اشكالات هي أشبه بالمغالطات
المصدر : زواج المتعة ، تأليف : السيّد جعفر مرتضى الحسيني العاملي ، ج3 ، ص 146 ـ 202
________________________________________ الصفحة 146 ________________________________________
الفصل الرابع
اشكالات هي أشبه بالمغالطات..
________________________________________ الصفحة 146 ________________________________________
________________________________________ الصفحة 147 ________________________________________
لا توجد تفاصيل حول المتعة:
حاول بعضهم: أن ينكر تشريع المتعة استناداً إلى أنه «ليس بمعقول أبداً أن يذكر القرآن تشريع نكاح بقوله تعالى (فما استمتعتم به) التي هي في حقيقتها أكثر من قضية الزواج تعقيداً، وأشد عسراً، وأخطر أثراً بالإشارة إليها تلك الاشارة الخفية، لو صح أن الإشارة كانت إليها. ولما عرضها هذا العرض الخاطف، بل لجعلها قضية بذاتها، ولرسم حدودها، وبين معالمها، وموقف كل من الرجل والمرأة فيها.
ولما ترك المجال للبشر ليشرعوا أحكامها وقوانينها؛ هذا يقول: ترث وذاك يقول: لا ترث إلا مع الشرط. وآخر يقول: اشترطا أو لم يشترطا لا ترث».
________________________________________ الصفحة 148 ________________________________________
ثم ذكر أنه: إذا لم يكن القرآن قد بين أحكام امرأة المتعة فإن «المفروض أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد بين للناس: أن هذه الآية في المتعة، وبين أحكامها، لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
ولكن ماذا نفعل والحال والواقع أن لا هذا ولا ذاك وقع، إذ لا يوجد حديث واحد، ولو ضعيف، أو حتى موضوع، سواء حول تفسير الرسول (صلى الله عليه وآله) لهذه الآية في أنها نزلت في المتعة، أو بيان أحكام امرأة المتعة»(1).
ونقول:
أولاً:
كأن بعض الناس يريد أن يرسم لله ولرسوله سياسة تبليغ الأحكام، ويحدد كيف ومتى، وأين يقول. وبأي مقدار. بل ويريد أن يتدخل في اختيار الكلمات أيضاً!!. نسأل الله سبحانه أن لا يجعله في عداد اولئك الذين تحدث عنهم في سورة الإسراء الآيات 90 ـ 93.
وكأن هذا المتحدث قد غفل عن أن أطول آية في القرآن هي
____________
(1) تحريم نكاح المتعة في الكتاب والسنة، ليوسف جابر المحمدي ص 74.
________________________________________ الصفحة 149 ________________________________________
آية الدين، التي تكفلت ببيان وتوجيهات غير إلزامية، ولم تتحدث عن تفاصيل أحكام الصوم. ولم يذكر في القرآن الكثير من تفاصيل أحكام الزكاة والصلاة. وكذلك غيرها من أبواب الفقه..
بل أوكل بيان كل تلكم التفاصيل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله). وقد بين قسماً من هذه الأحكام لعامة الناس. وأودع باقيها عند وصيه، الذي يبلغ الناس ما يحتاجونه، ثم يودع الباقي عند وصيه، وهكذا إلى آخر الأئمة أو الأمراء، أوالخلفاء الاثني عشر وكلهم من قريش. الذين أخبر عنهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما ورد في كتب الصحاح وغيرها..
ثانياً:
إن أحكام زواج المتعة تتفق مع أحكام الزواج الدائم إلا ما استثني، فبيان أحكام أحدهما يكفي عن بيان أحكام الآخر.. وموارد الاستثناء يشار إليها على حدة..
ثالثاً:
إن هذا الزواج كان ـ بلا شك ـ مشرعاً في عهد رسول الله، فهل بيّن رسول الله (صلى الله عليه وآله) للناس أحكامه، أم سكت عنها؟!
________________________________________ الصفحة 150 ________________________________________
رابعاً:
إنه إذا اختلف الفقهاء في بعض أحكام هذا الزواج، فإن ذلك لا يعني أن الله لم يشرعه سبحانه من الأساس.. فإن الفقهاء قد اختلفوا في كثير من أحكام الصلاة والزكاة، والحج والصوم وفي مختلف أبواب الفقه، فهل ذلك يعني أنه لا صلاة ولا زكاة، ولا حج ولا ولا.. في الإسلام؟!
خامساً:
إن زواج المتعة لم يزل مضطهداً منذ حرمه عمر بن الخطاب وتوعد فاعله بالرجم، واتبعه في ذلك كثير من الناس.. والتزم الحكام الأمويون والعباسيون ـ إلا ما شذ منهم، كالمأمون ومعاوية ـ أن لا يسمحوا بهذا الزواج، وأن يغرسوا تحريمه في أذهان الناس. فلم يكن الناس أحراراً في نقل الترخيص فيه، لا سيما مع تشدد الملتزمين بالتحريم، واعتباره من قسم الزنا، كما يظهر من تتبع كلمات المانعين..
سادساً:
ما معنى قوله ولما ترك المجال للبشر ليشرعوا أحكامها وقوانينها الخ.. فهل الاختلاف في بعض التفريعات معناه: أن الله قد ترك للبشر مجالاً للتشريع وسن القوانين. فإن الاختلاف له أسبابه ومناشئه الكثيرة ومنها الاختلاف في فهم النص أو في توثيقه وعدمه، وغير ذلك.
________________________________________ الصفحة 151 ________________________________________
التحليل كان لأمر عارض:
ويزعم بعض من قال بالتحريم:
«أن هذه «الإباحة» لأمر عارض، يوم فتح مكة، وهذا استنثاء من أصل التحريم العام، وقد ثبت قطعاً نسخها، بالأحاديث الصحيحة فنعود إلى الأصل، وهو التحريم..
على أن ثمة تصريحاً من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتحريمها مؤبداً وإلى يوم القيامة، وهذا إيذان بأنه إذا تكرر السبب فلا يترتب عليه المسبب، لأن النسخ ابدي، وهو يمنع القول بالاستمرار.
ولو تجدد السبب، استصحاباً للحال فلا يجوز اللجوء إلى هذا الاستصحاب، ما دام قد قام الدليل على حكم التحريم على التأبيد»(1).
ونقول:
1 ـ كيف ثبت لهذا البعض: أن الإباحة كانت لأمر عارض يوم فتح مكة؟! ولماذا لا يكون تشريعاً ثابتاً اقتضته المصلحة القائمة في واقع الحياة كسائر التشريعات؟!
____________
(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة للمحمدي ص 185.
________________________________________ الصفحة 152 ________________________________________
2 ـ لماذا فرض أن ذلك قد كان في فتح مكة، وهو نفسه قد اعترف بصحة الحديث الوارد بإباحتها ثم نسخها يوم خيبر، وبصحة الحديث حول إباحتها يوم أوطاس ثلاثة أيام.
3 ـ كيف ثبت لهذا البعض: أن الأصل هو التحريم، وأن إباحتها يوم فتح مكة قد كان استثناء من التحريم العام؟!. ولماذا لا يكون الحكم العام الثابت هو التحليل تماماً كما هو الحال في النكاح الدائم؟
4 ـ إنه هو نفسه يعترف باختلاف أحاديث النسخ وضعفها باستثناء ثلاثة أحاديث منها.. فكيف يثبت النسخ قطعاً بأحاديث ثلاثة مختلفة ومتعارضة فيما بينها، وفيها من العلل والأسقام، والاشتباهات والأوهام الشيء الكثير حسبما اشرنا إليه في القسم الأول من هذا الكتاب؟!
5 ـ والأعجب من ذلك دعواه: أن السبب الذي اقتضى تشريع المتعة سابقاً لا يصلح ولا يقتضي تشريعها لاحقاً، وأنه إذا تكرر السبب فلا يترتب عليه مسببه؟! فهل التشريع تابع للسبب؟ أم هو تابع للهوى؟..
6 ـ ثم إنه عاد إلى الحديث عن ثبوت الحلية
________________________________________ الصفحة 153 ________________________________________
بالاستصحاب، وقد قلنا مراراً وتكراراً: إن نفس الدليل الذي اقتضى جعل الحكم قد اقتضاه في كل حال وزمان. فهو يثبت في الأزمنة اللاحقة به، لا بالاستصحاب.
