تسمية الأولاد في الإسلام ، لمن ؟
التسميات
منذ 13 سنةالتسميات بين التسامح العلويّ والتوظيف الأمويّ ص 55 ـ 90 (لـ السيّد علي الشهرستاني)
________________________________________ الصفحة 55 ________________________________________
المقدّمة الثانية
تسمية الأولاد في الإسلام ، لمن ؟
وأما الكلام عن المقدّمة الثانية فيأتي من خلال نقطتين :
أ ـ إنّها للآباء
جاء في الحديث النبويّ : إنّ من حقّ الولد على والده أن يحسن اسمه ، و يحسن مرضعه ، و يحسن أدبه(1) .
وجاء في حديث آخر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنّكم تُدْعَوْنَ يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أَسماءكم(2) .
ولا يخفى عليك بأنَّ كون التسمية من حقوق الأب لا يمانع القول بجواز تسمية الأمهات أو الأجداد لأولادهم وأحفادهم .
وقد مرّ عليك بأنّ عبدالمطلب جدّ الرسول الأكرم سمَّى حفيده النبي
____________
1- شعب الإيمان 6 : 401 ح 8667 ، وانظر معجم الشيوخ للصيداوي : 320 ، وفيه : ويحسن موضعه ، الجامع الصغير 1 : 579 ح 3746 ، التيسير بشرح الجامع الصغير 1 : 500 ، قال : (ويحسن موضعه) في نسخ بالواو وفي بعضها بالراء أي رضاعه .
2- سنن أبي داود : 4 : 287 ح 4948 ، سنن الدارمي 2 : 380 ح 2694 ، وتحفة المولود : 111 ، 148 ، قال : رواه أبو داود بإسناد حسن .
________________________________________ الصفحة 56 ________________________________________
محمّداً (صلى الله عليه وآله)(1) ، وعمّه أبو طالب أطلق عليه اسمه الآخر : أحمد .
وحدّد بعض المؤرّخين والفقهاء والمحدّثين صلاحية التسمية للأمّ والجدّ فيما لو كان الأب غائباً ، أو متوفّى ، وقد مثل لذلك تسمية أم مريم لابنتها في قولها ( إِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ )(2) ، أو تسمية فاطمة بنت أسد ابنها بحيدر(3) ، وقال : أما لو كان حاضراً وموجوداً فهو للأب خاصّة .
لكنّي لا أرى صحّة ذلك ، لأنّ المرأة الحرّة لها حقّ التسمية بعكس الأَمة ـ المغلوبة على أمرها ـ ففاطمة بنت أسد سمّته حيدراً مع وجود أبي طالب الذي أبدل اسمه ، ولأجل ذلك ترى الإمام يفتخر بما سمّته به(4) أمّه ، وهو دليل على احترامه لتسميتها وقبوله بها بعد استقرار اسم عليٍّ عليه من قبل أبيه .
و يؤ يّد ذلك حديث ولادة الحسن والحسين وسؤال عليّ لفاطمة : ما سمّيتيه ؟ فقالت : ما كنت لاسبقك باسمه ، ثمّ سأل النبيّ عليّاً عن اسمه ، فقال (عليه السلام) : ما كنت لاسبقك باسمه ، فقال النبيّ : ما كنت لأسبق باسمه ربّي(5) .
وهذه النصوص تشير من جهة أخرى إلى إمكان وجود اسمين لشخص واحد عند العرب . ويؤكّد ذلك ما جاء في الكامل في التاريخ : استخلف هشام بن عبدالملك ليالي بقين من شعبان ، وكان عمره يوم استخلف أربعاً وثلاثين سنة وأشهراً ، وكانت ولادته عام قتل مصعب بن الزبير سنة اثنين وسبعين ، فسمّاه عبدالملك منصوراً ، وسمّته أمّه باسم أبيها هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد
____________
1- الاشتقاق لابن دريد : 8 .
2- آل عمران : 36 ، انظر تفسير الرازي 8 : 24 .
3- عمدة الطالب : 58 ـ 59 .
4- وذلك في قوله(عليه السلام) :
أنا الذي سمتني أمّي حيدره ضرغامُ آجام وليثٌ قَسْوَرَه
5- انظر الامالي ، للصدوق : 197 .
________________________________________ الصفحة 57 ________________________________________
بن المغيرة المخزومي فلم ينكر عبدالملك ذلك ...(1) .
و يؤيّده أيضاً قول الإمام الحسين(عليه السلام) للحرّ : أنت الحرّ كما سمّتك أ مّك [حرّاً] أنت الحُر إنشاء الله في الدنيا والآخرة(2) .
وعليه يمكن أن تسمّي الحرّة ابنها بعكس الأَمة ، ومن هنا جاء سؤال عمر عن مولود عليّ وأ نّه من أي نسائه ؟ فقال (عليه السلام) : من التغلبيّة .
لأنّ المولود لو كان لحرّة لما أمكن لعمر بن الخطّاب أن يطلب من الإمام أن يهبه اسمه ; لأنّ ذلك هو تجاوز على العرف آنذاك .
ولعلّ إِخبارَ الإمام عليٍّ(عليه السلام) لعمر بولادة مولود له من أَمَتِهِ التغلبية جاء لاثبات عتق أَمته عنده و إنها صارت في عداد الأحرار بهذا الولد ، فلا يجوز بيعها ولا شراؤها ولا تقسيمها في الميراث ، إذ المولود لابدّ من تثبيت اسمه واسم أبيه وأ مّه في الديوان لأخذ العطاء ، ولمعرفة حال أمّه ، وهل أنّها صارت ضمن الأحرار فعلا أو تعليقاً أم لا ، فالإمام أراد أن يُعرِّف عمر هذه الحقيقة ، وقد يكون في هذا الأمر شيء أخر .
نعم ، كان من الأدب إذا طلب شخصٌ من شخص أن يسمّي ولده أن لا يردّه وأن يسمح له بذلك ، فروي أنّ عبدالله بن عباس ولد له مولود فقال له علي بن أبي طالب : ما سمَّيته ؟ قال : يا أميرالمؤمنين أَوَ يجوز لي أن أسمِّيه حتَّى تسمِّيَهُ ! فأمر به وأُخرج إليه فحنّكه ودعا له ، ثمّ رده إليه وقال : خذ إليك أبا الأملاك ، وقد سمّيته : عليّاً ، وكنيته : أبا الحسن(3) .
ومن هذا الباب أراد البعض أن يستفيد من تسمية عمر بن الخطّاب لابن الإمام علي بـ ( عمر ) على أ نّه كان للدلالة على الصداقة والمحبّة بينهما ، في حين
____________
1- الكامل في التاريخ 4 : 375 .
2- تاريخ الطبري 3 : 320 .
3- انظر شرح النهج 7 : 148 . وهناك نصوص اخر ترد عليك لاحقاً فانتظر .
________________________________________ الصفحة 58 ________________________________________
أنّ الاستشهاد بمثل هذا على المحبة يحتاج إلى دليل ـ كما في تصريح ابن عبّاس بأ نّه لا يسبق بتسميته عليّاً (عليه السلام) ـ وهو مفقود في نص ابن شبة الآنف ، بل العكس هو الصحيح .
لأنّ الإمام علي بن أبي طالب ـ في هذا النص ـ يعترف بحقّ التسمية للأب ، ولا يريد مزايدة ابن عباس عليه ، فيقول له : ما سمّيته ؟ وهنا يأتي دور ابن عباس المحبّ ليقول للإمام : ( أَوَ يجوز لي أن أسمِّيه حتّى تسمِّيه ) ؟!
وهذا النص يختلف تماماً عن نص ابن شبّة النميري ، والذي فيه طلب عمر من علي تسمية ولده ابتداءً ودون سابق سؤال ، بقوله : ( هب لي اسمه ، قلت : نعم ، فقال : قد سمّيته باسمي ونحلته غلامي موركاً )(1) .
إنّ سكوت الإمام ، وعدم مخالفته مع طلب عمر يرجع للظروف التي كان يعيشها آنذاك ، فهو(عليه السلام) أَخبر عُمَرَ عَرَضاً بما ولد له ، ولم يطلب منه التسمية ; إذ لا نراه يقول : أنا جئتك لتسمِّيه ، وأمثال ذلك ، بل إنّ قبوله بتسمية ابنه بـ ( عمر ) ليوحي بأ نَّه لم يكن للمحبة ; لأنّ دلالات المحبة غير ذلك .
فلو أُريد الاستدلال بنصّ ابن شبة على المحبّة ، فلابدّ من التأكيد على المؤشّرات الظاهرة والخفية فيه ، إذ النصّ يشير إلى غير ذلك ، لأنّ الإمام كان يريد أن يحكي ولادة مولود له من زوجته صهباء التغلبية المسبية من اليمامة أو عين التمر ، وليس فيه أكثر من هذا ، و إنّ استجابته بقوله : ( نعم ) ، لا يعني قبول الإمام بهذا الاسم وأ نّه كان عن رضى وطيب خاطر ، بل قد يكون مُحْرَجاً حينما سمع بطلب عمر أن يهبه تسمية الغلام ، كما هو ظاهر الخبر .
و إنّ قوله : ( نعم ) ، يختلف عن قوله : كيف لي أن أسمّيه وأنت فينا ، أو : أَوَ يجوز لي أن أسمّيه حتّى تسمِّيه ، ألم يكن على الإمام أن يقول كما قال ذلك الرجل
____________
1- تاريخ المدينة 1 : 400 .
________________________________________ الصفحة 59 ________________________________________
لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ; إذ حكى ابن كثير في تفسيره : ان رجلاً قال : يا رسول الله ولد لي الليلة ولد فما أُسمِّيه ؟
قال : سَمِّ ابنك عبدالرحمن(1) .
وممّا يمكن احتماله بهذا الصدد : أنّ الإمام(عليه السلام) جاء بخبر المولود إلى عمر بن الخطاب ـ كغيره من المسلمين ـ كي يفرض له العطاء ، إذ المسلمون كان لهم ديوان ، وهو بمثابة دائرة النفوس اليوم ، وكان يثبت فيه اسم من ولد منهم ، فقد يكون شأن الإمام ـ في هذا الموضوع ـ شأن سعد بن جنادة الذي جاء إلى الإمام عليّ أ يّام خلافته لكي يسجّل اسم ابنه في دائرة الأحوال المدنية ، المسمّى آنذاك بالديوان ، لكن بفارق أنّ سعد بن جنادة حين الإخبار طلب من الإمام أن يسمِّي ابنه ، بخلاف الإمام علي الذي لم يطلب التسمية من عمر بن الخطاب .
فقد جاء في الطبقات الكبرى أن سعد بن جنادة جاء إلى علي بن أبي طالب وهو بالكوفة فقال :
يا أمير المؤمنين ، إنّه ولد لي غلام فَسَمِّهِ .
قال : هذا عطية الله ، فَسُمِّيَ عطيّة ، وكانت أمّه أمّ ولد رومية .
وعن فضيل ، عن عطية ، قال : لمّا وُلِدْتُ أتى بي أبي عليّاً فأخبره ، ففرض لي مائة ، ثمّ أعطى أبي عطائي ، فاشترى أبي منها سمنا وعسلاً(2) .
تأمَّل في فقرات هذين النَّصَّين وقارنهما مع ما جاء في ( تاريخ المدينه ) من أنّ عمر بن الخطاب طلب بِسَماجَة من الإمام علي أن يسمِّي ولده باسمه ، لترى في هذين النصين هذه الجمل :
____________
1- تفسير ابن كثير 1 : 360 .
2- انظر الطبقات الكبرى لابن سعد 6 : 304 .
________________________________________ الصفحة 60 ________________________________________
وعليه فليس في نص ابن شبة أكثر من أن يكون الإمام قد أخبر عمر بحال سبيّة اليمامة وأنّ الله رزقه منها ولداً .
لكنّه لما رأى إرادة عمر أن ينحله اسمه ، لم يخالفه لكون اسم عمر اسماً عربياً رائجاً وان الإمام اسمى من ان يختلف على الاسماء .
وفي هذه القضية بَيَّنَ الإمامُ(عليه السلام) أمراً لشيعته ، وهو جواز التسمية بأسماء الأعداء لو مَرّوا بظروف قاسية ، أي أنه (عليه السلام) فعل مثل ما فعل النبي حين تزوج زوجة زيد بن حارثه ـ زينب بنت جحش ـ كي يبين عدم حرمة تزوج ابناء التبني والذي كان محرماً في الجاهلية .
فالنبي بزواجه من زينب أراد أن ينفي الحرمة المعهودة من هذا الزواج في الجاهلية ، والإمام(عليه السلام) بفعله هنا أراد بيان جواز التسمية باسماء الأعداء في ظروف خاصة تقية وتسهيلاً ، فلا يحقّ لشيعي بعد ذلك ; لو مرّ بظروف حرجة أن يمتنع من التسمية بأبي بكر وعمر وعثمان وأمثالها ، لأ نّه ليس بأولى من الإمام علي بن
________________________________________ الصفحة 61 ________________________________________
أبي طالب وأولاده المعصومين الذين سكتوا على تسمية أولادهم بأسماء الثلاثة .
على أنني لا أبعد أن يكون الإمام لحظ بعمله هذا الوقوفَ أمام حرب الأسماء الباردة التي شنت في عهده ثم استمرت من بعده وهي غالباً ما تتستر بالشيخين ، فالإمام وبإمضائه لاسم عمر على ولده اراد الوقوف أمام استغلال أرباب النهج المنحرف لهذه الأسماء في صراعهم مع الإمام علي ، والذي تبيّن جليّاً واضحاً من بعد في زمان معاو ية بن أبي سفيان .
إنّ مخالفة الإمام لطلب عمر ـ لو وقعت ـ تعني مخالفته مع أصل التسمية بهذا الاسم أو ذاك ، وهو ما لا يريده(عليه السلام) ، خصوصاً مع عدم وجود قبح ذاتي في أصل التسمية باسم عمر لغة .
إنّ المخالفة تعني خروجاً عن أصل الضوابط العرفية المرسومة في التسميات ، والدخول في حرج مع الأشخاص والأسماء ، وتشديد الأزمة بينه وبين النهج الحاكم ، والدخول في أمور جزئية هو في غنى عنها ، لأنّ عمر بن الخطاب كان يمكنه أن يقول للإمام علي ـ عند عدم ارتضائه التسمية ـ : هل القبح فيَّ ، أم في اسمي ؟ فإن كان القبح فيَّ ، فلماذا تخالف التسمية باسمي ؟ وما هو جرم مَن سُمّي بعمر قبلي وبعدي ؟
و إن كان الخلاف في معنى اسمي فادّعاؤك خلاف اللغة ، لأنّ معنى اسمي غير قبيح .
وعليه فالمخالفة من الإمام علي تكون انفعالية لا أصولية . والإمام علي ـ بل كل عظيم ـ لا يرتضي ذلك ، بل يرى نفسه جزءً من الكلّ ، و إن اهتماماته بالقيم ترجّح على الأنانية والشخصنة .
بعكس الضعيف الذي يرى نفسه الكل في الكل وان كل شيء يتجسم فيه وهو الكلّ في الكلّ ، فلا يرتضي النقد ، و يريد أن يحمد بما لم يفعله .
________________________________________ الصفحة 62 ________________________________________
فالإمام علي(عليه السلام) لم ينفعل حينما أصدر أوامره ضدّ قاتله ابن ملجم ، فقال للحسن(عليه السلام) : ضربة بضربة(1) ، ولم يجز الإمام علي للحسن(عليه السلام) التنكيل والتمثيل بقاتله ، ومثله كان حال غيره من أئمّة أهل البيت كالحسن والحسين مع مخالفيهم .
نعم الأئمة يخالفون هذه الأسماء لو صارت علماً للنهج غير الصحيح ، وأن مخالفتهم تأتي لمخالفة أولئك الناس للقيم واعتراضهم على الرسول لا لأسمائهم . وبذلك لا ترى اسقاطات النزاع القيمي بين علي وعمر يؤثر على الأسماء .
وعليه فالإمام لا يريد الخروج عن الضوابط العرفيّة بصرف النظر عن الشرعية ، لان عمر واسمه لم يعرفا بعد كشاخص بارز في المضادة مع رسول الله وأ نّه من المخالفين للسنة النبوية والناهين عن تدوين حديثه(صلى الله عليه وآله) والمعترضين على رسول الله في قضايا كثيره(2) ، بل المتأمل في مواقفه(عليه السلام) يرى جليّاً أنّه كان يسعى للتأكيد على التعايش السِّلمي الإسلامي ، ولزوم الوقوف أمام الفتن .
إنّ الاستدلال بنص ابن شبة على المحبّة يحتاج إلى دليل ، لأنّ الدعاوي لو لم توثّق لبقيت على عواهنها دعاوي بلا أدلّة .
نعم ، هناك نصّ يدل على لحاظ المحبة في خصوص تسمية ابن الإمام علي بعثمان ، لكنّا لم نقف على نص صريح مثله في سبب التسمية بأبي بكر أو عمر ، وهذا النص صدر عن الإمام في اواخر عهد عثمان بن عفان ، أي في وقت تحكم فيه بنو أمية .
فالإمام أراد أن لا يستغل الأمو يون هذه التسمية والقول بأن هناك محبة بين علي وعثمان بن عفان ، وهو الاخر يؤكّد بأنّ التسمية بأبي بكر وعمر لم توضعا من
____________
1- تاريخ الطبري 3 : 158 ، نهج البلاغة : 422 الرقم 47 من وصية له(عليه السلام) للحسن والحسين(عليهم السلام) .
2- انظر في ذلك كتابنا منع تدوين الحديث .
________________________________________ الصفحة 63 ________________________________________
باب المحبة و إلاّ لذكر الإمام السبب كما ذكره في سبب تسميته ابنه بعثمان . وبذلك يكون استغلال النص الصادر الدال على محبة عثمان بن مظعون وتعميمه على الآخرين باطل ، بل فيه تلميح و إشارة إلى شيء آخر .
وخصوصاً مجئ كلام الإمام علي في سبب التسمية بعثمان متأخّراً ـ أي بعد تسمية ابنيه بعمر وأبي بكر(1) ـ فقد يكون(عليه السلام) عنى بكلامه التعريض بمن يدَّعي بأ نّه سمى ابنيه الأوّلين احتراماً للشيخين ; لأ نّه هنا يقول ( إنّما سميته باسم أخي عثمان بن مظعون )(2) ، فكأ نّه (عليه السلام) قال : إنّي أريد أن أدفع بهذه التسمية ما يتصوّره بعض الناس بأني سمّيته حبّاً بعثمان بن عفان .
كما أ نّي لم أسمِّ ابنَيَّ الأولين حبّاً بالشيخين ، أي ان الإمام(عليه السلام) بذكره هذا التعليل عرَّض بالآخَرَيْنِ كنائياً .
وعليه ، فعلى المدّعي بأنَّ وضع اسمى أبي بكر وعمر كان للمحبّة أن يأتي بدليل صريح في ذلك ، مثلما جاء عن مسروق أ نّه قال :
دخلت عليها [أي على عائشة] فاستدعت غلاماً باسم عبدالرحمن ، فسألتها عنه : فقالت : عبدي ، فقلت : كيف سمّيته بعبدالرحمن ؟
قالت : حبّاً بعبدالرحمن بن ملجم قاتل علي(3) .
وما جاء عن عبدالملك بن مروان أ نّه سمّى ابنه بالحجّاج لحبّه للحجاج بن يوسف الثقفي ، وقال :
____________
1- نقول بذلك مسامحة ، وذلك لعدم اعتقادنا بوجود ولد للإمام اسمه أبوبكر فهو كنية لمن اسمه عبدالله أو محمّد الأصغر ، وقد وضّحنا ذلك قبل قليل وسنشرحه أكثر عند الكلام في (زوجات الإمام وأمهات أولاده) في ليلى النهشليّة .
2- مقاتل الطالبين : 55 ، تقريب المعارف : 294 .
3- الشافي في الإمامة 4 : 356 ، الجمل للمفيد : 84 .
________________________________________ الصفحة 64 ________________________________________
سمّيته الحجّاج بالحجاجِ الناصحِ المكاشفِ المداجي(1)
وهذان نصان صريحان بأنّ التسمية جاءت لحبّ فلان وفلان ، أ مّا فيما نحن فيه فهو مفقود ، إذ أنّ استجابة الإمام لطلب عمر لا تعني المحبة قطعاً ، فقد يكون تقية ، وقد تكون مجاملة ، وقد يكون لشيء آخر ، لأن الإمام لم يصرّح بما في نفسه ولا يحق لنا أن نُقَوِّلَهُ ما لم يقله ، وليس لنا علم بمكنون نفسه ، ومثل ذلك موضوع التسمية أو التكنية بأبي بكر فلم يرد نص بوضعها من قبله(عليه السلام) ، بل كلّ ما رايناه هو ادعاء معاو ية ذلك على الإمام ، وتناقل المؤرخين ذلك في كتبهم .
