها من الكوفة يراها كوفيّة ومن يأتي إليها من المدينة فيعتبرها مدنيّة ، وهذا كلام بعيد جدّاً .
و إمّا أن نقول أنّ قول ابن حزام العامري (عندنا بالكوفة) محرّف عن (عندنا بالمدينة) ، وبهذا يمكن أنّ نجمع بين القولين ، لكنّ الأمر شائك في الجمع بين القولين .
ما يدل على كوفيتها
جاء في الفتوح لابن اعثم : أنّ عبدالله بن المحل بن حزام العامري ـ ابن أخي أمّ البنين ـ جاء إلى عبيدالله بن زياد وقال له : إنّ علي بن أبي طالب قد كان عندنا بالكوفة فخطب إلينا فزوّجناه بنت عمّ لنا يقال لها : أمّ البنين بنت حزام ، فولدت له عبدالله وعثمان وجعفراً والعباس ، فهم بنو أختنا وهم مع أخيهم الحسين بن علي ، فإن أذنت لنا أن نكتب إليهم كتاباً بأمان منك فعلتَ متفضّلاً .
فأجابه عبيدالله بن زياد إلى ذلك ، فكتب عبدالله بن المحل ودفع الكتاب ... إلى آخر الخبر(1) .
ومن الطريف أ نَّا لا نرى اسم عثمان بين ولد أمّ البنين في أحد نصي الفتوح
____________
1- الفتوح 5 : 93 وليس فيه عثمان بين ولد أم البنين لكنه ذكره في 5 : 113 ضمن من تسمية من قتل مع الحسين .
________________________________________ الصفحة 380 ________________________________________
والمعارف ومروج الذهب والجوهرة(1) في حين أ نّه موجود في نص البلاذري وخليفة بن خياط واليعقوبي وابن سعد والطبري(2) ، لا أدري هل سقط أم أُسقِطَ اشارة إلى عدم وجود هذا الولد للإمام ، أو إشارة إلى شيء آخر !!
اولادها
____________
1- الفتوح 5 : 93 ـ 94 ، المعارف : 88 ، 211 ، مروج الذهب 3 : 63 ، الجوهرة في نسب الإمام علي(عليه السلام) : 58 لكن المسعودي في التنبيه والاشراف : 258 ـ عند ذكره ولد أمير المؤمنين(عليه السلام) ـ قال : والعباس واُمه أم البنين ابنة حزام وعبدالله وجعفر وعثمان ومحمّد الأصغر ويكنّى ابا بكر .
2- أنساب الاشراف 2 : 413 ، 3 : 390 ـ 391 ، تاريخ خليفة : 234 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 213 ، طبقات ابن سعد 3 : 20 ، تاريخ الطبري 3 : 162 ، 313 .
3- العباس للمقرم : 245 .
4- مقاتل الطالبيين : 53 ـ 54 .
5- تحت عنوان (أبو بكر اسم ام كنيه) في صفحة 393 .
6- قال الموضح العمري في المجدي : 197 وعثمان بن علي يكنّى أبا عمرو ، قتل وهو ابن إحدى وعشرين ، وجعفر أبو عبدالله وهو ابن تسع وعشرين سنة ، وعبدالله أبو محمّد الاكبر قتل وهو ابن خمس وعشرين سنة ودمه في بني دارم ، أم الأربعة اُم البنين بنت حزام الكلابية ، قتلوا جميعاً بالطف رضي الله عنهم . وانظر مقاتل الطالبيين : 55 ، وفيه : قتل عثمان بن علي وهو ابن إحدى وعشرين سنة ، وقال الضحاك المشرفي ... أنّ خولى بن يزيد رمى عثمان بسهم فأوسطه وشدّ عليه رجل من بني أبان بن دارم فقتله وأخذ راسه ، وعثمان بن علي الذي روى عن علي أ نّه قال : إنما سميته باسم أخي عثمان بن مظعون .
________________________________________ الصفحة 381 ________________________________________
قال أهل السير : لما قتل عبدالله بن علي دعا العباس عثمان وقال له : تقدم يا أخي ، كما قال لعبدالله ، فتقدّم إلى الحرب يضرب بسيفه يقول(1) .
وفي أنساب الاشراف : فجعل عمر [بن سعد] شمراً على الرجَّالة ونهض بالناس عشية الجمعة ، ووقف شمر على مخيّم الحسين فقال : أين بنو أختنا ؟ يعني العباس وعبدالله وجعفراً وعثمان بن علي بن أبي طالب ، وأ مّهم أم البنين بنت حزام بن ربيعة الكلابيّ الشاعر ، فخرجوا إليه فقال : لكم الأمان ، فقالوا له : لعنك الله ولعن أمانك !!! أتؤمّننا وابن بنت رسول الله لا أمان له(2) .
ومن منفردات ابن أبي الحديد إبداله اسم (عثمان) الثابت والمعروف بين ولد علي بـ (عبد الرحمن) ضمن أولاد أمّ البنين(3) ، ولا أعرف سبب ذلك ، إذ لم يقل أحد بأن لأم البنين من أمير المؤمنين ولد بأسم عبدالرحمن ، فمن أين أتى بهذا الاسم لها ؟!
وكذا لم يذكر ابن قتيبة(4) ولا المسعودي في مروج الذهب(5) ولا المفيد في
____________
1- ابصار العين : 68 .
2- أنساب الاشراف 3 : 390 ، وانظر تاريخ الطبري 3 : 314 ، الكامل في التاريخ 3 : 415 ، المنتظم 5 : 337 .
3- شرح نهج البلاغة 9 : 243 .
4- المعارف لابن قتيبة : 88 ، 211 .
5- مروج الذهب 3 : 63 .
________________________________________ الصفحة 382 ________________________________________
الاختصاص(1) اسم عثمان ضمن أولاد عليّ وأمّ البنين .
وكلامي هذا لا يعني بأ نّي أريد أن أشكّك في وجود ابن للإمام علي باسم عثمان ، فهو كان موجوداً في واقعة الطّفّ واستشهد مع إخوته ، وقد وقع التسليم عليه في زيارة الناحية : (السّلام على عثمان ابن أميرالمؤمنين ، سَمِيِّ عثمان بن مظعون ، لعن الله راميَهُ بالسهم خوليَّ بن يزيد الأصبحي الإِيادي الدارمي(2)) لكنّي أردت أن آتي بكلّ شيء وقفت عليه في دراستي ، حتّى لا أرمى بالتحيّز .
نعم ، جاء في مناقب بن شهرآشوب وعنه في بحار الأنوار أ نّه برز من بعد أخيه عمر بن علي ، قال أبو الفرج : ثمّ برز من بعده أخوه عثمان بن علي ، وأ مّه أمّ البنين بنت حزام بن خالد من بني كلاب ، وهو يقول :
إنّي أَنا عثمانُ ذُو المفاخرِ شيخي عليٌّ ذُو الفَعال الظاهرِ
و إِبنُ عَمٍّ للنبيّ الطاهرِ أخي حسينٌ خيرةُ الأَخايِرِ
وسيِّدُ الكِبار والأَصاغرِ بَعدَ الرَّسُولِ وَالوَصِيِّ النَّاصِرِ
فرماه خوليّ بن يزيد الأصبحي على جبينه فسقط عن فرسه ، وجزّ رأسه رجل من بني أبان بن دارم(3) .
قال أبو الفرج : قال يحيى بن الحسن ، عن علي بن إبراهيم ، عن عبيدالله بن الحسن وعبدالله بن العباس قالا : قتل عثمان بن علي وهو ابن إحدى وعشرين سنة ، وقال الضحاك بإسناده : إنَّ خولي بن يزيد رمى عثمان بن علي بسهم فأوهطه وشدّ عليه رجل من بني أبان بن دارم وأخذ رأسه .
وروي عن علي(عليه السلام) أ نّه قال : إنّما سمّيته باسم أخي عثمان بن مظعون(4) .
____________
1- الاختصاص للمفيد : 82 .
2- المزار للمشهدي : 489 ، اقبال الاعمال 3 : 75 ، بحار الانوار 45 : 67 وفيه زيادة الاباني الدارمي .
3- مناقب بن شهرآشوب 3 : 255 ، وبحار الأنوار 45 : 37 .
4- مقاتل الطالبيين : 55 .
________________________________________ الصفحة 383 ________________________________________
أقول [والكلام للمجلسي] : ولم يذكر أبو الفرج عمر بن علي في المقتولين يومئذ(1) .
ولم يعقّب أحدُ هؤلاء الأربعة من أولاد أمّ البنين إلاّ العباس .
وحكى الطبري عن أبي مخنف قوله : وزعموا أنّ العبّاس بن علي قال لإخوته من أ مّه ـ عبدالله ، وجعفر ، وعثمان ـ : يا بني أمّي ! تقدّموا حتّى
أرثكم(2) .
والنصّ لم يكن كذلك ، وإنّما هو بشكل آخر سنذكره بعد قليل .
لقد حرّضهم أبو الفضل على الشهادة ، لأنهم لو بقوا بعد الحسين (عليه السلام)لأصابهم ما أصابهم ، ولَما وُفِّقوا للشهادة في سبيل الله ، فأراد العباس أن يقدّمهم للحرب كي يفدوا بأنفسهم إمامهم الحسين ، لأنّهم لو بقوا لشمت بهم شمر بن ذي الجوشن الكلابي ، والنص الصحيح هو الذي ورد في الإرشاد وغيره وهو أنّ العباس(عليه السلام) ـ لمّا رأى كثرة القتلى قال لأخوته من أُمّه ـ : يا بني أُمّي ! تقدّموا حتى أراكم قد نصحتم لله ولرسوله فإنّه لا ولد لكم(3) ، فوقع التصحيف من (أراكم) إلى (أرثكم) بجعل الهمزة على الكرسي ثاءً (أرثكم) .
____________
1- بحار الأنوار 45 : 37 ـ 38 .
2- تاريخ الطبري 3 : 332 ، الكامل في التاريخ 3 : 430 .
3- الإرشاد للمفيد 2 : 224 ، اعلام الورى 1 : 466 ، الدر النظيم : 556 ، مثير الاحزان : 50 .
________________________________________ الصفحة 384 ________________________________________
وهي المكناة بأم عبيدالله ، وهذه الكنية تشير إلى أنّ عبيدالله هو أكبر من أخيه عبدالله المكنى بأبي بكر ، وقد تزوّجها(عليه السلام) بعد أن ماتت خولة ـ أم محمّد بن الحنفية ـ .
أبوها : مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم(1) .
أمها : عميرة بنت قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر [سيد أهل الوبر ]ابن عبيد بن الحارث(2) .
تاريخ زواجها :
جاء في التذكرة الحمدونية وربيع الأبرار وغيرهما ما مضمونه : أنّ الإمام علي بن أبي طالب تزوّج ليلى النهشلية لمّا دخل البصرة حدود عام 35 للهجرة ، وذلك ليعمّق روابطه مع قبائلها ، فتزوّج من أعرق قبيلة فيها وهم بنو دارم ، وقد مر عليك قول الإمام لابنه محمّد بن الحنفية لمّا تزوج النهشلية وقعد(عليه السلام) على سريره وأقعد الحسن عن يمينه والحسين عن شماله وجلس محمّد بن الحنفية بالحضيض ، فخاف الإمام علي أن يجد محمّدُ بن الحنفية في نفسه شيئاً ، فقال له : يا بني أنت ابني ، وهذان ابنا رسول الله(3) .
وفي الغارات للثقفي (ت 283 هـ) عن مغيرة الضّبّي (ت 136 هـ) قال : لما نكح عليٌّ ليلى بنت مسعود النهشلي قالت : ما زلت أحب أن يكون بيني وبينه سبب منذ
____________
1- الجمهرة لابن حزم : 38 .
2- مقاتل الطالبيين : 56 .
3- موسوعة الإمام علي(عليه السلام) للريشهري 10 : 235 ، عن ربيع الابرار 2 : 598 . والتذكرة الحمدونية 3 : 96 ح 231 .
________________________________________ الصفحة 385 ________________________________________
رأيته قام مقاماً من رسول الله(صلى الله عليه وآله)(1) .
وفي (سفرنامه) لناصر خسرو : وفي البصرة ثلاثة عشر مشهداً باسم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، يقال لأحدها ، مشهد بني مازن ، وذلك أنّ أمير المؤمنين علياً جاء إلى البصرة في ربيع الأول سنة خمس وثلاثين (سبتمبر 655) من هجرة النبي عليه الصلاة والسلام ، وكانت عائشة رضي الله عنها قد أتت مُحارِبةً ، وقد تزوّج أمير المؤمنين(عليه السلام) ليلى بنت مسعود النهشلي ، وكان هذا المشهد بيتها ، وقد أقام أمير المؤمنين اثنين وسبعين يوماً ، ثم رجع إلى الكوفة(2) .
أولادها
ترجمة عبيدالله (أبي علي)
قال ابن سعد (ت 230 هـ) في (الطبقات الكبرى) : عبيدالله بن علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب .... وكان عبيدالله بن عليّ قدم من الحجاز على المختار بالكوفة وسأله فلم يعطه ، وقال [المختار] : أَقَدِمت بكتاب من المهدي [ويعني محمّد بن الحنفية] ؟(3)
____________
1- الغارات 1 : 93 .
2- سفرنامه لناصر خسرو : 148 .
