تطابق بعض أسماء ولد الأئمّة مع أسماء الخلفاء
التسميات
منذ 13 سنةالتسميات بين التسامح العلويّ والتوظيف الأمويّ ص 91 ـ 156 (لـ السيّد علي الشهرستاني)
________________________________________ الصفحة 91 ________________________________________
المقدمة الثالثة
بيان بعض الأسباب التي دعت إلى تطابق بعض
أسماء ولد الأئمّة مع أسماء الخلفاء
قبل الكلام عن المقدّمة الثالثة لابد من الإشارة إلى انا سنركز الكلام عن اسمي عمر وعائشة ، لكوننا قد أرجعنا الكلام عن أبي بكر إلى القسم الثاني من هذه الدراسة : ( الكنى ) .
وأ مّا اسم عثمان فلا خلاف في تسمية الإمام علي ابنه به من أمّ البنين الكلابيّة محبة لعثمان بن مظعون ، وهذا الاسم قد انقرض في ولد المعصومين من بعد الإمام علي(عليه السلام) ، وحتى في ولد غير المعصومين من الهاشميين .
ولا يخدش هذا العموم وجود اسم أو اسمين في ولد عقيل وجعفر إلى زمن النسابة ابن عنبة ( ت 828 هـ ) ، وهذا خير مؤشّر على عدم محبوبية هذا الاسم عند الطالبيين و إن كان هذا الاسم عربياً رائجاً انذاك ، لكنه متروك عند الطالبين .
وقد يعود عدم ارتياحهم لهذا الاسم هو احتماء الأمويّين باسمه ، وقد يكون لعدم محبوبية سيرة الخليفة الثالث عندهم ، أو لعدم جمالية هذا الإسم ، وقد تكون لأمور أُخرى ـ .
وأ مّا اسم عمر : ففي التاج : ( عامر : اسم للقبيلة ... وعُمَر معدول عنه ـ أي معدول عن عامر ـ وفي حال التسمية لأ نّه لو عدل عنه في حال الصفة لقيل العُمَر
________________________________________ الصفحة 92 ________________________________________
يراد : العامر )(1) .
وأ مّا عائشة : فهي من العيش في الحياة ، فيقال للمراة : عائشة ، تفاؤلاً بطول العمر والعيش السعيد(2) .
وهذان الاسمان ـ مع غيرهما من الأسامي التي قد تأتي تبعاً واستطراداً ـ هي محور هذا القسم من دراستنا ، وقد سعى البعض استغلالها والاستفادة منها إعلامياً للقول بأنّ أئمّة أهل البيت قد سمّوا أولادهم بهذه التسميات حبّاً لأصحاب رسول الله وأ مّهات المؤمنين ، ثمّ أضافوا بالقول : على أقلّ تقدير أنّ هذه التسميات تشير إلى عدم وجود خلاف بينهم .
لكنّا نقول في جواب هكذا اثارات : بأنّ التسميات قد تكون حبّاً لشخص معيّن ، كأن يسمّي الإنسان ابنه باسم أبيه أو أخيه أو أيّ عزيز آخر عليه .
وقد تكون لعلاقته وتناغمه مع ذلك الاسم بغضّ النظر عمّن تسمّى به حتى ـ ولو كان عدوّاً له ـ ومن هذا القبيل تسمية بعض الشيعة أولادهم بخالد وزياد مع معرفتهما بمواقف خالد بن الوليد وزياد بن أبيه ، لاعتقادهم بعدم جواز محاربة الأسماء بما هي أسماء ، فهم لا يمتنعون من التسمية بها ، لوجود رجال يخالفونهم ولا يحبّونهم قد تسمّوا بها ، و إلاّ لو فُتح هذا الباب لشحّت الأسماء وصارت أندر من الكبريت الأحمر .
وقد تأتي تذكيراً بواقعة مفرحة أو مؤلمة ، كتسمية الحاجّ ابنه بـ ( مكّي ) تذكيراً بسفره إلى بيت الله ، وقد أخبرني أحد المؤمنين بأنّ أحد الطغاة سجن ابناً له وتزامناً مع نجاة ابنه رزقه الله بنتاً سماها ( نجاة ) ، فإنّ ابنته نجاة تذكّره وتذكّر جميع العائلة بما جرى على ابنهم من ظلم وعَسْفِ ذلك الطاغية .
____________
1- تاج العروس 7 : 263 ، مادة : عمر .
2- لسان العرب 6 : 321 مادة ( عيش ) ; وانظر الاشتقاق لابن دريد : 354 .
________________________________________ الصفحة 93 ________________________________________
فالتسمية إذن بما هي تسمية لا تدل على شيء ، فقد يسمّي الإنسان ابنه ( أَنور ) أو ( حسني ) لاستلطافه لذلك الاسم ، لا حبّاً بأنور السادات أو حسني مبارك ، بل لعشقه وارتباطه باسم ( أنور ) و ( حسني ) مع كراهته لأحد الأفراد المُسَمَّيْن به ، أي أنّ الوَقْع الموسيقيّ للكلمة هو الذي دعاه إلى تسمية ابنه أو بنته بهذا الاسم أو ذاك .
والآن لنتكلّم عما نحن فيه ، فنقول : إنّ من يدّعي أنّ وضع الإمام علي لهذه الأسماء على أبنائه كان لمحبته للخلفاء الثلاثة عليه أن يأتينا بدليل على ما يقول ، وحيث لا دليل فسيبقى مجرّد احتمال لا يمكن إثباته بهكذا تخرّصات .
وباعتقادي أنّ الإمام علي بن أبي طالب وبذكره سبب تسمية ابنه عثمان بعثمان بن مظعون ، وخصوصاً بعد مقتل عثمان بن عفان كان يريد أن يدفع ما أشاعته الجهات الحاكمة وأتباعهم عن سبب تسميته أولاده(عليه السلام) بأسماء الخلفاء سابقاً ، فقال صريحاً : ( سمّيته بعثمان لأخي عثمان بن مظعون )(1) ، ومن خلال هذا النص نفهم تعريضه بمن أشاع عنه بأنّه وضع الاسمين الأوّلين حبّاً بعمر بن الخطاب واحتراماً لأبي بكر بن أبي قحافة .
لأ نّه(عليه السلام) ـ وكما عرفت ـ لم يضع اسم عمر على ابنه بل أ نّه أقرّ ما وضعه عمر بن الخطاب ، وكذا كنية أبي بكر على ولده ـ عبدالله أو محمّد ـ لم تثبت وضعها من قبل الإمام ، بل هناك قرائن تدلّ على أنّ القوم وضعوها عليه ، وأنّ اشتهار هكذا أمور دعت الإمام أن يصرّح في سبب تسمية ابنه الأخير ـ أو ما قبل الأخير ـ بأ نّه لم يكن لأجل عثمان بن عفّان دفعاً لكل تلك الشائعات .
وعليه فالتسمية باسم ما لا يكشف عن حبّه لشخص ما إلاّ أن يأتي صريحاً في كلامه كما في ( عثمان بن مظعون ) ، وكما مرّ في تسمية عائشة خادمها
____________
1- أنظر تقريب المعارف للحلبي : 294 .
________________________________________ الصفحة 94 ________________________________________
بـ ( عبدالرحمان ) حبّاً لعبدالرحمن بن ملجم(1) ، وكما مرّ أيضاً في تسمية عبدالملك بن مروان ابنه بـ ( الحجاج ) حبّاً للحجاج بن يوسف الثقفي(2) .
أو أن يُطْلِعَ الله أنبياءَهُ وأوصياءه على سرّ التسمية ـ كما وقفت على كلام الإمام السجاد لأبي خالد الكابلي (كنكر) والإمام الصادق لسعد ـ ، أو أن يلهم الله الناس بما يقصده المسمِّي حين التسمية ، وذلك لوجود احتمالات أخرى كالخوف ، والطمع ، والتذكر بالأفراح والمآسي ، إلى غيرها من الأمور المحتملة في هكذا أمور .
ولعلّ التسمية بـ ( عمر ) كانت لحبّه (عليه السلام) لعمر بن أبي سلمة ربيب الرسول ، الذي كان عامله على البحرين وفارس ، والذي شهد معه حرب الجمل ، والذي كان قد كتب له : ( فلقد أحسنت الولاية ، وأدّيت الأمانة ، فأقبل غير ظنين ولا ملوم ولا متّهم ولا مأثوم ، فقد أردتُ المسير إلى ظَلَمة أهل الشام ، وأحببت أن تشهد معي ، فإنّك ممن أَسْتَظهُر به على جهاد العدّو و إقامة عمود الدين إن شاء الله )(3) .
وعُمر هذا كنيته أبو حفص ، وهو ابن أمّ سلمة زوج النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فهو ربيب النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وكانت ولادته في أرض الحبشة ، فيبدو أنّ التسمية بـ ( عمر ) والتكنية بـ ( أبي حفص ) و ( أبي حفصة ) كانت شائعة ذائعة ، غير مختصّة بعمر بن الخطاب الثاني .
فلماذا لا يحتمل القائل بالمحبة أن يكون المسمّى به هو هذا الشخص لا عمر بن الخطاب ، لأ نّك قد وقفت في النص السابق على أنّ الإمام قد أحبّ هذا الشخص ومَدَحه ، وأحبّ أن يشهد معه المسير إلى القاسطين ، وكان ممن يستظهر به على جهاد العدوّ و إقامة عمود الدين ، فلا يستبعد أن تكون التسمية لو أُريد
____________
1- الجمل للمفيد : 84 ، الشافي في الإمامة 4 : 356 .
2- انساب الأشراف 7 : 196 ، شرح النهج 19 : 369 ، الوافي بالوفيات 11 : 243 .
3- نهج البلاغة : 414 / الكتاب 42 .
________________________________________ الصفحة 95 ________________________________________
لحاظ المحبة فيها أن يكون لهذا لا لابن أبي الخطاب الذي يختلف معه .
فعمر بن أبي سلمة هو من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصحاب الإمام علي (عليه السلام) ، وهو من رواة الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وكان ممن شهد لعبدالله بن جعفر عند معاو ية على وجود النص على الأئمة الاثني عشر ، حيث سمّى الأئمّة واحداً واحداً ، وهو من جملة شهود حديث الغدير أيضاً(1) .
فمن كانت هذه صفاته ، وهو بهذه المنزلة عند الإمام علي ، فهو أولى بأن يكون هو المراد حين التسمية ، لا عمر بن الخطاب المختلف معه في الفكر والحكم . هذا إذا اعتبرنا لزوم لحاظ المحبّة في التسميات ، أي إذا أردنا أن نقول بأنّ التسميات بوضعها الأوّلي تدل على المحبة ، فعلينا التشكيك في المسمّى وما قالوه بأنّه وضع لخصوص عمر بن الخطاب ، لأنّ التاريخ يؤكّد لنا بأن لا محبة بين عمر بن الخطاب والإمام علي ، فيجب أن نبحث عن عمر المحبِّ لعلي ، ومن هو ؟ فليس لنا إلاّ أن نرشح اسم عمر بن أبي سلمة ، ومثله الحال في أبي بكر فهو أبو بكر بن حزم الأنصاري ، الذي ذكره أبو داود في رجاله(2) ، ومثله جاء صريحاً عن علي في عثمان بن مظعون .
أ مّا نحن فلا نقول بذلك ، ونؤكّد بأنّ التسميات في الصدر الأوّل لم يلحظ فيها إلاّ المعاني اللغوية ومعنى التوحيد ونفي الشرك والشيطان فقط ، أي أنّ الأمر لم يصل بعد إلى التسمية بأسماء الرموز ، إذ أن التسمية بالرموز صارت منهجاً في العهدين الأموي والعباسي ولأجله ترى النصوص الناهية من التسمية بأسماء اعداء الله تصدر في هذه المرحلة ، وهو يؤكد بأن التسمية في العصر الأول مقتصر
____________
1- الخصال : 477 ، أبواب الاثنى عشر ح 41 ، عيون أخبار الرضا باب النصوص على الرضا في جملة الاثنى عشر 2 : 52 ح 8 وانظر معجم رجال الحديث للخوئي 14 : 16 ت 8704 لعمر بن أبي سلمة .
2- الرجال لابن داود الحلي : 215 القسم الاول (باب الكنى) .
________________________________________ الصفحة 96 ________________________________________
على أن لا يحمل الاسم معنى شركياً أو باطلاً ، ثم تطور إلى النهي عن التسمية باسماء اعداء الله دون تحديد من هم أولئك ؟!
نعم ، إنّ الشارع المقدّس أ كّد على بعض الأسماء لكونها أسماءً إلهيّة لرموز دينية ، كاسم محمّد وأحمد(1) وعلي والحسن والحسين(2) ، لكنّ هذا لا يعني أنّ كل الصحابة رموزٌ دينية . فلا نرى الشارع(3) يدعو إلى استحباب التسمية بعمر وعثمان وطلحة والزبير وأمثالها من أسماء الصحابة لا عند السنة ولا عند الشيعة ، في حين ـ على أقل تقدير ـ توجد عندنا روايات دالة على استحباب التسمية بأسماء المعصومين (عليهم السلام) ، أما غيرها فليس عندنا ما يدل عليها .
بلى ، هناك عمومات تدعو إلى تحسين الأسماء(4) ، وأنّ خير الأسماء عند الشارع هو ما عُبّد وحُمّد ، فالتّسمية بعبد الرحمن ، وعبدالله ، وعبيدالله ، وعبدالوهاب ، أمرٌ مستحبّ ; لأن فيها الحثّ على العبودية لله لا لكونها أسماءً لصحابة أو أشخاص معينين .
سؤال وجواب
وربّ قائل يقول : كيف يقول رسول الله : خير الأسماء ما عُبّد وحُمّد . ونرى في رواية أخرى عن أبي عبدالله(عليه السلام) ما نصه : جاء رجل إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقال : يا رسول الله ولد لي غلام ، فماذا أسمّيه ؟ فقال : سَمِّهِ بأحبّ الأسماء إلَيّ حمزة(5) .
____________
1- وسائل الشيعة 21 : 392 باب استحباب التسمية باسم محمّد واكرام من اسمه محمّد أو أحمد وعلي .
2- وسائل الشيعة 21 : 396 باب استحباب التسمية بعلي والحسن والحسين وجعفر وطالب وعبدالله وحمزة وفاطمة .
3- بالطبع في كتب أهل السنة والجماعة .
4- وسائل الشيعة 21 : 388 باب 22 ، مستدرك الوسائل 15 : 127 باب 14 .
5- الكافي 6 : 19 ح 9 ، مرآة العقول 21 : 34 ح 9 ، التهذيب 7 : 438 ح 1749 ، وسائل الشيعة 21 : 396 ح 2 .
________________________________________ الصفحة 97 ________________________________________
فاسم حمزة ـ طبق هذه الرواية ـ محبوب عنده (صلى الله عليه وآله) وأ نّه من خير الأسماء ، ومن جهة أخرى تراه (صلى الله عليه وآله) يسمّي ولده بـ : القاسم ، والطاهر ، والطيب ، و إبراهيم . فلماذا لا يسميهم بعبدالرحمن وعبدالله وحمزة ، ألم يتخالف هذان النصان ؟!
الجواب : إنّ هذه الأسماء أحبّ إليه (صلى الله عليه وآله) من بعد الأسماء المشتقّة من أسماء الباري ، وأسماء الأنبياء ، وهذا لا ينافي كون اسم عمّه حمزة من أحبّ الأسماء إليه (صلى الله عليه وآله) ، لأنّ النبيّ بكلامه السابق أعطى قاعدة عامة في التسميات وأنّ أصدق الأسماء ما سمّي بالعبوديّة ، وأفضلها أسماء الأنبياء ، وكان (صلى الله عليه وآله) يقصد بكلامه التوسعة في تشريع الأسماء وعدم اختصاصها بأسماء محدودة ، و إنّ دعوته إلى التسمية بكلّ اسم حسن جاءت في هذا السياق .
فإذن التسمية بالعبوديّة لله ، وباسم محمّد خاتم الأنبياء والمرسلين ، وبأسماء أنبياء الله(1) ، وما عُبّد وحمّد فيه الله ، وكذا التسمية بأسماء أوصياء رسول الله واسم حمزة وفاطمة وغيرها ، من الأمور المستحبّة ، لأ نّها تحمل مفاهيم توحيدية تركّز على الرمزية لله ، ولأنبيائه ، وأوصيائه .
وما التسمية بعمّه حمزة إلاّ لكونه مظهراً من مظاهر الشهادة والإخلاص لله ، فهي لا تخرج عن العبودية العمليّة لله ، لأنّ حمزة هو أيضاً عبدالله وعبدالرحمان عملاً حيث كان في القمة من الإيمان والإخلاص .
نعم ، إنّ اليهود والنصارى لا يسمّون أولادهم بمحمد ، وكذا المسلمون لا يسمّون أولادهم باللات والعزّى ، وذلك للحساسية من الرمز وما يحمل معه من افكار ، لأنّ الأفكار ـ حسنة كانت أو سيئة ـ تطرح من خلال مسمّياتها .
____________
1- وسائل الشيعة 21 : 391 باب استحباب التسمية بأسماء الانبياء والأئمّة وبما دل على العبودية حتى عبدالرحمن .
________________________________________ الصفحة 98 ________________________________________
فالنصارى والمسلمون يمتنعون من التسمية بما يضرّهم عقائدياً ، كي لا يتأثّر أتباعهم بمفاهيم وأفكار الطرف الآخر ، ومن هنا جاء التأكيد على استحباب التسمية باسم محمّد، وعلي، والحسن، والحسين، وفاطمة، وحمزة، وطالب عندنا.
وعليه ، فالمنع من التسمية ببعض الأسماء تارة يكون عقائدياً وهو الذي يرتبط بالله ورسوله وأوصيائه ، كما هو المشاهد في المنع من التسمية بعبد الكعبة وحَكَم ، وحكيم ، وخالد ، ومالك ، وغيرها لكونها من صفات الله .
وأخرى لكونها أسماءً قبيحة كـ حَزْن وغراب وعاصية وظالم ، وقد وقفت على دور رسول الله في تغييرها .
وقد تكون اسماءً صارت رمزاً ، وأن اسم عمر وأبي بكر لم يصيرا رمزاً في الجاهلية ولا في صدر الإسلام ، بل أن هذه الحساسية ظهرت في الازمنة المتأخرة خصوصاً مع تأكيد الحكومتين الأموية والعباسية بالأخذ بسيرة الشيخين والمخالفة مع الإمام علي ونهجه وقتل شيعته والاجحاف بهم ، وقد تنامت هذه الحساسية في العهد السلجوقي والعثماني حتى وصل إلى ما وصل إليه الآن من شدة الخلاف والتباعد بين النهجين .
عمر من الأسماء الرائجة عند العرب
أنّ اسم ( عمر ) لم يحمل معه فكراً شِرْكيّاً كعبد الكعبة ، وكذا ليس فيه قبح لغويّ لكونه اسماً عربياً رائجاً في صدر الإسلام ، وقد تسمّى به حدود 35 شخصاً ، مذكورة أسماؤهم في كتاب ( الاصابة في تمييز الصحابة ) .
فإذن اسم عمر اسم عربي رائج ، وهو مثل اسم علقمة وأَ نَس اللَّذَين سمّي بكلّ واحد منهما 35 شخصاً في كتاب الإصابة ، وثعلبة الذي سُمّي به ( 39 ) شخصاً ، وعثمان الذي سُمّي به ( 37 ) شخصاً ، وحكيم الذي سُمِّى به ( 35 )
________________________________________ الصفحة 99 ________________________________________
شخصاً ، وصفوان الذي سُمّي به ( 31 ) شخصاً ، وطلحة الذي سُمّي به ( 31 ) شخصاً ، وتميم الذي سُمِّى به ( 30 ) شخصاً .
ولا خلاف بأن اسم ( عمر ) ورد في كتاب ( الإصابة ) أكثر من اسم : أويس العربي الرائج الذي ورد 3 مرات .
وشعيب الذي ورد 3 مرات .
وعكرمة الذي ورد 4 مرات .
وسمير الذي ورد 5 مرات .
وأفلح الذي ورد 5 مرات .
وأشعث الذي ورد 6 مرات .
و إسماعيل الذي ورد 7 مرات .
وأرقم الذي ورد 7 مرات .
وأزهر الذي ورد 9 مرات .
وأنيس الذي ورد 9 مرات .
وسو يد الذي ورد 9 مرات .
أسامة الذي ورد 11 مرة .
وشهاب الذي ورد 12 مرة . وأسعد الذي ورد 13 مرة .
وأُبيّ الذي ورد 13 مرة .
وعباس الذي ورد 14 مرة .
وحرملة الذي ورد 15 مرة .
وزرارة الذي ورد 15 مرة .
وحسان الذي ورد 16 مرة .
وخزيمة الذي ورد 16 مرة .
وطارق الذي ورد 17 مرة .
وعمار الذي ورد 17 مرة .
وسهل الذي ورد 17 مرة .
وأمية الذي ورد 20 مرة .
و إبراهيم الذي ورد 23 مرة .
وهذا يؤكّد بأنّ اسم عمر كان أكثر تداولاً من الأسماء المذكورة آنفاً ، وأنّ اسم ( عمر ) ليس حكراً على عمر بن الخطاب حتى يقال بأنّ كلّ من سُمِّي أو تسمَّى بعمر من الصحابة والتابعين فقد كان حبّاً لعمر بن الخطاب .
نعم ، إن ورود اسم عمر عند العرب لم يكن بكثرة اسم عبدالله ، أو عبدالرحمن ، أو سعد ، أو حارث ، أو مالك ، أو خالد ، أو زيد ، أو عامر ، أو سلمة ، أو سعد ، أو ثابت ، أو ربيعة ، أو عبيد ، أو أوس إلى غيرها من الأسماء المشهورة ، لكنه يبقى اسماً رائجاً آنذاك ، و إن وجود اسم 35 شخصاً قد سُمّي كل منهم بعمر في كتاب ( الإصابة ) ليس بقليل وهو يؤكد عدم اختصاص هذا الاسم به حتى
________________________________________ الصفحة 100 ________________________________________
ينتزع منه المحبة كما يقولون .
فلو كان اسم عمر من الأسماء الحديثة في الإسلام ـ مثل الحسن والحسين ـ والتي لم يُسَمَّ أو يتسمَّ بهما أحد قبلهما لأمكن تصحيح ما قالوه عن تسمية الإمام علي وأ نّه كان عن حُبٍّ ، لكنّا لم نر ذلك .
وبعد كلّ هذا فلا تصحّ دعوى المحبّة من خلال التسميات فقط بل يجب لحاظ تطابق الأفكار والأهداف مع تلك الأسماء كذلك .
هذا ، وقد أوضح المرحوم القاضي نور الله التستري المتوفّى سنة 1099 في كتابه ( مصائب النواصب في الردّ على نواقض الروافض ) هذا الموضوع مجيباً معين الدين بن محمّد بن السيّد الشريفي المتوفّى 988 هـ بقوله :
أ مّا أوّلاً : فلأنّ حُسنَ الأسماء وقبحَها إمّا بحسب حُسْنِ نفس الاسم وقبحِهِ ـ بأن يكون مشتقّاً من معنى حَسَن أو قبيح ، كعليّ من العلو ، ومعاو ية من عَوَى الكلب ـ و إمّا أن يكون بحسب حُسنِ المسمّى وشهرته بمحاسن الآثار وكرائم الأطوار ، أو بحسب قبحه واتّصافه بأضداد ما ذكر ، وها هنا قسم ثالث ، وهو أن لا يكون الاسم مشتقّاً من معنى حَسن أو قبيح ، بل لا يفهم منه شيء أصلاً سوى المعنى العَلَمِيّ كالأَعلام المرتجلة ، ولا شك أنّ اسم عمرَ ـ مثلاً ـ ليس فيه قباحة ناشئة من نفس الاسم ، و إنّما طرأ قبحه ونفرة الطباع عنه بمجاورة مسمّاه المخصوص بعد الدهر الطويل ، و إنما وضع أمير المؤمنين(عليه السلام) ذلك الاسم ونحوَه لأولاده قبل تنفّر الناس ـ كلاًّ أو بعضاً ـ عن الاسم والمسمّى .
وأيضاً ، من أين علم أنّ التسمية بعمر وأبي بكر وعثمان ـ في ذلك الزمان ـ كانت موافقةً لأسماء الخلفاء الثلاثة من حيث هي أسماؤهم ؟ ولِمَ لا يجوز أن تكون التسمية بالأوّل موافقةً لاسم جماعة أخرى من الصحابة ـ المذكورين في كتاب الإصابة في معرفة
________________________________________ الصفحة 101 ________________________________________
الصحابة للشيخ ابن الحجر العسقلاني ـ كعمر بن أبي سلمة ربيب النبي(صلى الله عليه وآله) ابن أمّ المؤمنين أم سلمة(رضي الله عنه) ، وكعمر بن أبي سفيان بن عبدالأسد زوج أم سلمة(رضي الله عنه) ، وكعمر بن مالك بن عتبة القرشي الزهري ، وعمر بن يزيد الكعبي ، وعمر بن وهب الثقفي ، وعمر بن عوف النخعي ، وعمر بن عمرو اللّيثي ، وعمر بن معاوية الغاضري ، إلى غير ذلك ممّا ذكر فيه؟!
وأن تكون التسمية بالثاني موافقةً لاسم جماعة أخرى أيضاً من الصحابة ، كأبي بكر العنسي ، وأبي بكر بن شعوب اللّيثي ، وأبي بكر بن حفص ، إلى غير ذلك من الصحابة المذكورين في كتاب الإصابة أيضاً ؟!
وأن تكون التسمية باسم الثالث موافقة لاسم عثمان بن مظعون ، وعثمان بن حنيف ، وعثمان والد أبي بكر الغاصب للخلافة ـ فإنّ اسمه كان عثمان وكنيتُهُ أبا قحافة ـ إلى غير ذلك من الصحابة المذكورين بهذا الاسم في ذلك الكتاب أيضاً ؟! لابدّ لنفي ذلك من دليل(1) .
وعليه فائمّة أهل البيت لا يتعاملون مع الأُمور بانفعالية وتعصّب مقيت كالآخرين ; لأ نّهم أعلى شأناً وأَسمى درجة من أن يتعاملوا مع هذه الأُمور بنظرة ضيّقة ، لأَ نّهم يعلمون بأنّ الأسماء ليست مختصّة بأحد ولا صراع معها ، و إذا كان ثمة اعتراض فإنّما هو على أفعال أُولئك الحكّام لا على أسمائهم ، والخلاف مع الآخرين لا يدعو أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) إلى محو أسماء مخالفيهم من قاموس التسميات ، فإنّهم لو أرادوا أن يتعاملوا مع الأمور من منظار ضيق لهجرهم الناس ولما التفُّوا حولهم .
____________
1- مصائب النواصب 1 : 359 ـ 361 .
________________________________________ الصفحة 102 ________________________________________
ولا يستبعد أن تكون مواقفهم هذه المُسالمة هي التي دعت الآخرين بقبولهم والانضمام تحت لوائهم وان يكونوا من شيعتهم ومواليهم ، وذلك لسعة صدرهم وتجاوزهم النزاعات الفردية والأنانية ، فلا ترى إماماً من أئمّة أهل البيت قد منع أصحابه من التسمية بأبي بكر وعمر مع وجود الخلاف الشديد بين أهل البيت وبين الشيخين(1) .
وهناك العشرات من الرواة من أصحاب الأئمّة(عليهم السلام) قد سُمُّوا بأبي بكر وعمر وعثمان ، وحتى بمعاوية و يزيد(2) ، وكثير من هؤلاء الرواة ثقات ومن أجلاّء الطائفة كأبي بكر الحضرمي ، وعمر بن أذينة ، وعمر بن أبي شعبة الحلبي ، وعمر بن أبان الكلبي ، وعمر بن أبي زياد ، وعمر بن يزيد بياع السابري ، وعمر بن حنظلة ، ومعاو ية بن عمار ، ومعاو ية بن حكيم بن معاوية بن عمار الدهني الكوفي ، و يزيد بن سليط ، و يزيد أبي خالد القماط ، وعثمان بن سعيد العمري نائب الإمام الحجّة وغيرهم .
فالأئمّة لا يمنعون أصحابهم من التسمية بهذه الأسماء ، لاعتقادهم بلزوم
____________
1- اذكّر المطالع بمقطع من كتاب لأميرالمؤمنين(عليه السلام) إلى أهل مصر من خلاله تتضح بعض معالم الخلاف :
فلمَّا مَضى(عليه السلام) تنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ الاَْمْرَ مِنْ بَعْدِهِ . فَوَاللهِ مَا كَانَ يُلْقَى فِي رُوعِي ، وَلاَ يَخْطُرُ بِبَالِي ، أَنَّ الْعَرَبَ تُزْعِجُ هذَا الاَْمْرَ مِنْ بَعْدِهِ(صلى الله عليه وآله) عن أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَلاَ أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ عَنِّي مِنْ بَعْدِهِ ! فَمَا رَاعَنِي إلاَّ انْثِيَالُ النَّاسِ عَلَى فُلاَن يُبَايِعُونَهُ ، فَأَمْسَكْتُ يَدِي حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الاْسْلاَمِ ، يَدْعُونَ إلَى مَحْقِ دِينِ مُحَمَّد(صلى الله عليه وآله) ، فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الإِسْلامَ وَأَهْلَهُ أَنْ أَرَىْ فِيهِ ثَلْماً ، أو هَدْماً تكُونُ المُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلاَ يَتِكُمُ الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّام قَلاَئِلَ ، يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ ، أَوْ كَمَا يَتَقَشَّعُ السَّحَابُ ; فَنَهَضْتُ فِي تِلْكَ الاَْحْدَاثِ حَتَّى زَاحَ الْبَاطِلُ وَزَهَقَ ، وَآطْمَأَنَّ الدِّينُ وَتَنَهْنَهُ .
ومنه : إِنِّي وَآللهِ لَوْ لَقِيتُهُم وَاحِداً وَهُمْ طِلاَعُ آلاَْرْضِ كُلِّهَا مَا بَالَيْتُ وَلاَ آسْتَوْحَشْتُ ، وَإِنِّي مِنْ ضَلاَلِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ وَالْهُدَى الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ لَعَلَى بَصِيرَة مِنْ نَفْسِي وَيَقِين مِنْ رَبِّي . وَإِنِّي إِلَى لِقَاءِ آللهِ لَمُشْتَاقٌ ، وَحُسْنِ ثَوَابِهِ لَمُنْتَظِرٌ رَاج ... ( نهج البلاغة : 451 ـ 452 ، الكتاب 62 ) .
2- ستقف على أسمائهم في السير التاريخي للمسألة من صفحة 157 إلى 274 .
________________________________________ الصفحة 103 ________________________________________
التعالي والتسامي عن الخلافات الشخصية والحسابات الضيّقة ، وعدم التدنّي والنزول بالقضايا القيميّة إلى أُمور شخصية ، لأنّ المنع لو أَخَذ طابعاً شخصيّاً لخرج من روحه القيمية ودخل في حيّز الأنانيات الفردية التي يجب أن يبتعد عنها كلّ إنسان صاحب هدف ، فكيف بالإمام المعصوم .
وانّ النزول بالخلاف إلى هذا المستوى سيدعو إلى الإساءة إلى الأسماء المحمودة كذلك ، كالتسمية بعبدالرحمن ; بدعوى أنّ قاتل الإمام علي كان يسمى بعبدالرحمن بن ملجم ، أو المخالفة مع التسمية بعبيدالله ، لدور عبيدالله بن زياد في قتل الإمام الحسين .
فالإمام السجّاد وابنه الحسين الأصغر كانا يعلمان بأنّ عبيدالله هو قاتل الحسين(عليه السلام) ، لكنّ هذا لا يمنع الحسين الأصغر أن يسمّى أحد أبنائه بعبيدالله الأعرج .
وكذا الحال بالنسبة للإمام الكاظم ، فقد كان على خلاف مع هارون الرشيد ، لكن هذا لا يمنعه من أن يسمى أحد أبنائه بهارون ، لأنّ اسم هارون ليس حِكْراً على هارون الرشيد ، فقد يكون الإمام سمّاه لمكانة هارون من موسى بن عمران .
إنّ إدخال التسميات في معترك الصراع السياسي والمذهبي من أنكر المنكرات ، و إنّ أئمّة أهل البيت كانوا لا يرتضون هذا الأسلوب من التعامل كما نراه في سيرة بعض ضعفاء النفوس المثيرين لهكذا شبهات ضحلة وسخيفة .
فلو طالعت سيرة الإمام الحسن مثلاً لرأيته قد سمّى بعض ولده بـ ( عمرو ) ، وهو يعلم بأنّ فارس المشركين الذي بارز والده اسمه عمرو بن عبد ود العامري ، وأنّ عدو والده اسمه عمرو بن العاص ، وأنّ اسم أبي جهل هو عمرو بن هشام ، وأنّ جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يلعن عمرو بن هشام ، في قنوته(1) ، لكنه مع كل ذلك سمى أبنه بعمرو تعالياً عن هكذا أفكار واثارات .
____________
1- صحيح البخاري 1 : 94 ، باب 69 ح 237 ، صحيح مسلم 3 : 1418 ، باب 39 ح 1794 .
________________________________________ الصفحة 104 ________________________________________
فإذن ائمّة أهل البيت هم أسمى من هذه الأنانيات ، فلا ضيرَ لو سمَّوا أبناءهم بطلحة أو عائشة أو عمر أو عثمان ، فهم يريدون القول بأنّ هذه الأسماء عربية لا مانع من التسمية بها .
نعم ، سمى الإمام الحسن المجتبى ابنه طلحة ، كما سمّى حفيدُهُ الحسنُ المثلث ابنه طلحة أيضاً ، في حين لم نر اسم خالد أو مالك بين أولاد الأئمة المعصومين وغير المعصومين لأ نّها أسماء منهيّ عنها عقائدياً .
وكذا الحال بالنسبة إلى تسمية بعض الأئمة بناتهم بعائشة ، فليس هو محبةً لعائشة بنت أبي بكر بل لكونها اسماً عربياً رائجاً ، حيث إنّ دعوى المحبة ـ وكما قلنا ـ تحتاج إلى نصّ وهو مفقود في هكذا أُمور .
فقد يكون لجمالية الاسم ، أو لتفاؤلهم بالعيش وطول العمر لابنتهم ، وقد يكون لوجود نساء كثيرات من المبايعات لرسول الله قد تسمّين بعائشة وهو اسم حسن مثل : عائشة بنت جرير(1) ، وعائشة بنت عمير الأنصارية(2) ، وعائشة بنت قدامة(3) ، أُخت عثمان بن مظعون الذي سمّى الإمام علي أبنه باسمه ، وقد يكون لظروف التقية التي كانوا يمرّون بها ، على اقل تقدير .
ولو ألقيت نظرةً سريعة على أسمائهم فلا تراهم يتبرّؤون من التسمية بعبدالله ، لمواقف عبدالله بن الزبير من أهل بيت رسول الله أو عبدالله بن عمر أو أيّ عبدالله بن أُبي بن سلول فكانوا يسمون بعبدالله ويحمدون المسمين بهذا الاسم .
____________
1- عائشة بنت جرير بن عمرو بن رازح الانصارية من بني سلمة ذكرها ابن حبيب في المبايعات وقال : كانت زوج المنذر يؤيد بن عامر بن حديدة . (الإصابة 8 : 21 ت 11458) .
2- عائشة بنت عمير بن الحارث بن ثعلبة الانصارية من بني حرام ذكرها ابن حبيب في المبايعات . (الإصابة 8 : 21 ت 11463) .
3- عائشة بنت قدامة بن مظعون القرشية الجمحية من المبايعات . (الاستيعاب 4 : 1886 ت4031 ، الاصابة 8 : 22 ت 11464 .
________________________________________ الصفحة 105 ________________________________________
إذن المشكلة من الآخرين ، فهم يريدون ان يشغلونا بالشكليات والأمور السطحية حتى ننسى القضايا الهامة ، فائمتنا هم(عليهم السلام) أعلى وأسمى من هكذا أفكار ، ولو أرادوا التعامل مع الأسماء كتعامل معاوية مع اسم علي بن أبي طالب للزمهم المنع من كثير من الاسماء العربية والإسلامية ; لأن فلانا حاربه ، والآخر غصب خلافته ، وثالثاً اتّهمه ، ورابعاً وخامساً .
نحن لا نحبّذ للإنسان العادي أن ينزل إلى هذا المستوى و يتعامل مع الأمور بنظرة ضيقة ، فكيف لنا تصّور ذلك في سيرة شخصيات مهمّة كرسول الله ، أو الإمام علي بن أبي طالب ، أو بقية أهل البيت ، الّذين يَسْمُونَ بروحهم عن الفردية وعن أن يتعاملوا مع هذه الأُمور بنظرة أحادية ضيّقة مبتنية على الأنانية لا على القيم .
فنحن كبشر عاديين لا يسعنا أن نمنع أولادنا وأحفادنا من التسمية بسعيد ويوسف لو تخالفنا مع شخصين يحملان هذين الاسمين ، لأنّ الأسماء ليست حكراً على هذا أو ذاك حتى نُسقط غضبنا على هذا الشخص من خلال منعنا أولادنا من التسمية بهذه الأسماء ، لكن الاخرين لا يتعاملون مع الأمور هكذا .
وقد ذكر لي الشيخ قيس العطار ما جرى على أخيه الأكبر أ يّام حكم الطاغية المجرم صدام حسين على العراق ، وهو يؤكد الروح العدوانية التي كان يحملها صدام ضد الشيعة ، فقال : ذات يوم دخلت المخابرات العراقية إعدادية الكاظمية وأخذوا يسألون الاساتذة عن شهادة جنسيّاتهم ، فإذا كان هناك من اسمه : كاظم ، صادق ، رضا ، جواد ، عبدعلي ، عبدالحسين ، عرفوا أنه شيعي واتّهموه بأنه إيراني ، فيسحبون شهادة الجنسية منه و يَنْفُونَهُ إلى إيران ، أ مّا لو كان اسمه عمر ، عثمان ، خالد ، بكر ، زياد ، وأمثال ذلك فكانوا يتركونه ، وجاءوا إلى أخي وسألوه عن اسمه الثلاثي وعن شهادة جنسيّته ، فأجابهم عن اسمه واسم أبيه وجدّه ولقبه : فاروق بهجت رضا العطار ، وقال بأ نّه لم يصحب معه شهادة الجنسية ، فشَكَّوا فيه هل هو سنّي أم شيعي ؟ لوجود اسم (فاروق) من جهة و (رضا) من جهة اُخرى
________________________________________ الصفحة 106 ________________________________________
فعزلوه جانباً ليتأكّدوا من أمره ، وكان اسم أحد أولاده ( عمّار ) فقال أحد أصدقائه لموظّف المخابرات : هذا فاروق أبو عمر ، فتركوه .
وقفة مع ابن تيمية (ت 728 هـ) في التسميات :
ومن الطريف أن نرى شخصيّات من مدرسة معاوية ومحبيّه أمثال ابن تيمية يتهجّمون على الشيعة بدعوى أ نّهم لا يسمّون بأبي بكر وعمر وعثمان ، مع أ نّك قد وقفت على تسمية أ ئمّة أهل البيت بهذه الأسماء ، أو قبولهم لها ، وعدم ممانعتهم لأولادهم ورواة حديثهم من التَّسَمِّي بهذه الأسماء ، كما أ نّك ستقف لاحقاً ـ في السير التاريخيّ للمسألة ـ على أسماء هؤلاء الرواة وغيرهم من علماء ومشايخ الشيعة والطالبيين قبل عهد ابن تيمية ممن سُمُّوا بهذه الأسماء ، وحتّى أنك تراها ـ لكن اقل مما سبق ـ في القرون التي تلتهم إلى القرن الثامن الهجري . كلّ ذلك يؤكّد بأنّ الحساسية مع هذه الأسماء لم تكن من قِبَلِهِمْ إلى ذلك التاريخ . بل إنّ الآخَرِين وبتصرّفاتهم وأعمالهم الشنيعة جعلوا الشيعة يتحسسون من بعض الأسماء ، أي انّ الحرب التي شنّها معاوية ضدّ كلّ من سمّي بعليّ ، هو الذي دعا الشيعة أن يبتعدوا شيئاً فشيئاً عن التسمية بعمر ، لاعتقادهم بأ نّه مهد لمعاوية ظلم الشيعة .
وعليه فسياسة معاوية هي التي أضرت بالخلفاء ، فانعكست آثارها عليهم ، فانقلبت الحالة عند الشيعة من التسمية إلى عدم التسمية .
نعم ، هَجرت الشيعة هذه الأسماء بعد القرن السادس الهجري ـ أو أخذت تتدرج حتّى هُجرت ـ لحادثة حدثت لهم في الرَّيّ(1) ، وقد يكون حدث ما يماثلها في بلدان أخرى ، فهذه الظروف ـ التي مرّوا بها ـ هي التي دعتهم للابتعاد
____________
1- ستقف على كلام المفتي السلجوقي ضمن بياننا للسير التاريخي للمسألة ، فانتظر الصفحة 157 إلى 274 .
________________________________________ الصفحة 107 ________________________________________
عن التسمية بهذه الأسماء لاحقاً .
إذن فثقافة مدرسة أهل البيت في أصلها الاولى كانت تمانع ربط المسائل المذهبية والخلافية بالمسائل العرفية والاجتماعية ، فكانت لا ترضى بما تفعله بعض الجهات الرسمية في عملية خلطها للأوراق .
فلا ترى شيعياً اليوم رغم كل الاجحاف والظلم الذي حل به من قبل الحكام ، يمتنع من تسمية ابنه بسعد أو خالد أو عبدالرحمن ، لأ نّه يعلم بأن الأسماء هي أسماء ، فلا يجوز التبري منها بسبب الأدوار السلبيّة لسعد بن أبي وقاص ، أو خالد بن الوليد ، أو عبدالرحمن بن ملجم أو عمر بن سعد بعد الإسلام .
نعم ، إنّهم يمتنعون من التسمية بأسماء الخلفاء الثلاثة وعائشة لما جرى عليهم في مدينة الري وغيرها في القرون السابقة ، وخصوصاً : السادس ، والسابع ، والثامن الهجري وما قبلها ، أي أ نّهم علموا بأنّ النهج الحاكم يسعى للمساس برموزهم ، و إن ذلك سيستمر حتّى مجيء السفياني الذي يقتل على الهويّة كلّ من اسمه : عليّ ، الحسن ، الحسين ، جعفر ، حمزة ، فاطمة . فتحسسوا من التسمية بأسماء الأغيار في القرون الأخيرة ، لأ نّهم كانوا يرون هؤلاء الثلاثة هم الذين مهّدوا لأمثال معاوية ، ومن يفتي لهم من وعّاظ السلاطين ما يعجبهم .
