وضع الأسماء عند العرب
التسميات
منذ 13 سنةالتسميات بين التسامح العلويّ والتوظيف الأمويّ ص27 ـ 54 (لـ السيّد علي الشهرستاني))
________________________________________ الصفحة 27 ________________________________________
وضع الأسماء عند العرب
أ مّا الكلام في المقدمة الأولى :
فالعرب كانوا يلحظون في التسمية إحدى جهات خمس .
قال الجاحظ : الأسماء ضروب ، منها شيء أصليٌّ كالسماء ، والأرض ، والهواء ، والماء ، والنار .
وأسماء أخر مشتقات منها على جهة الفأل .
وعلى شكل اسم الأب ، كالرجل يكون اسمه عمر فَيُسَمِّي ابنه عميراً ، و يُسَمِّي عميرٌ ابنَهُ عمرانَ ، ويُسَمِّي عمرانُ ابنه مَعْمَراً .
وربّما كانت الأسماء بأسْماءِ الله(1) ، مثل ما سمَّى اللهُ عزّ وجلّ أبا إبراهيم آزر ، وسمى إبليس بفاسق .
وربّما كانت الأسماء مأخوذة من أمور تحدث في الأسماء ، مثل يوم العروبة سمِّيت في الإسلام يوم الجمعة ، واشتق له ذلك من صلاة يوم الجمعة(2) .
والجاهليون كانوا يحبّذون الغرابة في أسمائهم ، وقد علل الزمخشري سبب ذلك قائلا : كُلَّما كان الاسم غريباً كان أشهر لصاحبه وأمنع من تعلق النبز به ، قال رؤبة :
قد رَفَعَ العجّاجُ ذِكْري فآدْعُنِي باسمي إذ الأسماءُ طالت يَكْفِنِي(3)
____________
1- أي بتسمية الله للشيء .
2- الحيوان للجاحظ 1 : 179 باب تعليل التسمّية ببعض الأشياء .
3- ربيع الابرار 3 : 18 / باب الأسماء والكنى .
________________________________________ الصفحة 28 ________________________________________
و يشهد بفضل غرابة الاسم قوله تعالى : ( لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً )(1) .
قال ابن الجوزي : فإن اعترض معترض فقال : ما وجه المدحة باسم لم يسمّ به أحد قبله ، ونرى كثيراً من الأسماء لم يسبق إليها ؟ فالجواب : أنّ وجه الفضيلة أنّ الله تعالى تولّى تسميته ولم يَكِلْ ذلك إلى أبويه ، فسمّاه باسم لم يسبق إليه(2) .
وفي بحارالأنوار في قوله تعالى : ( أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى )(3) سمّاه الله بهذا الاسم قبل مولده ، واختلف فيه لم سمّي بيحيى ؟ فقيل : لانّ الله أحيا به عقر أمّه ، عن ابن عبّاس ، وقيل : لأنّ الله سبحانه أحياه بالإيمان ، عن قتادة ، وقيل : لأ نّه سبحانه أحيا قلبه بالنبوّة ، ولم يسمّ قبله أحداً بيحيى(4) .
ولا يخفى عليك بأنَّ تنوُّع الأَسماء يختلف باختلاف المُسَمِّين وما يدور في خزائن أَخيلتهم ممّا يألفونه و يجاورونه و يخالطونه ، و إنّ غالب أسماء العرب كانت توضع على الفأل ، لأنَّ الأسماء الحسنة الجميلة تبعث على التفاؤل ، أ مّا الأسماء الخبيثة الرديئة فإنّها تولي التشاؤم .
والإسلام حبّذ التفاؤل ولم ينه عنه ، وكذا التشاؤم من الأسماء القبيحة ، بل قيل : إنّ رسول الله كان يتأثّر من الأسماء القبيحة و يفرح بالأسماء الحسنة ، وكان يقول إذا أعجبته كلمة : أخذنا فالك من فيك ، و إنّه(صلى الله عليه وآله) يعجبه إذا خرج لحاجة أن يسمع : يا راشد يا نجيح ، وإنّه قال : لا عدوى ولا طيرة و يعجبني الفأل(5) .
____________
1- مريم : 7 .
2- زاد المسير 5 : 211 ، وعمدة القارئ 26 : 20 .
3- آل عمران : 39 .
4- بحار الأنوار 14 : 169 .
5- انظر المفصل في تاريخ العرب 12 : 379 ، وانظر حديث (أخذنا فألك من فيك) في سنن أبي داود 4 : 18 ح 3917 ، وحديث (لا عدوى ولا طيره ...) في صحيح البخاري 5 6 2171 ح 5424 ، صحيح مسلم 4 : 1746 ح 2224 ، وعن علي بن أبي طالب : العين حقّ ، والرُّقَى حقّ ، والسحر حقّ ، والفال حقّ ، والطيرة ليست بحقّ ، والعدوى ليست بحق . نهج البلاغة : 546 رقم 400 تحقيق صبحي الصالح .
________________________________________ الصفحة 29 ________________________________________
وقال الأصمعي : قلت لابن [عون] : ما الفأل ؟ قال : هو أن تكون مريضاً فتسمع : يا سالم ، أو باغياً فتسمع : يا واجد(1) .
وجاء في كتاب ( موطأ مالك ) : أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) طلب من الحاضرين أن يحلبوا شاة ، فقام رجل فقال : أنا ، فقال(صلى الله عليه وآله) : ما اسمك ؟ قال الرجل : مُرَّة ، فقال(صلى الله عليه وآله) له : اجلس ، ثم قال : من يحلب هذه ؟ فقام رجل آخر ، فقال له : ما اسمك ؟ قال : حرب ، فقال له : اجلس ، ثم قال : من يحلب هذه ؟ فقام رجل فقال : أنا ، قال : ما اسمك ، قال : يعيش ، فقال له رسول الله : احلب .
فكره مباشرة المسمّى بالاسم المكروه لحلب الشاة(2) .
وفي السيرة الحلبية عن صاحب شفاء الصدور : إنّ حليمة قالت : استقبلني عبدالمطلب ، فقال : من أنت فقلت : أنا امرأة من بني سعد .
قال : ما اسمك .
قلت : حليمة ، فتبسم عبدالمطلب وقال : بخ بخ سعد وحلم ، خصلتان فيهما خير الدهر وعزّ الأبد ، يا حليمة إنّ عندي غلاماً يتيماً وقد عرضته على نساء بني سعد فأبين أن يقبلن وقلن : ما عند اليتيم من الخير ، إنّما نلتمس الكرامة من الآباء ، فهل لك أن ترضعيه ..(3) .
وروى أبو داود من حديث بريدة أنّ النبي كان لا يتطيّر من شيء ، وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه ; فإذا أعجبه اسمه فرح به ورؤي بشر ذلك في وجهه ،
____________
1- غريب الحديث لابن قتيبة 2 : 518 ، التمهيد لابن عبدالبر 24 : 73 ، 192 ، والخبر عنه .
2- تحفة المولود : 120 ، عن الموطأ 2 : 973 ح 1752 .
3- السيرة الحلبية 1 : 148 .
________________________________________ الصفحة 30 ________________________________________
و إن كره اسمه رؤي كراهية ذلك في وجهه ، و إذا دخل قرية سأل عن اسمها ; فإن أعجبه فرح بها ورؤي بشر ذلك في وجهه ، و إن كره اسمها رؤي كراهية ذلك في وجهه(1) .
إذن كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته يتشاءمون من الأسماء القبيحة كما كانوا يتفاءلون بالأسماء الحسنة ، وكانوا يأمرون بالتسمية بالأسماء الحسنة و ينهون عن التسمية بالأسماء السيئة .
ففي معجم البلدان : إنّ الحسين(عليه السلام) لمّا انتهى إلى كربلاء وأحاطت به خيل عبيدالله بن زياد قال : ما اسم تلك القرية ـ وأشار إلى العقر ـ فقيل له : اسمها العقر ، فقال : نعوذ بالله من العقر ، فما اسم هذه الأرض التي نحن فيها ؟ قالوا : كربلاء ، قال : أرض كرب وبلاء ، وأراد الخروج منها ، فمنع حتّى كان ما كان(2) .
وقد اشتهر عن العربي أ نّه إذا ولد له ولد يخرج فأوّل شيء يستقبله سمّاه به(3) ، فقد يسمّي العربي ابنه بأسماء الوحوش أو الحشرات أو النبات ، أو أ نّه يسمّيه بأسماء مبهمة وقبيحة ، لأنّ أكثر أسماء العرب منقولة عمّا يدور في خيالهم ، ولو تأملت في القاموس العربي لوقفت على أسماء لكثير من الصحابة دالة على ما نقول ، مثل :
____________
1- سنن أبي داود 4 : 19 ح 3920 ، عمدة القاري 21 : 274 باب الفأل ، وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله)يغيّر الاسم الذي يكرهه ، انظر مثال ذلك في معجم ما استعجم 3 : 991 .
2- معجم البلدان 4 : 136 ، وفي فيض القدير 1 : 319 حرف الهمزة : ولمّا نزل الحسين بكربلاء سأل عن اسمها فقيل كربلاء فقال : كرب وبلا فجرى ما جرى .
3- تهذيب الكمال 21 : 65 ، انظر الحيوان للجاحظ 1 : 178 .
________________________________________ الصفحة 31 ________________________________________
________________________________________ الصفحة 32 ________________________________________
وهناك أسماء كثيرة أخرى غير مألوفة نراها في كتاب ( الإصابة في معرفة الصحابة ) ، مثل : أبير(1) ، وأحيحة(2) ، والأخنس(3) ، والأربد(4) ، والأشر(5) ، وأصعر(6) ، وأط(7) ، وأكتل(8) ، وأنجشة(9) ، وأنيف(10) ، وأهود(11) ، وأيفع(12) ، وبجالة(13) ، وبحينة(14) ، وبداح(15) ، وبرح(16) ، وبريل(17) ،
____________
1- وهو أبير بن يزيد بن عبدالله التيمي ، له إدراك ، انظر ترجمته الاصابة 1 : 185 ت 420 .
2- أُحيحة بن اُمية ، مذكور في المؤلفة قلوبهم ، انظر الاصابة 1 : 34 ت 54 .
3- الأخنس بن شريق بن عمرو ، انظر الاصابة 1 : 38 ت 40 .
4- أَربد بن رقيش الأسدي ، انظر الاصابة 1 : 227 ت 512 .
5- الأشر ، قيل : هو اسم أبي ثعلبة الخشني ، انظر الأصابة 1 : 110 ت 245 .
6- أصعر بن قيس ، له إدراك ، انظر الاصابة 1 : 207 ت 474 .
7- أُطّ بن أبي أُط ، أحد بني سعد بن بكر ، انظر الأصابة 1 : 207 ت 477 .
8- أكْتل بن شمّاخ ، شهد الجسر مع أبي عبيد ، انظر الاصابة 1 : 209 ت 484 .
9- أنجشة الأسود الحادي ، قيل : كان من المخنّثين في عهد رسول الله ، انظر الاصابة 1 : 119 ت 261 .
10- أُنيف بن مَلّة الجذامي ، من بني الصيب له صحبة ، انظر الاصابة 1 : 140 ت 303 .
11- أهود بن عياض الأزدي ، نعى رسول الله إلى حمير ، انظر الاصابة 1 : 142 ت 311 .
12- أيفع بن عبد كلال الحميري ، له صحبة ، انظر الاصابة 1 : 169 ت 391 .
13- بجالة بن عبدة التميمي العنبري ، أدرك النبي ولم يره ، انظر الاصابة 1 : 339 ت 761 .
14- بُحينة ، ذكره عبدان في الصحابة ، انظر الاصابة 1 : 354 ت 797 .
15- البدّاح بن عدي الأنصاري ، يقال : له صحبة ، انظر الاصابة 1 : 355 ت 800 .
16- بِرْح بن عُسْكر بن وتار بن كزغ ، له وفادة على النبي ، الاصابة 1 : 284 ت 625 .
17- بَريل الشهالي ، قيل : له صحبة ، انظر الاصابة 1 : 287 ت 634 .
________________________________________ الصفحة 33 ________________________________________
وبسبسة(1) ، وبعجـة(2) ، وبليخ(3) ، وبنة(4) ، وبهَيْس(5) ، وثروان(6) ، وثقاف(7) ، والثلب(8) ، وجحدمة(9) ، وجرثوم(10)، وجعونة(11) ، وجفشيش(12) ، وجيفر(13)، وحدرد(14)، وحسحاس(15)، وخولي(16)، وحيويل(17) ، وخرشة(18)، وخمخام(19)، وخنافر(20) ، وخوط(21) ، ودلهمس(22) ، ودمون(23) ، وذفافة(24) ،
____________
1- بَسْبَسة بن عمرو ، شهد بدراً ، انظر الاصابة 1 : 288 ت 640 .
2- بَعْجة بن زيد الجذامي ، روى عن رسول الله ، انظر الاصابة 1 : 320 ت 719 .
3- بُليخ بن محشى ، شاعر له ما يدل على أ نّه صحابي ، انظر الاصابة 1 : 329 ت 744 .
4- بَنة الجهني ، له رواية في جامع المسانيد والسنن ، انظر الاصابة 1 : 329 ت 747 .
5- بُهَيْس بن سلمى التميمي ، روى عن رسول الله ، انظر الاصابة 2 : 331 ت 752 .
6- ثروان بن فزاره بن عبديغوث ، له وفاده ، انظر الاصابة 1 : 400 ت 924 .
7- ثِقاف بن عمرو العدواني ، من المهاجرين الأوّلين ، انظر الاصابة 1 : 410 ت 959 .
8- الثَّلب العنبري ، انظر الاصابة 1 : 428 ت 1006 .
9- جَحْدَمة ، له صحبة ، انظر الاصابة 1 : 466 ت 1107 .
10- جُرْثوم أبو ثعلبة الخشني ، انظر الاصابة 1 : 470 ت 1122 .
11- جَعونَة بن شعوب الليثي ، له إدراك ، انظر الاصابة 1 : 537 ت 1292 .
12- جفشيش بن النعمان الكندي ، انظر الاصابة 1 : 491 ت 1176 .
13- جَيفر الازدي وفد على أبي بكر من عمان بعد موت النبي الاصابة 1:542 ت 1311.
14- حدرد بن أبي حدرد ، روى عن رسول الله ، انظر الاصابة 2 : 42 ت 1642 .
15- حسحاس بن الفضيل الحنظلي ، روى عن رسول الله ، انظر الاصابة 2 : 68 ت 1716 .
16- خَولي بن خولي الجعفي ، قيل شهد بدراً ، انظر الاصابة 2 : 348 ت 2302 .
17- حَيويل بن ناشرة ، له إدراك ، انظر الاصابة 2 : 188 ت 2025 .
18- خَرشة بن الحارث ، له صحبة ، انظر الاصابة 2 : 272 ت 2241 .
19- خَمْخام بن الحارث ، قيل وفد على الرسول ، انظر الاصابة 2 : 344 ت 2293 .
20- خُنافر بن التؤام الحميري ، اسلم على يد معاذ ، انظر الاصابة 2 : 362 ت 2344 .
21- خوط الأنصاري ، صحابي ، انظر الاصابة 2 : 382 ت 2386 .
22- دلهمس بن جميل العامري ، روى عن النبي ، انظر الاصابة 2 : 390 ت 2404 .
23- دَمون، رفيق المغيرة بن شعبة في سفره إلى المقوقس بمصر، انظر الاصابة 2 : 390 ت 2406 .
24- ذُفافة الراعي ، انظر الاصابة 2 : 405 ت 2437 .
________________________________________ الصفحة 34 ________________________________________
وذؤالة(1) ، ورويفع(2) ، وزنباع(3) ، وزنيم(4) ، وسحيم(5) ، وسخبرة(6) ، وسخرور(7) ، وشعبل(8) ، وعثعث(9) ، ودعثور(10) ، وعداس(11) ، وعرام(12) ، إلى غيرها من عشرات الأسماء ، وغالبها أسماءٌ غير مأنوسة ، وقد تكون في بعض الأحيان قبيحة .
وقد يسمّي العربي نفسه وابنه بالصفات فيقال : الأسود بن أبيض(13) ، وأبيض بن أسود(14) وأبيض بن حمّال(15) وأسمر بن أبيض(16) و ...
وعليه فالتسمية عند العربي هي إمّا طبق إحدى الاحتمالات الخمسة التي قالها الجاحظ .
أو هي مبتنية على احتمالات أخرى : كالارتجال ، وكإخافة العدوّ ، وكتسمية الشيء بضِدِّه ، وأمثالها . ولولا نهي الرسول عن التسمية بالأسماء القبيحة والمهملة
____________
1- ذؤالة بن عوقلة اليماني ، انظر الاصابة 2 : 405 ت 2437 .
2- رُويفع مولى النبي ، انظر الاصابة 2 : 501 ت 2702 .
3- زِنباع بن سلامة ، له صحبة ، انظر الاصابة 2 : 568 ت 2819 .
4- زنيم قيل له صحبة ، انظر الاصابة 2 : 570 ت 2821 .
5- سُحيم بن خفاف له صحبة ، انظر الاصابة 2 : 35 ت 3097 .
6- سَخبَرة بن عبيدة الاسدي روى عن النبي ، انظر الاصابة 3 : 36 ت 3101 .