3- وقد حكوا مثل هذا الأمر في أخيه عمر بن علي الأطرف أيضاً انظر الأخبار الطوال : 306 ، وتاريخ حلب : 164 حوادث سنة 67 ، وخلاصة الخزرجي : 285 ، وشذرات الذهب 1 : 75 حوادث 67 ، وتاريخ الإسلام 5 : 197 حوادث سنة 67 ، وسفينة البحار 2 : 144 لكن بفارق ان عبيدالله بن علي قتل في جيش مصعب لكنّ عمر بن علي قتل في جيش المختار ، ولا يخفى عليك بأن المؤرخين اختلفوا في مقتله هل كان في جيش مصعب أو المختار ؟
________________________________________ الصفحة 386 ________________________________________
قال : لا ، فحبسه أ يّاماً ثمّ خلّى سبيله ، وقال : اخرُجْ عنّا .
فخرج إلى مصعب بن الزبير بالبصرة هارباً من المختار ، فنزل على خاله نُعيم بن مسعود التميمي ثم النهشلي ، وأمر له مصعب بمائة ألف درهم ، ثمّ أمر مصعب بن الزبير الناس بالتهيؤ لعدوّهم ووقّت للمسير وقتا ، ثمّ عسكر ، ثمّ انقلع من معسكره ذلك واستخلف على البصرة عبيدالله بن عمر بن عبيدالله بن معمر .
فلمّا سار مصعب تخلَّف عبيدالله بن علي بن أبي طالب في أخواله ، وسار خاله نعيم بن مسعود مع مصعب ، فلمّا فصل مصعب من البصرة جاءت بنو سعد بن زيد مناة بن تميم إلى عبيدالله بن عليّ فقالوا : نحن أيضاً أخوالك ولنا فيك نصيب فتحوّل إلينا فإنا نحبّ كرامتك . قال : نعم ، فتحوّل إليهم ، فأنزلوه وسطهم وبايعوا له بالخلافة وهو كاره يقول : يا قوم لا تعجلوا ولا تفعلوا هذا الأمر ، فأبوا ، فبلغ ذلك مصعباً ، فكتب إلى عبيدالله بن عمر بن عبيد بن معمر بعجّزه ويخبره غفلته عن عبيدالله بن علي وعمّا أحدثوا من البيعة له .
ثم دعا مصعب خاله نعيم بن مسعود ، فقال ، لقد كنتُ مُكْرِماً لك محسناً فيما بيني وبينك ، فما حملك على ما فعلت في ابن أُختك وتخلّفه بالبصرة يؤلّب الناس ويخدعهم ؟ فحلف بالله ما فعل وما علم من قصته هذه بحرف واحد ، فقبل منه مصعب وصدّقه ، وقال مصعب : قد كتبتُ إلى عبيدالله ألومه في غفلته عن هذا ، فقال نعيم بن مسعود : فلا يهيجه أحد أنا أكفيك أمره وأقدم به عليك .
فسار نعيم حتى أتى البصرة ، فاجتمعت بنو حنظلة وبنو عمرو بن تميم فسار بهم حتى أتى بني سعد ، فقال : والله ما كان لكم في هذا الأمر الذي صنعتم خير ، وما أردتم إلاّ هلاك تميم كلّها ، فادفعوا إليَّ ابن اختي .
فتلاوموا ساعة ثم دفعوه إليه ، فخرج حتى قدم به على مصعب فقال : يا أخي ما حملك على الذي صنعت ؟
فحلف عبيدالله بالله ما أراد ذلك ولا كان له به علم حتّى فعلوه ، ولقد كرهتُ ذلك وأبيتُهُ ، فصدّقه مصعب وقبل منه ، وأمر مصعب بن الزبير صاحب مقدّمته
________________________________________ الصفحة 387 ________________________________________
عبّاداً الحبطي أن يسير إلى جمع المختار ، فسار فتقدّم وتقدم معه عبيدالله بن علي بن أبي طالب فنزلو المذار ، وتقدّم جيش المختار فنزلوا بإزائهم ، فبيّتهم أصحاب مصعب بن الزبير فقتلوا ذلك الجيش فلم يفلت منهم إلاّ الشريد ، وقتل عبيدالله بن علي بن أبي طالب تلك الليلة(1) .
وفي تهذيب التهذيب ومقتل ابن أبي الدنيا عن الزبير بن بكار عن عمه مصعب : (ذكر غير واحد من أهل التاريخ أنّ الذي قتل مع مصعب بن الزبير هو عبيدالله بن علي بن أبي طالب [لا عمر بن علي] والله أعلم)(2) .
لكنّ الشيخ محمّد مهدي شمس الدين نقل خطأ عن المفيد في (الارشاد) أ نّه قال (عبدالله) في حين الموجود في الارشاد المطبوع أ نّه عبيدالله بن علي فقال شمس الدين : ورد ذكره عند المفيد في الإرشاد ولم يذكره غيره ، وقال : إنّ أ مّه وأمّ أبي بكر بن علي هي ليلى بنت مسعود الثقفية ، وينبغي أن يكون هذا غير عبدالله بن علي بن أبي طالب الذي أ مّه أمّ البنين بنت حزام ، فذاك متّفق على شهادته ، وقد ذكرناه في عداد السبعة عشر(3) .
لكنّي أرى أنّ عبدالله الموجود في بعض نسخ الإرشاد ـ كما يراه البعض ـ هو تصحيف لعبيدالله بلا كلام ، لاتّفاق المؤرخين على أنّ الذي يقابل (أبي بكر) هو (عبيدالله) لا (عبدالله) .
ولا يخفى عليك أنّ جمعاً من العلماء والمؤرّخين خالفوا الشيخ المفيد بما قاله من مقتل عبيدالله في كربلاء ، إذ قال الشيخ الطوسي (ت 460 هـ) في (الرسائل العشر) : وقد ذهب أيضاً شيخنا المفيد في الإرشاد إلى أنّ عبيدالله بن النهشلية قتل بكربلاء مع أخيه الحسين(عليه السلام) ، وهذا خطأ محض بلا مراء ، لأنّ عبيدالله بن النهشلية كان في جيش مصعب بن الزبير ومن جملة أصحابه، فقتله أصحاب
____________
1- الطبقات الكبرى 5 : 117 ـ 118 .
2- تهذيب التهذيب 7 : 485 الرقم 806 ومقتل ابن أبي طالب : 119 .
3- أنصار الحسين : 136 .
________________________________________ الصفحة 388 ________________________________________
المختار بن أبي عبيده في المذار ، وقبره هناك ظاهر ، والخبر بذلك متواتر ، وقد ذكره شيخنا أبو جعفر في الحائريات لمّا سأله السائل عمّا ذكره المفيد في الإرشاد فأجاب بأن عبيدالله بن النهشلية قتله أصحاب المختار بن أبي عبيدالله بالمذار ، وقبره هناك معروف عند أهل تلك البلاد(1) .
وقال ابن إدريس الحلي (ت 598 هـ) في (السرائر) : وقد ذهب أيضاً شيخنا المفيد في كتاب الإرشاد إلى أنّ عبيدالله بن النهشلية قتل بكربلاء مع أخيه الحسين(عليه السلام) ، وهذا خطأٌ محض بلا مراء ; لأنّ عبيدالله بن النهشلية كان في جيش مصعب بن الزبير ، ومن جملة اصحابه ، قتله أصحاب المختار أبي عبيد بالمذار ، وقبره هناك ظاهر والخبر بذلك متواتر(2) .
وقال أبو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين : وذكر يحيى بن الحسن فيما حدثني به أحمد بن سعيد أنّ أبا بكر بن عبيدالله الطَّلْحي حدّثه عن أبيه : أنّ عبيدالله بن علي قتل مع الحسين ، وهذا خطأ ، و إنّما قتل عبيدالله يوم المذار ، قتله أصحاب المختار بن أبي عبيدة ، وقد رأيته بالمذار(3) .
وقال بعده : عبيدالله بن علي بن أبي طالب ، وأ مّه ليلى بنت مسعود ... قتله أصحاب المختار بن أبي عبيدة يوم المذار ، وكان صار إلى المختار فسأله أن يدعو إليه و يجعل الأمر له فلم يفعل ، فخرج فلحق بمصعب بن الزبير فقتل في الوقعة وهو لا يعرف(4) .
وفي تاريخ الطبري : ... فزعم هشام بن محمّد أنّهما [أي عبيدالله وأبو بكر ]قتلا مع الحسين بالطف ، وأ مّا محمّد بن عمر [الواقدي] فإنه زعم أن عبيدالله بن علي قتله المختار بن أبي عبيدة بالمذار ، وزعم أن لا بقية لعبيدالله ولا لأبي بكر
____________
1- انظر الرسائل العشر : 287 .
2- السرائر 1 : 656 .
3- مقاتل الطالبيين : 57 ، وانظر أنساب الأشراف للبلاذري 2 : 410 أيضاً .
4- مقاتل الطالبيين : 84 .
________________________________________ الصفحة 389 ________________________________________
ابني علي(1) .
وقال الشيخ محمّد تقي التستري في (قاموس الرجال) معلقاً على كلام ابن إدريس بقوله : الأمر كما ذكر ابن إدريس من تواتر الخبر بقتل هذا في المذار من أصحاب المختار ، وقد روى المسعودي في إثباته [أي اثبات الوصية] : أنّ أمير المؤمنين دعا عليه بذلك ، فقال : إنّ أمير المؤمنين جمع في حال احتضاره أهل بيته ـ وهم اثنا عشر ذكراً ـ وقال : إنّ الله تعالى أحبّ أن يجعل فيَّ سنّة نبيه يعقوب ، إذ جمع بنيه وهم اثنا عشر فقال (إني أُوصي إلى يوسف فاستمعوا له وأطيعوا أمره) ، و إنّي أوصي إلى الحسن والحسين ، فاسمعوا لهما وأطيعوا أمرهما .
فقام عبيدالله ، فقال : أَدُونَ محمَّد ـ يعني ابن الحنفية ؟! فقال له [علي] : أَجُرْأَةً في حياتي ! كأني بك وقد وُجِدْتَ مذبوحاً في خيمة .
ثم أضاف التستري قائلاً :
ورواه صاحب الخرائج عن الباقر(عليه السلام) وزاد : لا يُدْرَي من قتلك ، فلمّا كان في زمن المختار أتاه فقال : لستَ هناك ، فغضب ، فذهب إلى مصعب وهو بالبصرة ، فقال : وَلّني قتالَ أهل الكوفة ، فكان على مقدمة مصعب فالتقوا بحروراء ، فلمّا حجز الليل بينهم أصبحوا وقد وجدوه مذبوحاً في فسطاطه ! لا يُدرى من قتله(2) .
إنّي لا أُوافق المسعودي ولا التستري فيما ذكراه من قرائن ، لأن الإمام علياً كان قد تزوج ليلى النهشلية ـ أم عبيدالله ـ حينما دخل البصرة أيام حربه مع عائشة ، أي بعد السنة 35 هـ ، وكانت شهادته(عليه السلام) في سنة 40 للهجرة ، فعبيدالله بن ليلى النهشلية كان صغيراً لا يتجاوز عمره السادسة ، فإن شخصاً بهذا العمر لا يطيق الكلام مع أبيه ، ولا يعقل أن يقول الإمام علي هذا الكلام لطفل بهذا العمر : (أجراة في حياتي) !!
____________
1- تاريخ الطبري 3 : 162 وقريب منه في البداية والنهاية 7 : 332 ، والكامل في التاريخ 3 : 262 .
2- قاموس الرجال 7 : 81 ، وانظر الجرائح والخرائج 1 : 184 .
________________________________________ الصفحة 390 ________________________________________
قال السيّد الخوئي (ت 1411 هـ) في (معجم رجال الحديث) : عبيدالله بن علي بن أبي طالب عدّه الشيخ المفيد في الإرشاد من أولاد أمير المؤمنين حيث قال : محمّد الأصغر المكنّى بأبي بكر ، وعبيدالله ، الشهيدين مع أخيهما الحسين(عليه السلام) بالطفّ ، وأ مّهما ليلى بنت مسعود الدارمية(1) .
وهكذا نقل ذلك الأربلي في كشف الغمة 2 : 66 عن الإرشاد .
وقد تقدم في عبدالله عن المفيد أيضاً عدّه عبدالله من المقتولين بالطفّ حيث قال [في فصل أسماء من قتل مع الحسين] : وعبدالله(2) وأبو بكر ابنا أمير المؤمنين(عليهما السلام) ، امّهما ليلى بنت مسعود الثقفية .
ومن ذلك يظهر أن له(عليه السلام) من ليلى بنت مسعود ابنين ، وكلاهما قتلا بالطف .
وفي الاختصاص ص 82 عند عدّه من شهد مع الحسين ، عدّ منهم أبا بكر بن علي وأ مّه ليلى .
وقال ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة عند ذكره أولاد علي(عليه السلام) : وأ مّا أبو بكر وعبدالله(3) فأ مّهما ليلى بنت مسعود النهشلية من تميم .
وقال الشيخ في الكنى من رجاله من أصحاب الحسين(عليه السلام) : أبو بكر بن علي(عليه السلام) ، أخوه ، قتل معه ، أمه ليلى بنت مسعود بن خالد بن ربعي بن سلمة بن جندل بن نهشل من بني دارم .
ولكن عن الخوارزمي أنّ أبا بكر بن علي اسمه عبدالله كما في مقتله ; حيث ذكره وذكر أ مّه كما في الرجال وذكر رجزه :
شيخى عليٌّ ذو الفخار الأطولِ من هاشم الصدق الكريم المفضل(4)
____________
1- معجم رجال الحديث 12 : 88 .
