إشكالات على زواج المتعة
المصدر : زواج المتعة ، تأليف : السيّد جعفر مرتضى الحسيني العاملي ، ج3 ، ص 323ـ 374
________________________________________ الصفحة 323 ________________________________________
الفصل الرابع
اللمسات الأخيرة..
________________________________________ الصفحة 324 ________________________________________
________________________________________ الصفحة 325 ________________________________________
لا عدد في المتعة:
ومما أخذ على زواج المتعة أنه ليس فيه عدد معين، فيمكن للرجل أن يتزوج بأي عدد شاء منهن، حتى بعد زواجه بالأربع، ولو كان التمتع نكاحاً لم يكن لصاحب الأربع أن يتمتع(1).
قال محمد البهي: «والمرأة فيه ذات درجة دنيا، فليس هناك عدد لمن يجوز للرجل أن يستمتع بهن في وقت واحد، وليس هناك حرمة لبنت الأخ والأخت في الجمع، وبين أي منهما وبين عمتها أو خالتها إذا أذنت، وليس هناك حاجة إلى إذنهما في العزل عنهما»(2).
____________
(1) راجع الوشيعة ص 168. وراجع: تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 11.
(2) الفكر الإسلامي والمجتمع المعاصر ص 203.
________________________________________ الصفحة 326 ________________________________________
ونقول:
1 ـ إن هذا الأمر أيضاً ثابت في النكاح بملك اليمين، فإنه ليس فيه عدد معين أيضاً، فهل يمنعون منه وقد أقره الإسلام؟.
وإذا كان لا بد من الإلغاء، فملك اليمين أولى به لأن ملك اليمين مفروض على المرأة وخارج نطاق إرادتها، أما زواج المتعة، فهي التي تختاره أو تقدم عليه، وتلزم نفسها به.
2 ـ إنها في ملك اليمين لا تعامل معاملة الزوجة فلا قسم لها ولا ليلة، ولا ميراث، ولا غير ذلك.
3 ـ ولماذا لم يفترض أهل السنة أن نـكاح المتعة ـ وهو مدني ـ قد نسخ ملك اليمين الذي هو مكي كما يدعون أن الدائم قد نسخ الزواج المنقطع؟.
4 ـ على أن عدد النساء إذا كان مساوياً لعدد الرجال فإن اختصاص كل امرأة برجل معين يستلزم اختصاص كل رجل بامرأة معينة إذا زاد عدد النساء على عدد الرجال، كما هي العادة بسبب تعرض الرجال للكوارث، والويلات والحروب وما إلى ذلك..
________________________________________ الصفحة 327 ________________________________________
ولو فرض العكس بأن زاد عدد الرجال على عدد النساء، فلا مجال للسماح للمرأة بمعاشرة أكثر من رجل، لأن الله سبحانه قد حظّر علينا ذلك لأمور استأثر علينا بعلمها، ولم يشأ أن يطلعنا عليها.
5 ـ إذا كان زواج المتعة قد شرّع لاسباب عديدة ومنها حلّ مشكلة طغيان الغريزة أو الحاجة، فالباب مفتوح إلى أن تنحل المشكلة، وتندفع الحاجة أياً كانت الحاجة وأياً كان العدد، وذلك لا ينافي كرامة المرأة ولا يوجب إمتهانها.
ولأجل ذلك شرّع الله في الدائم الزواج من أربعة نساء، ولم يوجب ذلك أي تحقير للمرأة، ولا ادعى ذلك مسلم مؤمن بربه.
6 ـ إن قوله: «ألا يقتضي منطق نظام تعدد الزوجات أن يتعدّد أزواج المرأة في وقت واحد»(1).
يرد عليه:
أ ـ إن هذا لو صحّ فهو رد على الزواج الدائم.
____________
(1) الفكر الإسلامي والمجتمع المعاصر: مشكلات الأسرة والتكافل ص 204.
________________________________________ الصفحة 328 ________________________________________
وقد أجاب: عن هذا الإشكال حين أورد على الزواج الدائم بقوله: «ليس هناك من حرج إطلاقاً في ممارسته من مسلم، ولو كان من أجل المعاشرة والمتعة الجنسية وحدها، لأن هذا المبدأ هو إقرار لشأن من شؤون الطبيعة البشرية، وهو شأن الغريزة»(1).
فما أجاب به عن الزواج الدائم هو بعينه الجواب عن الزواج المنقطع.
ب ـ إن هذا السؤال يوجه إلى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)، لأن هذا الزواج كان مشرعاً في صدر الإسلام، فالأحكام التي كانت ثابتة للزواج المؤقت آنئذٍ لا تزال ثابتة له.
ج ـ إن الإسلام إنما يعالج في الزواج الدائم والمنقطع مشكلة حياتية، فإذا كان علاجها يتم بالتعدد، فلماذا لا يشرعه فيهما للرجل.
أما المرأة فقد عالج مشكلتها الجنسية بإلزام الزوج برفع ضرورتها الجنسية، أو بطلاقها ان عجز عن ذلك، ولكنه لم يشرّع تعدد الأزواج لها، لنشوء مفاسد خطيرة عن ذلك هو
____________
(1) المصدر السابق.
________________________________________ الصفحة 329 ________________________________________
سبحانه وتعالى يعلم بها.
6 ـ إن ذلك كله كان له هدف حياتي، ويراد منه حلّ مشكلة واقعية، فليس فيه أي مهانة، أو احتقار لأي من الطرفين 7 ـ إذا كان تجويز تعدد الزوجات فيه مهانة للمرأة فلماذا لا يقال: إن فيه مهانة للرجل، لما فيه من إعطاء انطباع عنه بأنه إنسان حيواني شهواني، لا يهتم بعواطف ولا بإنسانية غيره مثلاً. بل في ذلك مهانة للشرع الشريف إذا كان يشرع أموراً تسيئ إلى كرامة أي من الطرفين، أو كليهما..
ومهما يكن من أمر: فإن الحقيقة هي أن الوحدة والتعدد ليس لها ربط بموضوع الإكرام أو الاحترام، بل هما مرتبطان بالحاجة، وبالمشكلة التي يراد معالجتها من خلالها.
دور القيم والالتزام الديني:
وعلى أي حال.. إن زواج المتعة لا يمكن التعاطي معه بصورة جافة وبعيدة عن الضوابط الأخلاقية، والقيم الإنسانية، والالتزام بالأحكام الشرعية.
كما أن الأمر في الزواج الدائم أيضاً كذلك.
________________________________________ الصفحة 330 ________________________________________
وبدون الالتزام بالقيم والضوابط الأخلاقية لا يمكن ضبط مسيرة الحياة الزوجية لتكون في الاتجاه الصحيح، ولا يمكن ضمان أن لا ينحرف الزوج أو الزوجة عن قواعد الزواج وأحكامه..
فقد تتزوج المرأة قبل انقضاء عدتها في الزواج الدائم، وكذا في المنقطع، بل قد تتستر على وقوع الطلاق في حال الحيض لمآرب غير مشروعة.
إن الأخلاق، والقيم، والوازع الديني هو الذي يضمن أن تكون الأمور في خطها الصحيح.. أما القانون.. فلا يكفي وحده كأداة لتحقيق الوئام، والاستقرار، والسكون في الحياة الزوجية، بل قد يستخدمه هذا الطرف أو ذاك كوسيلة هدّامة.
