إشكالات على أخبارالتشريع
المصدر : زواج المتعة ، تأليف : السيّد جعفر مرتضى الحسيني العاملي ، ج2 ، ص 195 ـ 235
________________________________________ الصفحة 195 ________________________________________
الفصل الرابع
إشكالات واهية في روايات
جابر.. و ابن الحصين.. و ابن مسعود
________________________________________ الصفحة 196 ________________________________________
________________________________________ الصفحة 197 ________________________________________
مع ما تقدم:
كانت تلك طائفة من الأخبار، التي تؤكد تشريع المتعة في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله)، وأنه، لم ينسخها، بل بقيت حلالاً في زمانه، وفي زمان أبي بكر، وفي شطر، بل وإلى آخر خلافة عمر..
وقد اتضح: أن التحريم أو المنع إنما كان من الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، لا من النبي (صلى الله عليه وآله)، وأن طائفة من الصحابة، والتابعين لم يستجيبوا لرأي عمر في شأنها، فاستمروا على القول بحليتها، وعلى ممارسة هذا الزواج، غير آبهين بما كان من عمر في شأنه..
وقد رأينا: أن ما يزيد على نصف الروايات المتقدمة، قد وردت بطرق صحيحة السند، ومعتبرة، وهي موجودة في أصح
________________________________________ الصفحة 198 ________________________________________
الكتب والمسانيد عند القائلين بالتحريم أنفسهم، ولو أغمضنا النظر عن تواتر بعض آحادها.. فإنه لا ريب في أن مجموعها فوق حد التواتر.. هذا مع سلامتها عن التعارض والتنافر الموجود في غيرها..
ونود أن نذكر هنا: بأننا قد تركنا طائفة من تلك الروايات التي اجتهد فيها الرواة ففسروا ـ من عند أنفسهم ـ كلمة «المتعة» الواردة بمتعة الحج.. رغم أن حملها على متعة النساء، لا سيما ما ورد منها عن ابن عباس وعمران بن الحصين، وأضرابهما، من القائلين، والمصرين على حلية المتعة.. هو الأجدر والأولى..
ما نريده من عقد هذا الفصل:
ونريد في هذا الفصل: أن نذكر تعليقات أو ملاحظات قيلت، أو يمكن أن تقال، من قبل من يلتزمون بتحريم زواج المتعة، فيما يرتبط بعدد من الروايات التي ذكرناها في الفصل السابق.
وسنرى أنها: مجرد محاولات عقيمة ومقولات غير سديدة، لا تصلح للاعتماد عليها في شيء، ولعل منشأها هو: إما حسن
________________________________________ الصفحة 199 ________________________________________
الظن، أو عدم التدبر في النص، أو عدم الإطلاع على سائر النصوص، أوغير ذلك..
فإلى ما يلي من مطالب..
الخلافات الحزبية هي سبب إختلاف الروايات:
وقد قال البعض رداً على الرواية التي عن علي (عليه السلام): لولا أن عمر نهى عن المتعة لما زنى إلا شقي، حيث يفهم منها أن عمر نهى عنها إجتهاداً.
ورداً على رواية عمران بن الحصين: إن آية المتعة نزلت في كتاب الله، ولم تنزل بعدها آية تنسخها الخ..
ورداً على ماروي عن جابر: نعم، استمتعنا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأبي بكر، وعمر.
ورداً على قول عمر: متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حلالاً، وأنا أنهى عنهما الخ.. قال ما يلي: «يتراءى لنا من خلال هذه الروايات أصابع الخلافات الحزبية في صدر الإسلام، إذ لا يعقل أن يصدرعن عمر هذا
________________________________________ الصفحة 200 ________________________________________
القول الأخير، الذي عزي إليه، ولا يعقل أن يسكت أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفيهم علي (عليه السلام)، ويرضوا عن إعلان تحريم ما كان في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حلالاً»(1).
ونقول:
إننا نسجل ما يلي:
أولاً:
إن هذا الرجل يعترف أن هذه الروايات تشير إلى أصابع الخلافات الحزبية في صدر الإسلام، إذن فأصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) هم المختلفون في هذا الأمر.. وذلك يعني أن القضية لم تكن بهذا الوضوح عندهم.
ثانياً:
إن تبرئة الخليفة الثاني بهذه الطريقة ليست كافية للحكم ببراءته، لأننا رأيناه، يتدخل في كثير من الأحيان في أمور من هذا القبيل، ويستعمل هيبته وسلطته لفرض ما يريد على الآخرين.
____________
(1) التفسير الحديث لمحمد عزة دروزة ج9 ص54، والمرأة في القرآن والسنة ص182.
________________________________________ الصفحة 201 ________________________________________
ثالثاً:
وأما سكوت علي (عليه السلام) عن أمر كهذا، فقد عرفنا أنه سكت على ما هو أعظم من ذلك ألا وهو ضرب زوجته، وإسقاط جنينها، وغصب الخلافة، وغير ذلك.
وللسكوت أسباب قد لا نستطيع أن نلمّ بها.. فكيف إذا صاحب هذا السكوت إصرار من الخليفة يصل إلى درجة التهديد، حيث لا يبقى أي احتمالٍ لتأثير الاعتراضات في أجواء كهذه.
جابر لم يبلغه التحريم:
وأما بالنسبة لما روي عن جابر من أن المتعة كانت حلالاً في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعهد أبي بكر، وصدر من خلافة عمر.
نجد أنهم قد إدعوا:
أنه يجب حمل حديث جابر على أن الذي استمتع، أو أخبر بفعلها، لم يبلغه التحريم، ولم يكن قد اشتهر في زمن عمر، فلما وقع فيها النزاع ظهر التحريم واشتهر، وعلم النسخ.. فرجع
________________________________________ الصفحة 202 ________________________________________
جابر إلى قول عمر، وامتنع(1).
