العصمة عن الخطأ في تطبيق الشريعة والأمور العادية
المصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج3 ، ص 191 ـ 192
( 191 )
المرتبة الثالثة للعصمة
العصمة عن الخطأ في تطبيق الشريعة والأمور العادية
إنّ صيانة النبي عن الخطأ والاشتباه في مجال تطبيق الشريعة والأمور العادية
الفردية المرتبطة بحياته الشخصية ، مّما طرح في علم الكلام ، وطال البحث فيه
بين المتكلمين. والخطأ في تطبيق الشريعة ، مثل أنْ يسهو في صلاته ، أو يغلط في
إجراء الحدود . والخطأ في الأمور العادية مثل خطئه في مقدار دَيْنه للناس ، كما لو
اقترض ديناراً وظنّ أنّه ديناران أو نصفّ دينار.
والحقُّ في هذه المسألة واضح غايته ، ذلك أنّ الدليل العقلي الدالّ على
لزوم عصمة النبي في مجال تلقّي الوحي وتحمّله وأدائه إلى الناس ، دالٌّ ـ بعينه ـ
على عصمته عن الخطأ في تطبيق الشريعة وأُموره الفردية ، حرفاً بحرف. ولكن
زيادة في البيان ، نقول:
إنّ الغاية المتوخاة من بعث الأنبياء هي هداية الناس إلى السعادة ، ولا
تحصل هذه الغاية الاّ بكسب اعتمادهم وثقتهم المطلقة بصحة ما يقوله الأنبياء
ويحكونه عن الله تعالى . ولكن ما قولك فيما لو شاهد الناس نبيَّهم يسهو في تطبيق
الشريعة الّتي أمرهم بها ، أو يغلط في أُموره الفردية والاجتماعية؟. هل من رَيْب
في أنّ الشّكّ سيجد طريقاً رحبة للتسرب إلى أذهان الناس في ما يدخل في مجالً
الوحي والرسالة؟ بل لن يبقى شيء مّما جاء به هذا النبي إلاّ وتَطْرُقُهُ علامات
الإستفهام ، ولسان حال الناس يقول : « هل ما يحكيه عن الله تعالى من
________________________________________
( 192 )
الوظائف ، هي وظائف إلهية حقّاً؟ أم أنّها مزيج من الأخطاء والإشتباهات؟
وبأي دليل هو لا يخطيء في مجال الوحي ، إن كان يخطيء ويسهو في المجالَينْ
الآخرَيْن؟» . وهذا الحديث النفسي والشعور الداخلي ، إذا تعمّق في أذهان
الناس ، سوف يَسْلُب اعتمادهم على النبي ، وتنتفي بالتالي النتيجة المطلوبة من
بعثه.
نعم إنّ التفكيك بين صيانة النبي في مجال الوحي ، وصيانته في سائر
المجالات ، وإن كان أمراً ممكناً عقلاً ، لكنه كذلك بالنسبة إلى عقول الناضجين
في الأبحاث الكلامية ، وأمّا عامة الناس ورعاعُهُم الذين يُشكِّلون أغلبية
المجتمع ، فإنّهم غير قادرين على التفكيك بين تَيْنِك المرحلتين ، بل يجعلون السهو
في إحداهما دليلاً على إمكان تسرُّب السهو إلى المرحلة الأُخرى.
فلا بدّ ـ لسدّ هذا الباب الّذي ينافي الغاية المطلوبة من إرسال الرسل ـ من
أن يكون النبي مصوناً عن الخطأ في عامة المراحل ، سواء في حقل الوحي ، أم تطبيق
الشريعة ، أم في الأُمور الفردية والاجتماعية. وهذا الّذي ذكرناه مقتضى الدليل
العقلي القائم في المقام . والقرآن الكريم يدعم ذلك ببيان خاص ، نورده فيما
يلي .
التعلیقات