وعليه فالنهي لم يأت من قبل أهل البيت ، بل كان انزجاراً عفوياً وردّة فعل للشيعة عَمَّا كانوا يسمعونه ويرونه من الآخرين في مصر والعراق و إيران والمغرب و ...
بلى ، إنّ أهل البيت هم أعلى شأناً من اثارة هكذا أمور ، فهم لا يكرهون اسماً من الأسماء لكون فلان الكافر قد تسمّى به ، أو أ نّه اسم لفلان المنافق .
إنّ مخالفتهم لم تكن مع المفاهيم والأسماء بما هي أسماء ما لم تحمل معاني الشرك والمعاني القبيحة ، بل كانت مع المفاهيم والأفعال ، وقد ثبت لك بأنّهم لا يصرحون بالمنع من التسمية باسم أبي بكر وعمر وعثمان . مثلما جاءت النصوص الناهية من قبلهم(عليهم السلام) عن التسمية بخالد ومالك و ... وحتى أن نهيهم
________________________________________ الصفحة 108 ________________________________________
عن تلك الأسماء لم تأتِ لخالد بن الوليد أو مالك ، بل جاءت لكونها من صفات البارئ فلا يحقّ لأحد أن يسمّي ولده بها ، والأفضل اجتنابها ، إذ النهي هنا إمّا إرشادي ، فهو مما لا يجب الأخذ به ، ولو كان ملولوياً فهو محمول على الكراهة .
ولا يخفى عليك أنّ رسول الله وأميرالمؤمنين لم يبدّلا و يغيّرا اسم مالك الأشتر أو خالد بن سعيد الأموي أو غيرهما ; لأ نّهما عرفا بأنّ تسميتهما لم يُقصد بها صفات البارئ ، كبعض المشركين المسمّين بعبدشمس ، وعبدالكعبة ، وعبدالعزّى حتى يأمراهما بتغيير اسميهما .
و إليك الآن كلام ابن تيمية في منهاج السنة وما ادّعاه على الشيعة ; إذ قال .
وكذلك هجرهم [الشيعة] لاسم أبي بكر وعمر وعثمان ولمن يتسمّى بذلك ، حتّى إنّهم يكرهون معاملته ، ومعلوم أنّ هؤلاء لو كانوا من أكفر الناس لم يشرع أن لا يتسمّى الرجل بمثل أسمائهم ، فقد كان في الصحابة من اسمه الوليد وكان النبي(صلى الله عليه وآله) يقنت له في الصلاة و يقول : اللهم أَنْجِ الوليد بن الوليد(1) ، وأبوه الوليد بن المغيرة كان من أعظم الناس كفراً ، وهو الوحيد المذكور في قوله تعالى ( ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً )(2) ، وفي الصحابة من اسمه عمرو ، وفي المشركين من اسمه عمرو ، مثل عمرو بن عبدود ، وأبو جهل اسمه
____________
1- جاء في فتح الباري لابن حجر 10 : 580 قوله : عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال : ولد لأخي أم سلمة ولد فسماه الوليد ، فقال رسول الله : سميتموه بأسماء فراعنتكم ، ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له : الوليد ، هو أشرّ على هذه الأمة من فرعون لقومه . وفي امتاع الاسماع : 280 ـ 281 خرجه البيهقي من حديث بشر بن بكر وفيه : غيّروا اسمه فسمّوه عبدالله ... وكان الناس يرون انّه الوليد بن عبدالملك بن مروان ، ثمّ رأينا أ نّه الوليد بن يزيد بن عبدالملك لفتنة الناس به حين خرجوا عليه فقتلوه ، ففتحت الفتن على الأمة والهرج ، قال كاتبه : كان الوليد بن عبدالملك بن مروان جبّاراً عنيداً قال : كنتم تسمّون الخلفاء ومن سمّاني خليفة قتلته ، قال : فكفّ الناس عن تسمية الخلفاء .
2- المدثّر : 11 .
________________________________________ الصفحة 109 ________________________________________
عمرو بن هشام ، وفي الصحابة خالد بن سعيد بن العاص من السابقين الأولين ، وفي المشركين خالد بن سفيان الهذلي ، وفي الصحابة من اسمه هشام ، مثل : هشام بن حكيم ، وأبو جهل كان اسم أبيه هشاماً ، وفي الصحابة من اسمه عقبة مثل أبي مسعود : عقبة ابن عمرو البدري ، وعقبة بن عامر الجهني ، وكان في المشركين عقبة بن أبي معيط ، وفي الصحابة علي وعثمان ، وكان في المشركين من اسمه علي مثل علي بن أمية بن خلف قتل يوم بدر كافرا ، ومثل عثمان بن أبي طلحة قتل قبل أن يسلمَ ، ومثل هذا كثير .
فلم يكن النبي(صلى الله عليه وآله) والمؤمنون يكرهون اسماً من الأسماء لكونه قد تسمى به كافر من الكفار ، فلو قُدّر أنّ المسمَّين بهذه الأسماء كفّار لم يوجب ذلك كراهة هذه الأسماء ، مع العلم لكلّ أحد بأنّ النبي(صلى الله عليه وآله)كان يدعوهم بها ويقرّ الناس على دعائهم بها ، وكثير منهم يزعم أنّهم كانوا منافقين ، وكان النبي(صلى الله عليه وآله) يعلم أنهم منافقون ، وهو مع هذا يدعوهم بها ، وعلي بن أبي طالب(رضي الله عنه) قد سمّى أولاده بها ، فعُلِمَ أنّ جواز الدعاء بهذه الأسماء ـ سواء كان ذلك المسمّى بها مسلماً أو كافراً ـ أمر معلوم من دين الإسلام ، فمن كره أن يدعو أحداً بها كان من أظهر الناس مخالفة لدين الإسلام .
ثم مع هذا إذا تسمّى الرجل عندهم باسم علي أو جعفر أو حسن أو حسين أو نحو ذلك عاملوه وأكرموه ولا دليل لهم في ذلك على أ نّه منهم ، بل أهل السنة يتسمّون بهذه الأسماء(1) ، فليس في التسمية بها ما يدلّ على أ نّهم منهم ، والتسمية بتلك الأسماء قد تكون فيهم ، فلا
____________
1- أخبرني من أثق به بأنّ جهات حكومية في دول الخليج يتعرّفون على الأشخاص من خلال أسمائهم مثل : باقر ، صادق ، جعفر ، كاظم ، رضا ، طاهر ، على أنه شيعي فلا يعينّونه في الحكومة أو يسعون في عرقلة معاملته .
________________________________________ الصفحة 110 ________________________________________
يدلّ على أنّ المسمّى بها من أهل السنّة ، لكنّ القوم في غاية الجهل والهوى .
و ينبغي أيضاً أن يعلم أ نّه ليس كلّ ما أنكره بعض الناس عليهم يكون باطلاً ، بل من أقوالهم أقوالٌ خالفهم فيها بعض أهل السنة ووافقهم بعض ، والصواب مع من وافقهم ، لكن ليس لهم مسألة انفردوا بها أصابوا فيها ، فمن الناس من يعدّ من بدعهم الجهر بالبسملة ، وترك المسح على الخفين إما مطلقاً و إما في الحضر ، والقنوت في الفجر ، ومتعة الحجّ ، ومنع لزوم الطلاق البدعي ، وتسطيح القبور ، و إسبال اليدين في الصلاة ، ونحو ذلك من المسائل التي تنازع فيها علماء السنة ، وقد يكون الصواب فيها القول الذي يوافقهم ، كما يكون الصواب هو القول الذي يخالفهم ، لكنّ المسألة اجتهادية فلا تنكر إلاّ إذا صارت شعاراً لأمر لا يسوغ فتكون دليلا على ما يجب إنكاره و إن كانت نفسها يسوغ فيها الاجتهاد ، ومن هذا وضع الجريد على القبر فإنه منقول عن بعض الصحابة وغير ذلك من المسائل(1) .
تمعن في هذه الكلمات : ( و ينبغي أن يعلم أ نّه ليس كلّ ما أنكره بعض الناس عليهم يكون باطلاً ، بل من أقوالهم أقوال خالفهم فيها بعض أهل السنّة ووافقهم بعض والصواب مع من وافقهم ) .
ثم يأتي ابن تيمية ليخرج ما تفرّد به الإماميّة ليجعله بدعياً ، لكنّه في الوقت نفسه يقبل قولهم فيما لو كانت المسألة من المتنازع فيه عند علماء السنة ، أي أ نّه يدري بأنّ قولهم هو الحقّ لكنّه يقول ذلك بحيطة وحذر ، لأنّ البوح بذلك يفنّد مذهبه و يضعّف من يؤمن و يعتقد به ، فيواصل كلامه بالقول : ( فمن الناس من يعدّ من بدعهم الجهر بالبسملة ، وترك المسح على الخفين إما مطلقاً و إما في الحضر ،
____________
1- منهاج السنة 1 : 41 ـ 44 .
________________________________________ الصفحة 111 ________________________________________
والقنوت في الفجر ، ومتعة الحج ، ومنع لزوم الطلاق البدعي ، وتسطيح القبور ، و إسبال اليدين في الصلاة ، ونحو ذلك من المسائل التي تنازع فيها علماء السنة ، وقد يكون الصواب .... ) .
أَسْأَلُ ابن تيمية : لماذا تصرّون على المخالفة مع فقه علي بن أبي طالب ؟! أَلَم يكن هو أفقه الناس وأعلمهم بإجماع المسلمين ؟
قال الإمام الرازي في تفسيره : إنّ علياً كان يبالغ في الجهر بالتسمية ، فلمّا وصلت الدولة إلى بني أمية بالغوا في المنع من الجهر سعياً في إبطال آثار علي(1) .
وقد حلّ الرازي التعارض بين قول أنس وابن المغفل وبين قول علي [في البسملة] والذي بقي عليه(عليه السلام) طول عمره ، بقوله :
( فإنّ الأخذ بقول عليّ أولى ، فهذا جواب قاطع في المسألة ) .
أَ خَفِيَ على ابن تيمية أنّ بعض الصحابة مثل ابن عباس وعائشة وابن عمر كانوا لا يقبلون المسح على الخفين ؟! فقد جاء في التفسير الكبير قولهما [أي ابن عباس وعائشة] : لَئِنْ تقطع قدماي أحبّ إليّ من أن أمسح على الخفّين و : لَئِن أمسح على جلد حمار أحبّ إليّ من أن أمسح على الخفين(2) .
وعليه فابن تيمية يرى وجهاً لما تقوله الشيعة في مشروعية القنوت في الصبح ، ومتعة الحج ، وموضوع الطلاق ، وتسطيح القبور ، و إسبال اليدين ، لكنّه يُدخل هذه المسألة ضمن المسائل التي تنازع فيها علماء الإسلام ، لأ نّك لا ترى فتوىً لشيعي إلاّ ودليلها موجود في كتب أهل السنة وعلى لسان كبار الصحابة . لكنّهم ومع الأسف جعلوا السنة بدعة ، والبدعة سنة ; بغضاً لعلي ، أو خوفاً من أتباعهم ، أو التنحيّ عن مناصبهم .
فعن الإمام الصادق(عليه السلام) أ نّه قال : أتدري لم أُمِرتُم بالأخذ بخلاف ما تقول
____________
1- التفسير الكبير 1 : 169 .
2- التفسير الكبير 1 : 169 .
________________________________________ الصفحة 112 ________________________________________
العامة ؟ فقلت : لا أدري .
فقال : إنّ علياً لم يكن يدين الله بدين إلاّ خالفت عليه الأمّة إلى غيره إرادةً لإبطال أمره ، وكانوا يسألون أمير المؤمنين عن الشيءِ الذي لا يعلمونه ، فإذا أفتاهم جعلوا له ضدّاً من عندهم ليلبسوا على الناس(1) .
وعن سعيد بن جبير ، قال : كنت مع ابن عباس بعرفات فقال : مالي لا أسمع الناس يلبّون ؟ قلت : يخافون من معاوية ، فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال : لبّيك اللّهمّ لبّيك ، فانهم تركوا السنّة من بغض علي(2) .
وعن ابن أبي هريرة ، قال : الأفضل الآن العدول من التسطيح ـ في القبور ـ إلى التسنيم ، لأنّ التسطيح صار شعاراً للروافض ، فالأولى مخالفتهم وصيانة الميّت وأهله عن الاتّهام بالبدعة(3) .
ولا يخفى عليك بأنّ النهج الحاكم ـ أموّياً كان أم عباسياً ـ كان يسعى لترسيخ فقه الشيخين ونشر فضائل عثمان والصحابة الأوليّن ، و يمنع من التحدث بفضائل علي . وهذا النهج القاسي اللامتوازن أثّر سلبيّاً على الأحكام لا محالَة ، قال الشيخ أبو زهرة عن الحكم الأموي :
لابد أن يكون للحكم الأموي أثر في اختفاء كثير من آثار علي في القضاء والإفتاء ; لأ نّه ليس من المعقول أن يلعنوا علياً فوق المنابر وأن يتركوا العلماء يتحدثون بعلمه ، و ينقلون فتاواه وأقواله وخصوصاً ما يتصل بأساس الحكم الإسلامي(4) .
أعتذر من القارئ في خروجي بعض الشيء عن الموضوع ، وذلك لأ نّي
____________
1- علل الشرائع : 531 ح 1 وعنه في وسائل الشيعة 27 : 116 .
2- سنن النسائي ( المجتبى ) 5 : 253 ح 3006 ، صحيح بن خزيمة 4 : 260 ح 2830 ، مستدرك الحاكم 1 : 636 ح 1706 .
3- فتح العزيز 5 : 231 ـ 232 . وللمزيد يمكنك مراجعة كتابناً ( منع تدوين الحديث ) .
4- تاريخ المذاهب الإسلامية لابي زهرة : 285 ـ 286 .
________________________________________ الصفحة 113 ________________________________________
رأيت ابن تيميّة يسعى إلى تشويه الحقيقة وتحريف كلّ شيء ، وأن عمله التحريفي لا يختصّ في التسميات ، وأنّ ما قاله في التسميات هو قولنا وقول كلّ شيعيّ على مرّ التاريخ ، إذ عرفت بأنّ التسمية بأسماء الثلاثة كانت موجودة عند الطالبيّين ورواة أهل البيت وعلمائهم(1) ، وأ نّهم كانوا لا يتحسّسون من التسمية خلافاً للآخرين الذين أهانوا وضربوا وقتلوا من سمّي بعليّ والحسن والحسين ، فهناك فارق حقيقيّ بين ثقافة الطرفين ستقف عليه إن شاء الله تعالى . والآن لنرجع إلى صلب الموضوع ، موضّحين ملابسات هذه المسألة أكثر ممّا مضى .
الحرب الصامتة والحساسية من اسم علي والحسن والحسين !
بعدما بدأ الإسلام بثورته الثقافية ، وتغييره لأسماء الجاهليين ، وأمره بتحسين الأسماء ، ووضع النبي بعض الأسماء الإلهية : كالحسن والحسين ، وبعد اهتمام الآيات والأحاديث بالرمز والإشارة إلى الأسوة والقدوة ( كمحمد(صلى الله عليه وآله) ) ، وابتناء الإسلام على الشهادتين = ( أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أن محمّد اً رسول الله ) ، بدأت قريش حربها الصامتة على أسماء أهل البيت وعترة رسول الله ، لأنّ قريشاً أصبحت عاجزة عن مقاومة الرسول وثقافة الإسلام وتعاليم الرسول من جهة ، ومن جهة أخرى كان لا يمكنها القبول بكلّ ما أتى به النبي(صلى الله عليه وآله) ، وخصوصاً فيما يرتبط بشخصه الكريم وأهل بيته: ، فسعت إلى الانضمام تحت لواء الإسلام ثم الكيد له .
روى عمر بن شبّة ، عن سعيد بن جبير : أنّ محمّد بن الحنفيّة سمع بأنّ عبدالله بن الزبير قد نال من عليّ ، فجاء إليه وهو يخطب فوضع له كرسيّ فقطع عليه خطبته ، فكان ممّا قاله : و إنّه والله ما يشتم عليّاً إلاّ كافر يُسِرّ شتمَ رسول الله ، يخاف
____________
1- سنقوم بجرد احصائي لاسماء رواة وعلماء الشيعة المسلمين باسماء الثلاثة في آخر السير التاريخي فانتظر الصفحة 157 إلى 274 من هذا الكتاب .
________________________________________ الصفحة 114 ________________________________________
أن يبوح به فيكنّي بشتم عليّ(1) .
أجل إنّ قريشاً كانت تتصوّر بأنّ النبيّ هو الذي قرن اسمه مع اسم البارئ(2) ، أو أ نّه هو الذي منع الصلاة البتراء عليه(3) ، أو أ نّه(صلى الله عليه وآله) هو نفسه الذي نصّب عليّاً إماماً على الناس دون قرار من ربّ العالمين(4) .
وبعبارة أخرى : إنّ قريشاً كانت لا تريد الخضوع المطلق للرسول لكي لا يقوى سلطانه(صلى الله عليه وآله) ، فليس من الغريب أن يكون ما فعلته في التسميات جاء في هذا السياق ; إذ نراهم يسمّون أولادهم بمحمّد وفاطمة ظاهراً ، ولا نراهم يسمّون بعليّ ، والحسن والحسين ، وحمزة ، وجعفر وغيرها من أسماء أهل البيت ، مع علمهم بأنّ الرسول سمّى سبطيه بالحسن والحسين باسم ابني هارون شبر وشبير وبأمر من الله وعَقَّ عنهما(5) .
قال أبو أحمد العسكري عن الإمام الحسن(عليه السلام) : سمّاه النبيّ الحسن وكنّاه أبا محمّد ، ولم يكن يعرف هذا الاسم في الجاهلية ...(6) .
____________
1- رواه ابن أبي الحديد في شرح النهج 4 : 63 .
2- مروج الذهب 3 : 454 ، شرح نهج البلاغة 5 : 130 ، الموفقيات لابن بكار : 576 ـ 577 .
3- انظر سنن الدار قطني 1 : 355 ، الصواعق المحرقة 2 : 430 ، مقدّمة مسند زيد بن علي : 33 ، صحيح البخاري 4 : 1802 ح 4519 ، 5 : 2338 ح 996 ، 5997 ، صحيح مسلم 1 : 305 ح 405 عن أبي مسعود الأنصاري وفي 1 : 306 ح 407 عن أبي حميد الساعدي ، سنن أبي داود 1 : 257 ح 976 إلى 982 .
4- انظر كلام الحرث بن النعمان الفهري واعتراضه على رسول الله وطلبه من الله أن يمطر عليه حجارة من السماء ان كان محمّداً صادقاً فما لبث حتّى رماه الله بحجر فوقع على دماغه فخرج من أسفله فهلك من ساعته . تفسير الثعلبي 10 : 35 ، وتفسير ابي السعود 9 : 29 ، وروح المعاني 29 : 55 .
5- أنظر الكافي 6 : 34 ح 6 ، وفيه بانّ جبرئيل هبط على رسول الله(صلى الله عليه وآله) بالتهنئة في اليوم السابع وأمره أن يسمّي الحسن ويكنّيه وأن يعقّ عنه وكذلك حين ولد الحسين ، وسائل الشيعة 21 : 431 ح 4 ، مناقب الكوفي 2 : 221 .
6- أسد الغابة 2 : 9 ، سمط النجوم العوالي 3 : 85 ، تهذيب الاسماء للنووي 1 : 162 .
________________________________________ الصفحة 115 ________________________________________
وروى عن ابن الأعرابي ، عن الفضل ، قال : إنّ الله حجب اسم الحسن والحسين حتّى سمّى بهما النبي ابنيه الحسن والحسين(1) ، وقد أشرنا سابقاً
إلى بعض النصوص التي تؤكّد اشتقاق هذين الاسمين من معاني الحُسْنِ
الإلهيّ .
وان اسم الحسن هو من احسن الأسماء فلا نراهم يسمون بذلك ، لماذا ؟ أ نّه تساول فقط ؟
ارتباط التسمية مع المحبّة حقيقةٌ أو وَهْمٌ
إنّ أسماء محمّد وعلي والحسن والحسين إن لم تكن أسماءً الهية فهي أسماء عربية لا محالة ، تحمل معاني حسنة لا غبار عليها ، مع التأكيد على أنّ مدرسة أهل البيت تذهب إلى الرأي الأول حيث ترى هذه الأسماء مشتقّة من أسماء الباري ، وقد مرّ عليك ما رو يناه عن المعصومين ورواه بعض العامّة أيضاً في تفسير قوله تعالى : ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْماءَ كُلَّهَا )(2) ، وقوله تعالى : ( فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَات )(3) ، وقوله تعالى : ( وَ إِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ )(4) .
فلو كان الخلفاء الثلاثة محبيّن حقاً لرسول الله ـ وكانت التسمية لها دلالة على الحبّ والبغض كما يفرضه المستدلّ في تسميات أولاد الأئمّة ـ لسمّوا أولادهم وأحفادهم وأسباطهم باسم سبطي رسول الله كرامة لرسول الله واتّباعاً لسنّته في التسمية .
والأنكى من ذلك لا نراهم يسمّون أولادهم باسماء أجداد وأعمام رسول الله
____________
1- توضيح المشتبه 3 : 233 ، تهذيب الأسماء للنووي 1 : 162 ، تاريخ الخلفاء : 188 ، سمط النجوم العوالي 3 : 85 .
2- البقرة : 31 .
3- البقرة : 37 .
4- البقرة : 124 .
________________________________________ الصفحة 116 ________________________________________
كحمزة وأبي طالب ، وهاشم ، وعدنان ، ومضر ، مع كون تلك الأسماء أسماءً عربية جميلة المعنى وكانت توضع في الجاهلية على الاولاد فكيف لا توضع بعد الإسلام ؟ .
فعلى أيّ شيء يمكن حمل هذه التصرّفات والاجحاف بأعمام رسول الله ، خصوصاً بعد وقوفنا على تأكيد الرسول على عشيرته وعترته ؟
فإمّا أن نقول بنصبهم العداء للرسول ولأهل بيته وعشيرته .
و إمّا أن نقول بعدم لحاظ المحبّة والبغض في التسميات ، وهو ما نريد التأكيد عليه في هذه المقدمة ; لأنّ التسمية باسمٍّ ما قد لا يدلّ على المحبة ، وكذا عدم التسمية لا يدلّ على البغض ، فالاسم هو العلاّمة لكن الإسلام جاء ليؤكد على لزوم تحسين الأسماء لا غير ، فلو أراد شخص أن يستدلَّ على المحبّة يجب عليه أن يأتينا بدليل ، لأنّ دلالة الأفعال صامتة ، وقد أ كّدنا في بحوثنا السابقة(1) بأنّ فعل المعصوم أو تركه لشيء لا يدلّ على الوجوب أو الحرمة إلاّ أن يصرّح ; كقوله : اشربوا اللبن ، أو لا تركبوا الدواب .
والأمر هنا كذلك ، فقد لا تشاهد في أسماء محبّي الإمام عليّ ـ كعمار وسلمان والمقداد وأبي ذرّ ـ ولا في اسماء أولادهم وأحفادهم قد لا تشاهد اسم علي والحسن والحسين ، وهذا لا يدل على عدم حبّهم للإمام علي والحسنين وفاطمة وآمنة وزينب ، والمتأمل في مواقف الأقدمين يراهم لا يستدلون على المحبّة من خلال التسميات فقط ، فعمار وسلمان والمقداد فهم من المحبين للإمام علي بلا خلاف سواء سموا بأسماء أهل البيت أم لم يسموا ، وعليه فنحن لا نستدل على العلقة والمحبة بينهما على التسميات و إن كان عمار بن ياسر قد سمى حفيده علي بن محمّد بن عمار بن ياسر(2) ، لكن هذا ليس الدليل الأول والأخير .
____________
1- راجع كتابنا ( أشهد أن علياً ولي الله في الأذان بين الشرعية والابتداع ) على سبيل المثال .
2- الاكمال لابن ماكولا 1 : 266 .
________________________________________ الصفحة 117 ________________________________________
وعليه فكل ما في الأمر هو دلالة الأسماء على العلمية مع لحاظ المعاني الحسنة فيها ، وليس فيها اكثر من ذلك ولا يمكن تحميلها ما لا تحتمل .
وكذا لو تصفّحت مشجَّرات الطالبيين لعلّك لا ترى اسم آمنة أو خديجة أو صفية أو حليمة بين أسماء بنات المعصومين ، مع إقرار الكلّ بأ نّهم من هذه الشجرة المطهرة وهم ابناء امنه وخديجة ، والكل يعتقد بحبِّ علي والحسن والحسين وامنه بنت وهب ـ أمّ رسول الله ـ وخديجة بنت خويلد ـ زوجته(صلى الله عليه وآله) ـ أو حليمة السعدية ـ مرضعته ـ أو صفية ـ عمته(صلى الله عليه وآله) ـ فعدم التسمية بهذه الأسماء لا يدل على التنافر والمباغضة .
فما جئت به من امثله هنا هو خير دليل لتفنيد ما أشاعته الجهات الحكومية وأتباعها من أنّ التسميات جاءت للمحبة ، وهو نفسه يمكن قوله في الخلفاءِ الثلاثةِ ورجالات قريش جواباً لما اثرناه في عدم تسميتهم أولادهم وأحفادهم بأسماء أجداد وأعمام النبي(صلى الله عليه وآله) . وإنَّ ما عَنْوَنْتُ به الصفحات السابقة بالعنوان المتقدم لم يكن اعتقاداً مني بصحته ، بل جاء لاحراج الذاهبين إلى القول بالمحبة جزافاً .
ومثل هذا يمكن قوله في سبب عدم تسمية الخلفاء الأمويّين والعباسيّين أبناءَهم باسم عليّ ، لأ نّهم أيضاً لم يسمّوا أولادهم واحفادهم باسم أبي بكر وعمر وعثمان ، إلاّ عمر بن عبدالعزيز وآخر ، وهذا لا يعني أ نّهم كانوا أعداءً للخلفاء الثلاثة على وجه القطع واليقين ، إذ انّهم هم الذين أكّدوا على سيرة الشـيخين وحكّموا فقههم ومن خلال اعمالهم اثيرت هذه الحساسية في الأسماء .
إذن المعيار في هكذا أمور هو الأعمال لا الأقوال ، والخلفاء الأمويون والعباسيّون اتّبعوا سيرة الشيخين وجعلوها منهجاً في الحياة بخلاف فقه عليّ وحديثه الذي كان محارباً من قبلهم ، فكان لا يمكن لأحد أن يحدّث عن عليّ إلاّ بالتكنية ; كقوله : ( عن أبي زينب ) ، وسنوضح لاحقاً ما لاقته الشيعة من هاتين الحكومتين من القتل على الهو يّة وقتل وتشريد كلَّ من تسمّى بعليّ ، والحسن ،
________________________________________ الصفحة 118 ________________________________________
والحسين(1) .
و إليك الآن جرداً لأسماء الخلفاء الأمويّين والعبّاسيين بأسمائهم وكناهم وسنى حكمهم كي تقف على صحّة ما نقول :
أسماء الخلفاء الأمويّين والمروانيّين (41 ـ 132 هـ) :
وهي خالية من اسم أحد الثلاثة
____________
1- انظر الصفحة : 174 ، 188 ، 202 ـ 222 .
________________________________________ الصفحة 119 ________________________________________
اسماء الخلفاء العباسيّين (132 ـ 656 هـ) :
________________________________________ الصفحة 120 ________________________________________
هذه هي أسماء وألقاب وكُنّى الخلفاء الأمويّين والعبّاسيّين ، فلا نرى بينها اسماً للخلفاء الثلاثة ، أو كنية لهم ، مثل : أبوبكر ، أبو حفص ، أبوعمرو ، أبوليلى ، إلاّ لشخص واحد في العهد الأمويّ وهو : عمر بن عبدالعزيز الذي تسمّى باسم عمر وتكنّى بكنيته ، أو كنية لشخص واحد في العهد العبّاسي الثاني وهو الطائع العبّاسي ، مع أنّ اسم هذا الأخير كان عبدالكريم ولم يكن عتيقاً أو عبدالعزّى أو عبدالكعبه أو عبدالله حتّى يدلّ على المحبّة فيما بينه وبين أبي بكر كما يقولون .
في حين أنّ أغلب كُنّى العبّاسيّين وأسمائهم كانت تدور في فلك الأسماء
________________________________________ الصفحة 121 ________________________________________
المحبوبة عند أهل البيت مثل : ( محمّد ، أحمد ، جعفر ، عبدالله ، عبدالكريم ، إبراهيم ، يوسف ) وهي نفس الأسماء التي كانوا يتسمّون بها .
أ مّا كناهم فهي : أبو العبّاس ، أبو جعفر ، أبو عبدالله ، أبو محمّد ، أبو القاسم ، أبو إسحاق ، أبو الفضل ، فهي كُنّى الطالبيّين أيضاً .
وكذا ألقابهم ، فهي مأخوذة من ألقاب أئمّة أهل البيت(عليه السلام) ، مثل : المهدي ، الهادي ، القائم و ...(1)
فهل يمكن لأحد أن يدّعي محبّة هؤلاء الخلفاء لأهل البيت وكونهم من شيعتهم ؟! وهم الذين أجرموا بحقّهم أكثر من الأمويّين ، وسنذكر لك لاحقاً بعض النماذج على ذلك إن اقتضى الأمر .
فهل أنّ وجود اسم واحد أو اسمين بين هذا الكمّ الهائل من الأسماء إلى القرن السابع الهجري يدلّ على محبّة الخلفاء الأمويّين والعبّاسيّين للخلفاء الراشدين !! أم أنّ محبّتهم للخلفاء تُنتَزَعُ من أمور أخرى ، إذن الاعمال هي الدالة على المحبة لا الأسماء .
الحكومتان الأموّية والعباسيّة واتّباعهما لسيرة الشيخين
إنّ الأمويين والعباسيين كانوا يسيرون على خُطى الشيخين ولا غبار على ذلك ، وقد أشار مؤسس الدولة الأمو ية إلى هذه الحقيقة في جواب رسالة محمّد ابن أبي بكر ; إذ قال معاو ية لمحمّد :
فكان أبوك وفاروقه أوّل من ابتزّه [علي(عليه السلام)] وخالفه أنفسهم ، على ذلك اتّفقا واتّسقا ، ثمّ دعواه إلى أنفسهم ، فأبطأ عنهما وتلكّأ عليهما ، فهمّا به الهموم ، وأرادا به العظيم . إلى أن يقول :
____________
1- ستقف لاحقاً في السير التاريخي في المسألة من صفحة 159 ـ 276 على نهي أئمّة أهل البيت شيعتهم من تلقّب أعدائهم بألقابهم وتكنّيهم بكناهم إلاّ عند الضرورة .
________________________________________ الصفحة 122 ________________________________________
فخذ حذرك يابن أبي بكر ! فسترى وبال امرك وقِس شبرك بفترك ، تقصر عن أن تساوي أو توازي من يزن الجبال حلمه ، [و] لا تلين قسر قناته ، ولا يدرك ذو أناته ، أبوك مهّد مهاده ، وبنى ملكه وشاده ، فإن يكن ما نحن فيه صواباً ، فأبوك أوله و إن يك جوراً فأبوك أسسه ونحن شركاؤه ، وبهدية أخذنا ، وبفعله اقتدينا ، ولولا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا ابن أبي طالب ، وأسلمنا له ، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك فاحتذينا بمثاله ، واقتدينا بفعاله . فعِب أباك بما بدا لك أو دَعْ ، والسلام على من أناب ...(1) .
وروى البلاذري ما كتبه يزيد بن معاوية في جواب عبدالله بن عمر ، لمّا اعترض عليه بقتل الحسين :
أ مّا بعد ، يا أحمق ! فإنّا جئنا إلى بيوت مجدّدة ، وفُرش ممهّدة ، ووسائد منضّدة ، فقاتلنا عنها ، فإن يكن الحقّ لنا فعن حقّنا قاتلنا ، و إن يكن الحقّ لغيرنا فأبوك أوّل من سنّ هذا وآثر واستأثر بالحقّ على أهله(2) .
فالأمو يّون اتّبعوا سياسة الشيخين في كلّ شيء ، في الحديث(3) والفقه(4)والسياسة(5) .
وجاء في رسالة معاوية إلى زياد بن أبيه :
____________
1- كتاب صفين للمنقري : 120 ، وانظر أنساب الاشراف 3 : 167 ، ومروج الذهب 3 : 12 ـ 13 ، والاختصاص للشيخ المفيد : 127 ، وشرح النهج 3 : 190 .
2- الطرائف لابن طاووس : 247 ، نهج الحق : 356 ، احقاق الحق : 297 ، والجميع عن البلاذري .
3- إذ حدّد عثمان التحديث عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) (في ما عُمل به على عهد عمر) . انظر : الطبقات الكبرى 2 : 336 ، كنز العمّال 10 : 131 ح 29490 ، تاريخ دمشق 39 : 180 .
4- فمثلا جاء عن مروان بن الحكم قوله : إنّ عمر بن الخطّاب لمّا طُعن استشارهم في الجدّ ، فقال : إنّي رأيت في الجدّ رأياً ، فإن رأيتم أن تتّبعوه فاتّبعوه ، فقال عثمان : إن نتّبع رأيك فهو رشد ، وإن نتّبع رأي الشيخ من قبلك فنعم ذو الرأي كان . انظر : المستدرك على الصحيحين 4 : 377 ح 8983 .
5- كما مرّ قبل قليل في كلام معاوية لمحمّد بن أبي بكر ، ويزيد لعبدالله بن عمر .
________________________________________ الصفحة 123 ________________________________________
وانظر إلى الموالي ممَّن أسلم من الأعاجم ، فخذهم بسُنّة عمر بن الخطّاب ، فإنّ ذلك خزيهم وذلّهم ، أن تنكح العرب فيهم ولا ينكحونهم ...(1) .
وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى عدي بن أرطاة أن سَلِ الحسن البصري : ما بال نصارى العرب لا يؤخذ منهم الجزية ؟ فسأله ، فقال : اكتب إليه ( إنّك متّبعٌ ولست بمبتدع ، إنّ عمر بن الخطّاب رأى في ذلك صلاحاً )(2) .
وقال مروان لمعاوية بعد خطبته المعروفة التي اعتزل فيها : يا ابا ليلى لقد سنّ لها عمر بن الخطّاب سنّة فاتَّبِعْها ، فقال معاوية : أتريد أن تفتنّي عن ديني يا مروان(3) .
وعن الشعبيّ أ نّه دخل على الحجّاج فسأله عن الفريضة في الأُخت ، وأُمّ الجدِّ ؟ فأجابه الشعبي باختلاف خمسة من أصحاب الرسول فيها : عثمان ، زيد ، ابن مسعود ، عليّ ، ابن عبّاس . ثمّ بدأ بشرح كلام ابن عبّاس . فقال له الحجّاج : فما قال فيها أميرالمؤمنين ـ يعني عثمان ـ ؟فذكرها له .
فقال الحجّاج : مُرِ القاضي فليُمْضِها على ما أمضاها عليه أميرالمؤمنين عثمان(4) . فانظر إلى أولاد هؤلاء هل ترى اسم احد من الثلاثة بينهم .
هذه النصوص تدلّ وبكلّ وضوح على اتّباع الأمويين سيرة الشيخين مع سيرة عثمان بن عفّان وجعلها منهاجاً في الحياة .
وهناك نصوص كثيرة أخرى دالّة على اتّباع التّالين لِما أسّسه الأوّلون . فكيف بأمثال هؤلاء لا يسمّون أولادهم بأسماء الخلفاء الثلاثة ، وعلى أيّ شيء يدلّ هذا ؟
بل لماذا لا نرى بين فقهاء المدينة السبعة من اسمه : أبوبكر ، عمر ، عثمان ،
____________
1- الغارات 2 : 824 .
2- انساب الأشراف 8 : 159 .
3- مقتل الحسين للخوارزمي : 211 .
4- حلية الأولياء 4 : 325 ، سير أعلام النبلاء 4 : 314 .
________________________________________ الصفحة 124 ________________________________________
وهل يدلّ على نصبهم العداء للثلاثة ؟ لا ، ليس الأمر كذلك ، فالجميع يسيرون على نهج الشيخين وعثمان ، وانّ هذه النصوص الآنفة خير دليل على التباغض والعداوة بين عليّ وعُمر وعدم الصداقة بين أبي بكر وعليّ ، إذ مرّ عليك كلام معاوية لمحمّد بن أبي بكر ( فكان أبوك وفاروقه أوّل من ابتزّ حقّه ... وأرادوا به العظيم [أي القتل] ) وكلام يزيد لعبدالله بن عمر : ( فأبوك أوّل من سنّ هذا ) .
قال المسعودي : وكان عروة بن الزبير يعذر أخاه عبدالله في حصره بني هاشم في الشعب وجمعه الحطب ليحرقهم ، و يقول :
إنّما أراد بذلك أن لا تنتشر الكلمة ولا يختلف المسلمون ، وأن يدخلوا في الطاعة فتكون واحدة كما فعل عمر بن الخطّاب ببني هاشم لمّا تأخّروا عن بيعة أبي بكر ، فإنّه أحضر الحطب ليحرّق عليهم الدار(1) .
من هنا تعرف عمق مغزى كلام السيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) ( ويعرف التالون غِبَّ ما أسّسه الأوّلون )(2) .
وعليه ، فما قلته وأثرته من جواب نقضي للشبهة من ان الشيخين وأتباعهما ، لو كانا محبين للنبي فلماذا لا يُسمّون أولادهم بأسماء أجداد الرسول وأعمامه .
وكذا ما عنونته من عنوان ، لم يكن اعتقاداً منّي بصحّة ما قلته ، بل جاء الزاماً للاخرين ; الذين يسوقون الكلام على عواهنه .
ولا يخفى عليك بأنّ هذا الكلام لا يمنعنا من القول بوجود خلاف وتعارض بين ثقافة قريش وثقافة الإسلام ، فقريش كانت في صراع دائم مع الإسلام وقيمه ، ولم تستسلم إلاّ بعد فتح مكة وتحت وطأة السيف ، وهي التي دعت إلى المنع من تدوين حديث رسول الله ، وفي المقابل دعت إلى تعلّم الأنساب وأيام العرب .
فمن الطبيعي ـ ولأجل الخلاف الملحوظ بين المدرستين ـ قد لا تسمّي
____________
1- مروج الذهب 3 : 86 ط الميمنية ، وانظر : شرح نهج البلاغة 20 : 147 وفيه زيادة : وأن يدخلوا في الطاعة كما فعل عمر ...
2- معاني الأخبار 354 ـ 355 ، دلائل الإمامة 125 ـ 128 ، أمالي الطوسي : 374 ـ 376 .
________________________________________ الصفحة 125 ________________________________________
قريش أبناءَها بأسماء مناوئيها ; لأ نّها لم تستعدّ فكرياً ولم تؤهل أخلاقياً للثورة على المطامع الشخصية والأنانية ، وبذلك يكون حالها مشابهاً لحال المناوئين للإمام علي من امثال الخوارج الذين لم يعجبهم اسماء أهل البيت .
لكنّ هذا الأمر لا يمكن تصوّره في أئمّة أهل البيت ، لأ نّهم أسمى من هذه الظواهر التي تتعكّز عليها شخصيّة الإنسان العادي ، لأ نّهم(عليهم السلام) ينظرون إلى الأمور بنظرة عالية و يسعون دوماً للحفاظ على وحدة الصف الإسلامي ، واقفين أمام الفتن وجادّين إلى تحجيم زاوية الخلاف بينهم وبين الجهاز الحاكم في الظاهر كي لا يستغله الأعداء .
لكنّ هذا لا يعني بأنّ أهل البيت كانوا بهذه السياسة يجاملون ويداهنون و يُعتّمون على وجود خلاف جوهريّ بينهم وبين الحكام ، بل الفارق بينهم وبين غيرهم أ نّهم لا يخلطون الأوراق ، و يتعاملون مع كلّ شيء على حسبه ، فلا يرون التسمية بأبي بكر وعمر ـ في ظروف مّا ـ مخلّة بموازينهم ، أو أ نّها ستزلزل مواقفهم ، أو أ نّها تبعدهم عن أهدافهم قيدَ أنملة ، كلاّ فالأمر لم يكن كما يتخيّله الآخرون ، فهم لا يجيزون ربط موضوع التسميات مع المسائل الخلافية المذهبيّة ، لأنّ مجال كلّ واحد يختلف عن الآخر .
نعم ، ربّما يكون ذلك في ظروف خاصّة وبالعنوان الثانويّ ، لكنّه لم يكن في أ يّام الخلفاء الأربعة قطعاً ; لأنّ الأمور لم تتأطّر ـ كما هي متأطره اليوم ـ نهائياً
بعدُ .
فالتسمية بأبي بكر وعمر وعثمان لا تعطي الشرعية للخلفاء ، ولا تدلّل على عدالتهم ووثاقتهم ولزوم الأخذ عنهم ، بل هي حالة اجتماعية طبيعية ليس إلاّ ، فالذين يريدون الاستفادة من هذه التسميات لتثبيت خلافة الشيخين ، أو رفع العداوة والخلاف بين الآل والخلفاء ، هُم واهمون ، لأنّ الخلاف بينهم أكبر من أن يرتفع بتسمية واحدة أو اثنتين أو ثلاث ، أو زواج مفتعل ، أو مصاهرة بين هذا أو
________________________________________ الصفحة 126 ________________________________________
ذاك ، و يكفينا للتدليل على وجود الخلاف ، ما جاء في الخطبة الشقشقية(1) ، وخطب السيدة فاطمة الزهراء ، ووصيّتها بأن لا يشهد جنازتها أبوبكر وعمر وموتها وهي واجدة عليهما(2) ، وتهديد عمر بإحراق بيت فاطمة(3) ، و إسقاطه جنينها محسنا(4) ، وعدم تولية عمر أحداً من بني هاشم السرايا والولايات(5) ، وقوله لابن عباس : أما زال في نفس علي شيء(6) ، إلى غيرها من عشرات بل مئات النصوص الدالة على التخالف في السياسة والمنهج .
فأهل البيت رغم خلافهم مع أبي بكر وعمر وعائشة وطلحة والزبير ، لا يمنعون التسمية بهذه الأسماء ، بل(عليهم السلام) يترفّعون عن هكذا أمور ، ولو راجعت كتب أنساب الطالبيّين لرأيت الإمام السجاد ، والكاظم ، والرضا ، والهادي قد سمّوا بناتهم عائشة(7) ، لأنّ عائشة هو اسم فاعل من عاش يعيش ، فلا ضير من التسمية
____________
1- نهج البلاغة : 48 الخطبة 3 .
2- عيون أخبار الرضا 2 : 201 وعنه في بحارالأنوار 31 : 621 ح 104 ، وانظر صحيح البخاري 4 : 1549 ح 3998 وصحيح مسلم 3 : 1380 ح 1759 .