مصادرات على المطلوب:
ومن الغريب إقدام بعضهم على الاستدلال على ما يذهب إليه من التحريم بأنه: «لو كانت الإباحة باقية لورد النقل بها مستفيضاً، متواتراً؛ لعموم الحاجة إليه، ولعرفتها الكافة، كما عرفتها بدياً، ولما اجتمع الصحابة على تحريمها لو كانت الإباحة باقية، لما وجدنا الصحابة منكرين لإباحتها، موجبين لحظرها، مع علمهم بدياً بإباحتها، دل ذلك على حظرها بعد الإباحة.
ألا ترى أن النكاح لما كان مباحاً لم يختلفوا في إباحته، ومعلوم: أن بلواهم بالمتعة لو كانت مباحة كبلواهم بالنكاح. فالواجب إذن أن يكون ورود النقل في بقاء إباحتها من طرق الاستفاضة. ولا نعلم أحداً من الصحابة روي عنه تجريد القول
________________________________________ الصفحة 154 ________________________________________
في إباحة المتعة غير ابن عباس»(1).
ونقول:
إن لنا وقفات عديدة مع هذه الأقاويل. وإليك بعضها:
1 ـ قوله: لو كانت الإباحة باقية لورد النقل بها مستفيضاً..
يقال في جوابه:
أولاً:
إن ما ذكرناه في فصل «النصوص والآثار» في مصادر أهل السنة، يفوق حد التواتر.. وهو يدل على بقاء الإباحة، وعلى أن المنع إنما جاء من قبل عمر بن الخطاب.
ثانياً:
إن الحكم المجعول في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يختلف عن حكم الزواج الدائم المجعول من قبل الشارع، قد جعل على نحو يشمل جميع الأحوال والأزمان، فدليل جعله صالح لإثباته في كل زمانٍ، تماماً كقوله تعالى: (أقيموا الصلاة..) وكقوله تعالى: (أوفوا بالعقود..) وقوله: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير..) وما إلى ذلك.
________________________________________ الصفحة 155 ________________________________________
ثالثاً:
إن إصرار الصحابة وغيرهم من أعلام الأمة، وكذا أهل مكة والمدينة واليمن، وغيرهم ممن ذكرناهم في فصل مستقل على القول بحلية المتعة، يشير إلى عدم وجود ما يثبت لهم: أن النهي صادر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).. وأنهم مقتنعون أن النهي عن المتعة هو مبادرة من عمر نفسه لدوافع قد يكونون يجهلونها، أو يعلمونها.
رابعاً:
إن روايات النسخ هي أخبار آحاد، فيها الكثير من الاشكالات التي لا مجال للإجابة عنها، والمشكلات التي لا طريق إلى معالجتها.
2 ـ إن هذا البعض يناقض نفسه هنا بصورة فاضحة وواضحة، فهو تارة يقول: إن عموم الحاجة يقتضي أن يعرف الصحابة وكافة الأمة ببقاء الإباحة، كما عرفوا إباحتها في بادىء الأمر..
وتارة يقول: إن الكثيرين من الصحابة لم يعرفوا بنسخ الإباحة، لأن المتعة نكاح سر.. إلى أن مضى نحو عقد من السنين، حتى أعلمهم بذلك عمر بن الخطاب في أواسط خلافته..
________________________________________ الصفحة 156 ________________________________________
ولو أنه لم يعلمهم به!!! فلا ندري إلى ماذا ستؤول الأمور بالنسبة لشيوع المتعة عند أهل السنة؟! وهل سوف يحرصون على تبرير التحليل حرصهم الآن على تبرير تحريم عمر؟!
3 ـ وأما دعواه اجتماع الصحابة على تحريمها، غير ابن عباس، فقد ذكرنا أكثر من مرة أنه غير دقيق، بل الكثيرون منهم إن لم نقل أكثرهم قد سكتوا على مضض، خوفاً من تهديدات عمر لهم. كما سكتوا حتى عن جرأته على رسول الله، حين قال وهو (صلى الله عليه وآله) يسمعه: إن الرجل ليهجر.. وكما سكتوا عن كثير من الأمور حسبما أوضحناه في موارد عديدة من هذا الكتاب.
4 ـ إن من المفارقات أن نجد من يدعي النسخ يطلب من القائلين ببقاء التشريع أن يأتوه بالروايات الدالة على البقاء، مع أن المنطق والإنصاف يقضيان بمطالبة مدعي النسخ بإظهار ما يثبت مدعاه من النقل المتواتر والقاطع للعذر، لا أن يستند إلى ثلاثة روايات يصححها هو فقط.. وهي متناقضة ومتخالفة فيما بينها، لا يقوم بها حجة، ولا يقطع بها عذر!!.
5 ـ ومع التهديدات التي أطلقها عمر بن الخطاب هل
________________________________________ الصفحة 157 ________________________________________
يبقى مجال لأحد لأن يتفوه بما يخالف قراره؟! لا سيما مع إعلامه الناس أن هذا الأمر قد كان حلالاً على عهد الرسول(صلى الله عليه وآله)، وهو ـ أي عمر نفسه ـ يحرمهما.. ومع وجود هذا الاعلان أية جدوى تبقى من الاعتراض؟! ومع ذلك التهديد، من هو ذلك الذي يجرؤ على الاعتراض؟!
6 ـ إذا كان ما فعله عمر هو مجرد إعلام بالنسخ الصادر في السابق من قبل النبي (صلى الله عليه وآله)، فما هو وجه الحاجة إلى التهديد.. وهل هو يظن السوء بالصحابة إلى درجة أنهم يقدمون على الزنا عن سابق علم بالنسخ، وإصرار على الممارسة المحرمة؟!
لماذا خفي النسخ على الصحابة:
وقد زعم شارح بلوغ المرام: أن المبيحين بنوا على الأصل حيث لم يبلغهم الناسخ. والذي أوجب خفاء الناسخ على بعض الصحابة أمور أهمها:
أ: إن هذا النكاح «نكاح سر»، حيث لم يشترط فيها
________________________________________ الصفحة 158 ________________________________________
الإشهاد، ولما كانت خالية عن الإعلان حق لها أن تخفى حتى على القريب.
ب: إن هذا النكاح وقع فيه الترخيص مرتين، وقد يحضر الصحابي موطن الرخصة، فيسمعه، ويفوته سماع النهي، مما أدى إلى تمسك بعضهم بالرخصة فيه(1).
ونقول:
إننا نلاحظ هنا ما يلي:
1 ـ إن عدم اشتراط الإشهاد، لا يلزم منه عدم الإعلان. ولا كون المتعة نكاح سر بحيث تخفى حتى على القريب، فهناك كثير من الأمور ليس فيها إشهاد، وليست هي بسر، بحيث تخفى إلى هذا الحد. فالطلاق مثلاً عند هذا المعترض لا يشترط فيه الاشهاد، فهل هو سر بحيث يخفى حتى على القريب؟ وكذلك البيع والشراء، وغيره من المعاملات وجميع العبادات؟
2 ـ ولو سلم كون المتعة نكاح سر، فهل يلزم أن يكون تشريعه سراً أيضاً؟ ألم يخرج منادي رسول الله (صلى الله عليه
____________
(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة للمحمدي ص 160.
________________________________________ الصفحة 159 ________________________________________
وآله) ليقول للجيش كله في فتح مكة: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أذن لكم أن تستمتعوا، فاستمتعوا؟! كما ذكرته الروايات التي ذكرناها في سياق أحاديث التحريم؟!
3 ـ إنه لو صح القول بجواز تعدد التحليل والنسخ، وقد ذكرنا الإشكال في ذلك في الجزء الأول من هذا الكتاب، فإننا نقول: إن من يراجع الروايات.. يجد أن عمر قد نسب التحريم إلى نفسه في مقابل نسبته الحلية إلى عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)..
كما أن الكثيرين من الصحابة، وكذلك أهل مكة والمدينة واليمن وغيرهم ممن ذكرناهم في فصل مستقل يصرون على مخالفة ما جاء به عمر.. ولا يقبلون ذلك منه..
لا حاجة إلى النسخ بل لا معنى له:
وقد حاول البعض أن يدّعي: أن تشريع المتعة في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنما كان لقوم مخصوصين، وهم الصحابة دون غيرهم، لعذر مخصوص، في مدة مخصوصة، وهو ثلاثة أيام.
________________________________________ الصفحة 160 ________________________________________
والقائلون بالإباحة يقولون بالإباحة على كل حال وفي كل زمان، ولكل أحد.. ولاتدل أخبار التحليل في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ذلك(1).