7- سخرور بن مالك الحضرمي ، يقال : له صحبة ، انظر الاصابة 3 : 36 ت 3102 .
8- شعبل بن أحمر التميمي يقال : له صحبة ، انظر الاصابة 3 : 350 ت 3916 .
9- عثعث بن عمرو الكندي ، انظر الاصابة 5 : 122 ت 6418 .
10- دعثور بن الحارث ، شهد مع النبيّ غزوة أنمار ، انظر الاصابة 2 : 387 ت 2398 .
11- عداس مولى شيبة بن ربيعة ، انظر الاصابة 3 : 466 ت 5472 .
12- عرام بن المنذر ، انظر الاصابة 5 : 123 ت 6422 .
13- انظر الاصابة 1 : 67 ت 146 .
14- انظر الاصابة 1 : 23 ت 18 .
15- انظر الاصابة 1 : 23 رقم 19 .
16- انظر الاصابة 1 : 67 ت 145 .
________________________________________ الصفحة 35 ________________________________________
لبقيت هذه الأسماء عندنا ولحدّ اليوم ، وانّ عدم وجودها اليوم هو من بركة النبيّ الاعظم(صلى الله عليه وآله) .
والآن لنتكلّم بعض الشيء عن الاسم وأصل اشتقاقه من أيّ شيء سيكون ، وهل هو من ( سما يسمو ) ، أي يلحظ المعنى فيه مع العلمية ، أو قل : غلبة المعنى على العلمية .
أم أنّ دلالته على العلمية والعلامة فقط ؟
وكيف كانت نظرة رسول الله وأئمة أهل البيت إلى الأسماء ، وهل أ نّهم يسمون بأسماء مخالفيهم أم لا ؟
بل ما هي الاطر التي تتأطر بها التسميات عندهم . بل ماذا تعني أسمائهم(عليهم السلام) ، وأ نّها تدخل ضمن أي الأقسام التي سنبينها .
وهل أن هذه الأسماء كانت موجودة في الجاهلية .
أم أ نّها حادثة جاءت مع مجي الإسلام ؟
اشتقاق الاسم ارتجالي أم معنوي ؟
لا أقصد بكلامي المعنى المصطلح للاسم عند الصرفيين والنحاة ; إذ المنقول هو قبال المرتجل لا المعنوي ، لكنّي هنا أردت بيان حالة العرب واقرارها للأسماء القبيحة ، والمهملة ـ التي لا معنى لها ـ لأنَّ العَلَمَ المرتجل هو ما وضع لشيء لم يسبق له استعمال قبل العلمية ، والمنقولَ هو ما استعمل قبل التسمية في غيرها ثمّ نقل إليها ، وهو الغالب في الأعلام .
فـ ( أَسَد ) مثلاً منقول عن الحيوان إلى الإنسان ، أو أ نّه منقول عن صفة نحو كريم ، وكلاهما يمكن لحاظ المعنى فيه ، لكن بفارق أنّ الذي يلحظ المعنى في الألفاظ أكثر من الذي يأخذها ارتجالاً .
________________________________________ الصفحة 36 ________________________________________
وقد اختلف النحاة في أصل اشتقاق الاسم ، فذهب الكوفيّون إلى أ نّه مشتقّ من ( وَسَمَ يَسِمُ ) ، والوسم : هو العلامةُ ، والعلامة عندهم تغلب على السُّمُوُّ والرفعة في المعنى .
وذهب البصريون إلى أ نّه مشتق من ( سما يسمو ) ، والسموّ : هو العلوّ والرفعة .
وبذلك يكون أصل الاسم على رأي الكوفيين ( وَسْماً ) حذفت فاؤه ـ التي هي الواو ـ وعوّض عنها الهمزة ، وإنّما سُمّي اسماً ; لأ نّه سمة وعلامة توضع على الشيء ، يعرف بها .
وأ مّا البصريون فأخذوه من السُّمُوّ على وزن العُلُوّ والغُلُوّ ، ثم حذفت لامه ـ التي هي الواو ـ وعوّض عنها الهمزة في أوله ، وسمي اسماً ; لأ نّه
سما بمسمّاه فرفعه وكشـف معناه ، وقيل : سمّي بذلك لعلوّه على قسـيميه ـ الفعل والحرف ـ .
قال ابن دريد في مقدِّمة كتابه الاشتقاق : وكان الذي حدانا على إنشاء هذا الكتاب أنّ قوماً ممن يَطعنُ على اللسان العربي و ينسب أهله إلى التسمية بما لا اصل له في لغتهم ، و إلى ادِّعاء ما لم يقع عليه اصطلاح من أوَّليَّتهم ، وعدّوا أسماء جهلوا اشتقاقها ولم ينفذ علمهم في الفحص عنها ، فعارضوا بالإنكار ، واحتجّوا بما ذكره الخليل بزعمهم ...(1) .
وكان ابن دريد قد قال قبله عن الجاهليين العرب : (لهم مذاهب في أسماء أبنائهم وعبيدهم وأتلادهم ، فاستشنع قوم ـ إمّا جهلاً و إمّا تجاهلاً ـ تسميتهم كلباً وكُليباً وأكلُبَ ، وخنزيراً وقرداً ، وما أشبه ذلك ، مما لم يُسْتَقْصَ ذكره ، فطعنوا من حيث لا يجب الطعن ، وعابوا من حيث لا يُسْتنبط عيب ، فشرحنا في كتابنا هذا
____________
1- الاشتقاق لابن دريد : 4 .
________________________________________ الصفحة 37 ________________________________________
أسماء القبائل والعمائر وأفخاذها وبطونها وتجاوزنا إلى أسماء ساداتها وثُنيْانِها وشعرائها وفرسانها ...)(1) .
وعن أحمد بن أشيم ، عن الرضا(عليه السلام) ، قال : قلت له : لم سموا [العرب ]أولادهم بكلب ونمر وفهد وأشباه ذلك ؟
قال : كانت العرب أصحاب حرب ، فكانت تُهَوِّل على العدوّ بأسماء أولادهم ، ويسمّون عبيدهم : فرج ، ومبارك ، وميمون ، وأشباه ذلك يتيمنون بها(2) .
وعليه فالأسماء والكنى والألقاب وضعت عند العرب لدوافع مختلفة عندهم .
فقد يلقبون الاشخاص بالصائغ والاسكافي والبزاز لمهنتهم .
وقد يسمونهم بحجة الإسلام وشيخ الطائفة وسيد الأمة وزين العابدين لرفعة مكانتهم .
وقد يطلقون عليهم البغدادي والكوفي والقزو يني نسبة إلى بلدهم .
وقد يأتون باللقب والكنية لعاهة فيه فيقولون : الاعمش ، والاحول ، والبصير .
وقد يسمون و يكنون ويلقبون بالضد .
إذن المثقّفون من العرب كانوا يلحظون المعاني حين تسميتهم للأشياء ، ولأجل ذلك خاطبهم البارئ تعالى في محكم كتابه مبيِّناً خطأ تسميتهم للأصنام بعزّى وأمثالها في قوله تعالى : ( إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَان )(3) ، لأنّ تلك الأصنام ليست بعزيزة ، ولا توصل من تعبَّد بها
____________
1- الاشتقاق لابن دريد : 3 .
2- عيون أخبار الرضا 1 : 281 ح 89 ، معاني الأخبار 391 ح 35 وعنه في وسائل الشيعة 21 : 390 ح 5 .
3- النجم : 23 .
________________________________________ الصفحة 38 ________________________________________
إلى العزة ، فمن الخطأ البيّن أن يقال لها : عُزَّى .
ومن هذا القبيل الأسماءُ التي جاءت في القرآن أو جاء بها النبي ، حيث إنّها أسماء ملحوظ فيها المعاني لا محالة ، بل إنّ إحدى أهداف الرسالة هي تغيير الوضع الجاهلي في لغته وأفكاره وقيمه ، و إنّ الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) جدّ لتغيير الأسماء القبيحة وتهذيبها ، وخصوصاً التي تحمل مفاهيم خاطئة ، كعبد العزّى ، وعبدالكعبة ، وعبدالحارث ، وعبد شمس ; لأنّ الرّسول محمّد اً(صلى الله عليه وآله) بَدَأَ دعوته بمفاهيم وقيم لم يعرفها الجاهليون ، مع أ نّهم كانوا يتصوّرون بأنّ ما أتى به الرسول ما هو إلاّ تحكيم لسلطانه ، في حين أنّ الأمر لم يكن كذلك ، بل كان يتعلّق بربّ العالمين والمقرَّرات الإلهيّة .
فمن الطبيعي أن يكون للأسماء تأثير على سلوك الفرد سلباً أو إيجاباً ، فلو تسمّى شخص مثلاً باسم ( عالم ) و ( مخترع ) فإِن هذا سيؤثر على سلوكه للتعلّم أكثر كي يكون مبدعاً لأمور جديدة ، ومن هذا الباب جاء التأكيد على التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين ، ليقُتدى بهم والنهي عن التسمية بأسماء أعداء الدين لكي لا يغترّ أحد بالتشبّه بهم أو يتأثّر بسلوكهم ومشاربهم .
وقد ورد عن الحسن البصري أ نّه قال :
إنّ الله ليوقف العبد بين يديه يوم القيامة اسمه أحمد أو محمّد ، قال : فيقول الله تعالى له : عبدي أما استحييت منّي وأنت تعصيني واسمك اسم حبيبي محمّد ؟ فينكس العبد رأسه حياءً ويقول : اللهم إنّي قد فعلت [وندمت] ، فيقول الله عزّ وجلّ : يا جبرئيل خذ بيد عبدي وأدخله الجنّة فإنّي أستحي أن أعذّب بالنار من اسمه اسم حبيبي(1) .
وفي مستدرك وسائل الشيعة : إنّ رجلا يؤتى به في القيامة واسمه محمّد ،
____________
1- المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل : 129 .
________________________________________ الصفحة 39 ________________________________________
فيقول الله له : ما استحيت أن عصيتني وأنت سَمِيُّ حبيبي ! وأنا أستحي أن أعذّبك وأنت سميُّ حبيبي(1) .
وعليه فأسماء الرموز الدينية تأخذ طابعاً مقدّساً فتكون كماهيّاتهم ، فلا يجيز الفقهاء مسّ الأسماء المقدَّسة كأسماء البارئ تعالى وأسماء الأنبياء والأوصياء إلاّ على طهر ، أي أنّ منزلتهم ومكانتهم تكون كالقرآن الذي ( لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ )(2) .
وكذلك هي الحال في الطرف المقابل بالنسبة إلى النهي عن التسمية بأسماء الأعداء ، فقد جاء النهي عنها ، كي لا يطمع أحد أن يكون مَثَلاً مميَّزاً في الشَّرّ ، ولا يكون كيزيد والحجاج المخلَّدَيْن بأعمالهما الاجرامية .
والان يجب أن نتريث بعض الشي كي نرى هل التسمية بعمر قد اثرت على سلوكية عمر الأطراف بن علي بن أبي طالب أم لا ؟
وهل يمكن تصنيف نزاعه مع ابناء أخوته : عبدالله بن الحسن ، وعلي بن الحسين السجاد ، وعبيدالله بن العباس ، والمطالبه بأرث اخوته ابناء أم البنين ـ مع وجودها واستشهادهم قبل العباس بن علي في واقعة الطف ـ ضمن تأثيرات الاسماء ; أم لا ؟
وفوق كُلِّ ذلك ، لو تأمّلت في أسماء الخمسة أصحاب الكساء لرأيت وضعها لم يكن اعتباطياً ، فهي ليست أسماء ارتجالية ، ولا مجرّد أسماءً ذوات معاني لغو يّة بحتة ، بل لوحظ فيها معاني إلهيّة سامية كذلك و إليك توضيح
ذلك .
____________
1- مستدرك 15 : 130 ح 4 .
2- الواقعة : 79 .
________________________________________ الصفحة 40 ________________________________________
أسماء النبي والأئمّة أسماء إلهيّة
فاسم ( محمّد )(صلى الله عليه وآله) لوحظ فيه المحمدة الإلهيّة ، ففي الحديث القدسي : فأنا المحمود وهو أحمد ، ( وقد سمّاه الله تعالى في كتابه محمّداً وأحمدَ ) ، فأمّا اسمه أحمد فهو على وزن ( أَ فْعَل ) مبالغة من صفة الحمد ، ومحمّد ( مُفَعَّل ) مبالغة من كثرة الحمد ، فهو(صلى الله عليه وآله) أجلُّ مَن حَمِدَ ، وأفضل مَنْ حَمِدَ ، أكثر الناس حَمداً ، فهو أحمد المحمودين ، وأحمد الحامدين ، ومعه لواء الحمد يوم القيامة ، وبعثه ربّه مقاماً محموداً(1) .
وكذا اسم عَلِيٍّ(عليه السلام) مُشْتَقٌ من العُلَى الإلهي ، فالله العالي اشتقَّ لذات أميرالمؤمنين اسم ( علي ) من اسمه المقدَّس ، ففي كليهما لوحظت المحمدة والعلوّ الإلهيَّين .
واسما الحسن والحسين أيضاً لوحظ فيهما الحسن الإلهي ، والدين الإسلامي يدعو إلى كل حسن ، ولهذا أَمَرَ رسولُ الله الناسَ بتحسين الأسماء ، فقال : حسِّنوا أسماءكم .
فإن صاحب الاسم الحسن قد يستحي من فعل ما يضادّ اسمه ، وقد يحمله اسمه على فعل ما يناسبه وترك ما يضاده ، لأنّ من يُسَمَّى كريماً أو جواداً يحاول أن يكون أكرم وأجود ممن يكون في مثل شرائطه وظروفه .
واسم فاطمة دلَّ على فطم شيعتها من النار يوم القيامة ، فجاء فيما رواه محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر الباقر ، قول الزهراء لربّ العالمين : إلهي وسيدي سمَّيتني فاطمة وفطمتَ بي مَن توّلاني وتولّى ذريتي من النار ، ووَعْدُكَ الحق وأنت لا تخلف الميعاد .
فيقول الله عزّ وجلّ : صدقتِ يا فاطمة إنّي سمّيتك فاطمة وفطمتُ بك من
____________
1- الشفاء بتعريف حقوق المصطفى 1 : 228 ـ 231 .
________________________________________ الصفحة 41 ________________________________________
أحبّك وتولاّك وأحب ...(1) .
ومن ذلك صفة الهادي ، فقد وضعت لهداية الأمة إلى الحق ، وجعفر سُمّي جعفراً بأسم نهر في الجنة ، وهكذا أسماء وصفات المعصومين اشتقت من أسماء البارئ وصفاته ; قال الشيخ الصدوق في مقدمة ( كمال الدين ) ـ عند بحثه عن قوله تعالى ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْماءَ كُلَّهَا )(2) ـ قال : أراد به أسماء الأئمة(عليهم السلام) ، وللأسماء معان كثيرة وليس أحد معانيها بأولى من الآخر .
وللأسماء أوصاف وليس أحد الأوصاف بأولى من الآخر ، فمعنى الأسماء أ نّه سبحانه علم آدم أوصاف الأئمّة كلّها أَوَّلها وآخرها ، ومن أوصافهم : العلم ، والحلم ، والتقوى ، والشجاعة ، والعصمة ، والسخاء ، والوفاء ، وقد نطق بمثله كتاب الله عزّوجلّ في أسماء الأنبياءٌ كقوله عزّوجلّ : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً )(3) ، وقوله : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَّبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً * وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً * وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً )(4) ، وكقوله عزّوجلّ : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولا نَّبِيّاً * وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً * وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً )(5) ، فوصف الرسل(عليهم السلام) وحمدهم بما كان فيهم من الشيم المرضية والأخلاق الزكية ، وكان ذلك أوصافهم وأسماءهم ، كذلك علّم اللهُ آدمَ الأسماء كلها(6) .
____________
1- علل الشرائع للصدوق 1 : 179 ح 6 .
2- البقرة : 31 .
3- مريم : 41 .
4- مريم : 54 ـ 57 .
5- مريم : 51 ـ 53 .
6- كمال الدين 1 : 15 .
________________________________________ الصفحة 42 ________________________________________
قال ابن عبدالبر في التمهيد : والأسماء هنا الصفات سواء ، فمحمّد ( مُفَعَّل ) من الحمد(1) .
وفي سبل الهدى والرشاد : إذا اشتقت اسماؤه في صفاته كثرت جداً والذي وقفنا عليه من اسمائه(صلى الله عليه وآله) ثلاثمائة وبضع واربعون ، وهي أقسام :
الأول : ما ورد في القران بصريح الاسم ، وعد منها ( 78 ) .
والثاني : ما ورد فيه بصيغة الفعل وعدّ منها ( 44 ) .
والثالث : ما ورد في الحديث والكتب القديمة ، وذكر منها ( 232 )(2) .
التسمية في معانيها الثلاثة
تبيّن مما مرَّ أنَّ وضع الأسماء لا يخرج عند العرب عن نمطين :
وهناك نمط ثالث جاء به الإسلام ، وهو تسمية أولي العصمة بأسماء ملحوظ فيها الأوصاف الإلهيّة والذوات المقدّسة ، ولذلك طابق اسم الحسن والحسين بالعربيّة اسم شبر وشبير بالسريانيّة .