ونحن لو أردنا حصر سبب التسمية على المحبة للزمنا القول بأن عثمان بن عفان سمى ابنه بـ ( عمرو ) حباً بأبي جهل ( عمرو بن هشام ) راس المشركين والكافرين ، كما أن عمر بن الخطاب سمى ابنه بعبدالله حباً برئيس المنافقين عبدالله بن اُبي بن سلول أو عبدالله بن أبي سرح الذي أمر رسول الله بقتله يوم دخل مكة ، وهذا ما لا يقبله الأخرون ، فنقول لهؤلاء : ـ كيف تلزمونا بما لا تلتزمو به أ يَّها المسلمون .
اجل إنّك لو القيت نظرة على الحقبة الأولى من تاريخ صدر الإسلام وقست اقوال الإمام علي ـ أو ما جاء عن أهل بيته(عليهم السلام) ـ مع المدعيات الفارغة من قبل نهج الخلفاء في التسميات لوقفت على التضاد بين الفكرين فجاء في تفسير على بن إبراهيم القمي عن هشام عن أبي عبدالله الصادق ـ والخبر طويل ـ قال : وقوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ) قال : هم الذين سموا أنفسهم بالصديق والفاروق وذي النورين ثم كُنّى عنهم فقال (انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) وهم الذين غاصبوا آل محمّد حقهم(2) .
____________
1- شرح نهج البلاغة 19 : 369 ، الوافي بالوفيات 11 : 243 الترجمة 3 .
2- تفسير علي بن إبراهيم القمي 1 : 140 .
________________________________________ الصفحة 65 ________________________________________
وفي الخرائج والجرائح : روي أن اعرابياً اتى أمير المؤمنين وهو في المسجد فقال : مظلوم .
قال : ادن مني ، فدنا حتى وضع يديه على ركبتيه ، فقال : ما ظلامتك ؟ فشكا ظلامته .
قال : يا اعرابي أنا اعظم ظلامة منك ظلمني المدر والوبر ولم يبق بيت من العرب إلاّ وقد دخلت مظلمتي عليهم وما زلت مظلوماً حتى قعدت مقعدي هذا ، ان عقيل بن أبي طالب يومه ليرمد فما يدعهم يذرونه(1) ، حتى يأتوني فإذر وما بعيني رمد .
ثم كتب له بظلامته ورحل ، فهاج الناس وقالوا قد طعن على الرجلين(2) ، فدخل عليه الحسن فقال : قد علمت ما شرب قلوب الناس من حب هذين ، فخرج فقال : الصلاة جامعة ...(3)
وفي تقريب المعارف عن فضيل بن الزبير عن فضيع عن أبي كديبة الأزدي قال : قام رجل إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) فسأله عن قول الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ ...) فيمن نزلت ؟
قال : ما تريد ؟ أتريد أن تغري بي الناس ؟! .
قال : لا يا أمير المؤمنين ، ولكني أُحبّ أن أعلم .
قال : اجلس ، فجلس ، فقال : اكتب عامراً ، اكتب معمراً ، اكتب عمراً ، اكتب عمّاراً ، اكتب معتمراً ، في أحد الخمسة نزلت !
قال سفيان : قلت لفضيل : أتراه عمراً ؟ قال : فمن هو غيره ؟!(4)
____________
1- أي يصبون في عينه الدواء .
2- أي أبي بكر وعمر .
3- بحار الأنوار 42 : 188 .
4- بحار الأنوار 30 : 379 ـ 380 عن تقريب المعارف : 243 .
________________________________________ الصفحة 66 ________________________________________
إذن التضاد بين الخطين واضح ومتجذر ولا يمكن اثبات دعوى المحبة بين علي وعمر وفق الحدس والتخمين ، فالتسمية أ مّا كانت خوفاً أو مداراة ، وقد لا يدخل في هذين السياقين لكون الأسماء توضع للعلمية ولا ينظر فيها الحب والبغض ، وقد تكون ناظرة إلى أشياء اخر .
ومن الطريف هنا أن أنقل ما حكاه ابن كثير في البداية والنهاية ، عن محمّد بن زيد العلوي ـ أمير طبرستان والديلم ـ أ نَّه تقدّم إليه يوماً خصمان ، اسم أحدهما معاو ية ، واسم الآخر عليّ ، فقال محمّد بن زيد : إن الحكم بينكما ظاهر ، فقال معاوية : أ يّها الأمير ، لا تغترنَّ بنا ، فإن أبي كان من كبار الشيعة ، وانّما سمّاني معاو ية مداراة لمن ببلدنا من أهل السنّة ، وهذا كان أبوه من كبار النواصب فسمّاه عليّاً تقاة لكم ، فتبسّم محمّد بن زيد ، وأحسن إليهما(1) .
وفي ذيل تاريخ بغداد لابن النجار : أ نّه ولد لبعض الكتاب ولد ، فسماه عليّاً وكناه أبا حفص ، فقال له بعضهم : لم كنيته بأبي حفص ؟
قال : اردت أن انغصه على الرافضة(2) .
انظر إلى هذين النصين فهما صريحان بوجود التناقض والتضاد بين اسم ( علي ) وكنية ( أبي حفص ) وأن كل واحد يدل على اتجاه معين ، فالشيعي يسمي معاوية مداراة لأهل السنة وفي المقابل أهل السنة كانوا يسمون في ولاية العلوي على طبرستان بعلي تقاة ، وكذا قد وقفت على جواب ذاك السني الانفعالي وانه اراد نغص الشيعة بتكنية ذلك الولد بأبي حفص ، كل ذلك يؤكد بوجود التناقض بين المسيرين قبل ابن تيمية .
نعم ، لو تنازع الأبوان في تسمية الولد ، فهي للاب خاصّة ، وهو بالخيار أن
____________
1- البداية والنهاية 11 : 83 حوادث سنة 287 هـ .
2- ذيل تاريخ بغداد 4 : 72 .
________________________________________ الصفحة 67 ________________________________________
يرضى بما سمّته الأم والجد أو يغيّر ذلك ، وعلى ذلك روايات كثيرة ، وسبحانه يقول ( ادْعُوهُمْ لاَِبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ )(1) .
( لأنّ الولد يتبع أ مّه في الحرية والرقّ ، ويتبع أباه في النسب والتسمية ، وقد زعم البعض أ نّهم يدعون بأمهاتهم ; لما جاء من حديث أمامة عن النبيّ(صلى الله عليه وآله)ـ والمروي في معجم الطبراني ـ في تلقين الميت(2) ، وقوله(صلى الله عليه وآله) : إذا مات أحدٌ من إخوانكم فسوّيتم التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل : يا فلان بن فلانة ، فإنه يسمعه ولا يجيب ، ثم يقول : يا فلان بن فلانة ، فإنّه يستوي قاعداً ثمّ يقول : يا فلان بن فلانة ، فإنّه يقول : أرشدنا يرحمك الله ...
وفيه : فقال رجل : يا رسول الله فإن لم يعرف أ مّه ؟ قال ينسبه إلى حواء : يا فلان بن حواء ... )(3) .
وهذا النص يعطي مكاناً للأمّهات و يبرهن على دورهنّ في المنظومة الإلهية ، فالتسمية و إن كانت حقّاً للأب ، لكن ذلك لا يمانع من أن تسمي الأمّهات أولادهن أيضاً ، خصوصاً لو كانت الأُمّ حرّة ويؤكد ذلك ما جاء في تاريخ الطبري : انّ عبدالملك سار إلى مصعب فقتله ، فلمّا قتله بلغه مولد هشام فسمّاه منصوراً يتفاءل بذلك ، وسمّته أمّه باسم ابيها هشام فلم ينكر ذلك عبدالملك(4) .
وفي ( الغارات ) للثقفي : ان ميثم التمار كان لامراة من بني أسد فاشتراه الإمام علي واعتقه ، وقد ساله عن اسمه ، فقال : سالم . فقال(عليه السلام) : ان رسول الله أخبرني ان اسمك الذي سماك به ابوك في العجم ميثم . قال : صدق الله ورسوله وصدقت يا أمير المؤمنين ، فهو والله أسمي .
____________
1- الأحزاب : 5 .
2- وهذا دليل على كذب من يدعي ان التلقين للميّت هو بدعة مثل الوهابية وغيرهم .
3- المعجم الكبير 8 : 249 .
4- تاريخ الطبري 4 : 111 .
________________________________________ الصفحة 68 ________________________________________
فقال(عليه السلام) : ارجع إلى اسمك ودعت سالماً ، فنحن نكنيك به ، فكناه ابا سالم(1) .
ب ـ التسمية للامّهات
جاء في مقاتل الطالبيين : أنّ فاطمة بنت أسد سمّت ولدها حيدرة ، فغير أبو طالب اسمه وسمّاه علياً(2) ، وقال ابن عنبة في عمدة الطالب عند ذكره عقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) مثل ذلك ، والنص هو :
واُمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبدمناف(رضي الله عنه) ، وكان قد ولد وأبوه غائب فسمّته فاطمة بنت أسد : حيدره ، لأن حيدرة من أسماء الأسد ، وقد ذكر ذلك في شعره يوم خيبر فقال(عليه السلام) : أنا الذي سمتني أمي حيدرة(3) .
وانّما غَيَّر أبو طالب اسمه لأ نّه كان قد ناجى ربّه في تسمية وليده ،
بقوله :
يا ربَّ هذا الغسقِ الدَّجِيِّ والقمرِ المنبلجِ المُضِيِّ
بَيِّن لنا من حكمك المقضيِّ ماذا ترى في إِسْمِ ذا الصبيِّ
فجاءه الجواب :
خُصصتما بالولدِ الزَّكيِّ والطاهرِ المنتجبِ الرضيِّ
فإِسْمُهُ من شامخ عَلِيِّ عَلِيٌّ اشتُقَّ من العَلِيِّ(4)
____________
1- شرح النهج 2 : 239 .
2- مقاتل الطالبيين : 14 ، خزانة الأدب 6 : 63 .
3- عمدة الطالب : 59 .
4- مناقب ابن شهرآشوب 2 : 23 ، ألقاب الرسول وعترته : 18 ، وانظر الفضائل لابن شاذان : 57 ، باختلاف يسير .
________________________________________ الصفحة 69 ________________________________________
وهذان البيتان يوحيان إلى أنّ اسم الإمام علي(عليه السلام) كان بإلهام من الله إلى أبي طالب ، وهو يشبه ما رآه عبدالمطلب في المنام وأنّ رجلا أمره أن يسمّى حفيده بمحمّد ، وانتظار الرسول أمر البارئ في تسمية الحسن والحسين(عليهما السلام) ، وهو يؤكد بأنّ هذه التسميات إلهية .
نعم ، إنّ اسم علي اسمٌ ذو مغزى عظيم وقد اشرنا سابقاً إلى بعض ملامحه ، فهو اسم شامل لعلوّه على أقرانه في العلم والأخلاق والجهاد ، وشامل لعلوّ داره في الجنّة ومحاذاته لمنازل الأنبياء ، وهو بالتالي اسم له اشتقّ من اسم البارئ ، الذي أ كّد بقول وفعل الرسول(صلى الله عليه وآله) ، فهو الذي علا حتّى كاد ينال السماء حين رفعه رسول الله(صلى الله عليه وآله) على كتفيه لكسر الاصنام .
ومن الّذين سمّتهم الأ مّهات هو مرحب اليهودي ; لأ نّه قال في رجزه :
أنا الذي سمتني أمي مرحبْ شاكي السلاح بطل مجرّبْ
إذا الليوث اقبلت تَلَهَّبْ وأحجمت عن صولة المغلَّبْ(1)
فأجابه الإمام علي :
أنا الذي سمتني أمي حيدرَه كليث غابات كريه المنظره(2)
و يروى :
أنا الذي سمتني أمّي حيدرة أضرب بالسيف رؤوس الكفرة
أكيلهم بالصاع كيل السندرة(3)
____________
1- إمتاع الاسماع 11 : 291 ، وفيه : شاكٌ سلاحي ، زاد المعاد 3 : 321 ، وانظر الخصال : 561 .
2- مصنف بن أبي شيبة 7 : 393 ، طبقات ابن سعد 2 : 112 ، وأمتاع الاسماع 11 : 291 ، وفيه : كليث غابات غليظ القسورة ، كما ورد تسميته حيدرة في مناقب ابن شهرآشوب 2 : 305 ، 319 ، بحار الأنوار 21 : 18 ، عن الديوان المنسوب إلى الإمام علي(عليه السلام) ، فتح الباري 7 : 478 ، و 13 : 370 ، الاستيعاب 2 : 787 ، الروض الأنف 4 : 80 ، فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 2 : 643 ، المجالسة وجواهر العلم : 156 ، مشارق الانوار : 184 .
3- امتاع الإسماع للمقريزي 11 : 291 ، الروض الأنف 4 : 80 .
________________________________________ الصفحة 70 ________________________________________
وممّن سمتهم الأمهات كذلك ، عمر بن عبدالعزيز ، وقيل : إنّ ذلك هو في : عمر بن الخطاب .
قال رجل لعمر بن عبدالعزيز : يا خليفة الله ، فقال : ويلك لقد تناولت تناولا بعيداً ، إنّ أمي سمتني عمر ، فلو دعوتني بهذا الاسم قَبِلتُ ، ثمّ كبرت فكنّيت أبا حفص ، فلو دعوتني به قبلت ، ثمّ وليتموني أموركم فسميتوني أمير المؤمنين فلو دعوتني بذاك كفاك(1) .
وقد مرّ عليك ما جاء عن الإمام الحسين(عليه السلام) أ نّه قال للحر بن يزيد الرياحي لمّا وضعوه بين يديه(عليه السلام) وبه رمق ، فجعل(عليه السلام) يمسح التراب عن وجهه ويقول : أنت الحر كما سمّتك أمك حراً ، أنت الحرّ في الدنيا والآخرة(2) .
وذكر أ نّه لما أدخل سعيد بن جبير على الحجاج بن يوسف الثقفي قال له الحجاج : أنت شقيّ ابن كسير ، قال : لا ، أمّي أعرف باسمي حيث سمتني بسعيد بن جبير(3) .
وسعيد بن جبير بقوله ( لا ، أمّي أعرف ) أراد أن يقول للحجّاج بأ نّه ابن حُرّة وليس له الحقّ في نبزه .
وعن أبي حصين ، قال : أتيت سعيد بن جبير بمكة فقلت : إنّ هذا الرجل قادم ـ يعني خالد بن عبدالله ـ ولا آمنه عليك فأطعني واخرج ، فقال : والله لقد فررت حتى استحييت من الله ، قلت : والله إنّي لاََراك كما سمّتك أمّك سعيداً ، فقدم خالد
____________
1- الأذكار النووية : 286 ، صبح الأعشى 5 : 418 ، مرقاة المفاتيح 10 : 22 وقد نسب الشيخ محمّد صالح المنجد في موقع الإسلام على الانترنت في الفتوى رقم 31900 ، تحت عنوان : لا يقال عن أحد إنّه خليفة الله ، نسبه إلى عمر بن الخطّاب .
2- تاريخ الطبري 3 : 320 ، الفتوح 5 : 102 والمتن منه ، اللهوف في قتلى الطفوف : 62 ، مقتل الحسين لأبي مخنف : 122 ، أعيان الشيعة 1 : 604 ، 4 : 614 .
3- تهذيب الكمال 10 : 374 ، روضة الواعظين : 290 ، اختصاص المفيد : 205 ، رجال الكشي 1 : 335 ، المحن : 233 ، أخبار المدينة 2 : 199 ، 283 ، أخبار القضاة 2 : 411 .
________________________________________ الصفحة 71 ________________________________________
مكّة فأرسل إليه فأخذه(1) .
وعن عمر بن محمّد ، قال : جاءت بيعة الوليد وسليمان ، [فدعا] هاشم بن إسماعيل ، وهو والي المدينة سعيدَ بن المسيب مع قومه من بني مخزوم إلى أن يبايع لهما ، فأبى أن يفعل ، فجلده والبسه ثياب شعر ، فقال : أين تريدون تذهبون بي ؟ قالوا : نقتلك ، فقال : أنا إِذاً لسعيد كما سمتني أمي(2) .
وفي مختصر تاريخ دمشق : عن المنجي بن سليم الكاتب ، قال : قلت لأبي محمّد الحسن بن جميع الغساني : أنت اسمك حسن ، والأغلب عليك سكن .
فقال : كانت أمّي ما يعيش لها ولد ، فلمّا ولدتني أمّي سمّاني أبي : حسن ، فرأت امرأة في المنام هاتفاً يقول لها : تقول لأمّ حسن : تسمّيه سكن ، حتّى يسكن(3) .
وقد ذكر أصحاب الأدب طرائف ونوادر وفي بعضها هجاء ، وكلّها تشير إلى أنّ التسميات لم تكن منحصرة في الآباء ، بل للأمهات دور في التسمية كذلك ، فمن تلك النوادر ما قاله أبو ذؤيب النميري والذي ذكره دعبل في شعراء اليمامة وأنشد له :
سمّتك أمك ديناراً وقد كذبت بل أنت في القوم فلس غير دينار(4)
وقال يحيى بن نوفل للعريان بن الهيثم وهو بالكوفة :
سمّتك أمّك عرياناً وقد صدقت عَرِيتَ من صالحِ الأخلاقِ والدينِ
____________
1- حلية الأولياء 4 : 275 ، تهذيب الكمال 10 : 367 ، سير أعلام النبلاء 4 : 327 ، صفة الصفوة 3 : 80 .
2- المعرفة والتاريخ 1 : 256 .
3- تاريخ دمشق 13 : 354 .
4- المؤتلف والمختلف للآمدي : 151 .
________________________________________ الصفحة 72 ________________________________________
زعمت أنّك عدل في إمارتكم وأنت أسرق من ذئب السراحين(1)
وقد هجا رجلٌ أبانَ بن الحميد اللاّحقي مولى الرقاشيين بقوله :
صَحَّفتْ أُمُّك إذ سَمَّـ ـتك في المهد أبانا
صَيَّرَتْ باء مكان التَّـ ـاء تصحيفاً عيانا(2)
وقال برصوما الزامر لأ مّه : و يحك ! ما وجدت لي إسماً تسمّيني به غير هذا ! قالت : لو علمت أ نّك تجالس الخلفاء والملوك سمّيتك : يزيد بن مزيد(3) .
الانتساب إلى الأمهات مدح أم ذم ؟
وهنا نكتة لابدّ من ذكرها ، و إن كان في النظر البدوي يراها القارئ خارجة عن الموضوع ، لكنها ترتبط بنحو وآخر بهذه الدراسة . وهي : إنّ النسبة إلى الأمّهات تارة تكون رفعة وشرفاً للشخص ، وأخرى استنقاصاً وذمّاً له .
وقد استخدمت هذه النسبة في كتب التاريخ والأنساب في أخبار المدح والذمّ معاً ، ومثال ذلك كثير في النصوص التاريخيّة .
فقد ذُمَّ معاو ية بانتسابه إلى أ مّه هند(4) ، كما ذم مروان بانتسابه إلى جدّته الزرقاء ، وكذلك زياد إلى سُمية ، لأنّ هنداً والزرقاء كانتا من ذوات
الرايات في الجاهليّة(5) ، أمّا سُمية فقد ادعى في ابنها رجلين أحدهم أبو
____________
1- أنساب الاشراف 9 : 71 .
2- أعيان الشيعة 5 : 371 ، وانظر محاضرات الأدباء 1 : 143 .
3- شرح نهج البلاغة 5 : 572 .
4- انظر شرح نهج البلاغة 1 : 336 والطرائف لابن طاووس : 501 .
5- مثالب العرب : 72 باب نكاح الجاهلية ، شرح النهج 1 : 336 ، الطرائف لابن طاووس : 501 ، أنساب الأشراف 6 : 257 ، الكامل في التاريخ 4 : 15 ، تاريخ دمشق 57 : 233 ، جمهرة أنساب العرب : 87 .
________________________________________ الصفحة 73 ________________________________________
سفيان(1) .
وفي المقابل هناك من نسب لأمّه لمزيد رفعة وشرف فيها ، فيقال لولد عليّ(عليه السلام) : أبناء فاطمة ، أو ولد فاطمة ، وللزبير : ابن صفية ، ولعمار : ابن سميّة ، ولعيسى : ابن مريم ، فإنّ فاطمة ابنة رسول الله ، وصفيّة عمّته ، وسمية اول شهيدة في الإسلام ، ومريم هي المصطفاة على نساء العالمين حسب تعبير القرآن الكريم .
والآن سؤال يطرح نفسه وهو : ما هو سبب اشتهار عمر بن الخطاب في كتب التاريخ والأنساب بابن حنتمة(2) أو الصهّاك ، هل انّ ذلك جاء مدحاً له أم ذمّاً وبغضاً له ، أمّ أن في تلك النصوص اشارة إلى حقيقة تاريخيّة ؟ فمن هي حنتمة ، ومن هي الصهاك(3) ، وما هو موقعهما في التاريخ الجاهلي وقبل الإسلام ؟
إنّ اشارتي إلى هذه النكتة لم يكن استنقاصاً لعمر كما يريد أن يصوره مخالفي ، وذلك لوروده في كلام من يريد مدحه أيضاً ، فعن أبي هريرة أ نّه قال : رحم الله ابن حنتمة لقد رأيته في عام الرمادة وانّه يحمل على ظهره جرابين وعكّة زيت في يده(4) .