الزواج الدائم هو المرجح دائماً:
ومن الواضح: أن ما يواجهه الزواج المنقطع من هجمات، ومن تهجين، وتشويه في أذهان الناس من جهة.. ثم الرغبة الملحة في الحصول على حياة مستقرة وثابتة، تجعل الفتيات يملن إلى ترجيح الزواج الدائم على المنقطع، ويكون هو موضع طموحهن، ورغبتهن مع توفر الظروف الملائمة له، ولسوف لا
________________________________________ الصفحة 331 ________________________________________
يلتفتن إلى الزواج المنقطع إلا في مواقع الحاجة والضرورة، وحيث تفقد فرص الحصول على زواج دائم، أو يصعب الحصول عليها.
ومما يزيد من قوة الإحجام عن الزواج المؤقت ذلك الإعلام المسموم والقوي الذي يصور الزواج المؤقت على أنه تخلف ورجعية، وامتهان لكرامة المرأة، واحتقار لها، وسلب لحريتها، بل وعدّه من أبشع أنواع الزنا، والفواحش، وفي مقابل ذلك تجد التشجيع على المخادنة، وتزيين الفواحش، وحتى تبرير أعمال اللواط، والسحاق، والقول بالإباحية المطلقة، واعتبار ذلك كله تقدمية وحضارة، وإنصافاً للمرأة، وتحريراً لها..
التهديد بفسخ الزواج:
وأخيراً.. إن ما ذكروه من أن المرأة مهددة بفسخ الزواج في زواج المتعة في كل لحظة:
يقابله: أنها مهددة بالطلاق في الزواج الدائم أيضاً في كل لحظة، فهل يمنع ذلك من تشريع الزواج الدائم..
ونضيف: أن هذا التهديد كان موجوداً في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) فلِمَ شرعه الله في زمنه (صلى الله عليه وآله)؟.
________________________________________ الصفحة 332 ________________________________________
الانقطاع لا يتلاءم مع فلسفة الزواج:
وقد قالوا: إن تقييد الزواج بمدة معينة لا يتلاءم مع فلسفة الزواج، ولا ينسجم مع ما له من قداسة.. ولا يتلاءم مع أهداف الشارع المقدس.
ونقول:
إن مما لا شك فيه: أن الزواج الدائم هو الطريقة الفضلى والمثلى، والهدف الذي يسعى الإسلام إلى هداية وإيصال الإنسان إليه..
ولا يريد الشارع: أن يمنع الإنسان من الوصول إلى الزواج الدائم أبداً. ولا يريد أن يستبدله بزواج المتعة.. بل هو لا يريد أن يجعله في موازاته أيضاً.
وإنما أراد فقط: أن يحل به مشكلة يعجز الزواج الدائم عن حلها. ما دام أن حاجات المجتمع تختلف وتتنوع ولا بد من تلبيتها، وابعاد شبح الفساد والإفساد عنه، حسبما أوضحناه أكثر من مرة.
وإن تشريع زواج المتعة في صدر الإسلام لخير دليل على ما نقول، وعلى أنه لا يضر بقداسة الزواج الدائم، كما أنه هو نفسه
________________________________________ الصفحة 333 ________________________________________
زواج مشروع ومقدس فرضته حاجات مشروعة لا بد من التعامل معها بواقعية وبمسؤولية.
وإذا كان للزواج الدائم فلسفته فليس بالضرورة أن تكون هي بعينها فلسفة الزواج المؤقت، ولا يضر أحدهما بالآخر.. ولو كان يضر به لم يبادر الشارع إلى تشريع المؤقت من الأساس في صدر الإسلام بإعتراف الجميع.
العدل الإلهي يقتضي تحريم المتعة:
ويرى البعض: أن العدل الإلهي من أجل أن لا تظلم المرأة جنسياً اقتضى أن يستقر الأمر على التحريم..
ونقول:
1 ـ هل كان تشريع هذا الزواج في أول الإسلام على خلاف ما يقتضيه العدل الالهي؟!.
2 ـ لا ندري كيف تظلم المرأة جنسياً في زواج المتعة، فإنها والرجل على حد سواء من حيث الاستفادة الجنسية، لكل منهما كأي زوجين في الزواج الدائم.
بل إن المرأة أكثر حرية من الناحية الجنسية في زواج المتعة
________________________________________ الصفحة 334 ________________________________________
منها في الزواج الدائم، لأنها تملك حق الرفض والقبول في الأول أكثر مما لها في الثاني..
قبح المتعة ناشىء عن النهي:
وقد حاول بعضهم الاستدلال والتأكيد على قبح زواج المتعة، كما يلي:
أولاً:
إنه تحدث عن الشيعة وعما طفحت به كتبهم من تقبيحه، واستهجانه، والترفع عنه، على الرغم من الإشادة به، فهذا كاشف الغطاء يقول: «أما تحاشي أشراف الشيعة وسراتهم من تعاطيها، فهو عفة، وترفع، واستغناء، واكتفاء بما أحل الله من تعدد الزوجات»(1).
فأشراف الناس، وسراتهم هم أهل المروءات الذين ينأون عما يقبح بهم، فلما كان فيه جهة قبح، ونوع نقص، وذلك بعد تحريم الله تعالى له، تحاشوا عنه، كما اعترف به إمامهم.
____________
(1) عن أصل الشيعة وأصولها ص188/189.
________________________________________ الصفحة 335 ________________________________________
ولا يرد على ذلك: تمتع بعض الصحابة، لأنه كان آنذاك بترخيص شرعي، وبذلك كانت جهة القبح منفية عنه. ولأن باعث التقبيح النهي الشرعي منه.
وأيضاً، فالترخيص لم يدم، إذ في الموطن الثاني مقيد بثلاثة أيام.
ثانياً:
أن عقد المتعة من باب استئجار بضع المرأة، وهو شناعة يمجها الذوق السليم ويجر المرأة إلى الاستهتار، ويعرضها للخطر لذا ضج بالشكوى منه عقلاء فارس(1).
ثالثاً:
«إنه لما حرمه النبي الكريم عليه الصلاة والسلام كان قبيحاً، ولما استعمله فئة إسلامية، وشاع في دورها، ونظرنا إلى آثاره السيئة قوي عندنا ظهور الحكمة الإلهية في منع المسلمين من تعاطيه»(2).
ونقول:
أولاً:
إن الترفع عن أمر، وكونه يناسب هذا ولا يناسب
____________
(1) عن ضحى الإسلام ج4 ص259.
(2) راجع: تحريم المتعة للأهدل ص324.
________________________________________ الصفحة 336 ________________________________________
ذاك لا يعني قبحه وشناعته بصورة مطلقة، إلى حد المنع من تشريعه، حتى بالنسبة لمن يناسبهم، أو بالنسبة لمن يحتاجون إليه..
فإن كثيراً من الأعمال والحرف لا تناسب شريحة من الناس، ويترفعون عنها، مع أنها حرف تمارسها شرائح اجتماعية أخرى، والمجتمع بحاجة إليها ولا يمكنه الاستغناء عنها..
فالوزير مثلاً: يترفع عن ممارسة مهنة تعليم الصبيان، ولا يناسبه أن يكون عاملاً، أو حمالاً، أو إسكافياً، أو عامل تنظيفات، أو حداداً وما إلى ذلك.. لكنها حرف غير محرمة، وتمثل حاجة للمجتمع، فإذا كان هناك من لا يناسبه العمل بها فلا يعني ذلك حرمتها على غيره ممن يحتاجها..
ثانياً:
إن كان ثمة جهة قبح في شيء تجعل فريقاً من الناس ينأون بأنفسهم عنه، فإن ذلك لا يمنع من وجود جهات حسن أخرى تجعل أناساً آخرين يرغبون به، ويسعون إليه، وتنتفي جهات القبح فيه بالنسبة لهم وترتفع بسبب عدم تلبسهم بما يوجبها. وكذا لو كانت جهات القبح فيه أعظم بكثير من جهات الحسن ـ إن صح التعبير ـ بحيث لا تكاد تذكر إلى جانبها، فإن ذلك يسوغ تجويزه لمن أحبه.