وهذا النمط هو ما فعله الأنبياء والمرسلون والأوصياء(عليهم السلام) ـ أخذاً عن الله ـ في التسميات ، فإنهم لا يسمّون أولادهم إلاّ بعد لحاظ معنى التسمية الإلهيّة فيه .
____________
1- التمهيد 9 : 154 .
2- سـبل الهدى والرشـاد 1 : 410 ، كما في الكنـى والالقاب للشـيخ محمّد رضا المامقاني : 69 .
________________________________________ الصفحة 43 ________________________________________
ومن ذلك تكون تسمية الأئمّة أولادهم غير المعصومين بأسماء حسنة لُغَو يّاً ، أ مّا أسماء المعصومين فهي مشتقة من اسم ربِّ العالمين ; لأ نّه جلّ وعلا اتّخذ الأسماء الحسنة المشتقة من اسمه أسماءً لرسله وأنبيائه وأوليائه ، فقد جاء في الحديث : أنا المحمود وهذا محمّد ، وأنا العليّ وهذا عليّ ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة ، وأنا المحسن وهذا الحسن ، وأنا الإحسان وهذا الحسين(1) .
وعنه(صلى الله عليه وآله) : سمّاني الله عزّ وجلّ من فوق عرشه وشقّ لي اسماً من أسمائه فسمّاني محمّد اً وهو المحمود(2) .
وفي الاحتجاج : قالوا : ولِم سُمِّيتَ محمّداً ؟ قال : سمّاني الله محمّداً واشتق اسمي من اسمه ، وهو المحمود وأنا محمّد ، وأمّتي الحامدون على كلّ حال(3) (4) .
____________
1- شرح الأخبار 3 : 6 ، وانظر شرح الأخبار 2 : 500 ، دلائل الإمامة : 448 .
2- انظر الخصال ، للصدوق : 425 ، وعنه في بحار الانوار 16 : 92 .
3- الاحتجاج 1 : 56 ، وعنه في بحار الانوار 9 : 290 ، 16 : 328 .
4- وفي مسند أحمد وأبي يعلى قال : لما ولد الحسن سمّاه حمزة ، فلما ولد الحسين سماه بعمه جعفر ، قال علي : فدعاني رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال : إني أُمِرْتُ أن اغيّر اسم هذين فقلت : الله ورسوله أعلم ، فسمّاهما حسناً وحسيناً . (مسند أحمد 1 : 159 ح 159 ، مسند أبي يعلى 1 : 384 / ح 498)
وعن محمّد بن علي ، عن أبيه(عليه السلام) : قال رسول الله : أمرت أن أسمّي ابنَيَّ هذين حسناً وحسينا . (مناقب بن شهرآشوب 3 : 166 ، ورواه الديلمي في الفردوس 1 : 397 ح1602 ، كشف الغمة 2 : 148) .
وعن شرح الأخبار : قال الصادق(عليه السلام) : لما ولد الحسن بن علي أهدى جبرئيل إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله)اسمه في شقة من حرير من ثياب الجنة فيها حسن ، واشتق منه اسم الحسين(عليه السلام) ، فلما ولدت فاطمة(عليها السلام) الحسن(عليه السلام) : أَتت به رسول الله فسماه حسناً ، فلما ولدت الحسين(عليه السلام) أتته به فقال(صلى الله عليه وآله) : هذا أحسن من ذلك فسماه الحسين . (شرح الأخبار 3 : 110 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 166) .
وفي رواية اخرى : إنّ جبرئيل هبط على رسول الله وطلب من الرسول تسميته بـ (شبر) ، فقال(صلى الله عليه وآله) : لساني عربي ، فقال جبرائيل : سمّه الحسن . (علل الشرائع 1 : 37 ح 5 ، أمالي الصدوق : 198 المجلس 28 ، روضة الواعظين : 154 ، اعلام الورى 1 : 411 ، مستدرك الوسائل 15 : 144 ح7) .
وقال النبي(صلى الله عليه وآله) : (سمّي الحسن حسناً لأنّ بإحسان الله قامت السماوات والأرضون ، واشتقّ الحسين من الحسن ، وعلي والحسن اسمان من أسماء الله ، والحسين تصغير الحسن) . (مناقب ابن شهرآشوب 3 : 166) .
بلى قد تاب الله على آدم ببركة أصحاب هذه الأسماء ، ولو تأملت في التفسير الأثري لقوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْماءَ كُلَّهَا) لرأيت سبحانه قد علّم آدم أسماء ذريته المعصومين بجنب ما علمه من جميع الأسماء .
قال الصدوق : إذا علّم [الله] آدم الأسماء كلها على ما قاله المخالفون ، فلا محالة أنّ أسماء الأئمة (عليهم السلام) داخلة في تلك الجملة ، فصار ما قلناه في ذلك بإجماع الأمة . (كمال الدين وتمام النعمة : 14) .
وعن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : سألت رسول الله عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه ؟ قال : سأله بحق محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلاّ ما تبت عليّ ، فتاب عليه . (امالي الصدوق : 135 ، الطرائف : 112 ، عن مناقب ابن المغازلي) .
وفي الكافي : عن علي بن إبراهيم في قوله تعالى (فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَات) قال : سأله بحق محمّد وعلي والحسن والحسين وفاطمة صلى الله عليهم . (الكافي 8 : 305 ح472) .
قال السيوطي : وأخرج الطبراني في المعجم الصغير ، والحاكم ، وأبو نعيم ، والبيهقي في الدلائل ، وابن عساكر ، عن عمر بن الخطاب ، قال : قال رسول الله : لما أذنب آدم الذنب الذي أذنبه رفع رأسه إلى السماء فقال : أسالك بحق محمّد إلاّ غفرت لي ، فأوحى الله إليه : وما محمّد ومن محمّد ؟ فقال : تبارك اسمك لما خلقتني رفعتُ رأسي إلى عرشك فإذا فيه مكتوب : لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، فعلمت أنّه ليس أحد أعظم عندك قدراً ممن جعلت اسمه مع اسمك ، فأوحى الله إليه : يا آدم إنّه آخر النبيين من ذريتك ، وإن أمته آخر الأمم من ذريتك ، ولولاه يا آدم لما خلقتك . (الدر المنثور 1 : 142 ، المعجم الصغير 2 : 182 ح922 والمتن منه ، مجمع الزوائد 8 : 253) .
ومثل ذلك ما جاء في التفسير الأثري لقوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيْمَ رَبُّهُ بِكَلَمَات فَأَتَمَّهُنَّ) ، فعن المفضل بن عمر ، عن الصادق(عليه السلام) ، قال : سألته عن قول الله عزّوجلّ : (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيْمَ رَبُّهُ بِكَلَمَات فَأَتَمَّهُنَّ) : ما هذه الكلمات ؟ قال : هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه ، وهو أنّه قال : يا رب أسالك بحق محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلاّ تبت عليّ ، فتاب الله عليه إنّه هو التواب الر حيم ، فقلت له : يا ابن رسول الله فما يعني عزّوجل بقوله : (فَأَتَمَّهُنَّ) ؟ قال : فاتمهن إلى القائم(عليه السلام) اثني عشر اماماً تسعة من ولد الحسين . (الخصال ، للصدوق : 304 ـ 305 ، كمال الدين : 358 ـ 359 ح57 ، معاني الاخبار : 125 ح1 ، مناقب ابن شهرآشوب 1 : 243) .
وفي تفسير العيّاشي : عن صفوان الجمّال ، قال : كنّا بمكّة فجرى الحديث في قول الله : (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيْمَ ...) قال : أتمهنّ بمحمّد وعليّ والأئمّة من ولد عليّ صلّى الله عليهم (تفسير العيّاشي : 57 ، وعنه في بحارالأنوار 25 : 201 ح14) .
________________________________________ الصفحة 44 ________________________________________
________________________________________ الصفحة 45 ________________________________________
لا نريد الإطالة في هذا الأمر كثيراً ، بل نقول : إنّ هذه الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه ، أو التي ابتُلي بها إبراهيم ـ كما في أخبار اخرى ـ سواء كانت هذه الكلمات هي أسماء الخمسة من أهل الكساء ، أو الأدعية التي علم الله آدم(1) ، أو التي دعا بها إبراهيم ربه(2) ، فهي تؤكد بأنّ هذه الكلمات والأسماء لم تكن أسماءً عاديّة ، وأنّ وضعها لم يكن اعتباطياً ، ولا لُغَويّاً بحتاً على عادة العرب ، بل إنّ الباري أحبّها وجعلها معياراً لكلمته ، كما جعل أسماء الأنبياء كلّها مقدّسة ، وجعل أنبياءه كلمات له سبحانه وتعالى ، فقد بشر سبحانه وتعالى مريم بقوله : ( إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَة مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ )(3) ، وقوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ )(4) ، وقوله تعالى : ( أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَة مِنَ اللهِ )(5) ، وغيرها .
وعليه ، فوضع أسماء الأنبياء والمعصومين يختلف عن غيرها من الأسماء ،
____________
1- تفسير القمي 1 : 44 ـ 49 .
2- الدعوات للراوندي : 48 ، مستدرك الوسائل 6 : 283 ح 5 .
3- آل عمران : 45 .
4- النساء : 171 .
5- آل عمران : 39 .
________________________________________ الصفحة 46 ________________________________________
ومن تأمّل علم أ نّه ليس من أسماء الناس اسم يجمع من معاني صفات الحمد ما يجمعه هذان الاسمان ( أحمد ومحمّد ) :
فأحمد اسم منقول من صفة لـ (أَفْعَل) ، وتلك الصفة ـ أفعل ـ التي يراد بها التفضيل ، فمعنى أحمد ، أي أحمد الحامدين لربّه ، والأنبياءُ (عليهم السلام) كلّهم حامدون لله ، إلاّ أنّ نبيّنا(صلى الله عليه وآله) أكثرهم حمداً ، فيكون هو الأحقّ بالحمد ، ومحمّد هو البليغ في الحمد ، فمن سمّي بهذين الاسمين فقد سُمِّي بأجمع الأسماء لمعاني الفضل ; يقال : رجل محمّد ومحمود ، إذا كثرت خصاله المحمود فيها ، وقد جاء في صحيح البخاري قوله(صلى الله عليه وآله) : ألا تعجبون كيف يصرف الله عنّي شتم قريش ولعنهم ؟ يشتمون مُذَمَّماً ، ويلعنون مُذَمَّماً ، وأنا مُحَمَّدٌ(1) .
ومثله اسم أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) ، فربُّ العالمين حينما أمر أبا طالب عن طريق الالهام أو المنام أن يُسَمِّي ابنه علياً عنى بكلامه العلوّ والرفعة ، وأ نّه مشتقٌّ من اسمه ( العلي ) ، لا كما كان يأخذه العرب من الصلابة والشدة(2) .
وجاء عن الإمام الكاظم(عليه السلام) أ نّه قال : بينا أنا نائم إذ أتاني جدّي وأبي ومعهما شقة حرير ، فنشراها فإذا قميص فيه صورة هذه الجارية [يعني أمّ الإمام الرّضا(عليه السلام)] فقالا : يا موسى ، ليكوننّ لك من هذه الجارية خير أهل الأرض ، ثمّ أمرني إذا وَلَدَتْهُ أن أُسمّيه عليّاً ، وقالا : إنّ الله عزّ وجلّ سيظهر به العدل والرأفة والرحمة(3) .
ومن هذا الباب جاء قول الصادق(عليه السلام) في تفسير قوله تعالى ( وَلِلّهِ الأَسْماءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا )(4) ، قال : نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من
____________
1- صحيح البخاري 3 : 1299 ح 3340 ، امتاع الاسماع 2 : 139 ـ 141 .
2- انظر الاشتقاق لابن دريد : 54 .
3- دلائل الإمامة : 348 .
4- الأعراف : 180 .
________________________________________ الصفحة 47 ________________________________________
العباد عملاً إلاّ بمعرفتنا(1) .
وهذا النص يريد أن يقول : فكما أنّ الاسم يدلّ على المسمّى كذلك هم (عليهم السلام)أدلاّء على الله وأسمائه وصفاته ، ولذلك نفى العينية بين الأسماء والذات ،
فالألفاظ أسماء الأسماء ، أو إن شئت قل : الألفاظ الموضوعة هي أسماء مسـمّيات الأسماء .
وعليه فالعلم قد يأتي مفرداً مثل محمّد وعلي ، واخرى مركباً من مضاف ومضاف إليه مثل عبدالرحمن ، أو من فعل وفاعل مثل تابط شرا ، أو من اسمين قد ركبا وصارا بمنزلة الاسم الواحد مثل سيبويه .
وقد يكون المفرد منقولاً من مصدر كفضل ، أو من اسم فاعل كصالح ، أو من اسم مفعول كمحمود أو من أفعل التفضيل كأحمد .
ونحن من خلال هذا العرض السريع أردنا إعطاء صورة توفيقيه بين رأي الكوفيين والبصريين في اشتقاق الاسم ، والقول بأنّ من يرون اشتقاقه من ( وسم يَسِمُ ) كالكوفيين فهم يلحظون العلمية أكثر من المعنى حين التسمية . فهم أقرب إلى كون وضعها ارتجالياً .
أ مّا البصريون فهم يغلّبون المعاني حين التسمية على العَلَمِيّة ، لأَنّ اشتقاق الاسم عندهم من ( سما يسمو ) ، أي يلحظ فيه العلوّ والرفعة ، وعلى كلا التقديرين فإنّ أسماء الأنبياء والأوصياء ملحوظ فيها المعاني الإلهية ، إن كانت من الوسم فالوسم يطابق الموسوم ، و إن كانت السّموّ فلحاظ معاني السموّ الإلهي أوضح وأجلى ، وأ مّا أسماء عامة أولاد الأئمّة وعامة الناس فلا يشترط فيها هذا اللحاظ الإلهي طبق المبنيَيْنِ .
فأسماء الأوصياء هي أسماء مشتقة من اسم الباري ، أو قل أ نّها أسماء محبوبة
____________
1- الكافي 1 : 144 ح 4 .
________________________________________ الصفحة 48 ________________________________________
عنده جل وعلا .
أ مّا الأسماء التي يضعها المعصومون على أولادهم غير المعصومين ، أو يقبلون بها ـ كالتي وضعت من قبل الأمهات أو الخلفاء مثلاً ـ فلا يلزم فيها أكثر من أن تكون أسماءً حسنة عند العرب ، أي أنّ الإمام يكتفي في التسميات لحاظ المعنى اللّغوي للاسم فقط بحيث لا يكون قبيحاً .
وبهذا فإني اعتذر من قرائي الكرام لو اطلت بعض الشيء في الكلام عن التسمية بأسماء النبي وآله ، لأني رأيت ابناء أبي سفيان بدءاً من معاوية إلى السفياني ـ الذي يأتي في آخر الزمان ـ يخالفون هذه الأسماء و يقتلون من تسمى بها . في حين يحبذون التسمية بأسماء اعداء الله ورسوله ، ولاجل ذلك رأيت من الضروري التأكيد على جذور هذه الأسماء وتاريخها واشتقاقها لأ نّها توضح لها ملابسات الأسماء . والصراع فيه ، ولنضيف إليهما بعض الشي عن التسمية بهما في الجاهلية .
التسمية بمحمد وأحمد وعلي في الجاهلية
ومن المؤسف أن نرى اللغويين يتعاملون مع أسماء أمثال النبي(صلى الله عليه وآله) والإمام علي بمحض اللّغة ، فيقولون مثلاً أنّ اشتقاق ( علي ) مأخوذ من الصلابة والشدة ، في حين أنّ تسميات هؤلاء لا يلحظ فيها الاشتقاق اللغوي المحض ، بل يلحظ معه الاشتقاق الإلهي كذلك .
فصحيح أنّ اسم ( عليّ ) الموضوع لغير أمير المؤمنين مأخوذ من الصلابة والشدة لغةً ، وهذا ما عرفه العرب في الجاهلية حينما كانوا يسمّون أولادهم بـ ( علي ) ، وكذا الحَسَن من الحُسْن ، ومحمّد من المحمدة ، لكن لمّا راينا تطابق هذه الأسماء مع اسماء رب العالمين ، وتاكيده جل جلاله على أشخاص معنيّين
________________________________________ الصفحة 49 ________________________________________
معيّنين في كتابه وسنة نبيه أخذ يحمل طابعاً آخر ، وحسبما مرّ عليك في الحديث أن الله سبحانه وتعالى قال : أنا المحمود وهذا محمّد وأنا العلي وهذا علي ...
إِذن نحن لا نوافق ابن حجر وابن دريد الأزدي فيما قالوه عن اشتقاق أسماء المعصومين ، ونُرجعُ ذلك إلى نظرتهم الأُحادية اللّغوية ، لأ نّهم يدرسونها كموادّ لغو يّة بحتة ولا يدرسونها مع ما تحمل من مفاهيم معرفيّة وعقائديّة ، أي أنّ بحثهم لهكذا اشتقاقات جاءت في إطار اللغة فقط ، و إنّي أُرجِّحُ ـ خلافاً لجميع المؤرّخين وأصحاب التراجم ـ بأنّ هذه الأسماء لم تكن بمعانيها الآلهية قبل ولادة هذه الذوات ، وعلى فرض التنزّل والقول بأ نّها كانت في الجاهلية فمن المؤكّد أ نّها لم تكن تحمل نفس اللحاظ والمعنى ، بل أتت لاحقاً بمفهوم أعلى من مفهوم اللغة .