نعم ، ورد ذلك في لسان من يريد ذمه أيضاً ، فعن عمرو بن العاص أ نّه قال : ان ابن حنتمة بعجت له الدنيا أمعاءها والقت إليه أفلاذ كبدها ـ إلى أن قال ـ : فمصّ منها مصّاً وقمص منها قمصاً ...(5) .
____________
1- فتح الباري 8 : 46 ، المجروحين 1 : 305 ت 358 ، لسان الميزان 2 : 493 ت 1971 .
2- أنساب الأشراف 5 : 17 ، 18 و 10 : 379 .
3- ولمزيد من الاطلاع راجع كتاب مثالب العرب لابن الكلبي :87 ، باب تسمية من تدين بسفاح الجاهلية .
4- طبقات ابن سعد 3 : 314 ، تاريخ دمشق 44 : 347 ، الكامل في التاريخ 2 : 455 .
5- تاريخ دمشق 44 : 378 ، غريب الحديث لابن قتيبة 2 : 370 ، الفائق 1 : 325 .
________________________________________ الصفحة 74 ________________________________________
وروي انّ عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص وكان على مصر : وجهت إليك محمّد بن مسلمة ليقاسمك مالك ... قال المدائني : فلمّا قاسم محمّد ابن مسلمة عمرو بن العاص ، قال [عمرو] : انّ زماناً عاملنا فيه ابن حنتمة هذه المعاملة لزمان سوء ، فقال محمّد : لولا زمان ابن حنتمة هذا الذي تكرهه أُ لْفِيتَ معتقلا عنزاً بفناء بيتك يسرّك غرزها ويسوءك كباؤها ، قال : أنشدك أن لا تخبر عمر(1) .
وفي ( المثل السائر ) لابن الاثير ( ان العرب كان يعير بعضها بعضاً بنسبته إلى أ مّه دون أبيه ، ألا ترى أنّ عمر بن الخطّاب(رضي الله عنه) كان يقال له : ابن حنتمة ، و إنّما كان يقول لذك(2) من يغض منه ، وأ مّا قول النبيّ للزبير بن صفية : بشر قاتل ابن صفية بالنار ، فانّ صفية كانت عمّة النبيّ ، و إنّما نسبه إليها رفعاً لقدره في قرب نسبه منه وأ نّه ابن عمّته ، وليس هذا كالأوّل في الغضِّ من عمر في نسبه إلى أمّه )(3) .
وعليه فكل ما قدمته كان لتوضيح الحقيقة ولفت الأنظار إلى قضية مجهولة في البحث ، وليس في كلامي تعريض بأحد .
بهذا فقد أعطينا صورة مصغّرة عن تسمية الأمّهات والانتساب إليهنّ ، ولهذا بحث طو يل نتركه لحينه .
كلّ هذه النصوص تؤكّد إمكان تسمية الأ مّهات أولادهنّ ولا مانع من ذلك ، خصوصاً لو كانت الأمّ حرّة ، وبه تعرف بأن التسمية و إن كانت حقّاً للآباء ، لكنّ الأمهات والأجداد وأصحاب المقام كانوا يضعون الأسماء في بعض الحالات كذلك ، ثمّ يأتي دور الآباء فكانوا إمّا أن يتركوا تلك التسميات أو يغيّرونها .
____________
1- فتوح البلدان : 221 ، الخراج وصناعة الكتابة : 339 .
2- هكذا في النص ويحتمل أن يكون (بذلك) .
3- المثل السائر لابن الاثير 2 : 303 .
________________________________________ الصفحة 75 ________________________________________
ج ـ انّها للوالدين معاً ، لأنّ العرب كانت تعدّد الأسماء
إنّ حمل الإنسان العربي اسمين أو أكثر قد يعود للوضع القبلي الذي كان يعيشه ، وقد قيل بأنّ الشخص كلّما عظم في عيون الناس كثرت أسماؤه وتوالت على الألسن صفاته ، ومن هذا المنطلق ذهبوا إلى أنّ لله تسعة وتسعين اسماً(1) ، وأنّ للرسول عشرة أسماء خمسة منها في القرآن وخمسة ليست في القرآن .
فأ مّا التي في القرآن : محمّد ، وأحمد ، وعبدالله ، ويس ، ون ، وأ مّا التي ليست في القرآن : فالفاتح ، والخاتم ، والكافي ، والمقفي ، والحاشر(2) وقيل بأكثر من ذلك .
و إنّ الأئمّة وأبناءهم وأتباعهم لا يخرجون من هذه القاعدة(3) ، فترى لفاطمة الزهراء تسعة اسماء ، ومن هذا المنطلق ترى لبعض ولد الأئمّة اسمين ، فمثلاً قيل بأنّ الاسم الآخر للسيّدة سكينة بنت الحسين هو آمنة بنت الحسين ، أو أن اسم السيدة رقية كان فاطمة كذلك ، وقد مر عليك بأن لميثم التمار اسمان .
وهذه الحالة كانت متعارفة عند العرب ، فلو راجعت تاريخ الإسلام للذهبي في ترجمة مالك بن أحمد بن علي ، أبي عبدالله البانياسيّ الأصل البغدادي ، لرأيته يصرّح بهذا الأمر ويقول : سمّاني أبي مالكاً وكنانّي بأبي عبدالله ، وسمّتني أمّي علياً وكنتّني أبا الحسن ، فأنا أُعرف بهما(4) .
نعم ، إنّ هذا كان وما زال متداولاً في بلداننا العربية كالعراق ولبنان والجزيرة ،
____________
1- الكافي 1:87 ح 2 ، 144 ح 2 ، صحيح البخاري 5:2354 ح 6047 ، و 6 : 2691 ح6957 .
2- الخصال 2 : 48 ، بحار الانوار 16 : 96 ح 31 ، تفسير مجمع البيان 8 : 255 .
3- قال الطبرسي في أعلام الورى 1 : 303 عن أميرالمؤمنين : وأسماؤه في كتب الله تعالى المنزلة كثيرة ، أوردها أصحابنا رضي الله عنهم في كتبهم .
4- تاريخ الإسلام 33 : 161 ، وفي البداية والنهاية 12 : 142 ان اسم الاب وكنيته غلب على تسمية الأم .
________________________________________ الصفحة 76 ________________________________________
فقد يكون وضع أحد هذين الاسمين كان من قبل الأب ، والآخر من قبل الأم ، أو الجدّ الأبيّ أو الأمّي ، وقد يكون وضع بعض تلك الأسماء آتياً من المحبة الزائدة ، وقد يكون من قبل الآخرين للتوصيف أو للتنقيص . وقد يكون اسماً يُلَعَّب به الطفل و يُرَقَّص فيبقى عليه بل يكون أعرَفُ به كما هو الحال في ( بَبَّه(1) ) .
هجا جريرٌ الأَخطلَ بقوله :
بكى دَوْبَلٌ لا يُرْقئُ الله دمعَهُ ألا إنّما يبكي من الذُّلِّ دَوْبَلُ
فقال الأخطل : ما لجرير لعنه الله ، والله ما سمتني أمي دوبلا إلاّ وأنا صبي صغير ، ثم ذهب ذلك عنّي لمّا كبرت(2) .
وحكي عن أبي خالد الكابلي أ نّه كان يخدم محمّد بن الحنفية دهراً وما كان يشك في أ نّه الإمام المفترض طاعته ، ثم سأله عمّن يجب طاعته فأخبره أ نّه الإمام السجاد ، فأقبل أبو خالد إلى الإمام السجاد(عليه السلام) فاستأذن عليه ، فلمّا دخل عليه قال له الإمام : مرحباً بك يا كنكر ، ما كنت لنا بزائر ، ما بدا لك فينا ؟
فخر أبو خالد ساجداً فقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى عرفت .
فقال له الإمام زين العابدين : وكيف عرفت إمامك يا أبا خالد ؟
قال : إنك دعوتني باسمي الذي سمّتني به أمّي التي ولدتني ، وكنت في عمياء من أمري ـ إلى أن قال ـ : ثمّ أذنت لي فجئت فدنوت منك فسمّيتني باسمي الذي سمتّني أمي ، فعلمت أنك الإمام الذي فرض الله طاعته عليَّ وعلى كل مسلم(3) .
____________
1- قال ابن الأعرابي : يقال للشاب الممتليء البدن نعمة وشباباً (بَبّة) ، وأنشد لامرأة ترقص ابنها : لأنكحَنَّ بَبَّه جارية خِدَبَّة ... وهو قول هند بنت أبي سفيان لأبنها عبدالله بن الحارث . تهذيب اللغة 15 : 425 ، سر صناعة الأعراب 2 : 412 .
2- الاغاني 12 : 238 ، وطبقات فحول الشعراء 2 : 481 .
3- اختيار معرفة الرجال 1 : 337 ، قاموس الرجال 10 : 430 ، بحار الأنوار 42 : 95 و 46 : 46 ، والخرائج والجرائح 1 : 261 ، ومدينة المعاجز 4 : 288 ، 403 .
________________________________________ الصفحة 77 ________________________________________
وهذه النصوص تؤكد عدم استبعاد أن يُسَمَّى الإنسان باسمين وخصوصاً في ذلك الزمن العصيب ، فقد يكون أحد الاسمين هو ما يشتهر به ، والآخر يبقى مخفياً عند المقرّبين ولا يعرفه إلاّ الأوصياء من ربّ العالمين ، فينادون به ذلك الشخص عند الضرورة أو لإثبات الحقّ وتقديم آية له .
عن أبان بن تغلب أ نّه قال : كنت عند أبي عبدالله(عليه السلام) إذ دخل عليه رجل من أهل اليمن ، فسلّم عليه فردّ عليه أبو عبدالله ، وقال له : مرحباً بك يا سعد !
فقال له الرجل : بهذا الاسم سمّتني أميّ ، وما أقلّ من يعرفني به(1) .
وفي ( الثاقب في المناقب ) : إن أمير المؤمنين خاطب الراهب في طريقه إلى صفين : شمعون ؟
قال الراهب : نعم شمعون ، هذا اسم سمّتني به أمّي ، ما اطّلع عليه أحد إلاّ الله ثم أنت ، فكيف عرفته(2) ؟!
وفي ترجمة محمّد بن الحسين المعروف بقطيط من تاريخ بغداد : ولمّا ولدت سمّيت قطيطاً على أسماء أهل البادية فكان اسمي إلى أن كبرت ، ثمّ إنّ بعض أهلي سمّاني محمّداً ، فاسمي الآن قطيط ولقبي محمّد وهو الغالب عليَّ(3) .
وقد أخبرني أحد ابناء عمومتي المسمّى بالسيّد مرتضى والشهير بالسيّد ناصر أ نّه سأل أحد كبار العائلة عن ظاهرة تفشي اسمين عند العرب ، فقال له ذلك الكبير : إنّ العربي يشتهر بأحد الاسمين ويخفي الثاني كثيراً ، ولهذا فوائد كثيرة عند العرب .
أحدها : إنّ الاسم المشهور غالباً ما يكون اسماً غير مقدّس في وسطنا نحن المتدينين ، فمثلاً اسمك المشهور عندنا هو السيّد ناصر ، في حين أنّ اسمك
____________
1- الخصال للصدوق : 489 ، وفي فرج المهموم للسيّد ابن طاووس : 98 سعيد .
2- الثاقب في المناقب لابي حمزة الطوسي : 259 ـ 260 .
3- تاريخ بغداد 2 : 253 ـ 254 ، اللباب في تهذيب الانساب 3 : 48 .
________________________________________ الصفحة 78 ________________________________________
الآخر والمثبت في دائرة الأحوال الشخصيّة هو السيّد مرتضى ، وكذا اسم أخيك فالمشهور عند العائلة وأصدقائه هو السيّد نوري ، في حين أنّ اسمه في الجنسية هو السيّد مصطفى .
فقد يكون والدك أو والدتك كانوا يخاطبونك بناصر ويخاطبون أخاك بنوري للمحافظة على الأسماء والصفات المقدّسة للمعصومين كالمصطفى الخاتم ، والمرتضى الوصي ، من تجاوز الأطفال وغيرهم .
نعم ، إنّ إخوتي كانوا يحملون اسمين ، فيقال مثلاً لشقيقي السيّد جواد : عطاء الله ، ولشقيقي الاخر السيّد زين العابدين : قوام الدين ، وكانوا يشتهرون في العراق بالسيّد قوام الدين والسيّد عطاء ، في حين أن اسميهما اليوم كما هو المثبت في دائرة الاحوال المدنيّة : السيّد زين العابدين والسيّد جواد ، فالاسمان الأوّلان هما ما اشتهرا بهما أيام الشباب ، أما اليوم فلا يعرفهما أحد بتلك الأسماء إلاّ الخواص .
فقد يكون الأبوان وراء التعدد في الأسماء ، وقد يكونا أرادا بذلك الحفاظ على اسميهما الحقيقيين والموجودين في الجنسية ، لأنّ الاسمين الموجودين في دائرة الاحوال المدنيّة يحملان اسمين لإمامين معصومين من أهل بيت الرسالة هما الإمام زين العابدين ، والإمام الجواد ، فللمحافظة على الاسمين المقدسين جاؤوا بالاسمين الرائجين .
وقد يعود سبب التعدد هو الاحترام للأب الذي سمّى الولد بأحد الاسمين ، أو الاحترام للجدّ الأمّي الذي سمَّى الاسم الآخر ، وقد يكون لأمر آخر .
وثانيها : إنّ العرب كانوا يخفون أحد الاسمين للأيام الحرجة التي كانوا يمرّون بها ، فمثلاً أنك تُعرف باسم ( ناصر ) و يعرف أخوك باسم ( نوري ) ، فلو رفع أحد أعدائك تقريراً ضدّك ، فالجهات المعنّية يسألون عن ناصر وليس لديهم ما يدل على أ نّه أنت ، لأ نّك المسمّى في دائرة الأحوال المدنيّة : مرتضى ، أي أ نّهم
________________________________________ الصفحة 79 ________________________________________
كانوا يخفون اسمك الحقيقيّ وراء اسمك الظاهر والمعروف به ، وأ نّهم كانوا يسمّونك كما يعرف اليوم بالاسم الحَرَكي ، لأنّ المجاهد غالباً ما يشتهر باسمه الحركي ، أ مّا اسمه الحقيقي فيبقى مجهولاً حتّى لا تعرفه الجهات الرسمية . وقيل بأنّ الكنى جاءت عند العرب من هذا الباب .
وعليه فوضع الأسماء لم تكن لعلّة واحدة ، فقد تكون للمحبة ، وقد تكون للخوف ، وقد تكون لوضع الأمهات ، أو الاباء ، أو الاجداد ، أو من كبار القوم أو ...
وبعد هذا نقول: إذا وقفت على اسم أبي بكر أو عمر أو عثمان بين أولاد الأئمّة المعصومين فقد يكون موضوعاً من قبل الأمّهات ، أو الجد الأمّي للعائلة، والإمام لم يعترض على ما سمّته الأمّهات أو الاجداد لأ نّه اسم عربي غير قبيح لغة، ولو أراد تغييره لأثار حساسية بينه وبين عائلة زوجته الذين سمّوا المولود ، بل لاستلزام ذلك تبديل معظم اسماء الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ، لان كثيراً من هؤلاء الصحابة والتابعين كانوا قد تعاونوا مع السلطة لغصب خلافة الإمام علي ، فإن تغير هذه الأسماء تدعو إلى تبديل اسماء الأقرباء والأصدقاء وكلّ من يَمُتُّ إليهم بصلة، وذلك غير معقول ، لأنّ كثيراً من الصحابة كان الإمام عليّ(عليه السلام)لا يرتضي سلوكهم، فلو أَلْغَى أسماءهم لأصبحت شحّة الأسماء معركة ذلك العصر .
وكذا وجود كثير من التابعين وتابعي التابعين على غير وفاق مع أئمّة أهل البيت ، والائمّة لو أرادوا حذف هذه الأسماء أو تلك لكانوا البادئين بشنّ الحرب على الآخرين ، في حين أنّهم اكتفوا بإعطاء الضابطة في التسميات من لزوم تحسين الأسماء ، وعدم التسمية بأسماء الأعداء ، وأنّ التسمية بمحمد وعلي يبقى الولد ، وما الدِّينُ إلاّ الحب والبغض ، إلى غيرها من العمومات ، وتركوا لكلٍّ ذوقه في اللغة والمجتمع .
________________________________________ الصفحة 80 ________________________________________
ومن المعلوم أنّ زوجات الأئمّة(عليهم السلام) ـ غير أمّهات المعصومين ـ كنّ من النساء العاديات ، وكان بينهنّ من سعين إلى قتل الإمام كما فعلته جعدة بالإمام الحسن ، وأم الفضل بالإمام الجواد ، وغيرهنّ بغيرهم ، فلا يستبعد أن تكون بعض هذه التسميات قد جاءت من قبل أولئك ، والإمام أقرها كما شاهدناه في إقرار الإمام علي في تسمية عمر بن الخطاب لابنه من الصهباء التغلبية .
فانّ وجود نساء كهؤلاء في بيوت الأئمّة ، ومرور الأئمّة بظروف عصيبة خاصة من قبل الحكّام والاتجاهات الفكرية الفاسدة ، كلّها جعلت قبول الأئمّة بهذه التسميات أمراً طبيعياً .
وانّي سأوضّح لاحقاً بانّ المكنّى بأبي بكر بن عليّ والمختلف في اسمه هل هو محمّد أم عبدالله قد يرجع سببه إلى انّ الإمام عليّاً(عليه السلام) سمّاه بمحمّد ، أ مّه بعبدالله، فهما اسمان لشخص واحد لا اثنان ، ولا اختلاف في البين(1) ، وقد وقع التسليم عليه في زيارة الناحية طبق ما سمّاه الإمام عليّ إن كان المقصود في السلام عليه في الزيارة هو ابن ليلى النهشلية لا المولود من أم ولد، كما ذهب إليه بعض المؤرخين .
ولا يخفى عليك بأن هذا الشخص ان اُريد ذكره في كتب التاريخ ـ والتي كتبت بريشة الحكّام ـ يأتون بأسمه طبق ما سمّته أمّه وأخواله أي : عبدالله لا ما اسماه الإمام علي .
وعليه فوضع الأسماء قد يكون تحاشيا من المشكلات ، وقد تكون طمعاً في النوال والحصول على المكاسب والامتيازات ، وقد تكون لأمور أخرى ، وبما أنّ الاحتمالين الأخيرين بعيدان عن الأئمّة فيبقى قبول الإمام بتلك الأسماء هو التحاشي من المشاكل ، وبهذا فحصر كل تلك الأمور في شيء واحد وهو المحبة بعيد ولا يقبله العقل والمنطق .
____________
1- انظر الصفحة 300 وصفحة 392 إلى 422 من هذا الكتاب .
________________________________________ الصفحة 81 ________________________________________
التسمية والمجتمع
من المعلوم أنّ الباحث الاجتماعيَّ لو أراد أن يدرس أيّ ظاهرة اجتماعية في أيّ مجتمع ، عليه أن يتعرّف أوّلاً على العقائد والأعراف والتقاليد السائدة في ذلك المجتمع ، لأنّ المجتمع البدويّ يختلف عن المجتمع المتمدّن ، ولكل واحد منهما عقائده وأعرافه وتقاليده الخاصة .
وكذا الحال بالنسبة إلى الأشخاص ، فلو أراد الإنسان أن يترجم شخصاً مّا فعليه التعرّف على أخلاقياته وعقائده والاعراف السائدة في مجتمعه ، حيث إنّ ثقافة الفرد تنشأ مع بيئته التي تربّى فيها .
فالمجتمع لو كان مهتمّاً بالحرب صار الشخص محبّاً للفَرَسِ ، والسيف ، والقوس ، والرمح ، والرجز و ...
أ مّا لو كانت البيئة مبتنية على الميوعة والشهوات فتراه يهتم بالخمر والنساء والغناء والمنادمة والسهر .
وبما أنّ المجتمع العربي قبل الإسلام كان يهتم بحياته المعيشية الخاصة ولا يهتم بالأُمّة بما أنّها أُمة ، فتراه يهتم في شعره بوصفِ ما حوله من النبات
والحيوان وأحداث الجو وأدوات الحرب ، و إذا تعدّى ذلك فإلى منفعة قبيلته
فقط .
وبما أنّ المجتمع الجاهليّ كان يحترم الأصنام ، رأيناهم يقدّسون اللاّت والعزّى و يسمّون أبنائهم بها ، بعكس الحنيفي المسلم الذي يقدّس الله ، فتراه يسمّي ابنه بأسماء تحمل معنى عبوديّة الله ، ويكفُر بالجبت والطاغوت .
وكذا الحال اليوم بالنسبة إلى المعجب بالثقافة الغربية ، تراه يسمّي أبناءَه
________________________________________ الصفحة 82 ________________________________________
بأسماء غربية أو معرَّبة منها ، وهكذا الحال بالنسبة إلى المتأثّرين بالثقافات الأخرى ، حيث إنّهم يسمّون أولادهم بأسماء لا يعرفون معناها ، ولو عرفوا ما تعني تلك الأسماء لما سَمَّوا بها ، لأنّ المتأثّر بالثقافة الغربية لا يعجبه الدّين
أ يّاً كان ـ إسلاماً أو مسيحية أو يهودية ـ فتراه يسمي بأسماء بعيدة عن إطاره الديني الذي يعيشـه في الشرق ، فيسمى : ( جوزيف ) و ( ديفيد ) و ( ايسو ) و ( ماري ) وأمثالها .