ونقول:
أولاً:
لو كان الأمر كما يقول، فلا معنى للنسخ من الأساس، لأن الحكم بنفسه مضيق ومقيد. فإذا انتهى زمانه، وزالت قيوده انتفى بصورة تلقائية، ولا يحتاج إلى النسخ، لأن أخبار الإباحة قاصرة عن الشمول. فلا معنى لرفع ما هو مرتفع، ولا لدفع ما هو مندفع من تلقاء نفسه.
ثانياً:
إن هذا المعترض قد استفاد هذه القيود من نفس أخبار النسخ التي يدعي تماميتها. مع أنها هي محل النزاع، فالاستدلال بما هو محل النزاع مصادرة على المطلوب. وليس فيها ما يثبت هذه القيود المدعاة بل نجد فيها وفي غيرها مما ذكرناه في فصل النصوص والآثار ما يثبت خلاف ذلك بصورة قاطعة.
____________
(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة للمحمدي ص 186.
________________________________________ الصفحة 161 ________________________________________
ثالثاً:
إن بعض الأخبار المذكورة قد دلت على التحديد بثلاثة أيام ولكنها أخبار آحاد تتخالف وتتعارض فيما بينها، ومع غيرها، بالإضافة، إلى إشكالات أخرى كثيرة تزيدها ضعفاً ووهناً ولا تقوم بها حجة.
أحكام زواج المتعة:
قال ابن عبد البر: «وأجمعوا أن المتعة نكاح لا إشهاد فيه، ولا وليّ، وأنه نكاح إلى أجل تقع فيه الفرقة بلا طلاق، ولا ميراث بينهما، وهذا ليس حكم الزوجات في كتاب الله ولا سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله)»(1).
ونقول:
إن جميع ما ذكره من أحكام للمتعة أعني الزواج المؤقت صحيح. لكن قوله: وهذا ليس حكم الزوجات إلخ.. غير مقبول، فإنه وإن كان ليس هو حكم الزوجات في النكاح الدائم، لكنه حكم الزوجات في زواج المتعة، فلماذا يطلق حكمه بهذه الطريقة
____________
(1) التمهيد ج 9 ص 116، وراجع: الاستذكار ج 16 ص 296.
________________________________________ الصفحة 162 ________________________________________
غير السليمة.
التشويه غير المقبول:
ويحاول البعض: أن يوحي بأن ما يذكر للزواج المؤقت من أحكام، فإنما ذكره الشيعة.. وكأن هذه الأحكام ليست ثابتة في أصل التشريع، والشيعة هم الذين ابتكروها؟!، فنجده يقول: «.. قد ذكر الشيعة لزواج المتعة أحكاماً ترتبط به، أو تنشأ عنه..» ثم ذكر أنه «لا طلاق ولا توارث بين الزوجين فيه، ولكن فيه العدة، والتوارث بين الوالدين والولد..»(1).
والأدهى من ذلك قول بعض آخر: «.. ولا يثبت عندهم في نكاح المتعة شيء من أحكام النكاح، لا مهر ولا نفقة، ولا توارث، ولا عدة إلا بالاستبراء»(2).
وقال ابن المرتضى: «قيل: ولا يعتبر في المتعة من أجازها
____________
(1) مجلة الهلال اللمصرية العدد 13 جمادى الأولى سنة 1397 هـ. ق. أول مايو سنة 1977م.
(2) شرح الأزهار ج 2 ص 238.
________________________________________ الصفحة 163 ________________________________________
من أحكام النكاح إلا الاستبراء.. بل يعتبر الولي والشهود. قلنا: أدلتهم وفعلهم يقتضي عدم اعتبارها»(1).
وأغرب من ذلك كله: أن نجد بعض الناس يقول: إن نكاح المتعة ليس نكاحاً أصلاً، وإليك عبارته بعينها: «إنا لا نسلّم أن نكاح المتعة يسمى نكاحاً، لأن النكاح في اللغة هو الوطء، وهو في الشريعة عبارة عن العقد اللازم المؤبد بدليل ما تقدم بيانه. فلم يدخل موضع الخلاف تحت الآية.
وعلى أنه عام في نكاح المتعة وغيره، فنخصه بما ذكرنا.
وجواب آخر: وهو أن الله تعالى علّق بالنكاح أحكاماً لكل واحد من الزوجين على صاحبه، فكان ذكر هذا النكاح وإباحته راجعاً إلى ما اجتمعت فيه تلك الأحكام، وليس في نكاح المتعة شيء من تلك الأحكام، فلم يكن مراداً بالآية(2).
قلت: واقرب دليل على بطلان زعمهم وفساد مسلكهم، أن في الآية دليلاً على الاقتصار على أربع في النكاح المؤبد، كما هو
____________
(1) البحر الزخار ج 4 ص 23.
(2) عن تحريم نكاح المتعة لأبي الفتح المقدسي ص 133.
________________________________________ الصفحة 164 ________________________________________
مذهب المخالف أيضاً.
فلو كانت المتعة يعدّونها نكاحاً للزمهم أن يحدّوا النصاب الذي يتمتع به بأربع. فلما أجازوا الاستمتاع بأي عدد اتفق؟!، ولو زاد على الأربع، تبين منه أنهم لم يجروا التمتع مجرى النكاح.
إذاً فهو ليس بنكاح عندهم، إذ لو كان التمتع نكاحاً لأعطوه حكمه.
وعليه فاستدلالهم بهذه الآية يوجب تناقضهم، ويلزمهم ألا يُسمّوه نكاحاً، ولا يُدلّلوا عليه بهذه الآية»(1).
ونقول:
إن ذلك لا يصح، وذلك لما يلي:
أولاً:
قد ذكرنا في موضع آخر من هذا الكتاب: أن المتعة تسمى نكاحاً، وقد ورد ذلك في حديث سبرة وغيره: أن الاستمتاع كان عندهم هو التزويج.
ثانياً:
إن تعريفه للنكاح في الشريعة بأنه العقد اللازم المؤبد، ما هو إلا اختراع منه، وليس لديه ولا لدى غيره أي دليل
____________
(1) نكاح المتعة للأهدل ص 310.
________________________________________ الصفحة 165 ________________________________________
على ذلك سوى الادعاء، وما تقدم بيانه عنده لا يزيد على هذا الادعاء. وقد ألمحنا غير مرة إلى أنه غير مقبول إلا بشاهد ودليل.. وأين وأنى لهم به.
ثالثاً:
إن القرائن ومنها قراءة «إلى أجل مسمى» قد دلت على أن المراد بالآية خصوص النكاح المؤقت «المتعة».
ومن القرائن أيضاً تعبير الآية نفسها الدال على أن أي مقدار من الاستمتاع حصل، فلا بد من إعطاء ما يقابله من الأجر، وهذا إنما يتصور في زواج المتعة فقط، حيث إنها تستحق من المهر بمقدار ما وفت به من المدة..
رابعاً:
بالنسبة للأحكام التي علقها الله بالنكاح، مثل عدم الزيادة على الأربع، والقسم والليلة والعدة وما إلى ذلك.
نقول:
إنها إنما تعلقت في خصوص النكاح الدائم لا في مطلق النكاح، فلماذا يفرض هؤلاء أن تعطى أحكام هذا النوع من الزواج إلى ذاك؟!.
خامساً:
إن هذا الزواج قد كان مشروعاً في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بلا ريب، فعدم جواز الزيادة على
________________________________________ الصفحة 166 ________________________________________
الأربع، هل كان ثابتاً له أم لم يكن ثابتاً؟.
فإن قالوا: بأنه كان ثابتاً له، فقد أبطلوا، وإن قالوا: لم يكن ثابتاً له فلماذا الاعتراض..
وعلى فرض: عدم ثبوت تلك الأحكام في هذا الزواج على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فالسؤال هو: هل إن عدم ثبوتها أوجب عدم مشروعية هذا النكاح؟! وهل أصبح المتمتعون في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) زناة؟! وهل يصح تشريع الزنا من الله ورسوله؟!
وأي دليل دل على أن تسمية عقد المتعة بالنكاح كان مشروطاً بثبوت جميع أحكام الزواج الدائم فيه؟!
سادساً:
ـ بالنسبة للعدة والزواج الموقت بالأمهات والأخوات ونحو ذلك لا بد لنا من أن نسأل هذا الكاتب: هل كانت هذه الأحكام ثابتة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) ـ قبل النسخ الذي يدّعيه ـ أم لا؟!.