إذ حكى ابن دريد الأزدي في كتاب ( الاشتقاق ) : أنّ عبدالمطّلب نحر جزوراً لمّا ولد الرسول(صلى الله عليه وآله) ، فقالوا له : ما سميت ابنك هذا ؟ قال : سمّيته محمّداً ، قالوا : ما هذا من أسماء آبائك !! قال : أردت أن يحمد في السماوات والأرض .
فمحمد ( مُفَعَّل ) ، لأ نّه حُمِدَ مرّةً بعد مرّة ، كما تقول كرّمته وهو مكرّم ، وعظّمته وهو معظّم ، إذا فعلت ذلك مراراً(1) .
وفي الكافي : عن ابن السائب ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) عن أبيه(عليه السلام) ، قال : عقّ أبو طالب عن رسول الله يوم السابع ودعا آل أبي طالب ، فقالوا : ما هذه ؟
فقال : هذه عقيقة أحمد .
قالوا : لأيّ شيء سمّيته أحمد ؟
قال : سمّيته أحمد لمَحْمَدَةِ أهل السماء والأرض(2) .
____________
1- الاشتقاق لابن دريد : 8 .
2- الكافي 6 : 34 ح 1 ، من لا يحضره الفقيه 3 : 485 ح 4716 ، وسائل الشيعة 21 : 431 ح 5 .
________________________________________ الصفحة 50 ________________________________________
وفي الدرّ المنثور ، عن ابن عبّاس : إنّ جمعاً من أهل حضر موت جاءُوا رسولَ الله وقالوا : أَبَيْتَ اللَّعْنَ(1) ، فقال رسول الله : لست ملكاً أنا محمّد بن عبدالله ، قالوا : نسمّيك باسمك . قال : لكنّ الله سمّاني(2) .
وقد روى ابن عبدالبرّ خبراً عن أبي إسماعيل الترمذي ، عن علي بن زيد بن جدعان ، قال : أحسن بيت قيل فيما قالوا قول عبدالمطلب أو قول أبي طالب ـ الشكّ من أبي إسماعيل ـ :
وشَقَّ له من إِسْمِهِ لِيُجِلَّهُ فَذُو العرشِ محمودٌ وهذا محمّدُ(3)
وقد ضمّن حسّان بن ثابت هذا البيت في قصيدة له منها :
أَغَرُّ عليه للنبوة خاتمٌ من الله ميمونٌ يلوحُ ويشهدُ
وضمَّ الإلهُ اسمَ النبيِّ إلى اسمِهِ إذا قال في الخَمْسِ المؤذّنُ : أَشْهَدُ
وشَقَّ له مِنْ إِسْمِهِ ليُجلَّهُ فذُو العرشِ محمودٌ وهذا محمّدُ(4)
وقال ابن دريد بعد ذلك عن اشتقاق اسم علي : أ نّه من الصلابة والشدة ، قال ابن مقبل :
وكل عليّ قُصَّ أسفلُ ذيله فشمّر عن ساق وأوظفه عُجر(5)
وباعتقادي أنّ ما جاء على لسان من لامُوا عبدالمطّلب خيرُ دليل على عدم وجود اسم محمّد قبله(صلى الله عليه وآله) ، وأنّ جملة ( ما هذا من أسماء آبائك ) لا يُعنى بها عدم وجود هذا الاسم في من هم في صلبه المباشر ، بل هو من قبيل قوله تعالى : ( إِنَّا
____________
1- أبيت اللعن ، كلمة كانت العرب تُحَيِّي بها الملوك .
2- الدرّ المنثور 7 : 77 .
3- التمهيد 9 : 154 ، الثقات لابن حبان 1 : 42 ، التاريخ الاوسط 1 : 13 السنه للخلال 1 : 193 ح 209 .
4- شرح قصيدة ابن القيم 1 : 20 .
5- الاشتقاق لابن دريد : 54 .
________________________________________ الصفحة 51 ________________________________________
وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة )(1) ، حيث يُعنى بالآباء القبيلة والعشيرة التي ينتمي إليها لا آباؤُهُم الصُّلبيُّون فقط ، بل هو أعمُّ من ذلك .
و إذا ثبت هذا فإنّه يُخَطِّئُ ما ألّفه ابن حجر في كتاب أسماه ( الإعلام بمن سُمّي محمّداً قبل الإسلام ) ، والذي ردّ فيه على ابن خالويه في كتاب ( ليس ) ، وبعده على السهيلي في ( الروض الأُنُف ) ، حيث قالا أ نّه : لا يعرف في العرب من تسمى محمّداً قبل النبي إلاّ ثلاثة أو ستّة أو سبعة ، فردّهم الحافظ ابن حجر بقوله ( وهو حصر مردود ، وقد جمعتُ أسماء من تسمّى بذلك في ( جزء مفرد ) فبلغوا نحو العشرين ، لكن مع تكرُّر في بعضهم ، ووَهَم في بعض ، فيتلخّص منهم خمسة عشر نفساً )(2) .
لكنّا نقول له : إنّ حصرك مردود أيضاً ، بل ليس هناك من سُمِّي بمحمّد أو أحمد قبل الإسلام ، وقد جاء مضمون ذلك على لسانك أيضاً ، عند مناقشتك لرواية نافع بن جبير ـ عند ابن سعد ، والتي فيها زيادة اسم ( خاتم ) ـ على ما أخرجه البخاري عن محمّد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله : لي خمسة أسماء ، أنا محمّد ، وأحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب .
قال ابن حجر في فتح الباري : وزعم بعضهم أنّ العدد ليس من قول النبي وانّما ذكره الراوي بالمعنى ، وفيه نظر لتصريحه في الحديث بقوله : إِنّ لي خمسة أسماء ، والذي يظهر أ نّه أراد أنّ لي خمسة أسماء أَخْتَصُّ بها لم يُسَمَّ بها أحد قبلي أو مُعَظَّمَة أو مشهورة في الأمم الماضية لا أ نّه أراد الحصر فيها .
قال عياش : حمى الله هذه الأسماء أن يُسَمَّى بها أحد قبله ، و إنّما تَسَمَّي
____________
1- الزخرف : 22 .
2- فتح الباري 6 : 556 . وانظر فتح المنان بمقدمة لسان الميزان لمحمد عبدالرحمن المرعشلي : 113 .
________________________________________ الصفحة 52 ________________________________________
بعض العرب ( محمّداً ) قرب ميلاده لمّا سمعوا من الكهنة والأحبار أنّ نبيّاً سيبعث في ذلك الزمان يُسَمَّى محمّداً ، فرجوا أن يكونوا هم ، فسـمّوا أبناءهم بذلك(1) .
لا أدري كيف وفق ابن حجر بين الذين ذكرهم في كتابه ( الإعلام ) وبين ما قاله في فتح الباري بأنّ هذه الأسماء الخمسة مختصّة برسول الله لم يُسمَ بها أحد قبله(صلى الله عليه وآله) ؟!
أجل كأنّ ابن حجر تنبّه إلى تهافت كلامه فتعقّبه بالقول : ( أو مُعَظَّمة أو مشهورة ) .
قال الزرقاني في شرحه : انّ النبيّ قال لي خمسة أسماء ، يعني أختصّ بها ، لم يَتَسَمَّ بها أحد قبله أو مُعَظَّمة أو مشهورة في الأمم الماضية(2) .
وفي طرح التثريب في شرح التقريب : وفي الصحيحين من حديث جبير بن مطعم عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) : إنّ لي خمسة أسماء أنا محمّد وأنا أحمد ... الحديث ، ولم يتسمّ بأحمد قبله أحد ولا في زمنه ، ولا في زمن أصحابه ; حمايةً لهذا الإسم الذي بشّر به الأنبياء ... وأ مّا من تسمّى بمحمّد فذكر أبو القاسم السهيلي أ نّه لا يعرف في العرب من تسمّى به قبله إلاّ ثلاثة طمع آباؤهم حين سمعوا به وبقرب زمانه أن يكون ولداً لهم ، فذكرهم وبلغ بهم القاضي عد ستة أو سبعة ...(3) .
أنا لا أريد التفصيل أكثر من هذا ، ولا أقبل بوجود اسم محمّد قبل الإسلام(4) ، لكن على فرض وجوده أقول : إنّه لم يكن اسماً فيه المعنى الذي
____________
1- فتح الباري 6 : 556 ، وعنه في تحفة الاحوذي 8 : 104 .
2- شرح الزرقاني 4 : 557 .
3- طرح التثريب في شرح التقريب 1 : 21 .
4- قال القاضي عياض في الشفاء : أمّا أحمد الذي أتى في الكتب وبشّرت به الأنبياء فمنع الله تعالى بحكمته أن يسمّى به أحد غيره ، ولا يدعى به مدعوّ قبله ، حتّى لا يدخل لبس على ضعيف القلب أو شك .
وكذلك محمّد أيضاً لم يسمّ به أحد من العرب ولا غيرهم ، إلى أن شاع قبيل وجوده(صلى الله عليه وآله)وميلاده أنّ نبياً يبعث اسمه محمّد ، فسمَّى قوم قليل من العرب أبناءهم بذلك رجاء أن يكون أحدهم هو ، والله أعلم حيث يجعل رسالته ، ثمّ أخذ القاضي عياض يعدّد أسماءهم (انظر الشفا للقاضي عياض 1 : 230 ، الروض الانف 1 : 280 ، أسد الغابة 4 : 310 ، إمتاع الأسماع للمقريزي 2 : 140 ـ 141)
وفي أخبار مكّة للفاكهي 3 : 116 (أوّل من سمّى محمّداً) : ويقال أنّ أوّل من سمّي من العرب محمّداً أو أحمد النبيُّ ، ولم يكن العرب يسمّون هذين قبله .
وفي حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح 1 : 6 : إن حمى هذه الإسمين أن يسمى بأحدهما أحد قبل زمانه مع ذكرهما في الكتب القديمة والامم السابقة مع أنّهما من الأعلام المنقولة فلم يقع ذلك لاحد قبله اصلاً أمّا احمد فبالاتفاق ، وأمّا محمّد فعلى الأصحّ كما ذكره الشهاب في شرح الشفا ، وقيل : لما قرب زمانه ونشر أهل الكتاب نعته سمّى بعض العرب ابناءهم بمحمّد رجاء أن يكون أحدهم هو والله أعلم حيث يجعل رسالته .
________________________________________ الصفحة 53 ________________________________________
قصده ربّ العالمين من هذه التسمية بل لحظ فيه المعاني اللغوية البحته .
فالعرب حينما كانوا يضعون هذه الأسماء على أولادهم كانوا لا يعرفون ولا يعنون بأنّ محمّد اً مشتق من الله المحمود ، وعليّ من الله العلي ، والحسن من الإحسان الإلهي ، بعكس اسم النبي الذي كان ملحوظاً فيه المعنى الإلهي كما عرفت ، وقد جاء في بعض الروايات أنّ جدّ الرسول الأعظم عبدالمطلب رأى في المنام أنّ شخصاً يأمره أن يضع اسم محمّد على حفيده .
وفي آخر : رأى سلسلة من فضّة خرجت من ظهره لها طرف في السماء وطرف في الأرض ، فقصها فعبّر له بمولود يكون من صلبه يتّبعه أهل المشرق والمغرب و يحمده أهل السماء والأرض(1) .
وقد مرّ عليك في خبر ( الكافي ) أنّ عمّه أبا طالب سمّاه أحمد كذلك ، لكنّ التسمية لم تكن من عنده ، بل الله أجراها على لسانه .
على أنّ وجود المسمّين بـ ( محمّد ) في الجاهليّة لا يحقّق السبق الواقعي ، لأنّ
____________
1- إمتاع الأسماع للمقريزي 2 : 140 ـ 141 .
________________________________________ الصفحة 54 ________________________________________
اسم نبيّنا ( محمّد ) (صلى الله عليه وآله) كان سابقاً لتلك الأسماء في الوضع والتقدير الإلهي ، وهذا يعني أنّ كلّ من سَمّوا به هم تَبَعٌ لاسمه المبارك في الحقيقة وإن تقدّموه في الوجود الخارجي(1) ، ولذلك نرى أنّ جميع المتسمين بذلك كانوا مقاربين زماناً لمولد النبي (صلى الله عليه وآله) ومشارفين لآيات ولادة نبيّ آخر الزمان .
بعد كل هذا التفصيل نرجع إلى صلب الموضوع لنرى هل حقّاً أنّ الأئمّة سَمّوا أولادهم ـ غير المعصومين ـ بأبي بكر وعمر وعثمان وعائشة أم لا ؟ و إذا كانوا قد سَمُّوا بذلك ففي ضمن أي الأقسام السابقة تدخل تلك التسميات ؟
من الطبيعي أ نّها لا تدخل ضمن القسم الأوّل ، لأنّ الإمام علياً لم يكن من الجاهليين لتدخل التسمية تحت هذا القسم في تسميات أولادهم .
وكذلك لا تدخل في القسم الثالث ; لأنّ المسمَّين من ولده(عليه السلام) لم يكونوا جميعهم من المعصومين حتّى نقول أنّ أسماءهم مشتقة من الإسم الإلهيّ .
فيبقى دخول هذه التسميات من قِبَلِهِم ضمن القسم الثاني ، أي يكفي فيها أن تكون أسماءً غير قبيحة من حيث اللّغة ، ولهذا أُقِرَّت التسمية بعمر وعائشة وأمثالها عندهم لوجود معنى مقبول لها في اللّغة .
____________
1- روى محمّد بن عدي أنه سأل أباه كيف سمّاه في الجاهلية محمّداً ؟
فقال : خرجتُ مع جماعة من بني تميم ، فلما وردنا الشام نزلنا على غدير عليه شجر ، فأشرف علينا ديراني فقال : من أنتم ؟
فقلنا : من مضر ، فقال : أما إنه سوف يبعث منكم وشيكاً نبيّ فسارعوا إليه وخذوا بحظكم منه ترشدوا ، فإنه خاتم النبيين .
فقلنا : ما اسمه ؟
قال : محمّد ، فلمّا صرنا إلى أهلنا ، ولد لكلّ واحد منّا غلام فسمّاه محمّد اً ، (فتح الباري 6 : 556 ، سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي 1 : 113 ورواه الطبراني في المعجم الكبير 17 : 111 ح 273) .
________________________________________ 1 ـ الأبرد بن طهرة الطهوي التميمي ، والأبرد : النمر .2 ـ الأسفع البكري أو الجرمي ، صحابيان ، والأسفع : الصقر .3 ـ الأسلع الأعرجي ، يقال : له صحبة ، والأسلع : الأبرص .4 ـ البرذع بن زيد بن عامر ، والبرذع : الحِلْس الذي يلقى تحت الرحل .5 ـ بغيض بن شماس بن لأي ، وبغيض هو قبال المحبوب .6 ـ ثعلبة : مؤنث الثعلب ، الحيوان المعروف ، وقد تسمّى به أكثر من أربعين صحابياً .7 ـ ثور بن مالك الكندي ، والثور : الذكر من البقر .8 ـ جحش بن رئاب الأسدي : والجحش : ولد الحمار .9 ـ جرو بن جابر . والجرو : معروف .10 ـ خيار بن أبي أوفى ، والخيار : معروف .11 ـ جراد بن مالك بن نويرة التميمي ، والجراد معروف .12 ـ حرقوص بن زهير السعدي ، والحرقوص : دويبة نحو القراد تلصق بالناس .13 ـ حريش بن هلال التميمي ، وهي نوع من الحيّات عند الدميري ، وقيل : الحريش دويبة أكبر من الدودة على قدر الإصبع ، لها قوائم كثيرة ، وهي التي تسمّى دخّالة الأذن .14 ـ حسل بن خارجة الأشجعي ، وحسل : يقال لفرخ الضب حين يخرج من بيضته .15 ـ حسيل بن جابر العبسي ، والحسيل : ولد البقرة الأهلية .16 ـ حمار ـ باسم الحيوان المشهور ـ روى البخاري عن عمر قوله : كان رجل يسمّى عبدالله ويلقب حماراً وكان يُضحك رسول الله .17 ـ حمطط بن شريف القرشي العددي ، والحمطوط : دويبة تكون في العشب .18 ـ حنظله الأنصاري ، واحده حنظل من نبات البادية .19 ـ حميضة بن أبان ، والحمض : ضرب من النبت .20 ـ حنش بن المعتمر ، والحنش : كل ما أشبه رأسه رأس الحيات .21 ـ حية بن عابس ، والحية : معروفة .22 ـ دجاجة بن ربيعة بن عامر ، والدجاجة : معروفة .23 ـ دعموص الرملي ، والدعموص : دودة سوداء تكون في الماء الآجن .24 ـ عوسجة ، ذكره في الاصابه ، والعوسج اسم شجرة من شجر البادية .25 ـ حزن بن أبي وهب ، والحزن الغليظ من الأرض والصلب من الحجارة .1 ـ أن يلحظ فيها العلامة سواء كان له استعمال سابق ثمّ نقل إلى آخر ، أم لم يسبق له استعمال قبل العَلَمية ، وبذلك يكون الاسم عندهم مأخوذ من الوَسْم أي العلامة ، والعَلَميَّة عندهم تغلب على المعنى .2 ـ أن يلحظ فيها العلوّ والرفعة في المعنى كذلك ، وهي سيرة العظماء والحكماء والمثقّفين قديماً وحديثاً فلا يسمون إلاّ باسماء لها معاني حسنة .
