عصمة أهل البيت ع
العصمة
منذ 15 سنة
عصمة أهل البيت ع
السؤال : لقد سألني صديق لي وهو سني لمإذا تقولون أنّ أئمة أهل البيت عليهم السلام معصومون ؟ وأنا لم أستطع أن أعطه الإجابة الوافية ، أرجو منكم أن تتكرموا لي في الإجابة عن هذا السؤال .
الجواب: من سماحة الشيخ محمّد السند
إنّما اعتقدنا بعصمة أئمة أهل البيت عليهم السلام لدلالة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على ذلك ، فذكر بعضاً منها هنا ـ كنماذج ـ والبقية تطلب من الكتب الكلامية :
1 ـ منها قوله تعالى:{ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}( سورة الأحزاب/33).
ومفاد الآية هو : أنّ إرادة الباري تعالى تعلقت بإبعاد الرجس عنهم وتطهيرهم ، وليست هذه الإرادة تشريعية أي بمعنى الإرادة التي في الأوامر الشرعية والأحكام التشريعية .
بل هي نظير قوله تعالى في عصمة النبي يوسف (ع) :{ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}( سورة يوسف/24).
فإنّ متعلق الإرادة في كل من الآيتين هو إبعاد الرجس عنهم لا إبعادهم عن الرجس ، أي : إنّ التصرف في الرجس وعدم السماح له بالاقتراب منهم .
ممّا يدلل على طهارة ذواتهم ، وقال تعالى في سورة الواقعة:{فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ}(الواقعة/75 ـ 81).
فأخبر بوجود المطهّرون في هذه الأمّة أمّة القرآن الكريم ، وأنّهم الذين ينالون بعلمهم وادراكهم حقيقة القرآن المكنونة في الغيب ، ولا يقتصرون في علمهم على التنزيل الذي بين الدفتين ، فهذه الطهارة في ذواتهم هي التي أهّلتهم لدرك غيب القرآن ، ومن البيّن أنّ هذه الطهارة هي طهارة من جميع الذنوب العملية ومن الذنوب القلبية ، كالشك والريب ، وهذه هي المناسبة لهذا الفضل العظيم من الله تعالى ، وهذه هي العصمة .
ومن ثمّ لم يتأهّل إلى هذا الفضل الأبرار وأهل التقوى ، لعدم تكاملهم إلى درجة الطهارة بمرتبة العصمة.
2 ـ وهذه الآية من سورة الواقعة هي بمفردها دليل ثانٍ على عصمتهم في العلم.
3 ـ ومنها : ما في سورة الحمد وفاتحة الكتاب ؛ إذ اشتملت في نصفها الأوّل على بيان التوحيد والصفات والمعاد والنبوة التشريعية بحصر العبادة به والاستعانة به ، ثمّ في النصف الثاني من السورة تؤكد على لزوم الاهتداء والاقتداء بصراط مستقيم لثلة من هذه الأمّة موصوفين بثلاث صفات :
الأولى : إنّهم منعم عليهم بنعمة خاصة إلهية ، وتخصيص النعمة بهم يفيد اصطفائهم ، كما في لسان بقية الآيات والسور الواردة في الإنعام على المصطفين من عباده .
الثانية : إنّهم غير مغضوب عليهم قط ، اي : معصومون في الجانب العملي ، وإلا لَما استحقوا أن يُهتدى بهم ويُقتدى بهم .
الثالثة:{وَلاَ الضَّالِّينَ }(الفاتحة/7). فلا يضلّوا أبدا قط ، اي : لهم العصمة من الله تعالى لدنية في العلم ، فلا تنتابهم الضلالة في مورد ، وإلا لما استحقوا أن يدعوا كل المسلمين يومياً عشر مرات في كل زمن إلى يوم القيامة أن يقتدوا ويهتدوا بصراطهم المستقيم .
فسورة الحمد الفاتحة تؤكد على وجود ثلة في هذه الاُمّة معصومة في العمل والعلم ، قد أنعم الله عليها بالاصطفاء والاجتباء ، وقد اشارت آية التطهير إلى تخصيص أهل البيت بذلك.