ولا يعلم بأن ( جوزيف ) هو يوسف ، و ( ديفيد ) هو داود ، و ( ايسو ) هو عيسى ، و ( ماري ) أو ( ماريا ) هي مريم العذراء ، أي أنّ الغربي يسمّي بأسماء دينية ولا عيب عنده ، لكنّ المتغرِّب أو الشرقيّ الجاهل يستنكف و يتعالى عن التسمية بأسماء الأنبياء .
وبذلك يكون الغربي بتسميته الأسماء المقصودة قد ربح ثقافته ، والشرقي بجهله قد خسر دينه وثقافته ; لأنّه تصوّر بأنّ هذه الأسماء تخالف الدين وتعطي صورة للثقافة الغربية والميوعة الجنسية وما شابه ذلك ، لكنّه لو عرف حقيقة هذه الأسماء وأ نّها ما هي إلاّ أسماءٌ للأنبياء والصالحين لما تبجَّح وتظاهر بالعلم والمعرفة والحضارة ، والعصيان على القيم والأصول ، ومن أجل هذا قيل : ( أَ عْرِفُكَ من حيث سمّاك أبوكَ ) ، أي من حيث سمّاك أبوك أعرفك أ نّك شخص متدين أو غربي ، تعبد الله أو تعبد الأصنام ؟
وعليه فدراسة الظواهر الاجتماعية تتوقّف على دراسة المجتمعات بما لها وعليها ، والمجتمع العربي الجاهلي لا يخرج عن هذه القاعدة ، والإسلام جاء ليصحّح ما كان عليه الجاهليون من أفكار باطلة ، واعتبار بعض ما يستحسنه العرب قبيحاً ، فذمّ العصبية ، ومقت الظلم والبغي ، وعاب السَّرَف والتبذير ، وكره التعاون على الإثم والعدوان .
________________________________________ الصفحة 83 ________________________________________
وعلى الجملة فقد جاءهم الإسلام بجديد في كلّ فروع الحياة .
وقد كان مما فعله الإسلام هو توحيد العرب وجمعهم على لغة واحدة ، بل قل على لهجة واحدة ، وهي لهجة قريش ، فأزال الشواذّ منها التي كانت تشين قرائح العرب ، كما هذّبها من الخشن الجافّ ، والحوشي الغريب ، كما أمدّهم بألفاظ ومعاني جديدة لم يعرفوها من قبل ، مثل معنى المؤمن ، والكافر ، والمنافق ، والفاسق ، والصلاة ، والصوم و ...
فالعرب عرفت المؤمن من الأمان ، والكفر من الغطاء والستر ، والنفاق من سرب الأرض ; و يسمى المنافق منافقاً لمشابهة عمله مع اليربوع الذي يخرج تراب الجحر ثم يسدّ به فم الآخر ; فشبّه به لأنّه يخرج من الإيمان من غير الوجه الذي دخل فيه .
والفسق بمعنى خروج الرطبة من قشرتها ، والصلاة بمعنى الدعاء ، والزكاة بمعنى النماء ، والصوم بمعنى الإمساك ، والحجّ بمعنى القصد ، وكانوا لا يعرفون غير هذه المعاني ، والإسلام أمدهم بمعاني ومفاهيم جديدة ، وهي المعروفة عند المسلمين اليوم .
وبفضل القرآن رفعت مكانة اللغة وصقلت المفاهيم وتذوّق العرب الحضارة وخرجوا من البداوة .
نعم ، إنّ الإسلام أهمل بعض الألفاظ لا لعدم إقراره بمعانيها ، بل لكونها غريبة وحشية أو خشنة جافة ، أو متنافرة الأصوات ، أو عديمة الظِّلال ، أو متعثّرة المعنى ، فهو ينظر إلى انسيابية الكلمة مع لحاظ معناها اللغوي ، فلا يرضى بالمعنى اللغوي مع وحشية الكلمة .
لكنّ المشركين والجاهليين من العرب كانوا يتعاملون مع الألفاظ والأسماء على أ نّها علائم للتمييز فقط ، كما أ نّهم كانوا يسعون للوقوف أمام المدّ الإسلامي
________________________________________ الصفحة 84 ________________________________________
الأصيل بنقائضهم الشعرية ، حتى قيل بأنّ شعر النقائض أخذ طابعه بعد هجرة الرسول من مكة إلى المدينة ، فصار الشعر إسلامياً وقيميّاً عند البعض ، بعد أن كان فخراً وهجاءً جاهلياً في سبيل السيادة القبلية والمطالب المادية ، في حين بقي البعض الآخر يشيد بأ يّام العرب والقيم الجاهلية بعد الإسلام .
فمدرسة المدينة دافعت عن فكر الرسول وتعاليمه العالية .
ومدرسة مكة وقفت مع المشركين تارة علناً وتارة خفية ونفاقاً ، وهذا ما يعرفه اللبيب العالم .
وانطلاقاً من الحركة التصحيحية التي قام بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) سعى إلى تغيير بعض الأسماء والكنى ، ودعا إلى تحسين الأسماء .
فعن الإمام الصادق(عليه السلام) ، عن أبيه(عليه السلام) : إن رسول الله كان يغيّر الأسماء القبيحة في الرجال والبلدان(1) .
وعن علي بن أبي طالب(عليه السلام) ، قال : قال رسول الله : إنّ أوّل ما يَنْحَلُ أحدُكُم ولده الاسم الحسن ، فليحسّن أحدكم اسم ولده(2) .
وعن أبي عبدالله الصادق(عليه السلام) ، قال : قال رسول الله : استحسنوا أسماءكم فإنّكم تُدْعَوْنَ بها يوم القيامة : قم يا فلان بن فلان إلى نورك ، وقم يا فلان بن فلان لا نُورَ لك(3) .
وروى الواقدي أنّ أبا ذرّ لمّا دخل على عثمان ، قال له [عثمان] : لا أنعم الله
____________
1- قرب الإسناد : 93 ح 310 ، وعنه في وسائل الشيعة 21 : 390 ح 6 ، وفيه عن جعفر عن آبائه(عليهم السلام) .
2- الجعفريات:189 وعنه في مستدرك وسائل الشيعة 15:127 ح 1 وأنظر الكافي 6:18 ح 3.
3- الكافي 6 : 19 ح 10 ، وعنه في وسائل الشيعة 21 : 389 ح 2 .
________________________________________ الصفحة 85 ________________________________________
بك عيناً يا جنيدب !
فقال أبو ذر : أنا جندب ، وسمّاني رسول الله(صلى الله عليه وآله) عبدالله ، فاخترت اسم رسول الله الذي سمّاني به على اسمي(1) .
وعن عبدالحميد بن جبير بن شيبة ، قال : جلست إلى سعيد بن المسيب فحدّثني أن جده ( حَزْناً ) قدم على النبي(صلى الله عليه وآله) ، فقال : ما اسمك ؟ قال : اسمي حزن ، قال(صلى الله عليه وآله) : بل أنت سهل ، قال : ما أنا بمغيّر اسماً سمّانيه أبي ، قال ابن المسيب : فما زالت فينا الحُزُونةُ بعد(2) .
وعن ريطة بنت مسلم ، عن أبيها : أ نّه شهد مع رسول الله حنيناً فقال(صلى الله عليه وآله) : ما اسمك ؟
قال : غراب .
قال(صلى الله عليه وآله) : اسمك مسلم(3) .
وفي الجرح والتعديل ـ ترجمة راشد بن عبدالله ـ : كان سادن ( شداخ ) صنم بني سليم ، وكان يُدْعَى غاوي بن ظالم ، قدم على النبي(صلى الله عليه وآله) فأسلم فقال له : ما اسمك ؟
قال : غاوي بن ظالم .
قال(صلى الله عليه وآله) : بل أنت راشد بن عبدالله(4) .
وقال ابن إسحاق : ارتجز المسلمون في الخندق برجل يقال له : جعيل ـ بضم الجيم ، أو جعالة ـ بن سراقة ، وكان رجلاً دميماً ، وكان يعمل في الخندق ، فغيّر رسول الله اسمه يومئذ فسماه عَمْراً ، فجعل المسلمون يرتجزون ويقول :
____________
1- تقريب المعارف : 270 ، الشافي في الإمامة 4 : 295 ، شرح نهج البلاغة 8 : 258 .
2- صحيح البخاري 5 : 2288 و 2289 رقم 5836 ورقم 5840 ، وانظر عمدة القارئ 16 : 290 .
3- المستدرك على الصحيحين 4 : 307 ح 7727 .
4- الجرح والتعديل 3 : 482 ت 2177 .
________________________________________ الصفحة 86 ________________________________________
سمّاه من بعد جعيل عَمْرا وكان للبائِس يوماً ظهرا
وجعل رسول الله(صلى الله عليه وآله) لا يقول شيئاً من ذلك ، إلاّ إذا قالوا : عمرا ، وإذا قالوا : ظهرا ، قال(صلى الله عليه وآله) : عمراً وظهراً ، ولا يقول باقي الشعر ، وكان جعيل بن سراقة
يعمل معهم ويقول مثل قولهم و يضحك إليهم ، فعلموا أ نّه لا يسوؤه ارتجازهم به(1) .
وعن زينب بنت أبي سلمة ، قالت : سُمِّيتُ برَّة ، فقال رسول الله : لا تزكُّوا أنفسكم ، الله أعلم بأهل البرّ منكم ، سمّوها زينب(2) .
وعن ابن عمر : إنّ بنتاً كانت لعمر يقال لها : عاصية ، فسماها رسول الله : جميلة . رواه مسلم(3) .
وفي التاريخ الكبير : راشد السلمي ، أبو أثيلة ، حجازيٌّ ، قال إبراهيم بن المنذر : حدّثنا خالي محمّد بن إبراهيم ، عن راشد بن حفص بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف : كان جدّي من قِبَلِ أ مّي يُدعى في الجاهلية ظالماً ،
فقال النبي(صلى الله عليه وآله) : اسمك راشد ، قال راشد بن حفص : سمّتني أمّي باسم
جدّها(4) .
وفي أسد الغابة : ولد أسعد بن سهل بن حنيف في حياة النبي قبل وفاته بعامين ، وأتى به أبوه النبيَّ(صلى الله عليه وآله) فحنّكه وسمّاه باسم جدّه لأُمّه : أسعد بن زرارة
____________
1- سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي 4 : 366 ، سيرة ابن كثير 3 : 183 ، المجازات النبويّة للرضي : 75 والنص منه .
2- انظر صحيح مسلم 3 : 1687 ح 2142 .
3- مشكاة المصابيح 3 : 1345 وانظر صحيح مسلم 3 : 1686 ـ 1687 ح 2139 .
4- التاريخ الكبير 3 : 291 ت 993 ، وتعجيل المنفعة 1 : 122 .
________________________________________ الصفحة 87 ________________________________________
وكناه بكنيته(1) .
بهذه الثقافة وهذه الأصول رسم الإسلام القواعد العامّة للتسمية ، و إنّ رسول الله قد غيّر اسم ابن أبي قحافة من ( عبدالكعبة ) إلى عبدالله ، كما غيّر اسم ابن عوف من ( عبدالحارث )(2) إلى عبدالرحمن ، واسم ( شعب الضلالة ) إلى شعب الهدى ، و ( بني الريبة ) إلى بني الرشدة ، و( بني معاوية ) إلى بني المرشدة ، وسمَّى يثرب : طيبة ، وزيد الخيل إلى زيد الخير(3) .
وغيّر اسم ابن أبي سلول المسمّى في الجاهلية بـ ( الحباب ) إلى عبدالله ، وقال : حباب اسم شيطان .
وسمّى الحصين بن سلاّم ـ الحبر عالم أهل الكتاب ـ بعبدالله .
والحكم بن سعيد بن العاص سماه عبدالله .
وعبدالحجر سماه عبدالله .
وجبار بن الحارث سماه عبدالجبار .
وعبد عمرو ويقال عبدالكعبة ـ أحد العشرة ـ سماه عبدالرحمن .
وعبد شرّ ـ من ذوي ظليم ـ سمّاه عبد خير .
وأبو الحكم بن هاني بن يزيد سمّاه أبا شريح بأكبر أولاده .
وسمّى حرباً مسلماً(4) .
وقال رسول الله : لا تسمّوا صبًّا ولا حرباً ولا مرّةً ولا خناساً ; فإنها من أسماء الشيطان(5) .
____________
1- أسد الغابة 1 : 72 ، الاصابة 1 : 181 ت 414 .
2- لأن الحارث من أسماء الشيطان .
3- شرح نهج البلاغة 19 : 366 ، وانظر فتح الباري 7 : 9 ، المعارف : 235 ، سنن أبي داود 4 : 289 ح 4956 ، طبقات ابن سعد 1 : 292 ، وفيه من بني الزنية إلى بني الرشدة ، وكذا في الاصابة وتاريخ دمشق وسنن أبي داود، مصنف عبدالرزاق 9 : 267 ح 17167 ، الكشاف 4 : 94 ، المعجم الكبير 10 : 202 ح 10464 .
4- سبل الهدى والرشاد 9 : 360 ـ 361 بتصرّف .
5- الجامع في الحديث 1 : 120 بتصرف .
________________________________________ الصفحة 88 ________________________________________
وقال : لا تسمين غلامك يساراً ولا رباحاً ولا نجيحاً ولا أفلح(1) .
وعن الصادق أ نّه قال : إنّ رسول الله دعا بصحيفة حين حضره الموت يريد أن ينهى عن أسماء يُتَسَمَّى بها ، فقبض ولم يسمِّها ، منها : الحكم وحكيم وخالد ومالك ، وذكر أ نّها ستة أو سبعة ممّا لا يجوز أن يتسمى بها(2) .
وعن أبي جعفر الباقر : إنّ أبغض الأسماء إلى الله عزّوجلّ حارث ومالك وخالد(3) .
وعن شريح بن هاني ، عن أبيه : أ نّه لمّا وفد إلى رسول الله مع قومه سمعهم يكنّونه بأبي الحكم ، فدعاه رسول الله فقال : إنّ الله هو الحَكَمُ و إليه الحُكْمُ ، فلِمَ تكنى أبا الحكم ؟
قال : إنّ قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين بحكمي .
فقال رسول الله : ما أحسن هذا ، فما لك من الولد ؟
قال : لي شريح ، ومسلم ، وعبدالله .
قال(صلى الله عليه وآله) : فمن أكبرهم ؟
قال قلت : شريح .
قال : فأنت أبو شريح ، رواه أبو داود والنسائي(4) .
____________
1- صحيح مسلم 3 : 1685 ح 2137 ، سنن أبي داود 4 : 290 ح 4958 ، المعجم الكبير 7 : 188 ح 6793 .
2- الكافي 6 : 20 ـ 21 ح14 ، التهذيب 7 : 439 ح 15 ، وعنهما في وسائل الشيعة 21 : 398 ح 1 وقد علّق المجلسي في مرآة العقول 21 : 36 على الخبر بقوله : ( لا يبعد أن يكون الثلاثة المتروكة أسماء الثلاثة الملعونة : عتيقاً وعمر وعثمان ، وترك ذكرهم تقية ) وقد يكون الإشارة إلى الشيخين فقط ، لان الإمام قال : أ نّها سته أو سبعة . فلا يعقل ان ينسى الإمام .
3- الكافي 6 : 21 ح 16 .
4- سنن أبي داود 4 : 289 ح 4955 ، سنن النسائي الكبرى 3 : 466 ح 5940 .
________________________________________ الصفحة 89 ________________________________________
وعليه ، فإنّ أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتحسين الأسماء ونهيه من التسمية بالأسماء القبيحة وتغييره لبعض الأسماء ، كلها تشير إلى أنّ المعاني ملحوظة في التسميات عند المسلمين وأ نّها لم تكن ارتجالية بحته ، وأنّ الإسلام لا ينظر إلى الاسم على أ نّه علامة فقط ، بل إنّ الاسم عنده مشتق من ( سما يسمو ) ، أي يلحظ فيه العلو والرفعة مع لحاظ العلمية ، أو من ( وسم يَسِمُ ) لكن يلحظ فيه العلامة الصالحة والسِّمة المعبِّرة عن الشخص بما لها من دلالة إيجابيّة ، ولذلك دعا الإسلام إلى تحسين التسمية .
وهو الآخر يشير إلى وجود الرابطة بين المعتقد والتسمية ، وقد مرّ عليك بأنّ ربّ العالمين أنكر على المشركين تسميتهم آلهتهم بالعزّى وأمثالها بقوله ( إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَان )(1) ، وهو ليؤكّد بأنّ الإسلام جاء ليهذّب اللغة ، ويربّي الإنسان على الأخلاق الفاضلة والكلمات الجميلة الحسنة ، وأن يبتعد عن التنابز بالألقاب ، والتسمية بالأسماء القبيحة ، كما أ نّه جاء ليغيّر المفاهيم الجاهلية إلى مفاهيم توحيدية .
فسعى إلى تغيير الأسماء الجاهلية كعبدالكعبة ، وعبدالعزّى ، وعبدالحارث ، إلى عبدالله ، وعبدالخالق ، وعبدالرحمن ، ففي كتاب ( المنتخب ) للطريحي ، ـ في خبر ـ في دخول نصراني من ملك الروم على رسول الله إلى أن قال : فقال(صلى الله عليه وآله) : ما اسمك ؟ فقلت : اسمي عبدالشمس ، فقال لي : بَدِّل اِسمَكَ فإنّي أُسمِّيك عبدالوهَّاب(2) .
فالتسمية إذن ترتبط بالمعتقد كما هي علامة كذلك ، وإنّ علماء الاجتماع والتاريخ واللغة يدرسون هذه الروابط في بحوثهم ، لأ نّهم لو أرادوا التعرّف على
____________
1- النجم : 23 .
2- مستدرك وسائل الشيعة 15 : 128 ح 7 ، بحار الانوار 45 : 189 ح 36 .
________________________________________ الصفحة 90 ________________________________________
قناعات مجتمع ما لابدّ لهم من دراسة عقائدهم وأعرافهم ، وقد لا يحصل لهم ذلك إلاّ من خلال وقوفهم على التسميات ، لأن الأسماء لها ارتباط بالمسمى و يلمح إلى الاتجاه الفكري للطرف الآخر وما يحمله من فكر وعقائد ، و إنّك اليوم ترى أوّل ما تقوم به الثورات هو تغيير وتبديل أسماء المراكز والساحات والمدن للدلالة على أنّ الوضع قد تغيّر في غالب معاييره .
رسول الله حينما غيّر اسم عاصية إلى جميلة ، أو العاص إلى عبدالله ، أراد أن لا يظن من يسمع باسم العاصي أنّ ذلك صفة له ، أو أ نّه إنّما سُمّي بذلك لمعصيته ربّه ، فحوّل ذلك إلى ما إذا دُعي به كان صدقا مثل عبدالله .
وأ مّا تحو يله ( برَّة ) إلى زينب ، فلأنَّ ذلك كان تزكية ومدحاً لها ، فحوّله إلى ما لا تزكية فيه بل فيه نوع من المدح والتفاؤل بالبِرِّ . وعلى هذا النحو سائر الأسماء التي غيّرها رسول الله .
فأولى الأسماء أن يتسمّى الإنسان بها أقربها إلى الصدق وأَحراها أن لا يُشْكَلَ على سامعها ، لأنّ الأسماء إنّما هي للدلالة والتعريف(1) .
وكذا الحال بالنسبة إلى الأسماء المنهيّ عنها مثل : حكم ، وحكيم ، وخالد ، ومالك ، وحارث ، فقد نهى(صلى الله عليه وآله) عنها لدلالة بعضها على الصفات الإلهية ، أو لكونها اسماً للشيطان ، ومن الثابت بأنّ التسمية بهذا اللحاظ منهيٌّ عنها ، أ مّا لو أريد من اسم مالك أ نّه مالك لأَرْبِهِ ، أو مالك لنفسه ، فلا نهي عنه ، و إنّا سنعود إلى توضيح هذا الأمر في الصفحات اللاّحقة إن اقتضى الأمر .
____________
1- شرح ابن بطال 17 : 433 .1 ـ التسمية حقّ مَن ؟1 ـ لمّا وُلِدْتُ أتى بي أبي علياً فأخبره ففرض لي في مائة .2 ـ ثمّ أعطى أبي عطائي .3 ـ فاشترى أبي منها [أي من المائة] سمناً وعسلاً .4 ـ طلب سعد من الإمام ، وهذا ما لا نلاحظه في نص ابن شبة . في حين الموجود في نص ( تاريخ المدينة ) لابن شبة :1 ـ أنّ الإمام عليّاً لم يأت بولده إلى عمر بن الخطاب بل أخبره عَرَضاً .2 ـ لم نقف على زيادة من الإمام عليّ لعطية على ما فرض له من حقّ كأحد المسلمين ، لكنّا وقفنا على هذه الزيادة عند عمر إذ قال : ( وهبته غلامي موركا ) .3 ـ طلب عمر من الإمام أن يسمّي ابنه ، بعكس سعد بن جناده الذي طلب من الإمام أن يسمّي ابنه .2 ـ أهمية التسمية في الإسلام
________________________________________ الصفحة 55 ________________________________________
المقدّمة الثانية
تسمية الأولاد في الإسلام ، لمن ؟
وأما الكلام عن المقدّمة الثانية فيأتي من خلال نقطتين :
أ ـ إنّها للآباء
جاء في الحديث النبويّ : إنّ من حقّ الولد على والده أن يحسن اسمه ، و يحسن مرضعه ، و يحسن أدبه(1) .