ونقول:
1 ـ لقد اتضح مما تقدم: أن عمر بن الخطاب هو أول من منع من زواج المتعة، وأن الصحابة كانوا في زمان عمر يمارسون هذا الزواج بحرية تامة، وبشكل طبيعي، وعادي، بل لقد استمروا على ممارسة هذا الزواج على نطاق واسع، حتى بعد نهي الخليفة الثاني أيضاً..
2 ـ لست أدري بماذا يمكن لمدعي النسخ أن يجيب على الأسئلة التالية:
لو كان هذا الزواج قد نسخ بالقرآن أو بقول النبي (صلى الله عليه وآله) عام خيبر، أو عام الفتح، أو غيرهما، فلماذا لم ينه عنه أبو بكر طيلة أيام خلافته؟!.
ولماذا لم ينه عنه عمر في الشطر الأول من خلافته
____________
(1) المنتقى ج 2 ص 520، وتحريم نكاح المتعة ص 105، وزاد المعاد ج 2 ص184، وفتح الباري ج 9 ص 149، وشرح صحيح مسلم للنووي 5/1/173، وشرح الموطأ للزرقاني ج3 ص154 وراجع: نكاح المتعة للأهدل ص191 و307.
________________________________________ الصفحة 203 ________________________________________
أيضاً؟!.
وكيف لم يقبل الناس هذا النهي من عمر؟ بل استمروا على ممارسة هذا الزواج بحرية، وعلى نطاق واسع، رغم تهديداته القوية لمن يفعل ذلك؟!.
وكيف لم يحتج المانعون من زواج المتعة على الممارسين له بهذا النسخ المزعوم؟! حينما رأوهم بنهي الخليفة لا ينتهون، وعن ممارسة هذا الزواج لا يرتدعون؟!.
وإذا كانوا قد احتجوا عليهم بالنسخ، فلماذا لم يقبلوا منهم ذلك ولا صدقوهم في روايتهم المزعومة؟! حتى صار أهل مكة واليمن يستعملونها كثيراً، وكذلك أهل الكوفة؟!.
وكيف لم يبلغ النسخ أمثال جابر بن عبد الله الأنصاري، وعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، وابن مسعود، وابن عباس، وعمران بن الحصين، وابن أم أراكة، وغيرهم ممن وردت أسماؤهم في هذا الكتاب وغيره.
إلى غير ذلك من الأسئلة الكثيرة، والكبيرة، والخطيرة..
3 ـ إن النسخ لا يثبت بخبر الواحد، فكيف ثبت لجابر بإخبار عمر به..
________________________________________ الصفحة 204 ________________________________________
4 ـ ثم من قال إن منع عمر كان يتخذ صفة الإخبار بالتحريم، فقد ذكرنا في أكثر من مورد: أن الظاهر هو أنه كان منعاً سلطوياً، وجبرياً.
ولأجل ذلك لم يخضع له كثيرون، واستمروا على ممارسة هذا الزواج، وعلى القول به، حتى إن ابن جريج ـ كما روي ـ قد تمتع بسبعين إمرأة، وكان أهل مكة يستعملونها كثيراً، وأهل اليمن. وأفتى ثلاثة من الأئمة ـ حسبما نقل عنهم ـ بحلية هذا الزواج عند الضرورة أو بدونها، إلى غير ذلك مما عرفناه في مطاوي هذا الكتاب.
5 ـ إن عمر قد نسب النهي إلى نفسه، لا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كما أن جابراً قد نسب النهي إلى عمر، ونسب التحليل إلى زمان رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وزمان أبي بكر..
6 ـ إن هذا الأمر وهو النسخ إن كان قد خفي على جابر، فإنه لا يخفى على غيره من كبار الصحابة، مثل ابن مسعود، وابن عباس، وغيرهم.. وخصوصاً على علي (عليه السلام) الذي كان ملازماً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في
________________________________________ الصفحة 205 ________________________________________
سفره وحضره..
7 ـ ولماذا لا تعكس القضية، فيقال: إن عدم قبول كبار الصحابة وغيرهم من عمر، يدل على أن عمر هو الذي كان يجهل بإستقرار الحلية، وبقائها، أو على الأقل كانوا يرونه مخطئاً فيما ينقله لهم.
8 ـ والأهم من ذلك كله: أن حديث جابر قد صرح بأنه إنما قال: استمتعنا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأبي بكر وعمر، حين بلغه اختلاف ابن عباس وابن الزبير في المتعتين. وسياق كلامه يدل على أنه بصدد تأييد ابن عباس الذاهب إلى حلية زواج المتعة فراجع.
9 ـ ولعل هذا هو الذي دعى الشوكاني للقول: «قولهم: إن جابراً لم يبلغه النسخ لا يخلو من تعسف»(1).
وذلك يعني: أن عدم بلوغ النسخ لعلي (عليه السلام)، وابن مسعود، وابن عباس، وغيرهم ممن تقدمت أسماء
____________
(1) نيل الأوطار ج 6 ص274.
________________________________________ الصفحة 206 ________________________________________
العشرات منهم، أكثر تعسفاً، لأنهم أقرب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من جابر.
إن ذلك وسواه يوضح لنا: أن القول بنسخ هذا التشريع ما هو إلا تعسف بغيض، وتجن على الحقيقة، واستهانة بعقول الناس.
أبو بكر وزواج المتعة:
وادعى بعضهم: أن حديث جابر يدل على أن أبا بكر يرى حل المتعة، وأن الظاهر هو أن موقف أبي بكر ـ وهو الملازم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في جميع غزواته، وأغلب حالاته ـ من زواج المتعة هو التحريم.
وقالوا: «إن جابراً حين تحدث عن استمتاعهم في عهد أبي بكر لم يذكر اطلاع أبي بكر على فاعلها، والرضا به، وأعتقد أنه لو اطلع الصديق على فاعلها في خلافته لوقف منها موقف الفاروق.
وهذا الفاروق فعلت في عهده ولم يطلع عليها، كما يدل عليه حديث جابر الثاني، ثم اطلع بعد، فنهى عنها، وقال فيها
________________________________________ الصفحة 207 ________________________________________
أشد القول.