________________________________________ الصفحة 337 ________________________________________
وبعبارة أخرى:
إنه قد يكون هناك صفة في شريحة من الناس وذلك ككونهم في موقع اجتماعي معين، توجب أن تصبح بعض الأعمال قبيحة بالنسبة إليهم إلى درجة أنهم يفضلون تركها، والتخلي عن كل ما فيها من جهات الحسن.
وقد يجازفون ويتحملون بعض السلبيات فيه بسبب حاجتهم الشديدة إليه، تماماً كما يقدم المريض على شرب الدواء المّر الذي لولا حاجته إليه لما أقدم عليه.
ولكن هذه الصفة لا توجد بالنسبة لشرائح أخرى، فلا يكون في ذلك الفعل أي قبح من الأساس، وذلك لعدم وجود الصفة الموجبة له فيهم.. فيبقى ذلك الشيء متمحضاً في الخيرية وخالص الحسن وليس فيه ذرة قبح بالنسبة إليهم..
ثالثاً:
إن الأوامر والنواهي الشرعية تابعة ـ على ما هو الحق ـ للمصالح والمفاسد النفس الأمرية، وليست بلا جهة أصلاً.. فلا يصح قولهم، إنه حين الأمر كان حسناً، فلما جاء النهي صار قبيحاً، بحيث كان الحسن والقبح تابعاً لنفس الأمر وناشئاً عنه فقط..
________________________________________ الصفحة 338 ________________________________________
رابعاً:
إن ما زعمه مفسدة لعقد المتعة، وجعله سبباً للتحريم لا يقتصر على صورة ما بعد ورود النهي، فإن عقد المتعة إن كان من باب استئجار بضع المرأة، ويجر المرأة إلى الاستهتار، ويعرضها للخطر.. فإن ذلك موجود قبل نهي الشارع وبعده، فإن اقتضى تحريم المتعة الآن، فلماذا لم يقتض ذلك في صدر الإسلام؟
وإن كانت الحاجة في صدر الإسلام هي التي سوغت تشريعه، فإن هذه الحاجة لم ترتفع اليوم، فلابد أن تقضي ذلك أيضاً.
خامساً:
لا ندري مدى صحة قوله: ضج بالشكوى منه عقلاء فارس. فهل ضجوا من الخطأ في الممارسة، أم ضجوا من أصل تشريع عقد المتعة؟!
كما إننا: لا ندري متى ضج عقلاء فارس؟! ومن الذي أطلعه على هذا التاريخ الذي لم يصل إلى أحد سواه.. وهل ضجيج عقلاء فارس ـ لو صح ـ يرفع الحسن في الحسن، ويحوله إلى بشع وقبيح؟!
سادساً:
أما قوله أخيراً: إنه لما حرمه (صلى الله عليه وآله)
________________________________________ الصفحة 339 ________________________________________
كان قبيحاً، فلم نعرف له معنى معقولاً، فهل بدأ قبحه من حين تحريمه؟ أم أنه كان قبيحاً قبل ذلك أيضاً..
وإذا كانت هذه الآثار السيئة التي زعم أنها أظهرت الحكمة الإلهية في التحريم.. إذا كانت موجودة في صدر الإسلام فلماذا حلل، وإن كانت غير موجودة فلماذا حرم؟! وكيف صار وجودها لاحقاً دليلاً على صوابية التحريم سابقاً، حيث لم يكن ثمة أية مفسدة؟!.
زواج المتعة قبيح:
وقالوا عن زواج المتعة: «إنه لما حرمه النبي (صلى الله عليه وآله) كان قبيحاً. ولما استعملته الطائفة الجعفرية التي استحلته، وشاع في دورها، ونظرنا إلى آثارها السيئة قوي عندنا ظهور الحكمة الإلهية في منع المسلمين من تعاطيه»(1).
____________
(1) تحريم المتعة ص 201 ونكاح المتعة للأهدل ص 324.
________________________________________ الصفحة 340 ________________________________________
ونقول:
أولاً:
إنه لا ريب في أن هذا الزواج كان حلالاً في أول الإسلام، فهل كان حينئذ قبيحاً أيضاً؟!
ثانياً:
إنهم يدعون أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد حرمه وهم غير قادرين على إثبات ذلك، فلجأوا إلى التشنيع بهذه الطريقة، حيث ادّعوا وجود آثار سيئة لهذا الزواج حين شاع في دور الطائفة الجعفرية.. مع أن ذلك مجرد ادعاء، ولا مجال لإثبات وجود هذه الآثار السلبية إلا بمقدار ما للزواج الدائم من آثار سلبية تنشأ من التعديات على التشريع، ومن عدم الالتزام بالتكليف وبالمسؤولية الشرعية.. ولا يصح جعل ادعاءات الحاقدين والعلمانيين مستنداً ودليلاً.. فالتمسك بأقوال شهلا حائري يصبح في غير محله، وبعيداً عن الإنصاف.
ثالثاً:
هل القبح المدعى بمعنى القبح الذاتي. فيرد عليه: أنه لو كان كذلك لم يصح تشريعه أولاً.. وإن كان بمعنى نفور الطبع فهذا لا يوجب التغير في الأحكام بالإضافة إلى أنه لا مبرر لنفور الطبع منه، بل هو كالزواج الدائم من هذه الناحية. وإن كان قد نشأ قبحه من التحريم نفسه لأن الحسن ما حسنه الشارع والقبيح ما قبحه الشارع فيرد عليه: أن التحريم لم يثبت
________________________________________ الصفحة 341 ________________________________________
بعد بالإضافة إلى المناقشة الواسعة والقوية في صحة هذا الكلام من أساسه.
أقوال أهل الكتاب تشهد!!:
ومن أغرب ما رأيناه هنا: أنهم قد حاولوا الاستدلال بأقوال بعض أهل الكتاب، من أمثال جورج خضر المعروف بمواقفه من الإسلام والمسلمين. حيث اعتبر زواج المتعة جنسي محض غير إنساني. وأنه يتعارض مع الزواج أصلاً، الذي بنيَ على الدوام، وعلى أساس تخطي فكرة المتعة والتمتع(1).
ونقول:
إننا نسجل هنا النقاط التالية:
1 ـ هل أصبحت أدلة استنباط الأحكام هي: كتاب الله وسنة الرسول، والإجماع، وأقوال أهل الكتاب، وخصوصاً المطران جورج خضر.. و..!!
2 ـ إن الله سبحانه وتعالى يقول عن علماء أهل الكتاب:
____________
(1) تحريم المتعة ص 201 عن مجلة الشراع اللبنانية عدد 684 سنة 1995م، ص 6/7.
________________________________________ الصفحة 342 ________________________________________
(ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون)(1).
ويقول: (ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم)(2).
ويقول: (يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل، وتكتمون الحق وأنتم تعلمون)(3).
ويقول: (ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم)(4).
ويقول: (وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب، وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون)(5).
____________
(1) سورة آل عمران، الآية 75.
(2) سورة آل عمران، الآية 69.
(3) سورة آل عمران، الآية 71.
(4) سورة آل عمران، الآية 71.
(5) سورة آل عمران، الآية 78.
________________________________________ الصفحة 343 ________________________________________
ويقول: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب، يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل)(1).
ويقول: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب، يؤمنون بالجبت والطاغوت، يقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً)(2).
3 ـ إن كانت أقوال أهل الكتاب من الأدلة أو من المؤيدات، فهل سيأخذ بأقوالهم في تعدد الزوجات، وفي الطلاق.. و..
4 ـ إن أهل الكتاب يبيحون شرب الخمر، ويأكلون لحم الخنزير، ويأكلون الميتة و.. فهل يؤخذ بأقوالهم في ذلك؟.