وجاء في حديث آخر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنّكم تُدْعَوْنَ يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أَسماءكم(2) .
ولا يخفى عليك بأنَّ كون التسمية من حقوق الأب لا يمانع القول بجواز تسمية الأمهات أو الأجداد لأولادهم وأحفادهم .
وقد مرّ عليك بأنّ عبدالمطلب جدّ الرسول الأكرم سمَّى حفيده النبي
____________
1- شعب الإيمان 6 : 401 ح 8667 ، وانظر معجم الشيوخ للصيداوي : 320 ، وفيه : ويحسن موضعه ، الجامع الصغير 1 : 579 ح 3746 ، التيسير بشرح الجامع الصغير 1 : 500 ، قال : (ويحسن موضعه) في نسخ بالواو وفي بعضها بالراء أي رضاعه .
2- سنن أبي داود : 4 : 287 ح 4948 ، سنن الدارمي 2 : 380 ح 2694 ، وتحفة المولود : 111 ، 148 ، قال : رواه أبو داود بإسناد حسن .
________________________________________ الصفحة 56 ________________________________________
محمّداً (صلى الله عليه وآله)(1) ، وعمّه أبو طالب أطلق عليه اسمه الآخر : أحمد .
وحدّد بعض المؤرّخين والفقهاء والمحدّثين صلاحية التسمية للأمّ والجدّ فيما لو كان الأب غائباً ، أو متوفّى ، وقد مثل لذلك تسمية أم مريم لابنتها في قولها ( إِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ )(2) ، أو تسمية فاطمة بنت أسد ابنها بحيدر(3) ، وقال : أما لو كان حاضراً وموجوداً فهو للأب خاصّة .
لكنّي لا أرى صحّة ذلك ، لأنّ المرأة الحرّة لها حقّ التسمية بعكس الأَمة ـ المغلوبة على أمرها ـ ففاطمة بنت أسد سمّته حيدراً مع وجود أبي طالب الذي أبدل اسمه ، ولأجل ذلك ترى الإمام يفتخر بما سمّته به(4) أمّه ، وهو دليل على احترامه لتسميتها وقبوله بها بعد استقرار اسم عليٍّ عليه من قبل أبيه .
و يؤ يّد ذلك حديث ولادة الحسن والحسين وسؤال عليّ لفاطمة : ما سمّيتيه ؟ فقالت : ما كنت لاسبقك باسمه ، ثمّ سأل النبيّ عليّاً عن اسمه ، فقال (عليه السلام) : ما كنت لاسبقك باسمه ، فقال النبيّ : ما كنت لأسبق باسمه ربّي(5) .
وهذه النصوص تشير من جهة أخرى إلى إمكان وجود اسمين لشخص واحد عند العرب . ويؤكّد ذلك ما جاء في الكامل في التاريخ : استخلف هشام بن عبدالملك ليالي بقين من شعبان ، وكان عمره يوم استخلف أربعاً وثلاثين سنة وأشهراً ، وكانت ولادته عام قتل مصعب بن الزبير سنة اثنين وسبعين ، فسمّاه عبدالملك منصوراً ، وسمّته أمّه باسم أبيها هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد
____________
1- الاشتقاق لابن دريد : 8 .
2- آل عمران : 36 ، انظر تفسير الرازي 8 : 24 .
3- عمدة الطالب : 58 ـ 59 .
4- وذلك في قوله(عليه السلام) :
أنا الذي سمتني أمّي حيدره ضرغامُ آجام وليثٌ قَسْوَرَه
5- انظر الامالي ، للصدوق : 197 .
________________________________________ الصفحة 57 ________________________________________
بن المغيرة المخزومي فلم ينكر عبدالملك ذلك ...(1) .
و يؤيّده أيضاً قول الإمام الحسين(عليه السلام) للحرّ : أنت الحرّ كما سمّتك أ مّك [حرّاً] أنت الحُر إنشاء الله في الدنيا والآخرة(2) .
وعليه يمكن أن تسمّي الحرّة ابنها بعكس الأَمة ، ومن هنا جاء سؤال عمر عن مولود عليّ وأ نّه من أي نسائه ؟ فقال (عليه السلام) : من التغلبيّة .
لأنّ المولود لو كان لحرّة لما أمكن لعمر بن الخطّاب أن يطلب من الإمام أن يهبه اسمه ; لأنّ ذلك هو تجاوز على العرف آنذاك .
ولعلّ إِخبارَ الإمام عليٍّ(عليه السلام) لعمر بولادة مولود له من أَمَتِهِ التغلبية جاء لاثبات عتق أَمته عنده و إنها صارت في عداد الأحرار بهذا الولد ، فلا يجوز بيعها ولا شراؤها ولا تقسيمها في الميراث ، إذ المولود لابدّ من تثبيت اسمه واسم أبيه وأ مّه في الديوان لأخذ العطاء ، ولمعرفة حال أمّه ، وهل أنّها صارت ضمن الأحرار فعلا أو تعليقاً أم لا ، فالإمام أراد أن يُعرِّف عمر هذه الحقيقة ، وقد يكون في هذا الأمر شيء أخر .
نعم ، كان من الأدب إذا طلب شخصٌ من شخص أن يسمّي ولده أن لا يردّه وأن يسمح له بذلك ، فروي أنّ عبدالله بن عباس ولد له مولود فقال له علي بن أبي طالب : ما سمَّيته ؟ قال : يا أميرالمؤمنين أَوَ يجوز لي أن أسمِّيه حتَّى تسمِّيَهُ ! فأمر به وأُخرج إليه فحنّكه ودعا له ، ثمّ رده إليه وقال : خذ إليك أبا الأملاك ، وقد سمّيته : عليّاً ، وكنيته : أبا الحسن(3) .
ومن هذا الباب أراد البعض أن يستفيد من تسمية عمر بن الخطّاب لابن الإمام علي بـ ( عمر ) على أ نّه كان للدلالة على الصداقة والمحبّة بينهما ، في حين
____________
1- الكامل في التاريخ 4 : 375 .
2- تاريخ الطبري 3 : 320 .
3- انظر شرح النهج 7 : 148 . وهناك نصوص اخر ترد عليك لاحقاً فانتظر .
________________________________________ الصفحة 58 ________________________________________
أنّ الاستشهاد بمثل هذا على المحبة يحتاج إلى دليل ـ كما في تصريح ابن عبّاس بأ نّه لا يسبق بتسميته عليّاً (عليه السلام) ـ وهو مفقود في نص ابن شبة الآنف ، بل العكس هو الصحيح .
لأنّ الإمام علي بن أبي طالب ـ في هذا النص ـ يعترف بحقّ التسمية للأب ، ولا يريد مزايدة ابن عباس عليه ، فيقول له : ما سمّيته ؟ وهنا يأتي دور ابن عباس المحبّ ليقول للإمام : ( أَوَ يجوز لي أن أسمِّيه حتّى تسمِّيه ) ؟!
وهذا النص يختلف تماماً عن نص ابن شبّة النميري ، والذي فيه طلب عمر من علي تسمية ولده ابتداءً ودون سابق سؤال ، بقوله : ( هب لي اسمه ، قلت : نعم ، فقال : قد سمّيته باسمي ونحلته غلامي موركاً )(1) .
إنّ سكوت الإمام ، وعدم مخالفته مع طلب عمر يرجع للظروف التي كان يعيشها آنذاك ، فهو(عليه السلام) أَخبر عُمَرَ عَرَضاً بما ولد له ، ولم يطلب منه التسمية ; إذ لا نراه يقول : أنا جئتك لتسمِّيه ، وأمثال ذلك ، بل إنّ قبوله بتسمية ابنه بـ ( عمر ) ليوحي بأ نَّه لم يكن للمحبة ; لأنّ دلالات المحبة غير ذلك .
فلو أُريد الاستدلال بنصّ ابن شبة على المحبّة ، فلابدّ من التأكيد على المؤشّرات الظاهرة والخفية فيه ، إذ النصّ يشير إلى غير ذلك ، لأنّ الإمام كان يريد أن يحكي ولادة مولود له من زوجته صهباء التغلبية المسبية من اليمامة أو عين التمر ، وليس فيه أكثر من هذا ، و إنّ استجابته بقوله : ( نعم ) ، لا يعني قبول الإمام بهذا الاسم وأ نّه كان عن رضى وطيب خاطر ، بل قد يكون مُحْرَجاً حينما سمع بطلب عمر أن يهبه تسمية الغلام ، كما هو ظاهر الخبر .
و إنّ قوله : ( نعم ) ، يختلف عن قوله : كيف لي أن أسمّيه وأنت فينا ، أو : أَوَ يجوز لي أن أسمّيه حتّى تسمِّيه ، ألم يكن على الإمام أن يقول كما قال ذلك الرجل
____________
1- تاريخ المدينة 1 : 400 .
________________________________________ الصفحة 59 ________________________________________
لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ; إذ حكى ابن كثير في تفسيره : ان رجلاً قال : يا رسول الله ولد لي الليلة ولد فما أُسمِّيه ؟
قال : سَمِّ ابنك عبدالرحمن(1) .
وممّا يمكن احتماله بهذا الصدد : أنّ الإمام(عليه السلام) جاء بخبر المولود إلى عمر بن الخطاب ـ كغيره من المسلمين ـ كي يفرض له العطاء ، إذ المسلمون كان لهم ديوان ، وهو بمثابة دائرة النفوس اليوم ، وكان يثبت فيه اسم من ولد منهم ، فقد يكون شأن الإمام ـ في هذا الموضوع ـ شأن سعد بن جنادة الذي جاء إلى الإمام عليّ أ يّام خلافته لكي يسجّل اسم ابنه في دائرة الأحوال المدنية ، المسمّى آنذاك بالديوان ، لكن بفارق أنّ سعد بن جنادة حين الإخبار طلب من الإمام أن يسمِّي ابنه ، بخلاف الإمام علي الذي لم يطلب التسمية من عمر بن الخطاب .
فقد جاء في الطبقات الكبرى أن سعد بن جنادة جاء إلى علي بن أبي طالب وهو بالكوفة فقال :
يا أمير المؤمنين ، إنّه ولد لي غلام فَسَمِّهِ .
قال : هذا عطية الله ، فَسُمِّيَ عطيّة ، وكانت أمّه أمّ ولد رومية .
وعن فضيل ، عن عطية ، قال : لمّا وُلِدْتُ أتى بي أبي عليّاً فأخبره ، ففرض لي مائة ، ثمّ أعطى أبي عطائي ، فاشترى أبي منها سمنا وعسلاً(2) .
تأمَّل في فقرات هذين النَّصَّين وقارنهما مع ما جاء في ( تاريخ المدينه ) من أنّ عمر بن الخطاب طلب بِسَماجَة من الإمام علي أن يسمِّي ولده باسمه ، لترى في هذين النصين هذه الجمل :
____________
1- تفسير ابن كثير 1 : 360 .
2- انظر الطبقات الكبرى لابن سعد 6 : 304 .
________________________________________ الصفحة 60 ________________________________________
وعليه فليس في نص ابن شبة أكثر من أن يكون الإمام قد أخبر عمر بحال سبيّة اليمامة وأنّ الله رزقه منها ولداً .
لكنّه لما رأى إرادة عمر أن ينحله اسمه ، لم يخالفه لكون اسم عمر اسماً عربياً رائجاً وان الإمام اسمى من ان يختلف على الاسماء .
وفي هذه القضية بَيَّنَ الإمامُ(عليه السلام) أمراً لشيعته ، وهو جواز التسمية بأسماء الأعداء لو مَرّوا بظروف قاسية ، أي أنه (عليه السلام) فعل مثل ما فعل النبي حين تزوج زوجة زيد بن حارثه ـ زينب بنت جحش ـ كي يبين عدم حرمة تزوج ابناء التبني والذي كان محرماً في الجاهلية .
فالنبي بزواجه من زينب أراد أن ينفي الحرمة المعهودة من هذا الزواج في الجاهلية ، والإمام(عليه السلام) بفعله هنا أراد بيان جواز التسمية باسماء الأعداء في ظروف خاصة تقية وتسهيلاً ، فلا يحقّ لشيعي بعد ذلك ; لو مرّ بظروف حرجة أن يمتنع من التسمية بأبي بكر وعمر وعثمان وأمثالها ، لأ نّه ليس بأولى من الإمام علي بن
________________________________________ الصفحة 61 ________________________________________
أبي طالب وأولاده المعصومين الذين سكتوا على تسمية أولادهم بأسماء الثلاثة .
على أنني لا أبعد أن يكون الإمام لحظ بعمله هذا الوقوفَ أمام حرب الأسماء الباردة التي شنت في عهده ثم استمرت من بعده وهي غالباً ما تتستر بالشيخين ، فالإمام وبإمضائه لاسم عمر على ولده اراد الوقوف أمام استغلال أرباب النهج المنحرف لهذه الأسماء في صراعهم مع الإمام علي ، والذي تبيّن جليّاً واضحاً من بعد في زمان معاو ية بن أبي سفيان .
إنّ مخالفة الإمام لطلب عمر ـ لو وقعت ـ تعني مخالفته مع أصل التسمية بهذا الاسم أو ذاك ، وهو ما لا يريده(عليه السلام) ، خصوصاً مع عدم وجود قبح ذاتي في أصل التسمية باسم عمر لغة .
إنّ المخالفة تعني خروجاً عن أصل الضوابط العرفية المرسومة في التسميات ، والدخول في حرج مع الأشخاص والأسماء ، وتشديد الأزمة بينه وبين النهج الحاكم ، والدخول في أمور جزئية هو في غنى عنها ، لأنّ عمر بن الخطاب كان يمكنه أن يقول للإمام علي ـ عند عدم ارتضائه التسمية ـ : هل القبح فيَّ ، أم في اسمي ؟ فإن كان القبح فيَّ ، فلماذا تخالف التسمية باسمي ؟ وما هو جرم مَن سُمّي بعمر قبلي وبعدي ؟
و إن كان الخلاف في معنى اسمي فادّعاؤك خلاف اللغة ، لأنّ معنى اسمي غير قبيح .
وعليه فالمخالفة من الإمام علي تكون انفعالية لا أصولية . والإمام علي ـ بل كل عظيم ـ لا يرتضي ذلك ، بل يرى نفسه جزءً من الكلّ ، و إن اهتماماته بالقيم ترجّح على الأنانية والشخصنة .
بعكس الضعيف الذي يرى نفسه الكل في الكل وان كل شيء يتجسم فيه وهو الكلّ في الكلّ ، فلا يرتضي النقد ، و يريد أن يحمد بما لم يفعله .
________________________________________ الصفحة 62 ________________________________________
فالإمام علي(عليه السلام) لم ينفعل حينما أصدر أوامره ضدّ قاتله ابن ملجم ، فقال للحسن(عليه السلام) : ضربة بضربة(1) ، ولم يجز الإمام علي للحسن(عليه السلام) التنكيل والتمثيل بقاتله ، ومثله كان حال غيره من أئمّة أهل البيت كالحسن والحسين مع مخالفيهم .
نعم الأئمة يخالفون هذه الأسماء لو صارت علماً للنهج غير الصحيح ، وأن مخالفتهم تأتي لمخالفة أولئك الناس للقيم واعتراضهم على الرسول لا لأسمائهم . وبذلك لا ترى اسقاطات النزاع القيمي بين علي وعمر يؤثر على الأسماء .
وعليه فالإمام لا يريد الخروج عن الضوابط العرفيّة بصرف النظر عن الشرعية ، لان عمر واسمه لم يعرفا بعد كشاخص بارز في المضادة مع رسول الله وأ نّه من المخالفين للسنة النبوية والناهين عن تدوين حديثه(صلى الله عليه وآله) والمعترضين على رسول الله في قضايا كثيره(2) ، بل المتأمل في مواقفه(عليه السلام) يرى جليّاً أنّه كان يسعى للتأكيد على التعايش السِّلمي الإسلامي ، ولزوم الوقوف أمام الفتن .
إنّ الاستدلال بنص ابن شبة على المحبّة يحتاج إلى دليل ، لأنّ الدعاوي لو لم توثّق لبقيت على عواهنها دعاوي بلا أدلّة .
نعم ، هناك نصّ يدل على لحاظ المحبة في خصوص تسمية ابن الإمام علي بعثمان ، لكنّا لم نقف على نص صريح مثله في سبب التسمية بأبي بكر أو عمر ، وهذا النص صدر عن الإمام في اواخر عهد عثمان بن عفان ، أي في وقت تحكم فيه بنو أمية .
فالإمام أراد أن لا يستغل الأمو يون هذه التسمية والقول بأن هناك محبة بين علي وعثمان بن عفان ، وهو الاخر يؤكّد بأنّ التسمية بأبي بكر وعمر لم توضعا من
____________
1- تاريخ الطبري 3 : 158 ، نهج البلاغة : 422 الرقم 47 من وصية له(عليه السلام) للحسن والحسين(عليهم السلام) .
2- انظر في ذلك كتابنا منع تدوين الحديث .
________________________________________ الصفحة 63 ________________________________________
باب المحبة و إلاّ لذكر الإمام السبب كما ذكره في سبب تسميته ابنه بعثمان . وبذلك يكون استغلال النص الصادر الدال على محبة عثمان بن مظعون وتعميمه على الآخرين باطل ، بل فيه تلميح و إشارة إلى شيء آخر .
وخصوصاً مجئ كلام الإمام علي في سبب التسمية بعثمان متأخّراً ـ أي بعد تسمية ابنيه بعمر وأبي بكر(1) ـ فقد يكون(عليه السلام) عنى بكلامه التعريض بمن يدَّعي بأ نّه سمى ابنيه الأوّلين احتراماً للشيخين ; لأ نّه هنا يقول ( إنّما سميته باسم أخي عثمان بن مظعون )(2) ، فكأ نّه (عليه السلام) قال : إنّي أريد أن أدفع بهذه التسمية ما يتصوّره بعض الناس بأني سمّيته حبّاً بعثمان بن عفان .
كما أ نّي لم أسمِّ ابنَيَّ الأولين حبّاً بالشيخين ، أي ان الإمام(عليه السلام) بذكره هذا التعليل عرَّض بالآخَرَيْنِ كنائياً .
وعليه ، فعلى المدّعي بأنَّ وضع اسمى أبي بكر وعمر كان للمحبّة أن يأتي بدليل صريح في ذلك ، مثلما جاء عن مسروق أ نّه قال :
دخلت عليها [أي على عائشة] فاستدعت غلاماً باسم عبدالرحمن ، فسألتها عنه : فقالت : عبدي ، فقلت : كيف سمّيته بعبدالرحمن ؟
قالت : حبّاً بعبدالرحمن بن ملجم قاتل علي(3) .
وما جاء عن عبدالملك بن مروان أ نّه سمّى ابنه بالحجّاج لحبّه للحجاج بن يوسف الثقفي ، وقال :
____________
1- نقول بذلك مسامحة ، وذلك لعدم اعتقادنا بوجود ولد للإمام اسمه أبوبكر فهو كنية لمن اسمه عبدالله أو محمّد الأصغر ، وقد وضّحنا ذلك قبل قليل وسنشرحه أكثر عند الكلام في (زوجات الإمام وأمهات أولاده) في ليلى النهشليّة .
2- مقاتل الطالبين : 55 ، تقريب المعارف : 294 .
3- الشافي في الإمامة 4 : 356 ، الجمل للمفيد : 84 .
________________________________________ الصفحة 64 ________________________________________
سمّيته الحجّاج بالحجاجِ الناصحِ المكاشفِ المداجي(1)
وهذان نصان صريحان بأنّ التسمية جاءت لحبّ فلان وفلان ، أ مّا فيما نحن فيه فهو مفقود ، إذ أنّ استجابة الإمام لطلب عمر لا تعني المحبة قطعاً ، فقد يكون تقية ، وقد تكون مجاملة ، وقد يكون لشيء آخر ، لأن الإمام لم يصرّح بما في نفسه ولا يحق لنا أن نُقَوِّلَهُ ما لم يقله ، وليس لنا علم بمكنون نفسه ، ومثل ذلك موضوع التسمية أو التكنية بأبي بكر فلم يرد نص بوضعها من قبله(عليه السلام) ، بل كلّ ما رايناه هو ادعاء معاو ية ذلك على الإمام ، وتناقل المؤرخين ذلك في كتبهم .
ونحن لو أردنا حصر سبب التسمية على المحبة للزمنا القول بأن عثمان بن عفان سمى ابنه بـ ( عمرو ) حباً بأبي جهل ( عمرو بن هشام ) راس المشركين والكافرين ، كما أن عمر بن الخطاب سمى ابنه بعبدالله حباً برئيس المنافقين عبدالله بن اُبي بن سلول أو عبدالله بن أبي سرح الذي أمر رسول الله بقتله يوم دخل مكة ، وهذا ما لا يقبله الأخرون ، فنقول لهؤلاء : ـ كيف تلزمونا بما لا تلتزمو به أ يَّها المسلمون .