ولعل السبب في عدم اطلاع الصديق عليها كونها نكاح سر، حيث لم يشترط فيها الإشهاد كما أسلفنا.
ولما كانت خالية عن الإعلان، حق لها أن تخفى على القريب، فضلاً عن المضطلع بأعباء الخلافة إلخ..»(1).
والمقصود من الحديث الثاني لجابر قوله: «استمتعنا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر وعمر»(2).
ونقول:
أولاً:
إن حديث جابر إنما يدل على استمرار فعل الصحابة هذه المدة الطويلة، وهذا كاف في إثبات حلية ذلك، لأنه يدل على عدم وجود منع من رسول الله (صلى الله عليه وآله). ولا تأثير لمخالفة أو موافقة أبي بكر في ذلك فإن المهم هو ثبوت رضا الله ورسوله.
____________
(1) راجع: نكاح المتعة للأهدل ص190/191، وتحريم نكاح المتعة للمحمدي ص159.
(2) نكاح المتعة للأهدل ص191 عن مسلم في صحيحه 5/1/174، وعبد الرزاق في مصنفه ج7 ص500.
________________________________________ الصفحة 208 ________________________________________
ثانياً:
إن فعل الصحابة إذا كان مستمراً، وكان استمراره ينتهي عند نهي عمر، الذي أصدره في أواسط، أو أواخر خلافته كما في بعض النصوص. وإذا كان هذا الاستمرار قد صاحبه ولادة رجال من المتعة عرفهم الناس بذلك ـ وربما ولدت نساء منها أيضاً.. ومن البعيد جداً أن يحصل ذلك ولا يطلع عليه أبو بكر ولا عمر، طيلة هذه السنين، وكان ذلك بمرأى من الناس ومسمع.. وقد كان يمكن أن ينهى عنه الخليفة، وكان الناس سوف يطيعونه، إذا هددهم بالرجم عليه كما هددهم عمر.. فلماذا لم ينههم إذن؟! أولماذا لم يظهر لهم نهي رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي كان مطلعاً عليه دونهم كما يدعون؟!.
ولا ندري لماذا سكت الصحابة كلهم، أو قسم منهم، ولم يعترضوا على ممارسة هذا الزواج طيلة هذه السنين فإن كانوا قد علموا وسكتوا فما هذه المداهنة في دين الله، وإن لم يعرفوا فكيف عرفه عمر وحده دون سائر الصحابة. وإن عرفه هو وأبو بكر ولم ينه عنه طيلة ما يقرب من عقد من الزمن.. فالسؤال هو: لماذا لم ينههم وقد كانت كل الظروف مهيأة لذلك، والناس كانوا يمارسون هذا الزواج كما كان الحال في عهد الرسول (صلى
________________________________________ الصفحة 209 ________________________________________
الله عليه وآله).
ثالثاً:
إذا كان أبو بكر ملازماً لرسول الله في جميع غزواته فغيره أيضاً من الصحابة مثله في ذلك وهم كثيرون. ومن الذي قال لهم: إن ابن مسعود وابن عباس، وجابراً وابن الحصين وغيرهم كانوا أقل من أبي بكر ملازمة لرسول الله (صلى الله عليه وآله).
وأما ملازمته له في أغلب حالاته فغير مقبول ولا مسلم.
ولو سلمنا ذلك.. فإن علياً (عليه السلام) كان أشد ملازمة لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأقرب إليه وهو باب مدينة علمه، وهو مع الحق والحق معه، يدور معه حيث دار، وهو قائل ببقاء حلية هذا الزواج منكر لما صنعه عمر.. كما أشرنا إليه أكثر من مرة، وأشرنا أيضاً إلى عدم صحة نقلهم خلاف ذلك عنه وسيأتي المزيد.
رابعاً:
إننا نجد هؤلاء الذين تدعى لهم الأقربية من الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يطلعوا على كثير من الأحكام التي هي أبسط من هذا الحكم، فراجع كتاب الغدير، الجزء السادس، فصل نوادر الأثر في علم عمر.. وراجع نفس ذلك
________________________________________ الصفحة 210 ________________________________________
الكتاب الجزء الخامس وغيره، مما تعرض لعلوم أبي بكر، بالإضافة إلى كتاب النص والاجتهاد، وكتاب دلائل الصدق وغير ذلك.
خامساً:
من أين صح لهم القول الجازم بأن عمر لم يكن قد علم باستمتاع الناس في عهده وعهد صاحبه أبي بكر، طيلة ما يقرب من عقد من الزمن. فهل هذا إلا رجم بالغيب؟ وتخرص غير مبرر ولا مقبول؟ فضلاً عن أن يستظهر عدم معرفة أبي بكر بذلك.
سادساً:
إن هذا القائل لم يستطع أن يجد ما يثبت أن أبا بكر يقول بتحريم المتعة، فلجأ إلى استظهار حاله فقال: الظاهر أن موقفه التحريم لها، وأنه لو اطلع على فاعلها لوقف منها موقف عمر، فلماذا لا يكون موقفه هو موقف علي (عليه السلام) وابن مسعود وجابر وابن عباس وغيرهم فيكون قائلاً بالتحليل، لا سيما مع فعل الصحابة لها في زمنه، وبمرأى ومسمع منه، كما ظهر من رواية عمران بن الحصين وابن مسعود، خصوصاً إذا انضمت إلى روايات جابر رحمهم الله تعالى..
سابعاً:
قوله: السبب في عدم اطلاع عمر عليها كونها نكاح سر لا إشهاد فيه. غير صحيح.. لأن الموارد التي أغاظت عمر
________________________________________ الصفحة 211 ________________________________________
بن الخطاب فبادر بسببها إلى تحريم هذا الزواج قد كان فيها إشهاد.. لأنهم كانوا يشهدون على نكاح المتعة أيضاً.