2- باعتقادي أنه تصحيف (عبيدالله) لأ نّه الموافق لما في المصادر ولما قاله الشيخ المفيد فيما مضى (في اولاد أمير المؤمنين) من الارشاد 1 : 354 .
3- الصحيح عبيدالله ، وهو الموافق لما في المصادر .
4- انظر مقتل الحسين للخوارزمي 2 : 38 .
________________________________________ الصفحة 391 ________________________________________
وذكر هذا في البحار وذكر أنّ اسمه عبيدالله(1) ، فلم يعلم أنَّ أبا بكر كنية عبدالله بن علي ، أو عبيدالله .
وذكر غير واحد أنّ عبيدالله بن علي لم يقتل بالطف ، بل بقي إلى زمان المختار فبايع مصعباً ، فقتل يوم المختار وقبره بالمزار [المذار] مشهور(2) . انتهى كلام السيّد الخوئي .
كان هذا هو مختصر ترجمة عبيدالله بن علي المكنّى بأبي علي بن ليلى النهشلية . و إليك الآن ترجمة أخيه عبدالله ـ أو محمّد الأصغر ـ المكنى بأبي
بكر .
ترجمة عبدالله أو محمّد المكنى بأبي بكر
وهو الثاني من أولاد الإمام علي من ليلى بنت مسعود النهشلية ، وقد اختلفوا في كون أبي بكر هل هو اسمٌ له ، أو كنية ؟
أبو بكر اسم أم كنية ؟
أراد البعض الاستدلال على كونه اسماً بما جاء في بعض النصوص التاريخية ، إذ جعلوه قسيما لعبيدالله فقالوا : أبو بكر وعبيدالله .
وذهب آخرون إلى أنّ تلك النصوص لا دلالة لها على كونه اسماً له ، فقد تكون كنية اشتهر بها . و إنّي أرجّح أن يكونوا قد استفادوا من هذه الشهرة لتمييزه عن غيره من أبناء علي ، وذلك لوجود إخوة له يسّمون بعبدالله ومحمّد ، مثل عبدالله ابن أمّ البنين المكنّى بأبي بكر والمقتول مع أخيه العباس في كربلاء ، ومحمّد الأصغر بن أمّ ولد ، وقيل أنّ محمّد الأصغر هو ابن أسماء بنت عميس .
____________
1- بحار الأنوار 45 : 36 .
2- معجم رجال الحديث 12 : 88 ت 7500 .
________________________________________ الصفحة 392 ________________________________________
فقد يكون المترجم له اسمان احدهما قد سُمّي من قبل أمّه بعبدالله ، والآخر من قبل أبيه بمحمد ، وهذان الاسمان عبدالله ومحمّد يشترك فيهما مع إخوته سواء الذين سمتهم الأمهات كعبدالله ، أو الذين سُمُّوا من قبل أبيهم مثل اسم محمّد ، لكي يميزّوه عن أخوية .
فوجود هذه الأسماء بين إخوته ، وأيضاً تسميته بأكثر من اسم ، دعت المؤرّخين وأصحاب المقاتل أن يكنّوه بكنية أبي بكر تمييزاً عن إخوانه .
ومعنى هذا أنّ كنية (أبي بكر) قد أُطلقت عليه بعد مقتل الحسين ، ولم يكن يعرف بها في الصدر الأوّل ، في حين هناك نصوص توحي بأنّ هذه الكنية كانت موضوعة عليه منذ زمن الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) وعلى لسان معاويه .
وهناك عبدالله آخر وهو أخو العباس وجعفر وعثمان أبناء أمير المؤمنين من أم البنين بنت حزام الكلابية ، والذي استشهد في الطف مع أخيه الحسين .
ومحمّد الأصغر هو من ابن أمّ ولد ، وهذا أيضاً استشهد مع أخيه الحسين في كربلاء .
وبما أنّ أبا بكر بن علي المسمى بعبدالله أو محمّد قيل عنه أ نّه كان من المستشهدين في كربلاء فلا يستبعد أن يكون النسّابة والمؤرخون وأصحاب المقاتل ميّزوه عن أخويه بكنية أبي بكر .
وهناك احتمال آخر وهو أن تكون هذه الكنية أخذت من محمّد بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب المكنّى بأبي بكر والمستشهد في كربلاء ، لأنّ أباه عبدالله بن جعفر هو ابن أسماء بنت عميس والتي تزوّجها الإمام علي بعد جعفر وأبي بكر ، وكذا هو زوج ليلى النهشلية ـ أم عبدالله بن علي المكنّى بأبي بكر ـ فقد تكون هذه الكنية جاءته لهذا الأمر .
وهناك احتمال ثالث وهو أنّ يكون هذا هو ابن الإمام الحسن المجتبى لا الإمام عليّ المباشر ، لورود اسمه في الزيارة وأنّ قاتله هو عبدالله الغنوي أو عقبة الغنوي ، والذي قيل عنه بأ نّه وجد في ساقه مقتولا ، أو أنّ رجلا من همدان قد قتله
________________________________________ الصفحة 393 ________________________________________
واتحاد الاشعار التي قيلت في حقهما ، وهذه الأقوال يشترك فيها مع ما قيل في أبي بكر بن عليّ بن أبي طالب ، فقد يكون اسم الإمام الحسن قد سقط ـ أو أسقط ـ لعلل سنشير إلى بعضها في آخر هذا القسم إن شاء الله تعالى .
وعليه فهذا الاشتهار لا دلالة له على كونه اسماً له . ولا يخفى عليك بأنّ العرب كانت تسمي أولادها بعدّة أسماء ، فلا يستبعد أن يكون للمكنّى بأبي بكر ثلاثة اسماء : عبدالله ، وعبدالرحمن ، ومحمّد الأصغر ، لأ نّا احتملنا بأن تكون عائلة الام ـ من الأخوال والجد ـ قد سموه بعبدالله وعبدالرحمن مثلاً ، والأب سماه محمّداً .
بهذا التقريب يمكن الجمع بين الأقوال المطروحة فيه ، مع الحفاظ على كنية أبي بكر له ، وبذلك يكون المسمّى في بعض المصادر عبدالله ، وفي البعض الآخر محمدُ الاصغر ، وفي بعض ثالث بأبي بكر ، كلّها لشخص واحد ، فأحدها هو ما سمّته به أ مّه ، والآخر ما سمّاه به أبوه ، وثالث خاله ، ورابع هي كنية أطلقوها عليه للتمييز عن إخوته . و إليك الآن الاقوال التي قيلت في أنّ اسمه هو (أبو بكر) :
أبو بكر اسماً
حكي عن ابن هشام (ت 213 هـ) أ نّه قال في (السيرة النبوية) : وقد قيل أنّ أبا بكر بن علي قتل في ذلك اليوم ، وأمه ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي(1) .
وقال ابن سعد (ت 230 هـ) في (الطبقات الكبرى) : وعبيدالله بن علي قتله المختار بن أبي عبيده بالمذار ، وأبو بكر بن علي قتل مع الحسين ولا عقب لهما ، وأ مّهما ليلى بنت مسعود بن خالد(2) .
____________
1- السيرة النبوية لابن هشام 1 : 370 .
2- الطبقات الكبرى لابن سعد 3 : 19 ـ 20 .
________________________________________ الصفحة 394 ________________________________________
وقال ابن قتيبة (ت 276 هـ) في (المعارف) : ولد علي(رضي الله عنه) : فولد علي .... عبيدالله وأبو بكر ، أ مّهما ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلي(1) .
وقال البلاذري (ت 279 هـ) في (أنساب الأشراف) : وكانت ليلى بنت مسعود بن خالد عند علي بن أبي طالب فولدت له : عبيدالله وأبا بكر ، ثم خلف عليها عبدالله بن جعفر(2) .
وقال أيضاً في ولد عبدالله بن جعفر : ... ومحمّداً وعبدالله وأبا بكر قتل مع الحسين ، وأُ مُّهُم الخوصاء من ربيعة .
وصالحاً وموسى وهارون ويحيى وأم أبيها ، أمهم ليلى بنت مسعود النهشلية ، خلف عليها [أي عبدالله بن جعفر] بعد علي(3) .
وقال في مكان آخر : وولد(عليه السلام) : [عبيدالله] وأبا بكر ، وأ مّهما ليلى بنت مسعود من بني تميم ، لا بقية لهما(4) .
وقال اليعقوبي (ت 284 هـ) في (تاريخه) : وعبيدالله وأبو بكر لا عقب لهما ، أ مّهما ليلى بنت مسعود الحنظلية من بني تميم(5) .
وقال الطبري (ت 310 هـ) في (تاريخه) وعنه أخذ ابن الأثير (ت 630 هـ) في الكامل : وتزوج ليلى ابنة مسعود بن خالد ... فولدت له عبيدالله وأبا بكر ، فزعم هشام بن محمّد أ نّهما قتلا مع الحسين بالطف ، وأ مّا محمّد بن عمر [الواقدي ]فإنه زعم أنّ عبيدالله بن علي قتله المختار بن أبي عبيد بالمذار ، وزعم أن لا بقيّة لعبيدالله ولا لأبي بكر ابني علي(6) .
____________
1- المعارف ، لابن قتيبة : 210 .
2- انساب الاشراف ، للبلاذري 12 : 124 .
3- انساب الاشراف 2 : 325 .
4- انساب الاشراف ، للبلاذري 2 : 412 .
5- تاريخ اليعقوبي 2 : 213 .
6- تاريخ الطبري 3 : 162 ، الكامل في التاريخ 3 : 262 وفيه : قتلا مع الحسين ولم يذكر أنّ ذلك هو زعم هشام بن محمّد .
________________________________________ الصفحة 395 ________________________________________
وقال الخصيبي (ت 334 هـ) في (الهداية الكبرى) : وكان له أبو بكر وعبيدالله وأ مّهما ليلى ابنة مسعود النهشلية(1) .
وقال ابن حبان (ت 354 هـ) في (الثقات) : وقد قيل أنّ أبا بكر بن علي بن أبي طالب قتل في ذلك اليوم ، وأُ مّه ليلى بنت مسعود(2) .
وروى الطبراني (ت 360 هـ) في (المعجم الكبير) بإسناده عن الليث بن سعد أ نّه قال : توفي معاوية ... واستخلف يزيد وفي سنة إحدى وستين قتل الحسين وقتل العباس ... وجعفر ... وعبدالله ... وأبو بكر بن علي وأُ مُّه ليلى بنت مسعود(3) .
وقال المقدسي (ت اواخر القرن الرابع الهجري) في (البدء والتاريخ) : كان له(عليه السلام) أحد عشر ذكراً ، وسبع عشرة أُنثى ، منهم ... أبو بكر وعبيدالله من ليلى بنت مسعود النهشلية(4) .
وقال ابن حزم (ت 456 هـ) في (جمهرة أنساب العرب) : (ولد نهشل بن دارم) ، منهم : خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نشهل بن دارم ، كان سيداً ، وابن ابنه عباد بن مسعود بن خالد ، كان سيداً ، وأُخته ليلى بنت مسعود ، كانت تحت علي بن أبي طالب(رضي الله عنه) فولدت له أبا بكر وعبيدالله ، قتل عبيدالله يوم هزيمة أصحاب المختار ، وكان عبيدالله مع مصعب بن الزبير على المختار ، وقتل أبو بكر مع الحسين(رضي الله عنه)(5) .
وقد كان قد قال قبله في أولاد علي : ولعلي من الولد : أبو بكر وعثمان وجعفر وعبدالله وعبيدالله ومحمّد الأصغر و يحيى ...
____________
1- الهداية الكبرى : 95 .
2- الثقات ، لابي حبان 2 : 311 .
3- المعجم الكبير للطبراني 3 : 103 ح 2803 .
4- البدء والتاريخ 5 : 73 ـ 74 .
5- جمهرة أنساب العرب : 230 والموجود في تحقيق محمّد عبدالسلام هارون : 230 (وابن ابنه عباد بن مسعود) .
________________________________________ الصفحة 396 ________________________________________
وأم عبيدالله : ليلى بنت مسعود بن خالد ... وعبيدالله قتل في جيش مصعب بن الزبير يوم لقوا المختار بن أبي عبيد مع محمّد بن الأشعث ، وقتل أبو بكر وجعفر وعثمان والعباس مع أخيهم الحسين رضي الله عنهم(1) .
وقال الشيخ الطوسي (ت 460 هـ) في (رجاله) باب الكنى من أصحاب الحسين بن علي : أبو بكر بن علي(عليه السلام) ، أخوه ، قتل معه(عليه السلام) ، أ مّه ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلمة بن جندل بن نهشل من بني دارم(2) .
وقال ابن ماكولا (ت 475 هـ) في (تهذيب مستمر الأوهام) : وليلى هي بنت مسعود بن خالد ... أُخت عباد بن مسعود ، ولدت لعلي بن أبي طالب عبيدالله وأبا بكر ، دَرَجا ، قال ذلك ابن الكلبي(3) .
وقال أيضاً : و إخوة عبيدالله وأبي بكر لأُ مِّهما : صالح وأمّ أبيها وأمّ محمّد بنو عبدالله بن جعفر بن أبي طالب ، خلف عليها [أي على أُ مِّهما] عبدالله بن جعفر بعد علي بن أبي طالب ، جمع بين ابنته وزوجته(4) .