اجل إنّك لو القيت نظرة على الحقبة الأولى من تاريخ صدر الإسلام وقست اقوال الإمام علي ـ أو ما جاء عن أهل بيته(عليهم السلام) ـ مع المدعيات الفارغة من قبل نهج الخلفاء في التسميات لوقفت على التضاد بين الفكرين فجاء في تفسير على بن إبراهيم القمي عن هشام عن أبي عبدالله الصادق ـ والخبر طويل ـ قال : وقوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ) قال : هم الذين سموا أنفسهم بالصديق والفاروق وذي النورين ثم كُنّى عنهم فقال (انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) وهم الذين غاصبوا آل محمّد حقهم(2) .
____________
1- شرح نهج البلاغة 19 : 369 ، الوافي بالوفيات 11 : 243 الترجمة 3 .
2- تفسير علي بن إبراهيم القمي 1 : 140 .
________________________________________ الصفحة 65 ________________________________________
وفي الخرائج والجرائح : روي أن اعرابياً اتى أمير المؤمنين وهو في المسجد فقال : مظلوم .
قال : ادن مني ، فدنا حتى وضع يديه على ركبتيه ، فقال : ما ظلامتك ؟ فشكا ظلامته .
قال : يا اعرابي أنا اعظم ظلامة منك ظلمني المدر والوبر ولم يبق بيت من العرب إلاّ وقد دخلت مظلمتي عليهم وما زلت مظلوماً حتى قعدت مقعدي هذا ، ان عقيل بن أبي طالب يومه ليرمد فما يدعهم يذرونه(1) ، حتى يأتوني فإذر وما بعيني رمد .
ثم كتب له بظلامته ورحل ، فهاج الناس وقالوا قد طعن على الرجلين(2) ، فدخل عليه الحسن فقال : قد علمت ما شرب قلوب الناس من حب هذين ، فخرج فقال : الصلاة جامعة ...(3)
وفي تقريب المعارف عن فضيل بن الزبير عن فضيع عن أبي كديبة الأزدي قال : قام رجل إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) فسأله عن قول الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ ...) فيمن نزلت ؟
قال : ما تريد ؟ أتريد أن تغري بي الناس ؟! .
قال : لا يا أمير المؤمنين ، ولكني أُحبّ أن أعلم .
قال : اجلس ، فجلس ، فقال : اكتب عامراً ، اكتب معمراً ، اكتب عمراً ، اكتب عمّاراً ، اكتب معتمراً ، في أحد الخمسة نزلت !
قال سفيان : قلت لفضيل : أتراه عمراً ؟ قال : فمن هو غيره ؟!(4)
____________
1- أي يصبون في عينه الدواء .
2- أي أبي بكر وعمر .
3- بحار الأنوار 42 : 188 .
4- بحار الأنوار 30 : 379 ـ 380 عن تقريب المعارف : 243 .
________________________________________ الصفحة 66 ________________________________________
إذن التضاد بين الخطين واضح ومتجذر ولا يمكن اثبات دعوى المحبة بين علي وعمر وفق الحدس والتخمين ، فالتسمية أ مّا كانت خوفاً أو مداراة ، وقد لا يدخل في هذين السياقين لكون الأسماء توضع للعلمية ولا ينظر فيها الحب والبغض ، وقد تكون ناظرة إلى أشياء اخر .
ومن الطريف هنا أن أنقل ما حكاه ابن كثير في البداية والنهاية ، عن محمّد بن زيد العلوي ـ أمير طبرستان والديلم ـ أ نَّه تقدّم إليه يوماً خصمان ، اسم أحدهما معاو ية ، واسم الآخر عليّ ، فقال محمّد بن زيد : إن الحكم بينكما ظاهر ، فقال معاوية : أ يّها الأمير ، لا تغترنَّ بنا ، فإن أبي كان من كبار الشيعة ، وانّما سمّاني معاو ية مداراة لمن ببلدنا من أهل السنّة ، وهذا كان أبوه من كبار النواصب فسمّاه عليّاً تقاة لكم ، فتبسّم محمّد بن زيد ، وأحسن إليهما(1) .
وفي ذيل تاريخ بغداد لابن النجار : أ نّه ولد لبعض الكتاب ولد ، فسماه عليّاً وكناه أبا حفص ، فقال له بعضهم : لم كنيته بأبي حفص ؟
قال : اردت أن انغصه على الرافضة(2) .
انظر إلى هذين النصين فهما صريحان بوجود التناقض والتضاد بين اسم ( علي ) وكنية ( أبي حفص ) وأن كل واحد يدل على اتجاه معين ، فالشيعي يسمي معاوية مداراة لأهل السنة وفي المقابل أهل السنة كانوا يسمون في ولاية العلوي على طبرستان بعلي تقاة ، وكذا قد وقفت على جواب ذاك السني الانفعالي وانه اراد نغص الشيعة بتكنية ذلك الولد بأبي حفص ، كل ذلك يؤكد بوجود التناقض بين المسيرين قبل ابن تيمية .
نعم ، لو تنازع الأبوان في تسمية الولد ، فهي للاب خاصّة ، وهو بالخيار أن
____________
1- البداية والنهاية 11 : 83 حوادث سنة 287 هـ .
2- ذيل تاريخ بغداد 4 : 72 .
________________________________________ الصفحة 67 ________________________________________
يرضى بما سمّته الأم والجد أو يغيّر ذلك ، وعلى ذلك روايات كثيرة ، وسبحانه يقول ( ادْعُوهُمْ لاَِبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ )(1) .
( لأنّ الولد يتبع أ مّه في الحرية والرقّ ، ويتبع أباه في النسب والتسمية ، وقد زعم البعض أ نّهم يدعون بأمهاتهم ; لما جاء من حديث أمامة عن النبيّ(صلى الله عليه وآله)ـ والمروي في معجم الطبراني ـ في تلقين الميت(2) ، وقوله(صلى الله عليه وآله) : إذا مات أحدٌ من إخوانكم فسوّيتم التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل : يا فلان بن فلانة ، فإنه يسمعه ولا يجيب ، ثم يقول : يا فلان بن فلانة ، فإنّه يستوي قاعداً ثمّ يقول : يا فلان بن فلانة ، فإنّه يقول : أرشدنا يرحمك الله ...
وفيه : فقال رجل : يا رسول الله فإن لم يعرف أ مّه ؟ قال ينسبه إلى حواء : يا فلان بن حواء ... )(3) .
وهذا النص يعطي مكاناً للأمّهات و يبرهن على دورهنّ في المنظومة الإلهية ، فالتسمية و إن كانت حقّاً للأب ، لكن ذلك لا يمانع من أن تسمي الأمّهات أولادهن أيضاً ، خصوصاً لو كانت الأُمّ حرّة ويؤكد ذلك ما جاء في تاريخ الطبري : انّ عبدالملك سار إلى مصعب فقتله ، فلمّا قتله بلغه مولد هشام فسمّاه منصوراً يتفاءل بذلك ، وسمّته أمّه باسم ابيها هشام فلم ينكر ذلك عبدالملك(4) .
وفي ( الغارات ) للثقفي : ان ميثم التمار كان لامراة من بني أسد فاشتراه الإمام علي واعتقه ، وقد ساله عن اسمه ، فقال : سالم . فقال(عليه السلام) : ان رسول الله أخبرني ان اسمك الذي سماك به ابوك في العجم ميثم . قال : صدق الله ورسوله وصدقت يا أمير المؤمنين ، فهو والله أسمي .
____________
1- الأحزاب : 5 .
2- وهذا دليل على كذب من يدعي ان التلقين للميّت هو بدعة مثل الوهابية وغيرهم .
3- المعجم الكبير 8 : 249 .
4- تاريخ الطبري 4 : 111 .
________________________________________ الصفحة 68 ________________________________________
فقال(عليه السلام) : ارجع إلى اسمك ودعت سالماً ، فنحن نكنيك به ، فكناه ابا سالم(1) .
ب ـ التسمية للامّهات
جاء في مقاتل الطالبيين : أنّ فاطمة بنت أسد سمّت ولدها حيدرة ، فغير أبو طالب اسمه وسمّاه علياً(2) ، وقال ابن عنبة في عمدة الطالب عند ذكره عقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) مثل ذلك ، والنص هو :
واُمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبدمناف(رضي الله عنه) ، وكان قد ولد وأبوه غائب فسمّته فاطمة بنت أسد : حيدره ، لأن حيدرة من أسماء الأسد ، وقد ذكر ذلك في شعره يوم خيبر فقال(عليه السلام) : أنا الذي سمتني أمي حيدرة(3) .
وانّما غَيَّر أبو طالب اسمه لأ نّه كان قد ناجى ربّه في تسمية وليده ،
بقوله :
يا ربَّ هذا الغسقِ الدَّجِيِّ والقمرِ المنبلجِ المُضِيِّ
بَيِّن لنا من حكمك المقضيِّ ماذا ترى في إِسْمِ ذا الصبيِّ
فجاءه الجواب :
خُصصتما بالولدِ الزَّكيِّ والطاهرِ المنتجبِ الرضيِّ
فإِسْمُهُ من شامخ عَلِيِّ عَلِيٌّ اشتُقَّ من العَلِيِّ(4)
____________
1- شرح النهج 2 : 239 .
2- مقاتل الطالبيين : 14 ، خزانة الأدب 6 : 63 .
3- عمدة الطالب : 59 .
4- مناقب ابن شهرآشوب 2 : 23 ، ألقاب الرسول وعترته : 18 ، وانظر الفضائل لابن شاذان : 57 ، باختلاف يسير .
________________________________________ الصفحة 69 ________________________________________
وهذان البيتان يوحيان إلى أنّ اسم الإمام علي(عليه السلام) كان بإلهام من الله إلى أبي طالب ، وهو يشبه ما رآه عبدالمطلب في المنام وأنّ رجلا أمره أن يسمّى حفيده بمحمّد ، وانتظار الرسول أمر البارئ في تسمية الحسن والحسين(عليهما السلام) ، وهو يؤكد بأنّ هذه التسميات إلهية .
نعم ، إنّ اسم علي اسمٌ ذو مغزى عظيم وقد اشرنا سابقاً إلى بعض ملامحه ، فهو اسم شامل لعلوّه على أقرانه في العلم والأخلاق والجهاد ، وشامل لعلوّ داره في الجنّة ومحاذاته لمنازل الأنبياء ، وهو بالتالي اسم له اشتقّ من اسم البارئ ، الذي أ كّد بقول وفعل الرسول(صلى الله عليه وآله) ، فهو الذي علا حتّى كاد ينال السماء حين رفعه رسول الله(صلى الله عليه وآله) على كتفيه لكسر الاصنام .
ومن الّذين سمّتهم الأ مّهات هو مرحب اليهودي ; لأ نّه قال في رجزه :
أنا الذي سمتني أمي مرحبْ شاكي السلاح بطل مجرّبْ
إذا الليوث اقبلت تَلَهَّبْ وأحجمت عن صولة المغلَّبْ(1)
فأجابه الإمام علي :
أنا الذي سمتني أمي حيدرَه كليث غابات كريه المنظره(2)
و يروى :
أنا الذي سمتني أمّي حيدرة أضرب بالسيف رؤوس الكفرة
أكيلهم بالصاع كيل السندرة(3)
____________
1- إمتاع الاسماع 11 : 291 ، وفيه : شاكٌ سلاحي ، زاد المعاد 3 : 321 ، وانظر الخصال : 561 .
2- مصنف بن أبي شيبة 7 : 393 ، طبقات ابن سعد 2 : 112 ، وأمتاع الاسماع 11 : 291 ، وفيه : كليث غابات غليظ القسورة ، كما ورد تسميته حيدرة في مناقب ابن شهرآشوب 2 : 305 ، 319 ، بحار الأنوار 21 : 18 ، عن الديوان المنسوب إلى الإمام علي(عليه السلام) ، فتح الباري 7 : 478 ، و 13 : 370 ، الاستيعاب 2 : 787 ، الروض الأنف 4 : 80 ، فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 2 : 643 ، المجالسة وجواهر العلم : 156 ، مشارق الانوار : 184 .
3- امتاع الإسماع للمقريزي 11 : 291 ، الروض الأنف 4 : 80 .
________________________________________ الصفحة 70 ________________________________________
وممّن سمتهم الأمهات كذلك ، عمر بن عبدالعزيز ، وقيل : إنّ ذلك هو في : عمر بن الخطاب .
قال رجل لعمر بن عبدالعزيز : يا خليفة الله ، فقال : ويلك لقد تناولت تناولا بعيداً ، إنّ أمي سمتني عمر ، فلو دعوتني بهذا الاسم قَبِلتُ ، ثمّ كبرت فكنّيت أبا حفص ، فلو دعوتني به قبلت ، ثمّ وليتموني أموركم فسميتوني أمير المؤمنين فلو دعوتني بذاك كفاك(1) .
وقد مرّ عليك ما جاء عن الإمام الحسين(عليه السلام) أ نّه قال للحر بن يزيد الرياحي لمّا وضعوه بين يديه(عليه السلام) وبه رمق ، فجعل(عليه السلام) يمسح التراب عن وجهه ويقول : أنت الحر كما سمّتك أمك حراً ، أنت الحرّ في الدنيا والآخرة(2) .
وذكر أ نّه لما أدخل سعيد بن جبير على الحجاج بن يوسف الثقفي قال له الحجاج : أنت شقيّ ابن كسير ، قال : لا ، أمّي أعرف باسمي حيث سمتني بسعيد بن جبير(3) .
وسعيد بن جبير بقوله ( لا ، أمّي أعرف ) أراد أن يقول للحجّاج بأ نّه ابن حُرّة وليس له الحقّ في نبزه .
وعن أبي حصين ، قال : أتيت سعيد بن جبير بمكة فقلت : إنّ هذا الرجل قادم ـ يعني خالد بن عبدالله ـ ولا آمنه عليك فأطعني واخرج ، فقال : والله لقد فررت حتى استحييت من الله ، قلت : والله إنّي لاََراك كما سمّتك أمّك سعيداً ، فقدم خالد
____________
1- الأذكار النووية : 286 ، صبح الأعشى 5 : 418 ، مرقاة المفاتيح 10 : 22 وقد نسب الشيخ محمّد صالح المنجد في موقع الإسلام على الانترنت في الفتوى رقم 31900 ، تحت عنوان : لا يقال عن أحد إنّه خليفة الله ، نسبه إلى عمر بن الخطّاب .
2- تاريخ الطبري 3 : 320 ، الفتوح 5 : 102 والمتن منه ، اللهوف في قتلى الطفوف : 62 ، مقتل الحسين لأبي مخنف : 122 ، أعيان الشيعة 1 : 604 ، 4 : 614 .
3- تهذيب الكمال 10 : 374 ، روضة الواعظين : 290 ، اختصاص المفيد : 205 ، رجال الكشي 1 : 335 ، المحن : 233 ، أخبار المدينة 2 : 199 ، 283 ، أخبار القضاة 2 : 411 .
________________________________________ الصفحة 71 ________________________________________
مكّة فأرسل إليه فأخذه(1) .
وعن عمر بن محمّد ، قال : جاءت بيعة الوليد وسليمان ، [فدعا] هاشم بن إسماعيل ، وهو والي المدينة سعيدَ بن المسيب مع قومه من بني مخزوم إلى أن يبايع لهما ، فأبى أن يفعل ، فجلده والبسه ثياب شعر ، فقال : أين تريدون تذهبون بي ؟ قالوا : نقتلك ، فقال : أنا إِذاً لسعيد كما سمتني أمي(2) .
وفي مختصر تاريخ دمشق : عن المنجي بن سليم الكاتب ، قال : قلت لأبي محمّد الحسن بن جميع الغساني : أنت اسمك حسن ، والأغلب عليك سكن .
فقال : كانت أمّي ما يعيش لها ولد ، فلمّا ولدتني أمّي سمّاني أبي : حسن ، فرأت امرأة في المنام هاتفاً يقول لها : تقول لأمّ حسن : تسمّيه سكن ، حتّى يسكن(3) .
وقد ذكر أصحاب الأدب طرائف ونوادر وفي بعضها هجاء ، وكلّها تشير إلى أنّ التسميات لم تكن منحصرة في الآباء ، بل للأمهات دور في التسمية كذلك ، فمن تلك النوادر ما قاله أبو ذؤيب النميري والذي ذكره دعبل في شعراء اليمامة وأنشد له :
سمّتك أمك ديناراً وقد كذبت بل أنت في القوم فلس غير دينار(4)
وقال يحيى بن نوفل للعريان بن الهيثم وهو بالكوفة :
سمّتك أمّك عرياناً وقد صدقت عَرِيتَ من صالحِ الأخلاقِ والدينِ
____________
1- حلية الأولياء 4 : 275 ، تهذيب الكمال 10 : 367 ، سير أعلام النبلاء 4 : 327 ، صفة الصفوة 3 : 80 .
2- المعرفة والتاريخ 1 : 256 .
3- تاريخ دمشق 13 : 354 .
4- المؤتلف والمختلف للآمدي : 151 .
________________________________________ الصفحة 72 ________________________________________
زعمت أنّك عدل في إمارتكم وأنت أسرق من ذئب السراحين(1)
وقد هجا رجلٌ أبانَ بن الحميد اللاّحقي مولى الرقاشيين بقوله :
صَحَّفتْ أُمُّك إذ سَمَّـ ـتك في المهد أبانا
صَيَّرَتْ باء مكان التَّـ ـاء تصحيفاً عيانا(2)
وقال برصوما الزامر لأ مّه : و يحك ! ما وجدت لي إسماً تسمّيني به غير هذا ! قالت : لو علمت أ نّك تجالس الخلفاء والملوك سمّيتك : يزيد بن مزيد(3) .
الانتساب إلى الأمهات مدح أم ذم ؟
وهنا نكتة لابدّ من ذكرها ، و إن كان في النظر البدوي يراها القارئ خارجة عن الموضوع ، لكنها ترتبط بنحو وآخر بهذه الدراسة . وهي : إنّ النسبة إلى الأمّهات تارة تكون رفعة وشرفاً للشخص ، وأخرى استنقاصاً وذمّاً له .
وقد استخدمت هذه النسبة في كتب التاريخ والأنساب في أخبار المدح والذمّ معاً ، ومثال ذلك كثير في النصوص التاريخيّة .
فقد ذُمَّ معاو ية بانتسابه إلى أ مّه هند(4) ، كما ذم مروان بانتسابه إلى جدّته الزرقاء ، وكذلك زياد إلى سُمية ، لأنّ هنداً والزرقاء كانتا من ذوات
الرايات في الجاهليّة(5) ، أمّا سُمية فقد ادعى في ابنها رجلين أحدهم أبو
____________
1- أنساب الاشراف 9 : 71 .
2- أعيان الشيعة 5 : 371 ، وانظر محاضرات الأدباء 1 : 143 .
3- شرح نهج البلاغة 5 : 572 .
4- انظر شرح نهج البلاغة 1 : 336 والطرائف لابن طاووس : 501 .
5- مثالب العرب : 72 باب نكاح الجاهلية ، شرح النهج 1 : 336 ، الطرائف لابن طاووس : 501 ، أنساب الأشراف 6 : 257 ، الكامل في التاريخ 4 : 15 ، تاريخ دمشق 57 : 233 ، جمهرة أنساب العرب : 87 .
________________________________________ الصفحة 73 ________________________________________
سفيان(1) .
وفي المقابل هناك من نسب لأمّه لمزيد رفعة وشرف فيها ، فيقال لولد عليّ(عليه السلام) : أبناء فاطمة ، أو ولد فاطمة ، وللزبير : ابن صفية ، ولعمار : ابن سميّة ، ولعيسى : ابن مريم ، فإنّ فاطمة ابنة رسول الله ، وصفيّة عمّته ، وسمية اول شهيدة في الإسلام ، ومريم هي المصطفاة على نساء العالمين حسب تعبير القرآن الكريم .
والآن سؤال يطرح نفسه وهو : ما هو سبب اشتهار عمر بن الخطاب في كتب التاريخ والأنساب بابن حنتمة(2) أو الصهّاك ، هل انّ ذلك جاء مدحاً له أم ذمّاً وبغضاً له ، أمّ أن في تلك النصوص اشارة إلى حقيقة تاريخيّة ؟ فمن هي حنتمة ، ومن هي الصهاك(3) ، وما هو موقعهما في التاريخ الجاهلي وقبل الإسلام ؟
إنّ اشارتي إلى هذه النكتة لم يكن استنقاصاً لعمر كما يريد أن يصوره مخالفي ، وذلك لوروده في كلام من يريد مدحه أيضاً ، فعن أبي هريرة أ نّه قال : رحم الله ابن حنتمة لقد رأيته في عام الرمادة وانّه يحمل على ظهره جرابين وعكّة زيت في يده(4) .
نعم ، ورد ذلك في لسان من يريد ذمه أيضاً ، فعن عمرو بن العاص أ نّه قال : ان ابن حنتمة بعجت له الدنيا أمعاءها والقت إليه أفلاذ كبدها ـ إلى أن قال ـ : فمصّ منها مصّاً وقمص منها قمصاً ...(5) .