فراجع فصل: النصوص والآثار عند أهل السنة الروايات رقم 12 و68 و77 و79 و81.
ثامناً:
إن عدم اشتراط الإشهاد وعدم الإشهاد أيضاً في النكاح لا يجعل هذا النكاح نكاح سر، وأهل البيت وشيعتهم لا يشترطون الإشهاد في النكاح الدائم، فهل أصبح نكاح سر أيضاً؟! فإن الناس يطلعون على أمور كثيرة ولا يتستر عليها فاعلوها ولا يطلبون الشهادة عليها من أحد..
تاسعاً:
إن الإشهاد لا يجعل النكاح علنياً، فيمكن إشهاد الأصدقاء والكاتمين للسر، ويتحقق النكاح بشرائطه الشرعية جميعها، ـ لو كان شرطاً حقاً ـ فما معنى الخلط بين الإعلان والإشهاد.
عاشراً:
إن القرآن لم يشترط الإشهاد في النكاح، واشترطه في الطلاق.. لكن هؤلاء ألغوا الاشتراط في الطلاق، وأثبتوا ذلك في النكاح، تماماً على عكس ما جاء في القرآن.
________________________________________ الصفحة 212 ________________________________________
يكاد يفسِّق الصحابة!!
ويقول بعضهم:
إن قول جابر: استمتعنا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر الخ.. ليس معناه أنهم استمتعوا بعلم من النبي أو أن النبي وافقهم وأقرهم. أو أن أبا بكر أقرهم، أو أن عمر أقرهم قبل بيانه لتحريم رسول الله (صلى الله عليه وآله).
«وليس معنى هذا أن ممارستها دليل على حلها كما يظن بعض الجهال، لأن أشياء كثيرة يمنعها القانون سواء الإسلامي أو الوضعي، وتمارس من غير علم الحاكم، وإذا بلغ ذلك للحاكم وقف منها الموقف الذي يجب وقفه»(1).
ونقول:
1 ـ إن هذا الكلام قد يستبطن الحكم على الصحابة بالفسق والفجور، حيث إنهم يمارسون أمراً ممنوعاً شرعاً على
____________
(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة للمحمدي ص160.
________________________________________ الصفحة 213 ________________________________________
مدى سنين طويلة، من دون علم الحاكم، فلما علم الحاكم ـ وهو عمر بن الخطاب حسب الفرض ـ منعهم من ذلك..
2 ـ ولو سلمنا أن المقصود هو ممارستهم لما اعتقدوا أنه حلال لعدم سماعهم للناسخ.. فإننا نقول:
إن هذا الاحتمال يرد في قول جابر لأن جابراً إنما قال ذلك لتأييد ما ذهب إليه ابن عباس من حلية هذا الزواج، ورفض ما ذهب إليه ابن الزبير من التحريم.
3 ـ لو سلمنا أن ذلك محتمل في كلام جابر أيضاً.. لكنه غير محتمل في كلام غيره من الصحابة كابن مسعود، وعمران بن الحصين وابن عباس، وغيرهم.. فراجع فصل: النصوص والآثار في كتب أهل السنة.
رجوع جابر عن حلية المتعة:
ويقول بعضهم أيضاً حول حديث مسلم: إن جابراً آتاه آت، فقال: ابن عباس، وابن الزبير اختلفا في المتعتين. فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم نهانا
________________________________________ الصفحة 214 ________________________________________
عنهما عمر، فلم نعد لهما. راجع الفصل السابق الحديث رقم 22 وغيره ـ يقول بعضهم: «هذا الحديث يدل على امتناع جابر عنها لما اطلع على نهي رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن طريق عمر، وتصريحه بعدم العودة إليها دليل على رجوعه عن القول بحلها»(1).
وقال عن الصحابة: «كل من بلغه نهي رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن المتعة، فذلك موقفه منها، وكل من لم يبلغه النهي في عصر النبوة، ثم بلغه بعد ذلك، فإنه التزمه، وقال به إلا ابن عباس»(2).
ونقول:
1 ـ كلام جابر يدل فقط على أنه لم يعد إلى ممارسة زواج المتعة.. أما سبب عدم عودته إليها فقد يكون هو الخوف من عمر، الذي تهدد فاعلها بالرجم، والنكال. ولا يليق بصحابي جليل أن يعرض نفسه لمثل هذا الخطر العظيم.. ولا دليل على أن
____________
(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة للمحمدي ص161.
(2) تحريم المتعة في الكتاب والسنة للمحمدي ص160.
________________________________________ الصفحة 215 ________________________________________
امتناعه عنها كان لأجل عدوله عن القول بالحل.
2 ـ إن جابراً قد قال كلامه المعروف عنه حين بلغه اختلاف ابن الزبير وابن عباس في المتعة.. فظاهر كلامه أنه أراد الانتصار لابن عباس مستدلاً بأن الصحابة قد عملوا بهذه السنة في زمان الرسول، وزمان أبي بكر وشطر كبير من خلافة عمر، ثم كان عمر هو الذي نهى عنها..
ولو أنه أراد الانتصار لابن الزبير لكان احتج بنهي رسول الله الثابت بقول عمر..
وكلام ابن مسعود، وابن الحصين وغيرهما قرينة على مراد جابر، فإنهم جميعاً يقولون نحن نلتزم بما قاله الرسول (صلى الله عليه وآله) ولا يهمنا ولا نلتفت إلى كلام غيره.
3 ـ إن اقتصاره في الاستثناء على ابن عباس في غير محله.. فقد ذكرنا عشرات من الصحابة قد أصروا على التزام هذا الاتجاه. ولم يرجعوا عن قولهم بالحلية وقد ذكرنا أسماء هؤلاء في فصل مستقل تقدم في هذا الكتاب.