أي هل: كانت المرأة المتزوج بها متعة، تعتد بعد انتهاء المدة أم لا؟
وهل كان: يحرم الزواج المؤقت بالأخوات، والأمهات،
________________________________________ الصفحة 167 ________________________________________
وغيرهن من المحارم، أم لا؟!
وهل كانوا: يجرون صيغة العقد للزواج المؤقت في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبعده، أم لا؟!
وهل كانوا: يلحقون الابناء بآبائهم في هذا الزواج، أم لا؟!
إلى غير ذلك: من الأسئلة الكثيرة التي تفرض نفسها، ولا مجال لأحد أن يتهرب منها.
سابعاً:
إن نسبة ذلك، أعني تلك الأحكام، إلى الشيعة دون غيرهم، لا مبرر لها، إذ إن ذلك ثابت عند غيرهم أيضاً.. ولعل الكاتب لم يراجع شيئاً من كتب غير الشيعة هنا.. وقد تقدم منا نقل كلام القرطبي في ذلك.
لا نكاح إلا بولي وشاهدين:
وفي مقام الإشكال على زواج المتعة، قالوا: «أجمعوا على أنه لا نكاح إلا بولي وشاهدين»(1).
____________
(1) الاعتصام بحبل الله المتين ج 3 ص 202.
________________________________________ الصفحة 168 ________________________________________
وفي بعض كتب الشافعية: «عند ابن عباس هو الخالي عن الولي والشهود» وتسميته نكاح المتعة على هذا: «لأن شأن الصادر بلا ولي وشهود أن يكون الغرض منه مجرد اللذة»(1).
وتحدثوا عن أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد نهى عن نكاح السر، وأنه: مرّ بدار من دور الانصار، فسمع بها صوتاً فقال: ما هذا؟ فقيل: يا رسول الله، فلان تزوج فقال (صلى الله عليه وآله): الحمد لله، هذا النكاح لا السفاح(2).
ونقول:
أولاً:
لا يوجد إجماع على لزوم الإشهاد، وإذن الولي حتى في النكاح الدائم.
ثانياً:
إذا ثبت ذلك في الدائم، فليس بالضرورة أن تتفق أحكامه مع أحكام المنقطع.
ثالثاً:
إذا كان السبب في لزوم ذلك هو كون الدائم نكاحاً مشروعاً، فالمنقطع نكاح مشروع أيضاً فليشترطوا ذلك فيه
____________
(1) الفقه على المذاهب الأربعة ج 4 ص 92 و 93.
(2) الاعتصام بحبل الله المتين ج3 ص201 و202، وكتاب العلوم لأحمد بن عيسى ص10.
________________________________________ الصفحة 169 ________________________________________
أيضاً، وليس ثمة ما يمنع من ذلك.
رابعاً:
لا يشترط في النكاح حتى الدائم، لا إسرار ولا إعلان، وإن كان الإعلان مستحباً، كما لم يشترط أحد أن تكون المتعة سرية، فما يقال في الدائم من هذه الجهة هو نفسه يقال في المنقطع.
زواج المتعة بلا ولي ولا مهر:
ومن غريب ما رأيناه تعريفهم لزواج المتعة بأنه: «هو النكاح إلى أجل خاص بغير ولي، وبغير شهود، وبغير صداق. قاله ابن عبد البر»(1).
ونقول:
لا ندري من أين جاء هذا التعريف لهذا الزواج الذي شرعه الله بإجماع الأمة، فابتدع لنا مقولة: انه بغير صداق.
____________
(1) حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني لرسالة ابن أبي زيد القيرواني ج2 ص47.
________________________________________ الصفحة 170 ________________________________________
وقد صرحت الروايات المتقدمة في فصل: النصوص والآثار وغيره بلزوم المهر فيه فراجع ما تقدمت روايته عن الصحابة وعن عمر نفسه حسبما ذكرناه في هذا الكتاب، وسبق أيضاً قول جابر: كنا نستمتع بالقبضة من التمر الخ. راجع فصل النصوص والآثار، الحديث الثاني.
أما الإشهاد فنحن لا ننكر أنه لا يشترط الإشهاد في زواج المتعة، لكننا نقول: إن هذا يشمل الزواج الدائم أيضاً..
وأما بالنسبة للولي: فإنه لا يفترق عن الزواج الدائم في ذلك وكذا الحال بالنسبة للشهود. وقد صرّح ابن رشد بقوله عن نكاح المتعة: «هو النكاح بصداق وشهود وولي» وإنما فسد من ضرب الأجل»(1).
وقال ابن جزي في تفسير آية: (فما استمتعتم به منهن): «وكان جائزاً في أول الإسلام، فنزلت هذه الآية في وجوب الصداق فيه»(2).
____________
(1) المصدر السابق.
(2) التسهيل لعلوم التنزيل ج 1 ص 137.
________________________________________ الصفحة 171 ________________________________________
على أننا نقول: إن الحلال هو ما احله الله ورسوله، وقد احل الله ورسوله هذا الزواج، فلنقبل ذلك وفق الشروط التي كانت معتبرة في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإن كان بولي وشهود فهو اليوم كذلك وإن كان بدونهما فهو اليوم أيضاً كذلك.
أقاويل وأباطيل:
قال النحاس: «وإنما المتعة أن يقول لها: أتزوجك يوماً وما أشبه ذلك، على أنه لا عدة عليك، ولا ميراث، ولا طلاق، ولا شاهد يشهد على ذلك. وهذا هو الزنا بعينه، ولم يبح قط في الإسلام إلخ..»(1).
وقال البعض أيضاً: «لا يعتبر في المتعة من أجازها من أحكام النكاح إلا الاستبراء»(2).
ونقول:
إن هذا النكاح شرعي، وليس من أقسام الزنا،
____________
(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 132.
(2) جواهر الأخبار والآثار المستخرجة من لجة البحر الزخار ج 4 ص 23.
________________________________________ الصفحة 172 ________________________________________
ويكفي في رد كلام هؤلاء أنه: قد شرّع في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بإجماع الأمة.
أما ما زعموه من أنه لا يعتبر في المتعة من أحكام النكاح إلا الاستبراء، فقد علق عليه المقبلي بقوله: «هذا خلاف ما في كتبهم، فإن فيها يشترط ما يشترط في النكاح الدائم، وفي التبصرة من مختصرات فقههم: لا يقع بها طلاق ولا لعان، ولا ظهار، ولا ميراث لها وإن شرط، وتعتد بعد الأجل بحيضتين أو بخمسة وأربعين يوماً، وفي الموت بأربعة أشهر وعشرة أيام، ويلحق به الولد»(1).
ثبوت النسب في زواج المتعة:
أضاف المقبلي قوله: «وسألت بعضهم هل يثبت به النسب، فقال لي في ذلك ثلاث مذاهب، إطلاقان، وتفصيل: تثبت ولا تثبت مع الشرط.. إلخ»(2).
____________
(1) المنار في المختار من البحر الزخار ج 1 ص 464.
(2) المصدر السابق.
________________________________________ الصفحة 173 ________________________________________
ونقول:
إن كلامه الأخير لا صحة له، فإن النسب يثبت في المتعة كالدائم، وأما الإشهاد فلا يعتبر في النكاح عند الإمامية، نعم هو معتبر في الطلاق، وفقاً لما جاء في الآيات القرآنية الكريمة.
وأما ما عليه أهل السنة من لزوم الإشهاد في عقد النكاح وعدم لزومه في الطلاق فمخالف للقرآن، قال تعالى في سورة الطلاق: (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله إلخ..)(1).
فالسورة كلها مسوقة لبيان الطلاق وأحكامه، وقد ذكر منها الإشهاد، ولم يشترط القرآن الإشهاد في النكاح، لا في الدائم منه ولا في المنقطع.
وقال القرطبي: «إختلف علماؤنا إذا دخل في نكاح المتعة، هل يحد ولا يلحق به الولد، أو يدفع الحد للشبهة، ويلحق به الولد على قولين. ولكن يعزّر ويعاقب. وإذا ألحق اليوم الولد في
____________
(1) سورة الطلاق/الآية 2.
________________________________________ الصفحة 174 ________________________________________
نكاح المتعة في قول بعض العلماء مع القول بتحريمه، فكيف
لا يلحق في ذلك الوقت الذي أبيح؟.
فدل على أن نكاح المتعة كان على حكم النكاح الصحيح، ويفارقه في الأجل والميراث، وحكى المهدوي عن ابن عباس: أن نكاح المتعة كان بلا ولي ولا شهود، وفيما حكاه ضعف لما ذكرنا»(1).