وقد يستفاد من كلام الشيخ المفيد (ت 478 هـ) في (الارشاد)(5)والاختصاص(6) بأنّ أبا بكر هو اسم لقوله : وعبدالله وأبو بكر ابنا أمير المؤمنين أمهما ليلى بنت مسعود الثقفية ، لكنه(رحمه الله) صرح ـ في باب أولاد أمير المؤمنين ـ بأنّ اسم أبي بكر بن علي هو محمّد الأصغر ، فقال (محمّد الأصغر المكنى أبا بكر وعبدالله الشهيدان مع أخيهما الحسين بالطفّ ، أمهما ليلى بنت مسعود)(7) .
____________
1- جمهرة أنساب العرب لابن حزم : 37 ـ 38 .
2- رجال الشيخ الطوسي : 106 ت 1055 . وعنه في رجال ابن داود ، القسم الأول باب الكنى : 215 الرقم 11 .
3- تهذيب مستمر الاوهام 1 : 69 .
4- تهذيب مستمر الاوهام 1 : 70 .
5- الإرشاد 2 : 125 ، في أسماء من قتل مع الحسين .
6- الاختصاص : 82 ، تسمية من شهد مع الحسين بن علي بكربلاء .
7- الإرشاد 1 : 354 .
________________________________________ الصفحة 397 ________________________________________
وقال الطبرسي (ت 548 هـ) في (إعلام الورى) : فجميع من قتل مع الحسين(عليه السلام) من أهل بيته بطف كربلاء ثمانية عشر نفساً ، هو صلوات الله عليه تاسع عشرهم ، منهم العباس ... وعبيدالله(1) وأبو بكر(2) ابنا أمير المؤمنين ، وأمّهما ليلى بنت مسعود الثقفي(3) .
وروى ابن عساكر (ت 571 هـ) في (تاريخ دمشق) : بسنده إلى الزبير بن بكار ، قال في تسمية ولد علي بن أبي طالب : وولد علي بن أبي طالب ... فذكر جماعة ثم قال : وعبيدالله وأبا بكر ابني علي لا بقيّة لهما ، وكان عبيدالله بن علي قدم على المختار بن أبي عبيد الثقفي ، وأمّ عبيدالله وأبي بكر ابني علي ليلى بنت مسعود بن خالد ... وكان قتلهما في سنة سبع وستين(4) .
وقال الكاتب البغدادي (ت 567 هـ) في (تاريخ الأئمة) : ووُلِد له من ليلى بنت مسعود : أبو بكر وعبيدالله(5) .
وقال محمّد بن طلحة الشافعي (ت 652 هـ) في (مطالب السؤول في مناقب آل الرسول) نقلاً عن كتاب صفوة الصفوة وغيره : أنّ أولاده(عليه السلام) الذكور أربعة عشر ذكراً ، والإناث تسع عشرة أُنثى ، وهذا تفصيل الذكور : الحسن ، الحسين ، محمّد الأكبر ، عبيدالله ، أبو بكر ، العباس ، عثمان ، جعفر ، عبدالله ، محمّد الأصغر ، يحيى ، عون ، عمر ، محمّد الأوسط ...
وعبيدالله وأبو بكر أمهما ليلى بنت مسعود(6) .
وقال ابن أبي الحديد (ت 656 هـ) في (شرح النهج) : أولاده : ... وأما أبو بكر
____________
1- قتل مع مصعب بن الزبير وقبره بالمذار .
2- هناك قول بذلك لكنه لم يثبت .
3- إعلام الورى بأعلام الهدى 1 : 476 .
4- تاريخ دمشق 52 : 131 .
5- تاريخ الأئمة (المجموعة) : 17 .
6- مطالب السؤول : 313 .
________________________________________ الصفحة 398 ________________________________________
وعبدالله(1) ، فأ مّهما ليلى بنت مسعود النهشلية من تميم(2) .
وقال المحبّ الطبري (ت 694 هـ) : وعبيدالله قتله المختار ، وأبو بكر قتل مع الحسين ، أ مّهما ليلى بنت مسعود(3) بن خالد النهشلي ، وهي التي تزوّجها عبدالله بن جعفر وخلف عليها بعد عمه ، جمع بين زوجة علي وابنته ، فولدت له : صالحاً وغيره ، فهم أخوة عبدالله [الصحيح عبيدالله] وأبي بكر ابني علي لأ مّهما ; ذكره الدارقطني(4) .
وقال العمري العلوي من أعلام القرن الخامس في (المجدي) : ... وأبا بكر وعبدالله(5) بني النهشلية(6) .
وفي (الجوهرة في نسب الإمام علي وآله) للبري : وأم عبيدالله وأبي بكر ابني علي : ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلي(7) .
وقال أبو الفداء (ت 732 هـ) في (تاريخه) : وتزوّج علي ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلي التميمي وولد له منها عبيدالله وأبو بكر ; قتلا مع الحسين أيضاً(8) .
وقال النويري (ت 733 هـ) في (نهاية الأَرَب) : وتزوّج ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلية التميمية ، فولدت عبيدالله وأبا بكر قتلا مع الحسين ، وقيل إنّ عبيدالله قتله المختار بن أبي عبيد(9) .
وقال المرتضى الزبيدي (ت 740 هـ) في (البحر الزخّار) : عبدالله [= عبيدالله ]
____________
1- الصحيح عبيدالله وهو الموافق للمصادر .
2- شرح نهج البلاغة 9 : 242 .
3- الصحيح مسعود .
4- ذخائر العقبى : 117 .
5- الصحيح عبيدالله وهو الموافق للمصادر .
6- المجدي : 198 .
7- الجوهرة : 58 .
8- تاريخ أبي الفداء 1 : 252 .
9- نهاية الأَرَب 20 : 136 .
________________________________________ الصفحة 399 ________________________________________
وأبو بكر أمهما ليلى بنت مسعود النهشلية ولا عقب لهما(1) .
وقال ابن كثير (ت 774 هـ) في (البداية والنهاية) : ومنهن ليلى بنت مسعود بن خالد ... فولدت له عبيدالله وأبا بكر ، قال هشام بن الكلبي : وقد قتلا بكربلاء أيضاً ، وزعم الواقدي : أنّ عبيدالله قتله المختار بن أبي عبيد يوم المذار(2) .
وقال الهيثمي (ت 807 هـ) في (مجمع الزوائد) : قتل الحسين بن علي وأصحابه لعشر ليال خلون من محرم ... وأبو بكر بن علي بن أبي طالب وأمه ليلى بنت مسعود النهشلية(3) .
وقال ابن الدمشقي (ت 871 هـ) في (جواهر المطالب) : وتزوّج أيضاً ليلى بنت مسعود بن خالد ... فولدت له عبدالله [= عبيدالله] وأبا بكر ، قتلا مع الحسين بالطف(4) .
وقال العصامي (ت 1111 هـ) في (سمط النجوم العوالي) : وعبدالله [= عبيدالله] قتله المختار ، وأبو بكر قتل بالطف مع الحسين ، أمهما ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلي ، وهي التي تزوّجها عبدالله بن جعفر ، خلف عليها بعد عمّه علي [بن أبي طالب] ، جمع بين زوجةِ عليٍّ وابنته ، فولدت له : صالحاً و ... إلى آخر ما جاء في الرياض النضرة للمحب الطبري .
هذه النصوص توقفنا على عدة اُمور :
____________
1- البحر الزخار 2 : 384 ، باب فيه ذكر العشرة المشهورين من أصحابه(صلى الله عليه وآله) .
2- البداية والنهاية 7 : 332 وفيه : يوم الدار بدل يوم المذار .
3- مجمع الزوائد 9 : 197 عن الليث بن سعد .
4- جواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب 2 : 121 ـ 122 .
________________________________________ الصفحة 400 ________________________________________
وكذا الحال بالنسبة إلى أبي بكر بن علي فالغالب أ نّهم قالوا بشهادته في الطف ، وهناك من شك في شهادته في كربلاء .
وقد شكك الطبري في كلام هشام بن محمّد بأ نّهما قتلا مع الحسين بالطف ، وكذا قتل المختار لعبيدالله بن علي بالمذار .
وقد أولد عبدالله بن جعفر ليلى : صالحاً ، وأمَّ أبيها ، وأمَّ محمّد . وقد مرَّ عليك أنَّ أُمَّ عبدالله بن جعفر كانت أسماء بنت عميس ، وقد قيل عن أسماء بنت عميس بأن لها ابناً من الإمام علي باسم محمّد الأصغر ـ والذي شك في قتله مع ابن عمه الحسين في كربلاء ـ وأيضاً لعبدالله بن جعفر ابن باسم محمّد الأصغر ، وكان يكنّى بأبي بكر ، وقد قتل هذا في الطف ، وكذا كان للإمام الحسن ابن باسم عبدالله وقد كان يكنّى بأبي بكر فلا يستبعد أن يقع الخلط في المصادر فيمن اسمه محمّد الأصغر أو عبدالله من الطالبيين وخصوصاً المقرّبين من عليّ بن أبي طالب .
ولا تنسى بأنّ القوم كانوا يطلقون كنية أبي بكر على غالب من اسمه عبدالله حفظاً للتجانس بين الاسم والكنية ، والبيان على الصلة والمحبة بين الصحابة والآل ، وهذا ما سنوضحه لاحقاً في القسم الثاني من هذه الدراسة (التكنية بأبي بكر) فراجع .
________________________________________ الصفحة 401 ________________________________________
في أبي بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب وأن اسمه عبدالله ـ وخصوصاً لو أردنا الجمع بينها وبين النصوص الأُخرى ، فهي إمّا أن تكون كنية لمن اسمه عبدالله ، أو لمن اسمه محمّد الاصغر ، أو لمن اسمه عبدالرحمن ، و إليك الآن الأقوال الأُخرى .
أبو بكر اسمه عبدالله
قال أحمد بن أعثم الكوفي (ت 314 هـ) في كتاب (الفتوح) : ثمّ تقدم إخوة الحسين عازمين على أن يموتوا من دونه ، فأوّل من تقدم أبو بكر بن علي واسمه عبدالله وأمّه ليلى بنت مسعود ... فحمل عليه رجل من أصحاب عمر بن سعد يقال له زجر بن بدر النخعي فقتله ...(1)
وقال التوحيدي (ت 380 هـ) في (البصائر والذخائر) : ولد لعلي بن أبي طالب(رضي الله عنه) لصلبه : ... ومن ليلى بنت مسعود الدارمية : عبيدالله [= عبدالله] وهو أبو بكر ... ومن أمِّ ولد محمّد الأصغر(2) .
وفي (المجدي في أنساب الطالبيين) للعمري العلوي من أعلام القرن الخامس الهجري : قال الموضح : وأبو بكر واسمه عبدالله ، قتل بالطف ، وأبو علي عبيدالله أمهما النهشلية ، فأمّا عبيدالله فكان مع أخواله بني تميم بالبصرة حتى حضر وقائع المختار فأصابه جراح وهو مع مصعب ، فمات وقبره بالمذار من سواد البصرة يزار إلى اليوم ، وكان مصعب شنع على المختارية ويقول : قَتَلَ ابنَ إِمامه(3) .
وقال أبو العباس أحمد بن إبراهيم (أواسط القرن الرابع الهجري) في (المصابيح) : وعبيدالله وأبو بكر ، وقيل : إن أبا بكر هذا هو عبدالله الذي قدمنا ذكره ،
____________
1- الفتوح 5 : 112 .
2- البصائر والذخائر 1 : 214 ، أي له(عليه السلام) ولد آخر من آم ولد اسمه محمّد الأصغر .
3- المجدي : 198 ـ 199 .
________________________________________ الصفحة 402 ________________________________________
وأمهما ليلى بنت مسعود(1) .
وروى المجلسي (ت 1111 هـ) خبراً عن المقاتل فيه : قالوا : ثمّ تقدّمت إخوة الحسين عازمين على أن يموتوا دونه ، فأوّل من خرج منهم أبو بكر بن علي واسمه عبيدالله [الصحيح عبدالله] وأمه ليلى بنت مسعود بن خالد بن ربعي التميمية فتقدم وهو يرتجز :
شيخي عليٌّ ذُو الفَخارِ الأَطْوَلِ من هاشمِ الخيرِ الكريمِ المُفْضِلِ
فلم يزل يقاتل حتى قتله زجر بن بدر النخعي وقيل : عبدالله بن عقبة الغنوي ، قال أبو الفرج : لا يعرف اسمه ، وذكر أبو جعفر الباقر(عليه السلام) في الإسناد المتقدم أنّ رجلاً من همدان قتله ، وذكر المدائني أ نّه وجد في ساقية مقتولاً لا يُدرَى من قتله ...(2)
وفي (أنصار الحسين) ذكر الشيخ محمّد مهدي شمس الدين اسم سبعة عشر من بني هاشم من الذين ثبتت شهادتهم في كربلاء ، ثم ذكر عشرة أشخاص مشكوك في شهادتهم في كربلاء ، كان أولهم : أبو بكر بن علي بن أبي طالب ... : في الخوارزمي : اسمه عبدالله أمه ليلى بنت مسعود(3) .
وفي تاريخ مواليد الأئمة : وكان له أبو بكر وعبدالله ـ من الميلاء بنت مسعود(4) .
والذي أحتمله أنّ (الميلاء) و (الهملاء)(5) كما جاء في خبر آخر هو تصحيف لليلاء = ليلى .
____________
1- المصابيح 1 : 173 باب أولاد علي(عليه السلام) .
2- بحار الأنوار 45 : 36 .
3- انصار الحسين : 135 .
