هل الأنبياء عليهم السلام وقعوا تحت تأثير السحر ؟
الشيخ باقر الإيرواني
منذ 15 سنةالسؤال :
ربّما يستدلّ البعض على جواز تأثير السحر على النبي محمّد صلّى الله عليه وآله ، كما ورد في صحيحي البخاري ومسلم برواية عائشة ، أنّه صلّى الله عليه وآله كان « يخيل إليه » أنّه كان يفعل الشيء.
وما فعله بآية موسى عليهم السلام ، وهو من سورة طه المباركة : ( فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ ) (1).
وأنّه ترتّب على تأثير السحر بموسى عليه السلام ، وهو التخيّل وعدم إراءة الواقع على حقيقته ، وإيجاد الخوف الخفيف بقوله : ( فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ ) (2).
وإنّ أوّل هذا الخوف بشيء يرفع الحرج عن موسى عليه السلام ، فيردّه قوله تعالى : ( قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ ) (3).
وهنا نهي صريح ، وقد قال تعالى في موضع آخر : ( سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ ) (4).
فالجمع بين هذه الآيات ينتج عن أنّه :
1 ـ وقع سيّدنا موسى عليه السلام تحث تأثير السحر.
2 ـ حصلت لموسى عليه السلام الحالة المطلوبة من السحر « الرهبة » ولو بأضعف مراتبها.
3 ـ رأى الحبال والعصي على غير حقيقتها المطابقة لواقعها.
هذا زعمهم وأرجو إفادتي بالحقّ.
الجواب :
ليس المقصود من ( يُخَيَّلُ ) أنّ موسى كان يتصوّر خطأ ، أنّ ما قام به السحرة قضيّة حقيقيّة ومطابقة للواقع ، حتّى يكون ذلك منافياً لمقام النبوّة ، بل المقصود أنّه كان يدرك إدراكاً قاطعاً إنّ ما أتوا به هو السحر ، ولكن حينما نظر إلى الحيّة ، لاحظها كأنّها تسعى مع علمه بأنّها لا تسعى ، وهذا لا يضرّ بمقام النبوّة.
بخلاف ما نقلته عائشة عن النبي صلّى الله عليه وآله ، حيث نقلت أنّه كان النبي صلّى الله عليه وآله يتصوّر فعله للشيء ، ولا يدري أنّه لم يفعله ، وهذا يتنافى ومقام النبوة .
والقرينة على أنّ المقصود في حقّ موسى ما أشرنا إليه أمران :
1 ـ إنّ الآية الكريمة نسبت التخيّل إلى موسى فقط ، ولم تنسبه إلى جميع الحاضرين ، حيث قالت : ( يُخَيَّلُ إِلَيْهِ ) ولم تقل : يخيّل إليهم ، في الوقت الذي نجد آية 116 من الأعراف تقول : ( فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ).
2 ـ إنّ الآية لم تقل تخيّل موسى بل قالت يخيّل إليه ، أي يصوّر إليه أنّها تسعى ، وإن كان يدري هو أنّها لا تسعى.
وأمّا قوله تعالى : ( فَأَوْجَسَ ... ) ؛ فالمقصود منه خاف موسى من وقوع الناس تحت تأثير الموقف عليهم إلى حدّ يصعب معه إرجاعهم إلى الحقّ ، أو المقصود خاف أن يتركه الناس في الميدان قبل أن يقوم بدوره في إظهار معجزته.
وإلى هذا يشير الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : لَمْ يُوجِسْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ خِيْفَةً عَلَى نَفْسِهِ ، بَلْ أَشْفَقَ مِنْ غَلَبَةِ الْجُهَّالِ وَدُوَلِ الضَّلالِ ... (5)
إنّ هذا هو المقصود ، وليس المقصود أنّ موسى خاف من السحر حقيقة.
الهوامش
1. طه : 66.
2. طه : 67.
3. طه : 68.
4. الأعراف : 116.
5. نهج البلاغة / الخطبة رقم : 4.
التعلیقات