5 ـ إن الله سبحانه وتعالى يقول: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)(3).
____________
(1) سورة النساء، الآية 44.
(2) سورة النساء، الآية 51.
(3) سورة البقرة، الآية 120.
________________________________________ الصفحة 344 ________________________________________
مثقفو الشيعة وزواج المتعة:
وقد زعم بعضهم: «أن مثقفي الشيعة، والمجتمع الشيعي يرفضون هذا «الزنا» المتسمى باسم «المتعة»، فإن الناس في بعض المجتمعات حتى الشيعية ينظرون إلى علاقة المتعة نظرة أكثر خطورة من نظرتهم إلى الزنا..»(1).
ونقول:
1 ـ لقد قال تعالى: (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن)(2).
2 ـ إن الحكم الشرعي لا يؤخذ من المثقفين، ولا من المجتمعات فيما تميل إليه وما لا تميل إليه، بل يؤخذ من الكتاب والسنة.
3 ـ إن من يصفهم بأنهم من مثقفي الشيعة قد يكونون من الأحزاب العلمانية التي ترفض الدين كأطروحة صالحة لهذه
____________
(1) تحريم المتعة للمحمدي ص 196.
(2) سورة المؤمنون، الآية 71.
________________________________________ الصفحة 345 ________________________________________
الحياة، وتندفع نحو الأفكار الإلحادية والمادية، وتتبناها بقوة، وتحارب الدين والمتدينين بكل ما أوتيت من قوة وحول. وشهلا حائري التي يستشهد هو وغيره بكلامها ليست مستثناةً من هؤلاء..
4 ـ على أننا قد نجد في مثقفي أهل السنة وغيرهم من يعيب على المسلمين صلاتهم وحجهم، وكثيراً من ممارساتهم العبادية، فهل يحكمون بعدم كون تلك التشريعات من الإسلام؟!
مؤمن الطاق، والشاعر اللبناني:
وقد ذكرت: بعض المجلات المصرية قصة لها مساس بموضوع زواج المتعة، ولكنها أجملتها بصورة غير مألوفة، وهي كما يلي:
قال الشرباصي: وإني أذكر ليلة كنت جالساً فيها إلى المرحوم اللواء محمد صالح حرب وكان معنا كبار الفكر الإسلامي، ثم دخل علينا شاعر لبناني شيعي، ومعه ابنته المثقفة الأديبة، وتجاذبنا أطراف الحديث، حتى جاء ذكر زواج المتعة، فأخذ الشاعر اللبناني الشيعي يدافع عنه، لأن مذهبه يبيحه، فما كان من المفكر الإسلامي إلا أن نهض، ومد يده إلى الشاعر
________________________________________ الصفحة 346 ________________________________________
قائلاً: «إني أطلب يد ابنتك هذه لأتزوجها زواج متعة، وحدد مدة قصيرة، فاحمر وجه الفتاة خجلاً، واشتد الغضب بأبيها وأخذ يحتد في مخاطبة المفكر الإسلامي، فما كان من اللواء صالح حرب إلا أن قال للشاعر في حدة: لا تغضب فأنت الذي فتحت على نفسك مجال النقد والهجوم، وما دمت لا ترضى لابنتك أن تتزوج زواج متعة، فكذلك كرام الناس لا يقبلون ذلك لأنفسهم ولا لبناتهم»(1).
ونقول:
إن الشاعر اللبناني الذي يتحدثون عنه هو الأديب الكبير محمد علي الحوماني رحمه الله..
وليست هذه هي القصة الوحيدة في التاريخ، فقد سبقتها قصة شبيهة لمؤمن الطاق مع أبي حنيفة. فقد روى ابن حبّان قال: «حدثنا عمرو بن محمد الأنصاري، حدثنا الغلابي، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، قال:
____________
(1) يسألونك في الدين والحياة للشرباصي ج5 ص123 و124 وراجع: مجلة الهلال المصرية، العدد الصادر في 13/5/1397هـ.ق. أول مايو سنة 1977م.
________________________________________ الصفحة 347 ________________________________________
قال أبو حنيفة لشيطان الطاق:
ما تقول في المتعة؟!.
قال: حلال.
قال: فيسرّك أن أمك تزوجت متعة؟!.
فسكت عنه ساعة، ثم قال:
يا أبا حنيفة، ما تقول في النبيذ؟!.
قال: حلال.
قال: وشربه، وبيعه، وشراؤه؟!.
قال: نعم.
قال: فيسرك أن أمك نبّاذة؟!.
فسكت عنه أبو حنيفة»(1).
وفي رواية: أن عبد الله بن عمير قال للإمام الباقر (عليه السلام): «يسرّك أن نساءك وبناتك، وأخواتك، وبنات عمك يفعلن؟!..
____________
(1) روضة العقلاء، ونزهة الفضلاء ص 213.
________________________________________ الصفحة 348 ________________________________________
فأعرض أبو جعفر عنه وعن مقالته، حين ذكر نساءه، وبنات عمه»(1).
وقال الحصري:
«قد اختلطت بعديد من الرجال الشيعة بعضهم يمثل مركزاً دينياً مرموقاً وسطهم. والبعض وإن كان لا يعرف من مذهبه إلا أنه منتسب له، لكن والده من علماء هذا المذهب، أو من أسرة دينية إلى آخره. وبسؤالهم جميعاً هل هم متمتعون «أي عاقدو نكاح المتعة» كان الجواب لي دائماً: لا.
وكان سؤالي لهم دائماً: فلم الخلاف؟ ولم لا تكون وحدة القول واجتماع الكلمة بتحريم هذا العقد الذي هو أشبه ما يكون باستئجار المرأة للزنى بها ساعات وأيام؟
وكان جوابهم لي: غير مقنع، وكانت دعواتي دائماً أن يجمع الله شمل المسلمين وأن يزيل ما بينهم من خلاف»(2).
ونقول:
____________
(1) مستدرك الوسائل ج 7 ص 449 و 450 عن العياشي والوسائل ج 21 ص 6، والكافي ج 5 ص 449، والتهذيب ج 7 ص 250 و 251.
(2) الحصري: النكاح والقضايا المتعلقة ص 185.
________________________________________ الصفحة 349 ________________________________________
1ـ بالنسبة لما قاله هذا الأخير، فإنه هو نفسه يعترف بأنه قد سأل بعض من لا يعرف من مذهبه إلا أنه منتسب له، وسأل أيضاً من يمثل مركزاً دينياً مرموقاً إن كانوا قد تمتعوا، فكان الجواب يأتيه دائماً بالنفي ـ بالنسبة لهذا نقول:
إنه لا يحتاج إلى جواب، فهو يدعي أن إجاباتهم كانت غير مقنعة، ولم يذكر لنا تلك الإجابات لننظر فيها.
2 ـ وأما تمنيه أن تجتمع الكلمة بتحريم هذا الزواج، فقد كنا نتمنى أن تكون أمنيته هي أن يبحث الموضوع بموضوعية وتجرد، ويأخذ بالحق مهما كان مخالفاً لهوى النفس، وللتعصبات المذهبية البغيضة..
3 ـ وأما بالنسبة لقضية الشاعر اللبناني، فإننا نقول:
نعم تلك هي قضية الشاعر اللبناني وابنته مع من وصفه الكاتب بـ «المفكر الإسلامي» وتلك هي قصة أبي حنيفة مع مؤمن الطاق، وعبد الله بن عمير مع أبي جعفر (عليه السلام)..
ولست أدري، هل كان يريد هذا الكاتب العبقري أن لا تخجل فتاة يطلب الزواج منها ـ حتى الدائم ـ وخصوصاً أمام
________________________________________ الصفحة 350 ________________________________________
الملأ العام، وبهذه الطريقة العلنية، والوقحة، والمثيرة؟!.