________________________________________ الصفحة 27 ________________________________________
وضع الأسماء عند العرب
أ مّا الكلام في المقدمة الأولى :
فالعرب كانوا يلحظون في التسمية إحدى جهات خمس .
قال الجاحظ : الأسماء ضروب ، منها شيء أصليٌّ كالسماء ، والأرض ، والهواء ، والماء ، والنار .
وأسماء أخر مشتقات منها على جهة الفأل .
وعلى شكل اسم الأب ، كالرجل يكون اسمه عمر فَيُسَمِّي ابنه عميراً ، و يُسَمِّي عميرٌ ابنَهُ عمرانَ ، ويُسَمِّي عمرانُ ابنه مَعْمَراً .
وربّما كانت الأسماء بأسْماءِ الله(1) ، مثل ما سمَّى اللهُ عزّ وجلّ أبا إبراهيم آزر ، وسمى إبليس بفاسق .
وربّما كانت الأسماء مأخوذة من أمور تحدث في الأسماء ، مثل يوم العروبة سمِّيت في الإسلام يوم الجمعة ، واشتق له ذلك من صلاة يوم الجمعة(2) .
والجاهليون كانوا يحبّذون الغرابة في أسمائهم ، وقد علل الزمخشري سبب ذلك قائلا : كُلَّما كان الاسم غريباً كان أشهر لصاحبه وأمنع من تعلق النبز به ، قال رؤبة :
قد رَفَعَ العجّاجُ ذِكْري فآدْعُنِي باسمي إذ الأسماءُ طالت يَكْفِنِي(3)
____________
1- أي بتسمية الله للشيء .
2- الحيوان للجاحظ 1 : 179 باب تعليل التسمّية ببعض الأشياء .
3- ربيع الابرار 3 : 18 / باب الأسماء والكنى .
________________________________________ الصفحة 28 ________________________________________
و يشهد بفضل غرابة الاسم قوله تعالى : ( لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً )(1) .
قال ابن الجوزي : فإن اعترض معترض فقال : ما وجه المدحة باسم لم يسمّ به أحد قبله ، ونرى كثيراً من الأسماء لم يسبق إليها ؟ فالجواب : أنّ وجه الفضيلة أنّ الله تعالى تولّى تسميته ولم يَكِلْ ذلك إلى أبويه ، فسمّاه باسم لم يسبق إليه(2) .
وفي بحارالأنوار في قوله تعالى : ( أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى )(3) سمّاه الله بهذا الاسم قبل مولده ، واختلف فيه لم سمّي بيحيى ؟ فقيل : لانّ الله أحيا به عقر أمّه ، عن ابن عبّاس ، وقيل : لأنّ الله سبحانه أحياه بالإيمان ، عن قتادة ، وقيل : لأ نّه سبحانه أحيا قلبه بالنبوّة ، ولم يسمّ قبله أحداً بيحيى(4) .
ولا يخفى عليك بأنَّ تنوُّع الأَسماء يختلف باختلاف المُسَمِّين وما يدور في خزائن أَخيلتهم ممّا يألفونه و يجاورونه و يخالطونه ، و إنّ غالب أسماء العرب كانت توضع على الفأل ، لأنَّ الأسماء الحسنة الجميلة تبعث على التفاؤل ، أ مّا الأسماء الخبيثة الرديئة فإنّها تولي التشاؤم .
والإسلام حبّذ التفاؤل ولم ينه عنه ، وكذا التشاؤم من الأسماء القبيحة ، بل قيل : إنّ رسول الله كان يتأثّر من الأسماء القبيحة و يفرح بالأسماء الحسنة ، وكان يقول إذا أعجبته كلمة : أخذنا فالك من فيك ، و إنّه(صلى الله عليه وآله) يعجبه إذا خرج لحاجة أن يسمع : يا راشد يا نجيح ، وإنّه قال : لا عدوى ولا طيرة و يعجبني الفأل(5) .
____________
1- مريم : 7 .
2- زاد المسير 5 : 211 ، وعمدة القارئ 26 : 20 .
3- آل عمران : 39 .
4- بحار الأنوار 14 : 169 .
5- انظر المفصل في تاريخ العرب 12 : 379 ، وانظر حديث (أخذنا فألك من فيك) في سنن أبي داود 4 : 18 ح 3917 ، وحديث (لا عدوى ولا طيره ...) في صحيح البخاري 5 6 2171 ح 5424 ، صحيح مسلم 4 : 1746 ح 2224 ، وعن علي بن أبي طالب : العين حقّ ، والرُّقَى حقّ ، والسحر حقّ ، والفال حقّ ، والطيرة ليست بحقّ ، والعدوى ليست بحق . نهج البلاغة : 546 رقم 400 تحقيق صبحي الصالح .
________________________________________ الصفحة 29 ________________________________________
وقال الأصمعي : قلت لابن [عون] : ما الفأل ؟ قال : هو أن تكون مريضاً فتسمع : يا سالم ، أو باغياً فتسمع : يا واجد(1) .
وجاء في كتاب ( موطأ مالك ) : أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) طلب من الحاضرين أن يحلبوا شاة ، فقام رجل فقال : أنا ، فقال(صلى الله عليه وآله) : ما اسمك ؟ قال الرجل : مُرَّة ، فقال(صلى الله عليه وآله) له : اجلس ، ثم قال : من يحلب هذه ؟ فقام رجل آخر ، فقال له : ما اسمك ؟ قال : حرب ، فقال له : اجلس ، ثم قال : من يحلب هذه ؟ فقام رجل فقال : أنا ، قال : ما اسمك ، قال : يعيش ، فقال له رسول الله : احلب .
فكره مباشرة المسمّى بالاسم المكروه لحلب الشاة(2) .
وفي السيرة الحلبية عن صاحب شفاء الصدور : إنّ حليمة قالت : استقبلني عبدالمطلب ، فقال : من أنت فقلت : أنا امرأة من بني سعد .
قال : ما اسمك .
قلت : حليمة ، فتبسم عبدالمطلب وقال : بخ بخ سعد وحلم ، خصلتان فيهما خير الدهر وعزّ الأبد ، يا حليمة إنّ عندي غلاماً يتيماً وقد عرضته على نساء بني سعد فأبين أن يقبلن وقلن : ما عند اليتيم من الخير ، إنّما نلتمس الكرامة من الآباء ، فهل لك أن ترضعيه ..(3) .
وروى أبو داود من حديث بريدة أنّ النبي كان لا يتطيّر من شيء ، وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه ; فإذا أعجبه اسمه فرح به ورؤي بشر ذلك في وجهه ،
____________
1- غريب الحديث لابن قتيبة 2 : 518 ، التمهيد لابن عبدالبر 24 : 73 ، 192 ، والخبر عنه .
2- تحفة المولود : 120 ، عن الموطأ 2 : 973 ح 1752 .
3- السيرة الحلبية 1 : 148 .
________________________________________ الصفحة 30 ________________________________________
و إن كره اسمه رؤي كراهية ذلك في وجهه ، و إذا دخل قرية سأل عن اسمها ; فإن أعجبه فرح بها ورؤي بشر ذلك في وجهه ، و إن كره اسمها رؤي كراهية ذلك في وجهه(1) .
إذن كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته يتشاءمون من الأسماء القبيحة كما كانوا يتفاءلون بالأسماء الحسنة ، وكانوا يأمرون بالتسمية بالأسماء الحسنة و ينهون عن التسمية بالأسماء السيئة .
ففي معجم البلدان : إنّ الحسين(عليه السلام) لمّا انتهى إلى كربلاء وأحاطت به خيل عبيدالله بن زياد قال : ما اسم تلك القرية ـ وأشار إلى العقر ـ فقيل له : اسمها العقر ، فقال : نعوذ بالله من العقر ، فما اسم هذه الأرض التي نحن فيها ؟ قالوا : كربلاء ، قال : أرض كرب وبلاء ، وأراد الخروج منها ، فمنع حتّى كان ما كان(2) .
وقد اشتهر عن العربي أ نّه إذا ولد له ولد يخرج فأوّل شيء يستقبله سمّاه به(3) ، فقد يسمّي العربي ابنه بأسماء الوحوش أو الحشرات أو النبات ، أو أ نّه يسمّيه بأسماء مبهمة وقبيحة ، لأنّ أكثر أسماء العرب منقولة عمّا يدور في خيالهم ، ولو تأملت في القاموس العربي لوقفت على أسماء لكثير من الصحابة دالة على ما نقول ، مثل :
____________
1- سنن أبي داود 4 : 19 ح 3920 ، عمدة القاري 21 : 274 باب الفأل ، وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله)يغيّر الاسم الذي يكرهه ، انظر مثال ذلك في معجم ما استعجم 3 : 991 .
2- معجم البلدان 4 : 136 ، وفي فيض القدير 1 : 319 حرف الهمزة : ولمّا نزل الحسين بكربلاء سأل عن اسمها فقيل كربلاء فقال : كرب وبلا فجرى ما جرى .
3- تهذيب الكمال 21 : 65 ، انظر الحيوان للجاحظ 1 : 178 .
________________________________________ الصفحة 31 ________________________________________
________________________________________ الصفحة 32 ________________________________________
وهناك أسماء كثيرة أخرى غير مألوفة نراها في كتاب ( الإصابة في معرفة الصحابة ) ، مثل : أبير(1) ، وأحيحة(2) ، والأخنس(3) ، والأربد(4) ، والأشر(5) ، وأصعر(6) ، وأط(7) ، وأكتل(8) ، وأنجشة(9) ، وأنيف(10) ، وأهود(11) ، وأيفع(12) ، وبجالة(13) ، وبحينة(14) ، وبداح(15) ، وبرح(16) ، وبريل(17) ،
____________
1- وهو أبير بن يزيد بن عبدالله التيمي ، له إدراك ، انظر ترجمته الاصابة 1 : 185 ت 420 .
2- أُحيحة بن اُمية ، مذكور في المؤلفة قلوبهم ، انظر الاصابة 1 : 34 ت 54 .
3- الأخنس بن شريق بن عمرو ، انظر الاصابة 1 : 38 ت 40 .
4- أَربد بن رقيش الأسدي ، انظر الاصابة 1 : 227 ت 512 .
5- الأشر ، قيل : هو اسم أبي ثعلبة الخشني ، انظر الأصابة 1 : 110 ت 245 .
6- أصعر بن قيس ، له إدراك ، انظر الاصابة 1 : 207 ت 474 .
7- أُطّ بن أبي أُط ، أحد بني سعد بن بكر ، انظر الأصابة 1 : 207 ت 477 .
8- أكْتل بن شمّاخ ، شهد الجسر مع أبي عبيد ، انظر الاصابة 1 : 209 ت 484 .
9- أنجشة الأسود الحادي ، قيل : كان من المخنّثين في عهد رسول الله ، انظر الاصابة 1 : 119 ت 261 .
10- أُنيف بن مَلّة الجذامي ، من بني الصيب له صحبة ، انظر الاصابة 1 : 140 ت 303 .
11- أهود بن عياض الأزدي ، نعى رسول الله إلى حمير ، انظر الاصابة 1 : 142 ت 311 .
12- أيفع بن عبد كلال الحميري ، له صحبة ، انظر الاصابة 1 : 169 ت 391 .
13- بجالة بن عبدة التميمي العنبري ، أدرك النبي ولم يره ، انظر الاصابة 1 : 339 ت 761 .
14- بُحينة ، ذكره عبدان في الصحابة ، انظر الاصابة 1 : 354 ت 797 .
15- البدّاح بن عدي الأنصاري ، يقال : له صحبة ، انظر الاصابة 1 : 355 ت 800 .
16- بِرْح بن عُسْكر بن وتار بن كزغ ، له وفادة على النبي ، الاصابة 1 : 284 ت 625 .
17- بَريل الشهالي ، قيل : له صحبة ، انظر الاصابة 1 : 287 ت 634 .
________________________________________ الصفحة 33 ________________________________________
وبسبسة(1) ، وبعجـة(2) ، وبليخ(3) ، وبنة(4) ، وبهَيْس(5) ، وثروان(6) ، وثقاف(7) ، والثلب(8) ، وجحدمة(9) ، وجرثوم(10)، وجعونة(11) ، وجفشيش(12) ، وجيفر(13)، وحدرد(14)، وحسحاس(15)، وخولي(16)، وحيويل(17) ، وخرشة(18)، وخمخام(19)، وخنافر(20) ، وخوط(21) ، ودلهمس(22) ، ودمون(23) ، وذفافة(24) ،
____________
1- بَسْبَسة بن عمرو ، شهد بدراً ، انظر الاصابة 1 : 288 ت 640 .
2- بَعْجة بن زيد الجذامي ، روى عن رسول الله ، انظر الاصابة 1 : 320 ت 719 .
3- بُليخ بن محشى ، شاعر له ما يدل على أ نّه صحابي ، انظر الاصابة 1 : 329 ت 744 .
4- بَنة الجهني ، له رواية في جامع المسانيد والسنن ، انظر الاصابة 1 : 329 ت 747 .
5- بُهَيْس بن سلمى التميمي ، روى عن رسول الله ، انظر الاصابة 2 : 331 ت 752 .
6- ثروان بن فزاره بن عبديغوث ، له وفاده ، انظر الاصابة 1 : 400 ت 924 .
7- ثِقاف بن عمرو العدواني ، من المهاجرين الأوّلين ، انظر الاصابة 1 : 410 ت 959 .
8- الثَّلب العنبري ، انظر الاصابة 1 : 428 ت 1006 .
9- جَحْدَمة ، له صحبة ، انظر الاصابة 1 : 466 ت 1107 .
10- جُرْثوم أبو ثعلبة الخشني ، انظر الاصابة 1 : 470 ت 1122 .
11- جَعونَة بن شعوب الليثي ، له إدراك ، انظر الاصابة 1 : 537 ت 1292 .
12- جفشيش بن النعمان الكندي ، انظر الاصابة 1 : 491 ت 1176 .
13- جَيفر الازدي وفد على أبي بكر من عمان بعد موت النبي الاصابة 1:542 ت 1311.
14- حدرد بن أبي حدرد ، روى عن رسول الله ، انظر الاصابة 2 : 42 ت 1642 .
15- حسحاس بن الفضيل الحنظلي ، روى عن رسول الله ، انظر الاصابة 2 : 68 ت 1716 .
16- خَولي بن خولي الجعفي ، قيل شهد بدراً ، انظر الاصابة 2 : 348 ت 2302 .
17- حَيويل بن ناشرة ، له إدراك ، انظر الاصابة 2 : 188 ت 2025 .
18- خَرشة بن الحارث ، له صحبة ، انظر الاصابة 2 : 272 ت 2241 .
19- خَمْخام بن الحارث ، قيل وفد على الرسول ، انظر الاصابة 2 : 344 ت 2293 .
20- خُنافر بن التؤام الحميري ، اسلم على يد معاذ ، انظر الاصابة 2 : 362 ت 2344 .
21- خوط الأنصاري ، صحابي ، انظر الاصابة 2 : 382 ت 2386 .
22- دلهمس بن جميل العامري ، روى عن النبي ، انظر الاصابة 2 : 390 ت 2404 .
23- دَمون، رفيق المغيرة بن شعبة في سفره إلى المقوقس بمصر، انظر الاصابة 2 : 390 ت 2406 .
24- ذُفافة الراعي ، انظر الاصابة 2 : 405 ت 2437 .
________________________________________ الصفحة 34 ________________________________________
وذؤالة(1) ، ورويفع(2) ، وزنباع(3) ، وزنيم(4) ، وسحيم(5) ، وسخبرة(6) ، وسخرور(7) ، وشعبل(8) ، وعثعث(9) ، ودعثور(10) ، وعداس(11) ، وعرام(12) ، إلى غيرها من عشرات الأسماء ، وغالبها أسماءٌ غير مأنوسة ، وقد تكون في بعض الأحيان قبيحة .
وقد يسمّي العربي نفسه وابنه بالصفات فيقال : الأسود بن أبيض(13) ، وأبيض بن أسود(14) وأبيض بن حمّال(15) وأسمر بن أبيض(16) و ...
وعليه فالتسمية عند العربي هي إمّا طبق إحدى الاحتمالات الخمسة التي قالها الجاحظ .
أو هي مبتنية على احتمالات أخرى : كالارتجال ، وكإخافة العدوّ ، وكتسمية الشيء بضِدِّه ، وأمثالها . ولولا نهي الرسول عن التسمية بالأسماء القبيحة والمهملة
____________
1- ذؤالة بن عوقلة اليماني ، انظر الاصابة 2 : 405 ت 2437 .
2- رُويفع مولى النبي ، انظر الاصابة 2 : 501 ت 2702 .
3- زِنباع بن سلامة ، له صحبة ، انظر الاصابة 2 : 568 ت 2819 .
4- زنيم قيل له صحبة ، انظر الاصابة 2 : 570 ت 2821 .
5- سُحيم بن خفاف له صحبة ، انظر الاصابة 2 : 35 ت 3097 .
6- سَخبَرة بن عبيدة الاسدي روى عن النبي ، انظر الاصابة 3 : 36 ت 3101 .
7- سخرور بن مالك الحضرمي ، يقال : له صحبة ، انظر الاصابة 3 : 36 ت 3102 .