4- مواليد الأئمة : 15 والصحيح (ليلا بنت مسعود) كتابه قديمة لـ (ليلى) .
5- هو ما جاء في مناقب آل أبي طالب (ت 588) 3 : 89 وفيه : ومن الهملاء بنت مسروق [الصحيح مسعود] النهشلية : أبو بكر وعبدالله [الصحيح عبيدالله] .
________________________________________ الصفحة 403 ________________________________________
وكذا ما جاء في اسم أبيها (معوذ) و (مسروق) هما تصحيف لمسعود كما في نصوص أخرى ، وعبدالله تصحيف لعبيد الله ، لأنّ من يقابل أبا بكر هو (عبيدالله) لا (عبدالله) .
ومثل هذا التصحيف وقع في كتاب (الأمالي الشجرية) وفيه : وعبدالله بن علي بن أبي طالب وأمّه أيضاً أمّ البنين ... وأبو بكر بن علي بن أبي طالب وأمه ليلى بنت مسعود النهشلية(1) . فالصحيح هو عبيدالله .
إنّ النسابة والمؤرخين كثيراً ما كانوا يصحّفون اسم عبيدالله إلى عبدالله ، في حين الكل يعلم بأنّ المقتول في كربلاء ـ على فرض وجوده في كربلاء ـ هو عبدالله لا عبيدالله ، فكيف يجعلون عبدالله قسيماً لأبي بكر في حين أن عبيدالله هو الذي يقابل (أبا بكر) لا (عبدالله) .
موضحين بانّ هذا قد لا يكون ابن للإمام عليّ ، فهو ابن الإمام الحسن المجتبى فنسب إلى الإمام عليّ لكون الإمام عليّ جدّه .
وقد يكون هو محمّد الأصغر بن عبدالله بن جعفر زوج ليلى النهشلية ـ زوجة الإمام عليّ سابقاً ـ فنسب إلى الإمام علي .
أبو بكر اسمه محمّد الأصغر
وهناك نصوص اخرى تقول أنّ المكنّى بأبي بكر ـ من ولد علي ـ اسمه محمّد الأصغر لا (عبدالله) ، و إليك تلك النصوص .
قال المسعودي (ت 345) في (التنبية والإشراف) : ومحمّد الأصغر يكنّى أبا بكر وعبيدالله و ...(2) .
وقال الطبرسي (ت 548 هـ) في (إعلام الورى) نقلاً عن المفيد (ت 478 هـ) :
____________
1- الامالي الشجرية 1 : 224 ح 807 .
2- التنبيه والاشراف : 258 .
________________________________________ الصفحة 404 ________________________________________
ومحمّد الأصغر المكنى بأبي بكر وعبيدالله الشهيدان مع أخيهما الحسين بطف كربلاء ، وأ مّهما ليلى بنت مسعود الدارمية(1) .
وقال الطبرسي في تاج المواليد : ومحمّد الأصغر المكنّى بأبي بكر وعبيدالله الشهيدان مع أخيهم الحسين بالطف رضي الله عنهم ، أ مّهما ليلى بنت مسعود الدارمية(2) .
وقال ابن البطريق (ت 600 هـ) في (العمدة) : محمّد الأصغر المكنّى بأبي بكر وعبيدالله الشهيدان مع أخيهما الحسين بطف كربلاء ، أُ مّهما ليلى ابنة مسعود الدارمية(3) .
وقال علي بن يوسف الحلي ـ أخو العلاّمة الحلي (ت 705 هـ) ـ في (العدد القوية) : وكان له من ليلى ابنة مسعود الدارمية [محمّد] الأصغر المكنّى بأبي بكر وعبيدالله(4) .
وقال العلاّمة الحلي (ت 726) في (المستجاد من الإرشاد) : ومحمّد الأصغر المكنّى بأبي بكر وعبيدالله الشهيدان مع أخيهما الحسين بالطف ، أ مّهما ليلى بنت مسعود الدارمية(5) .
وقال ابن حاتم العاملي (ت 664 هـ) في (الدر النظيم) : وكان له من ليلى بنت مسعود الدارمية : محمّد الأصغر المكنّى أبا بكر وعبيدالله(6) .
____________
1- إعلام الورى 1 : 396 ، والارشاد 1 : 354 ، وهذا الكلام لا ينافي ما قاله الطبرسي في مكان آخر من اعلام الورى : 476 : وعبيدالله وأبو بكر ابنا أمير المؤمنين وأمهما ليلى بنت مسعود . فإن النص الثاني اكتفى بكنيته دون ذكر اسمه ، وهذا يوضّح بأن المؤرخين والنسابة كانوا يكتفون بالكنية في بعض الأحيان لاشتهار الشخص بها ، فلا يمكن بعد هذا القول بأن ابا بكر كان اسماً .
2- تاج المواليد : 19 .
3- العمدة : 30 .
4- العدد القوية : 242 ـ 243 .
5- المستجاد من الإرشاد : 139 .
6- الدر النظيم : 430 والصحيح عبيدالله .
________________________________________ الصفحة 405 ________________________________________
وحكى الأربلّيّ (ت 693 هـ) في (كشف الغمة) قول المفيد دون زيادة : (ومحمّد الاصغر المكنّى أبا بكر وعبيدالله الشهيدان مع أخيهما الحسين بالطف ، أمهما ليلى بنت مسعود الدارمية(1) .
وقال ابن الصباغ المالكي (ت 855 هـ) في (الفصول المهمة في معرفة الأئمة) : ومحمّد الاصغر المكنى بأبي بكر وعبدالله(2) الشهيدان أيضاً مع أخيهما الحسين بكربلاء أمهما ليلى بنت مسعود الدارمية(3) .
وقفة مع السيّد الامين في أعيانه
قال السيّد محسن الأمين (ت 1370 هـ) في (أعيان الشيعة) في ـ ما بُدئَ بأب من الكنى ـ :
أبو بكر بن علي بن أبي طالب ، قتل مع أخيه الحسين بكربلاء سنة 61 ، وقال الطبري وابن الاثير : شُكَّ في قتله ، ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الحسين ... وفي مقاتل الطالبيين ـ عند ذكر من قتل مع الحسين من أهل بيته ـ : وأبو بكر بن علي بن أبي طالب لم يعرف اسمه ، وأمه ليلى بنت مسعود ... وفي إبصار العين : أبو بكر بن علي بن أبي طالب اسمه محمّد الأصغر أو عبدالله وأ مّه ليلى ، إلى آخر ما مرّ عن المقاتل .
أقول ; [والكلام للسيّد محسن الامين] :
قد سمعت قول أبي الفرج لم يعرف اسمه ، وهو أوسع اطلاعاً من كلّ مؤرخ .
وسمعت أنّ صاحب المناقب ـ وسعة اطّلاعه غير منكورة ـ لم يسمه .
أما محمّد الأصغر بن علي بن أبي طالب فقد ذكره أبو الفرج في مقاتل
____________
1- كشف الغمة 2 : 67 .
2- الصحيح عبيدالله والاخير لم يستشهد في كربلاء بل قتل في وقعة المذار مع مصعب بن الزبير قتله المختار حسبما اشتهر في كتب التاريخ .
3- الفصول المهمة 1 : 644 .
________________________________________ الصفحة 406 ________________________________________
الطالبيين على حِدَة ، ولم يشر إلى أ نّه يكنّى بأبي بكر ، فلا ندري من أين أخذ ذلك صاحب (إبصار العين) ، وهو اعلم بما قال .
وقد سمعت أنّ صاحب البحار قال : اسمه عبيدالله لا عبدالله ، ولم نعلم مأخذه من ذلك ، فإنه لم يسنده إلى كتاب مخصوص ، و إنّما ذكره عقب قوله (قالوا) ، على أنّ أبا الفرج في المقاتل قال : ذكر يحيى بن الحسن أنّ أبا بكر بن عبيدالله الطلحي حدّثه عن أبيه : أنّ عبيدالله بن علي قتل مع الحسين قال : (وهذا خطأ و إنّما قتل عبيدالله يوم المذار قتله أصحاب المختار بن أبي عبيدة ، وقد رأيته بالمذار) فهو مضافاً إلى أ نّه لم يذكر تكنية عبيدالله بأبي بكر أنكر قتله بكربلاء أصلاً ، ولم يذكر أبو الفرج ولداً لعلي بن أبي طالب قتل بكربلاء اسمه عبدالله غير أخي العباس الذي أ مّه أم البنين ، وحاصل الأمر أ نّه لم يتحقّق عندنا اسمه فلذلك
ذكرناه في باب الكنى فقط ولم نذكره في باب الأسماء(1) . انتهى كلام السيّد
الامين .
قلت : هذا لا يتفق مع ما قاله(رحمه الله) في المجلد الأول من (أعيانه) في أولاد علي وجزمه بأنّ محمّد الأصغر هو اسم لمن تكنى بأبي بكر إذ قال تحت رقم (12) من أولاد الإمام علي : (12 ـ محمّد الاصغر المكنى بأبي بكر ، وبعضهم عدَّ أبا بكر ومحمّد الأصغر اثنين ، والظاهر أ نّهما واحد .
ومن جهة اخرى كيف يفصل السيّد الأمين محمّد الأصغر عن عبدالله أو عبيدالله معتبراً محمّداً الاصغر هو كنية لأبي بكر دون عبدالله ، في حين هناك من يقول أ نّه كنية لعبدالله دون محمّد كما مر عليك .
____________
1- أعيان الشيعة 2 : 302 .
2- أعيان الشيعة 1 : 327 .
________________________________________ الصفحة 407 ________________________________________
فمن هي أم محمّد الأصغر ، هل هي أسماء بنت عميس ، أم لبابة بنت عبدالله بن العباس ، أم أ مّه أم ولد يقال لها ورقاء(1) ؟
ولماذا لم يذكر اسم أم محمّد الأصغر كما ذكر اسم أم عبدالله أو عبيدالله ؟
فهل أراد بذلك القول بالثنائية لا الوحدة ، فقال بأنّ أم محمّد الأصغر أم ولد ، وأم عبيد الله هي ليلى النهشلية ؟
ولا أدري كيف يوفّق السيّد بين قول غالب المؤرخين القائلين بأنّ أبابكر بن علي هو ابن ليلى النهشلية لا ابن أم ولد كما يريد السيّد الامين أن يقوله في المجلد الأول في ولد علي .
ولماذا لا يذكر السيّد الأمين مَنْ اسمه ـ أو كنيته ـ أبو بكر في ولد ليلى النهشلية الذي أشار إليه الآخرون .
في حين أ نّه(رحمه الله) نقل عن أصحاب المقاتل : أنّ أول من خرج من إخوة الحسين : أبو بكر بن علي واسمه عبدالله وأ مّه ليلى بنت مسعود بن خالد(2) كما مر عليك مثل ذلك عن ابن اعثم في (الفتوح) والعمري في (المجدي) .
وقال المسعودي في (التنبيه والإشراف) ، والمفيد في (الإرشاد) ، والطبرسي في (إعلام الورى) ، وابن البطريق في (العمدة) بأنّ اسمه محمّد الأصغر ، فهل هؤلاء أقّل اطّلاعاً من أبي الفرج الاصفهاني ؟
بل كيف يمكن أن يوفّق السيّد الأمين بين كلام صاحب (مناقب آل أبي طالب) ـ الذي قال عنه بأن (سعة اطلاعه غير منكورة) والذي ترى في نقوله التسمية لا عدمها ـ وبين ما نقله عن أبي الفرج من أ نّه لم يسمِّه .
صحيح أنّ أبا الفرج ذكر محمّد الأصغر في مقاتل الطالبيين على حده ولم يشر إلى أ نّه كان يكنّى بأبي بكر ، لكن السيّد الأمين أشار إلى اسمه وكنيته ضمن
____________
1- أنظر أنساب الأشراف 2 : 412 .
2- أعيان الشيعة 2 : 302 .
________________________________________ الصفحة 408 ________________________________________
ذكره لأولاد أمير المؤمنين .
وبتصوّري أنّ مدرك صاحب (إبصار العين) كان الجمع بين النصوص التاريخية . وقد فعل الشيخ النمازي مثل ما فعله السماوي ، إذ قال في (مستدركات علم رجال الحديث) ـ في الكنى ـ : أبو بكر بن أمير المؤمنين كان مع أخويه الحسن والحسين صلوات الله عليهم ، وتشرّف بالشهادة يوم الطف ، وبالسلام في الزيارة الرجبية ، واسمه محمّد أو عبيدالله المتشرّف بالسلام في زيارة الناحية المقدسة ، وأ مّه ليلى بنت مسعود بن خالد(1) .
وقال في مكان آخر : محمّد بن أمير المؤمنين مصاديقه ثلاثة : أحدهم ابن الحنفية و يأتي في محله .
وثانيهم : محمّد الأصغر شهيد الطف ، أ مّه أم ولد ، وتشرف بسلام الناحية ، ويظهر من بعض أنّ كنيته أبو بكر وقد تقدم .
وثالثهم : محمّد الأوسط ، أ مّه أُ مّامة بنت أبي العاص ، وهو أيضاً من شهداء الطف(2) .
وقال الشيخ محمّد تقي التستري في (قاموس الرجال) : أبو بكر بن علي بن أبي طالب مرّ في محمّد بن أمير المؤمنين ، وقال الشيخ في رجاله في أصحاب الحسين : أبو بكر بن علي ، أخوه قتل معه ، أُ مّهُ ...(3)
كان هذا مجمل الكلام عن المكنّى بأبي بكر والمسمى بمحمد الأصغر من ولد علي بن أبي طالب .