4 ـ ومنها : آية المودة:{ قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى }(الشورى/23) . فإنّ افتراض مودتهم بهذه الدرجة من الفريضة بحيث تُجعل أجراً على جهد تبليغ التوحيد والمعاد ومعرفة النبوة ، لا يتناسب مع كون هؤلاء المودودين ، وهم : علي وفاطمة وابناهما الحسن والحسين ، كما ورد عنه صلى الله عليه وآله في روايات الفريقين ، لا آل جعفر ولا آل عقيل ولا آل العباس وغيرهم من القربى ، لا تتناسب هذه الاهمية من الفريضة الكبرى مع كون المودودين غير معصومين يصحّ أن يضلّوا أو أن يزيغوا في العمل.
5 ـ ومنها : آية الفئ في سورة الحشر:{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ }(الحشر/7) ؛ فإنّ الفئ كما هو مقرر في الفقه هو غالب الأموال العامة ، والمنابع المالية في دولة وبلاد المسلمين ، وقد خصصت ولايته للّه وللرسول ولذي القربى ، فتكررت اللام في الله والرسول وذي القربى دون الثلاثة الأواخر للدلالة في اللام على الاختصاص والولاية ، وعللّ جعل هذه الولاية كي لا تكون الأموال العامة متداولة في لعبة واستئثار الأغنياء على حساب الفقراء ، أي ولاية الله ورسوله وذي القربى على الأموال العامة هي الكفيلة بإقامة وتحقق العدالة المالية ، وهذا التعليل لا يتم إلا إذا كان ذوو القربى معصومون في العلم والعمل ، كما قال يوسف ( ع ) لعزيز مصر : {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}(يوسف/55) ؛ فإنّ التدبير العادل في الأموال العامة لا يتم إلا بالعلم النافذ بالبرامج والقوانين والأحكام الشرعية الكفيلة بنظام مالي اقتصادي عادل لا يخطأ في إصابة العدل لكافة أفراد الأمّة في كافة الأزمنة والاحوال المختلفة ، ومن البيّن أنّ لتوفّر مثل هذا لا بُدّ أن يكون بتوسط تسديد إلهي متصل ، أي يكون العلم لدنياً من قبله تعالى ، وهو العصمة في العلم ، كما أن ذلك لا يتم إلا بالاستقامة في العمل والأمانة البالغة حدّ العصمة في العمل ؛ إذ لولا ذلك لتنازعت الوالي نزعات مختلفة من الهوى أوالعصبية أو غيرها من النزوات .
وهذه الآية من سورة الحشر تنبئ عن ملحمة مستقبلية ، وهي من الملاحم القرآنية الخالدة ، وهي أنّ العدالة المالية لن تقام في الأمّة الإسلامية إلا بتولّي ذوي القربي ، وهم علي وولده زمام الأمور ، وهذا ما قد حصل ؛ فإنّ التفرقة في عطاء بيت المال ، وتوزيع مراكز القدرة قد ساد في العهود التي سبقت خلافة علي عليه السلام ، وكذلك في ظل عهد بني أمية وبني العباس وإلى يومنا هذا .
ونكتفي بهذا القدر من الآيات ، ولنذكر واحد من الأحاديث النبوية المتواترة في أهل البيت الدالة على عصمتهم ممّا يتفطن به اإلى دلالة البقية.
منها : حديث الثقلين : « إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي » كما في عدة من الصحاح عدا البخاري ..
فإنّ مقتضى العدلية ، وكون أهل البيت أعدال الكتاب هو : اتصافهم بأوصاف الكتاب ، وإلا لما كان للمعية ، وأنّهما : لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، معنىً مُحصّل ، وأحد أهم أوصاف الكتاب ، هو الحجية الناشيءة من : {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ}(فصلت/42) ، أي عصمته العلمية ، فكذلك هم عليهم السلام ، ولا بُدّ ان يكونوا كذلك في العمل ، وإلا لحصل الافتراق ، كما أنّه مقتضى عموم التمسك بهم عليه السلام هو العصمة في العلم والعمل ، وإلا لما صح التمسك بهم على نحو العموم .
التعلیقات