وقال أيضاً: «قال أبو عمر: لم يختلف العلماء من السلف والخلف: أن المتعة نكاح إلى أجل، لا ميراث فيه، والفرقة تقع عند إنقضاء الأجل، من غير طلاق».
وقال ابن عطية: «وكانت المتعة أن يتزوج الرجل المرأة بشاهدين وإذن الولي إلى أجل مسمى، وعلى أن لا ميراث بينهما، ويعطيها ما اتفقا عليه، فإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل، ويستبرئ رحمها: لأن الولد لاحق فيه بلا شك فإن لم تحمل حلّت لغيره»(2).
____________
(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 132.
(2) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 132، وفتح الملك المعبود ج 3 ص 224.
________________________________________ الصفحة 175 ________________________________________
الشوكاني ليس من الشيعة:
ويقول البعض: في سياق حديثه حول المتعة، وردّه لأدلتها الصحيحة والثابتة: ان الشوكاني كان من أئمة الشيعة، وذلك من أجل أن يضعف حجة الشيعة ـ بزعمه ـ بآراء الشوكاني.
وهذا أيضاً غير صحيح، فإن من الواضح: أن الشوكاني كان أولاً من الزيدية.. ثم رجع عن ذلك، وصار سنياً، غير مقلد لأي من أئمة المذاهب الأربعة، والمراجع لكتب الشوكاني لا يخامره شك في تسننه القوي والراسخ.
لا معنى للأمر بالاستعفاف إذا حلّت المتعة:
ويقول البعض أيضاً: لو كانت المتعة بكف من بر حلالاً، لم يكن معنى لقوله تعالى: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله) لأن وجوب الاستعفاف عند العجز عن النكاح يناقض حلية المتعة، فإنه إذا عجز عن النكاح فبإمكانه التمتع، فما معنى أمره بأن يستعفف.. ولا سيما مع سهولة المتعة، ولو
________________________________________ الصفحة 176 ________________________________________
بكف من برّ..(1).
وجواب هذا الكلام واضح:
فأولاً:
إن المراد في الآية ليس خصوص العجز عن النكاح الدائم، بل الأعم منه ومن المنقطع، فإن الإنسان قد يتعسر عليه أمر الزواج بقسميه، فكما أن الدائم نكاح، فإن المنقطع أيضاً نكاح، فما عليه والحالة هذه إلا أن يستعفف بمقتضى الآية الشريفة.. ولا يجوز له أن يرتكب المحرمات، كالزنا، وغيره.
ثانياً:
إن الله سبحانه وتعالى لم يقل: لا يجدون مالاً، بل قال: (لا يجدون نكاحاً) وقد يكون عدم وجدان النكاح لأسباب مختلفة.
فقد يكون السبب: هو عدم وجود نساء يقبلن به كزوج دائم أو كزوج في المنقطع.
وقد يكون السبب: هو عدم المال لديه، مثل ذلك الرجل الذي زوجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما معه من القرآن.
وقد يكون السبب: هو وجود موانع له هو تمنعه من الزواج،
____________
(1) الوشيعة لموسى جار الله.
________________________________________ الصفحة 177 ________________________________________
كالسفر إلى بلاد لا يعرف فيها من يساعده في أمر كهذا، أو وجود مانع اجتماعي، كوفاة قريب لا يستسيغ له الناس الزواج في فترة معينة، أو ما إلى ذلك..
ففي مثل هذه الحالات يطلب منه أن يستعفف، ولا يبادر إلى المحرمات.
وثالثاً:
إن الزواج المنقطع كما أنه قد يكون المهر فيه كفاً من بر ـ أي قمح ـ كذلك الزواج الدائم ـ ونجد كثيرين يجعلون المهر مصحفاً، أو تعليم سورة من القرآن، أو ما إلى ذلك..
ومن الجهة الأخرى: فإن المهر في المتعة كما أنه قد يكون كفاً من برّ كذلك هو قد يصل إلى مقادير كبيرة من الذهب، تماماً كما هو الحال في الزواج الدائم الذي قد يكون نصف درهم، وقد يكون قنطاراً من الذهب، وذلك وفقاً لما يتراضيان عليه.. وكما أشار إليه قوله تعالى (وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً، أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً)(1).
____________
(1) سورة النساء، الآية 20.
________________________________________ الصفحة 178 ________________________________________
الزيدية يحرمون المتعة:
ومن الأمور الغريبة: أن البعض يتخذ من ذهاب فرقة الزيدية إلى التحريم ذريعة للطعن فيما يقوله الإمامية من بقاء حلية هذا التشريع، على اعتبار أن الزيدية أيضاً يتشيعون لأهل البيت (عليهم السلام)، فلو أن التحليل هو مذهب علي وأهل بيته (عليهم السلام) لوجب أن يلتزم الزيدية بذلك أيضاً.
ونقول:
أولاً:
لا ندري لماذا خصّ الزيدية بهذه المقالة ولم يعطف عليهم كل فرقة تعظم أهل البيت (عليهم السلام)، وتهتم بمتابعتهم.. كالمعتزلة البغداديين الذين كانوا يرون: أن علياً (عليه السلام) أفضل الصحابة.
بل لماذا يستثني أهل السنة أيضاً فإنهم أيضاً يلتزمون أهل البيت (عليهم السلام)، ويعظمونهم، ويعظمون علياً (عليه السلام)، ويلتزمون إمامته، وخطه، ولا تكاد تجد أحداً من أهل السنة يجرؤ على رفض الالتزام بما ثبت عنه (عليه السلام) من أحكام إلا أن يخالفه إلى غيره من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
________________________________________ الصفحة 179 ________________________________________
ثانياً:
إن من الواضح: أن الزيدية يأخذون كثيراً من فقههم وأحكامهم من مجاميع الحديث عند أهل السنة، وهناك انسجام واضح في هذا المجال ـ نتيجة لذلك ـ فيما بين الفريقين، فلا مجال للاحتجاج بهم لمجرد إطلاق اسم الشيعة عليهم.
ثالثاً:
إن المعيار يجب أن يكون هو الدليل والحجة من القرآن والسنة، وما سوى ذلك لا عبرة به.
الشيعة تركوا قول علي (عليه السلام) واخذوا بغيره:
ويقول البعض: سلمنا أن ابن عباس قال: هي حلال.. لكن عمر، وعلياً (عليه السلام) وابن الزبير وابن عمر قالوا: هي حرام، وأنكر ابن الزبير على ابن عباس بما تقدم بيانه.
فكيف ترك الشيعة قول علي (عليه السلام)، مع الرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله) في نسخها، وتمسكوا بقول ابن عباس؟!(1).
____________
(1) تحريم نكاح المتعة ص 117.
________________________________________ الصفحة 180 ________________________________________
أقول:
1 ـ إن نهي عمر بن الخطاب لا يصح الاحتجاج به، فإنه موضع الأخذ والرد.
وأما نهي علي (عليه السلام) لابن عباس، وروايته النسخ عن النبي (صلى الله عليه وآله)، فنحن نشك في صحته، لأن المروي عن علي (عليه السلام) خلافه.. وقد ناقش ـ حتى علماء أهل السنة برواية النسخ في يوم خيبر، وشككوا فيها، وردّوها وذهب أكثرهم إلى أن النسخ إنما كان يوم الفتح. ورووا هم أيضاً عن علي (عليه السلام) قوله: «لولا أن عمر بن الخطاب نهى عن المتعة، ما زنى إلا شقي، أو نحو ذلك».
فالشيعة يستندون: إلى قول ابن عباس، وعلي (عليه السلام)، وجابر، وابن مسعود، وعمران بن الحصين، و.. و.. إلى آخر القائمة الطويلة التي لم تقبل من عمر نهيه عن هذا الزواج المشروع.. بل وأهل مكة، واليمن، وأكثر أهل الكوفة وثلاثة من الأئمة الأربعة.. بالإضافة إلى كثيرين آخرين قد أفتوا بحلية هذا الزواج.
________________________________________ الصفحة 181 ________________________________________
2 ـ لقد تحيرنا مع هؤلاء القوم، فهم تارة يقولون لنا: إن علينا أن نأخذ بقول علي (عليه السلام)، وأخرى يقولون لنا: إن من قواعدنا(!!) أنه لا يرجع في المختلفات إلى علي (عليه السلام) وأهل بيته (عليهم السلام)(1) وهي مقولة حاقدة ناقشناها في موضع آخر من هذا الكتاب.