4 ـ ليس في حديث جابر إشارة إلى نهي رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن المتعة، ولا إلى أنه هو يعتقد: أن نهي
________________________________________ الصفحة 216 ________________________________________
عمر يمثل نقلاً عن الرسول (صلى الله عليه وآله)، وأنه قد اقتنع بذلك والتزم به لأنه كذلك.
عمران بن حصين وآية المتعة:
بالنسبة لرواية عمران بن الحصين المتقدمة برقم 57 و58 و59 و60
نقول:
قال ابن حزم:.. المراد بالمتعة في حديث عمران متعة الحج، لا متعة النكاح، كما وقع صريحاً في حديث مسلم..
والمراد بآية المتعة قوله تعالى: «فمن تمتع بالعمرة إلى الحج»(1).
ولعله لأجل ذلك نجد بعض المؤلفين، قد أورد هذه الرواية في كتاب الحج، كما فعل مسلم وغيره.
ويمكن تأييد ذلك برواية النسائي بسنده عن مطرف بن عبد الله قال:
____________
(1) أوجز المسالك ج 9 ص 404. وراجع: تحريم المتعة في الكتاب والسنة للمحمدي ص 128 ـ 132.
________________________________________ الصفحة 217 ________________________________________
«قال لي عمران بن حصين: تمتعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)»(1).
وحسب نص مسلم: «إن رسول الله قد تمتع وتمتعنا معه، زاد النسائي: قال فيها قائل برأيه»(2).
وقد لخص البعض هذه الإشكالات بما يلي:
أولاً:
إن الحديث قد أخرجه البخاري في كتاب الحج لا في كتاب النكاح.
ثانياً:
إن غير البخاري روى الحديث، وصرح فيه عمران بأنه يقصد متعة الحج. فراجع: صحيح مسلم، ومسند أحمد، وابن ماجة، والنسائي، وطبقات ابن سعد، ومسند الطيالسي، وسنن الدارمي.
ثالثاً:
إن شراح البخاري كالعسقلاني والعيني والقسطلاني وشراح مسلم كالنووي والمازري وغيرهم، قد فسروا المتعة في
____________
(1) سنن النسائي ج 5 ص 150.
(2) صحيح مسلم ج 4 ص 48 وسنن النسائي ج 5 ص 155.
________________________________________ الصفحة 218 ________________________________________
حديث عمران بمتعة الحج(1).
ونقول:
أولاً:
قد عد كثير من العلماء والمفسرين عمران بن حصين في جملة القائلين بحلية نكاح المتعة، إستناداً إلى هذه الرواية بالذات.
وقد ذكرنا مصادر ذلك فيما تقدم.
كما أن كثيرين قد ذكروا الرواية في دائرة متعة النساء، فراجع ما أورده النيسابوري، والرازي، وأبو حيان، والثعلبي، وغيرهم..
فإن كان البخاري وغيره قد فهموا أن المراد هو متعة الحج، فأوردوا الرواية في بابه؛ فهؤلاء قد فهموها في متعة النساء، فلماذا يرجح فهم اولئك على فهم هؤلاء.
وكلمة متعة الحج في بعض نصوصها إنما هي من تفسيرات الراوي وتوضيحاته التي ترمي إلى تأييد اتجاه معين.
إذ لو كانت في أصل الرواية لم يختلف هؤلاء وأولئك
____________
(1) راجع: تحريم المتعة للمحمدي ص 128.
________________________________________ الصفحة 219 ________________________________________
في فهمها.
ثانياً:
إن هذا الإصرار من عمران بن حصين إنما يناسب متعة النساء، فإن متعة الحج لم تكن مورداً للتحدي..
ويؤكد ذلك قولهم إن عمر حين منع عن عمرة التمتع «لم يرد إبطال التمتع، بل ترجيح الإفراد عليه»(1).
ثالثاً:
إن ظاهر رواية مسلم هو أن الراوي هو الذي فسر المتعة بمتعة الحج.. فإنه قد ذكر الرواية بطريقين فقال: «حدثنا محمد بن المثنى، حدثني عبد الصمد، حدثنا همام، حدثنا قتادة عن مطرف، عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: تمتعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم ينزل فيه القرآن قال رجال ما شاء»(2).
وذكر نصاً آخر:
«عن حامد بن عمر البكراوي، ومحمد بن أبي بكر المقدمي، عن بشر بن المفضل، عن عمران بن مسلم، عن أبي
____________
(1) شرح صحيح مسلم للنووي ج9 ص 208.
(2) صحيح مسلم ج 4 ص 48.
________________________________________ الصفحة 220 ________________________________________
رجاء، قال: قال عمران بن حصين: نزلت آية المتعة في كتاب الله [يعني متعة الحج] وأمرنا بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج، ولم ينه عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى مات، قال رجل برأيه ما شاء»(1).
فنجد أن الراوي في الرواية الثانية: قد فسر فيها في البداية مراد عمران، ثم أقحمت في الرواية عبارة أفسدت السياق، فلاحظ قوله: ثم لم تنزل آية تنسخ آية المتعة في كتاب الله الخ..
وهكذا الحال في غير ما ورد في صحيح مسلم..
رابعاً:
قولهم في رواية النسائي وغيرها: «ان رسول الله قد تمتع وتمتعنا معه» يدل على أن المراد هو متعة الحج، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يمارس متعة النساء.
لا يصح، وذلك لما يلي:
1 ـ قد وردت نصوص دلت على أنه (صلى الله عليه
____________
(1) صحيح مسلم ج 4 ص 48 و 49.
________________________________________ الصفحة 221 ________________________________________
وآله) قد تزوج متعة أيضاً(1).
2 ـ وحتى لو لم يثبت ذلك، فلا دليل على أنه (صلى الله عليه وآله) لم يمارس هذا الزواج المؤقت.. بل تكون هذه الرواية نفسها دليلاً وشاهداً على حصول ذلك منه.
3 ـ قوله: «فعلناها مع رسول الله» لا يدل على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد فعل ذلك معهم بل يدل على أنهم قد فعلوها حين كانوا مع الرسول وفي عهده، وبمرأى ومسمع منه..