____________
1- فتح الباري 8 : 46 ، المجروحين 1 : 305 ت 358 ، لسان الميزان 2 : 493 ت 1971 .
2- أنساب الأشراف 5 : 17 ، 18 و 10 : 379 .
3- ولمزيد من الاطلاع راجع كتاب مثالب العرب لابن الكلبي :87 ، باب تسمية من تدين بسفاح الجاهلية .
4- طبقات ابن سعد 3 : 314 ، تاريخ دمشق 44 : 347 ، الكامل في التاريخ 2 : 455 .
5- تاريخ دمشق 44 : 378 ، غريب الحديث لابن قتيبة 2 : 370 ، الفائق 1 : 325 .
________________________________________ الصفحة 74 ________________________________________
وروي انّ عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص وكان على مصر : وجهت إليك محمّد بن مسلمة ليقاسمك مالك ... قال المدائني : فلمّا قاسم محمّد ابن مسلمة عمرو بن العاص ، قال [عمرو] : انّ زماناً عاملنا فيه ابن حنتمة هذه المعاملة لزمان سوء ، فقال محمّد : لولا زمان ابن حنتمة هذا الذي تكرهه أُ لْفِيتَ معتقلا عنزاً بفناء بيتك يسرّك غرزها ويسوءك كباؤها ، قال : أنشدك أن لا تخبر عمر(1) .
وفي ( المثل السائر ) لابن الاثير ( ان العرب كان يعير بعضها بعضاً بنسبته إلى أ مّه دون أبيه ، ألا ترى أنّ عمر بن الخطّاب(رضي الله عنه) كان يقال له : ابن حنتمة ، و إنّما كان يقول لذك(2) من يغض منه ، وأ مّا قول النبيّ للزبير بن صفية : بشر قاتل ابن صفية بالنار ، فانّ صفية كانت عمّة النبيّ ، و إنّما نسبه إليها رفعاً لقدره في قرب نسبه منه وأ نّه ابن عمّته ، وليس هذا كالأوّل في الغضِّ من عمر في نسبه إلى أمّه )(3) .
وعليه فكل ما قدمته كان لتوضيح الحقيقة ولفت الأنظار إلى قضية مجهولة في البحث ، وليس في كلامي تعريض بأحد .
بهذا فقد أعطينا صورة مصغّرة عن تسمية الأمّهات والانتساب إليهنّ ، ولهذا بحث طو يل نتركه لحينه .
كلّ هذه النصوص تؤكّد إمكان تسمية الأ مّهات أولادهنّ ولا مانع من ذلك ، خصوصاً لو كانت الأمّ حرّة ، وبه تعرف بأن التسمية و إن كانت حقّاً للآباء ، لكنّ الأمهات والأجداد وأصحاب المقام كانوا يضعون الأسماء في بعض الحالات كذلك ، ثمّ يأتي دور الآباء فكانوا إمّا أن يتركوا تلك التسميات أو يغيّرونها .
____________
1- فتوح البلدان : 221 ، الخراج وصناعة الكتابة : 339 .
2- هكذا في النص ويحتمل أن يكون (بذلك) .
3- المثل السائر لابن الاثير 2 : 303 .
________________________________________ الصفحة 75 ________________________________________
ج ـ انّها للوالدين معاً ، لأنّ العرب كانت تعدّد الأسماء
إنّ حمل الإنسان العربي اسمين أو أكثر قد يعود للوضع القبلي الذي كان يعيشه ، وقد قيل بأنّ الشخص كلّما عظم في عيون الناس كثرت أسماؤه وتوالت على الألسن صفاته ، ومن هذا المنطلق ذهبوا إلى أنّ لله تسعة وتسعين اسماً(1) ، وأنّ للرسول عشرة أسماء خمسة منها في القرآن وخمسة ليست في القرآن .
فأ مّا التي في القرآن : محمّد ، وأحمد ، وعبدالله ، ويس ، ون ، وأ مّا التي ليست في القرآن : فالفاتح ، والخاتم ، والكافي ، والمقفي ، والحاشر(2) وقيل بأكثر من ذلك .
و إنّ الأئمّة وأبناءهم وأتباعهم لا يخرجون من هذه القاعدة(3) ، فترى لفاطمة الزهراء تسعة اسماء ، ومن هذا المنطلق ترى لبعض ولد الأئمّة اسمين ، فمثلاً قيل بأنّ الاسم الآخر للسيّدة سكينة بنت الحسين هو آمنة بنت الحسين ، أو أن اسم السيدة رقية كان فاطمة كذلك ، وقد مر عليك بأن لميثم التمار اسمان .
وهذه الحالة كانت متعارفة عند العرب ، فلو راجعت تاريخ الإسلام للذهبي في ترجمة مالك بن أحمد بن علي ، أبي عبدالله البانياسيّ الأصل البغدادي ، لرأيته يصرّح بهذا الأمر ويقول : سمّاني أبي مالكاً وكنانّي بأبي عبدالله ، وسمّتني أمّي علياً وكنتّني أبا الحسن ، فأنا أُعرف بهما(4) .
نعم ، إنّ هذا كان وما زال متداولاً في بلداننا العربية كالعراق ولبنان والجزيرة ،
____________
1- الكافي 1:87 ح 2 ، 144 ح 2 ، صحيح البخاري 5:2354 ح 6047 ، و 6 : 2691 ح6957 .
2- الخصال 2 : 48 ، بحار الانوار 16 : 96 ح 31 ، تفسير مجمع البيان 8 : 255 .
3- قال الطبرسي في أعلام الورى 1 : 303 عن أميرالمؤمنين : وأسماؤه في كتب الله تعالى المنزلة كثيرة ، أوردها أصحابنا رضي الله عنهم في كتبهم .
4- تاريخ الإسلام 33 : 161 ، وفي البداية والنهاية 12 : 142 ان اسم الاب وكنيته غلب على تسمية الأم .
________________________________________ الصفحة 76 ________________________________________
فقد يكون وضع أحد هذين الاسمين كان من قبل الأب ، والآخر من قبل الأم ، أو الجدّ الأبيّ أو الأمّي ، وقد يكون وضع بعض تلك الأسماء آتياً من المحبة الزائدة ، وقد يكون من قبل الآخرين للتوصيف أو للتنقيص . وقد يكون اسماً يُلَعَّب به الطفل و يُرَقَّص فيبقى عليه بل يكون أعرَفُ به كما هو الحال في ( بَبَّه(1) ) .
هجا جريرٌ الأَخطلَ بقوله :
بكى دَوْبَلٌ لا يُرْقئُ الله دمعَهُ ألا إنّما يبكي من الذُّلِّ دَوْبَلُ
فقال الأخطل : ما لجرير لعنه الله ، والله ما سمتني أمي دوبلا إلاّ وأنا صبي صغير ، ثم ذهب ذلك عنّي لمّا كبرت(2) .
وحكي عن أبي خالد الكابلي أ نّه كان يخدم محمّد بن الحنفية دهراً وما كان يشك في أ نّه الإمام المفترض طاعته ، ثم سأله عمّن يجب طاعته فأخبره أ نّه الإمام السجاد ، فأقبل أبو خالد إلى الإمام السجاد(عليه السلام) فاستأذن عليه ، فلمّا دخل عليه قال له الإمام : مرحباً بك يا كنكر ، ما كنت لنا بزائر ، ما بدا لك فينا ؟
فخر أبو خالد ساجداً فقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى عرفت .
فقال له الإمام زين العابدين : وكيف عرفت إمامك يا أبا خالد ؟
قال : إنك دعوتني باسمي الذي سمّتني به أمّي التي ولدتني ، وكنت في عمياء من أمري ـ إلى أن قال ـ : ثمّ أذنت لي فجئت فدنوت منك فسمّيتني باسمي الذي سمتّني أمي ، فعلمت أنك الإمام الذي فرض الله طاعته عليَّ وعلى كل مسلم(3) .
____________
1- قال ابن الأعرابي : يقال للشاب الممتليء البدن نعمة وشباباً (بَبّة) ، وأنشد لامرأة ترقص ابنها : لأنكحَنَّ بَبَّه جارية خِدَبَّة ... وهو قول هند بنت أبي سفيان لأبنها عبدالله بن الحارث . تهذيب اللغة 15 : 425 ، سر صناعة الأعراب 2 : 412 .
2- الاغاني 12 : 238 ، وطبقات فحول الشعراء 2 : 481 .
3- اختيار معرفة الرجال 1 : 337 ، قاموس الرجال 10 : 430 ، بحار الأنوار 42 : 95 و 46 : 46 ، والخرائج والجرائح 1 : 261 ، ومدينة المعاجز 4 : 288 ، 403 .
________________________________________ الصفحة 77 ________________________________________
وهذه النصوص تؤكد عدم استبعاد أن يُسَمَّى الإنسان باسمين وخصوصاً في ذلك الزمن العصيب ، فقد يكون أحد الاسمين هو ما يشتهر به ، والآخر يبقى مخفياً عند المقرّبين ولا يعرفه إلاّ الأوصياء من ربّ العالمين ، فينادون به ذلك الشخص عند الضرورة أو لإثبات الحقّ وتقديم آية له .
عن أبان بن تغلب أ نّه قال : كنت عند أبي عبدالله(عليه السلام) إذ دخل عليه رجل من أهل اليمن ، فسلّم عليه فردّ عليه أبو عبدالله ، وقال له : مرحباً بك يا سعد !
فقال له الرجل : بهذا الاسم سمّتني أميّ ، وما أقلّ من يعرفني به(1) .
وفي ( الثاقب في المناقب ) : إن أمير المؤمنين خاطب الراهب في طريقه إلى صفين : شمعون ؟
قال الراهب : نعم شمعون ، هذا اسم سمّتني به أمّي ، ما اطّلع عليه أحد إلاّ الله ثم أنت ، فكيف عرفته(2) ؟!
وفي ترجمة محمّد بن الحسين المعروف بقطيط من تاريخ بغداد : ولمّا ولدت سمّيت قطيطاً على أسماء أهل البادية فكان اسمي إلى أن كبرت ، ثمّ إنّ بعض أهلي سمّاني محمّداً ، فاسمي الآن قطيط ولقبي محمّد وهو الغالب عليَّ(3) .
وقد أخبرني أحد ابناء عمومتي المسمّى بالسيّد مرتضى والشهير بالسيّد ناصر أ نّه سأل أحد كبار العائلة عن ظاهرة تفشي اسمين عند العرب ، فقال له ذلك الكبير : إنّ العربي يشتهر بأحد الاسمين ويخفي الثاني كثيراً ، ولهذا فوائد كثيرة عند العرب .
أحدها : إنّ الاسم المشهور غالباً ما يكون اسماً غير مقدّس في وسطنا نحن المتدينين ، فمثلاً اسمك المشهور عندنا هو السيّد ناصر ، في حين أنّ اسمك
____________
1- الخصال للصدوق : 489 ، وفي فرج المهموم للسيّد ابن طاووس : 98 سعيد .
2- الثاقب في المناقب لابي حمزة الطوسي : 259 ـ 260 .
3- تاريخ بغداد 2 : 253 ـ 254 ، اللباب في تهذيب الانساب 3 : 48 .
________________________________________ الصفحة 78 ________________________________________
الآخر والمثبت في دائرة الأحوال الشخصيّة هو السيّد مرتضى ، وكذا اسم أخيك فالمشهور عند العائلة وأصدقائه هو السيّد نوري ، في حين أنّ اسمه في الجنسية هو السيّد مصطفى .
فقد يكون والدك أو والدتك كانوا يخاطبونك بناصر ويخاطبون أخاك بنوري للمحافظة على الأسماء والصفات المقدّسة للمعصومين كالمصطفى الخاتم ، والمرتضى الوصي ، من تجاوز الأطفال وغيرهم .
نعم ، إنّ إخوتي كانوا يحملون اسمين ، فيقال مثلاً لشقيقي السيّد جواد : عطاء الله ، ولشقيقي الاخر السيّد زين العابدين : قوام الدين ، وكانوا يشتهرون في العراق بالسيّد قوام الدين والسيّد عطاء ، في حين أن اسميهما اليوم كما هو المثبت في دائرة الاحوال المدنيّة : السيّد زين العابدين والسيّد جواد ، فالاسمان الأوّلان هما ما اشتهرا بهما أيام الشباب ، أما اليوم فلا يعرفهما أحد بتلك الأسماء إلاّ الخواص .
فقد يكون الأبوان وراء التعدد في الأسماء ، وقد يكونا أرادا بذلك الحفاظ على اسميهما الحقيقيين والموجودين في الجنسية ، لأنّ الاسمين الموجودين في دائرة الاحوال المدنيّة يحملان اسمين لإمامين معصومين من أهل بيت الرسالة هما الإمام زين العابدين ، والإمام الجواد ، فللمحافظة على الاسمين المقدسين جاؤوا بالاسمين الرائجين .
وقد يعود سبب التعدد هو الاحترام للأب الذي سمّى الولد بأحد الاسمين ، أو الاحترام للجدّ الأمّي الذي سمَّى الاسم الآخر ، وقد يكون لأمر آخر .
وثانيها : إنّ العرب كانوا يخفون أحد الاسمين للأيام الحرجة التي كانوا يمرّون بها ، فمثلاً أنك تُعرف باسم ( ناصر ) و يعرف أخوك باسم ( نوري ) ، فلو رفع أحد أعدائك تقريراً ضدّك ، فالجهات المعنّية يسألون عن ناصر وليس لديهم ما يدل على أ نّه أنت ، لأ نّك المسمّى في دائرة الأحوال المدنيّة : مرتضى ، أي أ نّهم
________________________________________ الصفحة 79 ________________________________________
كانوا يخفون اسمك الحقيقيّ وراء اسمك الظاهر والمعروف به ، وأ نّهم كانوا يسمّونك كما يعرف اليوم بالاسم الحَرَكي ، لأنّ المجاهد غالباً ما يشتهر باسمه الحركي ، أ مّا اسمه الحقيقي فيبقى مجهولاً حتّى لا تعرفه الجهات الرسمية . وقيل بأنّ الكنى جاءت عند العرب من هذا الباب .
وعليه فوضع الأسماء لم تكن لعلّة واحدة ، فقد تكون للمحبة ، وقد تكون للخوف ، وقد تكون لوضع الأمهات ، أو الاباء ، أو الاجداد ، أو من كبار القوم أو ...
وبعد هذا نقول: إذا وقفت على اسم أبي بكر أو عمر أو عثمان بين أولاد الأئمّة المعصومين فقد يكون موضوعاً من قبل الأمّهات ، أو الجد الأمّي للعائلة، والإمام لم يعترض على ما سمّته الأمّهات أو الاجداد لأ نّه اسم عربي غير قبيح لغة، ولو أراد تغييره لأثار حساسية بينه وبين عائلة زوجته الذين سمّوا المولود ، بل لاستلزام ذلك تبديل معظم اسماء الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ، لان كثيراً من هؤلاء الصحابة والتابعين كانوا قد تعاونوا مع السلطة لغصب خلافة الإمام علي ، فإن تغير هذه الأسماء تدعو إلى تبديل اسماء الأقرباء والأصدقاء وكلّ من يَمُتُّ إليهم بصلة، وذلك غير معقول ، لأنّ كثيراً من الصحابة كان الإمام عليّ(عليه السلام)لا يرتضي سلوكهم، فلو أَلْغَى أسماءهم لأصبحت شحّة الأسماء معركة ذلك العصر .
وكذا وجود كثير من التابعين وتابعي التابعين على غير وفاق مع أئمّة أهل البيت ، والائمّة لو أرادوا حذف هذه الأسماء أو تلك لكانوا البادئين بشنّ الحرب على الآخرين ، في حين أنّهم اكتفوا بإعطاء الضابطة في التسميات من لزوم تحسين الأسماء ، وعدم التسمية بأسماء الأعداء ، وأنّ التسمية بمحمد وعلي يبقى الولد ، وما الدِّينُ إلاّ الحب والبغض ، إلى غيرها من العمومات ، وتركوا لكلٍّ ذوقه في اللغة والمجتمع .
________________________________________ الصفحة 80 ________________________________________
ومن المعلوم أنّ زوجات الأئمّة(عليهم السلام) ـ غير أمّهات المعصومين ـ كنّ من النساء العاديات ، وكان بينهنّ من سعين إلى قتل الإمام كما فعلته جعدة بالإمام الحسن ، وأم الفضل بالإمام الجواد ، وغيرهنّ بغيرهم ، فلا يستبعد أن تكون بعض هذه التسميات قد جاءت من قبل أولئك ، والإمام أقرها كما شاهدناه في إقرار الإمام علي في تسمية عمر بن الخطاب لابنه من الصهباء التغلبية .
فانّ وجود نساء كهؤلاء في بيوت الأئمّة ، ومرور الأئمّة بظروف عصيبة خاصة من قبل الحكّام والاتجاهات الفكرية الفاسدة ، كلّها جعلت قبول الأئمّة بهذه التسميات أمراً طبيعياً .
وانّي سأوضّح لاحقاً بانّ المكنّى بأبي بكر بن عليّ والمختلف في اسمه هل هو محمّد أم عبدالله قد يرجع سببه إلى انّ الإمام عليّاً(عليه السلام) سمّاه بمحمّد ، أ مّه بعبدالله، فهما اسمان لشخص واحد لا اثنان ، ولا اختلاف في البين(1) ، وقد وقع التسليم عليه في زيارة الناحية طبق ما سمّاه الإمام عليّ إن كان المقصود في السلام عليه في الزيارة هو ابن ليلى النهشلية لا المولود من أم ولد، كما ذهب إليه بعض المؤرخين .
ولا يخفى عليك بأن هذا الشخص ان اُريد ذكره في كتب التاريخ ـ والتي كتبت بريشة الحكّام ـ يأتون بأسمه طبق ما سمّته أمّه وأخواله أي : عبدالله لا ما اسماه الإمام علي .
وعليه فوضع الأسماء قد يكون تحاشيا من المشكلات ، وقد تكون طمعاً في النوال والحصول على المكاسب والامتيازات ، وقد تكون لأمور أخرى ، وبما أنّ الاحتمالين الأخيرين بعيدان عن الأئمّة فيبقى قبول الإمام بتلك الأسماء هو التحاشي من المشاكل ، وبهذا فحصر كل تلك الأمور في شيء واحد وهو المحبة بعيد ولا يقبله العقل والمنطق .
____________
1- انظر الصفحة 300 وصفحة 392 إلى 422 من هذا الكتاب .
________________________________________ الصفحة 81 ________________________________________
التسمية والمجتمع
من المعلوم أنّ الباحث الاجتماعيَّ لو أراد أن يدرس أيّ ظاهرة اجتماعية في أيّ مجتمع ، عليه أن يتعرّف أوّلاً على العقائد والأعراف والتقاليد السائدة في ذلك المجتمع ، لأنّ المجتمع البدويّ يختلف عن المجتمع المتمدّن ، ولكل واحد منهما عقائده وأعرافه وتقاليده الخاصة .
وكذا الحال بالنسبة إلى الأشخاص ، فلو أراد الإنسان أن يترجم شخصاً مّا فعليه التعرّف على أخلاقياته وعقائده والاعراف السائدة في مجتمعه ، حيث إنّ ثقافة الفرد تنشأ مع بيئته التي تربّى فيها .
فالمجتمع لو كان مهتمّاً بالحرب صار الشخص محبّاً للفَرَسِ ، والسيف ، والقوس ، والرمح ، والرجز و ...
أ مّا لو كانت البيئة مبتنية على الميوعة والشهوات فتراه يهتم بالخمر والنساء والغناء والمنادمة والسهر .
وبما أنّ المجتمع العربي قبل الإسلام كان يهتم بحياته المعيشية الخاصة ولا يهتم بالأُمّة بما أنّها أُمة ، فتراه يهتم في شعره بوصفِ ما حوله من النبات
والحيوان وأحداث الجو وأدوات الحرب ، و إذا تعدّى ذلك فإلى منفعة قبيلته
فقط .
وبما أنّ المجتمع الجاهليّ كان يحترم الأصنام ، رأيناهم يقدّسون اللاّت والعزّى و يسمّون أبنائهم بها ، بعكس الحنيفي المسلم الذي يقدّس الله ، فتراه يسمّي ابنه بأسماء تحمل معنى عبوديّة الله ، ويكفُر بالجبت والطاغوت .
وكذا الحال اليوم بالنسبة إلى المعجب بالثقافة الغربية ، تراه يسمّي أبناءَه
________________________________________ الصفحة 82 ________________________________________
بأسماء غربية أو معرَّبة منها ، وهكذا الحال بالنسبة إلى المتأثّرين بالثقافات الأخرى ، حيث إنّهم يسمّون أولادهم بأسماء لا يعرفون معناها ، ولو عرفوا ما تعني تلك الأسماء لما سَمَّوا بها ، لأنّ المتأثّر بالثقافة الغربية لا يعجبه الدّين
أ يّاً كان ـ إسلاماً أو مسيحية أو يهودية ـ فتراه يسمي بأسماء بعيدة عن إطاره الديني الذي يعيشـه في الشرق ، فيسمى : ( جوزيف ) و ( ديفيد ) و ( ايسو ) و ( ماري ) وأمثالها .