الاجماع على أنه (صلى الله عليه وآله) لم يتمتع:
وقد رفض بعضهم القبول بأن النبي (صلى الله عليه وآله) قد تزوج متعة، كما ذكره الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء وذلك إستناداً إلى الأمور التالية:
أولاً:
إنه «خرق لإجماع الأمة الإسلامية المعقود من عصر انعقاد الإجماع إلى العصر الحالي؛ إذ هم كلهم متفقون على أن الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يباشر النكاح المؤقت إطلاقاً. مع اتفاقهم على أنه رخص فيه في أول الإسلام.
____________
(1) راجع فتح الباري ج 9 ص 150، وأوجز المسالك ج 9 ص 404ن وراجع: فتح الملك المعبود ج 3 ص 227، وعون المعبود ج 6 ص 84، وفقه السنة ج 2 ص 42 و 43.
________________________________________ الصفحة 182 ________________________________________
ولكن ترخيصه هذا شيء، والمباشرة شيء آخر، إذ لا يلزم من ترخيصه فيه مباشرته لذلك، فاتبع في قوله هذا غير سبيل المؤمنين.
وقد قال سبحانه: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى، ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى، ونصله جهنم وساءت مصيراً)»(1).
ثانياً:
قوله على الرسول عليه الصلاة والسلام: إنه فعل ما لم يفعله، ينطبق عليه قول المشرع الكريم: «من كذب علي متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار»(2) إلخ..(3).
ونقول:
أولاً:
هل يستطيع هذا البعض أن يذكر لنا كلمات ـ ولو عشرة ـ من علماء الإسلام التي وقف عليها خلال تحصيله لهذا
____________
(1) سورة النساء، الآية 15.
(2) هذا الحديث متواتر معنى ومبنى عن الرسول (صلى الله عليه وآله) قال ابن الجوزي رواه من الصحابة ثمانية وتسعون نفساً.. إلخ.
(3) نكاح المتعة للأهدل ص319.
________________________________________ الصفحة 183 ________________________________________
الإجماع الذي يدعيه؟! يصرحون فيها بأن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يتزوج متعة، فإذا كان الشاذ منهم هو الذي ادعى هذه الدعوى، فهل يصح إطلاق القول بوجود إجماع؟!
ثانياً:
إننا نسأل الذي ادعى أنه (صلى الله عليه وآله) لم يتمتع: ما هو مستنده، ومعتمده فيما ادعاه؟! وهل تقبل الدعاوي التي تطلق جزافاً ومن دون أي مستند؟!
ثالثاً:
إن مجرد سكوت العلماء عن أمر لا يعني موافقتهم عليه، فقد يكون السكوت لأكثر من سبب، فكيف إذا كان السكوت نتيجة لعدم الالتفات إلى هذا الأمر أصلاً، وليس لأجل التفاتهم، ثم سكوتهم عنه. فإذا كان هناك مجال لتوهم الموافقة في الثاني، فلا مجال لتوهم ذلك في الأول.
رابعاً:
إننا نجد هناك روايات تثبت أنه (صلى الله عليه وآله) قد مارس هذا الزواج. فهل يستطيع هذا القائل أن يأتي برواية واحدة تنفي عن النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك؟!
كما أنه سيأتي من كلام المفيد ما يفيد أنه لا يقر بمقولة: إن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يفعل ذلك. فما معنى
________________________________________ الصفحة 184 ________________________________________
ادعاء إجماع علماء الإسلام على أمر ينكره أمثال المفيد رحمه الله تعالى؟!.
وبعدما تقدم نقول: كيف صح لهذا الشخص أن ينفي صدور ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذا المستوى من الشدة والحدة، وليس لديه اية أدلة تدعم دعواه، ثم يحكم على من يملك أدلة الإثبات بأنه يكذب على رسول الله متعمداً، وبأنه يتولى غير سبيل المؤمنين، وسيصلى جهنم ويتبوأ مقعده فيها وساءت مصيرا؟!
لو كان في المتعة خير لفعلها رسول الله (صلى الله عليه وآله):
وقد أجاب الشيخ المفيد رحمه الله على قولهم: لو كان في المتعة خير لما تركها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «ليس كل ما لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان محرماً، وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والأئمة (عليهم السلام) كافة لم يتزوجوا.
________________________________________ الصفحة 185 ________________________________________
بالكتابيات، ولا خالعوا ولا جلسوا للتجارة في الأسواق..إلخ(1).
أضف إلى ذلك: أنه قد ورد ما يدل على أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد فعلها، وقد تقدم ذلك فصول سبقت خصصناها لذكر الروايات، ونعود فنشير إلى ذلك هنا.
فنقول:
قد روي: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) تزوج بالحرة متعة، فاطلع عليه بعض نسائه، فاتهمته بالفاحشة، فقال: «إنه لي حلال، إنه نكاح بأجل، فاكتميه. فاطلعت عليه بعض نسائه. فنزلت آية: (وإذ أسر النبي)»(2).
وفي نص آخر: عن الصادق عليه السلام فقد سئل: «فهل تمتع رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال: نعم. وقرأ هذه الآية: (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً.. إلى قوله تعالى: ثيبات وأبكاراً)(3).
____________
(1) راجع: زواج المتعة حلال ص 122.
(2) خلاصة الإيجاز في المتعة ص 24 و 25 وعن الوسائل ج14 ص 240.
(3) من لا يحضره الفقيه ج2 ص151 وجواهر الكلام ج3 ص151 و152 وعن الوسائل ج14 ص442.
________________________________________ الصفحة 186 ________________________________________
أما قول بعضهم:
إن التعصب البغيض هو الذي حمل على نسبة هذا الأمر القبيح إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولو فعل ذلك أبوه أو جده لعابه عليه ووبخه(1).
فيرده:
1 ـ إنه لو كان قبيحاً لما أحله الله ورسوله في صدر الإسلام.
2 ـ إن هؤلاء يقولون: إن الحسن هو ما حسنه الشارع، والقبيح هو ما قبحه الشارع ففعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) لهذا الأمر يكون آية حسنه.
3 ـ إن هناك أموراً قد تكون مستساغة في زمان غير مستساغة في زمان آخر، مثل ركوب الجمل والبغلة والحمار، فإن ذلك لم يعد مستساغاً لأهل الرياسة والجاه في هذه الأيام. وقد كان مستساغاً في عصور مضت.. فليس هذا النوع من القبول والرد صالحاً لأن تدور مداره الأحكام الإلهية الثابتة للموضوعات بعناوينها الأولية..
____________
(1) تحريم المتعة للمحمدي ص 154.
________________________________________ الصفحة 187 ________________________________________
التوقيت خلاف مقتضى النكاح:
ويقول البعض: «نكاح المتعة باطل، لأن التوقيت خلاف مقتضى النكاح، وهو خلاف الزوجية»(1).
ونقول:
نعم، هو خلاف مقتضى النكاح الدائم، إذ إن للنكاح المشروع فردين:
أحدهما: الدائم.
والآخر: المنقطع.
فالتوقيت ليس خلاف النكاح المنقطع، بل هو داخل في صميم مضمونه، ولأجل ذلك احله الشارع المقدس وشرّعه في صدر الاسلام، وثبت على القول بتحليله كثير من فقهاء الامة في تلك الحقبة وبعدها.
الإجماع بسبب نهي عمر، لا بسبب النسخ:
ويلفت نظرنا هنا: ابن حجر العسقلاني، وهو يعلق على ما روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري رحمه الله، حيث نجده يقول: وهو يرد على ابن حزم الذي قال: إن جابراً روى حلية
____________
(1) غاية المأمول، شرح التاج الجامع للأصول ج2 ص 334.
________________________________________ الصفحة 188 ________________________________________
المتعة عن جميع الصحابة: «وقع في رواية أبي نضرة، عن جابر عند مسلم: فنهانا عمر، فلم نفعله بعد. فإن كان قوله: فعلنا يعم جميع الصحابة، فقوله: ثم لم نعد، يعم جميع الصحابة، فيكون إجماعاً..».
إلى أن قال: «وقد ثبت عن جابر ـ عند مسلم ـ: فعلناها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم نهانا عمر، فلم نعد لها، فهذا يردّ عدّه [أي ابن حزم] جابراً في من ثبت على تحليلها»(1).
ونقول:
1 ـ إن كلام جابر صريح بأنهم إنما لم يعودوا للمتعة بسبب نهي عمر لهم، لا بسبب ورود النهي من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فامتناعهم هذا لا يدل على إجماعهم على التحريم، بل هو دليل مقهوريتهم بمنع عمر.