8- شعبل بن أحمر التميمي يقال : له صحبة ، انظر الاصابة 3 : 350 ت 3916 .
9- عثعث بن عمرو الكندي ، انظر الاصابة 5 : 122 ت 6418 .
10- دعثور بن الحارث ، شهد مع النبيّ غزوة أنمار ، انظر الاصابة 2 : 387 ت 2398 .
11- عداس مولى شيبة بن ربيعة ، انظر الاصابة 3 : 466 ت 5472 .
12- عرام بن المنذر ، انظر الاصابة 5 : 123 ت 6422 .
13- انظر الاصابة 1 : 67 ت 146 .
14- انظر الاصابة 1 : 23 ت 18 .
15- انظر الاصابة 1 : 23 رقم 19 .
16- انظر الاصابة 1 : 67 ت 145 .
________________________________________ الصفحة 35 ________________________________________
لبقيت هذه الأسماء عندنا ولحدّ اليوم ، وانّ عدم وجودها اليوم هو من بركة النبيّ الاعظم(صلى الله عليه وآله) .
والآن لنتكلّم بعض الشيء عن الاسم وأصل اشتقاقه من أيّ شيء سيكون ، وهل هو من ( سما يسمو ) ، أي يلحظ المعنى فيه مع العلمية ، أو قل : غلبة المعنى على العلمية .
أم أنّ دلالته على العلمية والعلامة فقط ؟
وكيف كانت نظرة رسول الله وأئمة أهل البيت إلى الأسماء ، وهل أ نّهم يسمون بأسماء مخالفيهم أم لا ؟
بل ما هي الاطر التي تتأطر بها التسميات عندهم . بل ماذا تعني أسمائهم(عليهم السلام) ، وأ نّها تدخل ضمن أي الأقسام التي سنبينها .
وهل أن هذه الأسماء كانت موجودة في الجاهلية .
أم أ نّها حادثة جاءت مع مجي الإسلام ؟
اشتقاق الاسم ارتجالي أم معنوي ؟
لا أقصد بكلامي المعنى المصطلح للاسم عند الصرفيين والنحاة ; إذ المنقول هو قبال المرتجل لا المعنوي ، لكنّي هنا أردت بيان حالة العرب واقرارها للأسماء القبيحة ، والمهملة ـ التي لا معنى لها ـ لأنَّ العَلَمَ المرتجل هو ما وضع لشيء لم يسبق له استعمال قبل العلمية ، والمنقولَ هو ما استعمل قبل التسمية في غيرها ثمّ نقل إليها ، وهو الغالب في الأعلام .
فـ ( أَسَد ) مثلاً منقول عن الحيوان إلى الإنسان ، أو أ نّه منقول عن صفة نحو كريم ، وكلاهما يمكن لحاظ المعنى فيه ، لكن بفارق أنّ الذي يلحظ المعنى في الألفاظ أكثر من الذي يأخذها ارتجالاً .
________________________________________ الصفحة 36 ________________________________________
وقد اختلف النحاة في أصل اشتقاق الاسم ، فذهب الكوفيّون إلى أ نّه مشتقّ من ( وَسَمَ يَسِمُ ) ، والوسم : هو العلامةُ ، والعلامة عندهم تغلب على السُّمُوُّ والرفعة في المعنى .
وذهب البصريون إلى أ نّه مشتق من ( سما يسمو ) ، والسموّ : هو العلوّ والرفعة .
وبذلك يكون أصل الاسم على رأي الكوفيين ( وَسْماً ) حذفت فاؤه ـ التي هي الواو ـ وعوّض عنها الهمزة ، وإنّما سُمّي اسماً ; لأ نّه سمة وعلامة توضع على الشيء ، يعرف بها .
وأ مّا البصريون فأخذوه من السُّمُوّ على وزن العُلُوّ والغُلُوّ ، ثم حذفت لامه ـ التي هي الواو ـ وعوّض عنها الهمزة في أوله ، وسمي اسماً ; لأ نّه
سما بمسمّاه فرفعه وكشـف معناه ، وقيل : سمّي بذلك لعلوّه على قسـيميه ـ الفعل والحرف ـ .
قال ابن دريد في مقدِّمة كتابه الاشتقاق : وكان الذي حدانا على إنشاء هذا الكتاب أنّ قوماً ممن يَطعنُ على اللسان العربي و ينسب أهله إلى التسمية بما لا اصل له في لغتهم ، و إلى ادِّعاء ما لم يقع عليه اصطلاح من أوَّليَّتهم ، وعدّوا أسماء جهلوا اشتقاقها ولم ينفذ علمهم في الفحص عنها ، فعارضوا بالإنكار ، واحتجّوا بما ذكره الخليل بزعمهم ...(1) .
وكان ابن دريد قد قال قبله عن الجاهليين العرب : (لهم مذاهب في أسماء أبنائهم وعبيدهم وأتلادهم ، فاستشنع قوم ـ إمّا جهلاً و إمّا تجاهلاً ـ تسميتهم كلباً وكُليباً وأكلُبَ ، وخنزيراً وقرداً ، وما أشبه ذلك ، مما لم يُسْتَقْصَ ذكره ، فطعنوا من حيث لا يجب الطعن ، وعابوا من حيث لا يُسْتنبط عيب ، فشرحنا في كتابنا هذا
____________
1- الاشتقاق لابن دريد : 4 .
________________________________________ الصفحة 37 ________________________________________
أسماء القبائل والعمائر وأفخاذها وبطونها وتجاوزنا إلى أسماء ساداتها وثُنيْانِها وشعرائها وفرسانها ...)(1) .
وعن أحمد بن أشيم ، عن الرضا(عليه السلام) ، قال : قلت له : لم سموا [العرب ]أولادهم بكلب ونمر وفهد وأشباه ذلك ؟
قال : كانت العرب أصحاب حرب ، فكانت تُهَوِّل على العدوّ بأسماء أولادهم ، ويسمّون عبيدهم : فرج ، ومبارك ، وميمون ، وأشباه ذلك يتيمنون بها(2) .
وعليه فالأسماء والكنى والألقاب وضعت عند العرب لدوافع مختلفة عندهم .
فقد يلقبون الاشخاص بالصائغ والاسكافي والبزاز لمهنتهم .
وقد يسمونهم بحجة الإسلام وشيخ الطائفة وسيد الأمة وزين العابدين لرفعة مكانتهم .
وقد يطلقون عليهم البغدادي والكوفي والقزو يني نسبة إلى بلدهم .
وقد يأتون باللقب والكنية لعاهة فيه فيقولون : الاعمش ، والاحول ، والبصير .
وقد يسمون و يكنون ويلقبون بالضد .
إذن المثقّفون من العرب كانوا يلحظون المعاني حين تسميتهم للأشياء ، ولأجل ذلك خاطبهم البارئ تعالى في محكم كتابه مبيِّناً خطأ تسميتهم للأصنام بعزّى وأمثالها في قوله تعالى : ( إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَان )(3) ، لأنّ تلك الأصنام ليست بعزيزة ، ولا توصل من تعبَّد بها
____________
1- الاشتقاق لابن دريد : 3 .
2- عيون أخبار الرضا 1 : 281 ح 89 ، معاني الأخبار 391 ح 35 وعنه في وسائل الشيعة 21 : 390 ح 5 .
3- النجم : 23 .
________________________________________ الصفحة 38 ________________________________________
إلى العزة ، فمن الخطأ البيّن أن يقال لها : عُزَّى .
ومن هذا القبيل الأسماءُ التي جاءت في القرآن أو جاء بها النبي ، حيث إنّها أسماء ملحوظ فيها المعاني لا محالة ، بل إنّ إحدى أهداف الرسالة هي تغيير الوضع الجاهلي في لغته وأفكاره وقيمه ، و إنّ الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) جدّ لتغيير الأسماء القبيحة وتهذيبها ، وخصوصاً التي تحمل مفاهيم خاطئة ، كعبد العزّى ، وعبدالكعبة ، وعبدالحارث ، وعبد شمس ; لأنّ الرّسول محمّد اً(صلى الله عليه وآله) بَدَأَ دعوته بمفاهيم وقيم لم يعرفها الجاهليون ، مع أ نّهم كانوا يتصوّرون بأنّ ما أتى به الرسول ما هو إلاّ تحكيم لسلطانه ، في حين أنّ الأمر لم يكن كذلك ، بل كان يتعلّق بربّ العالمين والمقرَّرات الإلهيّة .
فمن الطبيعي أن يكون للأسماء تأثير على سلوك الفرد سلباً أو إيجاباً ، فلو تسمّى شخص مثلاً باسم ( عالم ) و ( مخترع ) فإِن هذا سيؤثر على سلوكه للتعلّم أكثر كي يكون مبدعاً لأمور جديدة ، ومن هذا الباب جاء التأكيد على التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين ، ليقُتدى بهم والنهي عن التسمية بأسماء أعداء الدين لكي لا يغترّ أحد بالتشبّه بهم أو يتأثّر بسلوكهم ومشاربهم .
وقد ورد عن الحسن البصري أ نّه قال :
إنّ الله ليوقف العبد بين يديه يوم القيامة اسمه أحمد أو محمّد ، قال : فيقول الله تعالى له : عبدي أما استحييت منّي وأنت تعصيني واسمك اسم حبيبي محمّد ؟ فينكس العبد رأسه حياءً ويقول : اللهم إنّي قد فعلت [وندمت] ، فيقول الله عزّ وجلّ : يا جبرئيل خذ بيد عبدي وأدخله الجنّة فإنّي أستحي أن أعذّب بالنار من اسمه اسم حبيبي(1) .
وفي مستدرك وسائل الشيعة : إنّ رجلا يؤتى به في القيامة واسمه محمّد ،
____________
1- المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل : 129 .
________________________________________ الصفحة 39 ________________________________________
فيقول الله له : ما استحيت أن عصيتني وأنت سَمِيُّ حبيبي ! وأنا أستحي أن أعذّبك وأنت سميُّ حبيبي(1) .
وعليه فأسماء الرموز الدينية تأخذ طابعاً مقدّساً فتكون كماهيّاتهم ، فلا يجيز الفقهاء مسّ الأسماء المقدَّسة كأسماء البارئ تعالى وأسماء الأنبياء والأوصياء إلاّ على طهر ، أي أنّ منزلتهم ومكانتهم تكون كالقرآن الذي ( لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ )(2) .
وكذلك هي الحال في الطرف المقابل بالنسبة إلى النهي عن التسمية بأسماء الأعداء ، فقد جاء النهي عنها ، كي لا يطمع أحد أن يكون مَثَلاً مميَّزاً في الشَّرّ ، ولا يكون كيزيد والحجاج المخلَّدَيْن بأعمالهما الاجرامية .
والان يجب أن نتريث بعض الشي كي نرى هل التسمية بعمر قد اثرت على سلوكية عمر الأطراف بن علي بن أبي طالب أم لا ؟
وهل يمكن تصنيف نزاعه مع ابناء أخوته : عبدالله بن الحسن ، وعلي بن الحسين السجاد ، وعبيدالله بن العباس ، والمطالبه بأرث اخوته ابناء أم البنين ـ مع وجودها واستشهادهم قبل العباس بن علي في واقعة الطف ـ ضمن تأثيرات الاسماء ; أم لا ؟
وفوق كُلِّ ذلك ، لو تأمّلت في أسماء الخمسة أصحاب الكساء لرأيت وضعها لم يكن اعتباطياً ، فهي ليست أسماء ارتجالية ، ولا مجرّد أسماءً ذوات معاني لغو يّة بحتة ، بل لوحظ فيها معاني إلهيّة سامية كذلك و إليك توضيح
ذلك .
____________
1- مستدرك 15 : 130 ح 4 .
2- الواقعة : 79 .
________________________________________ الصفحة 40 ________________________________________
أسماء النبي والأئمّة أسماء إلهيّة
فاسم ( محمّد )(صلى الله عليه وآله) لوحظ فيه المحمدة الإلهيّة ، ففي الحديث القدسي : فأنا المحمود وهو أحمد ، ( وقد سمّاه الله تعالى في كتابه محمّداً وأحمدَ ) ، فأمّا اسمه أحمد فهو على وزن ( أَ فْعَل ) مبالغة من صفة الحمد ، ومحمّد ( مُفَعَّل ) مبالغة من كثرة الحمد ، فهو(صلى الله عليه وآله) أجلُّ مَن حَمِدَ ، وأفضل مَنْ حَمِدَ ، أكثر الناس حَمداً ، فهو أحمد المحمودين ، وأحمد الحامدين ، ومعه لواء الحمد يوم القيامة ، وبعثه ربّه مقاماً محموداً(1) .
وكذا اسم عَلِيٍّ(عليه السلام) مُشْتَقٌ من العُلَى الإلهي ، فالله العالي اشتقَّ لذات أميرالمؤمنين اسم ( علي ) من اسمه المقدَّس ، ففي كليهما لوحظت المحمدة والعلوّ الإلهيَّين .
واسما الحسن والحسين أيضاً لوحظ فيهما الحسن الإلهي ، والدين الإسلامي يدعو إلى كل حسن ، ولهذا أَمَرَ رسولُ الله الناسَ بتحسين الأسماء ، فقال : حسِّنوا أسماءكم .
فإن صاحب الاسم الحسن قد يستحي من فعل ما يضادّ اسمه ، وقد يحمله اسمه على فعل ما يناسبه وترك ما يضاده ، لأنّ من يُسَمَّى كريماً أو جواداً يحاول أن يكون أكرم وأجود ممن يكون في مثل شرائطه وظروفه .
واسم فاطمة دلَّ على فطم شيعتها من النار يوم القيامة ، فجاء فيما رواه محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر الباقر ، قول الزهراء لربّ العالمين : إلهي وسيدي سمَّيتني فاطمة وفطمتَ بي مَن توّلاني وتولّى ذريتي من النار ، ووَعْدُكَ الحق وأنت لا تخلف الميعاد .
فيقول الله عزّ وجلّ : صدقتِ يا فاطمة إنّي سمّيتك فاطمة وفطمتُ بك من
____________
1- الشفاء بتعريف حقوق المصطفى 1 : 228 ـ 231 .
________________________________________ الصفحة 41 ________________________________________
أحبّك وتولاّك وأحب ...(1) .
ومن ذلك صفة الهادي ، فقد وضعت لهداية الأمة إلى الحق ، وجعفر سُمّي جعفراً بأسم نهر في الجنة ، وهكذا أسماء وصفات المعصومين اشتقت من أسماء البارئ وصفاته ; قال الشيخ الصدوق في مقدمة ( كمال الدين ) ـ عند بحثه عن قوله تعالى ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْماءَ كُلَّهَا )(2) ـ قال : أراد به أسماء الأئمة(عليهم السلام) ، وللأسماء معان كثيرة وليس أحد معانيها بأولى من الآخر .
وللأسماء أوصاف وليس أحد الأوصاف بأولى من الآخر ، فمعنى الأسماء أ نّه سبحانه علم آدم أوصاف الأئمّة كلّها أَوَّلها وآخرها ، ومن أوصافهم : العلم ، والحلم ، والتقوى ، والشجاعة ، والعصمة ، والسخاء ، والوفاء ، وقد نطق بمثله كتاب الله عزّوجلّ في أسماء الأنبياءٌ كقوله عزّوجلّ : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً )(3) ، وقوله : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَّبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً * وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً * وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً )(4) ، وكقوله عزّوجلّ : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولا نَّبِيّاً * وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً * وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً )(5) ، فوصف الرسل(عليهم السلام) وحمدهم بما كان فيهم من الشيم المرضية والأخلاق الزكية ، وكان ذلك أوصافهم وأسماءهم ، كذلك علّم اللهُ آدمَ الأسماء كلها(6) .
____________
1- علل الشرائع للصدوق 1 : 179 ح 6 .
2- البقرة : 31 .
3- مريم : 41 .
4- مريم : 54 ـ 57 .
5- مريم : 51 ـ 53 .
6- كمال الدين 1 : 15 .
________________________________________ الصفحة 42 ________________________________________
قال ابن عبدالبر في التمهيد : والأسماء هنا الصفات سواء ، فمحمّد ( مُفَعَّل ) من الحمد(1) .
وفي سبل الهدى والرشاد : إذا اشتقت اسماؤه في صفاته كثرت جداً والذي وقفنا عليه من اسمائه(صلى الله عليه وآله) ثلاثمائة وبضع واربعون ، وهي أقسام :
الأول : ما ورد في القران بصريح الاسم ، وعد منها ( 78 ) .
والثاني : ما ورد فيه بصيغة الفعل وعدّ منها ( 44 ) .
والثالث : ما ورد في الحديث والكتب القديمة ، وذكر منها ( 232 )(2) .
التسمية في معانيها الثلاثة
تبيّن مما مرَّ أنَّ وضع الأسماء لا يخرج عند العرب عن نمطين :
وهناك نمط ثالث جاء به الإسلام ، وهو تسمية أولي العصمة بأسماء ملحوظ فيها الأوصاف الإلهيّة والذوات المقدّسة ، ولذلك طابق اسم الحسن والحسين بالعربيّة اسم شبر وشبير بالسريانيّة .
وهذا النمط هو ما فعله الأنبياء والمرسلون والأوصياء(عليهم السلام) ـ أخذاً عن الله ـ في التسميات ، فإنهم لا يسمّون أولادهم إلاّ بعد لحاظ معنى التسمية الإلهيّة فيه .