____________
1- مستدركات علم رجال الحديث 8 : 343 الرقم 16685 ، والصحيح عبدالله .
2- مستدركات علم الرجال 6 : 473 الرقم 12754 .
3- قاموس الرجال 11 : 236 الرقم 97 وانظر ج 9 : 125 الرقم 6473 ترجمة محمّد بن أمير المؤمنين(عليه السلام) .
________________________________________ الصفحة 409 ________________________________________
أبو بكر كنية لمن اسمه عبدالرحمن أو عتيق
انفرد المقريزي (ت 845 هـ) في (اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء) بالقول : وعبدالرحمن الذي يكنّى أبا بكر ، وعبيدالله ، أ مّهما ليلى بنت مسعود بن خالد التميمي(1) .
كما انفرد المزي (ت 742 هـ) في (تهذيب الكمال) وتبعه الصفدي في الوافي بالوفيات بالقول بأنّ عتيقاً هو اسم لمن يكنّى بأبي بكر من ولد علي بن أبي طالب ; إذ قال : (وعبيدالله يكنّى أبا علي يقال أ نّه قتل بكربلاء ، وعبدالرحمن درج ، وحمزة درج ، وأبو بكر : عتيق يقال أ نّه قتل بالطف(2) ...) .
وذكر ابن حزم (ت 456 هـ) في (جمهرة أنساب العرب) أبو بكر ضمن اخوة العباس بن علي بن أبي طالب السّقاء ، وهو كلام لا يوافقه عليه أحد ، وقد يفهم من كلامه بأنّ أبا بكر هو كنية لعبدالله بن علي من أمّ البنين الكلابية ; إذ أنّه لم يذكر عبدالله ضمن أولاد أمّ البنين ، بل اكتفى بأبي بكر ، فقال ابن حزم : (وقتل أبو بكر وجعفر وعثمان والعباس مع أخيهم الحسين رضي الله عنهم)(3) .
بهذا فقد عرفت أنّ أبا بكر لم يكن اسماً كما يتصوّره القارئ ابتداءً ، بل هو كنية ، أما لمن اسمه عبدالله ، أو اسمه محمّد الأصغر ، وأ مّا دعوى أ نّها كنية لمن اسمه عبدالرحمن أو عتيق ، فهي دعوى بعيدة عن الصحة ، وهي من منفردات المزي وتبعه الصفدي وتلوح على دعوى اسم (عتيق) ملامح الوضع ، حيث جمعوا بين (عتيق) و (أبي بكر) في ابناء الإمام علي(عليه السلام) .
وقد يمكننا أن نجمع بين جميع هذه الاقوال أيضاً ـ لو قلنا وقبلنا إمكان تعدد الأسماء عند العرب ـ وبذلك فقد يكون الأب وضع اسماً ، والاسم الآخر وضعته الأمّ ، وثالث الخال أو الجد ، وبذلك يصحّ أن يكون للشخص اسمان أو ثلاثة ، مع
____________
1- اتعاظ الحنفاء ، الجزء الأول في ذكر أولاد أمير المؤمنين كرم الله وجهه .
2- تهذيب الكمال 20 : 479 ،الوافي بالوفيات 21 : 185 ، سبل الهدى والرشاد 11 : 288 .
3- جمهرة أنساب العرب : 38 .
________________________________________ الصفحة 410 ________________________________________
الحفاظ على كنية واحدة للأسماء الثلاثة معاً .
قال الشيخ السماوي (ت 1370 هـ) في (إبصار العين في أنصار الحسين) : وأبو بكر بن علي بن أبي طالب اسمه محمّد أو عبدالله وأ مّه ليلى بنت مسعود ... قيل قتله زجر بن بدر النخعي ، وقيل : بل عقبة الغنوي ، وقيل : بل رجل من همدان ، وقيل : وجد في ساقية مقتولاً لا يُدرَى من قتله ، وذكر بعض الرواة أ نّه تقدّم إلى الحرب وهو يقول :
شيخي عليٌّ ذو الفَخارِ الأَطولِ مِن هاشم وهاشِمٌ لا تُعْدَلُ(1)
ولم يزل يقاتل حتى اشترك في قتله جماعة منهم عقبة الغنوي(2) .
والذي أَحتمله فيما نحن فيه هو أنّ هناك خلطاً وقع للنسابة والمؤرّخين ، ولو تأملت في هذا النص لرأيت الخلط واضحاً مشهوداً ، لأنّ المشهور بأنّ عقبة الغنوي(3) ـ أو عبدالله بن عقبة الغنوي ـ هو قاتل أبي بكر بن الحسن بن علي ـ المسمى بعبدالله ، حسب قول الموضح النسابة(4) ـ .
وكذا ما قيل بأنّ قاتله رجل من همدان إذ وجد في ساقية مقتولاً لا يُدْرَى من قتله ، فإن هذا ورد في عبيدالله بن علي ابن ليلى النهشلية المقتول في جيش
____________
1- تقدمت روايته بنحو آخر : من هاشم الخير الكريم المفصل .
2- ابصار العين : 71 .
3- مقتل الحسين لأبي مخنف : 174 ، الارشاد 2 : 109 ، معجم رجال الحديث 22 : 70 رقم 14000 ، الأخبار الطوال : 257 ، بغية الطلب 6 : 2628 ، وذكر الطبري في تاريخه 3 : 332 ، 343 ان عبدالله بن عقبة الغنوي قتل أبو بكر بن الحسين بن علي(عليه السلام) وكذلك ابن الأثير في الكامل في التاريخ 3 : 430 والبداية والنهاية 8 : 187 ، وانظر المعجم الكبير 3 : 103 وباعتقادي أن الحسين هو تصحيف للحسن .
4- في الزيارة المنسوبة إلى الناحية المقدسة ما يخالف كلام الموضح النسابة إذ فرّق بين أبي بكر وعبدالله ففيه : السلام على أبي بكر بن الحسن الزكي الولي ، المرمي بالسهم الردي ، لعن الله قاتله عبدالله بن عقبه الغنوي ، والسلام على عبدالله بن الحسن بن علي الزكي ، لعن الله قاتله وراميه حرملة بن كاهل الأسدي ، (انظر بحار الأنوار 36445 و 98 : 27 و 339 و 101 : 341 ، إقبال الأعمال 3 : 75 و 743) .
________________________________________ الصفحة 411 ________________________________________
مصعب بن الزبير وقبره بالمذار في البصرة .
نعم ، نسب بعض المؤرّخين هذا الأمر إلى أخيه عبدالله بن علي ابن ليلى النهشلية ، لكنّه غير صحيح حسب التحقيق العلمي .
وبعد كلّ هذا فلا نستبعد أن يكون عبدالله أو محمّد أو غير ذلك هو ابن علي بن أبي طالب من ليلى النهشلية كُنّي بأبي بكر لوجود إخوة آخرين له من أبيه مثل : محمّد الأصغر من أم ولد وعبدالله من أم البنين .
فالمؤرخون والنّسّابة أطلقوا عليه كنية (أبي بكر) كي يميّزوه عن أخيه محمّد الأصغر الذي هو من أم ولد ، ومن أخيه الآخر عبدالله الذي هو ابن أمّ البنين ، ويؤيّد ذلك النصوص التالية التي اعتبرت محمّد الأصغر هو غير أبي بكر :
أبو بكر هو غير محمّد الأصغر
قال أبو مخنف (ت 157 هـ) في (المقتل) : ... وقتل الحسين وأ مّه فاطمة بنت رسول الله ، وقتل محمّد بن علي بن أبي طالب وأ مّه أم ولد ، قتله رجل من بني أبان بن دارم ، وقتل أبو بكر بن علي بن أبي طالب وأمّه ليلى ابنة مسعود بن خالد(1) .
وقال أيضاً : ورمى رجل من بني أبان بن دارم محمّد بن علي بن أبي طالب فقتله وجاء برأسه ...(2) .
وقال ابن سعد (ت 230 هـ) في (الطبقات الكبرى) : ومحمّد الأصغر بن علي قتل مع الحسين وأ مّه أمّ ولد(3) .
وقال ابن الكلبي (ت 204 هـ) في (الجمهرة) : وعبدالله [= عبيدالله] وأبو بكر درجا ، وأُ مُّهما ليلى بنت مسعود بن خالد بن ... ومحمّد لأمّ ولد قتل مع
____________
1- مقتل الحسين لأبي مخنف الأزدي : 235 .
2- مقتل الحسين لأبي مخنف الأزدي : 186 ـ 187 .
3- الطبقات الكبرى لأبن سعد 3 : 20 .
________________________________________ الصفحة 412 ________________________________________
الحسين(عليه السلام)(1) .
وقال الطبري (ت 310 هـ) في (تاريخه) : وقتل محمّد بن علي بن أبي طالب وأمه أم ولد قتله رجل من بني دارم ، وقتل أبو بكر بن علي بن أبي طالب وأ مّه ليلى ابنة مسعود ...(2) .
وقال أبو نعيم (ت 430 هـ) في (معرفة الصحابة) : وأمّ عبيدالله وأبي بكر : ليلى بنت مسعود بن خالد ، ... ومحمّد الأصغر أمّهما أمّ ولد ...(3) .
وقال الشيخ المفيد (ت 478 هـ) في (الاختصاص) تسمية من شهد مع الحسين بن علي(عليهما السلام) بكربلاء : ... ومحمّد بن علي وأمه أم ولد ، وأبو بكر بن علي وأمه ليلى بنت مسعود(4) .
وقال ابن الجوزي (ت 597 هـ) في كتبه الثلاثة (المنتظم) و (صفة الصفوة) و (تلقيح فهوم أهل الأثر) : وعبيدالله قتله المختار ، وأبو بكر قتل مع الحسين ، أمهما ليلى بنت مسعود ... ومحمّد الأصغر قتل مع الحسين أمّه أم ولد(5) .
وقال ابن الشجري (ت 542 هـ) في (الأمالي الشجرية) : ومحمّد بن علي بن أبي طالب(عليهما السلام) الأصغر ، قتله رجل من بني أبان بن دارم ، وليس بقاتل عبدالله بن علي وأ مّه أمّ ولد ، وأبو بكر بن علي بن أبي طالب وأ مّه ليلى بنت مسعود(6) .
وقال ابن الأثير (ت 630 هـ) في (الكامل في التاريخ) : وقتل محمّد بن علي وأ مّه أم ولد قتله رجل من بني دارم ، وقتل أبو بكر بن علي وأ مّه ليلى بنت مسعود الدارمية ، وقد شُكَّ في قتله(7) .
____________
1- الجمهرة 1 : 4 .
2- تاريخ الطبري 3 : 343 .
3- معرفة الصحابة 1 : 88 الرقم 89 .
4- الاختصاص : 82 .
5- المنتظم 5 : 69 ، صفة الصفوة 1 : 309 ، تلقيح فهوم أهل الأثر 1 : 80 .
6- الامالي الشجرية 1 : 224 ح 807 .
7- الكامل في التاريخ 3 : 443 .
________________________________________ الصفحة 413 ________________________________________
وقال أحمد بن عبدالله الطبري (ت 694 هـ) في (ذخائر العقبى) : وكان له من الولد أربعة عشر ذكراً ... وعبيدالله قتله المختار ، وأبو بكر قتل مع الحسين ، أ مّهما ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلي وهي التي تزوجها عبدالله بن جعفر ... ومحمّد الأصغر قتل مع الحسين أ مّه أم ولد ...(1) .
وقال ابن كثير (ت 774 هـ) في (البداية والنهاية) : ومنهنّ ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك من بني تميم ، فولدت له عبيدالله وأبا بكر ... قال الواقدي : فأما محمّد الأصغر فمن أمّ ولد(2) .
وقال ابن الصباغ المالكي (ت 855 هـ) في (الفصول المهمة في معرفة الأئمة) عند ذكره (من قتل من أصحاب الحسين ومن أهل بيته) : ... وقتل محمّد بن علي وأمه أمّ ولد ، قتله رجل من بني دارم ، وقتل أبو بكر بن علي وأ مّه ليلى بنت مسعود الدارميّة(3) .
وبهذا فقد اتّضح لك ـ وفق هذه النصوص ـ بأنّ محمّد الأصغر الذي قتله رجل من بني دارم هو من أم ولد ، وليس ابن ليلى النهشلية الدارمية الشهير بأبي بكر بن علي ، لأنّ قتل رجل من بني دارم لمحمد الأصغر بن ليلى الدارمية بعيد طبقاً للأعراف القبليّة .
وبعبارة أخرى : إنّ كون القاتل من بني دارم مُبَعِّداً لاَِنْ يكون المقتول ابن ليلى الدارمية ، لأنّ القاتل من عشيرتها وقبيلتها فلا يقدم على قتل من كان منها بالنظر البدوي ، وبهذا يكون قتله لمن هو ابن أمّ ولد اقرب إلى الواقع .
وبذلك نحتمل وجود ولدين أو ثلاثة أولاد للإمام علي بن أبي طالب قد تَسمَّوا بمحمد الأصغر وقتلوا في الطف مع أخيهم الحسين(عليه السلام) .
أحدهم : أمه أم ولد وهو قتيل الأباني الدارمي .
____________
1- ذخائر العقبى : 116 ـ 117 .
2- البداية والنهاية 7 : 332 .
3- الفصول المهمة في معرفة الأئمة 2 : 843 ـ 844 .
________________________________________ الصفحة 414 ________________________________________
والآخر هو الشهير بأبي بكر بن علي وأمه ليلى الدارمية النهشلية .