2 ـ وماذا ينفع إجماع يحصل بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وانقطاع الوحي، فهل نزل عليهم جبرئيل
____________
(1) فتح الباري ج 9 ص 151.
________________________________________ الصفحة 189 ________________________________________
من جديد، وأخبرهم بالحرمة أو بالحلية؟!.
إلا على قاعدة «الإجماع نبوة بعد نبوة» حسبما أشرنا إليه في موضع آخر من هذا الكتاب. أو على قاعدة: أن الإجماع بعد الخلاف يرفع ذلك الخلاف ويزيله.
وقد أسلفنا: في القسم الأول من هذا الكتاب أن هذه القاعدة غير مسلمة، ولا مقبولة، بل هي مرفوضة على نطاق واسع.
3 ـ إن كلام جابر: فعلناها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم نهانا عمر فلم نعد لها، يدل على أن جابراً استمر على القول بالتحليل منذ عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى عهد عمر، وحتى بعد عمر أيضاً، لأن عدم عودته لها خوفاً من تهديدات عمر بالرجم، لا يدل على أنه: أصبح يقول بحرمة هذا الزواج.
زواج المتعة على عردٍ أو عردين:
المراد بالعرد الواحد والعردين، المواقعة مرة واحدة، أو مرتين، وقد حاول البعض أن يقول:
________________________________________ الصفحة 190 ________________________________________
إن الشيعة قد أفتوا بصحة تزوج المرأة متعة على عرد واحد أو أكثر، وقد يشترطون أن ينضم ذكر أجل محدد إلى ذلك أيضاً، كيوم أو يومين ـ لا ساعة أو ساعتين ـ لعدم إنضباط الوقت بالساعة..
قال: ولا نعرف الفرق بين الزنا وهذه الحالة.. إلا أن يقال: إن الفرق هو أنه مع إشتراط العرد.. مثلاً ـ فإنه يجب عليه فور فراغه من المواقعة أن يحول وجهه، ولا ينظر إليها ـ كما قالوا ـ أفلا نكون معذورين بهذا الجهل..
ثم قال: لو كانت المتعة على عرد أو عردين جائزة لكان المناسب أن يقول علي (عليه السلام): «لولا ما سبقني إليه ابن الخطاب ما زنى أحد» فإن كل متعة ستكون زنا على هذا الرأي، لأن الزنا هو مواقعة رجل لامرأة برضاها، والمتعة على عرد أو عردين كذلك إلا أن يقال: إن الزنا خاص بصورة الاغتصاب ولا يتعداه، وليس الأمر كذلك.
ونقول:
أولاً:
إن الشيعة لا يفتون بجواز تزوج المرأة متعة على عرد أو عردين، إلا ما نسب إلى الشيخ الطوسي رحمه الله من أنه
________________________________________ الصفحة 191 ________________________________________
حمل هذه الأخبار على الرخصة، وأن الأحوط الأولى هو إضافة العرد إلى مدة معينة ومحددة.
ثانياً:
بل إننا حين راجعنا كلام الشيخ في الإستبصار وجدنا أنه لم يفت حتى بجواز التمتع على عرد أو عردين، بل قال: «والأولى أن يكون المراد بالدفعة والدفعتين في الخبرين إنما يجوز مطلقاً مضافاً إلى يوم بعينه أو بأيام بأعيانها. فأما إذا ذكر الدفعة مبهمة، ولم يضفها إلى يوم بعينه كان ذلك عقداً دائماً لا ينحل إلا بالطلاق.
يدل على ذلك: ما رواه محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القاسم، عن هشام الجواليقي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أتزوج المرأة متعة مرة مبهمة، قال: فقال: ذاك أشد عليك، ترثها وترثك، فلا يجوز لك أن تطلقها إلا على طهر وشاهدين.
قلت: أصلحك الله فكيف أتزوجها؟.
________________________________________ الصفحة 192 ________________________________________
قال: أياماً معدودة بشيء مسمّى إلخ..»(1).
فإن استدلاله بهذا الحديث ظاهر في أن الأولوية إلزامية تعيينية.
ثالثاً:
بالنسبة للفرق بين الزنا وبين المتعة على عرد أو عردين.. لو فرض صحته.. أن الزنا محرم في الشريعة، وأن هذا الزواج قد حلله الشارع، واعتبرهما زوجين، ورتب على ذلك آثاراً، وشرع لهما أحكاماً، والمواقعة حاصلة بسبب مشروع، ومقبول.
ولا ينحصر الفرق بينهما بتحويل الوجه بعد الفراغ أو عدم تحويله.
رابعاً:
لو صح أن الفرق هو مجرد لزوم تحويل الوجه لكان طلاق اليائس بعد المواقعة مباشرة داخلاً في الزنا. ولكانت المواقعة في المتعة في أيام رسول الله (صلى الله عليه وآله) في آخر لحظات الوقت المتفق عليه يجعل المتعة زنا.
خامساً:
إن المنقول عن علي (عليه السلام) هو: «لولا أن
____________
(1) الإستبصار ج 3 ص 152
________________________________________ الصفحة 193 ________________________________________
عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي أو شفا» أما عبارة: «لولا ما سبقني إليه ابن الخطاب ما زنا إلا شفا، أو إلا شقي» فليست بهذا اللفظ مأثورة عن علي (عليه السلام)..
نعم، قد نقل عنه (عليه السلام) أنه قال: «لولا ما سبق من رأي عمر ابن الخطاب لأمرت بالمتعة، ثم ما زنى إلا شقي»(1) وهذا موافق للروايات الثابتة عنه (عليه السلام) في تحليل المتعة والاعتراض على من حرمها، ولا يمكن تفسيرها بأنه لولا ما فعله عمر لانتشر الزنا، بل هي مناقضة لذلك بصورة ظاهرة..
ليس للشيعة رواية في حلية المتعة:
ومن الغريب: أن بعضهم بعد أن ذكر روايات كثيرة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يؤكدون فيها حلية المتعة، نجده يقول: «.. هذه الآثار المعلقة هي كل ما عثرت عليه من مصادرهم التي تحت يدي، وهي ترشدنا إلى أنه ليس للشيعة
____________
(1) تقدمت مصادر هذا الحديث في فصل: النصوص والآثار.
________________________________________ الصفحة 194 ________________________________________
حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسند، يقرر حلّ المتعة. وحاشا أن يصدر من المشرع الكريم الترخيص في المتعة بعد تصريحه بتحريمها إلى يوم القيامة»(1).
وقال: «إني فيما اطلعت عليه من كتبهم لم أجد لهم ولا رواية واحدة مسندة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، سوى ما يذكرونه من الأحاديث التي في كتب أهل السنة تحكي الترخيص، ويرفضون أحاديث النهي، حتى وإن كان الترخيص والنهي في حديث واحد».
وصدق الشيخ محمد عبده إذ يقول: «وليس للشيعة رواية واحدة عن أهل البيت في الموضوع»(2).
ونقول:
أولاً:
إن ما ذكره من روايات عن أهل البيت (عليهم السلام)، لا يتجاوز الأربع عشرة رواية حسب ترقيمه.. وقد أوردنا في هذا الكتاب في فصل متقدم أربعين رواية في المتعة
____________
(1) نكاح المتعة للأهدل ص331.
(2) نكاح المتعة للأهدل ص226 وكلام الشيخ محمد عبده نقله عن المنار ج5 ص16.
________________________________________ الصفحة 195 ________________________________________
عنهم (عليهم السلام). وما تركناه من ذلك كثير جداً أيضاً، فمن يعترف بأنه لم يطلع إلا على هذا النزر اليسير، وأنه لم يطلع إلا على ما هو تحت يده، كيف يصح له أن ينفي بهذه الصورة الحاسمة.
ثانياً:
ما معنى قول الشيخ محمد عبده: ليس للشيعة رواية واحدة عن أهل البيت في الموضوع؟!
فإن كان يقصد: الرواية التي تنتهي إليهم هم (عليهم السلام) وحسب.. فهذا هو الواقع الراهن ينادي بأعلى صوته بخلاف ذلك..
وإن كان يقصد: أنه ليس للشيعة رواية واحدة تنتهي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنحو متصل، وتتشكل حلقاتها الأخيرة من أهل البيت (عليه السلام).