____________
1- التمهيد 9 : 154 .
2- سـبل الهدى والرشـاد 1 : 410 ، كما في الكنـى والالقاب للشـيخ محمّد رضا المامقاني : 69 .
________________________________________ الصفحة 43 ________________________________________
ومن ذلك تكون تسمية الأئمّة أولادهم غير المعصومين بأسماء حسنة لُغَو يّاً ، أ مّا أسماء المعصومين فهي مشتقة من اسم ربِّ العالمين ; لأ نّه جلّ وعلا اتّخذ الأسماء الحسنة المشتقة من اسمه أسماءً لرسله وأنبيائه وأوليائه ، فقد جاء في الحديث : أنا المحمود وهذا محمّد ، وأنا العليّ وهذا عليّ ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة ، وأنا المحسن وهذا الحسن ، وأنا الإحسان وهذا الحسين(1) .
وعنه(صلى الله عليه وآله) : سمّاني الله عزّ وجلّ من فوق عرشه وشقّ لي اسماً من أسمائه فسمّاني محمّد اً وهو المحمود(2) .
وفي الاحتجاج : قالوا : ولِم سُمِّيتَ محمّداً ؟ قال : سمّاني الله محمّداً واشتق اسمي من اسمه ، وهو المحمود وأنا محمّد ، وأمّتي الحامدون على كلّ حال(3) (4) .
____________
1- شرح الأخبار 3 : 6 ، وانظر شرح الأخبار 2 : 500 ، دلائل الإمامة : 448 .
2- انظر الخصال ، للصدوق : 425 ، وعنه في بحار الانوار 16 : 92 .
3- الاحتجاج 1 : 56 ، وعنه في بحار الانوار 9 : 290 ، 16 : 328 .
4- وفي مسند أحمد وأبي يعلى قال : لما ولد الحسن سمّاه حمزة ، فلما ولد الحسين سماه بعمه جعفر ، قال علي : فدعاني رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال : إني أُمِرْتُ أن اغيّر اسم هذين فقلت : الله ورسوله أعلم ، فسمّاهما حسناً وحسيناً . (مسند أحمد 1 : 159 ح 159 ، مسند أبي يعلى 1 : 384 / ح 498)
وعن محمّد بن علي ، عن أبيه(عليه السلام) : قال رسول الله : أمرت أن أسمّي ابنَيَّ هذين حسناً وحسينا . (مناقب بن شهرآشوب 3 : 166 ، ورواه الديلمي في الفردوس 1 : 397 ح1602 ، كشف الغمة 2 : 148) .
وعن شرح الأخبار : قال الصادق(عليه السلام) : لما ولد الحسن بن علي أهدى جبرئيل إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله)اسمه في شقة من حرير من ثياب الجنة فيها حسن ، واشتق منه اسم الحسين(عليه السلام) ، فلما ولدت فاطمة(عليها السلام) الحسن(عليه السلام) : أَتت به رسول الله فسماه حسناً ، فلما ولدت الحسين(عليه السلام) أتته به فقال(صلى الله عليه وآله) : هذا أحسن من ذلك فسماه الحسين . (شرح الأخبار 3 : 110 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 166) .
وفي رواية اخرى : إنّ جبرئيل هبط على رسول الله وطلب من الرسول تسميته بـ (شبر) ، فقال(صلى الله عليه وآله) : لساني عربي ، فقال جبرائيل : سمّه الحسن . (علل الشرائع 1 : 37 ح 5 ، أمالي الصدوق : 198 المجلس 28 ، روضة الواعظين : 154 ، اعلام الورى 1 : 411 ، مستدرك الوسائل 15 : 144 ح7) .
وقال النبي(صلى الله عليه وآله) : (سمّي الحسن حسناً لأنّ بإحسان الله قامت السماوات والأرضون ، واشتقّ الحسين من الحسن ، وعلي والحسن اسمان من أسماء الله ، والحسين تصغير الحسن) . (مناقب ابن شهرآشوب 3 : 166) .
بلى قد تاب الله على آدم ببركة أصحاب هذه الأسماء ، ولو تأملت في التفسير الأثري لقوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْماءَ كُلَّهَا) لرأيت سبحانه قد علّم آدم أسماء ذريته المعصومين بجنب ما علمه من جميع الأسماء .
قال الصدوق : إذا علّم [الله] آدم الأسماء كلها على ما قاله المخالفون ، فلا محالة أنّ أسماء الأئمة (عليهم السلام) داخلة في تلك الجملة ، فصار ما قلناه في ذلك بإجماع الأمة . (كمال الدين وتمام النعمة : 14) .
وعن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : سألت رسول الله عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه ؟ قال : سأله بحق محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلاّ ما تبت عليّ ، فتاب عليه . (امالي الصدوق : 135 ، الطرائف : 112 ، عن مناقب ابن المغازلي) .
وفي الكافي : عن علي بن إبراهيم في قوله تعالى (فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَات) قال : سأله بحق محمّد وعلي والحسن والحسين وفاطمة صلى الله عليهم . (الكافي 8 : 305 ح472) .
قال السيوطي : وأخرج الطبراني في المعجم الصغير ، والحاكم ، وأبو نعيم ، والبيهقي في الدلائل ، وابن عساكر ، عن عمر بن الخطاب ، قال : قال رسول الله : لما أذنب آدم الذنب الذي أذنبه رفع رأسه إلى السماء فقال : أسالك بحق محمّد إلاّ غفرت لي ، فأوحى الله إليه : وما محمّد ومن محمّد ؟ فقال : تبارك اسمك لما خلقتني رفعتُ رأسي إلى عرشك فإذا فيه مكتوب : لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، فعلمت أنّه ليس أحد أعظم عندك قدراً ممن جعلت اسمه مع اسمك ، فأوحى الله إليه : يا آدم إنّه آخر النبيين من ذريتك ، وإن أمته آخر الأمم من ذريتك ، ولولاه يا آدم لما خلقتك . (الدر المنثور 1 : 142 ، المعجم الصغير 2 : 182 ح922 والمتن منه ، مجمع الزوائد 8 : 253) .
ومثل ذلك ما جاء في التفسير الأثري لقوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيْمَ رَبُّهُ بِكَلَمَات فَأَتَمَّهُنَّ) ، فعن المفضل بن عمر ، عن الصادق(عليه السلام) ، قال : سألته عن قول الله عزّوجلّ : (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيْمَ رَبُّهُ بِكَلَمَات فَأَتَمَّهُنَّ) : ما هذه الكلمات ؟ قال : هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه ، وهو أنّه قال : يا رب أسالك بحق محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلاّ تبت عليّ ، فتاب الله عليه إنّه هو التواب الر حيم ، فقلت له : يا ابن رسول الله فما يعني عزّوجل بقوله : (فَأَتَمَّهُنَّ) ؟ قال : فاتمهن إلى القائم(عليه السلام) اثني عشر اماماً تسعة من ولد الحسين . (الخصال ، للصدوق : 304 ـ 305 ، كمال الدين : 358 ـ 359 ح57 ، معاني الاخبار : 125 ح1 ، مناقب ابن شهرآشوب 1 : 243) .
وفي تفسير العيّاشي : عن صفوان الجمّال ، قال : كنّا بمكّة فجرى الحديث في قول الله : (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيْمَ ...) قال : أتمهنّ بمحمّد وعليّ والأئمّة من ولد عليّ صلّى الله عليهم (تفسير العيّاشي : 57 ، وعنه في بحارالأنوار 25 : 201 ح14) .
________________________________________ الصفحة 44 ________________________________________
________________________________________ الصفحة 45 ________________________________________
لا نريد الإطالة في هذا الأمر كثيراً ، بل نقول : إنّ هذه الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه ، أو التي ابتُلي بها إبراهيم ـ كما في أخبار اخرى ـ سواء كانت هذه الكلمات هي أسماء الخمسة من أهل الكساء ، أو الأدعية التي علم الله آدم(1) ، أو التي دعا بها إبراهيم ربه(2) ، فهي تؤكد بأنّ هذه الكلمات والأسماء لم تكن أسماءً عاديّة ، وأنّ وضعها لم يكن اعتباطياً ، ولا لُغَويّاً بحتاً على عادة العرب ، بل إنّ الباري أحبّها وجعلها معياراً لكلمته ، كما جعل أسماء الأنبياء كلّها مقدّسة ، وجعل أنبياءه كلمات له سبحانه وتعالى ، فقد بشر سبحانه وتعالى مريم بقوله : ( إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَة مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ )(3) ، وقوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ )(4) ، وقوله تعالى : ( أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَة مِنَ اللهِ )(5) ، وغيرها .
وعليه ، فوضع أسماء الأنبياء والمعصومين يختلف عن غيرها من الأسماء ،
____________
1- تفسير القمي 1 : 44 ـ 49 .
2- الدعوات للراوندي : 48 ، مستدرك الوسائل 6 : 283 ح 5 .
3- آل عمران : 45 .
4- النساء : 171 .
5- آل عمران : 39 .
________________________________________ الصفحة 46 ________________________________________
ومن تأمّل علم أ نّه ليس من أسماء الناس اسم يجمع من معاني صفات الحمد ما يجمعه هذان الاسمان ( أحمد ومحمّد ) :
فأحمد اسم منقول من صفة لـ (أَفْعَل) ، وتلك الصفة ـ أفعل ـ التي يراد بها التفضيل ، فمعنى أحمد ، أي أحمد الحامدين لربّه ، والأنبياءُ (عليهم السلام) كلّهم حامدون لله ، إلاّ أنّ نبيّنا(صلى الله عليه وآله) أكثرهم حمداً ، فيكون هو الأحقّ بالحمد ، ومحمّد هو البليغ في الحمد ، فمن سمّي بهذين الاسمين فقد سُمِّي بأجمع الأسماء لمعاني الفضل ; يقال : رجل محمّد ومحمود ، إذا كثرت خصاله المحمود فيها ، وقد جاء في صحيح البخاري قوله(صلى الله عليه وآله) : ألا تعجبون كيف يصرف الله عنّي شتم قريش ولعنهم ؟ يشتمون مُذَمَّماً ، ويلعنون مُذَمَّماً ، وأنا مُحَمَّدٌ(1) .
ومثله اسم أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) ، فربُّ العالمين حينما أمر أبا طالب عن طريق الالهام أو المنام أن يُسَمِّي ابنه علياً عنى بكلامه العلوّ والرفعة ، وأ نّه مشتقٌّ من اسمه ( العلي ) ، لا كما كان يأخذه العرب من الصلابة والشدة(2) .
وجاء عن الإمام الكاظم(عليه السلام) أ نّه قال : بينا أنا نائم إذ أتاني جدّي وأبي ومعهما شقة حرير ، فنشراها فإذا قميص فيه صورة هذه الجارية [يعني أمّ الإمام الرّضا(عليه السلام)] فقالا : يا موسى ، ليكوننّ لك من هذه الجارية خير أهل الأرض ، ثمّ أمرني إذا وَلَدَتْهُ أن أُسمّيه عليّاً ، وقالا : إنّ الله عزّ وجلّ سيظهر به العدل والرأفة والرحمة(3) .
ومن هذا الباب جاء قول الصادق(عليه السلام) في تفسير قوله تعالى ( وَلِلّهِ الأَسْماءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا )(4) ، قال : نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من
____________
1- صحيح البخاري 3 : 1299 ح 3340 ، امتاع الاسماع 2 : 139 ـ 141 .
2- انظر الاشتقاق لابن دريد : 54 .
3- دلائل الإمامة : 348 .
4- الأعراف : 180 .
________________________________________ الصفحة 47 ________________________________________
العباد عملاً إلاّ بمعرفتنا(1) .
وهذا النص يريد أن يقول : فكما أنّ الاسم يدلّ على المسمّى كذلك هم (عليهم السلام)أدلاّء على الله وأسمائه وصفاته ، ولذلك نفى العينية بين الأسماء والذات ،
فالألفاظ أسماء الأسماء ، أو إن شئت قل : الألفاظ الموضوعة هي أسماء مسـمّيات الأسماء .
وعليه فالعلم قد يأتي مفرداً مثل محمّد وعلي ، واخرى مركباً من مضاف ومضاف إليه مثل عبدالرحمن ، أو من فعل وفاعل مثل تابط شرا ، أو من اسمين قد ركبا وصارا بمنزلة الاسم الواحد مثل سيبويه .
وقد يكون المفرد منقولاً من مصدر كفضل ، أو من اسم فاعل كصالح ، أو من اسم مفعول كمحمود أو من أفعل التفضيل كأحمد .
ونحن من خلال هذا العرض السريع أردنا إعطاء صورة توفيقيه بين رأي الكوفيين والبصريين في اشتقاق الاسم ، والقول بأنّ من يرون اشتقاقه من ( وسم يَسِمُ ) كالكوفيين فهم يلحظون العلمية أكثر من المعنى حين التسمية . فهم أقرب إلى كون وضعها ارتجالياً .
أ مّا البصريون فهم يغلّبون المعاني حين التسمية على العَلَمِيّة ، لأَنّ اشتقاق الاسم عندهم من ( سما يسمو ) ، أي يلحظ فيه العلوّ والرفعة ، وعلى كلا التقديرين فإنّ أسماء الأنبياء والأوصياء ملحوظ فيها المعاني الإلهية ، إن كانت من الوسم فالوسم يطابق الموسوم ، و إن كانت السّموّ فلحاظ معاني السموّ الإلهي أوضح وأجلى ، وأ مّا أسماء عامة أولاد الأئمّة وعامة الناس فلا يشترط فيها هذا اللحاظ الإلهي طبق المبنيَيْنِ .
فأسماء الأوصياء هي أسماء مشتقة من اسم الباري ، أو قل أ نّها أسماء محبوبة
____________
1- الكافي 1 : 144 ح 4 .
________________________________________ الصفحة 48 ________________________________________
عنده جل وعلا .
أ مّا الأسماء التي يضعها المعصومون على أولادهم غير المعصومين ، أو يقبلون بها ـ كالتي وضعت من قبل الأمهات أو الخلفاء مثلاً ـ فلا يلزم فيها أكثر من أن تكون أسماءً حسنة عند العرب ، أي أنّ الإمام يكتفي في التسميات لحاظ المعنى اللّغوي للاسم فقط بحيث لا يكون قبيحاً .
وبهذا فإني اعتذر من قرائي الكرام لو اطلت بعض الشيء في الكلام عن التسمية بأسماء النبي وآله ، لأني رأيت ابناء أبي سفيان بدءاً من معاوية إلى السفياني ـ الذي يأتي في آخر الزمان ـ يخالفون هذه الأسماء و يقتلون من تسمى بها . في حين يحبذون التسمية بأسماء اعداء الله ورسوله ، ولاجل ذلك رأيت من الضروري التأكيد على جذور هذه الأسماء وتاريخها واشتقاقها لأ نّها توضح لها ملابسات الأسماء . والصراع فيه ، ولنضيف إليهما بعض الشي عن التسمية بهما في الجاهلية .
التسمية بمحمد وأحمد وعلي في الجاهلية
ومن المؤسف أن نرى اللغويين يتعاملون مع أسماء أمثال النبي(صلى الله عليه وآله) والإمام علي بمحض اللّغة ، فيقولون مثلاً أنّ اشتقاق ( علي ) مأخوذ من الصلابة والشدة ، في حين أنّ تسميات هؤلاء لا يلحظ فيها الاشتقاق اللغوي المحض ، بل يلحظ معه الاشتقاق الإلهي كذلك .
فصحيح أنّ اسم ( عليّ ) الموضوع لغير أمير المؤمنين مأخوذ من الصلابة والشدة لغةً ، وهذا ما عرفه العرب في الجاهلية حينما كانوا يسمّون أولادهم بـ ( علي ) ، وكذا الحَسَن من الحُسْن ، ومحمّد من المحمدة ، لكن لمّا راينا تطابق هذه الأسماء مع اسماء رب العالمين ، وتاكيده جل جلاله على أشخاص معنيّين
________________________________________ الصفحة 49 ________________________________________
معيّنين في كتابه وسنة نبيه أخذ يحمل طابعاً آخر ، وحسبما مرّ عليك في الحديث أن الله سبحانه وتعالى قال : أنا المحمود وهذا محمّد وأنا العلي وهذا علي ...
إِذن نحن لا نوافق ابن حجر وابن دريد الأزدي فيما قالوه عن اشتقاق أسماء المعصومين ، ونُرجعُ ذلك إلى نظرتهم الأُحادية اللّغوية ، لأ نّهم يدرسونها كموادّ لغو يّة بحتة ولا يدرسونها مع ما تحمل من مفاهيم معرفيّة وعقائديّة ، أي أنّ بحثهم لهكذا اشتقاقات جاءت في إطار اللغة فقط ، و إنّي أُرجِّحُ ـ خلافاً لجميع المؤرّخين وأصحاب التراجم ـ بأنّ هذه الأسماء لم تكن بمعانيها الآلهية قبل ولادة هذه الذوات ، وعلى فرض التنزّل والقول بأ نّها كانت في الجاهلية فمن المؤكّد أ نّها لم تكن تحمل نفس اللحاظ والمعنى ، بل أتت لاحقاً بمفهوم أعلى من مفهوم اللغة .