وثالثهم يمكن أن نقول أ نّه ابن أسماء بنت عميس ، وهو ليس ببعيدطبق بعض النصوص .
وقد يكون المسمى بمحمد الأصغر هو ابن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب والذي تكون جدته أسماء ـ زوجة الإمام علي ـ وبذلك يكون محمّد هذا هو حفيد أخ الإمام علي بن أبي طالب (جعفر) ، وكذا حفيد زوجته أسماء ، فاختلط الأمر على النسّابة إذ عدّوه ابناً لعلي بن أبي طالب(عليه السلام) .
لكن قد يقال في جواب احتمال كهذا : لماذا لا يقع السلام ـ في زيارة الناحية والرجبية ـ على أبي بكر بن النهشلية ، أو ابن أسماء بنت عميس كما وقع على محمّد الأصغر قتيل الأباني الدارمي ؟
الجواب : إنّ السلام الواقع في الزيارات كان على العَيِّنة من أهل البيت وأصحاب الإمام الحسين لا على جميع المستشهدين بين يديه ، وقد يكون لمحمّد الأصغر ابن أمير المؤمنين قتيل الأباني خصوصيّة لم تكن عند الآخرين ، وقد تكون هناك احتمالات أخرى .
________________________________________ الصفحة 415 ________________________________________
الخلاصة
فتلخّص مما سبق : أنّ للإمام علي من ليلى الدارمية النهشلية ابنين : اسم أحدهما عبيدالله المكنّى بأبي علي .
والآخر عبدالله أو محمّد الأصغر المكنّى بأبى بكر .
وقد شك المؤرّخون في مقتل اخيه عبيدالله في كربلاء ; لأنّ غالب المصادر تذهب إلى مقتله مع مصعب بن الزبير ، وقبره مشهور بالمذار قرب البصرة .
أما عبدالله المكنّى بأبي بكر ، فهو الآخر قد شك في مقتله في الطف ، وقد مر عليك كلام الطبري في عبيدالله وأبي بكر ابنَي الإمام علي من ليلى النهشلية وشكّه في قتلهما في كربلاء بقوله (فزعم هشام بن محمّد أ نّهما قتلا مع الحسين بالطف) . وهناك قول آخر يذهب إلى أ نّه قتل في الطف هذا من جهة .
ومن جهة أخرى : بما أنّ لعلي بن أبي طالب ابنين آخرين يشتركان مع الابن الثاني لليلى النهشلية في الاسم .
أحدهما : ابن أم البنين الكلابية والذي اسمه عبدالله ـ أخو العباس وعثمان وجعفر ـ .
والثاني : محمّد الأصغر ابن أمّ ولد ، واللَّذان استُشهدا في كربلاء ، فلا يستبعد أن يكون المؤرّخون والنّسابة وأصحاب المقاتل كنّوا المسمى بعبدالله أو محمّد بن ليلى النهشلية بأبي بكر كي يميّزوه عن أخويه من قبل الأَب .
وقد يكون أبا بكر هذا هو ابن الإمام الحسن المجتبى ابن الإمام عليّ فنسب إلى الإمام عليّ لعلل رجوها .
وقد لا يكون (أبو بكر) كنية لابن ليلى النهشلية بل هو اسم ، خصوصاً إن صحَّ كتاب معاوية المروّي في كتاب سليم بن قيس إلى الإمام علي ، والذي فيه : (وقد بلغني وجائني بذلك بعض من تثق به من خاصّتك بأنّك تقول لشيعتك [الضالة ]وبطانتك بطانة السوء : (إنّي قد سميت ثلاثة بنين لي أبا بكر وعمر وعثمان ، فإذا
________________________________________ الصفحة 416 ________________________________________
سمعتموني أترحَّم على أحد من أئمّة الضلالة فإنّي أعني بذلك بَنِيَّ) .
فلو صح خبر كتاب سليم بن قيس وادعاء معاوية بن أبي سفيان فيُتَصَوَّرُ بدواً بأنّ أبا بكر هو اسم لأحد ولد علي بن أبي طالب ، والأرجح أن يكون ابن ليلى النهشلية ، لأ نّه ليس بين ولد الإمام علي من سُمِّي أو كُنِّي بأبي بكر غير هذا .
وهذا الخبر سيدعونا إلى القول بأن اسم أبي بكر قد أطلق على ابن ليلى النهشلية منذ زمان معاوية بن أبي سفيان لا بعد واقعة كربلاء كما يستفاد من تحليلنا السابق .
لكن هذا الكلام هو الآخر غير صحيح ، لأنّ التسمية أعّم من الاسم والكنية واللقب ، وأنّ رسول الله حينما أمرنا بتحسين الأسماء عنى أيضاً تحسين الكنى والألقاب أيضاً ، ومثله قوله تعالى (وَلاَ تَنَابَزُواْ بِالاَْلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ)فهو لا يعني عدم التنابز بالألقاب بما هي القاب ، بل يعني عدم التنابز بالأسماء والكنى والألقاب معاً .
مضافاً إلى ذلك وجود هذه الجملة في نسخة (جـ) من كتاب سليم بن قيس : (إنك قد سميت ثلاثة بنين لك ، كنيت أحدهم أبا بكر ، وسميت الاثنين عمر وعثمان) وهو مُبَعِّدٌ أن يكون أبو بكر اسماً لابن ليلى النهشلية .
ويضاف إلى ذلك أنّ لفظة الاسم تطلق على الكنية أيضاً ، إذ أخرج مسلم والبخاري بسنديهما عن سهل بن سعد الساعدي أ نّه قال في علي : والله ، إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) سماه بأبي تراب ، ولم يكن له اسم أحبّ إليه منه(1) .
ومما يمكن احتماله في أبي بكر بن علي أيضاً هو وقوع الالتباس على المؤرخين والنسابة وأصحاب المقاتل وخلطهم بين ولد عبدالله بن جعفر وبين ولد الإمام علي بن أبي طالب أو بين أبو بكر بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب
____________
1- صحيح البخاري 3 : 1358 ح 3500 ، 5 : 2316 ح 5924 ، صحيح مسلم 4 : 1874 ح 2409 .
________________________________________ الصفحة 417 ________________________________________
وبين المكنّى بأبي بكر : أعني عبدالله بن عليّ ابن ليلى النهشلية ـ زوجة عبدالله بن جعفر بعد الإمام عليّ ـ .
لأن المعروف بأنّ عبدالله بن جعفر قد تزوّج ليلى النهشلية بعد الإمام علي ، فقد جمع بين زوجة علي (ليلى) وبنته (زينب) ، وأنّ أولاد ليلى النهشلية وزينب بنت علي بن أبي طالب وأولاد غيرهم من نساء عبدالله بن جعفر كانوا مع الحسين بن علي في كربلاء ، لأنّ عبدالله بن جعفر كان قد سمح لولده بأن يخرجوا مع الحسين ، فليس من البعيد أن يخلط النسابة والمؤرّخون بين أبي بكر بن عبدالله بن جعفر وبين أحد ولد علي من ليلى النهشلية ، المسمى بعبدالله ويطلقوا عليه لقب أبي بكر .
وقد يكون هذا الأمر مقصوداً من قبل بعض المؤرّخين والنّسابة لكي يكملوا أسماء الثلاثة في ولد علي .
ولعلَّ المسمّى بعبدالله أو محمّد ابن ليلى النهشلية لم يكن ابناً لعلي بل هو ابن عبدالله بن جعفر .
وقد يكون هذا هو أخو عبدالله بن جعفر ، لأنّ أ مّهم أسماء بنت عميس قد تزوّجها الإمام علي بعد أبي بكر ، وكان لها ولدان من جعفر بن أبي طالب باسم محمّد :
محمّد الأكبر الذي قتل مع عمه علي في صفين وقيل بتستر .
والآخر محمّد الأصغر المقتول مع ابن عمه الحسين في كربلاء .
وقد يقال أيضاً بأنّ ما حكوه عن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب وأ نّه سَمَّى أحد ولده بأبي بكر ، أ نّها كانت كنية لمن اسمه محمّد الأصغر من ولده المقتول في كربلاء .
وعليه فلا يستبعد أن يختلط ولد ليلى الدارمية النهشلية من علي ، مع ولدها من عبدالله بن جعفر ، وقد يمكن أن ينسب ولد عبدالله بن جعفر الآخرين إلى جدّتهم أسماء بنت عميس ، وقد ينسب ولد أسماء من غير علي إلى الإمام علي ،
________________________________________ الصفحة 418 ________________________________________
وبالعكس .
وقد يكون أبو بكر بن علي هذا هو عبدالله بن الحسن بن علي بن أبي طالب المكنّى بأبي بكر والمستشهد في كربلاء ، وذلك لاتحاد ما قيل فيهما .
وعلى أيّ حال فحياة أبي بكر بن علي بن أبي طالب لم تكن واضحة المعالم ـ كأخيه عمر الاطرف ـ ولم يكن له دورٌ مهمّ كالعباس أو مسلم بن عقيل أو زهير بن القين أو غيرهم من أصحاب الحسين ، ولم يكن قتله مفجعاً كقتل عبدالله الرضيع بن الحسين بن علي ، فهذه العلل واختلاط اسمه وكنيته مع اسم وكنية الآخرين ، كلّ هذه الامور لا تجعل حياته واضحة تماماً كحياة غيره من أبطال كربلاء ، ولأجله لم يسلّط خطباء المنبر الحسيني الضوءَ على شخصيته كما يسلّطون الضوء على كبار رجالات كربلاء .
فأبو بكر بن علي لم يثبت قتله في كربلاء ، بل إنّ شهادته مشكوك فيها ، حتى أنّ الشيخ شمس الدين ذكره كما ذكر عمر بن علي الأطرف ضمن العشرة المشكوك في قتلهم(1) .
وعليه فعدم ذكرهم جاء لهذه العلل والأسباب ، لا لتكنيِّه بأبي بكر ـ كما يريد البعض أن يصور ذلك ـ والخطباء يتعرضون إلى الشخصيات البارزة والمهمة في واقعة كربلاء مثل موقف زينب ، وخطبة علي بن الحسين في مجلس يزيد ، ودخول مسلم إلى الكوفة ، وأخبار ساقي عطاشى كربلاء العباس(عليه السلام) وأمثالها ، فإنّ تلك المواقف لم تكن كمواقف أبي بكر بن علي ، أو عمر بن علي ، أو عثمان بن علي وهؤلاء ـ على فرض شهادتهم ـ فهم شهداء كغيرهم من الشهداء .
هذا ، مع أنّ الخطباء لا يذكرون جميع الشهداء ; إذ ترى بين الشهداء من هم من أولاد جعفر بن أبي طالب وعقيل بن أبي طالب وغيرهم ، واسمائهم غير اسماء الثلاثة ومع ذلك لا يُذكَرون بأجمعهم ، فالخطباء لا يذكرون إلاّ العِينة من الشهداء ،
____________
1- انظر أنصار الحسين : 136 .
________________________________________ الصفحة 419 ________________________________________
وهذا لا يعني عدم احترامهم وتجليلهم للشهداء غير المذكورين على المنابر ، فكيف بمن شك في قتله في كربلاء مثل : أبي بكر بن علي ، وعمر بن علي .
فعمر بن علي بن الصهباء التغلبية لم يثبت مشاركته في الطف فضلاً عن شهادته ، بل أن أمر شهادته لا يختلف عما قيل في أخيه أبي بكر بن علي ووقوع التصحيف فيه ، فلا يستبعد أن يصحفوا عمرو بن الحسن بن علي إلى عمر ثم يسقطو اسم الحسن فيقولوا بوجود عمر بن علي بن أبي طالب في كربلاء ، في حين أن المستشهد هو ابن أخيه : عمرو = عمر بن الحسن بن علي بن أبي طالب لا عمر بن علي بن أبي طالب .
وهذا ما قالوه أيضاً في أبناء الإمام الحسين وأن له ابنان باسم أبي بكر وعمر في حين لم يثبت هذا الأمر ولو كان فهما للإمام الحسن لا الحسين حسبما مر الكلام عنه قبل قليل .
وبهذا فقد عرفت حال أبو بكر بن علي بن ليلى النهشلية ، وأنّه لم يكن له دور كغيره من أبطال كربلاء ، كما شكّ في قتله ، وعلى فرض كونه من شهداء كربلاء ، فدوره ليس بأكبر من أدوار عبدالله وجعفر وعثمان أبناء أمّ البنين الذين لم يُسَلَّط الضوء عليهم حينما ننقل وقائع كربلاء كما يُسلَّط على أخيهم العباس السقّاء . كل ذلك بعد الوقوف على أقوال البعض وأ نّهم يشككون في مقتله .
إذن الحساسية لم تكن مع أسمائهم ـ بما أنّها أسماء تطابق لأسماء الثلاثة ـ بل لعدم وجود أدوار رئيسة لهم ، كغيرهم من رجالات كربلاء .
نعم ، إنّ خطباء المنبر الحسيني يذكرون هذه الاسماء في السنة مرة ، يوم عاشوراء ، أي عند قراءتهم للمقتل الحسيني في اليوم العاشر ، أ مّا في غير تلك المناسبة فيقتصرون على نقل المشاهد الهامة من واقعة كربلاء كمواقف العباس وزينب و ...
بهذا أختم جوابي عن السؤالين المطروحين سابقاً ، وأقول لمن يثير هكذا شبهات :
________________________________________ الصفحة 420 ________________________________________
ثم يأتي اسم عثمان ، وقد وضع هذا الاسم من قبل الإمام بعد مقتل عثمان لا لعثمان ابن عفان بل لعثمان بن مظعون .