3- تاريخ الطبري 2 : 233 ، الإمامة والسياسة 1 : 30 ، المذكر والتذكير لابن أبي عاصم : 91 .
4- الملل والنحل 1 : 57 الترجمة 3 / الفرقة النظامية ، الوافي بالوفيات 6 : 15 الترجمة 3 للنظام المعتزلي ، لسان الميزان 1 : 268 الترجمة 824 لأحمد بن محمّد بن السري ، مناقب بن شهرآشوب 3 : 133 ، عن المعارف للقتيبي قال : محسناً فسد من زخم قنفذ .
5- الاحتجاج 1 : 109 وعنه في بحارالأنوار 28 : 283 ، الاختصاص : 185 .
6- شرح نهج البلاغة 12 : 20 عن أحمد بن أبي طاهر صاحب كتاب تاريخ بغداد في كتابه مسنداً وعنه في بحار الأنوار 30 : 555 بتصرف .
7- في الوقت نفسه نهى الإمام الكاظم يعقوب السراج من التسمية بـ (حميراء) ، لأنّه كاد أن يكون علماً مخصوصاً بعائشة ، ومختلقاً لها قبال أمهات المؤمنين ، أمثال : خديجة وأم سلمه و ... ، ويحتوي على موامرة سياسية اموية ضد علي ، بخلاف اسم عائشة فإنه اسم عام لالف امرة تسمو بها قبل الإسلام وبعده .
وقد يكون أمر الإمام ليعقوب السراج جاء من باب الكرامة والإعجاز ، لأنّ النص الذي سيأتي عليك لاحقاً ، فيه أنّه(عليه السلام) قالها (وهو في المهد ... وبلسان فصيح) . وهو النص الوحيد الصريح الآتي من قبل الأئمّة في المنع من التسمية بأحد أسماء المخالفين بخصوصه .
وعليه فالتسمية بـ (حميرا) يختلف عن التسمية بـ (عائشة) فينهى عن الأولى ويسمى بالثانية ولا ضير ، قبل ان يصير رمزاً للمخالفة مع علي ويرمز إلى حالة تاريخية .
________________________________________ الصفحة 127 ________________________________________
بهذا الإسم لو لوحظ فيه المعنى اللغوي فقط .
أ مّا لو أريد بالتسمية الأخذ بنظر الاعتبار مواقف عائشة بنت أبي بكر في الجمل قِبال إمام زمانها علي بن أبي طالب ، والإشادة بدورها في شقّ الصف الإسلامي ، فهو منهيٌّ عنه ; لأنّ هذا العمل يوجب التثقيف الباطل للمسلم ، و إشاعة ثقافة العداء لأهل بيت الرسول ، الذين امرنا الله ورسوله بمودتهم وطاعتهم .
عمر وأسماء الأنبياء
وهنا نكتة لابدّ من الإشارة إليها ، وهي تعامل عمر بن الخطاب مع تسمية بعض الصحابة أولادهم بأسماء الأنبياء ، ولا أريد أن أتعامل مع هذه المسألة بنظرة رمادية ، بل أريد فهم الموضوع بنظرة موضوعية وحيادية جذرية ، وهي : لماذا نهى عمر بن الخطاب عن التسمية بأسماء الأنبياء ؟ وهل حقّاً أنّ السبب هو ما رواه عبدالرحمن بن أبي ليلى إذ قال :
نظر عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى أبي عبدالحميد أو ابن عبدالحميد ـ شك أبو عوانه ـ وكان اسمه محمّداً ، ورجل يقول له: فَعَلَ الله بك وفعل وفعل ، قال : وجعل يسبّه، قال : فقال أمير المؤمنين عند ذلك يأبن زيد أَدن مني ، قال : لا أرى محمَّداً يسُبُّ بك ، لا والله لا تُدعى محمّداً أبداً ما دمتُ حيّاً، فسمّاه عبدالرحمن ، ثم أرسل الى بني طلحة ليغير أهلهم أسماءهم وهم يومئذ سبعة وسيدهم وأكبرهم محمّد ، قال :
فقال محمّد: أنشدك الله يا أمير المؤمنين ، فو اللهِ إن سمَّاني محمّداً
________________________________________ الصفحة 128 ________________________________________
يعني إلاّ محمّد .
فقال عمر: قوموا فلا سبيل لي إلى شيء سمّاه محمّد(1) .
وعن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم عن أبيه ، ان عمر بن الخطاب جمع كل غلام اسمه اسم نبي فأدخلهم الدار ليغير اسمائهم ، فجاء آباؤهم فأقاموا بيّنة أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) سمى عامتهم فخلي عنهم ، قال أبو بكر : وكان أبي فيهم . ( ابن سعد وابن راهويه ، وحسن )(2) .
وعن سالم بن أبي جعد: إنّ عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه كتب : لا تسمّوا باسم نبيّ ، فكان رجل يسمّى هارون فغيّر اسمه(3) .
وفي الطبقات: دخل عبدالرحمن بن سعيد العدوي على عمر بن الخطاب ، وكان اسمه موسى فسماه عبدالرحمن ، فثبت اسمه إلى اليوم ، وذلك حين أراد عمر أن يغيّر اسم من تسمّى بأسماء الأنبياء(4) .
وفي كنز العمال: إنّ عبدالرحمن بن الحارث كان اسمه إبراهيم ، فدخل على عمر في ولايته حين أراد أن يغيّر اسم من تسمّى بأسماء الأنبياء ، فغيّر اسمه وسمّاه عبدالرحمن ، فثبت اسمه إلى اليوم(5) .
وفي شرح النووي على مسلم وعمدة القاري: كتب عمر إلى أهل الكوفة : لا تسمّوا أحداً باسم نبيّ ، وأمر جماعة بالمدينة بتغيير أسماء أبنائهم المسمّين بمحمّد ، حتّى ذكر له جماعة أنّ النبي أذن لهم في ذلك وسمّاهم به ، فتركهم، قال
____________
1- مسند أحمد 4 : 216 ح 17927 ، وانظر طبقات ابن سعد 5 : 50 ، 54 ، الإصابة 6 : 17 ت 7786 ، أسد الغابة 4: 323 ، قال : أخرجه الثلاثة .
2- كنز العمال 16 : 588 ح 45966 .
3- جزء حنبل التاسع ( من فوائد ابن السماك ) : 76 ، الفتن لحنبل بن اسحاق : 219 وأنظر عمدة القاري 22 : 206 .
4- طبقات ابن سعد 5 : 51 وعنه في كنز العمال 16 : 248 ح 45969 .
5- كنز العمال 16 : 248 ح 45968 عن ابن سعد 5 : 6 ، تاريخ دمشق 34 : 274 .
________________________________________ الصفحة 129 ________________________________________
القاضي : والأشبه أنّ فعل عمر هذا إِعظامٌ لاسم النبي(1) .
وفي فتح الباري: يقال : إنّ طلحة قال للزبير: أسماء بَنِيَّ أسماء الأنبياء ، وأسماء بنيك أسماء الشهداء ، فقال [الزبير] : أنا أرجو أن يكون بَنِيَّ شهداء وأنت لا ترجو أن يكون بنوك أنبياء !! فأشار إلى أنَّ الذي فعله أولى من الذي فعله طلحة(2) .
لا أدري هل يصح ما علله عمر بن الخطاب أم ما قاله الشيخ المجلسي:
ومنع عمر إمّا لجهله بالسّنة، أو لإرادته أن لا يبقى على وجه الأرض اسمُ محمَّد(3).
والذي أقوله هنا هو: ألم يكن الأولى بعمر بن الخطاب أن يسمح بالتسمية بأسماء الأنبياء ، بل الأَولى به أن يشجّع و يحثّ على ذلك ، مع تأكيده على رعاية احترامهم ؟! وهو ما فعله النبيّ والأئمّة الأطهار.
فعن أبي رافع ، قال : سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: إذا سمّيتم محمّداً فلا تقبّحوه ولا تجبهوه ولا تضربوه ، بورك لبيت فيه محمّد، ومجلس فيه محمّد، ورفقة فيها محمّد(4) .
وعن أبي هارون مولى أبي جعدة ، قال: كنت جليساً لأبي عبدالله [الصادق] (عليه السلام) بالمدينة ففقدني أ يّاماً ، ثمّ إنّي جئت إليه فقال: لم أرك منذ أيام يا أبا هارون؟
فقلت: ولد لي غلام.
فقال: بارك الله لك ، فما سمّيته؟
قلت: سمّيته محمّداً، فأقبل بخدّه نحو الأرض وهو يقول: محمّد،
____________
1- أنظر شرح النووي على مسلم 14 : 113 ، وعمدة القاري 15 : 39 .
2- فتح الباري 10 : 580 .
3- مرآة العقول 21 : 37 .
4- مكارم الأخلاق : 25 ، وعنه في مستدرك وسائل الشيعة 15 : 130 ح 2 ، وفيه : بورك بيت فيه محمّد .
________________________________________ الصفحة 130 ________________________________________
محمّد، محمّد ، حتّى كاد يلصق خدّه بالأرض، ثمّ قال: بنفسي وبولدي وبأهلي وبأبويَّ وبأهل الأرض كلّهم جميعاً الفداء لرسول الله(صلى الله عليه وآله) ، لا تسبّه ولا تضربه ولا تُسِئْ إليه، واعلم أ نّه ليس في الأرض دار فيها اسم محمّد إلاّ وهي تُقَدَّس كلَّ يوم(1).
تأمل في انحناءات الإمام الصادق تعظيماً لاسم محمّد ، وقوله : ( بنفسي وبولدي وبأهلي وبأبويّ وبأهل الأرض كلّهم جميعاً الفداء لرسول الله ) .
متى قالها(عليه السلام) ؟ ألم يكن قالها بعد أكثر من نصف قرن من وفاة عمر وبعد رسوخ فكره عند أتباعه ؟ أي بعد استقرار ثقافة النهي عن التسمية بأسماء الأنبياء والمرسلين ، وعلى رأسهم النهي عن ذكر اسم محمّد الصادق الأمين؟!
وقد روى الصادق(عليه السلام) عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قوله: من ولد له أربعة أولاد لم يسم أحدهم باسمي فقد جفاني(2) .
وعن النبي(صلى الله عليه وآله) : إذا سمّيتم الولد محمّداً فأكرموه ، وأوسعوا له في المجلس ، ولا تقبّحوا له وجها(3) .
وعنه(صلى الله عليه وآله): ما من قوم كانت لهم مشورة فحضر من اسمه محمّد أو أحمد فأدخلوه في مشورتهم إلاّ كان خيراً لهم(4) .
وبالإسناد عن النبي: ما من مائدة وضعت فقعد عليها من اسمه محمّد أو أحمد إلاّ قدّس ذلك المنزل في كلّ يوم مرّتين(5).
وجاء عن الباقر(عليه السلام) قوله: أصدق الأسماء ما سمّي بالعبوديّة ، وأفضلها أسماء
____________
1- الكافي 6 : 39 ح 2 ، وسائل الشيعة 21 : 393 ح 4 .
2- الكافي 6 : 19 ح 6 ، التهذيب 7 : 438 ح 11 ، وفي أمالي الطوسي : 682 ح 6 ثلاث بنين.
3- وعيون اخبار الرضا 2 : 29 ، وعنه في وسائل الشيعة 21 : 394 ح 7 ، الجامع الصغير 1 : 109 ح 706 .
4- عيون اخبار الرضا 2 : 32 ح 30 ، مكارم الأخلاق : 220 ، فضائل التسمية بأحمد ومحمّد : 19 .
5- وسائل الشيعة 21 : 394 ح 9 ، عن عيون اخبار الرضا 2 : 32 ح 31 .
________________________________________ الصفحة 131 ________________________________________
الأنبياء(1).
وعن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أ نّه قال: ما من رجل يحمل له حمل فينوي أن يسمّيه محمّداً إلاّ كان ذكراً إن شاء الله تعالى، وقال: هاهنا ثلاثة كلّهم محمّد، محمّد، محمّد .
وقال أبوعبدالله(عليه السلام) في حديث آخر: يأخذ بيدها و يستقبل بها القبلة عند الأربعة أشهر ويقول: اللهمّ إنّي سمّيته محمّداً، ولد له غلام، و إن حوّل اسمه أُخذ منه(2).
هذه ثقافة أهل البيت وتراهم يقولون بفضيلة التسمية باسماء الأنبياء خصوصاً اسم النبي الخاتم محمد بن عبدالله .
ألم تكن ثقافة الدعوة للتسمية باسم النبيّ الخاتم والنصح للمسلمين خيراً من ثقافة التغيير الماحي لاسم النبيّ محمّد الماحي ؟! بل ماذا يمكننا أن نقول عن هدف عمر في تغييره لأسماء الأنبياء؟
وهل يمكننا ـ بعد اتّضاح سياسته ـ أن نعزو عدم وجود روايات دالّة على استحباب التسمية بأسماء الأنبياء في كتب أبناء العامّة إلى أ نّها خضعت لمنع عمر من التسمية بأسماء الأنبياء؟ أم إنّ الأمر غير ذلك ؟
الكلّ يعلم بأنّ الأسماء ضرورة لابدّ منها، وأنّ التسمية بالأسماء المحمودة كأسماء الأنبياء والمرسلين هي من الأمور المحبوبة والحسنة عقلاً وشرعاً، لأنّ بها تثبت الرمزية للخير والدعوة إليه.
وكذا لا محيص من تلقّي الهجاء والمدح جراء التسمية ، وقد تستدعي التربية في بعض الحالات ـ من قبل الاب أو الجد ـ الضرب والشتم ، وهي حقيقة طبيعية لا مناص عنها وليست بأمور طارئة.
____________
1- الكافي 6 : 18 ح 1 ، التهذيب 7 : 438 ح 11 ، معاني الاخبار : 146 ح 1 .
2- مرآة العقول 21 : 21 .
________________________________________ الصفحة 132 ________________________________________
ألم يكن لعمر بن الخطاب أن يتعامل مع التسمية بأسماء الأنبياء مثل تعامل النبي والأئمّة الأطهار من حيث الدعوة الى التسمية المباركة مع احترام المسمَّين بأسماء الأنبياء وإدخالهم في المشورة ، وتوسيع المجالس لهم ، وعدم التقبيح لوجوههم ، وإكرامهم ، والجلوس معهم على المائدة و... لا أن يمنع من التسمية ويسعى لتغيير الأسماء الإيجابيّة الإلهيّة .
صحيح أنّ الأمر يجب التنبيه عليه كي لا يهان النبيّ ، لكن لا بهذه الصورة، إذ أنّ عمل عمر الرَّدْعي هو الأشدّ ضرراً وتطرُّفاً في مثل هذا الأمر ، وهو أقرب إلى الإبادة من الإصلاح، وهو يشابه ما عمله في منع حديث رسول الله بدعوى اختلاطه مع القرآن، فكان عليه أن يدعو الى الحيطة في نقل الحديث عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأن لا يجمع حديث رسول الله مع آيات القرآن الكريم في مصحف واحد ، لا أن يمنع من تدوين حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله) و يأمر بحرق الأحاديث النبوية، فعمله في هذين الأمرين سيِّانِ .
ومما يجب التأكيد عليه أنّ رسول الله كان يعلم بأنّ التسمية باسمه قد يسبّب شتم وضرب المسمى باسمه ، ولأجل ذلك دعا المؤمنين إلى رعاية ذلك ، بل لزوم أن يوسّعوا لمن اسمه محمّد في المجلس، أي أنّ التسمية بمحمّد فيه دعوة الآباء والمؤمنين إلى التربية الصحيحة والتخاطب السليم بين الناس ، والابتعاد عن منهج الضرب والشتم، أي تثقيف الأمّة بالثقافة الصحيحة من خلال التسمية بأسماء الأنبياء وخصوصا النبيَّ محمّداً(صلى الله عليه وآله) .
ومن الطريف أنّ عمر ينهى من التكنية بأبي عيسى(1) وأبي يحيى(2) ،
____________
1- انظر سنن أبي داود 4 : 291 ح 4963 ، كنز العمال 16 : 250 ح 4598 .
2- انظر تاريخ دمشق 24 : 240 ، وفيه قال عمر لصهيب ما وجدت عليك في الإسلام إلاّ ثلاثاً اكتنيت بأبي يحيى وقال الله تعالى : لم نجعل له من قبل سميا ، والاستيعاب 2 : 731 ، المحلى 8 : 297 ، الروض الأنف 2 : 69 ، المعجم الكبير 8 : 32 ح 7297 وفيه قال عمر لصهيب : اراك تبذر مالك وتكتني بأسم نبي ...
________________________________________ الصفحة 133 ________________________________________
و يتكنّى هو بأبي مرّة(1) وهو الاسم المنهي عنه عند رسول الله(2) ، على أنّ أبا مرّة كنية إبليس كما في المعاجم اللغوية(3) ، وقيل : كانت له ابنة اسمها مرّة ولأجل ذلك تكنّى بها(4) .
بهذا قد تكون عرفت أخي القارئ الكريم سر اتياني بالمقدمة الاولى وتاكيدي على كون اسم النبي محمّد وأهل بيته مشتقة من اسم الباري جل وعلا ، وان قريش كانت تمانع من نشر اسم النبي وآله وثقافته الاصيلة للتضاد الموجود بينهما .
ما يدلّ على جواز تغيير اسم محمّد(صلى الله عليه وآله) وردّه
هذا وقد يستدلّ البعض على جواز التغيير بما روي عن أبي عبدالله الصادق(عليه السلام) قال : لا يولد لنا ولد إلاّ سمّيناه محمّداً ، فإذا مضى لنا سبعة أ يّام فإن شئنا غيّرنا و إن شئنا تركنا(5) .
لكن هذا الكلام غير صحيح لو أخذ على اطلاقه ، وذلك لمخالفته للروايات الكثيرة الدالة على ( أنّ خير الأسماء : أسماء الأنبياء )(6) ، و ( من الجفاء للرجل أن لا يسمّي أحد أولاده ـ الثلاثة أو الأربعة ـ بمحمّد )(7) .
____________
1- الغدير 6 : 313 .
2- انظر الموطأ 2 : 973 ، باب ما يكره من الأسماء ح 24 والسيرة الحلبية 1 : 129 .
3- لسان العرب 2 : 552 ، تهذيب الأسماء 1 : 119 وغيره .
4- الغدير 6 : 313 .
5- الكافي 6 : 18 ح 4 ، مرآة العقول 21 : 32 ، التهذيب 7 : 437 ح 10 .
6- انظر وسائل الشيعة 21 : 391 ح 1 ، مستدرك الوسائل 15 : 128 / الباب 15 استحباب التسمية بأسماء الأنبياء سنن أبي داود 4 : 287 ح 4950 ، سنن النسائي (المجتبى) 6 : 218 ح 3565 ، مسند أحمد 4 : 345 ح 19054 ، عن أبي وهب وكانت له صحبة قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : تسموا بأسماء الأنبياء ...
7- انظر الكافي 6 : 19 ح 6 ، التهذيب 7 : 438 ح 11 ، وسائل الشيعة 21 : 393 ح 2 .
________________________________________ الصفحة 134 ________________________________________
ومخالفته أيضاً لما ورد من نهي النبيّ عن تغيير من اسمه محمّد بقوله : ( ولو حوّل اسمه أُخِذَ منه )(1) .
بل الحديث صحيح المعنى لكنه لا يفيد المستدل ، لأنّ التسمية في الأ يّام السـبعة الأولى يزيد من أسـماء ( محمّد ) يوم القيامة ، وتكون له الآثار الوضعـية من البركـة وغيرها والتغيير إنما لكي لا يختلط المسـمَّون بذلك ، وأ مّا الذي يـؤخذ منه (لو حَوّل اسـمه) فإنما ذلك إذا حوّله كراهـته للاسم أو إعراضاً عنه .
كلّ ذلك مع الأخذ بنظر الاعتبار بأنّ الرواية مرسلة ، لأنّ فيه ( عن بعض أصحابنا عمّن ذكره عن أبي عبدالله ) ، ونحن لو أردنا الأخذ بالحديث فلابدّ من حمله على جواز كون التغيير إلى الأسماء الحسنة الأخرى والمشتقّة من اسم الباري كعليّ ، والحسن ، والحسين ، لأنّ جميع هذه الأسماء فضيلتها في مرتبة واحدة .
وهنا سؤال آخر يمكن طرحه أيضاً وهو :
من الثابت المسلّم عند الفريقين بأنّ اسم خالد وحكم وحكيم وحارث(2)من الأسماء المنهيّة عند الشارع المقدّس ، وقد جاءت بذلك الروايات الصحيحة عن النبي(صلى الله عليه وآله) والمعصومين(عليهم السلام) ، والآن نتساءل: لماذا نرى عدداً من أصحاب رسول الله والأئمّة وأولادهم، وأولاد أولادهم، وعلماء الأمّة ومحدّثيهم قد تسمّوا بهذه الأسماء ، والنبي(صلى الله عليه وآله) والأئمّة والصحابة والتابعين سكتوا عنهم؟ وماذا يعني هذا الأمر ؟ وكيف يسمّون باسم منهيّ عنه ؟
فكلُّ ما يقال في جواب مثل هذا الأمر يمكن قوله في سبب اقرار الأئمّة التسمية بأسماء الخلفاء!!!
____________
1- الكافي 6 : 11 ح 3 وعنه في وسائل الشيعة 21 : 377 ح 4 .
2- الكافي 6 : 20 ، 21 ح 16 ، التهذيب 7 : 439 ح 15 ، 17 ، سنن أبي داود 4 : 289 7 ذيل الحديث 4956 ، قال أبو داود وغير النبي(صلى الله عليه وآله) اسم العاص وعزيز وعتلة وشيطان والحكم ...
________________________________________ الصفحة 135 ________________________________________
رسول الله وتغييره لاسمي حمزة وجعفر
وهناك شيء آخر لفت انتباهي ، وهو ما روي عن سودة بنت مسرح ، قالت : كنت فيمن حضر فاطمة رضي الله عنها حين ضربها المخاض في نسوة ، فأتانا النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال : كيف هي ؟ قلت : إنّها لمجهودة يا رسول الله ، قال : إذا هي وضعت فلا تسبقيني فيه بشيء ، قال : فوضَعَتْ فَسَرُّوهُ(1) ولفّوه في خرقة صفراء ، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال : ما فعلت ؟ فقلت : قد وضعت غلاماً وسَرَرْتُهُ ولففته في خرقة ، فقال : عصيتني ، قلت : أعوذ بالله من معصيته ومن غضب رسوله صلّى الله عليه وسلّم ، قال : فائتني به ، فأتيته به فألقى عنه الخرقة الصفراء ولفّه في خرقة بيضاء ، وتفل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في فيه وألبأه بريقه ، فجاء عليّ رضي الله عنه فقال : ما سمّيته يا عليّ ؟ قال: سمّيته جعفراً ، قال : لا ، ولكن حسن وبعده حسين وأنت أبو حسن ، وفي رواية : وأنت أبو حسن الخير . رواه الطبراني بإسنادين(2) .
وفي الذرية الطاهرة للدولابي: حدّثنا أحمد بن يحيى الصوفي ، نا يحيى بن حسن بن القزاز ، نا عمرو بن ثابت ، عن عبدالله بن محمّد بن عقيل ، عن محمّد بن الحنفية ، عن علي : أ نّه سمّى الحسن بعمّه حمزة وسمّى حسيناً بعمّه جعفر ، قال: فدعاني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فسمّى الأكبر بحسن ـ بعد حمزة ـ وسمّى الأصغر بحسين ـ بعد جعفر ـ(3).
وهذا الخبر يدعونا إلى السؤال : لماذا يغيّر رسول الله اسم حمزة وجعفر ؟
____________
1- أي : قطعوا سُرَتة .
2- مجمع الزوائد 9 : 174 والنصّ منه، المعجم الكبير 3 : 23 ح 2542، 24 : 311 ح 786، الإصابة 7 : 719 ت 11354، كنز العمال 13 : 651 ح 37655، تاريخ مدينة دمشق 13 : 168 ـ 169، تهذيب الكمال 6 : 222 ـ 223.
3- الذرية الطاهرة النبوية للدولابي : 99، ذخائر العقبى : 120، تاريخ مدينة دمشق 13 : 170، كنز العمال 3 : 660 .
________________________________________ الصفحة 136 ________________________________________
وهل هما اسمان بذيئان أو يحملان معنىً عقائدياً باطلاً ؟ في حين أنّك قد وقفت قبل قليل على أنّ اسم حمزة من أحبّ الأسماء إليه(صلى الله عليه وآله) ، فما يعني هذا ؟
الجواب : لا ليس الأمر كذلك ، بل هما اسمان محبوبان ولهما معنى حسن لغة واعتقاداً ، وقد افرد النوري في مستدرك وسائل الشيعة باباً باسم ( استحباب التسمية بأحمد والحسن والحسين وجعفر وطالب وعبدالله وحمزة وفاطمة ) .
وقد روي في أخبار آخر الزمان بأنّ السفياني سيقتل كلّ من سمّي بعليّ والحسن والحسين وجعفر وحمزة ، وهو يشير إلى أ نّها رُمُوزٌ علوية عقائدية سياسية مضافاً إلى أنّها أسماء حسنة ولها معاني حسنة ، وأنّ رجالها رجال خير وشهداء ، اذن لماذا غيّر رسول الله مثل هذه الأسماء ؟ وماذا يعني فعله(صلى الله عليه وآله)؟
الجوابُ هو أنّ هذه الأسماء أسماء حسنة و يجوز التسمية بها ، بل التسمية بها مستحبّة حسبما أفرد المحدّث النوري باباً لها في مستدركه ، لكنّ الأمر أ نّه لم يكن مثل التسمية بالحسن والحسين ، لأنّ اسميهما من الأسماء الربّانية المشتقّة من اسم الباري ، وأن هذا التغير خضع لأمر الباري ; إذ جاء في تاريخ دمشق بإسناده عن عبدالله بن محمّد بن عقيل : إنّ عليّا لمّا ولد ابنه الأكبر سمّاه بعمّه حمزة ، ثمّ ولد ابنه الآخر فسماه بعمّه جعفر ، قال : فدعاني النبي(صلى الله عليه وآله) فقال: إنّي قد أُمِرْتُ أن أغيّر اسم هذين ، قال: قلت : الله ورسوله أعلم ، فسمّاهما حسناً وحسيناً(1).
وفي آخر ذكر المحسن معهما فقال: سميتهم بأسماء ولد هارون شبر وشبير ومشبر(2) .
____________
1- تاريخ دمشق 14 : 117 ، والخبر في مجمع الزوائد 8 : 52 ، قال : رواه أحمد وابو يعلى بنحوه والبزار والطبراني ، وفيه عبدالله بن محمّد بن عقيل وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح ، مسند أحمد 1 : 159 ح 1370 .
2- مسند احمد 1 : 98 ح 769 ، مناقب الكوفي 2 : 221، مستدرك الحاكم 3 : 180 ح 4773 ، وفي روايات العامة انّه عليه السلام سمّى أولاده الثلاثة بحرب وهو لا يتفق مع الروايات الاخرى وباعتقادي باطل وبيانه يحتاج إلى وقت آخر .
________________________________________ الصفحة 137 ________________________________________
وفي الذرية الطاهرة للدولابي باسناده عن عمران بن سليمان ، قال: الحسن والحسين اسمان من أسماء أهل الجنّة ولم يكونا في الجاهلية(1) .
التسمية بعبدالله عند أهل البيت
من خلال هذا العرض السريع يمكننا أن نجيب عن إشكال آخر مفاده: لماذا لا يسمّي الأئمّة أولادهم ـ بما قعّدوه من قاعدة من استحباب التسمية ـ بما عبّد وحمّد ، فلا نرى بين أولادهم من اسمه عبدالله ، وعبدالرحمن ، وعبدالوهّاب ؟
الجواب : إنّ الأئمة جاءت أسماؤهم من قبل الباري ، وهي مشتقة من اسمه جلّ وعلا ، وبذلك تكون محبوبيتها أعلى وأسمى من باقي الأسماء ، بل هي أسماء جعلها الله تعالى لهم خاصّة ثم اطلقت على اخرين ، ولأجل ذلك ترى أسماء غالب الطالبين يدور مدار اسم محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ; لأ نّها أسماء مشتقّة من اسم الباري ولها الرصيد الأكبر عندهم ، بعدها يأتي دور الأسماء الأخرى ، أ مّا دعوى عدم تسمية أئمّة أهل البيت أولادهم بعبدالله فهي دعوى باطلة ، لأنّ كثيراً من آل البيت والطالبين سمّوا أولادهم بعبدالله وعبيدالله ، حتّى أنا نرى من بين الأئمّة ـ كالإمام علي والإمام الحسين ـ من سمّى ولدين أو ثلاثة باسم عبدالله أو عبيدالله .
فِريةٌ في التسمية
هنا نكتة أخرى لابد من توضيحها ، وهي : وجود روايات دالّة على رغبة الإمام علي في تسمية أولاده الثلاثة ـ الحسن والحسين ومحسن ـ بحرب ، وأن يكنَّى هو بأبي حرب ، حتى جاء رسول الله وبَدَّلها في المراحل الثلاث ، فما يعني هذا ؟ وهل أ نّه أراد بكلامه المعنى الوصفي للكلمة ، وحسب تعبير بعض الكتاب
____________
1- الذرية الطاهرة : 100 ـ 101 ح 92 .
________________________________________ الصفحة 138 ________________________________________
بأن يرشّح أبناءَه للنزال والبراز وأن يعدّهم شجعاناً مثله ، لأنّ الأسماء لها دلالاتها وتأثيراتها على الأفراد ؟
أم أراد منه الاسم العلمي وشخصاً معيَّناً يسمّى بحرب في الجاهلية ؟
فمن هو يا ترى ؟
وهل أن الإمامين الحسن والحسين بحاجة إلى تأثيرات الأسماء عليهما ، وهل أن الشجاعة التي ورثها الحسن والحسين من أبيهم وجَدِّهم كانت لخصائصهم الذاتية أم لتأثير الأسماء .
وأن مواقفهم في حرب الجمل وصفين والنهروان خير شاهد على القول الأول لا الثاني ، وكذا خروج الإمام الحسين على يزيد وهو الظالم السفاك ؟ واليك الآن بعض تلك الأخبار التي تدّعي هذه الفِرية :
ذكر ابن سعد ( ت 231 هـ ) في طبقاته خبرين أحدهما : حدثنا زهير بن معاوية ، عن أبي إسحاق [السبيعي] ، قال : لمّا ولد الحسن سمّاه عليٌّ حرباً ، قال : وكان يُعجبه أن يُكنَّى أبا حرب ، فقال رسول الله : وما سمّيتم ابني ؟ قالوا : حرباً ، قال : ما شأن حرب ؟! هو حسن .
فلما وُلِدَ حسين سمّاه عليٌّ حرباً ، فقال النبي : ما سميتم ابني ؟ قالوا : حرباً ، فقال النبي ، ما شأن حرب ؟! بل هو حسين .
فلما ولد الثالث سماه حرباً ، فقال رسول الله : ما سميتم ابني ؟ قالوا : حرباً ، فقال : ما شأن حرب ؟! هو محسن أو محسّن(1) .
وفي المعجم الكبير للطبراني ( ت 360 هـ ) خمسة أسانيد ، منها : حدثنا محمّد بن عبدالله الحضرمي ، ثنا عبدالله بن عمر بن أبان ، ثنا يحيى بن عيسى الرملي التميمي ، ثنا الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد ، قال : قال عليٌّ : كنتُ رجلاً اُحبُّ الحرب ، فلما ولد الحسن هممت أن أسمّيه حرباً فسماه رسول الله : الحسن ، فلما
____________
1- ترجمة الإمام الحسن من طبقات ابن سعد : 34 ح 27 .
________________________________________ الصفحة 139 ________________________________________
ولد الحسين هممت أن اسميه حرباً فسمّاه رسول الله : الحسين ، وقال : إنّي سمّيت ابنيَّ هذين باسم ابنَي هارون شبّراً وشبيراً(1) وفي آخر ، سميتهم بولد هارون شبر وشبير ومشبر(2) .
وفي مجمع الزوائد للهيثمي ( ت 807 هـ ) : عن علي قال : لما ولد الحسن سميته حرباً وكنت أحب أن أكتني بأبي حرب ، فجاء النبي فحنّكه فقال : ما سميتم ابني ؟ فقلنا : حرباً ، فقال : هو الحسن .
ثم ولد الحسين فسميته حرباً ، فأتى النبي(صلى الله عليه وآله) فحنكه فقال : ما سميتم ابني ؟ فقلنا : حرباً ، فقال : هو الحسين .
ثم قال الهيثمي : رواه البزار والطبراني بنحوه بأسانيد ورجال أحدهما رجال الصحيح(3) .
وهذه النصوص تدعونا للتأمل فيها ، وذلك لوجود الجمل التالية :
فلو أراد الإمامُ المعنى الوصفيَّ فلماذا لا نراه يسمّي الآخَرِين من ولده بحرب بمشتقاته مثل محارب ، حريب ، وأدوات الحرب وصفاته كالسيف ، والصارم ، والهيجاء ، ومقاتل ، ومُنازِل ، فالإمام لا يفتقر إلى الشجاعة ولا يحتاج في إخافة العدو إلى اطلاق هذه الأسماء على ولده ، فهو كابن عمّه رسول الله كان منصوراً بالرُّعب كرامة من الله ، وكان اسمه الإلهي حتفاً للأعداء ، وكان ذلك الاسم المبارك
____________
1- المعجم الكبير للطبراني 3 : 97 ح 2777 ، تاريخ الإسلام 5 : 94 ، قال : منقطع .
2- مسند أحمد 1 : 98 ح 769 ، 1 : 118 ح 953 ، المعجم الكبير 3 : 96 ح 2773 ، 2774 .
3- مجمع الزوائد 8 : 52 . مسند البزار 315 ح 743 ، المعجم الكبير 3 : 97 ح 2775 .
________________________________________ الصفحة 140 ________________________________________
مذكوراً في كتب السالفين ، لذلك كان أمير المؤمنين يخيف أعداءه بقوله : ( إنا الذي سمّتني أمّي حيدرة ) ، وكانت مرضعة مرحب اليهودية قد قالت لمرحب : بارز من شئت من الناس إلاّ شخصاً اسمه عليّ ويُدعى حيدره ، فلذلك كاع مرحب عن عليّ أوّلاً حتى عَرّه الشيطان بقتال أمير المؤمنين ، وكان أمير المؤمنين(عليه السلام) إذا غضب في الحروب قال : أنا أبو الحسن ، ولا يقول : أنا أبو حرب ، وكان الإمام الحسين(عليه السلام) إذا كرَّ في كربلاء وهو وحيد قال : أنا الحسين بن علي .
فهذه الأسماء الإلهية ( علي ) ( حيدرة ) ( الحسن ) ( الحسين ) هي التي ترعب الأعداء لأ نّها تعني انضباب الغضب الإلهي على العدوّ ، وهذه الروايات المفتريات تريد ترسيخ مفاهيم الجاهلية حيث كانوا يسمون أبناءهم بالأسماء المرعبة ( حرب ) ( ذيب ) ( فاتك ) لإخافة أعدائهم ، وقد غفل هؤلاء الوضاعون عن الفرق بين الإخافة الإلهية ( نصرت بالرعب ) وبين الإخافة الجاهليه .
نعم ، إنّهم نسبوا له هذه الأخبار كي يقولوا بأنّ الإمام علي بن أبي طالب يحبّ الحرب وهو متعطش للدماء ـ والعياذ بالله ـ ولأجل ذلك أحب أن يكتني بأبي حرب ، في حين أنّ الواقف على سيرة الإمام يعلم بأ نّه(عليه السلام) لا يحبّ الحرب بما هي حرب إلاّ أن يُحِقّ فيها حقّاً أو يبطل باطلاً .
وصحيح أن الإمام قتل صناديد قريش ، لكنّ هذا لا يمانع سعته ورحمته عند فتح مكة وما قبلها وبعدها . وإن موقفه من عَمرو بن عبد ودّ العامري وجلوسه على صدره وقيامه من على صدره لمّا بصق في وجهه الكريم ، إنّما كان ليبرهن على أ نّه(عليه السلام) صَرَعَ هواه أيضاً كما صرع خصمه(1) ، وأنّ غضبه كان لله فقط لا للنفس ، كل هذه المواقف تؤكد بأ نّه(عليه السلام) كان ذابّاً عن الله ورسوله ، وداعياً إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ، وليس متعطشاً للدماء كما يريد أعداؤه أن يُصوروه ، لأ نّه لا يدخل في الحرب إلاّ عند الضرورة ولا يرضى بالغيلة ، وهو الذي رسم لنا
____________
1- مناقب بن شهرآشوب 1 : 381 .
________________________________________ الصفحة 141 ________________________________________
حكم البغاة ، فهو يدعوهم إلى الرجوع إلى الطريق المستقيم أولاً وبشتّى الطرق والسبل والاحتجاجات فإن لم يقتنعوا تركهم ، فإن شهروا السلاح نهاهم ، فإن لم يستجيبوا أَبداً أبداً دخل معهم في قتال(1) .
فالإسلام يدعو إلى السلام ، وعليُّ إمامُ السلام ، وقد غيّر رسول الله مَن سمى حرباً بالسلم ، وجاء عنه(صلى الله عليه وآله) : تسمّوا بأسماء الأنبياء وأحبُّ الأسماء إلى الله عبدالله ، وعبدالرحمن ، وأصدقها حارث وهمام ، وأقبحها حرب ومرة(2) ، وفي روايات أهل البيت وغيرهم ( نعم الأسماء عبدالله وعبدالرحمان الأسماء المعبدة وشرها همام والحارث واكره مبارك ثم بشير ثم ميمون ... )(3) وفي آخر ( وشر الأسماء ضرار ومرة وحرب وظالم )(4) .
نعم ، إنّهم حاربوا علياً بالسنان واللسان ، ولعنوه من على المنابر ، ووضعوا أحاديث على لسانه ، وافتروا عليه بأنه خطب ابنة أبي جهل عدّو الله وعدو رسوله ، إلى غيرها من عشرات الأشياء ، ومما أفتروا عليه هو هذه الفرية ( الحربية ) ، ولعلّ واضعها أراد أن يقول أنّ الإمام أمير المؤمنين أراد من حرب الاسمَ العلميّ لشخص مخصوص لا القتال ، وهو جدّ معاوية : حرب بن أمية ، والد أبي سفيان ، أرادها(عليه السلام) ثلاثاً حبّاً لأبي سفيان !! مع أ نّه(عليه السلام) هو الواقف على منافرة رسول الله وبغضه لهذا الاسم .
____________
1- انظر مغني المحتاج 4 : 123 ، وفيه عن الشافعي قال : أُخِذتْ السيرة في قتال المشركين من النبي حكي ، وفي قتال المرتدين من أبي بكر وفي قتال البغاة من علي رضي الله تعالى عنه . وفي حاشية الجمل 5 : 113 ، قوله أخذ المسلمون السيرة ... الخ .
2- سنن أبي داود 4 : 287 ، المعجم الكبير 22 : 280 ، سنن البيهقي 9 : 306 .
3- سنن أبي داود 4 : 287 ح 4950 ، مسند أحمد 4 : 345 ح 19054 ، المعجم الكبير 23 : 380 ح 949 الجعفريات : 205 ، نوادر الراوندي : 105 ح 75 ، وعنه في بحار الأنوار 101 : 130 ح 22 .
4- الخصال : 250 ح 118 ، وعنه في مستدرك الوسائل 21 : 399 ح 5 ، وانظر الجامع في الحديث لابن وهب 1 : 90 ح 46 .
________________________________________ الصفحة 142 ________________________________________
قالوا بهذا : كي يقولوا بأنّ الإمام علي بن أبي طالب كان يحبّ والد أبي سفيان ـ صخر بن حرب ـ ونباهته وعقله ، ولأجله أراد أن يُسمّي وُلدَه باسمه ، كما أراد من قبل أن يصاهر أبا جهل المشرك !!
كلّ هذا وضعوه لمّا أعجزتهم الحِيل أن يَرَوْا في عليٍّ مَطْعَناً ، فرووا من المختلفات مطاعَن .
فكيف يعقل ذلك وهو العالم بمبغوضيّة هذا الاسم عند رسول الله ، وأ نّه(صلى الله عليه وآله)غَيَّر هذا الاسم من على أشخاص كثيرين ، فهل يُعقل أن يُحبَ الإمام الاكتناء بأبي حرب ، الذي هو عدو الله ورسوله ، فالأمويون كانوا يريدون من عملهم ذلك عدة اُمور .
أحدها : القول بعدم إطاعة الإمام علي لرسول الله ، وعمله بما لا يرضى الرسول لأ نّه سمّى ابنَه الحسين بحرب ، رغَم عدم ارتياح الرسول سابقاً لتسمية الإمام الحسن بهذا الاسم ، وهكذا تكراره في تسمية محسن ، وعليه فالإمام علي كغيره من الصحابة قد يخالف رسول الله فيما لا يحبه(صلى الله عليه وآله) .
ثانيها : إنّ الإمام علي بن أبي طالب كان يحب سفك الدماء و إزهاق الارواح ـ والعياذ بالله ـ والحَرْبَ بما هي حرب .
ثالثها : إنّ قوله ( ما شأن حرب ) قد يكون فيه أشارة إلى اعتراض الرسول على الإمام علي ، وقوله له : كيف تحبّ حرباً يا أبا الحسن ؟ ألَمْ تعلم بأ نّه ابن أمّية ووالد أبي سفيان رأس الكفر والنفاق ، وأخُ أم جميل زوجة أبي لهب حمالة الحطب ، فهم أرادوا بهذا العمل الرفع بضِبع جدّهم ( حرب بن أمية ) والقول بأن الإمام علي بن أبي طالب كان يحبّ أن يتكنّى به ، في حين أنّ الواقف على نصوص الإمام يعرف سقم هذا الادعاء ، لأ نّه هو القائل لمعاوية ـ حفيد حرب ـ : (ليس أمية كهاشم ، ولا حرب كعبدالمطلب ، ولا أبو سفيان كأبي طالب ، ولا المهاجر كالطليق ، ولا الصريح كاللصيق ، ولا المحّق كالمبطل ، ولا المؤمن كالمُدغِل ،
________________________________________ الصفحة 143 ________________________________________
ولبئس الخلف خلفاً يتبع سلفاً هوى في نار جهنم)(1) ، وقد قال أبو طالب :
قديماً أبوهُمْ كانَ عبداً لجدّنا بني أَمَة شهلاءَ جاشَ بِها البحرُ
لقد سفهوا أحلامَهُم في محمَّد فكانُوا كجعر بئسَ ما ظفطت جعر(2)
رابعها : إنهم بهذه الأخبار ارادوا أن يُضيّعوا الكنية التي وضعها رسول الله عليه ، والتي كان يحبها الإمام علي ، وهي كنية ( أبي تراب ) ، ثم السعي لتحريف معناها الجميل إلى ما هو مشين ، حتى نسبوا إليه الفرقة الترابية(3) ، وقد طال بهم التطبيل بأن يرجعوا سبب ورود هذه الكنية عن رسول الله فيه لكونه أغضب السيّدة فاطمة الزهراء بأقدامه من الزواج من بنت أبي جهل ، وبذلك ليخرجوا الإمام من دائرة الإيمان وليجعلوه غير صالح للإمامة كما يقولون ، لقوله تعالى (يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوَاْ لاَ تَتَولَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) ، أو ليُساووه بفُلان وعلاّن من حيث اللياقة وعدم اللياقة للإمامة والخلافة .