إذ حكى ابن دريد الأزدي في كتاب ( الاشتقاق ) : أنّ عبدالمطّلب نحر جزوراً لمّا ولد الرسول(صلى الله عليه وآله) ، فقالوا له : ما سميت ابنك هذا ؟ قال : سمّيته محمّداً ، قالوا : ما هذا من أسماء آبائك !! قال : أردت أن يحمد في السماوات والأرض .
فمحمد ( مُفَعَّل ) ، لأ نّه حُمِدَ مرّةً بعد مرّة ، كما تقول كرّمته وهو مكرّم ، وعظّمته وهو معظّم ، إذا فعلت ذلك مراراً(1) .
وفي الكافي : عن ابن السائب ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) عن أبيه(عليه السلام) ، قال : عقّ أبو طالب عن رسول الله يوم السابع ودعا آل أبي طالب ، فقالوا : ما هذه ؟
فقال : هذه عقيقة أحمد .
قالوا : لأيّ شيء سمّيته أحمد ؟
قال : سمّيته أحمد لمَحْمَدَةِ أهل السماء والأرض(2) .
____________
1- الاشتقاق لابن دريد : 8 .
2- الكافي 6 : 34 ح 1 ، من لا يحضره الفقيه 3 : 485 ح 4716 ، وسائل الشيعة 21 : 431 ح 5 .
________________________________________ الصفحة 50 ________________________________________
وفي الدرّ المنثور ، عن ابن عبّاس : إنّ جمعاً من أهل حضر موت جاءُوا رسولَ الله وقالوا : أَبَيْتَ اللَّعْنَ(1) ، فقال رسول الله : لست ملكاً أنا محمّد بن عبدالله ، قالوا : نسمّيك باسمك . قال : لكنّ الله سمّاني(2) .
وقد روى ابن عبدالبرّ خبراً عن أبي إسماعيل الترمذي ، عن علي بن زيد بن جدعان ، قال : أحسن بيت قيل فيما قالوا قول عبدالمطلب أو قول أبي طالب ـ الشكّ من أبي إسماعيل ـ :
وشَقَّ له من إِسْمِهِ لِيُجِلَّهُ فَذُو العرشِ محمودٌ وهذا محمّدُ(3)
وقد ضمّن حسّان بن ثابت هذا البيت في قصيدة له منها :
أَغَرُّ عليه للنبوة خاتمٌ من الله ميمونٌ يلوحُ ويشهدُ
وضمَّ الإلهُ اسمَ النبيِّ إلى اسمِهِ إذا قال في الخَمْسِ المؤذّنُ : أَشْهَدُ
وشَقَّ له مِنْ إِسْمِهِ ليُجلَّهُ فذُو العرشِ محمودٌ وهذا محمّدُ(4)
وقال ابن دريد بعد ذلك عن اشتقاق اسم علي : أ نّه من الصلابة والشدة ، قال ابن مقبل :
وكل عليّ قُصَّ أسفلُ ذيله فشمّر عن ساق وأوظفه عُجر(5)
وباعتقادي أنّ ما جاء على لسان من لامُوا عبدالمطّلب خيرُ دليل على عدم وجود اسم محمّد قبله(صلى الله عليه وآله) ، وأنّ جملة ( ما هذا من أسماء آبائك ) لا يُعنى بها عدم وجود هذا الاسم في من هم في صلبه المباشر ، بل هو من قبيل قوله تعالى : ( إِنَّا
____________
1- أبيت اللعن ، كلمة كانت العرب تُحَيِّي بها الملوك .
2- الدرّ المنثور 7 : 77 .
3- التمهيد 9 : 154 ، الثقات لابن حبان 1 : 42 ، التاريخ الاوسط 1 : 13 السنه للخلال 1 : 193 ح 209 .
4- شرح قصيدة ابن القيم 1 : 20 .
5- الاشتقاق لابن دريد : 54 .
________________________________________ الصفحة 51 ________________________________________
وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة )(1) ، حيث يُعنى بالآباء القبيلة والعشيرة التي ينتمي إليها لا آباؤُهُم الصُّلبيُّون فقط ، بل هو أعمُّ من ذلك .
و إذا ثبت هذا فإنّه يُخَطِّئُ ما ألّفه ابن حجر في كتاب أسماه ( الإعلام بمن سُمّي محمّداً قبل الإسلام ) ، والذي ردّ فيه على ابن خالويه في كتاب ( ليس ) ، وبعده على السهيلي في ( الروض الأُنُف ) ، حيث قالا أ نّه : لا يعرف في العرب من تسمى محمّداً قبل النبي إلاّ ثلاثة أو ستّة أو سبعة ، فردّهم الحافظ ابن حجر بقوله ( وهو حصر مردود ، وقد جمعتُ أسماء من تسمّى بذلك في ( جزء مفرد ) فبلغوا نحو العشرين ، لكن مع تكرُّر في بعضهم ، ووَهَم في بعض ، فيتلخّص منهم خمسة عشر نفساً )(2) .
لكنّا نقول له : إنّ حصرك مردود أيضاً ، بل ليس هناك من سُمِّي بمحمّد أو أحمد قبل الإسلام ، وقد جاء مضمون ذلك على لسانك أيضاً ، عند مناقشتك لرواية نافع بن جبير ـ عند ابن سعد ، والتي فيها زيادة اسم ( خاتم ) ـ على ما أخرجه البخاري عن محمّد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله : لي خمسة أسماء ، أنا محمّد ، وأحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب .
قال ابن حجر في فتح الباري : وزعم بعضهم أنّ العدد ليس من قول النبي وانّما ذكره الراوي بالمعنى ، وفيه نظر لتصريحه في الحديث بقوله : إِنّ لي خمسة أسماء ، والذي يظهر أ نّه أراد أنّ لي خمسة أسماء أَخْتَصُّ بها لم يُسَمَّ بها أحد قبلي أو مُعَظَّمَة أو مشهورة في الأمم الماضية لا أ نّه أراد الحصر فيها .
قال عياش : حمى الله هذه الأسماء أن يُسَمَّى بها أحد قبله ، و إنّما تَسَمَّي
____________
1- الزخرف : 22 .
2- فتح الباري 6 : 556 . وانظر فتح المنان بمقدمة لسان الميزان لمحمد عبدالرحمن المرعشلي : 113 .
________________________________________ الصفحة 52 ________________________________________
بعض العرب ( محمّداً ) قرب ميلاده لمّا سمعوا من الكهنة والأحبار أنّ نبيّاً سيبعث في ذلك الزمان يُسَمَّى محمّداً ، فرجوا أن يكونوا هم ، فسـمّوا أبناءهم بذلك(1) .
لا أدري كيف وفق ابن حجر بين الذين ذكرهم في كتابه ( الإعلام ) وبين ما قاله في فتح الباري بأنّ هذه الأسماء الخمسة مختصّة برسول الله لم يُسمَ بها أحد قبله(صلى الله عليه وآله) ؟!
أجل كأنّ ابن حجر تنبّه إلى تهافت كلامه فتعقّبه بالقول : ( أو مُعَظَّمة أو مشهورة ) .
قال الزرقاني في شرحه : انّ النبيّ قال لي خمسة أسماء ، يعني أختصّ بها ، لم يَتَسَمَّ بها أحد قبله أو مُعَظَّمة أو مشهورة في الأمم الماضية(2) .
وفي طرح التثريب في شرح التقريب : وفي الصحيحين من حديث جبير بن مطعم عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) : إنّ لي خمسة أسماء أنا محمّد وأنا أحمد ... الحديث ، ولم يتسمّ بأحمد قبله أحد ولا في زمنه ، ولا في زمن أصحابه ; حمايةً لهذا الإسم الذي بشّر به الأنبياء ... وأ مّا من تسمّى بمحمّد فذكر أبو القاسم السهيلي أ نّه لا يعرف في العرب من تسمّى به قبله إلاّ ثلاثة طمع آباؤهم حين سمعوا به وبقرب زمانه أن يكون ولداً لهم ، فذكرهم وبلغ بهم القاضي عد ستة أو سبعة ...(3) .
أنا لا أريد التفصيل أكثر من هذا ، ولا أقبل بوجود اسم محمّد قبل الإسلام(4) ، لكن على فرض وجوده أقول : إنّه لم يكن اسماً فيه المعنى الذي
____________
1- فتح الباري 6 : 556 ، وعنه في تحفة الاحوذي 8 : 104 .
2- شرح الزرقاني 4 : 557 .
3- طرح التثريب في شرح التقريب 1 : 21 .
4- قال القاضي عياض في الشفاء : أمّا أحمد الذي أتى في الكتب وبشّرت به الأنبياء فمنع الله تعالى بحكمته أن يسمّى به أحد غيره ، ولا يدعى به مدعوّ قبله ، حتّى لا يدخل لبس على ضعيف القلب أو شك .
وكذلك محمّد أيضاً لم يسمّ به أحد من العرب ولا غيرهم ، إلى أن شاع قبيل وجوده(صلى الله عليه وآله)وميلاده أنّ نبياً يبعث اسمه محمّد ، فسمَّى قوم قليل من العرب أبناءهم بذلك رجاء أن يكون أحدهم هو ، والله أعلم حيث يجعل رسالته ، ثمّ أخذ القاضي عياض يعدّد أسماءهم (انظر الشفا للقاضي عياض 1 : 230 ، الروض الانف 1 : 280 ، أسد الغابة 4 : 310 ، إمتاع الأسماع للمقريزي 2 : 140 ـ 141)
وفي أخبار مكّة للفاكهي 3 : 116 (أوّل من سمّى محمّداً) : ويقال أنّ أوّل من سمّي من العرب محمّداً أو أحمد النبيُّ ، ولم يكن العرب يسمّون هذين قبله .
وفي حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح 1 : 6 : إن حمى هذه الإسمين أن يسمى بأحدهما أحد قبل زمانه مع ذكرهما في الكتب القديمة والامم السابقة مع أنّهما من الأعلام المنقولة فلم يقع ذلك لاحد قبله اصلاً أمّا احمد فبالاتفاق ، وأمّا محمّد فعلى الأصحّ كما ذكره الشهاب في شرح الشفا ، وقيل : لما قرب زمانه ونشر أهل الكتاب نعته سمّى بعض العرب ابناءهم بمحمّد رجاء أن يكون أحدهم هو والله أعلم حيث يجعل رسالته .
________________________________________ الصفحة 53 ________________________________________
قصده ربّ العالمين من هذه التسمية بل لحظ فيه المعاني اللغوية البحته .
فالعرب حينما كانوا يضعون هذه الأسماء على أولادهم كانوا لا يعرفون ولا يعنون بأنّ محمّد اً مشتق من الله المحمود ، وعليّ من الله العلي ، والحسن من الإحسان الإلهي ، بعكس اسم النبي الذي كان ملحوظاً فيه المعنى الإلهي كما عرفت ، وقد جاء في بعض الروايات أنّ جدّ الرسول الأعظم عبدالمطلب رأى في المنام أنّ شخصاً يأمره أن يضع اسم محمّد على حفيده .
وفي آخر : رأى سلسلة من فضّة خرجت من ظهره لها طرف في السماء وطرف في الأرض ، فقصها فعبّر له بمولود يكون من صلبه يتّبعه أهل المشرق والمغرب و يحمده أهل السماء والأرض(1) .
وقد مرّ عليك في خبر ( الكافي ) أنّ عمّه أبا طالب سمّاه أحمد كذلك ، لكنّ التسمية لم تكن من عنده ، بل الله أجراها على لسانه .
على أنّ وجود المسمّين بـ ( محمّد ) في الجاهليّة لا يحقّق السبق الواقعي ، لأنّ
____________
1- إمتاع الأسماع للمقريزي 2 : 140 ـ 141 .
________________________________________ الصفحة 54 ________________________________________
اسم نبيّنا ( محمّد ) (صلى الله عليه وآله) كان سابقاً لتلك الأسماء في الوضع والتقدير الإلهي ، وهذا يعني أنّ كلّ من سَمّوا به هم تَبَعٌ لاسمه المبارك في الحقيقة وإن تقدّموه في الوجود الخارجي(1) ، ولذلك نرى أنّ جميع المتسمين بذلك كانوا مقاربين زماناً لمولد النبي (صلى الله عليه وآله) ومشارفين لآيات ولادة نبيّ آخر الزمان .
بعد كل هذا التفصيل نرجع إلى صلب الموضوع لنرى هل حقّاً أنّ الأئمّة سَمّوا أولادهم ـ غير المعصومين ـ بأبي بكر وعمر وعثمان وعائشة أم لا ؟ و إذا كانوا قد سَمُّوا بذلك ففي ضمن أي الأقسام السابقة تدخل تلك التسميات ؟
من الطبيعي أ نّها لا تدخل ضمن القسم الأوّل ، لأنّ الإمام علياً لم يكن من الجاهليين لتدخل التسمية تحت هذا القسم في تسميات أولادهم .
وكذلك لا تدخل في القسم الثالث ; لأنّ المسمَّين من ولده(عليه السلام) لم يكونوا جميعهم من المعصومين حتّى نقول أنّ أسماءهم مشتقة من الإسم الإلهيّ .
فيبقى دخول هذه التسميات من قِبَلِهِم ضمن القسم الثاني ، أي يكفي فيها أن تكون أسماءً غير قبيحة من حيث اللّغة ، ولهذا أُقِرَّت التسمية بعمر وعائشة وأمثالها عندهم لوجود معنى مقبول لها في اللّغة .
____________
1- روى محمّد بن عدي أنه سأل أباه كيف سمّاه في الجاهلية محمّداً ؟
فقال : خرجتُ مع جماعة من بني تميم ، فلما وردنا الشام نزلنا على غدير عليه شجر ، فأشرف علينا ديراني فقال : من أنتم ؟
فقلنا : من مضر ، فقال : أما إنه سوف يبعث منكم وشيكاً نبيّ فسارعوا إليه وخذوا بحظكم منه ترشدوا ، فإنه خاتم النبيين .
فقلنا : ما اسمه ؟
قال : محمّد ، فلمّا صرنا إلى أهلنا ، ولد لكلّ واحد منّا غلام فسمّاه محمّد اً ، (فتح الباري 6 : 556 ، سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي 1 : 113 ورواه الطبراني في المعجم الكبير 17 : 111 ح 273) .
________________________________________ 1 ـ الأبرد بن طهرة الطهوي التميمي ، والأبرد : النمر .2 ـ الأسفع البكري أو الجرمي ، صحابيان ، والأسفع : الصقر .3 ـ الأسلع الأعرجي ، يقال : له صحبة ، والأسلع : الأبرص .4 ـ البرذع بن زيد بن عامر ، والبرذع : الحِلْس الذي يلقى تحت الرحل .5 ـ بغيض بن شماس بن لأي ، وبغيض هو قبال المحبوب .6 ـ ثعلبة : مؤنث الثعلب ، الحيوان المعروف ، وقد تسمّى به أكثر من أربعين صحابياً .7 ـ ثور بن مالك الكندي ، والثور : الذكر من البقر .8 ـ جحش بن رئاب الأسدي : والجحش : ولد الحمار .9 ـ جرو بن جابر . والجرو : معروف .10 ـ خيار بن أبي أوفى ، والخيار : معروف .11 ـ جراد بن مالك بن نويرة التميمي ، والجراد معروف .12 ـ حرقوص بن زهير السعدي ، والحرقوص : دويبة نحو القراد تلصق بالناس .13 ـ حريش بن هلال التميمي ، وهي نوع من الحيّات عند الدميري ، وقيل : الحريش دويبة أكبر من الدودة على قدر الإصبع ، لها قوائم كثيرة ، وهي التي تسمّى دخّالة الأذن .14 ـ حسل بن خارجة الأشجعي ، وحسل : يقال لفرخ الضب حين يخرج من بيضته .15 ـ حسيل بن جابر العبسي ، والحسيل : ولد البقرة الأهلية .16 ـ حمار ـ باسم الحيوان المشهور ـ روى البخاري عن عمر قوله : كان رجل يسمّى عبدالله ويلقب حماراً وكان يُضحك رسول الله .17 ـ حمطط بن شريف القرشي العددي ، والحمطوط : دويبة تكون في العشب .18 ـ حنظله الأنصاري ، واحده حنظل من نبات البادية .19 ـ حميضة بن أبان ، والحمض : ضرب من النبت .20 ـ حنش بن المعتمر ، والحنش : كل ما أشبه رأسه رأس الحيات .21 ـ حية بن عابس ، والحية : معروفة .22 ـ دجاجة بن ربيعة بن عامر ، والدجاجة : معروفة .23 ـ دعموص الرملي ، والدعموص : دودة سوداء تكون في الماء الآجن .24 ـ عوسجة ، ذكره في الاصابه ، والعوسج اسم شجرة من شجر البادية .25 ـ حزن بن أبي وهب ، والحزن الغليظ من الأرض والصلب من الحجارة .1 ـ أن يلحظ فيها العلامة سواء كان له استعمال سابق ثمّ نقل إلى آخر ، أم لم يسبق له استعمال قبل العَلَمية ، وبذلك يكون الاسم عندهم مأخوذ من الوَسْم أي العلامة ، والعَلَميَّة عندهم تغلب على المعنى .2 ـ أن يلحظ فيها العلوّ والرفعة في المعنى كذلك ، وهي سيرة العظماء والحكماء والمثقّفين قديماً وحديثاً فلا يسمون إلاّ باسماء لها معاني حسنة .
التعلیقات