ثم يأتي الاسم الثالث وهو المشتهر بأبي بكر ، وهذا آخر من تسمى وتكنى بأسماء الثلاثة . و إنّ معرفتنا بولادة هؤلاء الثلاثة من ولد الإمام علي يدلّنا على عدم وجود الترتيب في أسماء الثلاثة ، ويثبت كذب من قال أنّ الإمام(عليه السلام) سمّاهم بالترتيب مستدّلاً على وجود المحبّة بين الإمام علي والثلاثة .
فلم أقف بين تلك الأسامي على عمر الأصغر ، وعمر الأكبر ، أو جعفر الأصغر ، وجعفر الأكبر .
مع أ نّه ذكر ثلاثة أولاد سمّوا بمحمد : 1 ـ محمّد بن الحنفية ، 2 ـ محمّد الأصغر ، 3 ـ محمّد الأوسط ، وبنتان سمّيتا بزينب : زينب الكبرى وزينب الصغرى ، وأم كلثوم الكبرى ، وأم كلثوم الصغرى ، ورملة ، ورملة الصغرى ، ورقية ، ورقية الصغرى .
فلو كان للإمام عُمَران أو عثمانان أو جعفران أو أي شي آخر لذكره الزرباطي كما شاهدناه في محمّد ، وزينب ، وأم كلثوم ، ورملة ، ورقية .
إنّ ما جاء به الزرباطي كان أقصى ما يمكن أن يقال في ولد الإمام علي ، لأ نّه جمع بين الثابت والمنسوب من ولد علي ، إذ لم نقف على ولد للإمام علي أكثر
________________________________________ الصفحة 421 ________________________________________
مما جاء في هذا الجمع بين روايتي المفيد والشبلنجي ، وهو يؤكّد بأنّ زيادة شيخ الشرف هي زيادة منه لم يوافقه عليها الآخرون ، وكلامنا هذا يؤيده ما جاء في كتب الزيدية وخصوصاً ما جاء في كتاب (الاحكام) ليحيى بن الحسين الزيدي والذي مّر سابقاً حين الكلام عن عمر الأطرف ، قال يحيى بن الحسين : بلغنا عن علي بن أبي طالب أ نّه دعا بنيه وهم أحد عشر رجلاً أولهم : الحسن بن علي ، والحسين ، ومحمّد الأكبر ، وعمر ، ومحمّد الأصغر ، وعباس ، وعبدالله ، وجعفر ، وعثمان ، وعبيدالله ، وأبو بكر بنوا علي بن أبي طالب ...(1) .
إن من أراد القول بأن للإمام عمَرين أو عثمانين أو جعفرين أراد أن يجمع بين شتى الأقوال ; لأ نّه رأى عند الذهبي السني مثلا كلمة عمر الأكبر ، وعند الآخر عمر الأصغر ، فأراد الجَمْعَ بينهما والقول بأنّ هناك عمرين ، وازداد عزماً على هذا الجمع حينما وقف على أنّ أحدهما عاش إلى سنة ثمانين أو خمسة وثمانين والآخر قتل في الطف ، ومن هؤلاء كان الشيخ النمازي الذي قال في (مستدركات علم الرجال) وبعد أن ذكر قول ابن الجوزي في (تذكرة الخواص) : أقول : يستفاد من تصريحه بعمر الاكبر وأ نّه عاش خمساً وثمانين : أ نّه لم يكن من شهداء الطفّ ، وأنّ له(عليه السلام) عمر الأصغر وهو من الشهداء .
فله ابنان يسميان بعمر : الأصغر والأكبر .
فالأصغر أمه الصهباء كان من شهداء الطف .
والأكبر بقي إلى خمس وثمانين سنة ، فيكون له عُمَران ، كما أنّ له محمَّدين : أحدهما من شهداء الطف ، والثاني محمّد بن الحنفية ـ بل له ثلاثة أولاد تسمي بمحمد ـ وكما أنّ له عباسيين وعثمانيين وجعفرين ، ... ، ولمولانا علي بن الحسين : الحسين ، والحسين الأصغر ، وكذلك غيرهم(2) .
____________
1- الأحكام 2 : 524 .
2- مستدركات علم رجال الحديث 6 : 102 .
________________________________________ الصفحة 422 ________________________________________
والعجيب من الشيخ النمازي أنّه لا يفطن إلى أنّ الصهباء كانت ـ في احدى الاقوال ـ من سبي اليمامة أي في سنة 11 ـ 12 للهجرة ، وأن عمر الأطرف ولد حينما قام عمر بين سنة 12 إلى 24 .
فكيف يكون من ولد في سنة 14 للهجرة هو الأصغر عند واقعة الطف الواقعة في سنة 61 .
بل من هي أم عمر الأكبر وما اسمها ، ومتى تزوجها الإمام ؟! فلو أراد القائل إثبات كونه أكبر من ابن الصهباء كان عليه أن يذهب إلى ولادته قبل أخذ أسرى عين التمر أو اليمامة ، أي أن تكون ولادته قبل زمن أبي بكر ، وفي زمن رسول الله ، وللزم عليه أن يكون أكبر من محمّد ابن الحنفية ، مع أ نّا لم نقف على اسم عمر بين ولد فاطمة ، أو أُمامة ، أو خولة ، أو أسماء ، وكذا الحال لم نقف على اسمه بين من هي أم ولد من إماء الإمام علي .
وكذا ليس من الثابت أنّ للإمام(عليه السلام) عثمانين وجعفرين وعباسين ، بل هي من زيادات شيخ الشرف انفرد بها ولم يوافقه عليها أحد .
وعليه فالاختلاف في اسمه وأ نّه هل هو محمّد الأصغر ، أو عبدالله ، وكذا الشك في مقتله(1) ، وأيضاً الشك في مقتل محمّد الأصغر الذي هو من أم ولد أو من ليلى النهشليه(2) ، وعدم وجود دور بارز مشهود لأبي بكر بن علي أو عمر بن علي كدور أبي الفضل العباس وغيرها من الأمور ، كلها جعلتهم لا يأتون باسم عمر وأبي بكر ابني علي بن أبي طالب في المجالس الحسينية إلاّ قليلا .
ونحن بهذا الكلام قد فنّدنا ما أثاره البعضُ من شبهات في موضوع التسمية ، و إليك الآن الكلام عن القسم الثاني وهو موضوع التكنّي بأبي بكر .
____________
1- أعيان الشيعة 1 : 610 .
2- قاموس الرجال 9 : 125 ، عن مصعب الزبيري ، قال : محمد الاصغر درج ، واُمه أم ولد .1 ـ أَمامة بنت أبي العاص2 ـ خولة بنت جعفر = (أمّ محمّد بن الحنفية)1 ـ قال قوم ـ منهم أبو الحسن علي بن محمّد بن سيف المدائني ـ : هي سبية في أيام رسول الله ، قالوا : بعث رسول الله عليّاً إلى اليمن فأصاب خولة في بني زبيد ، وقد ارتدُّوا مع عمرو بن معدي كرب ، وكانت زبيد سبتها من بني حنيفة في غارة لهم عليهم ، فصارت في سهم عليٍّ ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إن ولدت منك2 ـ وعن أسماء بنت عميس أنّها قالت : رأيت الحنفيّة سوداء ، حسنة الشعر ، اشتراها أمير المؤمنين علي بذي المجاز ـ سوق من أسواق العرب ـ أوآن مَقْدَمَهُ من اليمن ، فوهبها لفاطمة(4) .3 ـ إنّها من سبي اليمامة ـ في الحرب التي وقعت على مسيلمة الكذّاب بين بني حنيفة وأبي بكر في زمان حكومته ـ(1) .4 ـ وقال قوم أنها سبية من سبايا الردة ، قوتل أهلها على يد خالد بن الوليد في1 ـ عمر بن علي1 ـ عبدالله .2 ـ عبيدالله .3 ـ عمر .1 ـ عمر الأطرف .2 ـ عمر بن محمّد بن عمر الأطرف .3 ـ عمر المنجوراني بن محمّد بن عبدالله بن محمّد بن عمر الأطرف .4 ـ عمر الموضح النسابة بن علي بن الحسين بن عبدالله بن محمّد الصوفي بن يحيى الصالح بن عبدالله بن محمّد بن عمر الأطرف .2 ـ رقيّة بنت عليّ = أمُّ طفلي مسلم بن عقيل3 ـ أسماء بنت عميس = أم يحيى1 ـ أن يكونا اسمين لشخصين أحدهما ابن جعفر ، والآخر ابن علي(4) ، وقد يكونا ـ محمد وعون ـ اسمان لشخص واحد ، سمّت أحدهما الأم والآخر هو تسمية الأب ، وهذا جائز عند العرب حسبما فصّلناه سابقاً .2 ـ أن يكونا ابني زوجها الأوّل جعفر بن أبي طالب ، فنسـبا إلى الإمام عليّ لأ نّهـما ربيباهُ وابنا أخيه ، وأنّ الإمام كان بمنزلة الأب لهما .1 ـ من ذكر يحيى بن علي فقط2 ـ من ذكر معه أسماءَ آخرين4 ـ أم البنين الكلابية = أم العباس وعبدالله وعثمان وجعفر1 ـ أبو الفضل العباس : وهو أكبر أولاد أمّ البنين ، وقد ولد سنة 26 للهجرة ـ على المشهور ـ وكان عمره الشريف أيام واقعة الطف أربعاً وثلاثين ، أو خمساً وثلاثين عاماً ـ على المشهور ـ وكان عمره أ يّامَ شهادة أخيه الحسن 24 سنة ، ونقل عنه أنّه لمّا رأى جنازة أخيه الحسن(عليه السلام) تُرمى بالسهام من قِبَلِ بني مروان أراد البطش بهم فنهاه الحسين(عليه السلام)(3) .2 ـ عبدالله : وقد ولد هذا بعد أخيه العباس بثمان سنين ، وكان عمره وقت الشهادة خمساً وعشرين سنة(4) ، ولا يخفى عليك بأنّ لعبدالله أخاً من ليلى النهشلية سميه كان يكنّى بأبي بكر ، وكان أصغر منه ، استشهد في كربلاء ، وقد وقع الخلط والالتباس بين هذين كثيراً كذلك ، وسنتكلّم عنه لاحقاً(5) .3 ـ عثمان : وهو الثالث من ولد أمّ البنين ، وقد ولد بعد أخيه عبدالله بسنتين ، وكان عمره وقت الشهادة ثلاثة وعشرين سنة(6) .4 ـ جعفر : ولد بعد عثمان بسنتين ، وكان عمره الشريف وقت الشهادة إحدى وعشرين سنة .5 ـ ليلى النهشلية = أم أبي بكر وعبيدالله1 ـ عبيدالله (أبو علي) .2 ـ عبدالله أو محمّد (أبو بكر) .1 ـ إن لليلى النهشلية ابنين من الإمام علي اسم أحدهما : عبيدالله وكان يكنّى بأبي علي ، والآخر أبو بكر واسمه عبدالله أو محمّد ، وقد وقع التصحيف كثيراً عند المؤرخين والنسابة بين اسم عبدالله وعبيدالله وكذا العكس ، وهو تصحيف كثير الوقوع .2 ـ اختلافهم في مقتل عبيدالله بن علي ، فمنهم من قال أنّه استشهد مع أخيه الحسين في كربلاء ، والآخر قال أنّه قتل بالمذار مع مصعب بن الزبير ، قتله المختار بن أبي عبيد .3 ـ إنّ عبيدالله وأبا بكر لا عقب لهما ، وشكّك الطبري وغيره في هذا الكلام .4 ـ إنّ ليلى النهشلية تزوّجها عبدالله بن جعفر بعد الإمام علي ، وبذلك يكون عبدالله بن جعفر قد جمع بين بنت الإمام علي ، (زينب المكناة بأم كلثوم) وزوجته(عليه السلام) (ليلى) .5 ـ ظاهر النصوص السابقة تشير إلى أن أبا بكر بن علي هو اسمٌ لابن ليلى النهشلية ، لكنّا لا نستبعد أن تكون كنية له ـ لكونها تشابه ما قاله الموضح النسابة 13 ـ عبدالله أو عبيدالله الشهيدين بكربلاء ، أ مّهما ليلى بنت مسعود النهشلية . 14 ـ 15...) (2) ، إلى غيرها من أسماء أولاد الإمام علي ، هذا من جهة .1 ـ عرفت على ضوء الصفحات السابقة بأنّ الإمام عليّاً لم يُسّمِ ابنه بعمر ، بل إنّ عمر بن الخطاب هو الذي طلب من الإمام علي أن يهبه تسمية ولده ، بعمر ، وبذلك يكون اسم عمر هو الاسم الأول من أسماء الثلاثة في أولاد الإمام علي .2 ـ لم يثبت وجود ولدين للإمام علي باسم عمر أو عثمان أو جعفر ، ومَن أراد التأكُّد من صحّة كلامنا فليراجع كتاب (الجريدة في أصول أنساب العلويين) للسيّد حسين الزرباطي فإنّه(رحمه الله) سعى أن يحصل على أكبر عدد من ولد الإمام علي ، فجمع بين روايتي المفيد في (الإرشاد) والشبلنجي في (نور الأبصار) فذكر خمسة عشر ابنا وإحدى وعشرين بنتاً ، فصاروا 36 شخصاً .
التعلیقات