وكذلك، هل يريد: أن لا يغضب والدها لتصرفٍ أرعنٍ جاهل كهذا التصرف، الذي لا تقرّه أعراف، ولا يحتمله رجل متزن يحترم نفسه؟!.
وهل يرى كاتبنا: أن ليس من حق أحد أن يغضب لو طلب منه رجل يد ابنته للزواج الدائم، لو قال له: زوجني ابنتك اليوم، ولسوف أطلقها غداً؟! فهل إذا غضب الأب وثارت ثائرته، ـ والحال هذه ـ يجب أن يحرّم الزواج الدائم، ويمنع منه؟ كما يجب أن يلغى الطلاق، ويستراح منه؟!
إن رضى الأب ليس هو المهم، بل المهم هو ثبوت التشريع الإلهي.
4 ـ وسواء أرضي الشاعر اللبناني أم غضب وسواء أثيرت عاطفته بأسلوب وقح، مسموم، أم لم تثر، فإن الإسلام قد شرّع هذا الزواج في أول الأمر باعتراف الجميع، فلماذا لم يمنع غضب الآباء آنئذٍ من تشريعه؟! أم يمكن أن لا يكونوا في تلك الفترة أهل حميّة وغيرة، أو أهل شرف وكرامة؟! والآن فقد وجدت الغيرة والحمية، وظهر الشرف، وتجلت الكرامة، ولا سيما لدى كاتبنا الفذ!! ومفكره الإسلامي الكبير!!.
________________________________________ الصفحة 351 ________________________________________
5 ـ ولا بد لنا من أن نسأل أيضاً:
هل يستطيع كاتبنا الفذ، ومفكره الإسلامي الكبير: أن يمارس كل الحرف والصنائع، التي لا غنى للناس عنها؟!.
وهل يستطيع أن يخبرنا وهو الرجل المرموق إن كان يخجل من بيع الخبز، وطبخ الطعام، أو مسح الأحذية، أو جمع النفايات، وغير ذلك، أم لا يخجل؟!.
وهل يرى ذلك عيباً وشناراً على نفسه، أم لا؟!.
وإذا كان شرفه وكرامته يأبى له ذلك، وما دام لا يرتضي ذلك لنفسه، فلماذا يرتضيه لغيره إذن؟!.
6 ـ وهل عدم مناسبة ذلك لشخص تقتضي تحريمه على كل الناس؟!.
وإذا حرّم الإسلام كل عمل يراه الناس عيباً، ولا يناسب البعض ـ إذا حرمه ـ على جميع الأشخاص، فهل تقوم للحياة بعد هذا قائمة، أو يحلو فيها عيش؟!.
ولست أدري: فلعل الحكم الشرعي، يمكن نفيه بمثل هذه الأمور!! أو لعل الشارع المقدس، حيث شرّع هذا الزواج لم يستطع أن يدرك ما أدركه كاتبنا الفذ، «وعالمنا الإسلامي
________________________________________ الصفحة 352 ________________________________________
الكبير»!!.
7 ـ وبعد.. فلماذا لا يلجأ كرام الناس، وأشرافهم، ومختلف فئاتهم إلى عقد المتعة ـ بشرط عدم المباشرة في فترة الخطوبة ـ، كحل أفضل للتحاشي عن الوقوع في محرمات كثيرة، في هذه الفترة بالذات، كالنظر، واللمس، وغير ذلك، مما هو موضع إبتلاء الخطيبين في هذه الفترة الحساسة؟!.
وبذلك يجد الخطيبان: الفرصة الحقيقية للتعرف جيداً على بعضهما البعض، بلا تكلّف، ولا تزيف، ولا قيود، ولا حدود.
8 ـ وإذا كنّا قد رأينا هذا الكاتب يختم كلامه بخطابيات تهدف إلى إثارة العواطف، وتنفير النفوس، وبعث الاشمئزاز والقرف من زواج كهذا، وممارسة هذا الأمر المشروع، فإننا نودّ أن نخبره وبكل اعتزاز وكبرياء ـ أن القارئ الكريم أذكى، وأوعى، من أن تؤثر فيه هذه البهرجات، والهملجات، وأن الحكم الشرعي لا يمكن نفيه، كما لا يمكن اثباته بهكذا أساليب.
ولسوف يجد: من القراء الواعين من يطرح عليه أكثر من سؤال، ويثير معه أكثر من مناقشة جدّية، وليست الأسئلة السالفة، وغيرها مما سيأتي من أسئلة، ومناقشات إلا بعضاً منها.
________________________________________ الصفحة 353 ________________________________________
وليس الناس أغبياء إلى هذا الحد، الذي يتصوره ذلك الكاتب، ليستطيع أن يخدعهم بهذه الصورة الواضحة والفاضحة.
المزيد من اللعب على العواطف:
وقد حاول بعضهم: أن يستدل على حرمة زواج المتعة بأن المجوزين للمتعة لا يرضونها لبناتهم، وأخواتهم، وقريباتهم، بل لو عرفوا بحدوثها لهن تسود وجوههم، وتنتفخ أوداجهم. فلماذا يغضبون حين يطلب الواحد منهم أن يزوجه ابنته زواج متعة، فإن عالماً شيعياً كان يناقش في أمر المتعة بحماس، فلما ألقي عليه هذا الطلب قام من المجلس(1).
وقد أورد هذا المستدل رواية عن رسول الله مفادها:
أن فتى شاباً طلب من النبي (صلى الله عليه وآله) أن يأذن له بالزنا. فسأله النبي (صلى الله عليه وآله) إن كان يحبه لأمه، أو لأخته، أو لابنته، أو لعمته، أو لخالته.. فنفى الشاب ذلك. فدعا له
____________
(1) عن كتاب الحرية، لعبد المنعم النمر ص 136.
________________________________________ الصفحة 354 ________________________________________
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأن يغفر ذنبه، ويطهر قلبه، ويحصن فرجه، فلم يكن يعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء(1).
فلو كانت المتعة حلالاً لأذن له النبي (صلى الله عليه وآله) بها بدلاً من الزنا الذي طلبه الشاب(2).
ونقول:
إننا نشير هنا إلى الأمور التالية:
1 ـ إن التشريع إنما يلاحظ المصالح والمفاسد العامة.. ولا ينتظر رضى الناس وسخطهم، وقد قال تعالى: (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن)(3).
2 ـ إن هناك أحكاماً كثيرة قد جاءت على خلاف ميل الناس، ولا يرضاها الناس لأنفسهم، مثل: عدم حلية المرأة المطلقة ثلاثاً لمن طلقها إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره. ومثل النكاح بملك اليمين، فإن الإنسان لو استطاع لم يمكن أحداً من أن
____________
(1) عن مسند أحمد بسند صحيح.
(2) راجع: تحريم المتعة ليوسف جابر المحمدي.
(3) سورة المؤمنون، الآية 71.
________________________________________ الصفحة 355 ________________________________________
يملك أخته أو ابنته، ثم ينكحها بملك اليمين.
وكذلك الحال: في تجويز الطلاق قبل الدخول، ثم التزويج لرجل آخر من دون عدة. مع علم الأب والأخ بممارستها مع زوجيها الأول والثاني كل شيء سوى الدخول..
فإذا تكرر طلاقها وتزويجها قبل الدخول في يوم واحد عشر مرات.. ومارست مع الجميع كل شيء سوى الدخول، فإن ذلك حلال لها. وإن غضب الأخ والأب والابن. ورآه عاراً وشناراً وانتفخت أوداجهم، واسودت وجوههم، على حد تعبير هذا المعترض.