قد يقال : كيف تقولون بهذا والخبر موجود في كتاب ( عيون اخبار الرضا )(4)و ( صحيفة الإمام الرضا(5) ) ؟
____________
1- نهج البلاغة : 374 ـ 375 ، من كتاب له(عليه السلام) إلى معاوية ، رقم 17 . وانظر شرح نهج البلاغة 15 : 117 ـ 120 .
2- شرح نهج البلاغة 15 : 234 ، سيرة ابن إسحاق 2 : 134 .
3- الأغاني 17 : 153 ، تاريخ الطبري 3 : 228 ، خزانة الأدب 4 : 290 ، اللباب في تهذيب الأنساب 1 : 210 ، وفي تهذيب الكمال 24 : 68 ان حوشب قال للحجاج عن قيس بن عباد : انه ترابي يلعن عثمان وفي الكافي 8 : 80 ح 36 ، عن سعيد بن يسار قال : سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول : الحمد لله صارت فرقة مرجئة وصارت فرقة حرورية وصارت فرقة قدرية وسميتم الترابية وشيعة علي ...
4- عيون اخبار الرضا 1 : 28 ح 5 .
5- صحيفة الرضا(عليه السلام) : 240 ح 146 .
________________________________________ الصفحة 144 ________________________________________
الجواب : إنَّ منهج المحدثين يختلف عن منهج الفقهاء والمتكلمين ، فالمحدثون يروون الأحاديث دون النظر إلى ما يعارضها ، ولاجل ذلك ترى بين مشايخ المحدث من يخالفه في المذهب ، والشيخ الصدوق لا يبتعد عن هذا المنهج ، فهناك مشايخ للصدوق من العامّة ، فقد تكون هذه الأخبار تسربت من المصادر السُّنية إلى الكتب الشيعية ، إذ إن أسماء بنت عميس لم تكن بالمدينة حتى تكون القابلة لفاطمة الزهراء ـ كما ورد في خبر عيون الأخبار ـ لأ نّها كانت مع زوجها جعفر بن أبي طالب بالحبشة ، وأن جعفراً لم يرجع إلى المدينة إلاّ بعد فتح خيبر في السنة السابعة من الهجرة ، وأن ولادة الإمام الحسن حسب غالب النصوص كانت في السنة الثالثة ، وولادة الحسين في السنة الرابعة للهجرة ، وهو كاف لتضعيف الخبر ، وهناك نصوص كثيرة نسبت ما يرتبط بسلامة وسلمى اُخْتَي أسماء ـ إلى أسماء بنت عميس ، لا أرى ضرورة للخوض فيها .
مضافاً إلى ذلك أنّ الخبر مرويٌّ في المعجم الكبير(1) عن سودة بنت مسرح ، وهو الذي فيه : سميته جعفراً ، وهو الأقرب إلى الصواب ، لأ نّه(عليه السلام) أراد أن يسمّي ابنه الاول باسم أخيه جعفر شهيد مُؤْتة ، والحسين باسم عمّه حمزة شهيد أُحُد .
أهل البيت وقريش
ستقف بعد قليل على دور قريش بقبائلها وطوائفها في التنصّل عن أوامر رسول الله واتّباع سياسة خاصة بها ، مخالفين بذلك ما جاء به رسول الله في كثير من الأحيان ، وعملهم هذا هو الذي دعا الأمويين أن يزيدوا في التجرُّؤ على القيَم ويوسّعوا دائرة حرب الأسماء ، فسمّوا بئر زمزم بـ ( أم الخنافس ) أو ( أم الجعلان ) ، وأبدلوا اسم مدينة الرسول ( طيبة ) بـ ( الخبيثة ) ، وسمّوا الإمام محمّد بن علي الباقر
____________
1- المعجم الكبير 24 : 311 ح 786 ، مجمع الزوائد 9 : 174 ـ 175 ، كنز العمال 13 : 280 ح 37655 ، رواه ابن منده ، وأبو نعيم (كر) ورجاله ثقات .
________________________________________ الصفحة 145 ________________________________________
للعلم بالبقرة ، وغيّروا كنية أبي تراب من معناها الحسن إلى المعنى السيّء ، واعتبروا الطواف ببيت عبدالملك بن مروان خيراً من الطواف باعواد ورمِّة خربة ، ويعنون بذلك قبرَ رسول الله(صلى الله عليه وآله) .
نعم ، كان هذا هو منهج قريش ـ وخصوصاً الأمويين منهم ـ في التعامل مع المقدّسات ومنها الأسماء المحترمة للمعصومين ، لكنّ أهل البيت رغم خلافهم المبدئي مع الخلفاء لم يكونوا يتجاوزون الحدود ، ولم يعيّروا الآخرين بكلمات خشنة إلاّ في المواطن التي يرون فيها ذلك ضرورياً ، فلا ترى الإمام الحسن(عليه السلام)يقول لأبي بكر ـ لما اعتلى منبر رسول الله ـ ما قالته هوازن وغيرها(1) لأبي بكر ، واكتفى بالقول : انزل عن منبر أبي(2) ، ومثله جاء عن الإمام الحسين مع عمر في أول خلافته(3) .
وهكذا الحال بالنسبة إلى علي بن الحسين ، فإنّه بعد واقعة الطف ـ وفي الشام بالتحديد ـ طلب من يزيد أن يصعد المنبر بقوله : يا يزيد ائذن لي حتّى أصعد هذه الأعواد ... فأبى يزيد ، فقال الناس : يا أمير المؤمنين ، ائذن له ليصعد فلعلّنا نسمع منه شيئاً .
فقال لهم : إن صعد المنبر هذا لم ينزل إلاّ بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان ، فقالوا : وما قدر ما يُحسن هذا ؟
فلم يزالوا به ، فأذِن له بالصعود ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :
أ يّها الناس ، أُعطينا سِتّاً وفُضّلنا بسبع ، أُعطينا العلم والحلم ... وفُضّلنا بأنّ منّا
____________
1- حيث وسموه بـ ( أبي الفصيل ) و ( ذي الخلال ) كما سيأتي في صفحة 443 إلى 455 .
2- مناقب بن شهرآشوب 3 : 201 ، شرح النهج 6 : 43 ، تاريخ دمشق 30 : 148 ، الرياض النضرة 2 : 148 ، كنز العمال 5 : 246 ح 14084 ، ابن سعد .
3- أمالي الطوسي : 703 ح 7 ، مناقب الكوفي : 256 ح 722 ، معرفة الثقات 1 : 301 ح 310 ، تهذيب الكمال 6 : 404 ، تاريخ بغداد 1 : 141 ، أخبار المدينة 2 : 11 ، الاصابة 2 : 77 ، المطالب العالية 15 : 760 ، تاريخ الخلفاء : 143 ، قال : اسناده صحيح .
________________________________________ الصفحة 146 ________________________________________
النبيّ المختار محمّد ، ومنّا الصدّيق ، ومنّا الطيّار ، ومنا أسد الله وأسد الرسول ، ومنّا سيّدة نساء العالمين فاطمة البتول ، ومنّا سبطا هذه الأمّة وسيّدا شباب أهل الجنة ، فمَن عَرَفني فقد عرفني ، ومَن لم يعرفني أنبأتُه بحسبي ونسبي : أنا ابن مكّة ومنى ، أنا ابن زمزم والصفا ... أنا ابن من حُمِلَ على البراق في الهوا ، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، فسبحان من أسرى ، أنا ابن من بَلَغ به جبرئيل إلى سِدرة المنتهى ، أنا ابن مَن دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء ، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى ، أنا ابن محمّد المصطفى ...
انظر إلى نص الإمام ، فهو يشير إلى الإسراء والمعراج وما جاء فيه من حقائق ، ثم يعرّج(عليه السلام) على تحريفات القوم لأشياء كثيرة ، مؤكّداً بأنّ الصدّيق هو لقب لجده علي بن أبي طالب لا ما يقولونه بأنه لقب لأبي بكر ، وأنّ لقب أسد الله وأسد رسوله خاصّ بحمزة ، و إنّ لقب الطيّار مختص بجعفر ، وأنّ فاطمة هي سيدة نساء العالمين لا غيرها ، وأ نّه(عليه السلام) ابن رسول الله الذي أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وعُرِج به حتى بلغ سدرة المنتهى ، وهو(صلى الله عليه وآله) الذي صلّى بملائكة السماء .
فالإمام بكلماته هذه أراد التسامي عن الخلاف الشخصي ، مذكّراً بمقامهم ومنزلتهم من رسول الله ، لكنّ يزيد خاف أن يذكر الإمام السجاد فضائح يزيد ومعاو ية وآل أبي سفيان ، لتصوّره بأنّ الإمام سيستغِلّ المنبرَ بصعوده ، لأنّ المنبر آنذاك كان أعلى ميدان إعلامي للمسلمين ، فخاف أن يذكر الإمامُ أموراً لا يحبّ يزيد ذكَرها ، لكنّ الإمام كان أسمى من ذلك وأرفع ، فلم يذكر(عليه السلام) صريحاً مساوئ أبي سفيان ولا معاوية ولا هند ، ولا ميسون ، وما كان منهم من سوء شخصيّ ، ونزول حسبي أو نسبي .
وعليه ، فالتسمية باسم مّا أو عدمه شيء ، وذكر هذه الأمور شيءٌ آخر .
نحن لا نريد أن ننكر وجود اسم عمر وعثمان أو كنية أبي بكر بين ولد الإمام
________________________________________ الصفحة 147 ________________________________________
علي ، أو ولد الإمام الحسن ، أو ولد الإمام الحسين ـ و إن لم يثبت ذلك بدليل عن الأخير ـ أو الإمام علي بن الحسين ، لكننا ننكر أن يكون ذلك دالاًّ على المحبة .
موّكدين على أنّ التسمية بعثمان قد توقّفت بعد تسمية الإمام علي وأخيه عقيل ابنيهما بهذا الاسم ، فلا نرى اسم عثمان بعد ذلك في ولد جعفر بن أبي طالب ، أو في ولد عقيل ، وحتى في ولد علي في العصور اللاحقة ـ إلاّ ما ذكرنا ـ وبذلك فقد انقطع اسم عثمان في ولد الإمام علي من بعد الإمام الحسن بن علي(عليه السلام) إلى الإمام الحجة .
ومثل ذلك كان الأمر بالنسبة إلى التسمية بأبي بكر ، فقد توقف الطالبيون عن التسمية بأسمه بعد الإمام علي والإمام الحسن وعبدالله بن جعفر ، فلم يكن في الطالبيين من سمّي بأبي بكر ، إلاّ ابن واحد للإمام الحسن(1) ـ وقيل بأ نّه كان للإمام الحسين مثله وهو لم يثبت ـ وولد لعبدالله بن جعفر(2) .
مؤكدين بأ نّا لم نقف على من سمّي بأبي بكر في ولد الأئمّة المعصومين بعد الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام) أي من بعد سنة خمسين للهجرة إلى زمان ابن عنبة المتوفى 828 صاحب ( عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ) ، أي أنّ التسمية بأبي بكر وعثمان قد انقرضت أيضاً عند الأئمة التسع المعصومين الباقين .
وأيضاً انقرض هذان الاسمان عند غالب الطالبيّين ـ من بني عقيل وبني جعفر ـ فلم أقف في مشجّراتهم عليهما ، أي أنّ التسمية بـ ـ عثمان ، أبوبكر ـ وضعت لفترة قليلة وانتهت بانتهاء العهد الأموي، فلا نرى لها وجوداً في العصر العباسي .
أ مّا اسم عمر فقد بقي متداولاً لمدّة أطول ، لكنه هو الآخر انحسر وجوده بين ولد الأئمّة المعصومين من بعد الإمام زين العابدين .
____________
1- قال الموضح النسابة بأن أبو بكر هو كنية لعبدالله بن الحسن . وانا احتمل ذلك أيضاً في ولد الإمام علي ، وعبدالله بن جعفر .
2- قيل أ نّه كنية لمحمد بن جعفر بن أبي طالب وأ نّه ليس باسم .
________________________________________ الصفحة 148 ________________________________________
فلم يسمِّ الإمام الباقر ، ولا الإمام الصادق ، ولا الإمام الكاظم ، ولا الإمام الرضا ، ولا الإمام الجواد ولا الإمام الهادي ، ولا الإمام العسكري(عليه السلام) بأسماء الخلفاء الثلاثة . وذلك لاتّضاح أصول النهجين في عهد الصادِقَيْن(عليهما السلام) ثم من بعدهم ، غير منكرين وجود حالات استثنائية تدعوهم إلى التقية .
نعم ، قد تشاهدون التسمية بعمر ـ بالخصوص ـ في نسل علي(عليه السلام) من غير المعصومين ، وعند بعض الطالبيين من بني عقيل أو جعفر ، وغالب من تسمّى بعمر في تلك الأزمان كانوا إمّا من ولد عمر الأطرف ابن أمير المؤمنين ، أو من ولد عمر الأشرف ابن علي زين العابدين ، أو من ولد الإمام الحسن المجتبى ، أو من ولد زيد الشهيد ، فلا ترى ذلك في ولد الإمام الباقر ، أو عبدالله الباهر ، أو الحسين الأصغر ، أو علي الأصغر إلاّ نادراً .
وحتى أن المسمَّين باسم عمر في ولد الإمام الحسن ، أو زيد ، أو العمرين ـ الأطرف والأشرف ـ لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد ، وهذا العدد كاف للحد من تطرف المتشددين ، وأيضاً هو خير دليل على كذب مدّعيات ابن تيمية الذي يقول بأن الشيعة لا تسمّي بأسماء الثلاثة ، فإنّ هذه التسميات و إن كانت لا شيءَ إذا ما قورنت بالنسبة إلى عشرات الأسماء المتداولة الأخرى مثل : علي ، الحسن ، الحسين ، إبراهيم ، سليمان ، زيد ، يحيى ، فإنّها كافية للدلالة على وجود التسمية عندهم في القرون الأولى ، وان الحساسية مع الأسماء تنامت مع تنامي الظلم ضد الشيعة والمضادة مع نهج علي وآله ، ولو راجعت ( عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ) لابن عنبة المتوفى 828 هـ لوافقتنا فيما قلناه خصوصاً إلى ذلك الزمان . فإن أسماء المخالفين موجودة في نسل علي لكن ليس بالقدر الموجود عندهم من الأسماء الجميلة للأنبياء وأهل بيت رسول الله ، مؤكدين بأن تسميات الطالبين وفي العصور المتأخّرة ـ وبعد عصر الأئمّة ، وحتى في ولد غير الأئمّة ـ ليست بحجّة شرعيّة .
إذن نحن لا نريد أن نقول بأنّ التسمية بعمر وعثمان وعائشة لم تكن موجودة
________________________________________ الصفحة 149 ________________________________________
بتاتاً ، أو أنها جميعاً قد زُجّت ووضعت في كتب الرجال والأنساب والتاريخ من قبل الآخرين أمويين كانوا أم عباسيين ، لكنّ كلامنا هذا لا يمانع من القول بتحريفهم كنية بعض الأشخاص وجعلها اسماً لهم ، أو إبدالهم كلمة ( عمرو ) إلى ( عُمَر ) أو اطلاق كنية ( أبي حفص ) على مُطلق مَن اسمه عمر كما هو المشاهد في إحدى كُنّى عمر الأطرف(1) .
فأبو بكر انقلب من كونه كنية لابن الإمام علي من ليلى النهشلية إلى اسم .
وكذا بالنسبة لابن الإمام الحسن المجتبى ، قال الموضح النسابة : وعبدالله بن الحسن هو أبوبكر(2) .
فالأمو يون غيّروا هذه الكنية وجعلوها اسماً له ، وقد فات ذلك على بعض النسّابة الشيعة ، فنقلوا تلك الأقوال وحكوها على أنّها أسماء لا كُنّى.
وعليه فالتسمية بتلك الأسماء لا تضرّ بفكرنا وعقيدتنا كما يتصوّره الخصم ، فلا نرى ضيراً من الإيمان بوجودها والتسمية بها ، فإنّ أئمّتنا أمرونا بالصلاة خلف العامة(3) حفاظاً على الصف الإسلامي ، فكيف يمنعوننا من التسمية باسم عمر وأبي بكر وعثمان التي هي أقلُّ شأناً بأضعاف مضاعفة من الصلاة ، التي إن قبلت قبل ما سواها و إن رُدّتُ ردّ ما سواها .
على أنّ هناك أمراً آخر ، وهو أ نّه ليس هناك ولا دليل واحد على أنّ هذه
____________
1- في المجدي : 197 قال الموضح : وعمر المكنى ابا القاسم وقال ابن خداع : بل يكنى ابا حفص .
2- المجدي : 198 ، وفي عمدة الطالب : 68 قال الموضح النسابة : عبدالله هو أبوبكر .
3- الكافي 3 : 380 ح 6 وفيه عن أبي عبدالله(عليه السلام) ، قال : من صلى معهم في الصف الأول كان كمّن صلى خلف رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، قال البحراني في الحدائق الناظرة 11 : 71 رواه الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) ، ورواه الصدوق بسنده عن حماد بن عثمان عنه(عليه السلام) في من لا يحضره الفقيه 1 : 382 ح 1125 ، والشيخ الطوسي بسنده عن إسحاق بن عمار عنه(عليه السلام) في التهذيب 3 : 277 ح 129 ، إلاّ أن فيه : فإن المصلي معهم في الصف الأول كالشاهر سيفه في سبيل الله .
________________________________________ الصفحة 150 ________________________________________
التسميات قد وضعت من قبل الأئمّة ، فقد تكون الأمهات وضعن تلك الأسماء لكونها من أسماء آبائهنّ أو أجدادهنّ أو غيرهم من أقربائهنّ ، والأئمّة قبلوا بها .
وقد يكُنَّ سمّينَ أبناءهنّ بلحاظ اللغة وحسن معناها اللغوي ، وسكت الأئمّة .
وقد يَكُنَّ سمّين بتلك الأسماء دون لحاظ خصوص أسماء الظالمين وسكت عنها الأئمّة(عليهم السلام) ، وليس هناك ولا نصّ واحد يثبت أنّ تلك الأسماء كانت ملحوظاً فيها أسماء الخلفاء وأتباعهم بما هم هم وسكت عليها الأئمّة(عليهم السلام) .
ولو فرضنا ذلك جَدَلا فالقبول بها ممكن إخماداً للفتنة ، أو لعدم توسيع رقعة الخلاف ، أو قل احتراماً لعائلة زوجته الموالية للخلفاء.
وعليه فالتسمية بنظرهم (عليهم السلام) ليست من المسائل التعبدية التوقيفية التي لا يجوز الزيادة والنقصان فيها ـ بالطبع في غير المعصومين ـ بل هي من الأمور الجائزة التي يمكن تجاوزها ، وخصوصاً لو لوحظ في الأمر مصلحة أهمّ كما نحن فيه .
فقبول الإمام بتسمية ابنه بعمر أو أبي بكر أو عثمان أو عائشة دليل واضح على أنّ الأئمّة(عليهم السلام) فوق الميول والاتّجاهات من حيث إنّ الأهم عندهم هو اللّبّ دون القشور ، و إنّ الخلاف لا يدعوهم إلى محاربة الأسماء بما هي أسماء ، فالمعصوم يعنيه عمل الأشخاص لا أسماؤهم ـ كما كانت تفعله بنو أمية مع مخالفيهم ـ وقتلهم لكل من تسمّى بعلي ، وخصوصاً المكنّى بأبي الحسن منهم . أي أن الأئمّة أثبتوا حسن نياتهم ، ولكنّ الآخرين قتلوا المؤمنين على الهوية .
وعليه فما يدّعونه على المعصوم في وضع الأسماء يجب إثباته بنص وإلاّ فستبقى الدعاوي دعاوي بلا أدلّة .
نعم ، إنّ الناس أحرار في التسميات شريطةَ أن لا يكون ما يسمّون به اسماً قبيحاً ينافي المفاهيم الدينية ، فالناس لا يجب عليهم أن يلحظوا حين التسمية من
________________________________________ الصفحة 151 ________________________________________
تسمّى به إلاّ أن يصير ذلك الاسم رمزاً غالباً أو منحصراً(1) للشر والباطل ، إذ أنّ الرمز تارة يكون رمزاً للخير وأخرى رمزاً للشر ، فإذا كان رمزاً للخير والعمل الصالح فيستحبّ التسمية باسمه كمحمد وعلي والحسن والحسين ، أ مّا لو كان رمزاً ـ غالباً أو منحصراً ـ للشرّ والقتل والظلم والإبادة فلا يجوز التسمية باسمه .
وعليه فالتسمية بيزيد لغةً جائزة ، بشرط أن لا تكون حبّاً بيزيد بن معاوية ، أما لو سمّى ابنه ( يزيدَ ) إيماناً به وتخليداً لذكره وقبولاً بفعله في قتل الحسين وسبي المدينة واستباحته للأعراض وهدم الكعبة فهو منهيٌّ عنه شرعاً .
وكذا الحال بالنسبة إلى التسمية بأبي بكر وعمر وعثمان وعائشة ، فإن كان حبّاً لأعمالهم وأفعالهم ورضاهم بالهجوم على بيت الزهراء وغصب فدك فهو منهيٌّ عنه ، أ مّا لو سمّي بها لكونها أسماءً عربيّة فلا مانع من ذلك . إذن دواعي التسميات من الأمور القلبيّة والتي لا يطّلع عليها إلاّ علاّم الغيوب .
وبعد هذا العرض السريع نقول ـ وعلى نحو الاحتمال والتخمين والالزام ـ : إنّ هدف عمر بن الخطاب من تسمية ابن الإمام علي من الصهباء التغلبية ( بعمر ) هو محاولة محو صفحات الماضي من أذهان الناس وما جرى بينه وبين آل البيت(عليهم السلام) ، فهو نوع مداجاة أراد بها غَسل دَرَن هجومه على بيت الزهراء(2)و إسقاطه ولدها محسناً(3) ، فإنّه بهذه التسمية أراد محو هذه الأمور ، وفي الوقت نفسه جعل نفسه الرمز والأسطورة والقائد الضرورة ، لأنّ قبول الإمام علي تسمية ابنه باسم ( عمر ) يعني الخضوع والتسليم والقبول بالأمر الواقع .
بلى ، إنّ فكرة جعل عمر رمزاً كانت تخامر ابن الخطاب منذ عهد رسول الله ، ولنا شواهد عديدة عليه ، وإنّ عملية طلب تسمية ابن الإمام علي هي إحدى تلك
____________
1- الرمز الغالب كفرعون ، فإنه اسم لكل ملك من ملوك مصر ، لكنّه غلب على فرعون الظالم المعهود ، والرمز المنحصر كإبليس فإنه اسم يرمز للشيطان الرجيم حَصْراً .
2- كتاب سليم بن قيس : 149 ، الاختصاص : 185 .
3- الهداية الكبرى : 178 ، دلائل الإمامة : 134 ، الاحتجاج 1 : 109 .
________________________________________ الصفحة 152 ________________________________________
المفردات في هذا الإطار ; إذ ليس من المعتاد ـ لا في الجاهلية ولا في الإسلام ـ أن يطلب شخص من آخر أن يجعل أمر تسمية ابنه إليه إلاّ أن يكون هناك هدف مهمٌ يرجوه ؟ فما هو ذلك الهدف إذن ؟ هل هو التعتيم على صفحات الماضي ؟
أم للدلالة على الصداقة والمحبة بين الآل والصحابة ؟
بل كيف يصير رمزاً عند أنصاره وأعدائه معاً ، هل بهذه الطريقة ؟! أم ...
بل ماذا يعني أن يهب عمر بن الخطاب غلامه ( موركاً ) لهذا الطفل ؟ وهل أن الطفل الجديد بحاجة إلى مورك ، أم أن والده الإمام علي بحاجة إليه ؟ بل لماذا تخفى شخصية مورك في تاريخ الإسلام بعد هذا الطلب من قبل عمر ولا نراه حاضراً بجنب عمر ابن علي في مواقفه ، بل يُكتَفى عنه بالقول : ( اعتقه عمر بن علي ) ؟
بل لماذا لا نشاهد عمر بن علي موجوداً مع إخوانه: الحسن ، الحسين ، العباس ، محمّد بن الحنفية في واقعة الجمل وصفين والنهروان ؟ مع علمنا ـ حسب النصوص التاريخية ـ بأنّه كان أكبر من أبي الفضل العباس(عليه السلام) سنّاً . فلماذا كان أبو الفضل في تلك المعارك ولم يكن هو(1) .
ولا أدري هل إنّ هديّة عمر لِسَميِّه ـ أو بالأحرى والد سَميِّه : عليّ بن أبي طالب ـ أتت ضمن سياسة الترغيب والترهيب والجزرة والعصا ؟ أم إنّها كانت هدية بريئة ؟ وهل حقاً ان الإمام قبل هديته ؟
بل لماذا يتكرّر المشهد نفسه بين معاوية وعبدالله بن جعفر بن أبي طالب في تسمية ابنه بمعاوية ؟
ونحوه بين يزيد وبين معاوية بن عبدالله بن جعفر ، و إعطاءه مبلغاً على تسمية ولده بيزيد ؟
وهل إنّ معاو ية و يزيد اقتفيا أثر عمر بن الخطاب في التسميات ؟ أم إنّ الأمر
____________
1- لنا وقفه مع عمر الأطرف في صفحة 348 نبحث فيه عن هذه المسائل .
________________________________________ الصفحة 153 ________________________________________
جاء عفويّاً ؟ وهل الصلة القلبية بين الأشخاص توجد بالصلة المادية فقط أم يجب دمجها مع عوامل أخرى ؟
نعم ، ان الرمزية الدينية هي الملحوظة في الإسلام ، وقد مرّ عليك استحباب تسمية الطفل باسم محمّد وأحمد ، علماً بأنّ الرمزية الدينية تنحصر في اسم النبي وأهل بيته المعصومين ، وليس لكلّ أحد أن يجعل من اسمه ونفسه رمزاً للمسلمين ، والرمزية الدينية كانت عند النبيّ وأهل البيت مقرونة بالدعاء للمسمّى بالخير والبركة وحسن العاقبة ، لا بالهبات والهدايا على التسميات ، كما رايناه في التسمية بأمثال : اسم معاوية ويزيد .
ولو ألقيت نظرةً عابرة إلى ما قُرر يوم الشورى وجعل ابن عوف سيرة الشيخين أصلاً ثالثاً في التشريع الإسلامي بعد أن كان التشريع منحصراً بالكتاب العزيز والسنّة المطهرة ، لعلمت أنّ هناك اتجاهاً يريد جعل الشيخين رمزاً بجنب الله ورسوله ، وفي المقابل ترى صحابة آخرين لا يرتضون هذه الفكرة و يخالفونها ، جاعلين التشريع منحصراً في الكتاب والسنة ، فقال ابن عباس : أراهم سيهلكون أقول نهى عنها رسول الله ويقولون قال أبو بكر وعمر(1) ، أو قول الآخر : لا أترك سنة أبي القاسم لقول أحد(2)[و يعني به عمر].
ولا يخفى عليك بأنّ الرمزية ـ خيراً كانت أم شراً ـ تتنامى مع مرور الزمن ، فالقداسة الملحوظة اليوم للشيخين لم نكن نشاهدها على عهد الصحابة والتابعين أو تابعي التابعين ، وكذا الحال بالنسبة للظُّلامات التي واجهت أهل البيت فهي أخذَتْ تتّضح للناس شيئاً فشيئاً ، مع فارق أنّ رمزية الشيخين لأتباعهم تأطّرت
____________
1- المغني 3 : 125 ، الفروع 3 : 227 ، شرح العمدة 2 : 534 ، الفقيه والمتفقهة 1 : 377 ، مسند أحمد 1 : 337 ح 3121 ، الأحاديث المختارة 10 : 331 ح 357 ، وانظر مؤطا مالك 2 : 634 ح 1302 ، مسند الشافعي : 242 ، التمهيد لأبن عبدالبر 4 : 70 .
2- أنظر صحيح البخاري 2 : 567 ح 1488 ، مسند أحمد 1 : 135 ح 1139 ، الجمع بين الصحيحين 1 : 159 ح 122 .
________________________________________ الصفحة 154 ________________________________________
وتكوّنت بسرعة ; لأنّ الحكومات رَمَّزَتهما بالقوّة والتبليغ والترغيب والترهيب .
وأ مّا رمزية ظلامة أهل البيت وغصب الغاصبين فلم تترمّز إلاّ بعد جهد جهيد وبعد آلآف الضحايا والقرابين ، إذ لم يكن من السهل أن تثبت لعموم الناس ما فعله الشيخان وأتباعهما بأهل البيت إلاّ بمرور الأ يّام والليالي ، وهذا ما حدث بالفعل .
هذا و إنّ التسميات خاضعة لما يهدف إليه المُسَمِّي من وراء تسمية ابنه ، وقد اكدنا اكثر من مرة على أن التسمية من الأمور القلبية فلو وَضَعَ شخص اسم عمر على ابنه مثلاً بلحاظ تقنين وتأييد هجوم عمر على بيت الزهراء وغيرها من الأمور التي فعلها ضد أهل البيت فهو غير جائز ، أمّا لو وضعَهُ لجمالية اسم عمر وكونه معدولاً عن عامر ، ولاستلطافه هذه الكلمة دون أن يلحظ فيها شخصاً معيناً اساء إلى العترة بل ينظر إلى الاسم كآسم فقط فلا مانع من ذلك .
ولعلّ في حديث العيون خير شاهد على أنّ الملاك هو أفعال المسمّى لا نفس الاسم ، إذ اشترك اسم المظلوم أميرالمؤمنين ( علي ) مع أسماء ظالميه في حرف العين ، وهم : عتيق ، وعمر ، وعثمان ، وعبدالرحمان بن عوف ، وعائشة ، ومعاوية(1) ، وعبدالرحمان بن ملجم .
فعن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إذا ظلمت العيونَ العينَ ، كان قتل العين على يد الرابع من العيون ، فإذا كان ذلك استحقّ الخاذل له لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، فقيل له : يا رسول الله ما العين والعيون ؟ فقال : أ مّا العين فأخي عليّ بن أبي طالب ، وأمّا العيون فأعداؤه ، رابعهم قاتله ظلماً وعدواناً(2) .
وقد أخبر أميرالمؤمنين(عليه السلام) حذيفة ـ وهو من أصحاب سرّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ بالأمر على وجهه بعد أن لم يكن فهم مغزاه ولم يسأل عنه رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، قال
____________
1- لأنّ معاوية مأخوذ من عوى . انظر لسان العرب 15 : 108 ، تاج العروس 19 : 714 .
2- معاني الأخبار : 387 ح 22 .
________________________________________ الصفحة 155 ________________________________________
حذيفة بن اليمان لعليّ بعد الشورى وبيعة عثمان :
إنّي والله ما فهمت قولك ولا عرفت تأويله حتّى بلغت ليلتي أتذكر ما قلت لي بالحرة و إنّي مقيل : كيف أنت يا حذيفة إذا ظلمت العيونُ العينَ ، والنبيّ(صلى الله عليه وآله) بين أظهرنا ، ولم أعرف تأو يل كلامك إلاّ البارحة ، رأيت عتيقاً ثمّ عمر تقدما عليك وأوّل اسمهما عين ، فقال : يا حذيفة نسيت عبدالرحمان بن عوف حيث مال بها إلى عثمان ، وسيضمّ إليهم عمرو بن العاص مع معاوية(1) .
وفي رواية : ثمّ أخوهم عبدالرحمن بن ملجم(2) .
وفي رواية البرسي أ نّه(عليه السلام) كان يقول لابن عبّاس : كيف أنت يابن عم إذا ظلمت العيونُ العينَ ، فقال له : يا مولاي كلّمتني بهذا مراراً ولا أعلم معناه ، فقال(عليه السلام) : عينُ عتيق ، وعمر ، وعبدالرحمان بن عوف ، وعينُ عثمان ، وستضمّ إليها عينُ عائشة ، وعينُ معاوية ، وعينُ عمرو بن العاص ، وعينُ عبدالرحمان بن ملجم ، وعينُ عمر بن سعد(3) .
فهذه الأسماء كلّها تشترك بحرف العين ، لكنّ البون شاسع بين المظلوم والظالم ، فلا يمكن أن نمنع من التسمية بهذه الأسماءِ الظالم أصحابها لأ نّها مشتركة في حرف العين(4) . بل أفعالُ المسمَّين هي الملاك ، لذلك قال بعضهم :
____________
1- مناقب ابن شهر آشوب 2 : 103 .
2- الصراط المستقيم 3 : 12 .
3- مشارق أنوار اليقين : 123 ( في حقائق اسرار أمير المؤمنين ) .
4- من الطريف ان ننقل ما حكاه الجاحظ عن الاخرين كي تعلم بأن الشيعة لا تتعامل مع الأسماء والكنى وحتى الحروف كما تعامل الآخرون معها ، فالشيعة اعلى شاناً وأكرم منزلة مما حكاه الجاحظ عن رجل من رؤساء التجار : أ نّه لقى شيخاً شرساً سيء الاخلاق يكره الشيعة فقال له : ما الذي تكرهه من الشيعة ؟ فقال : ما اكره منهم إلاّ هذه الشين في أول اسمهم فاني لم اجدها قط إلاّ في كل شر وشوم وشيطان وشغب وشقاء وشنار وشرك وشَوك وشكوى وشهوة وشتم وشُح ، قال أبو عثمان [الجاحظ] : فما ثبت لشيعي بعدها قائمة !!! (العقد الفريد 2 : 251 قولهم في الشيعة) .
________________________________________ الصفحة 156 ________________________________________
بأنّ في هذه العيون الظالمة إلماحاً إلى عين الحسد وعين التجسّس ، وفي عين عليّ المظلوم إلماحاً إلى أ نّه عين الله ، وعينُ الرجال ، وعين الحقيقة ، كما يقال : فلانٌ عينُ قومه ، أي خيارهم وسيّدهم ، والذين لا نظير له فيهم ، و يقال : فلان عين من عيون الله ، أي خاصّة من خواصّ أوليائه .
وعليه فما يدّعيه القوم ـ من أنّ وضع الإمام عليّ لهذه الأسماء كان للمحبة ـ هو مما يجب أثباته ، ودونه خرط القتاد ، بل إنّ في ترك أئمّة أهل البيت لهذه الأسماء في العصور اللاحقة لها دلالة على عدم محبوبيّتها عندهم ، لكنّهم لا يثيرون الحساسيّة مع الأسماء ، و يتركونها للّبيب العاقل الذي يشخّص مدى رمزيّتها في كلّ عصر من العصور وآن من الآونة .
فالتسمية بمجرّدها لا تضرّنا وليس فيها ما يدلّ على حقّانيّة الثلاثة أو عدالتهم ، وكذا لا تنفي عنهم ما عملوه مع آل البيت ، فذاك شيء وهذا شيء آخر .
وكذلك تسمية أعداء أهل البيت أبناءهم باسم محمّد ، علي ، حسن ، حسين ، فاطمة ، جعفر ، .... الخ ، لا يدلّ على محبّتهم لأهل البيت وعدالتهم ووثاقتهم وحسبك جعفر المتوكّل العباسي الناصبي ، وعلي بن الجهم الخارجي ، وصدام حسين المجرم ، وعلي حسن المجيد القومي ، وغيرها من الأسماء المقدّسة التي تسمّى بها النواصب والأراذل .
نحن لو أردنا أن ندرس ظاهرة التسمية بأسماء الثلاثة طبقاً للاحتمالات والادعاءات فهناك العشرات من هذه الاحتمالات يمكن افتراضها في هكذا أمر ، وباعتقادي أنّه لا يمكن البتّ والقطع بقصد الإمام علي إلاّ بنص منه(عليه السلام) ، ولا نصّ في المقام ، بل الشواهد والقرائن والأدلّة التاريخية لا تدل إلاّ على العداء المستحكم بينهما وتخالف النهجين .1 ـ معاوية بن أبي سفيان ، أبو عبد الرحمن (41 ـ 60 هـ)2 ـ يزيد بن معاوية ، أبو خالد (60 ـ 64 هـ)3 ـ معاوية بن يزيد ، أبو عبد الرحمن و قيل : أبو يزيد ، وقيل : أبو ليلى ( حَكَمَ ثلاثة أشهر ، وقيل : أربعين يوماً بعد أبيه ) .4 ـ مروان بن الحكم ، أبوعبدالملك ، وقيل : أبوالقاسم وقيل أبوالحكم المدني ( 64 ـ 65 هـ ) .5 ـ عبدالملك بن مروان ، أبو الوليد ( 65 ـ 86 هـ ) .6 ـ الوليد بن عبدالملك ، أبو العباس ( 86 ـ 96 هـ ) .7 ـ سليمان بن عبدالملك ، أبو العباس ( 96 ـ 99 هـ ) .8 ـ عمر بن عبدالعزيز ، أبو حفص ( 99 ـ 101 هـ ) .9 ـ يزيد بن عبدالملك ، أبو خالد ( 101 ـ 105 هـ ) .10 ـ هشام بن عبدالملك ، أبو الوليد ( 105 ـ 125 هـ ) .11 ـ الوليد بن يزيد ، أبو العباس ( 125 ـ 126 هـ ) .12 ـ يزيد ـ الناقص ـ أبو خالد ( ستة أشهر ) .13 ـ ابراهيم بن الوليد ، أبو اسحاق ( حَكَمَ سبعين ليلة ) .14 ـ مروان الحمار ، أبو عبدالملك ( 127 ـ 132 ) .1 ـ السفاح ، عبد الله بن محمّد ، أبو العباس ( 132 ـ 136 هـ ) .2 ـ المنصور ، عبد الله بن محمّد ، أبو جعفر ( 136 ـ 158 هـ ) .3 ـ المهدى ، محمّد بن المنصور ، أبو عبدالله ( 158 ـ 169 هـ ) .4 ـ الهادي ، موسى بن المهدي ، أبو محمّد ( 169 ـ 170 هـ ) .5 ـ الرشيد ، هارون بن المهدي ، أبو جعفر ( 170 ـ 193 هـ ) .6 ـ الامين ، محمّد بن هارون ، أبو عبدالله ( 193 ـ 198 هـ ) .7 ـ المأمون ، عبدالله بن هارون ، أبو العباس ( 198 ـ 218 هـ ) .8 ـ المعتصم ، محمّد بن الرشيد ، أبو اسحاق ( 218 ـ 227 هـ ) .9 ـ الواثق بن المعتصم ، أبو جعفر و قيل : أبو القاسم ( 227 ـ 232 هـ ) .10 ـ المتوكل ، جعفر بن المعتصم ، أبو الفضل ( 232 ـ 247 هـ ) .11 ـ المنتصر، محمّد بن المتوكّل، أبو جعفر ، وقيل أبو عبد الله ( 247 ـ 248 هـ ) .12 ـ المستعين ، أحمد بن المعتصم ، أبو العباس ( 248 ـ 252 هـ ) .13 ـ المعتز ، محمّد بن المتوكل ، أبو عبدالله ( 252 ـ 255 هـ ) .14 ـ المهتدي، محمّد بن الواثق، أبواسحاق ، وقيل : أبوعبدالله ( 255 ـ 256 هـ ) .15 ـ المعتمد ، أحمد بن المتوكل ، أبو العباس وقيل : أبوجعفر ( 256 ـ 279 هـ ) .16 ـ المعتضد ، أحمد بن طلحة ، أبوالعباس ( 279 ـ 289 هـ ) .17 ـ المكتفي ، علي بن المعتضد ، أبو محمّد ( 289 ـ 295 هـ ) .18 ـ المقتدر ، جعفر بن المعتضد ، أبو الفضل ( 295 ـ 320 هـ ) .19 ـ القاهر ، محمّد بن المعتضد ، أبو منصور ( 320 ـ 322 هـ ) .20 ـ الراضي ، محمّد بن المقتدر ، أبوالعباس ( 322 ـ 329 هـ ) .21 ـ المتقي ، ابراهيم بن المقتدر ، أبو اسحاق ( 329 ـ 333 هـ ) .22 ـ المستكفي ، عبدالله بن المكتفي ، أبوالقاسم ( 333 ـ 338 هـ ) .23 ـ المطيع ، الفضل بن المقتدر ، أبوالقاسم ( 338 ـ 363 هـ ) .24 ـ الطائع ، عبدالكريم بن المطيع ، أبوبكر ( 363 ـ 293 هـ ) .25 ـ القادر ، أحمد بن اسحاق ، أبوالعباس ( 293 ـ 422 هـ ) .26 ـ القائم ، عبدالله بن القادر ، أبوجعفر ( 422 ـ 467 هـ ) .27 ـ المقتدي ، عبدالله بن محمّد ، أبوالقاسم ( 467 ـ 487 هـ ) .28 ـ المستظهر ، أحمد بن المقتدي ، أبوالعباس ( 487 ـ 512 هـ ) .29 ـ المسترشد ، الفضل بن المستظهر ، أبومنصور ( 512 ـ 529 هـ ) .30 ـ الراشد ، منصور بن المسترشد ، أبوجعفر ( 529 ـ 530 هـ ) .31 ـ المقتفي ، محمّد بن المستظهر ، أبوعبدالله ( 530 ـ 555 هـ ) .32 ـ المستنجد ، يوسف بن المقتفي ، أبوالمظفر ( 555 ـ 566 هـ ) .33 ـ المستضيء ، الحسن بن المستنجد ، أبومحمّد ( 566 ـ 575 هـ ) .34 ـ الناصر ، أحمد بن المستضيء ، أبوالعباس ( 575 ـ 622 هـ ) .35 ـ الظاهر ، أحمد بن الناصر ، أبونصر ( 622 ـ 623 هـ ) .36 ـ المستنصر ، منصور بن الظاهر ، أبوجعفر ( 623 ـ 640 هـ ) .37 ـ المستعصم ، عبدالله بن المستنصر ، أبواحمد ( 640 ـ 656 هـ ) .1 ـ (وكان يعجبه أن يكنّى أبا حرب) أو (كنت رجلاً أحب الحرب) أو (كنت أحب أن أُكَنَّى بأبي حرب) .2 ـ تكرار الحادثة بعينها في أولاده الثلاث من فاطمة الزهراء : الحسن والحسين ومحسن ، مع وقوف الإمام على كراهة النبي تسمية حفيده بحرب ؟3 ـ قول رسول الله : ما شأن حرب ؟
________________________________________ الصفحة 91 ________________________________________
المقدمة الثالثة
بيان بعض الأسباب التي دعت إلى تطابق بعض
أسماء ولد الأئمّة مع أسماء الخلفاء
قبل الكلام عن المقدّمة الثالثة لابد من الإشارة إلى انا سنركز الكلام عن اسمي عمر وعائشة ، لكوننا قد أرجعنا الكلام عن أبي بكر إلى القسم الثاني من هذه الدراسة : ( الكنى ) .