خامساً:
قد صرحت الرواية رقم 57، عن عمران بن الحصين بأنه يتحدث عن متعة النساء، فإطلاق الكلام في رواية أخرى للبخاري ومسلم والنسائي لا بد أن يحمل على ما صرحت به تلك الرواية..
والتقييد الوارد في رواية أخرى، يصبح غير ذي قيمة مع
____________
(1) وسائل الشيعة ج 21 ص 10 عن رسالة المتعة للمفيد وص12 و 13، ومستدرك وسائل الشيعة ج 14 ص 451 و 452 ومن لا يحضره الفقيه ج3 و 463 و 466 و467 ط جماعة المدرسين، وقرب الإسناد ص 44 والبحار ج 100 ص 305 و 306.
________________________________________ الصفحة 222 ________________________________________
وجود التصريح بخلافه، ومع احتمال أن يكون ذلك من توضيحات الراوي.
سادساً:
ولو سلمنا التصريح بمتعة الحج، فإننا نقول: إنه لا مانع من أن يكون عمران قد تحدث مرة عن متعة النساء، وأخرى عن متعة الحج، وأشار إلى نزول القرآن بتشريع هذه وتلك، مستعملاً نفس الأسلوب، ما دام أن ثمة توافقاً في إطلاق كلمة «المتعة»، وفي نزول آية قرآنية في هذه وفي تلك.. وفي تحريمهما من قبل الخليفة الثاني في مقام واحد.
سابعاً:
قولهم: إن قول عمران «فعلناها مع رسول الله» يقتضي التعميم. وهذا ما حدث في حجة الوداع حين أمر (صلى الله عليه وآله) أصحابه الذين لم يسوقوا هدياً أن يحلوا من إحرامهم بعمل عمرة..
غير كاف في إثبات ما يرمون إلى إثباته. وذلك لما يلي:
1 ـ إنه يكفي في صحة قوله فعلناها. هو فعل طائفة من الصحابة لأمر مّا بمرأى ومسمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ليدل ذلك على جوازه. ولا يلزم أن يفعله الجميع..
2 ـ إنه إذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد
________________________________________ الصفحة 223 ________________________________________
أمرهم بذلك في حجة الوداع ففعلوا العمرة بمحضره، فإنه أيضاً قد رخص لهم سنوات طويلة بممارسة زواج المتعة. فهذا التعميم ليس بأولى من ذاك.
ثامناً:
قولهم: إن قول عمران «ولم ينه عنها حتى مات» لم يحصل إلا بشأن متعة الحج أما المتعة فقد نهى عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله)..
عجيب وغريب، فإنه مصادرة على المطلوب، واستدلال بما هو محل النزاع، وبما هو غير ثابت، بل الثابت خلافه.. وأن عمر هو الذي نهى عنه كما نهى عن متعة الحج..
لم ينهنا أي: ما بلغنا:
وثمة من يحاول الهروب من غائلة القول بإستمرار حلية زواج المتعة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيفسر قول عمران بن الحصين: «قال رجل برأيه ماشاء».. كما ويفسر قولهم: «لم ينهنا عنها».
بأن المراد: ما بلغنا أنه نهى عنها.
________________________________________ الصفحة 224 ________________________________________
ونقول:
إن من الواضح: أن هذا تأويل بارد ورأي فاسد، لا ينسجم مع ظهور الكلام، الذي ينفي صدور النهي من الأساس من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإلا، فقد كان بإمكانه أن يقول: ما بلغنا أنه نهى عنها، فإنه عربي صميم، يعرف كيف يعبر عن مقاصده.
ولو فتح باب التأويلات: من هذا الطراز لم يبق حجر على حجر، ولأمكن قلب الحقائق، ولظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي المؤولين..
مع رواية ابن مسعود حول المتعة:
ذكرنا في فصل النصوص والآثار، رواية لابن مسعود حول المتعة، قرر فيها حليتها، مستشهداً لذلك بآية: لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم، ولا تعتدوا.
قال البيهقي: قال الشافعي: «ذكر ابن مسعود الإرخاص في نكاح المتعة، ولم يوقت شيئاً يدل، أهو قبل خيبر؟ أو بعدها. وأشبه حديث علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، في نهي النبي
________________________________________ الصفحة 225 ________________________________________
(صلى الله عليه وآله) عن المتعة أن يكون ـ والله أعلم ـ ناسخاً له».
ثم أشار البيهقي إلى رواية أخرى، لابن مسعود، تذكر: «أن المتعة إنما حللت لهم وهم شباب، مع أن ابن مسعود كان له من العمر يوم خيبر أربعون سنة، أو قريباً منها، والشباب كان قبل ذلك، فتحليل المتعة لا بد أن يكون قبل خيبر»(1).
ونقول:
أولاً:
إذا كان ابن مسعود هو الذي تلا هذه الآية: (لا تحرموا ما أحل الله لكم..) كما هو صريح رواية البيهقي ومسلم، وكثير ممن نقلوها عن البخاري.. فإن هذا يكون إعتراضاً من ابن مسعود على عمر في تحريمه لزواج المتعة، ويكون ابن مسعود من القائلين بإستمرار حليتها.
وهذا ما لا بد من إستظهاره: من كل من جعل الآية من تلاوة ابن مسعود، وهو أيضاً ما اعترف به النووي، والقرطبي،
____________
(1) سنن البيهقي ج 7 ص 201.
________________________________________ الصفحة 226 ________________________________________
وابن القيم، وغيرهم..(1).
وأما إذا كانت كلمة عبد الله قد حذفت من قوله: «قال عبد الله: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم..).
فكما يحتمل أن تكون الآية من تلاوة ابن مسعود، كذلك يحتمل أن تكون من تلاوة النبي (صلى الله عليه وآله) ـ كما فهم المظفر والجصاص..(2).