3 ـ إن لكل شيء آداباً ولياقات تحسن مراعاتها. ولا يصح استخدام أساليب التنفير والإثارة، حتى ولو كانت تعبيراً عن الواقع في حد نفسها. وإلا لجاز لمن يريد الزواج بامرأة أن يأتي إلى أبيها فيقول له: هل ترضى بأن تزوجني ابنتك لكي أدخل ذكري في فرجها، وأصب فيها سائلاً منوياً يتلاقى مع بويضتها لكي تحمل ولداً تلده من فرجها؟!
أو هل يصح: أن يخبر الرجل أبا زوجته بأن ابنته قد ولدت من فرجها ولداً، بمساعدة امرأة نظرت إلى ذلك الموضع،
________________________________________ الصفحة 356 ________________________________________
وهي في تلك الحالة؟!
إننا نعتذر من القارىء الكريم: عن هذا الكلام غير اللآئق، فإن هؤلاء يريدون أن تصل الأمور إلى هذا الحد من الإسفاف في القول والإسراف في الوقاحة..
4 ـ على أن هناك الكثير من الأمور المباحة التي تناسب فريقاً من الناس، فيمارسونها برضى وارتياح، ولا تناسب فريقاً آخر، بل ينزعجون منها، ويرون أنها تحط من شأنهم..
وإلا فهل يليق بالملك أن يشتغل إسكافياً، أو كناساً، أو حائكاً، أو راعياً، أو عاملاً في مزارع البقر؟ أو ما إلى ذلك؟! رغم أن هذه الحرف مباحة ومطلوبة من كثير من الناس.
5 ـ إن الذي أقام ذلك العالم من مجلس المناظرة هو ما لمسه من سوء أدب، ومن إسفاف في الاستدلال، وممارسة أساليب التهريج والاثارة العاطفية، بدلاً من الأسلوب العلمي، الذي يعتمد قول الله ورسوله (صلوات الله عليه) في إيراد الحجج على الأحكام الشرعية.
6 ـ أما بالنسبة للفتى الشاب، فإن الرسول الكريم قد أراد تعريف ذلك الشاب مدى قبح رذيلة الزنا.. حتى لا يستهين
________________________________________ الصفحة 357 ________________________________________
بالأمر، ويقع في المحذور الكبير.. وإلا فمن الذي قال: إن ذلك الشاب كان يعاني من مشكلة جنسية أساساً؟!
7 ـ لو دل هذا الحديث مع الشاب على حرمة زواج المتعة لدل على حرمة الزواج الدائم أيضاً، إذ إنه(صلى الله عليه وآله) لم يرشده إليه، كما لم يرشده إلى زواج المتعة.
المتعة تحل مشكلة الشاب فقط:
ويقول البعض: إن زواج المتعة إنما يحل مشكلة الشاب، إذ لا دخول في العذراء.
ونقول:
أولاً:
أن الاستمتاع لا ينحصر بالدخول، فيمكن للفتاة أن تحصل على اللذة من خلال معاشرة الرجل، ولو من دون الدخول.
ثانياً:
ليس من شروط زواج المتعة عدم الدخول بالعذراء، فيمكن ذلك، والأمر يرجع في ذلك إليها، ويمكنها أن تأذن بذلك.
________________________________________ الصفحة 358 ________________________________________
ثالثاً:
هل أمر هذا الزواج منحصر بالتمتع من العذراء.
رابعاً:
إن هذا الزواج قد شرعه الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) في صدر الإسلام، فلا بد أن يطالب الرسول (صلى الله عليه وآله) بحل مشكلة الفتاة العذراء أيضاً، فكيف لم يراع النبي (صلى الله عليه وآله) هذا الأمر.
خامساً:
إن زواج المتعة لا يجب فيه تحصيل متعة جنسية، لا كاملة، ولا ناقصة.. فقد يكون له أغراض أخرى تفرضها حاجات الناس في حياتهم العملية.
سرّية هذا الزواج:
ويأخذ البعض على هذا الزواج: أنه يتم في الأكثر بصورة سرية، وذلك يعني: أنه ستنشأ عن ممارسته مشكلات فيما يرتبط بالأولاد..
وهذه السرية تجعل هذا الزواج من قسم الزنا، لأن الزواج فيه إعلان ولا سرية فيه.
هذا بالإضافة إلى إنتفاء الإشهاد في المنقطع..
________________________________________ الصفحة 359 ________________________________________
ونقول:
أما بالنسبة لموضوع الإشهاد: في المنقطع والدائم فقد تحدثنا عن ذلك في موضع آخر.
وأما السرية، فإننا نقول:
أولاً:
ليس عنصر السرية من شروط هذا الزواج، وإنما هو تابع لاختيار من يمارسه، وهو أمر خارج عن حقيقته، وأحكامه..
ثانياً:
لنفرض أن السرية قد توفرت في النكاح الدائم مع توفر جمع شرائط الصحة المعتبرة فيه، فهل يحكم ببطلان الدائم أيضاً.
ثالثاً:
إن عنوان الزنا إنما يتحقق في صورة الإقدام على عمل جنسي، غير مشروع، عن سابق معرفة وتصميم..
وهذا الأمر غير متحقق في الزواج المنقطع، لأن المفروض أنه مشروع وجامع لشرائط الصحة.. وهو لا يتوقف على ممارسة الجنس فيه..
رابعاً:
لنفرض أن المتعاقدين قد أعلنا زواجهما المنقطع وأشهدا عليه، فهل يصبح مشروعاً والحالة هذه، وهل يقبل به
________________________________________ الصفحة 360 ________________________________________
المعترضون عليه بهذا الاعتراض؟!.
خامساً:
إن ما يدعى من سلبيات تنشأ من إصرار المتعاقدين على السرية يمكن أن يعالجها الحاكم بإجراءات تضبط هذه الحالات، وتمنع من نشوء تلك السلبيات وتحفظ هذا التشريع في تطبيقاته العملية، كما تعالج حالات سوء تطبيق الزواج الدائم.
الضغط الجنسي بسبب الحروب:
ومن الطريف هنا ما ذكره البعض: من أن سبب تشريع زواج المتعة في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الضغط الجنسي الذي كان يعاني منه المقاتلون بسبب الحروب، فرخصهم (صلى الله عليه وآله) بالمتعة لبعدهم عن زوجاتهم.
ونقول:
أولاً:
لو قامت الآن حروب ـ كتلك التي كانت في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) فهل يراها هذا القائل حلالاً في هذا الزمان أيضاً في حال الحرب على الأقل؟.
________________________________________ الصفحة 361 ________________________________________
ثانياً:
إذا أحلت للرجال المحاربين فما بالها حلّت للنساء اللواتي يريد هؤلاء المحاربون التمتع بهنّ والعقد عليهنّ..
ثالثاً:
إن هذه الهجمة الإعلامية الشرسة تجعل الضغط الجنسي يتضاعف بصورة لا يضاهيها أي ضغط جنسي واجهه المسلمون في صدر الإسلام أيام الحروب، وغيرها، فهل يفتي هذا القائل بحليتها لمواجهة هذا الضغط الجنسي الهائل..
رابعاً:
قد كان يمكن حل مشكلة الضغط الجنسي آنئذٍ بالزواج الدائم ثم الطلاق بعده.
خامساً:
لماذا ينظر إلى الزواج المؤقت هذه النظرة المحدودة؟! ولماذا لا يكون من أهدافه حل مشكلات أخرى غير مشكلة الجنس؟! فهل كان يحرم الزواج المؤقت في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) لمن لم يكن لديه رغبة جنسية، بل كان يرغب في حياة انس وسكينة، مع شريكة تعينه على بعض مصاعب الحياة والعيش، كذلك المسافر الذي كان يحتاج إلى من تحفظ له متاعه، وتساعده في بقية شؤونه في بلد غربته، كما ورد في بعض الروايات في فصل النصوص والآثار.
