مدى صحة المناظرة الواقعة بين الإمام الصادق عليه السلام مع أحد الرافضة
السيد علي الميلاني
منذ 15 سنةالسؤال :
هذه مناظرة بين الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه مع أحد الرافضة ، وتوجد منها نسختان :
النسخة الأولى : نسخة تركيا في خزانة شهيد علي باشا باستنبول ضمن مجموع رقمه 2764 حوى عدة رسائل في العقيدة والحديث ، هذه الرسالة الحادية عشرة منه.
النسخة الثانية : نسخة الظاهرية وقد وقعت ضمن مجاميعها في المجموع رقم 111 ، وهي الرسالة التاسعة عشر منه.
محقق الكتاب : علي بن عبدالعزيز العلي آل شبل. الناشر : دار الوطن ـ السعودية ـ الرياض
نص الرسالة :
بسم الله الرحمن الرحيم
حدثنا الشيخ الفقيه أبو القاسم عبد الرحمن بن محمّد بن محمّد بن سعيد الأنصاري البخاري ـ قراءة عليه بمكة حرسها الله سنة خمس وثلاثين وأربعمائة ، قال : أخبرنا أبو محمّد عبد الله بن مسافر ، قال أخبرنا أبو بكر بن خلف بن عمر بن خلف الهمذاني ، قال حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن أزمة ، قال : حدثنا أبو الحسن بن علي الطنافسي ، قال : حدثنا خلف بن محمّد القطواني ، قال : حدثنا علي بن صالح.
قال : جاء رجل من الرافضة إلى جعفر بن محمّد الصادق كرم الله وجهه ، فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فرد عليه السلام.
فقال الرجل : يا بن رسول الله من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ؟.
فقال جعفر الصادق رحمة الله عليه : أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
قال : وما الحجة في ذلك ؟
قال : قوله عزّ وجلّ : ( إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّـهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا ) [ التوبة : 40 ] ، فمن يكون أفضل من اثنين الله ثالثهما ؟ وهل يكون أحد أفضل من أبي بكر إلّا النبي صلّى الله عليه وآله ؟ !
ـ قال له الرافضي : فإنّ علي بن أبي طالب عليه السلام بات على فراش النبي صلّى الله عليه وآله غير جزع ولا فزع.
فقال له جعفر : وكذلك أبو بكر كان مع النبي صلّى الله عليه وآله غير جزع ولا فزع.
ـ قال له الرجل : فإنّ الله تعالى يقول بخلاف ما تقول !
قال له جعفر : وما قال ؟
قال : قال الله تعالى : ( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا ) فلم يكن ذلك الجزع خوفاً ؟
ـ في نسخة الظاهرية « أفلم يكن .. » ـ
قال له جعفر : لا ! لأنّ الحزن غير الجزع والفزع ، كان حزن أبي بكر أن يقتل النبي صلّى الله عليه وآله ، ولا يدان بدين الله ، فكان حزن على دين الله وعلى نبي الله صلّى الله عليه وآله ، ولم يكن حزنه على نفسه ، كيف وقد ألسعته أكثر من مئة حريش ، فما قال : حس ولا ناف !
قال الرافضي : فإنّ الله تعالى قال : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) [ المائدة : 55 ] ، نزل في علي بن أبي طالب حين تصدق بخاتمه وهو راكع ، فقال النبي صلّى الله عليه وآله : « الحمد لله الذي جعلها في وفي أهل بيتي ».
فقال له جعفر : الآية التي قبلها في السورة أعظم منها ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) [ المائدة : 54 ] ، وكان الارتداد بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله ؛ ارتدّت العرب بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، واجتمعت الكفّار بنهاوند وقالوا : الرجل الذين كانوا ينتصرون به ـ يعنون النبي ـ قد مات ، حتى قال عمر رضي الله عنه : اقبل منهم الصلاة ودع لهم الزكاة ، فقال : لو منعوني عقالاً ممّا كانوا يؤدون إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله لقاتلتهم عليه ولو اجتمع عليّ عدد الحجر والمدر والشوك والشجر والجنّ والإنس لقاتلتهم وحدي. وكانت هذه الآية أفضل لأبي بكر.
قال له الرافضي : فإنّ الله تعالى قال : ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ) [ البقرة : 274 ] ، نزلت في علي عليه السلام كان معه أربعة دنانير فأنفق ديناراً بالليل وديناراً بالنهار ، وديناراً سراً وديناراً علانية ، فنزلت فيه هذه الآية.
فقال له جعفر عليه السلام : لأبي بكر رضي الله عنه أفضل من هذه في القرآن :
قال الله تعالى : ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ ) [ الليل : 1 ] ، قسم الله.
( وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ ) [ الليل : 2 ـ 6 ] ، أبو بكر.
( فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ ) [ الليل : 7 ] ، أبو بكر.
( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ) [ الليل : 17 ] ، أبو بكر.
( الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ ) [ الليل : 18 ] ، أبو بكر.
( وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ * وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ ) [ الليل : 19 ـ 21 ] ، أبو بكر.