ولا يعلم بأن ( جوزيف ) هو يوسف ، و ( ديفيد ) هو داود ، و ( ايسو ) هو عيسى ، و ( ماري ) أو ( ماريا ) هي مريم العذراء ، أي أنّ الغربي يسمّي بأسماء دينية ولا عيب عنده ، لكنّ المتغرِّب أو الشرقيّ الجاهل يستنكف و يتعالى عن التسمية بأسماء الأنبياء .
وبذلك يكون الغربي بتسميته الأسماء المقصودة قد ربح ثقافته ، والشرقي بجهله قد خسر دينه وثقافته ; لأنّه تصوّر بأنّ هذه الأسماء تخالف الدين وتعطي صورة للثقافة الغربية والميوعة الجنسية وما شابه ذلك ، لكنّه لو عرف حقيقة هذه الأسماء وأ نّها ما هي إلاّ أسماءٌ للأنبياء والصالحين لما تبجَّح وتظاهر بالعلم والمعرفة والحضارة ، والعصيان على القيم والأصول ، ومن أجل هذا قيل : ( أَ عْرِفُكَ من حيث سمّاك أبوكَ ) ، أي من حيث سمّاك أبوك أعرفك أ نّك شخص متدين أو غربي ، تعبد الله أو تعبد الأصنام ؟
وعليه فدراسة الظواهر الاجتماعية تتوقّف على دراسة المجتمعات بما لها وعليها ، والمجتمع العربي الجاهلي لا يخرج عن هذه القاعدة ، والإسلام جاء ليصحّح ما كان عليه الجاهليون من أفكار باطلة ، واعتبار بعض ما يستحسنه العرب قبيحاً ، فذمّ العصبية ، ومقت الظلم والبغي ، وعاب السَّرَف والتبذير ، وكره التعاون على الإثم والعدوان .
________________________________________ الصفحة 83 ________________________________________
وعلى الجملة فقد جاءهم الإسلام بجديد في كلّ فروع الحياة .
وقد كان مما فعله الإسلام هو توحيد العرب وجمعهم على لغة واحدة ، بل قل على لهجة واحدة ، وهي لهجة قريش ، فأزال الشواذّ منها التي كانت تشين قرائح العرب ، كما هذّبها من الخشن الجافّ ، والحوشي الغريب ، كما أمدّهم بألفاظ ومعاني جديدة لم يعرفوها من قبل ، مثل معنى المؤمن ، والكافر ، والمنافق ، والفاسق ، والصلاة ، والصوم و ...
فالعرب عرفت المؤمن من الأمان ، والكفر من الغطاء والستر ، والنفاق من سرب الأرض ; و يسمى المنافق منافقاً لمشابهة عمله مع اليربوع الذي يخرج تراب الجحر ثم يسدّ به فم الآخر ; فشبّه به لأنّه يخرج من الإيمان من غير الوجه الذي دخل فيه .
والفسق بمعنى خروج الرطبة من قشرتها ، والصلاة بمعنى الدعاء ، والزكاة بمعنى النماء ، والصوم بمعنى الإمساك ، والحجّ بمعنى القصد ، وكانوا لا يعرفون غير هذه المعاني ، والإسلام أمدهم بمعاني ومفاهيم جديدة ، وهي المعروفة عند المسلمين اليوم .
وبفضل القرآن رفعت مكانة اللغة وصقلت المفاهيم وتذوّق العرب الحضارة وخرجوا من البداوة .
نعم ، إنّ الإسلام أهمل بعض الألفاظ لا لعدم إقراره بمعانيها ، بل لكونها غريبة وحشية أو خشنة جافة ، أو متنافرة الأصوات ، أو عديمة الظِّلال ، أو متعثّرة المعنى ، فهو ينظر إلى انسيابية الكلمة مع لحاظ معناها اللغوي ، فلا يرضى بالمعنى اللغوي مع وحشية الكلمة .
لكنّ المشركين والجاهليين من العرب كانوا يتعاملون مع الألفاظ والأسماء على أ نّها علائم للتمييز فقط ، كما أ نّهم كانوا يسعون للوقوف أمام المدّ الإسلامي
________________________________________ الصفحة 84 ________________________________________
الأصيل بنقائضهم الشعرية ، حتى قيل بأنّ شعر النقائض أخذ طابعه بعد هجرة الرسول من مكة إلى المدينة ، فصار الشعر إسلامياً وقيميّاً عند البعض ، بعد أن كان فخراً وهجاءً جاهلياً في سبيل السيادة القبلية والمطالب المادية ، في حين بقي البعض الآخر يشيد بأ يّام العرب والقيم الجاهلية بعد الإسلام .
فمدرسة المدينة دافعت عن فكر الرسول وتعاليمه العالية .
ومدرسة مكة وقفت مع المشركين تارة علناً وتارة خفية ونفاقاً ، وهذا ما يعرفه اللبيب العالم .
وانطلاقاً من الحركة التصحيحية التي قام بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) سعى إلى تغيير بعض الأسماء والكنى ، ودعا إلى تحسين الأسماء .
فعن الإمام الصادق(عليه السلام) ، عن أبيه(عليه السلام) : إن رسول الله كان يغيّر الأسماء القبيحة في الرجال والبلدان(1) .
وعن علي بن أبي طالب(عليه السلام) ، قال : قال رسول الله : إنّ أوّل ما يَنْحَلُ أحدُكُم ولده الاسم الحسن ، فليحسّن أحدكم اسم ولده(2) .
وعن أبي عبدالله الصادق(عليه السلام) ، قال : قال رسول الله : استحسنوا أسماءكم فإنّكم تُدْعَوْنَ بها يوم القيامة : قم يا فلان بن فلان إلى نورك ، وقم يا فلان بن فلان لا نُورَ لك(3) .
وروى الواقدي أنّ أبا ذرّ لمّا دخل على عثمان ، قال له [عثمان] : لا أنعم الله
____________
1- قرب الإسناد : 93 ح 310 ، وعنه في وسائل الشيعة 21 : 390 ح 6 ، وفيه عن جعفر عن آبائه(عليهم السلام) .
2- الجعفريات:189 وعنه في مستدرك وسائل الشيعة 15:127 ح 1 وأنظر الكافي 6:18 ح 3.
3- الكافي 6 : 19 ح 10 ، وعنه في وسائل الشيعة 21 : 389 ح 2 .
________________________________________ الصفحة 85 ________________________________________
بك عيناً يا جنيدب !
فقال أبو ذر : أنا جندب ، وسمّاني رسول الله(صلى الله عليه وآله) عبدالله ، فاخترت اسم رسول الله الذي سمّاني به على اسمي(1) .
وعن عبدالحميد بن جبير بن شيبة ، قال : جلست إلى سعيد بن المسيب فحدّثني أن جده ( حَزْناً ) قدم على النبي(صلى الله عليه وآله) ، فقال : ما اسمك ؟ قال : اسمي حزن ، قال(صلى الله عليه وآله) : بل أنت سهل ، قال : ما أنا بمغيّر اسماً سمّانيه أبي ، قال ابن المسيب : فما زالت فينا الحُزُونةُ بعد(2) .
وعن ريطة بنت مسلم ، عن أبيها : أ نّه شهد مع رسول الله حنيناً فقال(صلى الله عليه وآله) : ما اسمك ؟
قال : غراب .
قال(صلى الله عليه وآله) : اسمك مسلم(3) .
وفي الجرح والتعديل ـ ترجمة راشد بن عبدالله ـ : كان سادن ( شداخ ) صنم بني سليم ، وكان يُدْعَى غاوي بن ظالم ، قدم على النبي(صلى الله عليه وآله) فأسلم فقال له : ما اسمك ؟
قال : غاوي بن ظالم .
قال(صلى الله عليه وآله) : بل أنت راشد بن عبدالله(4) .
وقال ابن إسحاق : ارتجز المسلمون في الخندق برجل يقال له : جعيل ـ بضم الجيم ، أو جعالة ـ بن سراقة ، وكان رجلاً دميماً ، وكان يعمل في الخندق ، فغيّر رسول الله اسمه يومئذ فسماه عَمْراً ، فجعل المسلمون يرتجزون ويقول :
____________
1- تقريب المعارف : 270 ، الشافي في الإمامة 4 : 295 ، شرح نهج البلاغة 8 : 258 .
2- صحيح البخاري 5 : 2288 و 2289 رقم 5836 ورقم 5840 ، وانظر عمدة القارئ 16 : 290 .
3- المستدرك على الصحيحين 4 : 307 ح 7727 .
4- الجرح والتعديل 3 : 482 ت 2177 .
________________________________________ الصفحة 86 ________________________________________
سمّاه من بعد جعيل عَمْرا وكان للبائِس يوماً ظهرا
وجعل رسول الله(صلى الله عليه وآله) لا يقول شيئاً من ذلك ، إلاّ إذا قالوا : عمرا ، وإذا قالوا : ظهرا ، قال(صلى الله عليه وآله) : عمراً وظهراً ، ولا يقول باقي الشعر ، وكان جعيل بن سراقة
يعمل معهم ويقول مثل قولهم و يضحك إليهم ، فعلموا أ نّه لا يسوؤه ارتجازهم به(1) .
وعن زينب بنت أبي سلمة ، قالت : سُمِّيتُ برَّة ، فقال رسول الله : لا تزكُّوا أنفسكم ، الله أعلم بأهل البرّ منكم ، سمّوها زينب(2) .
وعن ابن عمر : إنّ بنتاً كانت لعمر يقال لها : عاصية ، فسماها رسول الله : جميلة . رواه مسلم(3) .
وفي التاريخ الكبير : راشد السلمي ، أبو أثيلة ، حجازيٌّ ، قال إبراهيم بن المنذر : حدّثنا خالي محمّد بن إبراهيم ، عن راشد بن حفص بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف : كان جدّي من قِبَلِ أ مّي يُدعى في الجاهلية ظالماً ،
فقال النبي(صلى الله عليه وآله) : اسمك راشد ، قال راشد بن حفص : سمّتني أمّي باسم
جدّها(4) .
وفي أسد الغابة : ولد أسعد بن سهل بن حنيف في حياة النبي قبل وفاته بعامين ، وأتى به أبوه النبيَّ(صلى الله عليه وآله) فحنّكه وسمّاه باسم جدّه لأُمّه : أسعد بن زرارة
____________
1- سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي 4 : 366 ، سيرة ابن كثير 3 : 183 ، المجازات النبويّة للرضي : 75 والنص منه .
2- انظر صحيح مسلم 3 : 1687 ح 2142 .
3- مشكاة المصابيح 3 : 1345 وانظر صحيح مسلم 3 : 1686 ـ 1687 ح 2139 .
4- التاريخ الكبير 3 : 291 ت 993 ، وتعجيل المنفعة 1 : 122 .
________________________________________ الصفحة 87 ________________________________________
وكناه بكنيته(1) .
بهذه الثقافة وهذه الأصول رسم الإسلام القواعد العامّة للتسمية ، و إنّ رسول الله قد غيّر اسم ابن أبي قحافة من ( عبدالكعبة ) إلى عبدالله ، كما غيّر اسم ابن عوف من ( عبدالحارث )(2) إلى عبدالرحمن ، واسم ( شعب الضلالة ) إلى شعب الهدى ، و ( بني الريبة ) إلى بني الرشدة ، و( بني معاوية ) إلى بني المرشدة ، وسمَّى يثرب : طيبة ، وزيد الخيل إلى زيد الخير(3) .
وغيّر اسم ابن أبي سلول المسمّى في الجاهلية بـ ( الحباب ) إلى عبدالله ، وقال : حباب اسم شيطان .
وسمّى الحصين بن سلاّم ـ الحبر عالم أهل الكتاب ـ بعبدالله .
والحكم بن سعيد بن العاص سماه عبدالله .
وعبدالحجر سماه عبدالله .
وجبار بن الحارث سماه عبدالجبار .
وعبد عمرو ويقال عبدالكعبة ـ أحد العشرة ـ سماه عبدالرحمن .
وعبد شرّ ـ من ذوي ظليم ـ سمّاه عبد خير .
وأبو الحكم بن هاني بن يزيد سمّاه أبا شريح بأكبر أولاده .
وسمّى حرباً مسلماً(4) .
وقال رسول الله : لا تسمّوا صبًّا ولا حرباً ولا مرّةً ولا خناساً ; فإنها من أسماء الشيطان(5) .
____________
1- أسد الغابة 1 : 72 ، الاصابة 1 : 181 ت 414 .
2- لأن الحارث من أسماء الشيطان .
3- شرح نهج البلاغة 19 : 366 ، وانظر فتح الباري 7 : 9 ، المعارف : 235 ، سنن أبي داود 4 : 289 ح 4956 ، طبقات ابن سعد 1 : 292 ، وفيه من بني الزنية إلى بني الرشدة ، وكذا في الاصابة وتاريخ دمشق وسنن أبي داود، مصنف عبدالرزاق 9 : 267 ح 17167 ، الكشاف 4 : 94 ، المعجم الكبير 10 : 202 ح 10464 .
4- سبل الهدى والرشاد 9 : 360 ـ 361 بتصرّف .
5- الجامع في الحديث 1 : 120 بتصرف .
________________________________________ الصفحة 88 ________________________________________
وقال : لا تسمين غلامك يساراً ولا رباحاً ولا نجيحاً ولا أفلح(1) .
وعن الصادق أ نّه قال : إنّ رسول الله دعا بصحيفة حين حضره الموت يريد أن ينهى عن أسماء يُتَسَمَّى بها ، فقبض ولم يسمِّها ، منها : الحكم وحكيم وخالد ومالك ، وذكر أ نّها ستة أو سبعة ممّا لا يجوز أن يتسمى بها(2) .
وعن أبي جعفر الباقر : إنّ أبغض الأسماء إلى الله عزّوجلّ حارث ومالك وخالد(3) .
وعن شريح بن هاني ، عن أبيه : أ نّه لمّا وفد إلى رسول الله مع قومه سمعهم يكنّونه بأبي الحكم ، فدعاه رسول الله فقال : إنّ الله هو الحَكَمُ و إليه الحُكْمُ ، فلِمَ تكنى أبا الحكم ؟
قال : إنّ قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين بحكمي .
فقال رسول الله : ما أحسن هذا ، فما لك من الولد ؟
قال : لي شريح ، ومسلم ، وعبدالله .
قال(صلى الله عليه وآله) : فمن أكبرهم ؟
قال قلت : شريح .
قال : فأنت أبو شريح ، رواه أبو داود والنسائي(4) .
____________
1- صحيح مسلم 3 : 1685 ح 2137 ، سنن أبي داود 4 : 290 ح 4958 ، المعجم الكبير 7 : 188 ح 6793 .
2- الكافي 6 : 20 ـ 21 ح14 ، التهذيب 7 : 439 ح 15 ، وعنهما في وسائل الشيعة 21 : 398 ح 1 وقد علّق المجلسي في مرآة العقول 21 : 36 على الخبر بقوله : ( لا يبعد أن يكون الثلاثة المتروكة أسماء الثلاثة الملعونة : عتيقاً وعمر وعثمان ، وترك ذكرهم تقية ) وقد يكون الإشارة إلى الشيخين فقط ، لان الإمام قال : أ نّها سته أو سبعة . فلا يعقل ان ينسى الإمام .
3- الكافي 6 : 21 ح 16 .
4- سنن أبي داود 4 : 289 ح 4955 ، سنن النسائي الكبرى 3 : 466 ح 5940 .
________________________________________ الصفحة 89 ________________________________________
وعليه ، فإنّ أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتحسين الأسماء ونهيه من التسمية بالأسماء القبيحة وتغييره لبعض الأسماء ، كلها تشير إلى أنّ المعاني ملحوظة في التسميات عند المسلمين وأ نّها لم تكن ارتجالية بحته ، وأنّ الإسلام لا ينظر إلى الاسم على أ نّه علامة فقط ، بل إنّ الاسم عنده مشتق من ( سما يسمو ) ، أي يلحظ فيه العلو والرفعة مع لحاظ العلمية ، أو من ( وسم يَسِمُ ) لكن يلحظ فيه العلامة الصالحة والسِّمة المعبِّرة عن الشخص بما لها من دلالة إيجابيّة ، ولذلك دعا الإسلام إلى تحسين التسمية .
وهو الآخر يشير إلى وجود الرابطة بين المعتقد والتسمية ، وقد مرّ عليك بأنّ ربّ العالمين أنكر على المشركين تسميتهم آلهتهم بالعزّى وأمثالها بقوله ( إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَان )(1) ، وهو ليؤكّد بأنّ الإسلام جاء ليهذّب اللغة ، ويربّي الإنسان على الأخلاق الفاضلة والكلمات الجميلة الحسنة ، وأن يبتعد عن التنابز بالألقاب ، والتسمية بالأسماء القبيحة ، كما أ نّه جاء ليغيّر المفاهيم الجاهلية إلى مفاهيم توحيدية .
فسعى إلى تغيير الأسماء الجاهلية كعبدالكعبة ، وعبدالعزّى ، وعبدالحارث ، إلى عبدالله ، وعبدالخالق ، وعبدالرحمن ، ففي كتاب ( المنتخب ) للطريحي ، ـ في خبر ـ في دخول نصراني من ملك الروم على رسول الله إلى أن قال : فقال(صلى الله عليه وآله) : ما اسمك ؟ فقلت : اسمي عبدالشمس ، فقال لي : بَدِّل اِسمَكَ فإنّي أُسمِّيك عبدالوهَّاب(2) .
فالتسمية إذن ترتبط بالمعتقد كما هي علامة كذلك ، وإنّ علماء الاجتماع والتاريخ واللغة يدرسون هذه الروابط في بحوثهم ، لأ نّهم لو أرادوا التعرّف على
____________
1- النجم : 23 .
2- مستدرك وسائل الشيعة 15 : 128 ح 7 ، بحار الانوار 45 : 189 ح 36 .
________________________________________ الصفحة 90 ________________________________________
قناعات مجتمع ما لابدّ لهم من دراسة عقائدهم وأعرافهم ، وقد لا يحصل لهم ذلك إلاّ من خلال وقوفهم على التسميات ، لأن الأسماء لها ارتباط بالمسمى و يلمح إلى الاتجاه الفكري للطرف الآخر وما يحمله من فكر وعقائد ، و إنّك اليوم ترى أوّل ما تقوم به الثورات هو تغيير وتبديل أسماء المراكز والساحات والمدن للدلالة على أنّ الوضع قد تغيّر في غالب معاييره .
رسول الله حينما غيّر اسم عاصية إلى جميلة ، أو العاص إلى عبدالله ، أراد أن لا يظن من يسمع باسم العاصي أنّ ذلك صفة له ، أو أ نّه إنّما سُمّي بذلك لمعصيته ربّه ، فحوّل ذلك إلى ما إذا دُعي به كان صدقا مثل عبدالله .
وأ مّا تحو يله ( برَّة ) إلى زينب ، فلأنَّ ذلك كان تزكية ومدحاً لها ، فحوّله إلى ما لا تزكية فيه بل فيه نوع من المدح والتفاؤل بالبِرِّ . وعلى هذا النحو سائر الأسماء التي غيّرها رسول الله .
فأولى الأسماء أن يتسمّى الإنسان بها أقربها إلى الصدق وأَحراها أن لا يُشْكَلَ على سامعها ، لأنّ الأسماء إنّما هي للدلالة والتعريف(1) .
وكذا الحال بالنسبة إلى الأسماء المنهيّ عنها مثل : حكم ، وحكيم ، وخالد ، ومالك ، وحارث ، فقد نهى(صلى الله عليه وآله) عنها لدلالة بعضها على الصفات الإلهية ، أو لكونها اسماً للشيطان ، ومن الثابت بأنّ التسمية بهذا اللحاظ منهيٌّ عنها ، أ مّا لو أريد من اسم مالك أ نّه مالك لأَرْبِهِ ، أو مالك لنفسه ، فلا نهي عنه ، و إنّا سنعود إلى توضيح هذا الأمر في الصفحات اللاّحقة إن اقتضى الأمر .
____________
1- شرح ابن بطال 17 : 433 .1 ـ التسمية حقّ مَن ؟1 ـ لمّا وُلِدْتُ أتى بي أبي علياً فأخبره ففرض لي في مائة .2 ـ ثمّ أعطى أبي عطائي .3 ـ فاشترى أبي منها [أي من المائة] سمناً وعسلاً .4 ـ طلب سعد من الإمام ، وهذا ما لا نلاحظه في نص ابن شبة . في حين الموجود في نص ( تاريخ المدينة ) لابن شبة :1 ـ أنّ الإمام عليّاً لم يأت بولده إلى عمر بن الخطاب بل أخبره عَرَضاً .2 ـ لم نقف على زيادة من الإمام عليّ لعطية على ما فرض له من حقّ كأحد المسلمين ، لكنّا وقفنا على هذه الزيادة عند عمر إذ قال : ( وهبته غلامي موركا ) .3 ـ طلب عمر من الإمام أن يسمّي ابنه ، بعكس سعد بن جناده الذي طلب من الإمام أن يسمّي ابنه .2 ـ أهمية التسمية في الإسلام
التعلیقات