________________________________________ الصفحة 362 ________________________________________
سادساً:
إذا كان (صلى الله عليه وآله) قد حل مشكلة الرجل الذي يعاني من الضغط، فإن المرأة التي ذهب زوجها إلى الحرب أيضاً قد تواجه الضغط الجنسي، فلماذا تجاهل مشكلتها..
الحل هو الزواج الدائم:
إن هذا القائل بالذات: حين سئل عن سبل حل مشكلة الشباب اليوم، أجاب بلزوم الصيام، والابتعاد عما هو مثير، ثم توفير الظروف المعيشية التي تمكن الشاب من الزواج الدائم.
ونقول:
أولاً:
لا ندري لماذا لم يلتجئ النبي (صلى الله عليه وآله) إلى هذا الحل، بل تركه، وأباح للناس زواج المتعة الذي لا زلنا نختلف حوله إلى هذه الأيام.
فكان عليه (صلى الله عليه وآله) أن يأمر الشباب الهائج جنسياً بالصيام، والابتعاد عن المثير له، وتهيئة الظروف للزواج الدائم.
وهل يمكن مقايسة ما يواجهه الشباب من إغراء في زمن
________________________________________ الصفحة 363 ________________________________________
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما يواجهونه في هذه الأيام؟.
ثانياً:
إذا لم يمكن القيام بهذه الأمور لعذر شرعي مقبول كإصابة الشاب بمرض يمنعه من الصيام، ولكونه مكرهاً على العيش في محيط يواجه فيه ما يثيره جنسياً، ولا تتوفر له القدرة على توفير الزواج الدائم فهل يسمح له هذا القائل بزواج المتعة، ويراه حلالاً له..
عدم تحديد العدد هدر لحقوق المرأة:
وقد سجل البعض: إدانة للزواج المؤقت «المتعة» استناداً إلى أن بإمكان الرجل أن يتزوج أي عدد شاء من النساء فيه، وفي هذا هدر لحقوق المرأة.
ونقول:
1 ـ إذا كان الشارع قد قرر للزوجين حقوقاً يطالب كل منهما الآخر بها، فإذا أداها إليه، لم يكن له عليه سبيل في سائر الأمور التي تعنيه هو دونه، فإذا قام الزوج في الدائم وفي المنقطع بواجباته تجاه زوجته، فقد قضى حقها، وليس لها أن تطالبه بما لا حق لها فيه..
________________________________________ الصفحة 364 ________________________________________
وكذلك الحال: لو قضت هي حقوقه، فلا يحق له أن يطالبها بما لم يجعله الشارع له. وفي هذا الحال ليس ثمة من حقوق للمرأة لكي يقال: إنها هُدرت أم لم تُهدر. بل الشارع قد جعل للرجل الحق في تزوج أكثر من امرأة، فإذا حرم من هذا الحق، فإن في ذلك هدراً لحقوقه.
2 ـ ولا ندري لماذا لا يكون في الجمع بين أربع نساء في الدائم هدر لحقوق المرأة، ويكون ذلك هدراً لحقوقها حتى لو جمع بين واحدة في الدائم وواحدة في المنقطع، أو بين اثنتين في المنقطع فقط، أو في الدائم فقط..
3 ـ وهل كان في تشريع هذا الزواج في صدر الإسلام هدر لحق المرأة؟!.
4 ـ ولماذا لا يرضى هؤلاء بصحة الزواج في المنقطع بأربع نساء كما يرضون به في الدائم..
5 ـ على أن هذا التعدد الكبير الذي يخشى منه ليس هو محل ابتلاء مفروضاً، ولا لازم التنفيذ على الرجال..
6 ـ وأخيراً.. ماذا لو أن رجلاً أشغل نفسه بالعقد الدائم على أربع نساء ثم الطلاق لهن، والاستعاضة عنهنّ بغيرهنّ، ثم
________________________________________ الصفحة 365 ________________________________________
يطلق الأربعة الأخرى ليستعيض عنهن بغيرهن.. وهكذا إلى أن يصل العدد إلى العشرات بل المئات؟!.
المتعة تعني فقد الحافز للزواج الدائم:
ويقولون: إن الله (عز وجل)جعل غريزة الجنس لتكون حافزاً لزواج يبقى به النوع ويعمر به الكون، وفتح باب المتعة يبطل هذا الحافز، ويحول دونه، حيث ينصرف الكثيرون عن الزواج الدائم حتى لا يتحملوا تبعاته، وتكاليفه..
ونقول:
إن السكن، والطمأنينة، واستقرار الحياة، وطلب سهولة العيش، وحب بقاء النوع بالتناسل مما تميل إليه الطباع، وتحفز إليه فطرة الإنسان، غير أنه قد تحول عوائق دون تحقيق ذلك، وتعترضه موانع تمنع من النكاح الدائم، فيلجأ إلى المتعة لقضاء الحاجة الجنسية، وتحصين النفس عن المآثم.
وقد يطلب الولد والسكن في نفس زواج المتعة هذا أيضاً..
إذن فلا يصح القول: إن فتح باب المتعة، يبطل الحافز للدائم، ويحول دونه..
________________________________________ الصفحة 366 ________________________________________
وهل بطل الزواج الدائم في البلدان التي ترى مشروعية نكاح المتعة.
و أيضاً: فإن الطلاق مباح عند السنة والشيعة، لكن المسلمين جميعاً حريصون على عدم استخدام هذه الرخصة للاتجاه إلى عقود زواج أخرى..
لو كان هذا الزواج غربياً:
وبعد ما قدّمناه، نقول: إن ذنب هذا التشريع، الذي هو ـ بلا ريب ـ من مفاخر الإسلام، ومن أدلة عظمته، وشموليته، وأصالته ـ إن ذنبه الوحيد الذي لا يغفره له كثيرون ـ: أنه من جهة: شيعي علوي، يواجه عقدة الانتماء، وعصبية المواجهة المذهبية، ومن جهة أخرى: هو شرقي، وديني، ولذا فهو لا يجد العطف الكافي، والمحبة المطلوبة حتى من كثير من أهله وذويه.. وإنما يقابل بإستمرار بالازدراء، والاحتقار لأنه شرقي، ولأنه إسلامي المولد والمنشأ..
ولو أننا استوردناه من غير هذه الأرض، ولا سيما من أوروبا لكان للكثير من هؤلاء الرافضين له موقف آخر، ومن نوع
________________________________________ الصفحة 367 ________________________________________
آخر، ولألفينا المؤتمرات تعقد والمهرجانات تقام هنا وهناك، بهدف التأكيد على أهميته، وصحته، وسلامته، أو للتدليل على أنه الحل الأمثل، والأفضل، والوحيد، الذي بإستطاعته أن ينجي البشرية كلها من الوقوع فريسة الانحراف والفساد.
ولربما تجد: دعوة برتراند راسل، ونظرائه ممن تبنّوا الدعوة للزواج المؤقت كحل أفضل لمشكلة الجنس ـ لربما تجد ـ آذاناً صاغية، وقلوباً مفتوحة، وعقولاً متفهمة، لا لشيء إلا لأنها صدرت من رجل غربي، وغير مسلم، حتى وإن كان يمكن أن يكون قد استوحاها من التشريع الإسلامي بالذات ـ ولربما يقبل الناس على هذا الزواج المؤقت استجابة لرأي هؤلاء حتى نضطر في وقت ما إلى القيام بحملة إعلامية واسعة بهدف الدفاع عن الزواج الدائم، والدعوة إليه، وتأكيد صحته وسلامته(1).