أنفق ماله على رسول الله صلّى الله عليه وآله أربعين ألفاً حتّى تجلل بالعباء ، فهبط جبريل عليه السلام فقال : الله العلي الأعلى يقرئك السلام ، ويقول : اقرأ على أبي بكر منّي السلام ، وقل له أراض أنت عنّي في فقرك هذا أم ساخط ؟ فقال : أسخط على ربّي عزّ وجلّ ؟! أنا عن ربّي راض ، أنا عن ربّي راض ، أنا عن ربّي راض. ووعده الله أن يرضيه ».
قال الرافضي : فإن الله تعالى يقول : ( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ۚ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) [ التوبة : 19 ] ، نزلت في علي عليه السلام ».
فقال له جعفر عليه السلام : لأبي بكر مثلها في القرآن ، قال الله تعالى : ( لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّـهُ الْحُسْنَىٰ ) [ الحديد : 10 ]. وكان أبو بكر أوّل من أنفق ماله على رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأوّل من قاتل ، وأوّل من جاهد. وقد جاء المشركون فضربوا النبي صلى الله عليه وآله حتى دمي ، وبلغ أبي بكر الخبر فأقبل يعدو في طرق مكة يقول : ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ، وقد جاءكم بالبينات من ربكم ؟ فتركوا النبي صلّى الله عليه وآله وأخذوا أبا بكر فضربوه ، حتى ما تبين أنفه من وجهه. وكان أوّل من جاهد في الله ، وأوّل من قاتل مع رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وأوّل من أنفق ماله ، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ما نفعني مال كمال أبي بكر.
قال الرافضي : فإنّ علياً لم يشرك بالله طرفة عين.
قال له جعفر : فإنّ الله أثنى على أبي بكر ثناءً يغني عن كلّ شيء ، قال الله تعالى : ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ ـ محمّد صلى الله عليه وآله ـ وَصَدَّقَ بِهِ ـ أبوبكر ـ ) [ الزمر : 33 ].
وكلّهم قالوا للنبي صلّى الله عليه وآله : كذبت ، وقال أبو بكر : صدقت ، فنزلت فيه هذه الآية : آية التصديق خاصّة ، فهو التقي النقي المرضي الرضي ، العدل المعدل الوفي.
قال الرافضي : فإنّ حبّ علي فرض في كتاب الله ؛ قال الله تعالى : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) [ الشورى : 23 ].
قال جعفر : لأبي بكر مثلها ؛ قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) [ الحشر : 10 ]. فأبو بكر هو السابق بالإيمان ، فالاستغفار له واجب ، ومحبّته فرض ، وبغضه كفر.
قال الرافضي : فإنّ النبي صلّى الله عليه وآله قال : الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة ، وأبوهما خير منهما .
قال له جعفر : لأبي بكر عند الله أفضل من ذلك ؛ حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال : كنت عند النبي صلّى الله عليه وآله وليس عنده غيري ، إذ طلع أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، فقال النبي صلّى الله عليه وآله : يا علي ! هذان سيّدا كهول أهل الجنّة وشبابهما ـ في الظاهريّة شبابهم ـ في ما مضى من سالف الدهر في الأوّلين ، وما بقي في غابره من الآخرين ، إلا النبيين والمرسلين ، لا تخبرهما يا علي ماداما حيين ، فما أخبرت به أحداً حتى ماتا.
قال الرافضي : فأيّهما أفضل : فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أم عائشة بنت أبي بكر ؟
فقال جعفر : ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ * يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ) [ يس : 1 ـ 2 ] ، ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ * حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ) [ الزخرف و الدخان : 1 ـ 2 ].
فقال : أسألك أيّهما أفضل : فاطمة ابنة النبي صلّى الله عليه وآله ، أم عائشة بنت أبي بكر ، تقرأ القرآن ؟ !
فقال له جعفر : عائشة بنت أبي بكر زوجة رسول الله صلّى الله عليه وآله معه في الجنّة ، وفاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله سيّدة نساء أهل الجنّة. الطاعن على زوجة رسول الله صلّى الله عليه وآله لعنه الله ، والباغض لابنة رسول الله خذله الله.
فقال الرافضي : عائشة قاتلت علياً ، وهي زوجة رسول الله صلّى الله عليه وآله.
فقال له جعفر : نعم ، ويلك قال الله تعالى : ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّـهِ ) [ الأحزاب : 53 ].
قال له الرافضي : توجد خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي في القرآن ؟.
قال : نعم ، وفي التوراة والإنجيل ؛ قال الله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ) [ الأنعام : 165].
وقال تعالى : ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ) [ النمل : 62 ].
وقال تعالى : ( لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ ) [ النور : 55 ].
قال الرافضي : يا بن رسول الله ! فأين خلافتهم في التوراة والإنجيل ؟
قال له جعفر : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ـ أبو بكر ـ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ـ عمر بن الخطاب ـ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ـ عثمان بن عفان ـ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا ـ علي بن أبي طالب ـ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ـ أصحاب محمّد المصطفى صلّى الله عليه وآله ـ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ ) [ الفتح : 29 ].
قال : ما معنى في التوراة والإنجيل ؟.