ومعنى ذلك هو: أن النبي (صلى الله عليه وآله) يتنبأ بأن البعض سوف يقدم على تحريم هذا الزواج بعد وفاته (صلى الله عليه وآله).
فيكون ذلك منه (صلى الله عليه وآله): بمثابة تحذير، وزجر لمن يريد أن يفعل ذلك، وإدانة لما يقدم عليه، لما فيه من تحريم ما أحله الله سبحانه..
وقد رأينا منه (صلى الله عليه وآله): العديد من التنبؤات
____________
(1) راجع: شرح صحيح مسلم [مطبوع بهامش إرشاد الساري] ج 6 ص 123، وفتح الباري ج 9 ص 102، وزاد المعاد ج 4 ص 6.
(2) أحكام القرآن للجصاص ج 2 ص 151، ودلائل الصدق ج 3 ص 99.
________________________________________ الصفحة 227 ________________________________________
التي من هذا القبيل، وقد ظهر صدقها فيما بعد، كتنبؤه بمن يجلس على أريكته، ويأتيه حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيرده، ويقول: «لا أدري ما وجدت في كتاب الله اتبعته» أو نحو ذلك(1).
ومهما يكن من أمر فقد قال ابن قيم الجوزية: «ظاهر كلام ابن مسعود إباحتها»(2).
وثانياً:
قول البيهقي: «إن وصف الشباب لا يصدق على من له من العمر أربعون سنة»، لا يصح، بل ان سن الأربعين هو عنفوان الشباب، كما هو معلوم.
____________
(1) راجع سنن ابن ماجة ج 1 ص 6 و 7، ومسند أحمد ج 4 ص 131 و 132 و ج 6 ص 8، ودلائل النبوة للبيهقي ج 1 ص 24، ومصابيح السنة ج 1 ص 158 و 159، ومستدرك الحاكم ج 1 ص 108 و 109، وتلخيص المستدرك للذهبي [مطبوع بهامشه]، والجامع الصحيح للترمذي ج 5 ص 37 و 38، وسنن الدارمي ج 1 ص 144، وسنن أبي داود ج 4 ص 200 و ج 3 ص 170، والإملاء والاستملاء ص 4، وكشف الأستار عن مسند البزار ج 1 ص 80، والمصنف للصنعاني ج 1 ص 453 والأم ج 7 ص 410، والكفاية في علم الرواية ص 8 و 11.
(2) زاد المعاد ج 4 ص 204.
________________________________________ الصفحة 228 ________________________________________
الزيادة في رواية ابن مسعود:
وقد زعم العسقلاني: ان رواية ابن مسعود المتقدمة في الفصل السابق برقم: 56، لا تدل على حلية زواج المتعة فقد ذكر أن ظاهر استشهاد ابن مسعود بالآية هنا: يشعر بأنه كان يرى جواز المتعة، فقال القرطبي: لعله لم يكن حينئذٍ بلغه الناسخ ثم بلغه فرجع بعد.
فعقب عليه العسقلاني بقوله:
«قلت: يؤيد ما ذكره الإسماعيلي: أنه وقع في رواية أبي معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالد: «ففعله ثم ترك ذلك» قال: وفي رواية لابن عيينة، عن إسماعيل، ثم جاء تحريمها بعد، وفي رواية معمر عن إسماعيل «ثم نسخت»(1).
ونقول:
1 ـ لو كان لهذه الزيادات المزعومة أي اعتبار لذكرها البخاري، ومسلم في صحيحهما..
____________
(1) فتح الباري ج 9 ص 102.
________________________________________ الصفحة 229 ________________________________________
2 ـ إن هذه الزيادات مختلفة في المعنى، فقوله: «ففعله ثم ترك بعد ذلك» ظاهر في ان الفقرة ليست من كلام ابن مسعود، بل هي من كلام غيره عنه حكاية لحال ابن مسعود، ولعلها من إجتهادات الرواة، لكن الفقرتين الأخريين كما يمكن أن تكونا من ابن مسعود، كذلك يمكن أن تكونا من كلام الراوي.
كما أن قوله: «ثم جاء تحريمها بعدً لا يدل على أن التحريم جاء من قبل النبي (صلى الله عليه وآله) بالخصوص، وعلى هذا، فلا يمكن الاعتماد على زيادة هذه حالها».
3 ـ إن هذه الزيادة تتناقض مع الاستشهاد بالآية، لأن هذا الاستشهاد يفيد الإنكار على من حرم، ومنع، وهذا الاستشهاد يفيد صوابية هذا التحريم والمنع، وهذا ظاهر.
زيادة في رواية ابن مسعود:
قال بعضهم معترضاً: أما حديث ابن مسعود (رض) فهو موضع اتفاق عليه، ولكن أخرج عبد الرزاق في مصنفه زيادة فيه، تحدد زمن
________________________________________ الصفحة 230 ________________________________________
التحريم، ولفظها: ثم حرمها بخيبر، وما كنا مسافحين(1).
ونحن لا ننكر الترخيص فيها قبل خيبر، ثم تحريمها كما سبق.
وأما قوله: «إن استشهاد الرسول يتضمن إنكاره لقول من يقول بالتحريم».
فالجواب: أن الآية الكريمة، صرح مسلم: أن ابن مسعود هو المدلل بها على ما ذكر، ولفظه: «ثم قرأ علينا عبد الله: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم)، وليس الرسول (صلى الله عليه وآله)»(2).
ولا دليل على ما ذكره المخالف، إذ أن المتعة في زمن الترخيص فيها من الرسول (صلى الله عليه وآله) كانت من الطيبات، ثم لما وقع الحظر منه (صلى الله عليه وآله) صارت محرمة(3). انتهى كلام هذا المعترض.
____________
(1) المصنف ج7 ص506.
(2) قد أرجع المعترض إلى: صحيح مسلم 5/1/182 وصرح بذلك أيضاً الإسماعيلي في مستخرجه على البخاري. كذا في الفتح 9/119.
(3) نكاح المتعة للأهدل ص311.