الزواج المؤقت صيغة تشريعية متكاملة:
وغني عن البيان: أن الزواج المؤقت يمثل صيغة تشريعية
____________
(1) راجع كتاب: حقوق زن در إسلام ص 32.
________________________________________ الصفحة 368 ________________________________________
متكاملة، يمليها واقع الحياة الإنسانية، ويتناغم معها، من حيث إنه يستجيب لواقع ضرورة إشباع الغريزة الجنسية، ويوفر متنفساً قادراً على أن يفتح أكثر من نافذة تهيء فرصاً للتغلب على كثير من المشكلات التي تنشأ من ضغوطات الظروف الحياتية، وهو يمتاز بالمرونة والانعطاف، من خلال نظامه الحقوقي الذي يناسبه، حسبما أظهرته القائمة التي قدمناها، حيث تبين منها حقيقة وجود فوارق مع النظام الحقوقي للزواج الدائم، أو ملك اليمين..
ولأجل ذلك: نجد التشريع الإسلامي لم يلزم الرجل بالنفقة، ولا بالليلة، كما أنه لم يشرع التوارث بين الزوجين إلى غير ذلك مما ذكرناه من فوارق في النظام الحقوقي لهذا التشريع مع ما سواه من التشريعات التي تنظم العلاقة القائمة على التعاقد بين الجنسين في هذه الحياة..
الاحتياط في أمر الأعراض:
وفي الختام نقول: إنه إذا كان البعض يجد حرجاً في الفتوى بتحليل الزواج المؤقت، لأن الأمر يتعلق بالأعراض التي نعلم أن الشارع يتخذ فيها سبيل الاحتياط.. فإننا بدورنا نؤكد
________________________________________ الصفحة 369 ________________________________________
على ضرورة الالتزام بهذا الاحتياط ولكن لا في مورد زواج المتعة، لأن الاحتياط فيه يكون خلاف الاحتياط، لأنه إذا كان الله سبحانه قد شرعه لمنع الفساد، والعهار، والزنا ـ كما أشار إليه علي (عليه السلام) حين قال: «لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنا إلا شقي» أو: «.. إلا شفا»(1).
وقال ابن عباس: «ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد (صلى الله عليه وآله) ولولا نهيه عنها ما زنا إلا شفا»(2) ـ نعم إذا كان الأمر كذلك ـ.
فإن الاحتياط المؤدي إلى الفتوى بالتحريم هنا، مع كون الإباحة هي حكم الله الواقعي ـ فيه:
1 ـ اتهام للإسلام بأنه قد شرع أمراً يخالف الاحتياط الموجب لحفظ الأعراض.
2 ـ فيه تسهيل لشيوع الفاحشة، حيث إن نتيجة ذلك هي شيوع الزنا كما هو معلوم.
____________
(1) تقدمت مصادر هذا النص في فصل: النصوص والآثار.
(2) تقدمت مصادر هذا الحديث في فصل: النصوص والآثار.
________________________________________ الصفحة 370 ________________________________________
وعلينا أن لا نغفل عن قول ابن عباس: إن المتعة كانت رحمة لأمة محمد، أي، وليس لخصوص الصحابة الذين مارسوها في عهده (صلى الله عليه وآله).
وقبل أن نودع القارئ الكريم: على أمل اللقاء به في فرصة أخرى، نعود لنذكره بأن من البديهي: أن وجود مخالفات شاذة، وسوء استعمال وخطأ في تطبيق التشريع من قبل الناس، لا يوجب إلغاء التشريع من أساسه، كما أنه لا يوجب التحريم المؤبد لزواج المتعة، لأن أمثال هذه المخالفات لا يخلو منها قانون، ولا يسلم منها حكم من الأحكام، وإلا لوجب أن نرفع اليد عن تشريع كثير من الأحكام الهامة، والرئيسية حتى الصلاة، والصوم، والطلاق، وتعدد الزوجات، بل وسائر الأحكام، لمجرد أن البعض يحاول أن يسيء الاستفادة منها، واستخدامها لخداع الناس مثلاً لتحقيق أهداف شخصية..
وهذا مما لا يمكن المصير إليه ولا المساعدة عليه، أو الالتزام به من أي مقنن، أو مشرع على الإطلاق.
كثرة الزنا:
قد تقدم: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد قال: إنه لولا تحريم
________________________________________ الصفحة 371 ________________________________________
عمر للمتعة ما زنا إلا شقي ـ أو إلا شقى ـ وإذا شاع الزنا في الناس فتلك هي الكارثة في الدنيا والآخرة، إذ لا شك في أن للطاعات والمعاصي تأثيراتها في حياة الناس، بل حتى في النبات والشجر، وفي الهواء والماء وما إلى ذلك.
ولعل في قوله تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس). إشارة إلى ذلك.
وقد ورد في الحديث الشريف: «إذا كثر الزنا كثر موت الفجأة».
وقد ذكرت رويترز: أنه قد صدرت في لندن 9 تشرين الثاني عام 2001 إحصائية حكومية تقول:
إن الأطفال الذين هم خارج علاقة الزواج في إنكلترا وويلز أكثر عرضة للوفاة قبل بلوغ العام الأول عن عن المواليد الذين يولدون على فراش الزوجية. وقال مكتب الإحصاءات القومية: إن معدل وفيات الأطفال الرضع الذين يولدون عن طريق الزنا.. كان أعلى بنسبة 45% بالمئة عن المواليد الذين يولدون لأبوين متزوجين. إذن فالكلمات التي تنشيء عقد الزوجية تأثيرها حتى في الموت وفي الحياة.. وحتى لو كانت طريقة العقد ليست هي الطريقة المقبولة شرعاً.. فهل من مذّكر ومعتبر؟!..
________________________________________ الصفحة 372 ________________________________________
________________________________________ الصفحة 373 ________________________________________
كلمة أخيرة:
تلك هي مسألة المتعة، التي شرعها الله سبحانه وتعالى، لحل مشكلة الجنس وارجو أن أكون قد وفقت لإعطاء صورة واضحة عن حقيقة هذا التشريع، وعن كل ظروفه وتفاصيله، وما قيل ويقال حوله..
وأعتقد أن القارئ الكريم، بعد هذه الجولة، سوف يكون مقتنعاً معي بأن هذا التشريع هو في صميم الإسلام، ومن مفاخره، كما أنه من آيات شموله، وعظمته، وفهمه العميق لكل مشاكل الإنسان وحالاته وآلامه، وحاجاته.
وما أظن إلا أننا الآن أحوج من أي وقت مضى إلى العودة إلى تعاليم الإسلام وتشريعاته العظيمة، والرائدة، ولعل شبابنا اليوم أصبح يتفهم بعمق كل ما هو حيوي، وأصيل، ورضي،
________________________________________ الصفحة 374 ________________________________________
وجميل، وأصبح أكثر إحساساً بقيمة هذا التشريع من بعض أولئك الذين عاشوا في صدر الإسلام.. بسبب ما يواجهه من تعقيدات الحضارة ومشاكلها الكبيرة، والكثيرة، والخطيرة.
وفقنا الله لفهم هذا الدين القيم الحنيف، ووعي تشريعاته، وأحكامه، بعيداً عن مزالق الجهل، والتعصب الأعمى، الذي طغى، ولا يزال على رأي وفكر، وعقول الكثيرين ممن كانوا ولا يزالون يعيشون هذه الدوامة القاتلة، ولا ينظرون إلى الإسلام بروح صافية، وعقلية مستقيمة..
والله هو الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
21 رجب 1408 هـ. ق الموافق 20 ـ 12 ـ 1366 هـ. ش
جعفر مرتضى العاملي
التعلیقات