وأ مّا اسم عثمان فلا خلاف في تسمية الإمام علي ابنه به من أمّ البنين الكلابيّة محبة لعثمان بن مظعون ، وهذا الاسم قد انقرض في ولد المعصومين من بعد الإمام علي(عليه السلام) ، وحتى في ولد غير المعصومين من الهاشميين .
ولا يخدش هذا العموم وجود اسم أو اسمين في ولد عقيل وجعفر إلى زمن النسابة ابن عنبة ( ت 828 هـ ) ، وهذا خير مؤشّر على عدم محبوبية هذا الاسم عند الطالبيين و إن كان هذا الاسم عربياً رائجاً انذاك ، لكنه متروك عند الطالبين .
وقد يعود عدم ارتياحهم لهذا الاسم هو احتماء الأمويّين باسمه ، وقد يكون لعدم محبوبية سيرة الخليفة الثالث عندهم ، أو لعدم جمالية هذا الإسم ، وقد تكون لأمور أُخرى ـ .
وأ مّا اسم عمر : ففي التاج : ( عامر : اسم للقبيلة ... وعُمَر معدول عنه ـ أي معدول عن عامر ـ وفي حال التسمية لأ نّه لو عدل عنه في حال الصفة لقيل العُمَر
________________________________________ الصفحة 92 ________________________________________
يراد : العامر )(1) .
وأ مّا عائشة : فهي من العيش في الحياة ، فيقال للمراة : عائشة ، تفاؤلاً بطول العمر والعيش السعيد(2) .
وهذان الاسمان ـ مع غيرهما من الأسامي التي قد تأتي تبعاً واستطراداً ـ هي محور هذا القسم من دراستنا ، وقد سعى البعض استغلالها والاستفادة منها إعلامياً للقول بأنّ أئمّة أهل البيت قد سمّوا أولادهم بهذه التسميات حبّاً لأصحاب رسول الله وأ مّهات المؤمنين ، ثمّ أضافوا بالقول : على أقلّ تقدير أنّ هذه التسميات تشير إلى عدم وجود خلاف بينهم .
لكنّا نقول في جواب هكذا اثارات : بأنّ التسميات قد تكون حبّاً لشخص معيّن ، كأن يسمّي الإنسان ابنه باسم أبيه أو أخيه أو أيّ عزيز آخر عليه .
وقد تكون لعلاقته وتناغمه مع ذلك الاسم بغضّ النظر عمّن تسمّى به حتى ـ ولو كان عدوّاً له ـ ومن هذا القبيل تسمية بعض الشيعة أولادهم بخالد وزياد مع معرفتهما بمواقف خالد بن الوليد وزياد بن أبيه ، لاعتقادهم بعدم جواز محاربة الأسماء بما هي أسماء ، فهم لا يمتنعون من التسمية بها ، لوجود رجال يخالفونهم ولا يحبّونهم قد تسمّوا بها ، و إلاّ لو فُتح هذا الباب لشحّت الأسماء وصارت أندر من الكبريت الأحمر .
وقد تأتي تذكيراً بواقعة مفرحة أو مؤلمة ، كتسمية الحاجّ ابنه بـ ( مكّي ) تذكيراً بسفره إلى بيت الله ، وقد أخبرني أحد المؤمنين بأنّ أحد الطغاة سجن ابناً له وتزامناً مع نجاة ابنه رزقه الله بنتاً سماها ( نجاة ) ، فإنّ ابنته نجاة تذكّره وتذكّر جميع العائلة بما جرى على ابنهم من ظلم وعَسْفِ ذلك الطاغية .
____________
1- تاج العروس 7 : 263 ، مادة : عمر .
2- لسان العرب 6 : 321 مادة ( عيش ) ; وانظر الاشتقاق لابن دريد : 354 .
________________________________________ الصفحة 93 ________________________________________
فالتسمية إذن بما هي تسمية لا تدل على شيء ، فقد يسمّي الإنسان ابنه ( أَنور ) أو ( حسني ) لاستلطافه لذلك الاسم ، لا حبّاً بأنور السادات أو حسني مبارك ، بل لعشقه وارتباطه باسم ( أنور ) و ( حسني ) مع كراهته لأحد الأفراد المُسَمَّيْن به ، أي أنّ الوَقْع الموسيقيّ للكلمة هو الذي دعاه إلى تسمية ابنه أو بنته بهذا الاسم أو ذاك .
والآن لنتكلّم عما نحن فيه ، فنقول : إنّ من يدّعي أنّ وضع الإمام علي لهذه الأسماء على أبنائه كان لمحبته للخلفاء الثلاثة عليه أن يأتينا بدليل على ما يقول ، وحيث لا دليل فسيبقى مجرّد احتمال لا يمكن إثباته بهكذا تخرّصات .
وباعتقادي أنّ الإمام علي بن أبي طالب وبذكره سبب تسمية ابنه عثمان بعثمان بن مظعون ، وخصوصاً بعد مقتل عثمان بن عفان كان يريد أن يدفع ما أشاعته الجهات الحاكمة وأتباعهم عن سبب تسميته أولاده(عليه السلام) بأسماء الخلفاء سابقاً ، فقال صريحاً : ( سمّيته بعثمان لأخي عثمان بن مظعون )(1) ، ومن خلال هذا النص نفهم تعريضه بمن أشاع عنه بأنّه وضع الاسمين الأوّلين حبّاً بعمر بن الخطاب واحتراماً لأبي بكر بن أبي قحافة .
لأ نّه(عليه السلام) ـ وكما عرفت ـ لم يضع اسم عمر على ابنه بل أ نّه أقرّ ما وضعه عمر بن الخطاب ، وكذا كنية أبي بكر على ولده ـ عبدالله أو محمّد ـ لم تثبت وضعها من قبل الإمام ، بل هناك قرائن تدلّ على أنّ القوم وضعوها عليه ، وأنّ اشتهار هكذا أمور دعت الإمام أن يصرّح في سبب تسمية ابنه الأخير ـ أو ما قبل الأخير ـ بأ نّه لم يكن لأجل عثمان بن عفّان دفعاً لكل تلك الشائعات .
وعليه فالتسمية باسم ما لا يكشف عن حبّه لشخص ما إلاّ أن يأتي صريحاً في كلامه كما في ( عثمان بن مظعون ) ، وكما مرّ في تسمية عائشة خادمها
____________
1- أنظر تقريب المعارف للحلبي : 294 .
________________________________________ الصفحة 94 ________________________________________
بـ ( عبدالرحمان ) حبّاً لعبدالرحمن بن ملجم(1) ، وكما مرّ أيضاً في تسمية عبدالملك بن مروان ابنه بـ ( الحجاج ) حبّاً للحجاج بن يوسف الثقفي(2) .
أو أن يُطْلِعَ الله أنبياءَهُ وأوصياءه على سرّ التسمية ـ كما وقفت على كلام الإمام السجاد لأبي خالد الكابلي (كنكر) والإمام الصادق لسعد ـ ، أو أن يلهم الله الناس بما يقصده المسمِّي حين التسمية ، وذلك لوجود احتمالات أخرى كالخوف ، والطمع ، والتذكر بالأفراح والمآسي ، إلى غيرها من الأمور المحتملة في هكذا أمور .
ولعلّ التسمية بـ ( عمر ) كانت لحبّه (عليه السلام) لعمر بن أبي سلمة ربيب الرسول ، الذي كان عامله على البحرين وفارس ، والذي شهد معه حرب الجمل ، والذي كان قد كتب له : ( فلقد أحسنت الولاية ، وأدّيت الأمانة ، فأقبل غير ظنين ولا ملوم ولا متّهم ولا مأثوم ، فقد أردتُ المسير إلى ظَلَمة أهل الشام ، وأحببت أن تشهد معي ، فإنّك ممن أَسْتَظهُر به على جهاد العدّو و إقامة عمود الدين إن شاء الله )(3) .
وعُمر هذا كنيته أبو حفص ، وهو ابن أمّ سلمة زوج النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فهو ربيب النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وكانت ولادته في أرض الحبشة ، فيبدو أنّ التسمية بـ ( عمر ) والتكنية بـ ( أبي حفص ) و ( أبي حفصة ) كانت شائعة ذائعة ، غير مختصّة بعمر بن الخطاب الثاني .
فلماذا لا يحتمل القائل بالمحبة أن يكون المسمّى به هو هذا الشخص لا عمر بن الخطاب ، لأ نّك قد وقفت في النص السابق على أنّ الإمام قد أحبّ هذا الشخص ومَدَحه ، وأحبّ أن يشهد معه المسير إلى القاسطين ، وكان ممن يستظهر به على جهاد العدوّ و إقامة عمود الدين ، فلا يستبعد أن تكون التسمية لو أُريد
____________
1- الجمل للمفيد : 84 ، الشافي في الإمامة 4 : 356 .
2- انساب الأشراف 7 : 196 ، شرح النهج 19 : 369 ، الوافي بالوفيات 11 : 243 .
3- نهج البلاغة : 414 / الكتاب 42 .
________________________________________ الصفحة 95 ________________________________________
لحاظ المحبة فيها أن يكون لهذا لا لابن أبي الخطاب الذي يختلف معه .
فعمر بن أبي سلمة هو من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصحاب الإمام علي (عليه السلام) ، وهو من رواة الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وكان ممن شهد لعبدالله بن جعفر عند معاو ية على وجود النص على الأئمة الاثني عشر ، حيث سمّى الأئمّة واحداً واحداً ، وهو من جملة شهود حديث الغدير أيضاً(1) .
فمن كانت هذه صفاته ، وهو بهذه المنزلة عند الإمام علي ، فهو أولى بأن يكون هو المراد حين التسمية ، لا عمر بن الخطاب المختلف معه في الفكر والحكم . هذا إذا اعتبرنا لزوم لحاظ المحبّة في التسميات ، أي إذا أردنا أن نقول بأنّ التسميات بوضعها الأوّلي تدل على المحبة ، فعلينا التشكيك في المسمّى وما قالوه بأنّه وضع لخصوص عمر بن الخطاب ، لأنّ التاريخ يؤكّد لنا بأن لا محبة بين عمر بن الخطاب والإمام علي ، فيجب أن نبحث عن عمر المحبِّ لعلي ، ومن هو ؟ فليس لنا إلاّ أن نرشح اسم عمر بن أبي سلمة ، ومثله الحال في أبي بكر فهو أبو بكر بن حزم الأنصاري ، الذي ذكره أبو داود في رجاله(2) ، ومثله جاء صريحاً عن علي في عثمان بن مظعون .
أ مّا نحن فلا نقول بذلك ، ونؤكّد بأنّ التسميات في الصدر الأوّل لم يلحظ فيها إلاّ المعاني اللغوية ومعنى التوحيد ونفي الشرك والشيطان فقط ، أي أنّ الأمر لم يصل بعد إلى التسمية بأسماء الرموز ، إذ أن التسمية بالرموز صارت منهجاً في العهدين الأموي والعباسي ولأجله ترى النصوص الناهية من التسمية بأسماء اعداء الله تصدر في هذه المرحلة ، وهو يؤكد بأن التسمية في العصر الأول مقتصر
____________
1- الخصال : 477 ، أبواب الاثنى عشر ح 41 ، عيون أخبار الرضا باب النصوص على الرضا في جملة الاثنى عشر 2 : 52 ح 8 وانظر معجم رجال الحديث للخوئي 14 : 16 ت 8704 لعمر بن أبي سلمة .
2- الرجال لابن داود الحلي : 215 القسم الاول (باب الكنى) .
________________________________________ الصفحة 96 ________________________________________
على أن لا يحمل الاسم معنى شركياً أو باطلاً ، ثم تطور إلى النهي عن التسمية باسماء اعداء الله دون تحديد من هم أولئك ؟!
نعم ، إنّ الشارع المقدّس أ كّد على بعض الأسماء لكونها أسماءً إلهيّة لرموز دينية ، كاسم محمّد وأحمد(1) وعلي والحسن والحسين(2) ، لكنّ هذا لا يعني أنّ كل الصحابة رموزٌ دينية . فلا نرى الشارع(3) يدعو إلى استحباب التسمية بعمر وعثمان وطلحة والزبير وأمثالها من أسماء الصحابة لا عند السنة ولا عند الشيعة ، في حين ـ على أقل تقدير ـ توجد عندنا روايات دالة على استحباب التسمية بأسماء المعصومين (عليهم السلام) ، أما غيرها فليس عندنا ما يدل عليها .
بلى ، هناك عمومات تدعو إلى تحسين الأسماء(4) ، وأنّ خير الأسماء عند الشارع هو ما عُبّد وحُمّد ، فالتّسمية بعبد الرحمن ، وعبدالله ، وعبيدالله ، وعبدالوهاب ، أمرٌ مستحبّ ; لأن فيها الحثّ على العبودية لله لا لكونها أسماءً لصحابة أو أشخاص معينين .
سؤال وجواب
وربّ قائل يقول : كيف يقول رسول الله : خير الأسماء ما عُبّد وحُمّد . ونرى في رواية أخرى عن أبي عبدالله(عليه السلام) ما نصه : جاء رجل إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقال : يا رسول الله ولد لي غلام ، فماذا أسمّيه ؟ فقال : سَمِّهِ بأحبّ الأسماء إلَيّ حمزة(5) .
____________
1- وسائل الشيعة 21 : 392 باب استحباب التسمية باسم محمّد واكرام من اسمه محمّد أو أحمد وعلي .
2- وسائل الشيعة 21 : 396 باب استحباب التسمية بعلي والحسن والحسين وجعفر وطالب وعبدالله وحمزة وفاطمة .
3- بالطبع في كتب أهل السنة والجماعة .
4- وسائل الشيعة 21 : 388 باب 22 ، مستدرك الوسائل 15 : 127 باب 14 .
5- الكافي 6 : 19 ح 9 ، مرآة العقول 21 : 34 ح 9 ، التهذيب 7 : 438 ح 1749 ، وسائل الشيعة 21 : 396 ح 2 .
________________________________________ الصفحة 97 ________________________________________
فاسم حمزة ـ طبق هذه الرواية ـ محبوب عنده (صلى الله عليه وآله) وأ نّه من خير الأسماء ، ومن جهة أخرى تراه (صلى الله عليه وآله) يسمّي ولده بـ : القاسم ، والطاهر ، والطيب ، و إبراهيم . فلماذا لا يسميهم بعبدالرحمن وعبدالله وحمزة ، ألم يتخالف هذان النصان ؟!
الجواب : إنّ هذه الأسماء أحبّ إليه (صلى الله عليه وآله) من بعد الأسماء المشتقّة من أسماء الباري ، وأسماء الأنبياء ، وهذا لا ينافي كون اسم عمّه حمزة من أحبّ الأسماء إليه (صلى الله عليه وآله) ، لأنّ النبيّ بكلامه السابق أعطى قاعدة عامة في التسميات وأنّ أصدق الأسماء ما سمّي بالعبوديّة ، وأفضلها أسماء الأنبياء ، وكان (صلى الله عليه وآله) يقصد بكلامه التوسعة في تشريع الأسماء وعدم اختصاصها بأسماء محدودة ، و إنّ دعوته إلى التسمية بكلّ اسم حسن جاءت في هذا السياق .
فإذن التسمية بالعبوديّة لله ، وباسم محمّد خاتم الأنبياء والمرسلين ، وبأسماء أنبياء الله(1) ، وما عُبّد وحمّد فيه الله ، وكذا التسمية بأسماء أوصياء رسول الله واسم حمزة وفاطمة وغيرها ، من الأمور المستحبّة ، لأ نّها تحمل مفاهيم توحيدية تركّز على الرمزية لله ، ولأنبيائه ، وأوصيائه .
وما التسمية بعمّه حمزة إلاّ لكونه مظهراً من مظاهر الشهادة والإخلاص لله ، فهي لا تخرج عن العبودية العمليّة لله ، لأنّ حمزة هو أيضاً عبدالله وعبدالرحمان عملاً حيث كان في القمة من الإيمان والإخلاص .
نعم ، إنّ اليهود والنصارى لا يسمّون أولادهم بمحمد ، وكذا المسلمون لا يسمّون أولادهم باللات والعزّى ، وذلك للحساسية من الرمز وما يحمل معه من افكار ، لأنّ الأفكار ـ حسنة كانت أو سيئة ـ تطرح من خلال مسمّياتها .
____________
1- وسائل الشيعة 21 : 391 باب استحباب التسمية بأسماء الانبياء والأئمّة وبما دل على العبودية حتى عبدالرحمن .
________________________________________ الصفحة 98 ________________________________________
فالنصارى والمسلمون يمتنعون من التسمية بما يضرّهم عقائدياً ، كي لا يتأثّر أتباعهم بمفاهيم وأفكار الطرف الآخر ، ومن هنا جاء التأكيد على استحباب التسمية باسم محمّد، وعلي، والحسن، والحسين، وفاطمة، وحمزة، وطالب عندنا.
وعليه ، فالمنع من التسمية ببعض الأسماء تارة يكون عقائدياً وهو الذي يرتبط بالله ورسوله وأوصيائه ، كما هو المشاهد في المنع من التسمية بعبد الكعبة وحَكَم ، وحكيم ، وخالد ، ومالك ، وغيرها لكونها من صفات الله .
وأخرى لكونها أسماءً قبيحة كـ حَزْن وغراب وعاصية وظالم ، وقد وقفت على دور رسول الله في تغييرها .
وقد تكون اسماءً صارت رمزاً ، وأن اسم عمر وأبي بكر لم يصيرا رمزاً في الجاهلية ولا في صدر الإسلام ، بل أن هذه الحساسية ظهرت في الازمنة المتأخرة خصوصاً مع تأكيد الحكومتين الأموية والعباسية بالأخذ بسيرة الشيخين والمخالفة مع الإمام علي ونهجه وقتل شيعته والاجحاف بهم ، وقد تنامت هذه الحساسية في العهد السلجوقي والعثماني حتى وصل إلى ما وصل إليه الآن من شدة الخلاف والتباعد بين النهجين .
عمر من الأسماء الرائجة عند العرب
أنّ اسم ( عمر ) لم يحمل معه فكراً شِرْكيّاً كعبد الكعبة ، وكذا ليس فيه قبح لغويّ لكونه اسماً عربياً رائجاً في صدر الإسلام ، وقد تسمّى به حدود 35 شخصاً ، مذكورة أسماؤهم في كتاب ( الاصابة في تمييز الصحابة ) .
فإذن اسم عمر اسم عربي رائج ، وهو مثل اسم علقمة وأَ نَس اللَّذَين سمّي بكلّ واحد منهما 35 شخصاً في كتاب الإصابة ، وثعلبة الذي سُمّي به ( 39 ) شخصاً ، وعثمان الذي سُمّي به ( 37 ) شخصاً ، وحكيم الذي سُمِّى به ( 35 )
________________________________________ الصفحة 99 ________________________________________
شخصاً ، وصفوان الذي سُمّي به ( 31 ) شخصاً ، وطلحة الذي سُمّي به ( 31 ) شخصاً ، وتميم الذي سُمِّى به ( 30 ) شخصاً .
ولا خلاف بأن اسم ( عمر ) ورد في كتاب ( الإصابة ) أكثر من اسم : أويس العربي الرائج الذي ورد 3 مرات .
وشعيب الذي ورد 3 مرات .
وعكرمة الذي ورد 4 مرات .
وسمير الذي ورد 5 مرات .
وأفلح الذي ورد 5 مرات .
وأشعث الذي ورد 6 مرات .
و إسماعيل الذي ورد 7 مرات .
وأرقم الذي ورد 7 مرات .
وأزهر الذي ورد 9 مرات .
وأنيس الذي ورد 9 مرات .
وسو يد الذي ورد 9 مرات .
أسامة الذي ورد 11 مرة .
وشهاب الذي ورد 12 مرة . وأسعد الذي ورد 13 مرة .
وأُبيّ الذي ورد 13 مرة .
وعباس الذي ورد 14 مرة .
وحرملة الذي ورد 15 مرة .
وزرارة الذي ورد 15 مرة .
وحسان الذي ورد 16 مرة .
وخزيمة الذي ورد 16 مرة .
وطارق الذي ورد 17 مرة .
وعمار الذي ورد 17 مرة .
وسهل الذي ورد 17 مرة .
وأمية الذي ورد 20 مرة .
و إبراهيم الذي ورد 23 مرة .
وهذا يؤكّد بأنّ اسم عمر كان أكثر تداولاً من الأسماء المذكورة آنفاً ، وأنّ اسم ( عمر ) ليس حكراً على عمر بن الخطاب حتى يقال بأنّ كلّ من سُمِّي أو تسمَّى بعمر من الصحابة والتابعين فقد كان حبّاً لعمر بن الخطاب .
نعم ، إن ورود اسم عمر عند العرب لم يكن بكثرة اسم عبدالله ، أو عبدالرحمن ، أو سعد ، أو حارث ، أو مالك ، أو خالد ، أو زيد ، أو عامر ، أو سلمة ، أو سعد ، أو ثابت ، أو ربيعة ، أو عبيد ، أو أوس إلى غيرها من الأسماء المشهورة ، لكنه يبقى اسماً رائجاً آنذاك ، و إن وجود اسم 35 شخصاً قد سُمّي كل منهم بعمر في كتاب ( الإصابة ) ليس بقليل وهو يؤكد عدم اختصاص هذا الاسم به حتى
________________________________________ الصفحة 100 ________________________________________
ينتزع منه المحبة كما يقولون .
فلو كان اسم عمر من الأسماء الحديثة في الإسلام ـ مثل الحسن والحسين ـ والتي لم يُسَمَّ أو يتسمَّ بهما أحد قبلهما لأمكن تصحيح ما قالوه عن تسمية الإمام علي وأ نّه كان عن حُبٍّ ، لكنّا لم نر ذلك .
وبعد كلّ هذا فلا تصحّ دعوى المحبّة من خلال التسميات فقط بل يجب لحاظ تطابق الأفكار والأهداف مع تلك الأسماء كذلك .
هذا ، وقد أوضح المرحوم القاضي نور الله التستري المتوفّى سنة 1099 في كتابه ( مصائب النواصب في الردّ على نواقض الروافض ) هذا الموضوع مجيباً معين الدين بن محمّد بن السيّد الشريفي المتوفّى 988 هـ بقوله :
أ مّا أوّلاً : فلأنّ حُسنَ الأسماء وقبحَها إمّا بحسب حُسْنِ نفس الاسم وقبحِهِ ـ بأن يكون مشتقّاً من معنى حَسَن أو قبيح ، كعليّ من العلو ، ومعاو ية من عَوَى الكلب ـ و إمّا أن يكون بحسب حُسنِ المسمّى وشهرته بمحاسن الآثار وكرائم الأطوار ، أو بحسب قبحه واتّصافه بأضداد ما ذكر ، وها هنا قسم ثالث ، وهو أن لا يكون الاسم مشتقّاً من معنى حَسن أو قبيح ، بل لا يفهم منه شيء أصلاً سوى المعنى العَلَمِيّ كالأَعلام المرتجلة ، ولا شك أنّ اسم عمرَ ـ مثلاً ـ ليس فيه قباحة ناشئة من نفس الاسم ، و إنّما طرأ قبحه ونفرة الطباع عنه بمجاورة مسمّاه المخصوص بعد الدهر الطويل ، و إنما وضع أمير المؤمنين(عليه السلام) ذلك الاسم ونحوَه لأولاده قبل تنفّر الناس ـ كلاًّ أو بعضاً ـ عن الاسم والمسمّى .
وأيضاً ، من أين علم أنّ التسمية بعمر وأبي بكر وعثمان ـ في ذلك الزمان ـ كانت موافقةً لأسماء الخلفاء الثلاثة من حيث هي أسماؤهم ؟ ولِمَ لا يجوز أن تكون التسمية بالأوّل موافقةً لاسم جماعة أخرى من الصحابة ـ المذكورين في كتاب الإصابة في معرفة
________________________________________ الصفحة 101 ________________________________________
الصحابة للشيخ ابن الحجر العسقلاني ـ كعمر بن أبي سلمة ربيب النبي(صلى الله عليه وآله) ابن أمّ المؤمنين أم سلمة(رضي الله عنه) ، وكعمر بن أبي سفيان بن عبدالأسد زوج أم سلمة(رضي الله عنه) ، وكعمر بن مالك بن عتبة القرشي الزهري ، وعمر بن يزيد الكعبي ، وعمر بن وهب الثقفي ، وعمر بن عوف النخعي ، وعمر بن عمرو اللّيثي ، وعمر بن معاوية الغاضري ، إلى غير ذلك ممّا ذكر فيه؟!
وأن تكون التسمية بالثاني موافقةً لاسم جماعة أخرى أيضاً من الصحابة ، كأبي بكر العنسي ، وأبي بكر بن شعوب اللّيثي ، وأبي بكر بن حفص ، إلى غير ذلك من الصحابة المذكورين في كتاب الإصابة أيضاً ؟!
وأن تكون التسمية باسم الثالث موافقة لاسم عثمان بن مظعون ، وعثمان بن حنيف ، وعثمان والد أبي بكر الغاصب للخلافة ـ فإنّ اسمه كان عثمان وكنيتُهُ أبا قحافة ـ إلى غير ذلك من الصحابة المذكورين بهذا الاسم في ذلك الكتاب أيضاً ؟! لابدّ لنفي ذلك من دليل(1) .
وعليه فائمّة أهل البيت لا يتعاملون مع الأُمور بانفعالية وتعصّب مقيت كالآخرين ; لأ نّهم أعلى شأناً وأَسمى درجة من أن يتعاملوا مع هذه الأُمور بنظرة ضيّقة ، لأَ نّهم يعلمون بأنّ الأسماء ليست مختصّة بأحد ولا صراع معها ، و إذا كان ثمة اعتراض فإنّما هو على أفعال أُولئك الحكّام لا على أسمائهم ، والخلاف مع الآخرين لا يدعو أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) إلى محو أسماء مخالفيهم من قاموس التسميات ، فإنّهم لو أرادوا أن يتعاملوا مع الأمور من منظار ضيق لهجرهم الناس ولما التفُّوا حولهم .
____________
1- مصائب النواصب 1 : 359 ـ 361 .
________________________________________ الصفحة 102 ________________________________________
ولا يستبعد أن تكون مواقفهم هذه المُسالمة هي التي دعت الآخرين بقبولهم والانضمام تحت لوائهم وان يكونوا من شيعتهم ومواليهم ، وذلك لسعة صدرهم وتجاوزهم النزاعات الفردية والأنانية ، فلا ترى إماماً من أئمّة أهل البيت قد منع أصحابه من التسمية بأبي بكر وعمر مع وجود الخلاف الشديد بين أهل البيت وبين الشيخين(1) .
وهناك العشرات من الرواة من أصحاب الأئمّة(عليهم السلام) قد سُمُّوا بأبي بكر وعمر وعثمان ، وحتى بمعاوية و يزيد(2) ، وكثير من هؤلاء الرواة ثقات ومن أجلاّء الطائفة كأبي بكر الحضرمي ، وعمر بن أذينة ، وعمر بن أبي شعبة الحلبي ، وعمر بن أبان الكلبي ، وعمر بن أبي زياد ، وعمر بن يزيد بياع السابري ، وعمر بن حنظلة ، ومعاو ية بن عمار ، ومعاو ية بن حكيم بن معاوية بن عمار الدهني الكوفي ، و يزيد بن سليط ، و يزيد أبي خالد القماط ، وعثمان بن سعيد العمري نائب الإمام الحجّة وغيرهم .
فالأئمّة لا يمنعون أصحابهم من التسمية بهذه الأسماء ، لاعتقادهم بلزوم
____________
1- اذكّر المطالع بمقطع من كتاب لأميرالمؤمنين(عليه السلام) إلى أهل مصر من خلاله تتضح بعض معالم الخلاف :
فلمَّا مَضى(عليه السلام) تنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ الاَْمْرَ مِنْ بَعْدِهِ . فَوَاللهِ مَا كَانَ يُلْقَى فِي رُوعِي ، وَلاَ يَخْطُرُ بِبَالِي ، أَنَّ الْعَرَبَ تُزْعِجُ هذَا الاَْمْرَ مِنْ بَعْدِهِ(صلى الله عليه وآله) عن أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَلاَ أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ عَنِّي مِنْ بَعْدِهِ ! فَمَا رَاعَنِي إلاَّ انْثِيَالُ النَّاسِ عَلَى فُلاَن يُبَايِعُونَهُ ، فَأَمْسَكْتُ يَدِي حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الاْسْلاَمِ ، يَدْعُونَ إلَى مَحْقِ دِينِ مُحَمَّد(صلى الله عليه وآله) ، فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الإِسْلامَ وَأَهْلَهُ أَنْ أَرَىْ فِيهِ ثَلْماً ، أو هَدْماً تكُونُ المُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلاَ يَتِكُمُ الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّام قَلاَئِلَ ، يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ ، أَوْ كَمَا يَتَقَشَّعُ السَّحَابُ ; فَنَهَضْتُ فِي تِلْكَ الاَْحْدَاثِ حَتَّى زَاحَ الْبَاطِلُ وَزَهَقَ ، وَآطْمَأَنَّ الدِّينُ وَتَنَهْنَهُ .
ومنه : إِنِّي وَآللهِ لَوْ لَقِيتُهُم وَاحِداً وَهُمْ طِلاَعُ آلاَْرْضِ كُلِّهَا مَا بَالَيْتُ وَلاَ آسْتَوْحَشْتُ ، وَإِنِّي مِنْ ضَلاَلِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ وَالْهُدَى الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ لَعَلَى بَصِيرَة مِنْ نَفْسِي وَيَقِين مِنْ رَبِّي . وَإِنِّي إِلَى لِقَاءِ آللهِ لَمُشْتَاقٌ ، وَحُسْنِ ثَوَابِهِ لَمُنْتَظِرٌ رَاج ... ( نهج البلاغة : 451 ـ 452 ، الكتاب 62 ) .
2- ستقف على أسمائهم في السير التاريخي للمسألة من صفحة 157 إلى 274 .
________________________________________ الصفحة 103 ________________________________________
التعالي والتسامي عن الخلافات الشخصية والحسابات الضيّقة ، وعدم التدنّي والنزول بالقضايا القيميّة إلى أُمور شخصية ، لأنّ المنع لو أَخَذ طابعاً شخصيّاً لخرج من روحه القيمية ودخل في حيّز الأنانيات الفردية التي يجب أن يبتعد عنها كلّ إنسان صاحب هدف ، فكيف بالإمام المعصوم .
وانّ النزول بالخلاف إلى هذا المستوى سيدعو إلى الإساءة إلى الأسماء المحمودة كذلك ، كالتسمية بعبدالرحمن ; بدعوى أنّ قاتل الإمام علي كان يسمى بعبدالرحمن بن ملجم ، أو المخالفة مع التسمية بعبيدالله ، لدور عبيدالله بن زياد في قتل الإمام الحسين .
فالإمام السجّاد وابنه الحسين الأصغر كانا يعلمان بأنّ عبيدالله هو قاتل الحسين(عليه السلام) ، لكنّ هذا لا يمنع الحسين الأصغر أن يسمّى أحد أبنائه بعبيدالله الأعرج .
وكذا الحال بالنسبة للإمام الكاظم ، فقد كان على خلاف مع هارون الرشيد ، لكن هذا لا يمنعه من أن يسمى أحد أبنائه بهارون ، لأنّ اسم هارون ليس حِكْراً على هارون الرشيد ، فقد يكون الإمام سمّاه لمكانة هارون من موسى بن عمران .
إنّ إدخال التسميات في معترك الصراع السياسي والمذهبي من أنكر المنكرات ، و إنّ أئمّة أهل البيت كانوا لا يرتضون هذا الأسلوب من التعامل كما نراه في سيرة بعض ضعفاء النفوس المثيرين لهكذا شبهات ضحلة وسخيفة .
فلو طالعت سيرة الإمام الحسن مثلاً لرأيته قد سمّى بعض ولده بـ ( عمرو ) ، وهو يعلم بأنّ فارس المشركين الذي بارز والده اسمه عمرو بن عبد ود العامري ، وأنّ عدو والده اسمه عمرو بن العاص ، وأنّ اسم أبي جهل هو عمرو بن هشام ، وأنّ جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يلعن عمرو بن هشام ، في قنوته(1) ، لكنه مع كل ذلك سمى أبنه بعمرو تعالياً عن هكذا أفكار واثارات .
____________
1- صحيح البخاري 1 : 94 ، باب 69 ح 237 ، صحيح مسلم 3 : 1418 ، باب 39 ح 1794 .
________________________________________ الصفحة 104 ________________________________________
فإذن ائمّة أهل البيت هم أسمى من هذه الأنانيات ، فلا ضيرَ لو سمَّوا أبناءهم بطلحة أو عائشة أو عمر أو عثمان ، فهم يريدون القول بأنّ هذه الأسماء عربية لا مانع من التسمية بها .
نعم ، سمى الإمام الحسن المجتبى ابنه طلحة ، كما سمّى حفيدُهُ الحسنُ المثلث ابنه طلحة أيضاً ، في حين لم نر اسم خالد أو مالك بين أولاد الأئمة المعصومين وغير المعصومين لأ نّها أسماء منهيّ عنها عقائدياً .
وكذا الحال بالنسبة إلى تسمية بعض الأئمة بناتهم بعائشة ، فليس هو محبةً لعائشة بنت أبي بكر بل لكونها اسماً عربياً رائجاً ، حيث إنّ دعوى المحبة ـ وكما قلنا ـ تحتاج إلى نصّ وهو مفقود في هكذا أُمور .
فقد يكون لجمالية الاسم ، أو لتفاؤلهم بالعيش وطول العمر لابنتهم ، وقد يكون لوجود نساء كثيرات من المبايعات لرسول الله قد تسمّين بعائشة وهو اسم حسن مثل : عائشة بنت جرير(1) ، وعائشة بنت عمير الأنصارية(2) ، وعائشة بنت قدامة(3) ، أُخت عثمان بن مظعون الذي سمّى الإمام علي أبنه باسمه ، وقد يكون لظروف التقية التي كانوا يمرّون بها ، على اقل تقدير .
ولو ألقيت نظرةً سريعة على أسمائهم فلا تراهم يتبرّؤون من التسمية بعبدالله ، لمواقف عبدالله بن الزبير من أهل بيت رسول الله أو عبدالله بن عمر أو أيّ عبدالله بن أُبي بن سلول فكانوا يسمون بعبدالله ويحمدون المسمين بهذا الاسم .
____________
1- عائشة بنت جرير بن عمرو بن رازح الانصارية من بني سلمة ذكرها ابن حبيب في المبايعات وقال : كانت زوج المنذر يؤيد بن عامر بن حديدة . (الإصابة 8 : 21 ت 11458) .
2- عائشة بنت عمير بن الحارث بن ثعلبة الانصارية من بني حرام ذكرها ابن حبيب في المبايعات . (الإصابة 8 : 21 ت 11463) .
3- عائشة بنت قدامة بن مظعون القرشية الجمحية من المبايعات . (الاستيعاب 4 : 1886 ت4031 ، الاصابة 8 : 22 ت 11464 .
________________________________________ الصفحة 105 ________________________________________
إذن المشكلة من الآخرين ، فهم يريدون ان يشغلونا بالشكليات والأمور السطحية حتى ننسى القضايا الهامة ، فائمتنا هم(عليهم السلام) أعلى وأسمى من هكذا أفكار ، ولو أرادوا التعامل مع الأسماء كتعامل معاوية مع اسم علي بن أبي طالب للزمهم المنع من كثير من الاسماء العربية والإسلامية ; لأن فلانا حاربه ، والآخر غصب خلافته ، وثالثاً اتّهمه ، ورابعاً وخامساً .
نحن لا نحبّذ للإنسان العادي أن ينزل إلى هذا المستوى و يتعامل مع الأمور بنظرة ضيقة ، فكيف لنا تصّور ذلك في سيرة شخصيات مهمّة كرسول الله ، أو الإمام علي بن أبي طالب ، أو بقية أهل البيت ، الّذين يَسْمُونَ بروحهم عن الفردية وعن أن يتعاملوا مع هذه الأُمور بنظرة أحادية ضيّقة مبتنية على الأنانية لا على القيم .
فنحن كبشر عاديين لا يسعنا أن نمنع أولادنا وأحفادنا من التسمية بسعيد ويوسف لو تخالفنا مع شخصين يحملان هذين الاسمين ، لأنّ الأسماء ليست حكراً على هذا أو ذاك حتى نُسقط غضبنا على هذا الشخص من خلال منعنا أولادنا من التسمية بهذه الأسماء ، لكن الاخرين لا يتعاملون مع الأمور هكذا .
وقد ذكر لي الشيخ قيس العطار ما جرى على أخيه الأكبر أ يّام حكم الطاغية المجرم صدام حسين على العراق ، وهو يؤكد الروح العدوانية التي كان يحملها صدام ضد الشيعة ، فقال : ذات يوم دخلت المخابرات العراقية إعدادية الكاظمية وأخذوا يسألون الاساتذة عن شهادة جنسيّاتهم ، فإذا كان هناك من اسمه : كاظم ، صادق ، رضا ، جواد ، عبدعلي ، عبدالحسين ، عرفوا أنه شيعي واتّهموه بأنه إيراني ، فيسحبون شهادة الجنسية منه و يَنْفُونَهُ إلى إيران ، أ مّا لو كان اسمه عمر ، عثمان ، خالد ، بكر ، زياد ، وأمثال ذلك فكانوا يتركونه ، وجاءوا إلى أخي وسألوه عن اسمه الثلاثي وعن شهادة جنسيّته ، فأجابهم عن اسمه واسم أبيه وجدّه ولقبه : فاروق بهجت رضا العطار ، وقال بأ نّه لم يصحب معه شهادة الجنسية ، فشَكَّوا فيه هل هو سنّي أم شيعي ؟ لوجود اسم (فاروق) من جهة و (رضا) من جهة اُخرى
________________________________________ الصفحة 106 ________________________________________
فعزلوه جانباً ليتأكّدوا من أمره ، وكان اسم أحد أولاده ( عمّار ) فقال أحد أصدقائه لموظّف المخابرات : هذا فاروق أبو عمر ، فتركوه .
وقفة مع ابن تيمية (ت 728 هـ) في التسميات :
ومن الطريف أن نرى شخصيّات من مدرسة معاوية ومحبيّه أمثال ابن تيمية يتهجّمون على الشيعة بدعوى أ نّهم لا يسمّون بأبي بكر وعمر وعثمان ، مع أ نّك قد وقفت على تسمية أ ئمّة أهل البيت بهذه الأسماء ، أو قبولهم لها ، وعدم ممانعتهم لأولادهم ورواة حديثهم من التَّسَمِّي بهذه الأسماء ، كما أ نّك ستقف لاحقاً ـ في السير التاريخيّ للمسألة ـ على أسماء هؤلاء الرواة وغيرهم من علماء ومشايخ الشيعة والطالبيين قبل عهد ابن تيمية ممن سُمُّوا بهذه الأسماء ، وحتّى أنك تراها ـ لكن اقل مما سبق ـ في القرون التي تلتهم إلى القرن الثامن الهجري . كلّ ذلك يؤكّد بأنّ الحساسية مع هذه الأسماء لم تكن من قِبَلِهِمْ إلى ذلك التاريخ . بل إنّ الآخَرِين وبتصرّفاتهم وأعمالهم الشنيعة جعلوا الشيعة يتحسسون من بعض الأسماء ، أي انّ الحرب التي شنّها معاوية ضدّ كلّ من سمّي بعليّ ، هو الذي دعا الشيعة أن يبتعدوا شيئاً فشيئاً عن التسمية بعمر ، لاعتقادهم بأ نّه مهد لمعاوية ظلم الشيعة .
وعليه فسياسة معاوية هي التي أضرت بالخلفاء ، فانعكست آثارها عليهم ، فانقلبت الحالة عند الشيعة من التسمية إلى عدم التسمية .
نعم ، هَجرت الشيعة هذه الأسماء بعد القرن السادس الهجري ـ أو أخذت تتدرج حتّى هُجرت ـ لحادثة حدثت لهم في الرَّيّ(1) ، وقد يكون حدث ما يماثلها في بلدان أخرى ، فهذه الظروف ـ التي مرّوا بها ـ هي التي دعتهم للابتعاد
____________
1- ستقف على كلام المفتي السلجوقي ضمن بياننا للسير التاريخي للمسألة ، فانتظر الصفحة 157 إلى 274 .
________________________________________ الصفحة 107 ________________________________________
عن التسمية بهذه الأسماء لاحقاً .
إذن فثقافة مدرسة أهل البيت في أصلها الاولى كانت تمانع ربط المسائل المذهبية والخلافية بالمسائل العرفية والاجتماعية ، فكانت لا ترضى بما تفعله بعض الجهات الرسمية في عملية خلطها للأوراق .
فلا ترى شيعياً اليوم رغم كل الاجحاف والظلم الذي حل به من قبل الحكام ، يمتنع من تسمية ابنه بسعد أو خالد أو عبدالرحمن ، لأ نّه يعلم بأن الأسماء هي أسماء ، فلا يجوز التبري منها بسبب الأدوار السلبيّة لسعد بن أبي وقاص ، أو خالد بن الوليد ، أو عبدالرحمن بن ملجم أو عمر بن سعد بعد الإسلام .
نعم ، إنّهم يمتنعون من التسمية بأسماء الخلفاء الثلاثة وعائشة لما جرى عليهم في مدينة الري وغيرها في القرون السابقة ، وخصوصاً : السادس ، والسابع ، والثامن الهجري وما قبلها ، أي أ نّهم علموا بأنّ النهج الحاكم يسعى للمساس برموزهم ، و إن ذلك سيستمر حتّى مجيء السفياني الذي يقتل على الهويّة كلّ من اسمه : عليّ ، الحسن ، الحسين ، جعفر ، حمزة ، فاطمة . فتحسسوا من التسمية بأسماء الأغيار في القرون الأخيرة ، لأ نّهم كانوا يرون هؤلاء الثلاثة هم الذين مهّدوا لأمثال معاوية ، ومن يفتي لهم من وعّاظ السلاطين ما يعجبهم .
وعليه فالنهي لم يأت من قبل أهل البيت ، بل كان انزجاراً عفوياً وردّة فعل للشيعة عَمَّا كانوا يسمعونه ويرونه من الآخرين في مصر والعراق و إيران والمغرب و ...