قال : محمّد رسول الله والخلفاء من بعده أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.
ثمّ لكزه في صدره !
قال : ويلك ! قال الله تعالى : ( كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ ـ أبو بكر ـ فَاسْتَغْلَظَ ـ عمر ـ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ ـ عثمان ـ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ـ علي بن أبي طالب ـ وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ـ أصحاب محمّد رسول الله صلى الله عليه وآله رضي الله عنهم ـ ) [ الفتح : 29 ].
ويلك ! حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن علي بن أبي طالب ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أنا أوّل من تنشق الأرض عنه ولا فخر ، ويعطيني الله من الكرامة ما لم يعط نبي قبلي ، ثمّ ينادي : قرّب الخلفاء من بعدك ، فأقول : يا ربّ ومن الخلفاء ؟ فيقول : عبد الله بن عثمان أبو بكر الصديق ، فأوّل من تنشق عنه الأرض بعدي أبو بكر ، فيوقف بين يدي الله ، فيحاسب حساباً يسيراً ، فيكسى حلتين خضراوتين ، ثمّ يوقف أمام العرش.
ثمّ ينادي منادٍ : أين عمر بن الخطاب ؟ فيجيء عمر وأوداجه تشخب دماً ، فيقول : من فعل بك هذا ؟ فيقول : عبد المغيرة بن شعبة. فيوقف بين يدي الله ، ويحاسب حساباً يسيراً ، ويكسى حلتين خضراوتين ، ويوقف أمام العرش.
ثمّ يؤتى عثمان بن عفان وأوداجه تشخب دماً ، فيقال : من فعل بك هذا ؟ فيقول : فلان بن فلان. فيوقف بين يدي الله ، فيحاسب حساباً يسيراً ، ويكسى حلتين خضراوتين ، ثمّ يوقف أمام العرش.
ثمّ يدعى علي بن أبي طالب فيأتي وأوداجه تشخب دماً ، فيقال : من فعل بك هذا ؟ فيقول : عبدالرحمن بن ملجم. فيوقف بين يدي الله ، ويحاسب حساباً يسيراً ، ويكسى حلتين خضراوتين ، ويوقف أمام العرش.
قال الرجل : يا بن رسول الله ! هذا في القرآن ؟.
قال : نعم ، قال الله تعالى : ( وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ ـ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ـ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) [ الزمر : 69 ].
فقال الرافضي : يا بن رسول الله ! أيقبل الله توبتي ممّا كنت عليه من التفريق بين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ؟.
قال : نعم ، باب التوبة مفتوح ، فأكثر من الاستغفار لهم ، أمّا انّك لو متّ وأنت مخالفهم متّ على غير فطرة الإسلام ، وكانت حسناتك مثل أعمال الكفّار هباءً منثوراً.
فتاب الرجل ورجع عن مقالته وأناب.
الجواب :
إنّ أهل العلم يعلمون بأنّ من أولى قواعد البحث وأصول المناظرة حجيّة الكلام المحتجّ به عند الطرف الآخر المحتجّ عليه ، وإلّا فلا يجوز الاحتجاج ؛ وقد نصّ على هذا أئمّة الفنّ في كتب هذا الشأن ، وصرّح به أكابر العلماء كابن حزم الاندلسي الحافظ في كتابه « الفصل » ؛ فهذه هي القاعدة العامّة.
وبالنسبة إلى هذه الرسالة ، فإنّها موضوعة مكذوبة عند الإماميّة ، فلا يجوز لأحد أن يحتجّ بها عليهم ، بل إنّها عند أهل السُنّة أيضاً غير ثابتة. فإنّا لمّا وقفنا عليها منذ مدّة مديدة ، راجعنا سندها في كتب القوم ، فلم نجد لهم فيها ذكراً ، فهي بلا سند معتبر حتّى عندهم أيضاً ، فكيف يحتجّون بها على الإماميّة ؟
ثمّ إنّ قائل : « حدّثنا الشيخ الفقيه » ، في أوّل الرسالة ، من هو ؟
والذي تمّت كتابته على يده المذكور في آخرها من هو ؟
هذا ، ولا يخفى أنّه يكفي بسقوط الخبر عن الاعتبار عدم وثاقة واحد من رجاله.
إنّه ـ لهذه النقاط وغيرها ـ لم نهتمّ بهذه الرسالة حين وقفنا عليها في السابق ، ولا يهتمّ بها عاقل له أقلّ حظّ من العلم والفهم !!
وأمّا الكلام على مطالب هذه الرسالة ومواضيعها فله مجال آخر ، ويأتي دوره بعد البحث والتحقيق عن سند الرسالة ؛ فعلى من يحتجّ بهذه الرسالة علينا ، إمّا إثبات صحّة سندها المذكور في أوّلها حتّى نباحث في مواضيعها ، وإمّا الإقرار بكذبها ووضعها ، ثمّ طرح مطالبها من غير أن تنسب إلى الإمام عليه السلام ، وحينئذ لا مانع من البحث معه فيها والجواب عمّا جاء فيها كأيّ سؤال آخر يصلنا ونجيب عنه.
التعلیقات