هل هناك أدلّة عقليّة ونقليّة تفيد بأنّ الأئمّة من أبناء الحسين عليهم السلام من مصاديق آية التطهير ؟
الشيخ محمد السند
منذ 15 سنةالسؤال :
أجمع معظم علماء المسلمين المعتد برأيهم على أنّ آية التطهير قد نزلت في الخمسة المطهّرين : « رسول الله وعلي والزهراء والحسنين صلوات الله عليهم ».
السؤال : هل هناك أدلّة عقليّة ونقليّة تفيد بأنّ باقي الأئمّة من أبناء الحسين عليه السلام من مصاديق هذه الآية ؟
وما معنى الإرادة في الآية ؟ هل هي تشريعيّة أم تكوينيّة ؟
الجواب :
هناك العديد من الأدلّة تفيد كون باقي أئمّة أهل البيت من مصاديق آية التطهير ، نذكر عدّة منها :
الأوّل : حديث الثقلين المتواتر في طرق الفريقين : « ولَن يتفرقا حتّى يردا عليّ الحوض » (1) ، فإن معية وتقارن الكتاب وأهل البيت ، ولزوم التمسّك بكلّ منهما يقتضي إحاطة أهل البيت بكلّ القرآن وكل بطونه وإلّا لحصل الافتراق ، ولا يحيط بالقرآن كلّه إلّا المطهّر بمقتضى قوله تعالى : ( فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * أَفَبِهَـٰذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ ) (2).
فالقرآن بجميع حقائقه في كتاب هو مكنون محفوظ في كنّ أن يصل إليه أحد إلّا المطهّرون ، وقد نزّل ألفاظه تعالى على لسان رسوله ومن ثمّ في المصحف المدوّن الشريف ، فأهل البيت المقرونون واللازمون للقرآن في كلّ مورد لا بدّ أن يكونوا مطهّرين ، فيكونون مصداق آية التطهير : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ... ) (3).
الثاني : إنّه بمقتضى مفاد حديث الثقلين المتواتر الوارد في التنصيص على الشكل الثاني تارة بلسان « عترتي » واُخرى بلسان « أهل بيتي » ، وأنّهما معاً ، أيّ أنّ أهل البيت لا يزالون ما لم يزل القرآن ؛ وهذا يفسّر أنّ عنوان واسم أهل البيت مصاديقه باقية إلى يوم القيامة مقروناً بالقرآن ، وأنّ المراد بأهل البيت في آية التطهير هم باقي الأئمّة أبناء الحسين عليهم السلام أيضاً.
الثالث : حديث السفينة المتواتر : « مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق » (4).
وهذا الحديث هو الآخر يفسّر أنّ عنوان واسم أهل البيت يشمل غير أصحاب الكساء من باقي الأئمّة أبناء الحسين عليه السلام لعموم بقائهم كسفينة نجاة في أجيال وأزمنة هذه الاُمّة.
الرابع : إنّه قد تواتر في طرق الفريقين عن النبي صلّى الله عليه وآله أنّ المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف من أهل بيتي وأنّه يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً. (5)
وهذا تنصيص من النبي صلّى الله عليه وآله على أنّ باقي الأئمّة من ولد الحسين إلى المهدي القائم عجّل الله تعالى فرجه الشريف هم من أهل بيته من مصاديق هذا العنوان والاسم في آية التطهير.
الخامس : روي في دلائل النبوة للبيهقي ، والحكيم الترمذي ، والطبراني ، وابن مردويه ، وأبو نعيم جميعهم ، عن ابن عبّاس ـ راجع الدرّ المنثور ـ قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إنّ الله عزّ وجلّ قسم الخلق قسمين ، فجعلني في خيرهما قسماً ـ إلى أن قال : ـ ثمّ جعل القبائل بيوتاً ، فجعلني في خيرها بيتاً ، فذلك قوله : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) ، فأنا وأهل بيتي مطهّرون من الذنوب. (6)
وظاهر الحديث كما هو واضح عموم أهل بيته من سلالته صلّى الله عليه وآله. وهناك غيرها من الأدلّة لا يسعها المقام وفي ما تقدّم كفاية.
أمّا الإرادة في الآية فهي تكوينيّة لا تشريعيّة ، وهي في الوقت الذي لا يتخلّف المراد فيها عن الإرادة الإلهيّة التكوينيّة ، فهي لا توجب زوال عنصر الاختيار عن المطهّر المعصوم من الذنوب ، وذلك لكون حقيقة العصمة راجعة إلى العلم اللدني بحقائق الأمور بنحو تتكشف الواقعيّات ، فلا يزل عن الصراط المستقيم ، نظير العلم الضروري الموجود في كل شخص منّا بأنّ الكهرباء قاتلة فإنّه يعصمنا عن وضع جزء من أجسامنا متصلاً بالكهرباء ، وإن لم يفقدنا عنصر الاختيار.
الهوامش
1. سنن الترمذي / المجلّد : 5 / الصفحة : 663 / الحديث 3788 / الناشر : دار احياء التراث العربي ـ بيروت.
2. الواقعة : 75 ـ 81.
3. الأحزاب : 33.
4. تاريخ بغداد / المجلّد : 12 / الصفحة : 91 / الناشر : دار الكتاب العربي ـ بيروت.
مناقب الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام / المجلّد : 1 / الصفحة : 296 / الناشر : مجمع احياء الثقافة الاسلاميّة ـ قم.
5. عقد الدرر في أخبار المنتظر (عج) / الصفحة : 39 / الناشر : انتشارات نصايح.
بحار الأنوار / المجلّد : 56 / الصفحة : 96 / الناشر : مؤسسة الوفاء ـ بيروت.
6. الدر المنثور / المجلّد : 12 / الصفحة : 42 ـ 43 / الناشر : مركز هجر للبحوث والدراسات العربية والاسلامية.
التعلیقات