بلى ، إنّ أهل البيت هم أعلى شأناً من اثارة هكذا أمور ، فهم لا يكرهون اسماً من الأسماء لكون فلان الكافر قد تسمّى به ، أو أ نّه اسم لفلان المنافق .
إنّ مخالفتهم لم تكن مع المفاهيم والأسماء بما هي أسماء ما لم تحمل معاني الشرك والمعاني القبيحة ، بل كانت مع المفاهيم والأفعال ، وقد ثبت لك بأنّهم لا يصرحون بالمنع من التسمية باسم أبي بكر وعمر وعثمان . مثلما جاءت النصوص الناهية من قبلهم(عليهم السلام) عن التسمية بخالد ومالك و ... وحتى أن نهيهم
________________________________________ الصفحة 108 ________________________________________
عن تلك الأسماء لم تأتِ لخالد بن الوليد أو مالك ، بل جاءت لكونها من صفات البارئ فلا يحقّ لأحد أن يسمّي ولده بها ، والأفضل اجتنابها ، إذ النهي هنا إمّا إرشادي ، فهو مما لا يجب الأخذ به ، ولو كان ملولوياً فهو محمول على الكراهة .
ولا يخفى عليك أنّ رسول الله وأميرالمؤمنين لم يبدّلا و يغيّرا اسم مالك الأشتر أو خالد بن سعيد الأموي أو غيرهما ; لأ نّهما عرفا بأنّ تسميتهما لم يُقصد بها صفات البارئ ، كبعض المشركين المسمّين بعبدشمس ، وعبدالكعبة ، وعبدالعزّى حتى يأمراهما بتغيير اسميهما .
و إليك الآن كلام ابن تيمية في منهاج السنة وما ادّعاه على الشيعة ; إذ قال .
وكذلك هجرهم [الشيعة] لاسم أبي بكر وعمر وعثمان ولمن يتسمّى بذلك ، حتّى إنّهم يكرهون معاملته ، ومعلوم أنّ هؤلاء لو كانوا من أكفر الناس لم يشرع أن لا يتسمّى الرجل بمثل أسمائهم ، فقد كان في الصحابة من اسمه الوليد وكان النبي(صلى الله عليه وآله) يقنت له في الصلاة و يقول : اللهم أَنْجِ الوليد بن الوليد(1) ، وأبوه الوليد بن المغيرة كان من أعظم الناس كفراً ، وهو الوحيد المذكور في قوله تعالى ( ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً )(2) ، وفي الصحابة من اسمه عمرو ، وفي المشركين من اسمه عمرو ، مثل عمرو بن عبدود ، وأبو جهل اسمه
____________
1- جاء في فتح الباري لابن حجر 10 : 580 قوله : عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال : ولد لأخي أم سلمة ولد فسماه الوليد ، فقال رسول الله : سميتموه بأسماء فراعنتكم ، ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له : الوليد ، هو أشرّ على هذه الأمة من فرعون لقومه . وفي امتاع الاسماع : 280 ـ 281 خرجه البيهقي من حديث بشر بن بكر وفيه : غيّروا اسمه فسمّوه عبدالله ... وكان الناس يرون انّه الوليد بن عبدالملك بن مروان ، ثمّ رأينا أ نّه الوليد بن يزيد بن عبدالملك لفتنة الناس به حين خرجوا عليه فقتلوه ، ففتحت الفتن على الأمة والهرج ، قال كاتبه : كان الوليد بن عبدالملك بن مروان جبّاراً عنيداً قال : كنتم تسمّون الخلفاء ومن سمّاني خليفة قتلته ، قال : فكفّ الناس عن تسمية الخلفاء .
2- المدثّر : 11 .
________________________________________ الصفحة 109 ________________________________________
عمرو بن هشام ، وفي الصحابة خالد بن سعيد بن العاص من السابقين الأولين ، وفي المشركين خالد بن سفيان الهذلي ، وفي الصحابة من اسمه هشام ، مثل : هشام بن حكيم ، وأبو جهل كان اسم أبيه هشاماً ، وفي الصحابة من اسمه عقبة مثل أبي مسعود : عقبة ابن عمرو البدري ، وعقبة بن عامر الجهني ، وكان في المشركين عقبة بن أبي معيط ، وفي الصحابة علي وعثمان ، وكان في المشركين من اسمه علي مثل علي بن أمية بن خلف قتل يوم بدر كافرا ، ومثل عثمان بن أبي طلحة قتل قبل أن يسلمَ ، ومثل هذا كثير .
فلم يكن النبي(صلى الله عليه وآله) والمؤمنون يكرهون اسماً من الأسماء لكونه قد تسمى به كافر من الكفار ، فلو قُدّر أنّ المسمَّين بهذه الأسماء كفّار لم يوجب ذلك كراهة هذه الأسماء ، مع العلم لكلّ أحد بأنّ النبي(صلى الله عليه وآله)كان يدعوهم بها ويقرّ الناس على دعائهم بها ، وكثير منهم يزعم أنّهم كانوا منافقين ، وكان النبي(صلى الله عليه وآله) يعلم أنهم منافقون ، وهو مع هذا يدعوهم بها ، وعلي بن أبي طالب(رضي الله عنه) قد سمّى أولاده بها ، فعُلِمَ أنّ جواز الدعاء بهذه الأسماء ـ سواء كان ذلك المسمّى بها مسلماً أو كافراً ـ أمر معلوم من دين الإسلام ، فمن كره أن يدعو أحداً بها كان من أظهر الناس مخالفة لدين الإسلام .
ثم مع هذا إذا تسمّى الرجل عندهم باسم علي أو جعفر أو حسن أو حسين أو نحو ذلك عاملوه وأكرموه ولا دليل لهم في ذلك على أ نّه منهم ، بل أهل السنة يتسمّون بهذه الأسماء(1) ، فليس في التسمية بها ما يدلّ على أ نّهم منهم ، والتسمية بتلك الأسماء قد تكون فيهم ، فلا
____________
1- أخبرني من أثق به بأنّ جهات حكومية في دول الخليج يتعرّفون على الأشخاص من خلال أسمائهم مثل : باقر ، صادق ، جعفر ، كاظم ، رضا ، طاهر ، على أنه شيعي فلا يعينّونه في الحكومة أو يسعون في عرقلة معاملته .
________________________________________ الصفحة 110 ________________________________________
يدلّ على أنّ المسمّى بها من أهل السنّة ، لكنّ القوم في غاية الجهل والهوى .
و ينبغي أيضاً أن يعلم أ نّه ليس كلّ ما أنكره بعض الناس عليهم يكون باطلاً ، بل من أقوالهم أقوالٌ خالفهم فيها بعض أهل السنة ووافقهم بعض ، والصواب مع من وافقهم ، لكن ليس لهم مسألة انفردوا بها أصابوا فيها ، فمن الناس من يعدّ من بدعهم الجهر بالبسملة ، وترك المسح على الخفين إما مطلقاً و إما في الحضر ، والقنوت في الفجر ، ومتعة الحجّ ، ومنع لزوم الطلاق البدعي ، وتسطيح القبور ، و إسبال اليدين في الصلاة ، ونحو ذلك من المسائل التي تنازع فيها علماء السنة ، وقد يكون الصواب فيها القول الذي يوافقهم ، كما يكون الصواب هو القول الذي يخالفهم ، لكنّ المسألة اجتهادية فلا تنكر إلاّ إذا صارت شعاراً لأمر لا يسوغ فتكون دليلا على ما يجب إنكاره و إن كانت نفسها يسوغ فيها الاجتهاد ، ومن هذا وضع الجريد على القبر فإنه منقول عن بعض الصحابة وغير ذلك من المسائل(1) .
تمعن في هذه الكلمات : ( و ينبغي أن يعلم أ نّه ليس كلّ ما أنكره بعض الناس عليهم يكون باطلاً ، بل من أقوالهم أقوال خالفهم فيها بعض أهل السنّة ووافقهم بعض والصواب مع من وافقهم ) .
ثم يأتي ابن تيمية ليخرج ما تفرّد به الإماميّة ليجعله بدعياً ، لكنّه في الوقت نفسه يقبل قولهم فيما لو كانت المسألة من المتنازع فيه عند علماء السنة ، أي أ نّه يدري بأنّ قولهم هو الحقّ لكنّه يقول ذلك بحيطة وحذر ، لأنّ البوح بذلك يفنّد مذهبه و يضعّف من يؤمن و يعتقد به ، فيواصل كلامه بالقول : ( فمن الناس من يعدّ من بدعهم الجهر بالبسملة ، وترك المسح على الخفين إما مطلقاً و إما في الحضر ،
____________
1- منهاج السنة 1 : 41 ـ 44 .
________________________________________ الصفحة 111 ________________________________________
والقنوت في الفجر ، ومتعة الحج ، ومنع لزوم الطلاق البدعي ، وتسطيح القبور ، و إسبال اليدين في الصلاة ، ونحو ذلك من المسائل التي تنازع فيها علماء السنة ، وقد يكون الصواب .... ) .
أَسْأَلُ ابن تيمية : لماذا تصرّون على المخالفة مع فقه علي بن أبي طالب ؟! أَلَم يكن هو أفقه الناس وأعلمهم بإجماع المسلمين ؟
قال الإمام الرازي في تفسيره : إنّ علياً كان يبالغ في الجهر بالتسمية ، فلمّا وصلت الدولة إلى بني أمية بالغوا في المنع من الجهر سعياً في إبطال آثار علي(1) .
وقد حلّ الرازي التعارض بين قول أنس وابن المغفل وبين قول علي [في البسملة] والذي بقي عليه(عليه السلام) طول عمره ، بقوله :
( فإنّ الأخذ بقول عليّ أولى ، فهذا جواب قاطع في المسألة ) .
أَ خَفِيَ على ابن تيمية أنّ بعض الصحابة مثل ابن عباس وعائشة وابن عمر كانوا لا يقبلون المسح على الخفين ؟! فقد جاء في التفسير الكبير قولهما [أي ابن عباس وعائشة] : لَئِنْ تقطع قدماي أحبّ إليّ من أن أمسح على الخفّين و : لَئِن أمسح على جلد حمار أحبّ إليّ من أن أمسح على الخفين(2) .
وعليه فابن تيمية يرى وجهاً لما تقوله الشيعة في مشروعية القنوت في الصبح ، ومتعة الحج ، وموضوع الطلاق ، وتسطيح القبور ، و إسبال اليدين ، لكنّه يُدخل هذه المسألة ضمن المسائل التي تنازع فيها علماء الإسلام ، لأ نّك لا ترى فتوىً لشيعي إلاّ ودليلها موجود في كتب أهل السنة وعلى لسان كبار الصحابة . لكنّهم ومع الأسف جعلوا السنة بدعة ، والبدعة سنة ; بغضاً لعلي ، أو خوفاً من أتباعهم ، أو التنحيّ عن مناصبهم .
فعن الإمام الصادق(عليه السلام) أ نّه قال : أتدري لم أُمِرتُم بالأخذ بخلاف ما تقول
____________
1- التفسير الكبير 1 : 169 .
2- التفسير الكبير 1 : 169 .
________________________________________ الصفحة 112 ________________________________________
العامة ؟ فقلت : لا أدري .
فقال : إنّ علياً لم يكن يدين الله بدين إلاّ خالفت عليه الأمّة إلى غيره إرادةً لإبطال أمره ، وكانوا يسألون أمير المؤمنين عن الشيءِ الذي لا يعلمونه ، فإذا أفتاهم جعلوا له ضدّاً من عندهم ليلبسوا على الناس(1) .
وعن سعيد بن جبير ، قال : كنت مع ابن عباس بعرفات فقال : مالي لا أسمع الناس يلبّون ؟ قلت : يخافون من معاوية ، فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال : لبّيك اللّهمّ لبّيك ، فانهم تركوا السنّة من بغض علي(2) .
وعن ابن أبي هريرة ، قال : الأفضل الآن العدول من التسطيح ـ في القبور ـ إلى التسنيم ، لأنّ التسطيح صار شعاراً للروافض ، فالأولى مخالفتهم وصيانة الميّت وأهله عن الاتّهام بالبدعة(3) .
ولا يخفى عليك بأنّ النهج الحاكم ـ أموّياً كان أم عباسياً ـ كان يسعى لترسيخ فقه الشيخين ونشر فضائل عثمان والصحابة الأوليّن ، و يمنع من التحدث بفضائل علي . وهذا النهج القاسي اللامتوازن أثّر سلبيّاً على الأحكام لا محالَة ، قال الشيخ أبو زهرة عن الحكم الأموي :
لابد أن يكون للحكم الأموي أثر في اختفاء كثير من آثار علي في القضاء والإفتاء ; لأ نّه ليس من المعقول أن يلعنوا علياً فوق المنابر وأن يتركوا العلماء يتحدثون بعلمه ، و ينقلون فتاواه وأقواله وخصوصاً ما يتصل بأساس الحكم الإسلامي(4) .
أعتذر من القارئ في خروجي بعض الشيء عن الموضوع ، وذلك لأ نّي
____________
1- علل الشرائع : 531 ح 1 وعنه في وسائل الشيعة 27 : 116 .
2- سنن النسائي ( المجتبى ) 5 : 253 ح 3006 ، صحيح بن خزيمة 4 : 260 ح 2830 ، مستدرك الحاكم 1 : 636 ح 1706 .
3- فتح العزيز 5 : 231 ـ 232 . وللمزيد يمكنك مراجعة كتابناً ( منع تدوين الحديث ) .
4- تاريخ المذاهب الإسلامية لابي زهرة : 285 ـ 286 .
________________________________________ الصفحة 113 ________________________________________
رأيت ابن تيميّة يسعى إلى تشويه الحقيقة وتحريف كلّ شيء ، وأن عمله التحريفي لا يختصّ في التسميات ، وأنّ ما قاله في التسميات هو قولنا وقول كلّ شيعيّ على مرّ التاريخ ، إذ عرفت بأنّ التسمية بأسماء الثلاثة كانت موجودة عند الطالبيّين ورواة أهل البيت وعلمائهم(1) ، وأ نّهم كانوا لا يتحسّسون من التسمية خلافاً للآخرين الذين أهانوا وضربوا وقتلوا من سمّي بعليّ والحسن والحسين ، فهناك فارق حقيقيّ بين ثقافة الطرفين ستقف عليه إن شاء الله تعالى . والآن لنرجع إلى صلب الموضوع ، موضّحين ملابسات هذه المسألة أكثر ممّا مضى .
الحرب الصامتة والحساسية من اسم علي والحسن والحسين !
بعدما بدأ الإسلام بثورته الثقافية ، وتغييره لأسماء الجاهليين ، وأمره بتحسين الأسماء ، ووضع النبي بعض الأسماء الإلهية : كالحسن والحسين ، وبعد اهتمام الآيات والأحاديث بالرمز والإشارة إلى الأسوة والقدوة ( كمحمد(صلى الله عليه وآله) ) ، وابتناء الإسلام على الشهادتين = ( أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أن محمّد اً رسول الله ) ، بدأت قريش حربها الصامتة على أسماء أهل البيت وعترة رسول الله ، لأنّ قريشاً أصبحت عاجزة عن مقاومة الرسول وثقافة الإسلام وتعاليم الرسول من جهة ، ومن جهة أخرى كان لا يمكنها القبول بكلّ ما أتى به النبي(صلى الله عليه وآله) ، وخصوصاً فيما يرتبط بشخصه الكريم وأهل بيته: ، فسعت إلى الانضمام تحت لواء الإسلام ثم الكيد له .
روى عمر بن شبّة ، عن سعيد بن جبير : أنّ محمّد بن الحنفيّة سمع بأنّ عبدالله بن الزبير قد نال من عليّ ، فجاء إليه وهو يخطب فوضع له كرسيّ فقطع عليه خطبته ، فكان ممّا قاله : و إنّه والله ما يشتم عليّاً إلاّ كافر يُسِرّ شتمَ رسول الله ، يخاف
____________
1- سنقوم بجرد احصائي لاسماء رواة وعلماء الشيعة المسلمين باسماء الثلاثة في آخر السير التاريخي فانتظر الصفحة 157 إلى 274 من هذا الكتاب .
________________________________________ الصفحة 114 ________________________________________
أن يبوح به فيكنّي بشتم عليّ(1) .
أجل إنّ قريشاً كانت تتصوّر بأنّ النبيّ هو الذي قرن اسمه مع اسم البارئ(2) ، أو أ نّه هو الذي منع الصلاة البتراء عليه(3) ، أو أ نّه(صلى الله عليه وآله) هو نفسه الذي نصّب عليّاً إماماً على الناس دون قرار من ربّ العالمين(4) .
وبعبارة أخرى : إنّ قريشاً كانت لا تريد الخضوع المطلق للرسول لكي لا يقوى سلطانه(صلى الله عليه وآله) ، فليس من الغريب أن يكون ما فعلته في التسميات جاء في هذا السياق ; إذ نراهم يسمّون أولادهم بمحمّد وفاطمة ظاهراً ، ولا نراهم يسمّون بعليّ ، والحسن والحسين ، وحمزة ، وجعفر وغيرها من أسماء أهل البيت ، مع علمهم بأنّ الرسول سمّى سبطيه بالحسن والحسين باسم ابني هارون شبر وشبير وبأمر من الله وعَقَّ عنهما(5) .
قال أبو أحمد العسكري عن الإمام الحسن(عليه السلام) : سمّاه النبيّ الحسن وكنّاه أبا محمّد ، ولم يكن يعرف هذا الاسم في الجاهلية ...(6) .
____________
1- رواه ابن أبي الحديد في شرح النهج 4 : 63 .
2- مروج الذهب 3 : 454 ، شرح نهج البلاغة 5 : 130 ، الموفقيات لابن بكار : 576 ـ 577 .
3- انظر سنن الدار قطني 1 : 355 ، الصواعق المحرقة 2 : 430 ، مقدّمة مسند زيد بن علي : 33 ، صحيح البخاري 4 : 1802 ح 4519 ، 5 : 2338 ح 996 ، 5997 ، صحيح مسلم 1 : 305 ح 405 عن أبي مسعود الأنصاري وفي 1 : 306 ح 407 عن أبي حميد الساعدي ، سنن أبي داود 1 : 257 ح 976 إلى 982 .
4- انظر كلام الحرث بن النعمان الفهري واعتراضه على رسول الله وطلبه من الله أن يمطر عليه حجارة من السماء ان كان محمّداً صادقاً فما لبث حتّى رماه الله بحجر فوقع على دماغه فخرج من أسفله فهلك من ساعته . تفسير الثعلبي 10 : 35 ، وتفسير ابي السعود 9 : 29 ، وروح المعاني 29 : 55 .
5- أنظر الكافي 6 : 34 ح 6 ، وفيه بانّ جبرئيل هبط على رسول الله(صلى الله عليه وآله) بالتهنئة في اليوم السابع وأمره أن يسمّي الحسن ويكنّيه وأن يعقّ عنه وكذلك حين ولد الحسين ، وسائل الشيعة 21 : 431 ح 4 ، مناقب الكوفي 2 : 221 .
6- أسد الغابة 2 : 9 ، سمط النجوم العوالي 3 : 85 ، تهذيب الاسماء للنووي 1 : 162 .
________________________________________ الصفحة 115 ________________________________________
وروى عن ابن الأعرابي ، عن الفضل ، قال : إنّ الله حجب اسم الحسن والحسين حتّى سمّى بهما النبي ابنيه الحسن والحسين(1) ، وقد أشرنا سابقاً
إلى بعض النصوص التي تؤكّد اشتقاق هذين الاسمين من معاني الحُسْنِ
الإلهيّ .
وان اسم الحسن هو من احسن الأسماء فلا نراهم يسمون بذلك ، لماذا ؟ أ نّه تساول فقط ؟
ارتباط التسمية مع المحبّة حقيقةٌ أو وَهْمٌ
إنّ أسماء محمّد وعلي والحسن والحسين إن لم تكن أسماءً الهية فهي أسماء عربية لا محالة ، تحمل معاني حسنة لا غبار عليها ، مع التأكيد على أنّ مدرسة أهل البيت تذهب إلى الرأي الأول حيث ترى هذه الأسماء مشتقّة من أسماء الباري ، وقد مرّ عليك ما رو يناه عن المعصومين ورواه بعض العامّة أيضاً في تفسير قوله تعالى : ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْماءَ كُلَّهَا )(2) ، وقوله تعالى : ( فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَات )(3) ، وقوله تعالى : ( وَ إِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ )(4) .
فلو كان الخلفاء الثلاثة محبيّن حقاً لرسول الله ـ وكانت التسمية لها دلالة على الحبّ والبغض كما يفرضه المستدلّ في تسميات أولاد الأئمّة ـ لسمّوا أولادهم وأحفادهم وأسباطهم باسم سبطي رسول الله كرامة لرسول الله واتّباعاً لسنّته في التسمية .
والأنكى من ذلك لا نراهم يسمّون أولادهم باسماء أجداد وأعمام رسول الله
____________
1- توضيح المشتبه 3 : 233 ، تهذيب الأسماء للنووي 1 : 162 ، تاريخ الخلفاء : 188 ، سمط النجوم العوالي 3 : 85 .
2- البقرة : 31 .
3- البقرة : 37 .
4- البقرة : 124 .
________________________________________ الصفحة 116 ________________________________________
كحمزة وأبي طالب ، وهاشم ، وعدنان ، ومضر ، مع كون تلك الأسماء أسماءً عربية جميلة المعنى وكانت توضع في الجاهلية على الاولاد فكيف لا توضع بعد الإسلام ؟ .
فعلى أيّ شيء يمكن حمل هذه التصرّفات والاجحاف بأعمام رسول الله ، خصوصاً بعد وقوفنا على تأكيد الرسول على عشيرته وعترته ؟
فإمّا أن نقول بنصبهم العداء للرسول ولأهل بيته وعشيرته .
و إمّا أن نقول بعدم لحاظ المحبّة والبغض في التسميات ، وهو ما نريد التأكيد عليه في هذه المقدمة ; لأنّ التسمية باسمٍّ ما قد لا يدلّ على المحبة ، وكذا عدم التسمية لا يدلّ على البغض ، فالاسم هو العلاّمة لكن الإسلام جاء ليؤكد على لزوم تحسين الأسماء لا غير ، فلو أراد شخص أن يستدلَّ على المحبّة يجب عليه أن يأتينا بدليل ، لأنّ دلالة الأفعال صامتة ، وقد أ كّدنا في بحوثنا السابقة(1) بأنّ فعل المعصوم أو تركه لشيء لا يدلّ على الوجوب أو الحرمة إلاّ أن يصرّح ; كقوله : اشربوا اللبن ، أو لا تركبوا الدواب .
والأمر هنا كذلك ، فقد لا تشاهد في أسماء محبّي الإمام عليّ ـ كعمار وسلمان والمقداد وأبي ذرّ ـ ولا في اسماء أولادهم وأحفادهم قد لا تشاهد اسم علي والحسن والحسين ، وهذا لا يدل على عدم حبّهم للإمام علي والحسنين وفاطمة وآمنة وزينب ، والمتأمل في مواقف الأقدمين يراهم لا يستدلون على المحبّة من خلال التسميات فقط ، فعمار وسلمان والمقداد فهم من المحبين للإمام علي بلا خلاف سواء سموا بأسماء أهل البيت أم لم يسموا ، وعليه فنحن لا نستدل على العلقة والمحبة بينهما على التسميات و إن كان عمار بن ياسر قد سمى حفيده علي بن محمّد بن عمار بن ياسر(2) ، لكن هذا ليس الدليل الأول والأخير .
____________
1- راجع كتابنا ( أشهد أن علياً ولي الله في الأذان بين الشرعية والابتداع ) على سبيل المثال .
2- الاكمال لابن ماكولا 1 : 266 .
________________________________________ الصفحة 117 ________________________________________
وعليه فكل ما في الأمر هو دلالة الأسماء على العلمية مع لحاظ المعاني الحسنة فيها ، وليس فيها اكثر من ذلك ولا يمكن تحميلها ما لا تحتمل .
وكذا لو تصفّحت مشجَّرات الطالبيين لعلّك لا ترى اسم آمنة أو خديجة أو صفية أو حليمة بين أسماء بنات المعصومين ، مع إقرار الكلّ بأ نّهم من هذه الشجرة المطهرة وهم ابناء امنه وخديجة ، والكل يعتقد بحبِّ علي والحسن والحسين وامنه بنت وهب ـ أمّ رسول الله ـ وخديجة بنت خويلد ـ زوجته(صلى الله عليه وآله) ـ أو حليمة السعدية ـ مرضعته ـ أو صفية ـ عمته(صلى الله عليه وآله) ـ فعدم التسمية بهذه الأسماء لا يدل على التنافر والمباغضة .
فما جئت به من امثله هنا هو خير دليل لتفنيد ما أشاعته الجهات الحكومية وأتباعها من أنّ التسميات جاءت للمحبة ، وهو نفسه يمكن قوله في الخلفاءِ الثلاثةِ ورجالات قريش جواباً لما اثرناه في عدم تسميتهم أولادهم وأحفادهم بأسماء أجداد وأعمام النبي(صلى الله عليه وآله) . وإنَّ ما عَنْوَنْتُ به الصفحات السابقة بالعنوان المتقدم لم يكن اعتقاداً مني بصحته ، بل جاء لاحراج الذاهبين إلى القول بالمحبة جزافاً .
ومثل هذا يمكن قوله في سبب عدم تسمية الخلفاء الأمويّين والعباسيّين أبناءَهم باسم عليّ ، لأ نّهم أيضاً لم يسمّوا أولادهم واحفادهم باسم أبي بكر وعمر وعثمان ، إلاّ عمر بن عبدالعزيز وآخر ، وهذا لا يعني أ نّهم كانوا أعداءً للخلفاء الثلاثة على وجه القطع واليقين ، إذ انّهم هم الذين أكّدوا على سيرة الشـيخين وحكّموا فقههم ومن خلال اعمالهم اثيرت هذه الحساسية في الأسماء .
إذن المعيار في هكذا أمور هو الأعمال لا الأقوال ، والخلفاء الأمويون والعباسيّون اتّبعوا سيرة الشيخين وجعلوها منهجاً في الحياة بخلاف فقه عليّ وحديثه الذي كان محارباً من قبلهم ، فكان لا يمكن لأحد أن يحدّث عن عليّ إلاّ بالتكنية ; كقوله : ( عن أبي زينب ) ، وسنوضح لاحقاً ما لاقته الشيعة من هاتين الحكومتين من القتل على الهو يّة وقتل وتشريد كلَّ من تسمّى بعليّ ، والحسن ،
________________________________________ الصفحة 118 ________________________________________
والحسين(1) .
و إليك الآن جرداً لأسماء الخلفاء الأمويّين والعبّاسيين بأسمائهم وكناهم وسنى حكمهم كي تقف على صحّة ما نقول :
أسماء الخلفاء الأمويّين والمروانيّين (41 ـ 132 هـ) :
وهي خالية من اسم أحد الثلاثة
____________
1- انظر الصفحة : 174 ، 188 ، 202 ـ 222 .
________________________________________ الصفحة 119 ________________________________________
اسماء الخلفاء العباسيّين (132 ـ 656 هـ) :
________________________________________ الصفحة 120 ________________________________________
هذه هي أسماء وألقاب وكُنّى الخلفاء الأمويّين والعبّاسيّين ، فلا نرى بينها اسماً للخلفاء الثلاثة ، أو كنية لهم ، مثل : أبوبكر ، أبو حفص ، أبوعمرو ، أبوليلى ، إلاّ لشخص واحد في العهد الأمويّ وهو : عمر بن عبدالعزيز الذي تسمّى باسم عمر وتكنّى بكنيته ، أو كنية لشخص واحد في العهد العبّاسي الثاني وهو الطائع العبّاسي ، مع أنّ اسم هذا الأخير كان عبدالكريم ولم يكن عتيقاً أو عبدالعزّى أو عبدالكعبه أو عبدالله حتّى يدلّ على المحبّة فيما بينه وبين أبي بكر كما يقولون .
في حين أنّ أغلب كُنّى العبّاسيّين وأسمائهم كانت تدور في فلك الأسماء
________________________________________ الصفحة 121 ________________________________________
المحبوبة عند أهل البيت مثل : ( محمّد ، أحمد ، جعفر ، عبدالله ، عبدالكريم ، إبراهيم ، يوسف ) وهي نفس الأسماء التي كانوا يتسمّون بها .
أ مّا كناهم فهي : أبو العبّاس ، أبو جعفر ، أبو عبدالله ، أبو محمّد ، أبو القاسم ، أبو إسحاق ، أبو الفضل ، فهي كُنّى الطالبيّين أيضاً .
وكذا ألقابهم ، فهي مأخوذة من ألقاب أئمّة أهل البيت(عليه السلام) ، مثل : المهدي ، الهادي ، القائم و ...(1)
فهل يمكن لأحد أن يدّعي محبّة هؤلاء الخلفاء لأهل البيت وكونهم من شيعتهم ؟! وهم الذين أجرموا بحقّهم أكثر من الأمويّين ، وسنذكر لك لاحقاً بعض النماذج على ذلك إن اقتضى الأمر .
فهل أنّ وجود اسم واحد أو اسمين بين هذا الكمّ الهائل من الأسماء إلى القرن السابع الهجري يدلّ على محبّة الخلفاء الأمويّين والعبّاسيّين للخلفاء الراشدين !! أم أنّ محبّتهم للخلفاء تُنتَزَعُ من أمور أخرى ، إذن الاعمال هي الدالة على المحبة لا الأسماء .
الحكومتان الأموّية والعباسيّة واتّباعهما لسيرة الشيخين
إنّ الأمويين والعباسيين كانوا يسيرون على خُطى الشيخين ولا غبار على ذلك ، وقد أشار مؤسس الدولة الأمو ية إلى هذه الحقيقة في جواب رسالة محمّد ابن أبي بكر ; إذ قال معاو ية لمحمّد :
فكان أبوك وفاروقه أوّل من ابتزّه [علي(عليه السلام)] وخالفه أنفسهم ، على ذلك اتّفقا واتّسقا ، ثمّ دعواه إلى أنفسهم ، فأبطأ عنهما وتلكّأ عليهما ، فهمّا به الهموم ، وأرادا به العظيم . إلى أن يقول :
____________
1- ستقف لاحقاً في السير التاريخي في المسألة من صفحة 159 ـ 276 على نهي أئمّة أهل البيت شيعتهم من تلقّب أعدائهم بألقابهم وتكنّيهم بكناهم إلاّ عند الضرورة .
________________________________________ الصفحة 122 ________________________________________
فخذ حذرك يابن أبي بكر ! فسترى وبال امرك وقِس شبرك بفترك ، تقصر عن أن تساوي أو توازي من يزن الجبال حلمه ، [و] لا تلين قسر قناته ، ولا يدرك ذو أناته ، أبوك مهّد مهاده ، وبنى ملكه وشاده ، فإن يكن ما نحن فيه صواباً ، فأبوك أوله و إن يك جوراً فأبوك أسسه ونحن شركاؤه ، وبهدية أخذنا ، وبفعله اقتدينا ، ولولا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا ابن أبي طالب ، وأسلمنا له ، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك فاحتذينا بمثاله ، واقتدينا بفعاله . فعِب أباك بما بدا لك أو دَعْ ، والسلام على من أناب ...(1) .
وروى البلاذري ما كتبه يزيد بن معاوية في جواب عبدالله بن عمر ، لمّا اعترض عليه بقتل الحسين :
أ مّا بعد ، يا أحمق ! فإنّا جئنا إلى بيوت مجدّدة ، وفُرش ممهّدة ، ووسائد منضّدة ، فقاتلنا عنها ، فإن يكن الحقّ لنا فعن حقّنا قاتلنا ، و إن يكن الحقّ لغيرنا فأبوك أوّل من سنّ هذا وآثر واستأثر بالحقّ على أهله(2) .
فالأمو يّون اتّبعوا سياسة الشيخين في كلّ شيء ، في الحديث(3) والفقه(4)والسياسة(5) .
وجاء في رسالة معاوية إلى زياد بن أبيه :
____________
1- كتاب صفين للمنقري : 120 ، وانظر أنساب الاشراف 3 : 167 ، ومروج الذهب 3 : 12 ـ 13 ، والاختصاص للشيخ المفيد : 127 ، وشرح النهج 3 : 190 .
2- الطرائف لابن طاووس : 247 ، نهج الحق : 356 ، احقاق الحق : 297 ، والجميع عن البلاذري .
3- إذ حدّد عثمان التحديث عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) (في ما عُمل به على عهد عمر) . انظر : الطبقات الكبرى 2 : 336 ، كنز العمّال 10 : 131 ح 29490 ، تاريخ دمشق 39 : 180 .
4- فمثلا جاء عن مروان بن الحكم قوله : إنّ عمر بن الخطّاب لمّا طُعن استشارهم في الجدّ ، فقال : إنّي رأيت في الجدّ رأياً ، فإن رأيتم أن تتّبعوه فاتّبعوه ، فقال عثمان : إن نتّبع رأيك فهو رشد ، وإن نتّبع رأي الشيخ من قبلك فنعم ذو الرأي كان . انظر : المستدرك على الصحيحين 4 : 377 ح 8983 .
5- كما مرّ قبل قليل في كلام معاوية لمحمّد بن أبي بكر ، ويزيد لعبدالله بن عمر .
________________________________________ الصفحة 123 ________________________________________
وانظر إلى الموالي ممَّن أسلم من الأعاجم ، فخذهم بسُنّة عمر بن الخطّاب ، فإنّ ذلك خزيهم وذلّهم ، أن تنكح العرب فيهم ولا ينكحونهم ...(1) .
وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى عدي بن أرطاة أن سَلِ الحسن البصري : ما بال نصارى العرب لا يؤخذ منهم الجزية ؟ فسأله ، فقال : اكتب إليه ( إنّك متّبعٌ ولست بمبتدع ، إنّ عمر بن الخطّاب رأى في ذلك صلاحاً )(2) .
وقال مروان لمعاوية بعد خطبته المعروفة التي اعتزل فيها : يا ابا ليلى لقد سنّ لها عمر بن الخطّاب سنّة فاتَّبِعْها ، فقال معاوية : أتريد أن تفتنّي عن ديني يا مروان(3) .
وعن الشعبيّ أ نّه دخل على الحجّاج فسأله عن الفريضة في الأُخت ، وأُمّ الجدِّ ؟ فأجابه الشعبي باختلاف خمسة من أصحاب الرسول فيها : عثمان ، زيد ، ابن مسعود ، عليّ ، ابن عبّاس . ثمّ بدأ بشرح كلام ابن عبّاس . فقال له الحجّاج : فما قال فيها أميرالمؤمنين ـ يعني عثمان ـ ؟فذكرها له .
فقال الحجّاج : مُرِ القاضي فليُمْضِها على ما أمضاها عليه أميرالمؤمنين عثمان(4) . فانظر إلى أولاد هؤلاء هل ترى اسم احد من الثلاثة بينهم .
هذه النصوص تدلّ وبكلّ وضوح على اتّباع الأمويين سيرة الشيخين مع سيرة عثمان بن عفّان وجعلها منهاجاً في الحياة .
وهناك نصوص كثيرة أخرى دالّة على اتّباع التّالين لِما أسّسه الأوّلون . فكيف بأمثال هؤلاء لا يسمّون أولادهم بأسماء الخلفاء الثلاثة ، وعلى أيّ شيء يدلّ هذا ؟
بل لماذا لا نرى بين فقهاء المدينة السبعة من اسمه : أبوبكر ، عمر ، عثمان ،
____________
1- الغارات 2 : 824 .
2- انساب الأشراف 8 : 159 .
3- مقتل الحسين للخوارزمي : 211 .
4- حلية الأولياء 4 : 325 ، سير أعلام النبلاء 4 : 314 .
________________________________________ الصفحة 124 ________________________________________
وهل يدلّ على نصبهم العداء للثلاثة ؟ لا ، ليس الأمر كذلك ، فالجميع يسيرون على نهج الشيخين وعثمان ، وانّ هذه النصوص الآنفة خير دليل على التباغض والعداوة بين عليّ وعُمر وعدم الصداقة بين أبي بكر وعليّ ، إذ مرّ عليك كلام معاوية لمحمّد بن أبي بكر ( فكان أبوك وفاروقه أوّل من ابتزّ حقّه ... وأرادوا به العظيم [أي القتل] ) وكلام يزيد لعبدالله بن عمر : ( فأبوك أوّل من سنّ هذا ) .
قال المسعودي : وكان عروة بن الزبير يعذر أخاه عبدالله في حصره بني هاشم في الشعب وجمعه الحطب ليحرقهم ، و يقول :
إنّما أراد بذلك أن لا تنتشر الكلمة ولا يختلف المسلمون ، وأن يدخلوا في الطاعة فتكون واحدة كما فعل عمر بن الخطّاب ببني هاشم لمّا تأخّروا عن بيعة أبي بكر ، فإنّه أحضر الحطب ليحرّق عليهم الدار(1) .
من هنا تعرف عمق مغزى كلام السيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) ( ويعرف التالون غِبَّ ما أسّسه الأوّلون )(2) .
وعليه ، فما قلته وأثرته من جواب نقضي للشبهة من ان الشيخين وأتباعهما ، لو كانا محبين للنبي فلماذا لا يُسمّون أولادهم بأسماء أجداد الرسول وأعمامه .
وكذا ما عنونته من عنوان ، لم يكن اعتقاداً منّي بصحّة ما قلته ، بل جاء الزاماً للاخرين ; الذين يسوقون الكلام على عواهنه .
ولا يخفى عليك بأنّ هذا الكلام لا يمنعنا من القول بوجود خلاف وتعارض بين ثقافة قريش وثقافة الإسلام ، فقريش كانت في صراع دائم مع الإسلام وقيمه ، ولم تستسلم إلاّ بعد فتح مكة وتحت وطأة السيف ، وهي التي دعت إلى المنع من تدوين حديث رسول الله ، وفي المقابل دعت إلى تعلّم الأنساب وأيام العرب .
فمن الطبيعي ـ ولأجل الخلاف الملحوظ بين المدرستين ـ قد لا تسمّي
____________
1- مروج الذهب 3 : 86 ط الميمنية ، وانظر : شرح نهج البلاغة 20 : 147 وفيه زيادة : وأن يدخلوا في الطاعة كما فعل عمر ...
2- معاني الأخبار 354 ـ 355 ، دلائل الإمامة 125 ـ 128 ، أمالي الطوسي : 374 ـ 376 .
________________________________________ الصفحة 125 ________________________________________
قريش أبناءَها بأسماء مناوئيها ; لأ نّها لم تستعدّ فكرياً ولم تؤهل أخلاقياً للثورة على المطامع الشخصية والأنانية ، وبذلك يكون حالها مشابهاً لحال المناوئين للإمام علي من امثال الخوارج الذين لم يعجبهم اسماء أهل البيت .
لكنّ هذا الأمر لا يمكن تصوّره في أئمّة أهل البيت ، لأ نّهم أسمى من هذه الظواهر التي تتعكّز عليها شخصيّة الإنسان العادي ، لأ نّهم(عليهم السلام) ينظرون إلى الأمور بنظرة عالية و يسعون دوماً للحفاظ على وحدة الصف الإسلامي ، واقفين أمام الفتن وجادّين إلى تحجيم زاوية الخلاف بينهم وبين الجهاز الحاكم في الظاهر كي لا يستغله الأعداء .
لكنّ هذا لا يعني بأنّ أهل البيت كانوا بهذه السياسة يجاملون ويداهنون و يُعتّمون على وجود خلاف جوهريّ بينهم وبين الحكام ، بل الفارق بينهم وبين غيرهم أ نّهم لا يخلطون الأوراق ، و يتعاملون مع كلّ شيء على حسبه ، فلا يرون التسمية بأبي بكر وعمر ـ في ظروف مّا ـ مخلّة بموازينهم ، أو أ نّها ستزلزل مواقفهم ، أو أ نّها تبعدهم عن أهدافهم قيدَ أنملة ، كلاّ فالأمر لم يكن كما يتخيّله الآخرون ، فهم لا يجيزون ربط موضوع التسميات مع المسائل الخلافية المذهبيّة ، لأنّ مجال كلّ واحد يختلف عن الآخر .
نعم ، ربّما يكون ذلك في ظروف خاصّة وبالعنوان الثانويّ ، لكنّه لم يكن في أ يّام الخلفاء الأربعة قطعاً ; لأنّ الأمور لم تتأطّر ـ كما هي متأطره اليوم ـ نهائياً
بعدُ .
فالتسمية بأبي بكر وعمر وعثمان لا تعطي الشرعية للخلفاء ، ولا تدلّل على عدالتهم ووثاقتهم ولزوم الأخذ عنهم ، بل هي حالة اجتماعية طبيعية ليس إلاّ ، فالذين يريدون الاستفادة من هذه التسميات لتثبيت خلافة الشيخين ، أو رفع العداوة والخلاف بين الآل والخلفاء ، هُم واهمون ، لأنّ الخلاف بينهم أكبر من أن يرتفع بتسمية واحدة أو اثنتين أو ثلاث ، أو زواج مفتعل ، أو مصاهرة بين هذا أو
________________________________________ الصفحة 126 ________________________________________
ذاك ، و يكفينا للتدليل على وجود الخلاف ، ما جاء في الخطبة الشقشقية(1) ، وخطب السيدة فاطمة الزهراء ، ووصيّتها بأن لا يشهد جنازتها أبوبكر وعمر وموتها وهي واجدة عليهما(2) ، وتهديد عمر بإحراق بيت فاطمة(3) ، و إسقاطه جنينها محسنا(4) ، وعدم تولية عمر أحداً من بني هاشم السرايا والولايات(5) ، وقوله لابن عباس : أما زال في نفس علي شيء(6) ، إلى غيرها من عشرات بل مئات النصوص الدالة على التخالف في السياسة والمنهج .
فأهل البيت رغم خلافهم مع أبي بكر وعمر وعائشة وطلحة والزبير ، لا يمنعون التسمية بهذه الأسماء ، بل(عليهم السلام) يترفّعون عن هكذا أمور ، ولو راجعت كتب أنساب الطالبيّين لرأيت الإمام السجاد ، والكاظم ، والرضا ، والهادي قد سمّوا بناتهم عائشة(7) ، لأنّ عائشة هو اسم فاعل من عاش يعيش ، فلا ضير من التسمية
____________
1- نهج البلاغة : 48 الخطبة 3 .
2- عيون أخبار الرضا 2 : 201 وعنه في بحارالأنوار 31 : 621 ح 104 ، وانظر صحيح البخاري 4 : 1549 ح 3998 وصحيح مسلم 3 : 1380 ح 1759 .
3- تاريخ الطبري 2 : 233 ، الإمامة والسياسة 1 : 30 ، المذكر والتذكير لابن أبي عاصم : 91 .