________________________________________ الصفحة 231 ________________________________________
ونقول:
قد اعترف هذا المستدل بأن ابن مسعود هو الذي استشهد ودلّل بالآية الكريمة على مقصوده، وليس هو الرسول..
ومن الواضح: أن ذلك أشد إحراجاً للمستدل، لأنه يدلل على استنكار ابن مسعود على من يحرم المتعة، ويقول له: كيف تحريم طيبات أحلها الله لك؟!
بل لو أن الآية كانت من كلام الرسول لصح القول: إن الرسول إنما يرد على من استنكف عن المتعة، ولم يرض بها حين حللها الله ورسوله.. ولا يدل على استمرار الحلية إلى ما بعد وفاته.
ومهما يكن من أمر: فإنه لما كان ابن مسعود هو الذي يستنكر على من حرمها. ويقول له: لا تحرم طيبات أحلها الله لك، فإن ذلك أدلّ على بقاء حلية زواج المتعة إلى ما بعد وفاة الرسول..
وذلك يتناقض مع عبارة: «ثم حرمها بخيبر» ويدل على أنه كلام غريب قد دس في كلام ابن مسعود بصورة عشوائية، لحاجة في النفس، وقد أوجب إدراجه فيه اختلالاً وتناقضاً
________________________________________ الصفحة 232 ________________________________________
واضحاً في السياق وفي المعنى كما هو ظاهر، فلاحظ.
ألا نستخصي.. ودلالاتها:
وبالنسبة لرواية عبد الله ابن مسعود التي مرت في الفصل السابق برقم 56 وفيها أنهم كانوا في الغزو فقالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله): «ألا نستخصي، فنهاهم ثم رخص لهم بالمتعة».
نقول:
قال أبو حاتم: «الدليل على أن المتعة كانت محظورة قبل أن أبيح لهم الاستمتاع قولهم للنبي (صلى الله عليه وآله): ألا نستخصي عند عدم النساء، ولو لم تكن محظورة لم يكن لسؤالهم عن هذا معنى»(1).
ونقول:
لعل ابن مسعود لم يكن يعلم لا بحظرها، ولا بإباحتها، ففهم من توجيه النبي (صلى الله عليه وآله) لهم أنها
____________
(1) الإحسان ج 9 ص 449 ط بيروت، دار الكتب العلمية 1407 هـ 1987 م، والجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130.
________________________________________ الصفحة 233 ________________________________________
ترخيص إبتدائي منه بعد الحظر مع وجود إحتمالين أحدهما: أن يكون قد شرع لهم ذلك حينئذ، والثاني أن يكون قد شرعها قبل ذلك لكن ابن مسعود لم يطلع على ذلك.
وقال البيهقي تعليقاً على قول ابن مسعود: «كنا ـ ونحن شباب ـ فقلنا: يا رسول الله، ألا نستخصي، قال: لا، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل» ما يلي: «وفي هذه الرواية ما دل على كون ذلك قبل فتح خيبر أو قبل فتح مكة، فإن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه توفي سنة إثنتين وثلاثين من الهجرة، وكان يوم مات ابن بضع وستين سنة. وكان فتح خيبر في سنة سبع من الهجرة، وفتح مكة سنة ثمان فعبد الله سنة الفتح كان ابن أربعين سنة أو قريبا منها. والشباب قبل ذلك [وقد نهى] رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن متعة النساء زمن خيبر»(1).
ونظن أننا: لسنا بحاجة إلى التعليق على هذا القول، فهل كان ابن مسعود شاباً سنة سبع ثم أصبح شيخاً في سنة ثمان أو تسع؟!.
____________
(1) السنن الكبرى للبيهقي ج 7 ص 201.
________________________________________ الصفحة 234 ________________________________________
ابن مسعود يسمي المتعة سفاحاً:
وقد ذكر البعض: أن ثمة روايات صحيحة سنداً، تقول: إن ابن مسعود سمى المتعة سفاحاً، ويقرب من المستحيل أن يفتي بإباحتها بعد أن يعلن أنها بمنزلة السفاح(1).
ونقول:
أولاً:
إن روايات تحليل ابن مسعود للمتعة صحيحة السند، وقد رويت في كتب الصحاح فإذا كان من المستحيل أن يفتي بإباحتها بعد أن اعتبرها بمنزلة السفاح، فإن من المستحيل أيضاً: أن يعتبرها بمنزلة السفاح بعد أن أفتى بإباحتها.
ثانياً:
إذا كان الله ورسوله قد حرما هذا الزواج فإنه يكون سفاحاً بالفعل لا بمنزلة السفاح..
ثالثاً:
إن لنا أن نحتمل أن تكون روايات التحريم عنه قد كانت قبل وفاة عمر، وذلك مجاراة له بسبب خوفه منه وذلك لتهديده برجم فاعلها، ولكنه لم يصرح بالتحريم بل اعتبرها ـ بمنزلة ـ السفاح. فلما مات عمر وارتفع المانع عاد فجهر
____________
(1) نكاح المتعة للأهدل ص307.
________________________________________ الصفحة 235 ________________________________________
بحقيقة الأمر، وهي حلية هذا الزواج الثابتة عن الله ورسوله، واستدل بآية قرآنية..
إلا أن يدعي هؤلاء: ان ابن مسعود أيضاً قد علم بالتحريم من قبل عمر بن الخطاب أيضاً حينما أعلن أنه هو الذي حرم ما كان حلالاً على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعهد أبي بكر.
فإذا كان الأمر كذلك: فلا بد أن نسأل عن السبب في انحصار المعرفة بالتحريم المؤبد بهذا الرجل الذي أظهرت الروايات أنه لم يكن على اطلاع على كثير من الأحكام. وقد أورد في كتاب الغدير، وفي كتاب النص والاجتهاد، وفي كتاب دلائل الصدق وغير ذلك الكثير من الموارد والشواهد على هذا الأمر.
التعلیقات