فهو أيضاً لا يمكن قبوله: فإن أئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين) أنفسهم قد صرحوا بسلسلة سندهم التي تصلهم برسول الله (صلى الله عليه وآله).. فقد جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله لأحدهم: «مه، ما أجبتك فيه من شيء فهو عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لسنا من:
________________________________________ الصفحة 196 ________________________________________
[أرأيت] في شيء»(1).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام): حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله، وحديث رسول الله قول الله عز وجل(2).
ثالثاً:
قوله: حاشا أن يصدر من المشرع الكريم الترخيص في المتعة بعد تصريحه بالتحريم إلى يوم القيامة. غير سديد. فإنه مبني على صحة دعواه أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد حرمها. وأنى له بإثبات ذلك.. بل إن ما يدعيه من روايات لا يخرج عن كونه أخبار آحاد متناقضة، فيها الكثير من العلل والعاهات..
رابعاً:
إن ما يحتج به شيعة أهل البيت عليهم السلام على أهل السنة في موضوع استمرار تشريع زواج المتعة لا يتوقف على
____________
(1) الكافي ج1 ص58.
(2) الكافي ج1 ص53.
________________________________________ الصفحة 197 ________________________________________
ثبوت روايات عن أهل البيت (عليهم السلام)، يسندونها متصلة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).. إذ إن ثبوت هذا التشريع في صدر الإسلام كالنار على المنار، وكالشمس في رابعة النهار. فعلى مدعي النسخ أن يأتي بالدليل القطعي على دعواه هذه. والأخبار التي يستندون إليها ـ لو صحت ـ فإنها لا تكفي لإثبات ذلك لكونها أخبار آحاد.. ولأنها تعاني الكثير من المشكلات التي لا تسمح بالاعتماد عليها، بل هي تسقطها عن درجة الاعتبار رأساً..
هذا بالإضافة إلى وجود سيل كبير من الدلائل والشواهد التي يذكرها أهل السنة في مصادرهم، وتدل على بقاء هذا التشريع وفي هذا الكتاب طائفة من ذلك.
لا حجية للروايات عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام):
وقال بعضهم: في مقام نفي حجية قول أئمة أهل البيت (عليهم السلام): «لا حجية في كلام بشر بعد القرآن الكريم، إلا في كلام معصوم من الخطأ، ولا عصمة إلا لمن يتلقى الأمور وحياً، ولا
________________________________________ الصفحة 198 ________________________________________
وحي إلا على نبي. فالمعصوم هو محمد خاتم النبيين الذي (لا ينطق إلا عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى).
وقد ثبت: عن هذا المعصوم تحريم متعة النكاح تحريماً أبدياً، رويناه عن الثقات من لدن المؤلفين إلى صاحب المقام السامي عليه الصلاة والسلام».
ثم يذكر: «إن لهم معصوماً واحداً والشيعة يضيفون إليه ثلاثة عشر معصوماً..» إلخ..(1).
ونقول:
أولاً:
إن نفيه الحجية عن قول البشر إلا قول معصوم عن الخطأ.. وهو الذي يتلقى الوحي.. لا يستقيم على مذهب نفس هذا القائل، إذ إنهم يدعون عصمة الأمة أيضاً(2)، وأن ظنونها
____________
(1) نكاح المتعة للأهدل ص332/333.
(2) راجع: تهذيب الأسماء ج1 ص42 والإلمام ج6 ص123 والباعث الحثيث ص35 وشرح صحيح مسلم للنووي مطبوع وبهامش إرشاد الساري ج1 ص28 ونهاية السؤل ج3 ص325 وسلم الوصول ج3 ص326 وعلوم الحديث لابن الصلاح ص24 وإرشاد الفحول ص80 و82 والأحكام للآمدي ج4 ص188/189.
________________________________________ الصفحة 199 ________________________________________
أيضاً لا تخطىء(1) وقالوا: إن الإجماع نبوة بعد نبوة(2).
ثانياً:
ما معنى أن يقول: إن المعصوم منحصر فيمن يتلقى الوحي عن الله سبحانه، فإن هذا الذي يتلقى الوحي إذا أخبر عن عصمة شخص آخر غيره، فلا بد أن يقبل منه..
وشيعة أهل البيت (عليهم السلام) يقولون: إن لديهم أدلة تثبت عصمة الأئمة الاثني عشر، بالإضافة إلى السيدة الزهراء (عليها السلام). وهم ليسوا من الأنبياء..
ثالثاً:
إن من يلتزم بمقولة التصويب ويقول عن المجتهدين: كلهم ذو اجتهاد صواب(3). وما إلى ذلك.. لا يحق له أن يعترض على الشيعة إذا قالوا بعصمة الأئمة الاثني عشر، استناداً إلى أدلة قاطعة للعذر مأخوذة من الكتاب والسنة، ومن أحكام العقل الفطرية والصريحة..
____________
(1) راجع علوم الحديث لابن الصلاح ص24 وشرح صحيح مسلم للنووي [مطبوع بهامش إرشاد الساري] ج1 ص28 والباعث الحثيث ص35.
(2) الإلمام ج6 ص123 والمنتظم ج9 ص210 والإحكام في أصول الأحكام ج1 ص204 و205.
(3) راجع: التراتيب الإدارية ج2 ص366 وراجع ص364 و365 وإرشاد الفحول ص78 و259 و261 وراجع: الأحكام للآمدي ج4 ص159 ونهاية السؤل ج4 ص560 وراجع ص558.
________________________________________ الصفحة 200 ________________________________________
رابعاً:
أما بالنسبة للعصمة عن الذنوب فإن من الواضح: أنها لا مجال للنقاش فيها، إذ لا ريب في أن الله سبحانه قد أوجب على البشر كلهم تحصيل مقام العصمة، من حيث إنه لا يرضى منهم بارتكاب ولو مخالفة واحدة، مهما كانت صغيرة طيلة حياتهم، من حين البلوغ إلى يوم الممات بل هو قد أوعدهم بالعقاب، وامتن عليهم بالعفو عن كثير، ولا يكون عفو إلا بعد ثبوت العقوبة.. وليست العصمة أكثر من ذلك..
فإذا كان قد كلفهم بذلك، فهو إذن مقدور لهم، إذ لا يجوز ـ عقلاً التكليف بغير المقدور ـ ولا يلتفت إلى قول من يخالف ذلك.
غير أن الفرق هو أننا بالنسبة للأنبياء والأوصياء نعلم ونتيقن عصمتهم، أما بالنسبة لسائر الناس فنحن لا نعلم تحقق ذلك فيهم. فقد يكون هذا أو ذاك من الناس معصوماً ونحن لا ندري. فإذا أخبرنا المعصوم بعصمته قبلنا منه..
خامساً:
قوله قد يثبت عن المعصوم تحريم متعة النكاح تحريماً أبدياً.. غير مقبول، بل هو أول الكلام وهو الدعوى التي تحتاج إلى إثبات، وقد ظهر في هذا الكتاب: أن ضدها هو الثابت..
________________________________________ الصفحة 201 ________________________________________
التشبث بالطحلب:
وهناك حديث رواه: «محمد بن مسلم عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث عن المتعة، قال: قلت: أرايت إن حبلت؟
فقال: هو ولده»(1) قال الأهدل: «إن هذا الأثر نسب تارة إلى علي، وأخرى إلى ابن عباس، وفي هذه الرواية إلى جعفر الصادق.
وهذه الظاهرة تكفي دليلاً قوياً على إبطاله»(2).
ونقول:
إن من الواضح: أن السؤال عن الأحكام قد يتكرر، خصوصاً بالنسبة لولد المتعة، فهل إذا سئل هذا السؤال ثلاث مرات خلال مائة سنة مثلاً، وهو أمر يقع موضع ابتلاء الناس ـ يكون ذلك مستهجناً؟ أو أنه يصلح دليلاً على إبطاله، كما يدعي هذا البعض..
____________
(1) الوسائل، كتاب النكاح أبواب المتعة، باب 33.
(2) نكاح المتعة للأهدل هامش ص329.
________________________________________ الصفحة 202 ________________________________________
إن هناك أموراً كثيرة تكون محل ابتلاء الناس يتكرر السؤال عنها في الشهر الواحد من قبل أشخاص متعددين تختلف بلادهم، وأحوالهم، ويكون المسؤول شخصاً واحداً، فما هو الضير في ذلك؟!
وتلك هي كتب الحديث التي تحكي لنا أسئلة الناس عن أحكامهم، فما أكثر ما تورده مما هو من هذا القبيل.
التعلیقات