4- الملل والنحل 1 : 57 الترجمة 3 / الفرقة النظامية ، الوافي بالوفيات 6 : 15 الترجمة 3 للنظام المعتزلي ، لسان الميزان 1 : 268 الترجمة 824 لأحمد بن محمّد بن السري ، مناقب بن شهرآشوب 3 : 133 ، عن المعارف للقتيبي قال : محسناً فسد من زخم قنفذ .
5- الاحتجاج 1 : 109 وعنه في بحارالأنوار 28 : 283 ، الاختصاص : 185 .
6- شرح نهج البلاغة 12 : 20 عن أحمد بن أبي طاهر صاحب كتاب تاريخ بغداد في كتابه مسنداً وعنه في بحار الأنوار 30 : 555 بتصرف .
7- في الوقت نفسه نهى الإمام الكاظم يعقوب السراج من التسمية بـ (حميراء) ، لأنّه كاد أن يكون علماً مخصوصاً بعائشة ، ومختلقاً لها قبال أمهات المؤمنين ، أمثال : خديجة وأم سلمه و ... ، ويحتوي على موامرة سياسية اموية ضد علي ، بخلاف اسم عائشة فإنه اسم عام لالف امرة تسمو بها قبل الإسلام وبعده .
وقد يكون أمر الإمام ليعقوب السراج جاء من باب الكرامة والإعجاز ، لأنّ النص الذي سيأتي عليك لاحقاً ، فيه أنّه(عليه السلام) قالها (وهو في المهد ... وبلسان فصيح) . وهو النص الوحيد الصريح الآتي من قبل الأئمّة في المنع من التسمية بأحد أسماء المخالفين بخصوصه .
وعليه فالتسمية بـ (حميرا) يختلف عن التسمية بـ (عائشة) فينهى عن الأولى ويسمى بالثانية ولا ضير ، قبل ان يصير رمزاً للمخالفة مع علي ويرمز إلى حالة تاريخية .
________________________________________ الصفحة 127 ________________________________________
بهذا الإسم لو لوحظ فيه المعنى اللغوي فقط .
أ مّا لو أريد بالتسمية الأخذ بنظر الاعتبار مواقف عائشة بنت أبي بكر في الجمل قِبال إمام زمانها علي بن أبي طالب ، والإشادة بدورها في شقّ الصف الإسلامي ، فهو منهيٌّ عنه ; لأنّ هذا العمل يوجب التثقيف الباطل للمسلم ، و إشاعة ثقافة العداء لأهل بيت الرسول ، الذين امرنا الله ورسوله بمودتهم وطاعتهم .
عمر وأسماء الأنبياء
وهنا نكتة لابدّ من الإشارة إليها ، وهي تعامل عمر بن الخطاب مع تسمية بعض الصحابة أولادهم بأسماء الأنبياء ، ولا أريد أن أتعامل مع هذه المسألة بنظرة رمادية ، بل أريد فهم الموضوع بنظرة موضوعية وحيادية جذرية ، وهي : لماذا نهى عمر بن الخطاب عن التسمية بأسماء الأنبياء ؟ وهل حقّاً أنّ السبب هو ما رواه عبدالرحمن بن أبي ليلى إذ قال :
نظر عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى أبي عبدالحميد أو ابن عبدالحميد ـ شك أبو عوانه ـ وكان اسمه محمّداً ، ورجل يقول له: فَعَلَ الله بك وفعل وفعل ، قال : وجعل يسبّه، قال : فقال أمير المؤمنين عند ذلك يأبن زيد أَدن مني ، قال : لا أرى محمَّداً يسُبُّ بك ، لا والله لا تُدعى محمّداً أبداً ما دمتُ حيّاً، فسمّاه عبدالرحمن ، ثم أرسل الى بني طلحة ليغير أهلهم أسماءهم وهم يومئذ سبعة وسيدهم وأكبرهم محمّد ، قال :
فقال محمّد: أنشدك الله يا أمير المؤمنين ، فو اللهِ إن سمَّاني محمّداً
________________________________________ الصفحة 128 ________________________________________
يعني إلاّ محمّد .
فقال عمر: قوموا فلا سبيل لي إلى شيء سمّاه محمّد(1) .
وعن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم عن أبيه ، ان عمر بن الخطاب جمع كل غلام اسمه اسم نبي فأدخلهم الدار ليغير اسمائهم ، فجاء آباؤهم فأقاموا بيّنة أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) سمى عامتهم فخلي عنهم ، قال أبو بكر : وكان أبي فيهم . ( ابن سعد وابن راهويه ، وحسن )(2) .
وعن سالم بن أبي جعد: إنّ عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه كتب : لا تسمّوا باسم نبيّ ، فكان رجل يسمّى هارون فغيّر اسمه(3) .
وفي الطبقات: دخل عبدالرحمن بن سعيد العدوي على عمر بن الخطاب ، وكان اسمه موسى فسماه عبدالرحمن ، فثبت اسمه إلى اليوم ، وذلك حين أراد عمر أن يغيّر اسم من تسمّى بأسماء الأنبياء(4) .
وفي كنز العمال: إنّ عبدالرحمن بن الحارث كان اسمه إبراهيم ، فدخل على عمر في ولايته حين أراد أن يغيّر اسم من تسمّى بأسماء الأنبياء ، فغيّر اسمه وسمّاه عبدالرحمن ، فثبت اسمه إلى اليوم(5) .
وفي شرح النووي على مسلم وعمدة القاري: كتب عمر إلى أهل الكوفة : لا تسمّوا أحداً باسم نبيّ ، وأمر جماعة بالمدينة بتغيير أسماء أبنائهم المسمّين بمحمّد ، حتّى ذكر له جماعة أنّ النبي أذن لهم في ذلك وسمّاهم به ، فتركهم، قال
____________
1- مسند أحمد 4 : 216 ح 17927 ، وانظر طبقات ابن سعد 5 : 50 ، 54 ، الإصابة 6 : 17 ت 7786 ، أسد الغابة 4: 323 ، قال : أخرجه الثلاثة .
2- كنز العمال 16 : 588 ح 45966 .
3- جزء حنبل التاسع ( من فوائد ابن السماك ) : 76 ، الفتن لحنبل بن اسحاق : 219 وأنظر عمدة القاري 22 : 206 .
4- طبقات ابن سعد 5 : 51 وعنه في كنز العمال 16 : 248 ح 45969 .
5- كنز العمال 16 : 248 ح 45968 عن ابن سعد 5 : 6 ، تاريخ دمشق 34 : 274 .
________________________________________ الصفحة 129 ________________________________________
القاضي : والأشبه أنّ فعل عمر هذا إِعظامٌ لاسم النبي(1) .
وفي فتح الباري: يقال : إنّ طلحة قال للزبير: أسماء بَنِيَّ أسماء الأنبياء ، وأسماء بنيك أسماء الشهداء ، فقال [الزبير] : أنا أرجو أن يكون بَنِيَّ شهداء وأنت لا ترجو أن يكون بنوك أنبياء !! فأشار إلى أنَّ الذي فعله أولى من الذي فعله طلحة(2) .
لا أدري هل يصح ما علله عمر بن الخطاب أم ما قاله الشيخ المجلسي:
ومنع عمر إمّا لجهله بالسّنة، أو لإرادته أن لا يبقى على وجه الأرض اسمُ محمَّد(3).
والذي أقوله هنا هو: ألم يكن الأولى بعمر بن الخطاب أن يسمح بالتسمية بأسماء الأنبياء ، بل الأَولى به أن يشجّع و يحثّ على ذلك ، مع تأكيده على رعاية احترامهم ؟! وهو ما فعله النبيّ والأئمّة الأطهار.
فعن أبي رافع ، قال : سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: إذا سمّيتم محمّداً فلا تقبّحوه ولا تجبهوه ولا تضربوه ، بورك لبيت فيه محمّد، ومجلس فيه محمّد، ورفقة فيها محمّد(4) .
وعن أبي هارون مولى أبي جعدة ، قال: كنت جليساً لأبي عبدالله [الصادق] (عليه السلام) بالمدينة ففقدني أ يّاماً ، ثمّ إنّي جئت إليه فقال: لم أرك منذ أيام يا أبا هارون؟
فقلت: ولد لي غلام.
فقال: بارك الله لك ، فما سمّيته؟
قلت: سمّيته محمّداً، فأقبل بخدّه نحو الأرض وهو يقول: محمّد،
____________
1- أنظر شرح النووي على مسلم 14 : 113 ، وعمدة القاري 15 : 39 .
2- فتح الباري 10 : 580 .
3- مرآة العقول 21 : 37 .
4- مكارم الأخلاق : 25 ، وعنه في مستدرك وسائل الشيعة 15 : 130 ح 2 ، وفيه : بورك بيت فيه محمّد .
________________________________________ الصفحة 130 ________________________________________
محمّد، محمّد ، حتّى كاد يلصق خدّه بالأرض، ثمّ قال: بنفسي وبولدي وبأهلي وبأبويَّ وبأهل الأرض كلّهم جميعاً الفداء لرسول الله(صلى الله عليه وآله) ، لا تسبّه ولا تضربه ولا تُسِئْ إليه، واعلم أ نّه ليس في الأرض دار فيها اسم محمّد إلاّ وهي تُقَدَّس كلَّ يوم(1).
تأمل في انحناءات الإمام الصادق تعظيماً لاسم محمّد ، وقوله : ( بنفسي وبولدي وبأهلي وبأبويّ وبأهل الأرض كلّهم جميعاً الفداء لرسول الله ) .
متى قالها(عليه السلام) ؟ ألم يكن قالها بعد أكثر من نصف قرن من وفاة عمر وبعد رسوخ فكره عند أتباعه ؟ أي بعد استقرار ثقافة النهي عن التسمية بأسماء الأنبياء والمرسلين ، وعلى رأسهم النهي عن ذكر اسم محمّد الصادق الأمين؟!
وقد روى الصادق(عليه السلام) عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قوله: من ولد له أربعة أولاد لم يسم أحدهم باسمي فقد جفاني(2) .
وعن النبي(صلى الله عليه وآله) : إذا سمّيتم الولد محمّداً فأكرموه ، وأوسعوا له في المجلس ، ولا تقبّحوا له وجها(3) .
وعنه(صلى الله عليه وآله): ما من قوم كانت لهم مشورة فحضر من اسمه محمّد أو أحمد فأدخلوه في مشورتهم إلاّ كان خيراً لهم(4) .
وبالإسناد عن النبي: ما من مائدة وضعت فقعد عليها من اسمه محمّد أو أحمد إلاّ قدّس ذلك المنزل في كلّ يوم مرّتين(5).
وجاء عن الباقر(عليه السلام) قوله: أصدق الأسماء ما سمّي بالعبوديّة ، وأفضلها أسماء
____________
1- الكافي 6 : 39 ح 2 ، وسائل الشيعة 21 : 393 ح 4 .
2- الكافي 6 : 19 ح 6 ، التهذيب 7 : 438 ح 11 ، وفي أمالي الطوسي : 682 ح 6 ثلاث بنين.
3- وعيون اخبار الرضا 2 : 29 ، وعنه في وسائل الشيعة 21 : 394 ح 7 ، الجامع الصغير 1 : 109 ح 706 .
4- عيون اخبار الرضا 2 : 32 ح 30 ، مكارم الأخلاق : 220 ، فضائل التسمية بأحمد ومحمّد : 19 .
5- وسائل الشيعة 21 : 394 ح 9 ، عن عيون اخبار الرضا 2 : 32 ح 31 .
________________________________________ الصفحة 131 ________________________________________
الأنبياء(1).
وعن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أ نّه قال: ما من رجل يحمل له حمل فينوي أن يسمّيه محمّداً إلاّ كان ذكراً إن شاء الله تعالى، وقال: هاهنا ثلاثة كلّهم محمّد، محمّد، محمّد .
وقال أبوعبدالله(عليه السلام) في حديث آخر: يأخذ بيدها و يستقبل بها القبلة عند الأربعة أشهر ويقول: اللهمّ إنّي سمّيته محمّداً، ولد له غلام، و إن حوّل اسمه أُخذ منه(2).
هذه ثقافة أهل البيت وتراهم يقولون بفضيلة التسمية باسماء الأنبياء خصوصاً اسم النبي الخاتم محمد بن عبدالله .
ألم تكن ثقافة الدعوة للتسمية باسم النبيّ الخاتم والنصح للمسلمين خيراً من ثقافة التغيير الماحي لاسم النبيّ محمّد الماحي ؟! بل ماذا يمكننا أن نقول عن هدف عمر في تغييره لأسماء الأنبياء؟
وهل يمكننا ـ بعد اتّضاح سياسته ـ أن نعزو عدم وجود روايات دالّة على استحباب التسمية بأسماء الأنبياء في كتب أبناء العامّة إلى أ نّها خضعت لمنع عمر من التسمية بأسماء الأنبياء؟ أم إنّ الأمر غير ذلك ؟
الكلّ يعلم بأنّ الأسماء ضرورة لابدّ منها، وأنّ التسمية بالأسماء المحمودة كأسماء الأنبياء والمرسلين هي من الأمور المحبوبة والحسنة عقلاً وشرعاً، لأنّ بها تثبت الرمزية للخير والدعوة إليه.
وكذا لا محيص من تلقّي الهجاء والمدح جراء التسمية ، وقد تستدعي التربية في بعض الحالات ـ من قبل الاب أو الجد ـ الضرب والشتم ، وهي حقيقة طبيعية لا مناص عنها وليست بأمور طارئة.
____________
1- الكافي 6 : 18 ح 1 ، التهذيب 7 : 438 ح 11 ، معاني الاخبار : 146 ح 1 .
2- مرآة العقول 21 : 21 .
________________________________________ الصفحة 132 ________________________________________
ألم يكن لعمر بن الخطاب أن يتعامل مع التسمية بأسماء الأنبياء مثل تعامل النبي والأئمّة الأطهار من حيث الدعوة الى التسمية المباركة مع احترام المسمَّين بأسماء الأنبياء وإدخالهم في المشورة ، وتوسيع المجالس لهم ، وعدم التقبيح لوجوههم ، وإكرامهم ، والجلوس معهم على المائدة و... لا أن يمنع من التسمية ويسعى لتغيير الأسماء الإيجابيّة الإلهيّة .
صحيح أنّ الأمر يجب التنبيه عليه كي لا يهان النبيّ ، لكن لا بهذه الصورة، إذ أنّ عمل عمر الرَّدْعي هو الأشدّ ضرراً وتطرُّفاً في مثل هذا الأمر ، وهو أقرب إلى الإبادة من الإصلاح، وهو يشابه ما عمله في منع حديث رسول الله بدعوى اختلاطه مع القرآن، فكان عليه أن يدعو الى الحيطة في نقل الحديث عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأن لا يجمع حديث رسول الله مع آيات القرآن الكريم في مصحف واحد ، لا أن يمنع من تدوين حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله) و يأمر بحرق الأحاديث النبوية، فعمله في هذين الأمرين سيِّانِ .
ومما يجب التأكيد عليه أنّ رسول الله كان يعلم بأنّ التسمية باسمه قد يسبّب شتم وضرب المسمى باسمه ، ولأجل ذلك دعا المؤمنين إلى رعاية ذلك ، بل لزوم أن يوسّعوا لمن اسمه محمّد في المجلس، أي أنّ التسمية بمحمّد فيه دعوة الآباء والمؤمنين إلى التربية الصحيحة والتخاطب السليم بين الناس ، والابتعاد عن منهج الضرب والشتم، أي تثقيف الأمّة بالثقافة الصحيحة من خلال التسمية بأسماء الأنبياء وخصوصا النبيَّ محمّداً(صلى الله عليه وآله) .
ومن الطريف أنّ عمر ينهى من التكنية بأبي عيسى(1) وأبي يحيى(2) ،
____________
1- انظر سنن أبي داود 4 : 291 ح 4963 ، كنز العمال 16 : 250 ح 4598 .
2- انظر تاريخ دمشق 24 : 240 ، وفيه قال عمر لصهيب ما وجدت عليك في الإسلام إلاّ ثلاثاً اكتنيت بأبي يحيى وقال الله تعالى : لم نجعل له من قبل سميا ، والاستيعاب 2 : 731 ، المحلى 8 : 297 ، الروض الأنف 2 : 69 ، المعجم الكبير 8 : 32 ح 7297 وفيه قال عمر لصهيب : اراك تبذر مالك وتكتني بأسم نبي ...
________________________________________ الصفحة 133 ________________________________________
و يتكنّى هو بأبي مرّة(1) وهو الاسم المنهي عنه عند رسول الله(2) ، على أنّ أبا مرّة كنية إبليس كما في المعاجم اللغوية(3) ، وقيل : كانت له ابنة اسمها مرّة ولأجل ذلك تكنّى بها(4) .
بهذا قد تكون عرفت أخي القارئ الكريم سر اتياني بالمقدمة الاولى وتاكيدي على كون اسم النبي محمّد وأهل بيته مشتقة من اسم الباري جل وعلا ، وان قريش كانت تمانع من نشر اسم النبي وآله وثقافته الاصيلة للتضاد الموجود بينهما .
ما يدلّ على جواز تغيير اسم محمّد(صلى الله عليه وآله) وردّه
هذا وقد يستدلّ البعض على جواز التغيير بما روي عن أبي عبدالله الصادق(عليه السلام) قال : لا يولد لنا ولد إلاّ سمّيناه محمّداً ، فإذا مضى لنا سبعة أ يّام فإن شئنا غيّرنا و إن شئنا تركنا(5) .
لكن هذا الكلام غير صحيح لو أخذ على اطلاقه ، وذلك لمخالفته للروايات الكثيرة الدالة على ( أنّ خير الأسماء : أسماء الأنبياء )(6) ، و ( من الجفاء للرجل أن لا يسمّي أحد أولاده ـ الثلاثة أو الأربعة ـ بمحمّد )(7) .
____________
1- الغدير 6 : 313 .
2- انظر الموطأ 2 : 973 ، باب ما يكره من الأسماء ح 24 والسيرة الحلبية 1 : 129 .
3- لسان العرب 2 : 552 ، تهذيب الأسماء 1 : 119 وغيره .
4- الغدير 6 : 313 .
5- الكافي 6 : 18 ح 4 ، مرآة العقول 21 : 32 ، التهذيب 7 : 437 ح 10 .
6- انظر وسائل الشيعة 21 : 391 ح 1 ، مستدرك الوسائل 15 : 128 / الباب 15 استحباب التسمية بأسماء الأنبياء سنن أبي داود 4 : 287 ح 4950 ، سنن النسائي (المجتبى) 6 : 218 ح 3565 ، مسند أحمد 4 : 345 ح 19054 ، عن أبي وهب وكانت له صحبة قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : تسموا بأسماء الأنبياء ...
7- انظر الكافي 6 : 19 ح 6 ، التهذيب 7 : 438 ح 11 ، وسائل الشيعة 21 : 393 ح 2 .
________________________________________ الصفحة 134 ________________________________________
ومخالفته أيضاً لما ورد من نهي النبيّ عن تغيير من اسمه محمّد بقوله : ( ولو حوّل اسمه أُخِذَ منه )(1) .
بل الحديث صحيح المعنى لكنه لا يفيد المستدل ، لأنّ التسمية في الأ يّام السـبعة الأولى يزيد من أسـماء ( محمّد ) يوم القيامة ، وتكون له الآثار الوضعـية من البركـة وغيرها والتغيير إنما لكي لا يختلط المسـمَّون بذلك ، وأ مّا الذي يـؤخذ منه (لو حَوّل اسـمه) فإنما ذلك إذا حوّله كراهـته للاسم أو إعراضاً عنه .
كلّ ذلك مع الأخذ بنظر الاعتبار بأنّ الرواية مرسلة ، لأنّ فيه ( عن بعض أصحابنا عمّن ذكره عن أبي عبدالله ) ، ونحن لو أردنا الأخذ بالحديث فلابدّ من حمله على جواز كون التغيير إلى الأسماء الحسنة الأخرى والمشتقّة من اسم الباري كعليّ ، والحسن ، والحسين ، لأنّ جميع هذه الأسماء فضيلتها في مرتبة واحدة .
وهنا سؤال آخر يمكن طرحه أيضاً وهو :
من الثابت المسلّم عند الفريقين بأنّ اسم خالد وحكم وحكيم وحارث(2)من الأسماء المنهيّة عند الشارع المقدّس ، وقد جاءت بذلك الروايات الصحيحة عن النبي(صلى الله عليه وآله) والمعصومين(عليهم السلام) ، والآن نتساءل: لماذا نرى عدداً من أصحاب رسول الله والأئمّة وأولادهم، وأولاد أولادهم، وعلماء الأمّة ومحدّثيهم قد تسمّوا بهذه الأسماء ، والنبي(صلى الله عليه وآله) والأئمّة والصحابة والتابعين سكتوا عنهم؟ وماذا يعني هذا الأمر ؟ وكيف يسمّون باسم منهيّ عنه ؟
فكلُّ ما يقال في جواب مثل هذا الأمر يمكن قوله في سبب اقرار الأئمّة التسمية بأسماء الخلفاء!!!
____________
1- الكافي 6 : 11 ح 3 وعنه في وسائل الشيعة 21 : 377 ح 4 .
2- الكافي 6 : 20 ، 21 ح 16 ، التهذيب 7 : 439 ح 15 ، 17 ، سنن أبي داود 4 : 289 7 ذيل الحديث 4956 ، قال أبو داود وغير النبي(صلى الله عليه وآله) اسم العاص وعزيز وعتلة وشيطان والحكم ...
________________________________________ الصفحة 135 ________________________________________
رسول الله وتغييره لاسمي حمزة وجعفر
وهناك شيء آخر لفت انتباهي ، وهو ما روي عن سودة بنت مسرح ، قالت : كنت فيمن حضر فاطمة رضي الله عنها حين ضربها المخاض في نسوة ، فأتانا النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال : كيف هي ؟ قلت : إنّها لمجهودة يا رسول الله ، قال : إذا هي وضعت فلا تسبقيني فيه بشيء ، قال : فوضَعَتْ فَسَرُّوهُ(1) ولفّوه في خرقة صفراء ، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال : ما فعلت ؟ فقلت : قد وضعت غلاماً وسَرَرْتُهُ ولففته في خرقة ، فقال : عصيتني ، قلت : أعوذ بالله من معصيته ومن غضب رسوله صلّى الله عليه وسلّم ، قال : فائتني به ، فأتيته به فألقى عنه الخرقة الصفراء ولفّه في خرقة بيضاء ، وتفل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في فيه وألبأه بريقه ، فجاء عليّ رضي الله عنه فقال : ما سمّيته يا عليّ ؟ قال: سمّيته جعفراً ، قال : لا ، ولكن حسن وبعده حسين وأنت أبو حسن ، وفي رواية : وأنت أبو حسن الخير . رواه الطبراني بإسنادين(2) .
وفي الذرية الطاهرة للدولابي: حدّثنا أحمد بن يحيى الصوفي ، نا يحيى بن حسن بن القزاز ، نا عمرو بن ثابت ، عن عبدالله بن محمّد بن عقيل ، عن محمّد بن الحنفية ، عن علي : أ نّه سمّى الحسن بعمّه حمزة وسمّى حسيناً بعمّه جعفر ، قال: فدعاني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فسمّى الأكبر بحسن ـ بعد حمزة ـ وسمّى الأصغر بحسين ـ بعد جعفر ـ(3).
وهذا الخبر يدعونا إلى السؤال : لماذا يغيّر رسول الله اسم حمزة وجعفر ؟
____________
1- أي : قطعوا سُرَتة .
2- مجمع الزوائد 9 : 174 والنصّ منه، المعجم الكبير 3 : 23 ح 2542، 24 : 311 ح 786، الإصابة 7 : 719 ت 11354، كنز العمال 13 : 651 ح 37655، تاريخ مدينة دمشق 13 : 168 ـ 169، تهذيب الكمال 6 : 222 ـ 223.
3- الذرية الطاهرة النبوية للدولابي : 99، ذخائر العقبى : 120، تاريخ مدينة دمشق 13 : 170، كنز العمال 3 : 660 .
________________________________________ الصفحة 136 ________________________________________
وهل هما اسمان بذيئان أو يحملان معنىً عقائدياً باطلاً ؟ في حين أنّك قد وقفت قبل قليل على أنّ اسم حمزة من أحبّ الأسماء إليه(صلى الله عليه وآله) ، فما يعني هذا ؟
الجواب : لا ليس الأمر كذلك ، بل هما اسمان محبوبان ولهما معنى حسن لغة واعتقاداً ، وقد افرد النوري في مستدرك وسائل الشيعة باباً باسم ( استحباب التسمية بأحمد والحسن والحسين وجعفر وطالب وعبدالله وحمزة وفاطمة ) .
وقد روي في أخبار آخر الزمان بأنّ السفياني سيقتل كلّ من سمّي بعليّ والحسن والحسين وجعفر وحمزة ، وهو يشير إلى أ نّها رُمُوزٌ علوية عقائدية سياسية مضافاً إلى أنّها أسماء حسنة ولها معاني حسنة ، وأنّ رجالها رجال خير وشهداء ، اذن لماذا غيّر رسول الله مثل هذه الأسماء ؟ وماذا يعني فعله(صلى الله عليه وآله)؟
الجوابُ هو أنّ هذه الأسماء أسماء حسنة و يجوز التسمية بها ، بل التسمية بها مستحبّة حسبما أفرد المحدّث النوري باباً لها في مستدركه ، لكنّ الأمر أ نّه لم يكن مثل التسمية بالحسن والحسين ، لأنّ اسميهما من الأسماء الربّانية المشتقّة من اسم الباري ، وأن هذا التغير خضع لأمر الباري ; إذ جاء في تاريخ دمشق بإسناده عن عبدالله بن محمّد بن عقيل : إنّ عليّا لمّا ولد ابنه الأكبر سمّاه بعمّه حمزة ، ثمّ ولد ابنه الآخر فسماه بعمّه جعفر ، قال : فدعاني النبي(صلى الله عليه وآله) فقال: إنّي قد أُمِرْتُ أن أغيّر اسم هذين ، قال: قلت : الله ورسوله أعلم ، فسمّاهما حسناً وحسيناً(1).
وفي آخر ذكر المحسن معهما فقال: سميتهم بأسماء ولد هارون شبر وشبير ومشبر(2) .
____________
1- تاريخ دمشق 14 : 117 ، والخبر في مجمع الزوائد 8 : 52 ، قال : رواه أحمد وابو يعلى بنحوه والبزار والطبراني ، وفيه عبدالله بن محمّد بن عقيل وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح ، مسند أحمد 1 : 159 ح 1370 .
2- مسند احمد 1 : 98 ح 769 ، مناقب الكوفي 2 : 221، مستدرك الحاكم 3 : 180 ح 4773 ، وفي روايات العامة انّه عليه السلام سمّى أولاده الثلاثة بحرب وهو لا يتفق مع الروايات الاخرى وباعتقادي باطل وبيانه يحتاج إلى وقت آخر .
________________________________________ الصفحة 137 ________________________________________
وفي الذرية الطاهرة للدولابي باسناده عن عمران بن سليمان ، قال: الحسن والحسين اسمان من أسماء أهل الجنّة ولم يكونا في الجاهلية(1) .
التسمية بعبدالله عند أهل البيت
من خلال هذا العرض السريع يمكننا أن نجيب عن إشكال آخر مفاده: لماذا لا يسمّي الأئمّة أولادهم ـ بما قعّدوه من قاعدة من استحباب التسمية ـ بما عبّد وحمّد ، فلا نرى بين أولادهم من اسمه عبدالله ، وعبدالرحمن ، وعبدالوهّاب ؟
الجواب : إنّ الأئمة جاءت أسماؤهم من قبل الباري ، وهي مشتقة من اسمه جلّ وعلا ، وبذلك تكون محبوبيتها أعلى وأسمى من باقي الأسماء ، بل هي أسماء جعلها الله تعالى لهم خاصّة ثم اطلقت على اخرين ، ولأجل ذلك ترى أسماء غالب الطالبين يدور مدار اسم محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ; لأ نّها أسماء مشتقّة من اسم الباري ولها الرصيد الأكبر عندهم ، بعدها يأتي دور الأسماء الأخرى ، أ مّا دعوى عدم تسمية أئمّة أهل البيت أولادهم بعبدالله فهي دعوى باطلة ، لأنّ كثيراً من آل البيت والطالبين سمّوا أولادهم بعبدالله وعبيدالله ، حتّى أنا نرى من بين الأئمّة ـ كالإمام علي والإمام الحسين ـ من سمّى ولدين أو ثلاثة باسم عبدالله أو عبيدالله .
فِريةٌ في التسمية
هنا نكتة أخرى لابد من توضيحها ، وهي : وجود روايات دالّة على رغبة الإمام علي في تسمية أولاده الثلاثة ـ الحسن والحسين ومحسن ـ بحرب ، وأن يكنَّى هو بأبي حرب ، حتى جاء رسول الله وبَدَّلها في المراحل الثلاث ، فما يعني هذا ؟ وهل أ نّه أراد بكلامه المعنى الوصفي للكلمة ، وحسب تعبير بعض الكتاب
____________
1- الذرية الطاهرة : 100 ـ 101 ح 92 .
________________________________________ الصفحة 138 ________________________________________
بأن يرشّح أبناءَه للنزال والبراز وأن يعدّهم شجعاناً مثله ، لأنّ الأسماء لها دلالاتها وتأثيراتها على الأفراد ؟
أم أراد منه الاسم العلمي وشخصاً معيَّناً يسمّى بحرب في الجاهلية ؟
فمن هو يا ترى ؟
وهل أن الإمامين الحسن والحسين بحاجة إلى تأثيرات الأسماء عليهما ، وهل أن الشجاعة التي ورثها الحسن والحسين من أبيهم وجَدِّهم كانت لخصائصهم الذاتية أم لتأثير الأسماء .
وأن مواقفهم في حرب الجمل وصفين والنهروان خير شاهد على القول الأول لا الثاني ، وكذا خروج الإمام الحسين على يزيد وهو الظالم السفاك ؟ واليك الآن بعض تلك الأخبار التي تدّعي هذه الفِرية :
ذكر ابن سعد ( ت 231 هـ ) في طبقاته خبرين أحدهما : حدثنا زهير بن معاوية ، عن أبي إسحاق [السبيعي] ، قال : لمّا ولد الحسن سمّاه عليٌّ حرباً ، قال : وكان يُعجبه أن يُكنَّى أبا حرب ، فقال رسول الله : وما سمّيتم ابني ؟ قالوا : حرباً ، قال : ما شأن حرب ؟! هو حسن .
فلما وُلِدَ حسين سمّاه عليٌّ حرباً ، فقال النبي : ما سميتم ابني ؟ قالوا : حرباً ، فقال النبي ، ما شأن حرب ؟! بل هو حسين .
فلما ولد الثالث سماه حرباً ، فقال رسول الله : ما سميتم ابني ؟ قالوا : حرباً ، فقال : ما شأن حرب ؟! هو محسن أو محسّن(1) .
وفي المعجم الكبير للطبراني ( ت 360 هـ ) خمسة أسانيد ، منها : حدثنا محمّد بن عبدالله الحضرمي ، ثنا عبدالله بن عمر بن أبان ، ثنا يحيى بن عيسى الرملي التميمي ، ثنا الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد ، قال : قال عليٌّ : كنتُ رجلاً اُحبُّ الحرب ، فلما ولد الحسن هممت أن أسمّيه حرباً فسماه رسول الله : الحسن ، فلما
____________
1- ترجمة الإمام الحسن من طبقات ابن سعد : 34 ح 27 .
________________________________________ الصفحة 139 ________________________________________
ولد الحسين هممت أن اسميه حرباً فسمّاه رسول الله : الحسين ، وقال : إنّي سمّيت ابنيَّ هذين باسم ابنَي هارون شبّراً وشبيراً(1) وفي آخر ، سميتهم بولد هارون شبر وشبير ومشبر(2) .
وفي مجمع الزوائد للهيثمي ( ت 807 هـ ) : عن علي قال : لما ولد الحسن سميته حرباً وكنت أحب أن أكتني بأبي حرب ، فجاء النبي فحنّكه فقال : ما سميتم ابني ؟ فقلنا : حرباً ، فقال : هو الحسن .
ثم ولد الحسين فسميته حرباً ، فأتى النبي(صلى الله عليه وآله) فحنكه فقال : ما سميتم ابني ؟ فقلنا : حرباً ، فقال : هو الحسين .
ثم قال الهيثمي : رواه البزار والطبراني بنحوه بأسانيد ورجال أحدهما رجال الصحيح(3) .
وهذه النصوص تدعونا للتأمل فيها ، وذلك لوجود الجمل التالية :
فلو أراد الإمامُ المعنى الوصفيَّ فلماذا لا نراه يسمّي الآخَرِين من ولده بحرب بمشتقاته مثل محارب ، حريب ، وأدوات الحرب وصفاته كالسيف ، والصارم ، والهيجاء ، ومقاتل ، ومُنازِل ، فالإمام لا يفتقر إلى الشجاعة ولا يحتاج في إخافة العدو إلى اطلاق هذه الأسماء على ولده ، فهو كابن عمّه رسول الله كان منصوراً بالرُّعب كرامة من الله ، وكان اسمه الإلهي حتفاً للأعداء ، وكان ذلك الاسم المبارك
____________
1- المعجم الكبير للطبراني 3 : 97 ح 2777 ، تاريخ الإسلام 5 : 94 ، قال : منقطع .
2- مسند أحمد 1 : 98 ح 769 ، 1 : 118 ح 953 ، المعجم الكبير 3 : 96 ح 2773 ، 2774 .
3- مجمع الزوائد 8 : 52 . مسند البزار 315 ح 743 ، المعجم الكبير 3 : 97 ح 2775 .
________________________________________ الصفحة 140 ________________________________________
مذكوراً في كتب السالفين ، لذلك كان أمير المؤمنين يخيف أعداءه بقوله : ( إنا الذي سمّتني أمّي حيدرة ) ، وكانت مرضعة مرحب اليهودية قد قالت لمرحب : بارز من شئت من الناس إلاّ شخصاً اسمه عليّ ويُدعى حيدره ، فلذلك كاع مرحب عن عليّ أوّلاً حتى عَرّه الشيطان بقتال أمير المؤمنين ، وكان أمير المؤمنين(عليه السلام) إذا غضب في الحروب قال : أنا أبو الحسن ، ولا يقول : أنا أبو حرب ، وكان الإمام الحسين(عليه السلام) إذا كرَّ في كربلاء وهو وحيد قال : أنا الحسين بن علي .
فهذه الأسماء الإلهية ( علي ) ( حيدرة ) ( الحسن ) ( الحسين ) هي التي ترعب الأعداء لأ نّها تعني انضباب الغضب الإلهي على العدوّ ، وهذه الروايات المفتريات تريد ترسيخ مفاهيم الجاهلية حيث كانوا يسمون أبناءهم بالأسماء المرعبة ( حرب ) ( ذيب ) ( فاتك ) لإخافة أعدائهم ، وقد غفل هؤلاء الوضاعون عن الفرق بين الإخافة الإلهية ( نصرت بالرعب ) وبين الإخافة الجاهليه .
نعم ، إنّهم نسبوا له هذه الأخبار كي يقولوا بأنّ الإمام علي بن أبي طالب يحبّ الحرب وهو متعطش للدماء ـ والعياذ بالله ـ ولأجل ذلك أحب أن يكتني بأبي حرب ، في حين أنّ الواقف على سيرة الإمام يعلم بأ نّه(عليه السلام) لا يحبّ الحرب بما هي حرب إلاّ أن يُحِقّ فيها حقّاً أو يبطل باطلاً .
وصحيح أن الإمام قتل صناديد قريش ، لكنّ هذا لا يمانع سعته ورحمته عند فتح مكة وما قبلها وبعدها . وإن موقفه من عَمرو بن عبد ودّ العامري وجلوسه على صدره وقيامه من على صدره لمّا بصق في وجهه الكريم ، إنّما كان ليبرهن على أ نّه(عليه السلام) صَرَعَ هواه أيضاً كما صرع خصمه(1) ، وأنّ غضبه كان لله فقط لا للنفس ، كل هذه المواقف تؤكد بأ نّه(عليه السلام) كان ذابّاً عن الله ورسوله ، وداعياً إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ، وليس متعطشاً للدماء كما يريد أعداؤه أن يُصوروه ، لأ نّه لا يدخل في الحرب إلاّ عند الضرورة ولا يرضى بالغيلة ، وهو الذي رسم لنا
____________
1- مناقب بن شهرآشوب 1 : 381 .
________________________________________ الصفحة 141 ________________________________________
حكم البغاة ، فهو يدعوهم إلى الرجوع إلى الطريق المستقيم أولاً وبشتّى الطرق والسبل والاحتجاجات فإن لم يقتنعوا تركهم ، فإن شهروا السلاح نهاهم ، فإن لم يستجيبوا أَبداً أبداً دخل معهم في قتال(1) .
فالإسلام يدعو إلى السلام ، وعليُّ إمامُ السلام ، وقد غيّر رسول الله مَن سمى حرباً بالسلم ، وجاء عنه(صلى الله عليه وآله) : تسمّوا بأسماء الأنبياء وأحبُّ الأسماء إلى الله عبدالله ، وعبدالرحمن ، وأصدقها حارث وهمام ، وأقبحها حرب ومرة(2) ، وفي روايات أهل البيت وغيرهم ( نعم الأسماء عبدالله وعبدالرحمان الأسماء المعبدة وشرها همام والحارث واكره مبارك ثم بشير ثم ميمون ... )(3) وفي آخر ( وشر الأسماء ضرار ومرة وحرب وظالم )(4) .
نعم ، إنّهم حاربوا علياً بالسنان واللسان ، ولعنوه من على المنابر ، ووضعوا أحاديث على لسانه ، وافتروا عليه بأنه خطب ابنة أبي جهل عدّو الله وعدو رسوله ، إلى غيرها من عشرات الأشياء ، ومما أفتروا عليه هو هذه الفرية ( الحربية ) ، ولعلّ واضعها أراد أن يقول أنّ الإمام أمير المؤمنين أراد من حرب الاسمَ العلميّ لشخص مخصوص لا القتال ، وهو جدّ معاوية : حرب بن أمية ، والد أبي سفيان ، أرادها(عليه السلام) ثلاثاً حبّاً لأبي سفيان !! مع أ نّه(عليه السلام) هو الواقف على منافرة رسول الله وبغضه لهذا الاسم .
____________
1- انظر مغني المحتاج 4 : 123 ، وفيه عن الشافعي قال : أُخِذتْ السيرة في قتال المشركين من النبي حكي ، وفي قتال المرتدين من أبي بكر وفي قتال البغاة من علي رضي الله تعالى عنه . وفي حاشية الجمل 5 : 113 ، قوله أخذ المسلمون السيرة ... الخ .
2- سنن أبي داود 4 : 287 ، المعجم الكبير 22 : 280 ، سنن البيهقي 9 : 306 .
3- سنن أبي داود 4 : 287 ح 4950 ، مسند أحمد 4 : 345 ح 19054 ، المعجم الكبير 23 : 380 ح 949 الجعفريات : 205 ، نوادر الراوندي : 105 ح 75 ، وعنه في بحار الأنوار 101 : 130 ح 22 .
4- الخصال : 250 ح 118 ، وعنه في مستدرك الوسائل 21 : 399 ح 5 ، وانظر الجامع في الحديث لابن وهب 1 : 90 ح 46 .
________________________________________ الصفحة 142 ________________________________________
قالوا بهذا : كي يقولوا بأنّ الإمام علي بن أبي طالب كان يحبّ والد أبي سفيان ـ صخر بن حرب ـ ونباهته وعقله ، ولأجله أراد أن يُسمّي وُلدَه باسمه ، كما أراد من قبل أن يصاهر أبا جهل المشرك !!
كلّ هذا وضعوه لمّا أعجزتهم الحِيل أن يَرَوْا في عليٍّ مَطْعَناً ، فرووا من المختلفات مطاعَن .
فكيف يعقل ذلك وهو العالم بمبغوضيّة هذا الاسم عند رسول الله ، وأ نّه(صلى الله عليه وآله)غَيَّر هذا الاسم من على أشخاص كثيرين ، فهل يُعقل أن يُحبَ الإمام الاكتناء بأبي حرب ، الذي هو عدو الله ورسوله ، فالأمويون كانوا يريدون من عملهم ذلك عدة اُمور .
أحدها : القول بعدم إطاعة الإمام علي لرسول الله ، وعمله بما لا يرضى الرسول لأ نّه سمّى ابنَه الحسين بحرب ، رغَم عدم ارتياح الرسول سابقاً لتسمية الإمام الحسن بهذا الاسم ، وهكذا تكراره في تسمية محسن ، وعليه فالإمام علي كغيره من الصحابة قد يخالف رسول الله فيما لا يحبه(صلى الله عليه وآله) .
ثانيها : إنّ الإمام علي بن أبي طالب كان يحب سفك الدماء و إزهاق الارواح ـ والعياذ بالله ـ والحَرْبَ بما هي حرب .
ثالثها : إنّ قوله ( ما شأن حرب ) قد يكون فيه أشارة إلى اعتراض الرسول على الإمام علي ، وقوله له : كيف تحبّ حرباً يا أبا الحسن ؟ ألَمْ تعلم بأ نّه ابن أمّية ووالد أبي سفيان رأس الكفر والنفاق ، وأخُ أم جميل زوجة أبي لهب حمالة الحطب ، فهم أرادوا بهذا العمل الرفع بضِبع جدّهم ( حرب بن أمية ) والقول بأن الإمام علي بن أبي طالب كان يحبّ أن يتكنّى به ، في حين أنّ الواقف على نصوص الإمام يعرف سقم هذا الادعاء ، لأ نّه هو القائل لمعاوية ـ حفيد حرب ـ : (ليس أمية كهاشم ، ولا حرب كعبدالمطلب ، ولا أبو سفيان كأبي طالب ، ولا المهاجر كالطليق ، ولا الصريح كاللصيق ، ولا المحّق كالمبطل ، ولا المؤمن كالمُدغِل ،
________________________________________ الصفحة 143 ________________________________________
ولبئس الخلف خلفاً يتبع سلفاً هوى في نار جهنم)(1) ، وقد قال أبو طالب :
قديماً أبوهُمْ كانَ عبداً لجدّنا بني أَمَة شهلاءَ جاشَ بِها البحرُ
لقد سفهوا أحلامَهُم في محمَّد فكانُوا كجعر بئسَ ما ظفطت جعر(2)
رابعها : إنهم بهذه الأخبار ارادوا أن يُضيّعوا الكنية التي وضعها رسول الله عليه ، والتي كان يحبها الإمام علي ، وهي كنية ( أبي تراب ) ، ثم السعي لتحريف معناها الجميل إلى ما هو مشين ، حتى نسبوا إليه الفرقة الترابية(3) ، وقد طال بهم التطبيل بأن يرجعوا سبب ورود هذه الكنية عن رسول الله فيه لكونه أغضب السيّدة فاطمة الزهراء بأقدامه من الزواج من بنت أبي جهل ، وبذلك ليخرجوا الإمام من دائرة الإيمان وليجعلوه غير صالح للإمامة كما يقولون ، لقوله تعالى (يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوَاْ لاَ تَتَولَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) ، أو ليُساووه بفُلان وعلاّن من حيث اللياقة وعدم اللياقة للإمامة والخلافة .
قد يقال : كيف تقولون بهذا والخبر موجود في كتاب ( عيون اخبار الرضا )(4)و ( صحيفة الإمام الرضا(5) ) ؟
____________
1- نهج البلاغة : 374 ـ 375 ، من كتاب له(عليه السلام) إلى معاوية ، رقم 17 . وانظر شرح نهج البلاغة 15 : 117 ـ 120 .
2- شرح نهج البلاغة 15 : 234 ، سيرة ابن إسحاق 2 : 134 .
3- الأغاني 17 : 153 ، تاريخ الطبري 3 : 228 ، خزانة الأدب 4 : 290 ، اللباب في تهذيب الأنساب 1 : 210 ، وفي تهذيب الكمال 24 : 68 ان حوشب قال للحجاج عن قيس بن عباد : انه ترابي يلعن عثمان وفي الكافي 8 : 80 ح 36 ، عن سعيد بن يسار قال : سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول : الحمد لله صارت فرقة مرجئة وصارت فرقة حرورية وصارت فرقة قدرية وسميتم الترابية وشيعة علي ...
4- عيون اخبار الرضا 1 : 28 ح 5 .
5- صحيفة الرضا(عليه السلام) : 240 ح 146 .
________________________________________ الصفحة 144 ________________________________________
الجواب : إنَّ منهج المحدثين يختلف عن منهج الفقهاء والمتكلمين ، فالمحدثون يروون الأحاديث دون النظر إلى ما يعارضها ، ولاجل ذلك ترى بين مشايخ المحدث من يخالفه في المذهب ، والشيخ الصدوق لا يبتعد عن هذا المنهج ، فهناك مشايخ للصدوق من العامّة ، فقد تكون هذه الأخبار تسربت من المصادر السُّنية إلى الكتب الشيعية ، إذ إن أسماء بنت عميس لم تكن بالمدينة حتى تكون القابلة لفاطمة الزهراء ـ كما ورد في خبر عيون الأخبار ـ لأ نّها كانت مع زوجها جعفر بن أبي طالب بالحبشة ، وأن جعفراً لم يرجع إلى المدينة إلاّ بعد فتح خيبر في السنة السابعة من الهجرة ، وأن ولادة الإمام الحسن حسب غالب النصوص كانت في السنة الثالثة ، وولادة الحسين في السنة الرابعة للهجرة ، وهو كاف لتضعيف الخبر ، وهناك نصوص كثيرة نسبت ما يرتبط بسلامة وسلمى اُخْتَي أسماء ـ إلى أسماء بنت عميس ، لا أرى ضرورة للخوض فيها .
مضافاً إلى ذلك أنّ الخبر مرويٌّ في المعجم الكبير(1) عن سودة بنت مسرح ، وهو الذي فيه : سميته جعفراً ، وهو الأقرب إلى الصواب ، لأ نّه(عليه السلام) أراد أن يسمّي ابنه الاول باسم أخيه جعفر شهيد مُؤْتة ، والحسين باسم عمّه حمزة شهيد أُحُد .
أهل البيت وقريش
ستقف بعد قليل على دور قريش بقبائلها وطوائفها في التنصّل عن أوامر رسول الله واتّباع سياسة خاصة بها ، مخالفين بذلك ما جاء به رسول الله في كثير من الأحيان ، وعملهم هذا هو الذي دعا الأمويين أن يزيدوا في التجرُّؤ على القيَم ويوسّعوا دائرة حرب الأسماء ، فسمّوا بئر زمزم بـ ( أم الخنافس ) أو ( أم الجعلان ) ، وأبدلوا اسم مدينة الرسول ( طيبة ) بـ ( الخبيثة ) ، وسمّوا الإمام محمّد بن علي الباقر
____________
1- المعجم الكبير 24 : 311 ح 786 ، مجمع الزوائد 9 : 174 ـ 175 ، كنز العمال 13 : 280 ح 37655 ، رواه ابن منده ، وأبو نعيم (كر) ورجاله ثقات .
________________________________________ الصفحة 145 ________________________________________
للعلم بالبقرة ، وغيّروا كنية أبي تراب من معناها الحسن إلى المعنى السيّء ، واعتبروا الطواف ببيت عبدالملك بن مروان خيراً من الطواف باعواد ورمِّة خربة ، ويعنون بذلك قبرَ رسول الله(صلى الله عليه وآله) .
نعم ، كان هذا هو منهج قريش ـ وخصوصاً الأمويين منهم ـ في التعامل مع المقدّسات ومنها الأسماء المحترمة للمعصومين ، لكنّ أهل البيت رغم خلافهم المبدئي مع الخلفاء لم يكونوا يتجاوزون الحدود ، ولم يعيّروا الآخرين بكلمات خشنة إلاّ في المواطن التي يرون فيها ذلك ضرورياً ، فلا ترى الإمام الحسن(عليه السلام)يقول لأبي بكر ـ لما اعتلى منبر رسول الله ـ ما قالته هوازن وغيرها(1) لأبي بكر ، واكتفى بالقول : انزل عن منبر أبي(2) ، ومثله جاء عن الإمام الحسين مع عمر في أول خلافته(3) .
وهكذا الحال بالنسبة إلى علي بن الحسين ، فإنّه بعد واقعة الطف ـ وفي الشام بالتحديد ـ طلب من يزيد أن يصعد المنبر بقوله : يا يزيد ائذن لي حتّى أصعد هذه الأعواد ... فأبى يزيد ، فقال الناس : يا أمير المؤمنين ، ائذن له ليصعد فلعلّنا نسمع منه شيئاً .
فقال لهم : إن صعد المنبر هذا لم ينزل إلاّ بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان ، فقالوا : وما قدر ما يُحسن هذا ؟
فلم يزالوا به ، فأذِن له بالصعود ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :
أ يّها الناس ، أُعطينا سِتّاً وفُضّلنا بسبع ، أُعطينا العلم والحلم ... وفُضّلنا بأنّ منّا
____________
1- حيث وسموه بـ ( أبي الفصيل ) و ( ذي الخلال ) كما سيأتي في صفحة 443 إلى 455 .
2- مناقب بن شهرآشوب 3 : 201 ، شرح النهج 6 : 43 ، تاريخ دمشق 30 : 148 ، الرياض النضرة 2 : 148 ، كنز العمال 5 : 246 ح 14084 ، ابن سعد .
3- أمالي الطوسي : 703 ح 7 ، مناقب الكوفي : 256 ح 722 ، معرفة الثقات 1 : 301 ح 310 ، تهذيب الكمال 6 : 404 ، تاريخ بغداد 1 : 141 ، أخبار المدينة 2 : 11 ، الاصابة 2 : 77 ، المطالب العالية 15 : 760 ، تاريخ الخلفاء : 143 ، قال : اسناده صحيح .
________________________________________ الصفحة 146 ________________________________________
النبيّ المختار محمّد ، ومنّا الصدّيق ، ومنّا الطيّار ، ومنا أسد الله وأسد الرسول ، ومنّا سيّدة نساء العالمين فاطمة البتول ، ومنّا سبطا هذه الأمّة وسيّدا شباب أهل الجنة ، فمَن عَرَفني فقد عرفني ، ومَن لم يعرفني أنبأتُه بحسبي ونسبي : أنا ابن مكّة ومنى ، أنا ابن زمزم والصفا ... أنا ابن من حُمِلَ على البراق في الهوا ، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، فسبحان من أسرى ، أنا ابن من بَلَغ به جبرئيل إلى سِدرة المنتهى ، أنا ابن مَن دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء ، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى ، أنا ابن محمّد المصطفى ...
انظر إلى نص الإمام ، فهو يشير إلى الإسراء والمعراج وما جاء فيه من حقائق ، ثم يعرّج(عليه السلام) على تحريفات القوم لأشياء كثيرة ، مؤكّداً بأنّ الصدّيق هو لقب لجده علي بن أبي طالب لا ما يقولونه بأنه لقب لأبي بكر ، وأنّ لقب أسد الله وأسد رسوله خاصّ بحمزة ، و إنّ لقب الطيّار مختص بجعفر ، وأنّ فاطمة هي سيدة نساء العالمين لا غيرها ، وأ نّه(عليه السلام) ابن رسول الله الذي أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وعُرِج به حتى بلغ سدرة المنتهى ، وهو(صلى الله عليه وآله) الذي صلّى بملائكة السماء .
فالإمام بكلماته هذه أراد التسامي عن الخلاف الشخصي ، مذكّراً بمقامهم ومنزلتهم من رسول الله ، لكنّ يزيد خاف أن يذكر الإمام السجاد فضائح يزيد ومعاو ية وآل أبي سفيان ، لتصوّره بأنّ الإمام سيستغِلّ المنبرَ بصعوده ، لأنّ المنبر آنذاك كان أعلى ميدان إعلامي للمسلمين ، فخاف أن يذكر الإمامُ أموراً لا يحبّ يزيد ذكَرها ، لكنّ الإمام كان أسمى من ذلك وأرفع ، فلم يذكر(عليه السلام) صريحاً مساوئ أبي سفيان ولا معاوية ولا هند ، ولا ميسون ، وما كان منهم من سوء شخصيّ ، ونزول حسبي أو نسبي .
وعليه ، فالتسمية باسم مّا أو عدمه شيء ، وذكر هذه الأمور شيءٌ آخر .
نحن لا نريد أن ننكر وجود اسم عمر وعثمان أو كنية أبي بكر بين ولد الإمام
________________________________________ الصفحة 147 ________________________________________
علي ، أو ولد الإمام الحسن ، أو ولد الإمام الحسين ـ و إن لم يثبت ذلك بدليل عن الأخير ـ أو الإمام علي بن الحسين ، لكننا ننكر أن يكون ذلك دالاًّ على المحبة .
موّكدين على أنّ التسمية بعثمان قد توقّفت بعد تسمية الإمام علي وأخيه عقيل ابنيهما بهذا الاسم ، فلا نرى اسم عثمان بعد ذلك في ولد جعفر بن أبي طالب ، أو في ولد عقيل ، وحتى في ولد علي في العصور اللاحقة ـ إلاّ ما ذكرنا ـ وبذلك فقد انقطع اسم عثمان في ولد الإمام علي من بعد الإمام الحسن بن علي(عليه السلام) إلى الإمام الحجة .
ومثل ذلك كان الأمر بالنسبة إلى التسمية بأبي بكر ، فقد توقف الطالبيون عن التسمية بأسمه بعد الإمام علي والإمام الحسن وعبدالله بن جعفر ، فلم يكن في الطالبيين من سمّي بأبي بكر ، إلاّ ابن واحد للإمام الحسن(1) ـ وقيل بأ نّه كان للإمام الحسين مثله وهو لم يثبت ـ وولد لعبدالله بن جعفر(2) .
مؤكدين بأ نّا لم نقف على من سمّي بأبي بكر في ولد الأئمّة المعصومين بعد الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام) أي من بعد سنة خمسين للهجرة إلى زمان ابن عنبة المتوفى 828 صاحب ( عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ) ، أي أنّ التسمية بأبي بكر وعثمان قد انقرضت أيضاً عند الأئمة التسع المعصومين الباقين .
وأيضاً انقرض هذان الاسمان عند غالب الطالبيّين ـ من بني عقيل وبني جعفر ـ فلم أقف في مشجّراتهم عليهما ، أي أنّ التسمية بـ ـ عثمان ، أبوبكر ـ وضعت لفترة قليلة وانتهت بانتهاء العهد الأموي، فلا نرى لها وجوداً في العصر العباسي .
أ مّا اسم عمر فقد بقي متداولاً لمدّة أطول ، لكنه هو الآخر انحسر وجوده بين ولد الأئمّة المعصومين من بعد الإمام زين العابدين .
____________
1- قال الموضح النسابة بأن أبو بكر هو كنية لعبدالله بن الحسن . وانا احتمل ذلك أيضاً في ولد الإمام علي ، وعبدالله بن جعفر .
2- قيل أ نّه كنية لمحمد بن جعفر بن أبي طالب وأ نّه ليس باسم .
________________________________________ الصفحة 148 ________________________________________
فلم يسمِّ الإمام الباقر ، ولا الإمام الصادق ، ولا الإمام الكاظم ، ولا الإمام الرضا ، ولا الإمام الجواد ولا الإمام الهادي ، ولا الإمام العسكري(عليه السلام) بأسماء الخلفاء الثلاثة . وذلك لاتّضاح أصول النهجين في عهد الصادِقَيْن(عليهما السلام) ثم من بعدهم ، غير منكرين وجود حالات استثنائية تدعوهم إلى التقية .
نعم ، قد تشاهدون التسمية بعمر ـ بالخصوص ـ في نسل علي(عليه السلام) من غير المعصومين ، وعند بعض الطالبيين من بني عقيل أو جعفر ، وغالب من تسمّى بعمر في تلك الأزمان كانوا إمّا من ولد عمر الأطرف ابن أمير المؤمنين ، أو من ولد عمر الأشرف ابن علي زين العابدين ، أو من ولد الإمام الحسن المجتبى ، أو من ولد زيد الشهيد ، فلا ترى ذلك في ولد الإمام الباقر ، أو عبدالله الباهر ، أو الحسين الأصغر ، أو علي الأصغر إلاّ نادراً .
وحتى أن المسمَّين باسم عمر في ولد الإمام الحسن ، أو زيد ، أو العمرين ـ الأطرف والأشرف ـ لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد ، وهذا العدد كاف للحد من تطرف المتشددين ، وأيضاً هو خير دليل على كذب مدّعيات ابن تيمية الذي يقول بأن الشيعة لا تسمّي بأسماء الثلاثة ، فإنّ هذه التسميات و إن كانت لا شيءَ إذا ما قورنت بالنسبة إلى عشرات الأسماء المتداولة الأخرى مثل : علي ، الحسن ، الحسين ، إبراهيم ، سليمان ، زيد ، يحيى ، فإنّها كافية للدلالة على وجود التسمية عندهم في القرون الأولى ، وان الحساسية مع الأسماء تنامت مع تنامي الظلم ضد الشيعة والمضادة مع نهج علي وآله ، ولو راجعت ( عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ) لابن عنبة المتوفى 828 هـ لوافقتنا فيما قلناه خصوصاً إلى ذلك الزمان . فإن أسماء المخالفين موجودة في نسل علي لكن ليس بالقدر الموجود عندهم من الأسماء الجميلة للأنبياء وأهل بيت رسول الله ، مؤكدين بأن تسميات الطالبين وفي العصور المتأخّرة ـ وبعد عصر الأئمّة ، وحتى في ولد غير الأئمّة ـ ليست بحجّة شرعيّة .
إذن نحن لا نريد أن نقول بأنّ التسمية بعمر وعثمان وعائشة لم تكن موجودة
________________________________________ الصفحة 149 ________________________________________
بتاتاً ، أو أنها جميعاً قد زُجّت ووضعت في كتب الرجال والأنساب والتاريخ من قبل الآخرين أمويين كانوا أم عباسيين ، لكنّ كلامنا هذا لا يمانع من القول بتحريفهم كنية بعض الأشخاص وجعلها اسماً لهم ، أو إبدالهم كلمة ( عمرو ) إلى ( عُمَر ) أو اطلاق كنية ( أبي حفص ) على مُطلق مَن اسمه عمر كما هو المشاهد في إحدى كُنّى عمر الأطرف(1) .
فأبو بكر انقلب من كونه كنية لابن الإمام علي من ليلى النهشلية إلى اسم .
وكذا بالنسبة لابن الإمام الحسن المجتبى ، قال الموضح النسابة : وعبدالله بن الحسن هو أبوبكر(2) .
فالأمو يون غيّروا هذه الكنية وجعلوها اسماً له ، وقد فات ذلك على بعض النسّابة الشيعة ، فنقلوا تلك الأقوال وحكوها على أنّها أسماء لا كُنّى.
وعليه فالتسمية بتلك الأسماء لا تضرّ بفكرنا وعقيدتنا كما يتصوّره الخصم ، فلا نرى ضيراً من الإيمان بوجودها والتسمية بها ، فإنّ أئمّتنا أمرونا بالصلاة خلف العامة(3) حفاظاً على الصف الإسلامي ، فكيف يمنعوننا من التسمية باسم عمر وأبي بكر وعثمان التي هي أقلُّ شأناً بأضعاف مضاعفة من الصلاة ، التي إن قبلت قبل ما سواها و إن رُدّتُ ردّ ما سواها .
على أنّ هناك أمراً آخر ، وهو أ نّه ليس هناك ولا دليل واحد على أنّ هذه
____________
1- في المجدي : 197 قال الموضح : وعمر المكنى ابا القاسم وقال ابن خداع : بل يكنى ابا حفص .
2- المجدي : 198 ، وفي عمدة الطالب : 68 قال الموضح النسابة : عبدالله هو أبوبكر .
3- الكافي 3 : 380 ح 6 وفيه عن أبي عبدالله(عليه السلام) ، قال : من صلى معهم في الصف الأول كان كمّن صلى خلف رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، قال البحراني في الحدائق الناظرة 11 : 71 رواه الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) ، ورواه الصدوق بسنده عن حماد بن عثمان عنه(عليه السلام) في من لا يحضره الفقيه 1 : 382 ح 1125 ، والشيخ الطوسي بسنده عن إسحاق بن عمار عنه(عليه السلام) في التهذيب 3 : 277 ح 129 ، إلاّ أن فيه : فإن المصلي معهم في الصف الأول كالشاهر سيفه في سبيل الله .
________________________________________ الصفحة 150 ________________________________________
التسميات قد وضعت من قبل الأئمّة ، فقد تكون الأمهات وضعن تلك الأسماء لكونها من أسماء آبائهنّ أو أجدادهنّ أو غيرهم من أقربائهنّ ، والأئمّة قبلوا بها .
وقد يكُنَّ سمّينَ أبناءهنّ بلحاظ اللغة وحسن معناها اللغوي ، وسكت الأئمّة .
وقد يَكُنَّ سمّين بتلك الأسماء دون لحاظ خصوص أسماء الظالمين وسكت عنها الأئمّة(عليهم السلام) ، وليس هناك ولا نصّ واحد يثبت أنّ تلك الأسماء كانت ملحوظاً فيها أسماء الخلفاء وأتباعهم بما هم هم وسكت عليها الأئمّة(عليهم السلام) .
ولو فرضنا ذلك جَدَلا فالقبول بها ممكن إخماداً للفتنة ، أو لعدم توسيع رقعة الخلاف ، أو قل احتراماً لعائلة زوجته الموالية للخلفاء.
وعليه فالتسمية بنظرهم (عليهم السلام) ليست من المسائل التعبدية التوقيفية التي لا يجوز الزيادة والنقصان فيها ـ بالطبع في غير المعصومين ـ بل هي من الأمور الجائزة التي يمكن تجاوزها ، وخصوصاً لو لوحظ في الأمر مصلحة أهمّ كما نحن فيه .
فقبول الإمام بتسمية ابنه بعمر أو أبي بكر أو عثمان أو عائشة دليل واضح على أنّ الأئمّة(عليهم السلام) فوق الميول والاتّجاهات من حيث إنّ الأهم عندهم هو اللّبّ دون القشور ، و إنّ الخلاف لا يدعوهم إلى محاربة الأسماء بما هي أسماء ، فالمعصوم يعنيه عمل الأشخاص لا أسماؤهم ـ كما كانت تفعله بنو أمية مع مخالفيهم ـ وقتلهم لكل من تسمّى بعلي ، وخصوصاً المكنّى بأبي الحسن منهم . أي أن الأئمّة أثبتوا حسن نياتهم ، ولكنّ الآخرين قتلوا المؤمنين على الهوية .
وعليه فما يدّعونه على المعصوم في وضع الأسماء يجب إثباته بنص وإلاّ فستبقى الدعاوي دعاوي بلا أدلّة .
نعم ، إنّ الناس أحرار في التسميات شريطةَ أن لا يكون ما يسمّون به اسماً قبيحاً ينافي المفاهيم الدينية ، فالناس لا يجب عليهم أن يلحظوا حين التسمية من
________________________________________ الصفحة 151 ________________________________________
تسمّى به إلاّ أن يصير ذلك الاسم رمزاً غالباً أو منحصراً(1) للشر والباطل ، إذ أنّ الرمز تارة يكون رمزاً للخير وأخرى رمزاً للشر ، فإذا كان رمزاً للخير والعمل الصالح فيستحبّ التسمية باسمه كمحمد وعلي والحسن والحسين ، أ مّا لو كان رمزاً ـ غالباً أو منحصراً ـ للشرّ والقتل والظلم والإبادة فلا يجوز التسمية باسمه .
وعليه فالتسمية بيزيد لغةً جائزة ، بشرط أن لا تكون حبّاً بيزيد بن معاوية ، أما لو سمّى ابنه ( يزيدَ ) إيماناً به وتخليداً لذكره وقبولاً بفعله في قتل الحسين وسبي المدينة واستباحته للأعراض وهدم الكعبة فهو منهيٌّ عنه شرعاً .
وكذا الحال بالنسبة إلى التسمية بأبي بكر وعمر وعثمان وعائشة ، فإن كان حبّاً لأعمالهم وأفعالهم ورضاهم بالهجوم على بيت الزهراء وغصب فدك فهو منهيٌّ عنه ، أ مّا لو سمّي بها لكونها أسماءً عربيّة فلا مانع من ذلك . إذن دواعي التسميات من الأمور القلبيّة والتي لا يطّلع عليها إلاّ علاّم الغيوب .
وبعد هذا العرض السريع نقول ـ وعلى نحو الاحتمال والتخمين والالزام ـ : إنّ هدف عمر بن الخطاب من تسمية ابن الإمام علي من الصهباء التغلبية ( بعمر ) هو محاولة محو صفحات الماضي من أذهان الناس وما جرى بينه وبين آل البيت(عليهم السلام) ، فهو نوع مداجاة أراد بها غَسل دَرَن هجومه على بيت الزهراء(2)و إسقاطه ولدها محسناً(3) ، فإنّه بهذه التسمية أراد محو هذه الأمور ، وفي الوقت نفسه جعل نفسه الرمز والأسطورة والقائد الضرورة ، لأنّ قبول الإمام علي تسمية ابنه باسم ( عمر ) يعني الخضوع والتسليم والقبول بالأمر الواقع .
بلى ، إنّ فكرة جعل عمر رمزاً كانت تخامر ابن الخطاب منذ عهد رسول الله ، ولنا شواهد عديدة عليه ، وإنّ عملية طلب تسمية ابن الإمام علي هي إحدى تلك
____________
1- الرمز الغالب كفرعون ، فإنه اسم لكل ملك من ملوك مصر ، لكنّه غلب على فرعون الظالم المعهود ، والرمز المنحصر كإبليس فإنه اسم يرمز للشيطان الرجيم حَصْراً .
2- كتاب سليم بن قيس : 149 ، الاختصاص : 185 .
3- الهداية الكبرى : 178 ، دلائل الإمامة : 134 ، الاحتجاج 1 : 109 .
________________________________________ الصفحة 152 ________________________________________
المفردات في هذا الإطار ; إذ ليس من المعتاد ـ لا في الجاهلية ولا في الإسلام ـ أن يطلب شخص من آخر أن يجعل أمر تسمية ابنه إليه إلاّ أن يكون هناك هدف مهمٌ يرجوه ؟ فما هو ذلك الهدف إذن ؟ هل هو التعتيم على صفحات الماضي ؟
أم للدلالة على الصداقة والمحبة بين الآل والصحابة ؟
بل كيف يصير رمزاً عند أنصاره وأعدائه معاً ، هل بهذه الطريقة ؟! أم ...
بل ماذا يعني أن يهب عمر بن الخطاب غلامه ( موركاً ) لهذا الطفل ؟ وهل أن الطفل الجديد بحاجة إلى مورك ، أم أن والده الإمام علي بحاجة إليه ؟ بل لماذا تخفى شخصية مورك في تاريخ الإسلام بعد هذا الطلب من قبل عمر ولا نراه حاضراً بجنب عمر ابن علي في مواقفه ، بل يُكتَفى عنه بالقول : ( اعتقه عمر بن علي ) ؟
بل لماذا لا نشاهد عمر بن علي موجوداً مع إخوانه: الحسن ، الحسين ، العباس ، محمّد بن الحنفية في واقعة الجمل وصفين والنهروان ؟ مع علمنا ـ حسب النصوص التاريخية ـ بأنّه كان أكبر من أبي الفضل العباس(عليه السلام) سنّاً . فلماذا كان أبو الفضل في تلك المعارك ولم يكن هو(1) .
ولا أدري هل إنّ هديّة عمر لِسَميِّه ـ أو بالأحرى والد سَميِّه : عليّ بن أبي طالب ـ أتت ضمن سياسة الترغيب والترهيب والجزرة والعصا ؟ أم إنّها كانت هدية بريئة ؟ وهل حقاً ان الإمام قبل هديته ؟
بل لماذا يتكرّر المشهد نفسه بين معاوية وعبدالله بن جعفر بن أبي طالب في تسمية ابنه بمعاوية ؟
ونحوه بين يزيد وبين معاوية بن عبدالله بن جعفر ، و إعطاءه مبلغاً على تسمية ولده بيزيد ؟
وهل إنّ معاو ية و يزيد اقتفيا أثر عمر بن الخطاب في التسميات ؟ أم إنّ الأمر
____________
1- لنا وقفه مع عمر الأطرف في صفحة 348 نبحث فيه عن هذه المسائل .
________________________________________ الصفحة 153 ________________________________________
جاء عفويّاً ؟ وهل الصلة القلبية بين الأشخاص توجد بالصلة المادية فقط أم يجب دمجها مع عوامل أخرى ؟
نعم ، ان الرمزية الدينية هي الملحوظة في الإسلام ، وقد مرّ عليك استحباب تسمية الطفل باسم محمّد وأحمد ، علماً بأنّ الرمزية الدينية تنحصر في اسم النبي وأهل بيته المعصومين ، وليس لكلّ أحد أن يجعل من اسمه ونفسه رمزاً للمسلمين ، والرمزية الدينية كانت عند النبيّ وأهل البيت مقرونة بالدعاء للمسمّى بالخير والبركة وحسن العاقبة ، لا بالهبات والهدايا على التسميات ، كما رايناه في التسمية بأمثال : اسم معاوية ويزيد .
ولو ألقيت نظرةً عابرة إلى ما قُرر يوم الشورى وجعل ابن عوف سيرة الشيخين أصلاً ثالثاً في التشريع الإسلامي بعد أن كان التشريع منحصراً بالكتاب العزيز والسنّة المطهرة ، لعلمت أنّ هناك اتجاهاً يريد جعل الشيخين رمزاً بجنب الله ورسوله ، وفي المقابل ترى صحابة آخرين لا يرتضون هذه الفكرة و يخالفونها ، جاعلين التشريع منحصراً في الكتاب والسنة ، فقال ابن عباس : أراهم سيهلكون أقول نهى عنها رسول الله ويقولون قال أبو بكر وعمر(1) ، أو قول الآخر : لا أترك سنة أبي القاسم لقول أحد(2)[و يعني به عمر].
ولا يخفى عليك بأنّ الرمزية ـ خيراً كانت أم شراً ـ تتنامى مع مرور الزمن ، فالقداسة الملحوظة اليوم للشيخين لم نكن نشاهدها على عهد الصحابة والتابعين أو تابعي التابعين ، وكذا الحال بالنسبة للظُّلامات التي واجهت أهل البيت فهي أخذَتْ تتّضح للناس شيئاً فشيئاً ، مع فارق أنّ رمزية الشيخين لأتباعهم تأطّرت
____________
1- المغني 3 : 125 ، الفروع 3 : 227 ، شرح العمدة 2 : 534 ، الفقيه والمتفقهة 1 : 377 ، مسند أحمد 1 : 337 ح 3121 ، الأحاديث المختارة 10 : 331 ح 357 ، وانظر مؤطا مالك 2 : 634 ح 1302 ، مسند الشافعي : 242 ، التمهيد لأبن عبدالبر 4 : 70 .
2- أنظر صحيح البخاري 2 : 567 ح 1488 ، مسند أحمد 1 : 135 ح 1139 ، الجمع بين الصحيحين 1 : 159 ح 122 .
________________________________________ الصفحة 154 ________________________________________
وتكوّنت بسرعة ; لأنّ الحكومات رَمَّزَتهما بالقوّة والتبليغ والترغيب والترهيب .
وأ مّا رمزية ظلامة أهل البيت وغصب الغاصبين فلم تترمّز إلاّ بعد جهد جهيد وبعد آلآف الضحايا والقرابين ، إذ لم يكن من السهل أن تثبت لعموم الناس ما فعله الشيخان وأتباعهما بأهل البيت إلاّ بمرور الأ يّام والليالي ، وهذا ما حدث بالفعل .
هذا و إنّ التسميات خاضعة لما يهدف إليه المُسَمِّي من وراء تسمية ابنه ، وقد اكدنا اكثر من مرة على أن التسمية من الأمور القلبية فلو وَضَعَ شخص اسم عمر على ابنه مثلاً بلحاظ تقنين وتأييد هجوم عمر على بيت الزهراء وغيرها من الأمور التي فعلها ضد أهل البيت فهو غير جائز ، أمّا لو وضعَهُ لجمالية اسم عمر وكونه معدولاً عن عامر ، ولاستلطافه هذه الكلمة دون أن يلحظ فيها شخصاً معيناً اساء إلى العترة بل ينظر إلى الاسم كآسم فقط فلا مانع من ذلك .
ولعلّ في حديث العيون خير شاهد على أنّ الملاك هو أفعال المسمّى لا نفس الاسم ، إذ اشترك اسم المظلوم أميرالمؤمنين ( علي ) مع أسماء ظالميه في حرف العين ، وهم : عتيق ، وعمر ، وعثمان ، وعبدالرحمان بن عوف ، وعائشة ، ومعاوية(1) ، وعبدالرحمان بن ملجم .
فعن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إذا ظلمت العيونَ العينَ ، كان قتل العين على يد الرابع من العيون ، فإذا كان ذلك استحقّ الخاذل له لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، فقيل له : يا رسول الله ما العين والعيون ؟ فقال : أ مّا العين فأخي عليّ بن أبي طالب ، وأمّا العيون فأعداؤه ، رابعهم قاتله ظلماً وعدواناً(2) .
وقد أخبر أميرالمؤمنين(عليه السلام) حذيفة ـ وهو من أصحاب سرّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ بالأمر على وجهه بعد أن لم يكن فهم مغزاه ولم يسأل عنه رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، قال
____________
1- لأنّ معاوية مأخوذ من عوى . انظر لسان العرب 15 : 108 ، تاج العروس 19 : 714 .
2- معاني الأخبار : 387 ح 22 .
________________________________________ الصفحة 155 ________________________________________
حذيفة بن اليمان لعليّ بعد الشورى وبيعة عثمان :
إنّي والله ما فهمت قولك ولا عرفت تأويله حتّى بلغت ليلتي أتذكر ما قلت لي بالحرة و إنّي مقيل : كيف أنت يا حذيفة إذا ظلمت العيونُ العينَ ، والنبيّ(صلى الله عليه وآله) بين أظهرنا ، ولم أعرف تأو يل كلامك إلاّ البارحة ، رأيت عتيقاً ثمّ عمر تقدما عليك وأوّل اسمهما عين ، فقال : يا حذيفة نسيت عبدالرحمان بن عوف حيث مال بها إلى عثمان ، وسيضمّ إليهم عمرو بن العاص مع معاوية(1) .
وفي رواية : ثمّ أخوهم عبدالرحمن بن ملجم(2) .
وفي رواية البرسي أ نّه(عليه السلام) كان يقول لابن عبّاس : كيف أنت يابن عم إذا ظلمت العيونُ العينَ ، فقال له : يا مولاي كلّمتني بهذا مراراً ولا أعلم معناه ، فقال(عليه السلام) : عينُ عتيق ، وعمر ، وعبدالرحمان بن عوف ، وعينُ عثمان ، وستضمّ إليها عينُ عائشة ، وعينُ معاوية ، وعينُ عمرو بن العاص ، وعينُ عبدالرحمان بن ملجم ، وعينُ عمر بن سعد(3) .
فهذه الأسماء كلّها تشترك بحرف العين ، لكنّ البون شاسع بين المظلوم والظالم ، فلا يمكن أن نمنع من التسمية بهذه الأسماءِ الظالم أصحابها لأ نّها مشتركة في حرف العين(4) . بل أفعالُ المسمَّين هي الملاك ، لذلك قال بعضهم :
____________
1- مناقب ابن شهر آشوب 2 : 103 .
2- الصراط المستقيم 3 : 12 .
3- مشارق أنوار اليقين : 123 ( في حقائق اسرار أمير المؤمنين ) .
4- من الطريف ان ننقل ما حكاه الجاحظ عن الاخرين كي تعلم بأن الشيعة لا تتعامل مع الأسماء والكنى وحتى الحروف كما تعامل الآخرون معها ، فالشيعة اعلى شاناً وأكرم منزلة مما حكاه الجاحظ عن رجل من رؤساء التجار : أ نّه لقى شيخاً شرساً سيء الاخلاق يكره الشيعة فقال له : ما الذي تكرهه من الشيعة ؟ فقال : ما اكره منهم إلاّ هذه الشين في أول اسمهم فاني لم اجدها قط إلاّ في كل شر وشوم وشيطان وشغب وشقاء وشنار وشرك وشَوك وشكوى وشهوة وشتم وشُح ، قال أبو عثمان [الجاحظ] : فما ثبت لشيعي بعدها قائمة !!! (العقد الفريد 2 : 251 قولهم في الشيعة) .
________________________________________ الصفحة 156 ________________________________________
بأنّ في هذه العيون الظالمة إلماحاً إلى عين الحسد وعين التجسّس ، وفي عين عليّ المظلوم إلماحاً إلى أ نّه عين الله ، وعينُ الرجال ، وعين الحقيقة ، كما يقال : فلانٌ عينُ قومه ، أي خيارهم وسيّدهم ، والذين لا نظير له فيهم ، و يقال : فلان عين من عيون الله ، أي خاصّة من خواصّ أوليائه .
وعليه فما يدّعيه القوم ـ من أنّ وضع الإمام عليّ لهذه الأسماء كان للمحبة ـ هو مما يجب أثباته ، ودونه خرط القتاد ، بل إنّ في ترك أئمّة أهل البيت لهذه الأسماء في العصور اللاحقة لها دلالة على عدم محبوبيّتها عندهم ، لكنّهم لا يثيرون الحساسيّة مع الأسماء ، و يتركونها للّبيب العاقل الذي يشخّص مدى رمزيّتها في كلّ عصر من العصور وآن من الآونة .
فالتسمية بمجرّدها لا تضرّنا وليس فيها ما يدلّ على حقّانيّة الثلاثة أو عدالتهم ، وكذا لا تنفي عنهم ما عملوه مع آل البيت ، فذاك شيء وهذا شيء آخر .
وكذلك تسمية أعداء أهل البيت أبناءهم باسم محمّد ، علي ، حسن ، حسين ، فاطمة ، جعفر ، .... الخ ، لا يدلّ على محبّتهم لأهل البيت وعدالتهم ووثاقتهم وحسبك جعفر المتوكّل العباسي الناصبي ، وعلي بن الجهم الخارجي ، وصدام حسين المجرم ، وعلي حسن المجيد القومي ، وغيرها من الأسماء المقدّسة التي تسمّى بها النواصب والأراذل .
نحن لو أردنا أن ندرس ظاهرة التسمية بأسماء الثلاثة طبقاً للاحتمالات والادعاءات فهناك العشرات من هذه الاحتمالات يمكن افتراضها في هكذا أمر ، وباعتقادي أنّه لا يمكن البتّ والقطع بقصد الإمام علي إلاّ بنص منه(عليه السلام) ، ولا نصّ في المقام ، بل الشواهد والقرائن والأدلّة التاريخية لا تدل إلاّ على العداء المستحكم بينهما وتخالف النهجين .1 ـ معاوية بن أبي سفيان ، أبو عبد الرحمن (41 ـ 60 هـ)2 ـ يزيد بن معاوية ، أبو خالد (60 ـ 64 هـ)3 ـ معاوية بن يزيد ، أبو عبد الرحمن و قيل : أبو يزيد ، وقيل : أبو ليلى ( حَكَمَ ثلاثة أشهر ، وقيل : أربعين يوماً بعد أبيه ) .4 ـ مروان بن الحكم ، أبوعبدالملك ، وقيل : أبوالقاسم وقيل أبوالحكم المدني ( 64 ـ 65 هـ ) .5 ـ عبدالملك بن مروان ، أبو الوليد ( 65 ـ 86 هـ ) .6 ـ الوليد بن عبدالملك ، أبو العباس ( 86 ـ 96 هـ ) .7 ـ سليمان بن عبدالملك ، أبو العباس ( 96 ـ 99 هـ ) .8 ـ عمر بن عبدالعزيز ، أبو حفص ( 99 ـ 101 هـ ) .9 ـ يزيد بن عبدالملك ، أبو خالد ( 101 ـ 105 هـ ) .10 ـ هشام بن عبدالملك ، أبو الوليد ( 105 ـ 125 هـ ) .11 ـ الوليد بن يزيد ، أبو العباس ( 125 ـ 126 هـ ) .12 ـ يزيد ـ الناقص ـ أبو خالد ( ستة أشهر ) .13 ـ ابراهيم بن الوليد ، أبو اسحاق ( حَكَمَ سبعين ليلة ) .14 ـ مروان الحمار ، أبو عبدالملك ( 127 ـ 132 ) .1 ـ السفاح ، عبد الله بن محمّد ، أبو العباس ( 132 ـ 136 هـ ) .2 ـ المنصور ، عبد الله بن محمّد ، أبو جعفر ( 136 ـ 158 هـ ) .3 ـ المهدى ، محمّد بن المنصور ، أبو عبدالله ( 158 ـ 169 هـ ) .4 ـ الهادي ، موسى بن المهدي ، أبو محمّد ( 169 ـ 170 هـ ) .5 ـ الرشيد ، هارون بن المهدي ، أبو جعفر ( 170 ـ 193 هـ ) .6 ـ الامين ، محمّد بن هارون ، أبو عبدالله ( 193 ـ 198 هـ ) .7 ـ المأمون ، عبدالله بن هارون ، أبو العباس ( 198 ـ 218 هـ ) .8 ـ المعتصم ، محمّد بن الرشيد ، أبو اسحاق ( 218 ـ 227 هـ ) .9 ـ الواثق بن المعتصم ، أبو جعفر و قيل : أبو القاسم ( 227 ـ 232 هـ ) .10 ـ المتوكل ، جعفر بن المعتصم ، أبو الفضل ( 232 ـ 247 هـ ) .11 ـ المنتصر، محمّد بن المتوكّل، أبو جعفر ، وقيل أبو عبد الله ( 247 ـ 248 هـ ) .12 ـ المستعين ، أحمد بن المعتصم ، أبو العباس ( 248 ـ 252 هـ ) .13 ـ المعتز ، محمّد بن المتوكل ، أبو عبدالله ( 252 ـ 255 هـ ) .14 ـ المهتدي، محمّد بن الواثق، أبواسحاق ، وقيل : أبوعبدالله ( 255 ـ 256 هـ ) .15 ـ المعتمد ، أحمد بن المتوكل ، أبو العباس وقيل : أبوجعفر ( 256 ـ 279 هـ ) .16 ـ المعتضد ، أحمد بن طلحة ، أبوالعباس ( 279 ـ 289 هـ ) .17 ـ المكتفي ، علي بن المعتضد ، أبو محمّد ( 289 ـ 295 هـ ) .18 ـ المقتدر ، جعفر بن المعتضد ، أبو الفضل ( 295 ـ 320 هـ ) .19 ـ القاهر ، محمّد بن المعتضد ، أبو منصور ( 320 ـ 322 هـ ) .20 ـ الراضي ، محمّد بن المقتدر ، أبوالعباس ( 322 ـ 329 هـ ) .21 ـ المتقي ، ابراهيم بن المقتدر ، أبو اسحاق ( 329 ـ 333 هـ ) .22 ـ المستكفي ، عبدالله بن المكتفي ، أبوالقاسم ( 333 ـ 338 هـ ) .23 ـ المطيع ، الفضل بن المقتدر ، أبوالقاسم ( 338 ـ 363 هـ ) .24 ـ الطائع ، عبدالكريم بن المطيع ، أبوبكر ( 363 ـ 293 هـ ) .25 ـ القادر ، أحمد بن اسحاق ، أبوالعباس ( 293 ـ 422 هـ ) .26 ـ القائم ، عبدالله بن القادر ، أبوجعفر ( 422 ـ 467 هـ ) .27 ـ المقتدي ، عبدالله بن محمّد ، أبوالقاسم ( 467 ـ 487 هـ ) .28 ـ المستظهر ، أحمد بن المقتدي ، أبوالعباس ( 487 ـ 512 هـ ) .29 ـ المسترشد ، الفضل بن المستظهر ، أبومنصور ( 512 ـ 529 هـ ) .30 ـ الراشد ، منصور بن المسترشد ، أبوجعفر ( 529 ـ 530 هـ ) .31 ـ المقتفي ، محمّد بن المستظهر ، أبوعبدالله ( 530 ـ 555 هـ ) .32 ـ المستنجد ، يوسف بن المقتفي ، أبوالمظفر ( 555 ـ 566 هـ ) .33 ـ المستضيء ، الحسن بن المستنجد ، أبومحمّد ( 566 ـ 575 هـ ) .34 ـ الناصر ، أحمد بن المستضيء ، أبوالعباس ( 575 ـ 622 هـ ) .35 ـ الظاهر ، أحمد بن الناصر ، أبونصر ( 622 ـ 623 هـ ) .36 ـ المستنصر ، منصور بن الظاهر ، أبوجعفر ( 623 ـ 640 هـ ) .37 ـ المستعصم ، عبدالله بن المستنصر ، أبواحمد ( 640 ـ 656 هـ ) .1 ـ (وكان يعجبه أن يكنّى أبا حرب) أو (كنت رجلاً أحب الحرب) أو (كنت أحب أن أُكَنَّى بأبي حرب) .2 ـ تكرار الحادثة بعينها في أولاده الثلاث من فاطمة الزهراء : الحسن والحسين ومحسن ، مع وقوف الإمام على كراهة النبي تسمية حفيده بحرب ؟3 ـ قول رسول الله : ما شأن حرب ؟
التعلیقات