مناظرة أمير المؤمنين عليه السلام مع الزبير في حديث العشرة المبشرة بالجنة
في العقائد
منذ 15 سنةعن سليم بن قيس الهلالي قال : لما التقى أمير المؤمنين عليه السلام أهل البصرة يوم الجمل نادى الزبير : يا أبا عبدالله أخرج إلي ؟ فخرج الزبير ومعه طلحة ، فقال لهما : والله إنكما لتعلمان ، وأولوا العلم من آل محمد ، وعائشة بنت أبي بكر ، أنّ كلّ أصحاب الجمل ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وآله ، وقد خاب من افترى !!
قالا له : كيف نكون معلونين ، ونحن أصحاب بدر وأهل الجنّة ؟ !
فقال لهما علي عليه السلام : لو علمت أنكم من أهل الجنة لما استحللت قتالكم ؟ !
فقال له الزبير : أما سمعت حديث سعيد بن عمرو بن نفيل وهو يروي : أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : « عشرة من قريش في الجنة » (2) فقال له علي عليه السلام : سمعته يحدث بذلك عثمان في خلافته ؟
فقال له الزبير : أفتراه كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله ؟
فقال له علي عليه السلام : لست أخبرك بشيء حتى تسميهم ؟!
قال الزبير : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وسعيد بن عمرو بن نفيل.
فقال له علي عليه السلام : عددت تسعةً فمن العاشر ؟
قال له : أنت.
فقال له علي عليه السلام : قد أقررت أني من أهل الجنة ، وأما ما ادعيت لنفسك وأصحابك فأنا به من الجاحدين الكافرين.
قال له الزبير : أفتراه كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال عليه السلام : ما أراه كذب، ولكنه والله ، اليقين...الخ (3).
وممّا روي في محاورتهما أيضاً يوم الجمل ما ذكره أبو الفرج بن الجوزي بسنده عن عبد السلام ـ رجل من حية ـ قال : خلا علي عليه السلام بالزبير يوم الجمل فقال : أنشدك الله ؟ هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأنت لاوي يدي سقيفة بني فلان: لتقاتلنه وأنت ظالم له ؟ ثمّ لينصرنّ عليك ؟!
ثمّ قال : قد سمعته لا جرم ، لا أقاتلك !
ومن طريق آخر بسنده عن أبي جرو المازني قال : سمعت علياً عليه السلام وهو ناشد الزبير ، فقال : أنشدك الله يا زبير ، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إنك تقاتلني وأنت ظالم ؟ !
قال : بلى ، ولكني نسيت (4)
وفي رواية اُخرى قال له : نشدتك الله ! أتذكر يوم مررت بي ورسول الله صلى الله عليه وآله متكىء على يدك ، وهو جاءٍ من بني عوف ، فسلّم عليَّ وضحك في وجهي، فضحكت إليه ، لم أزده على ذلك ، فقلت : لا يترك ابن أبي طالب يا رسول الله زهوه ! فقال لك : مه إنه ليس بذي زهو ، أما إنك ستقاتله وأنت له ظالم!!
فاسترجع الزبير وقال : لقد كان ذلك ، ولكن الدهر أنسانيه ، ولاَنصرفن عنك، فرجع. (5)
وفي رواية ثالثة عن أبي مخنف في كتاب الجمل ، قال : برز عليّ عليه السلام يوم الجمل ، ونادى بالزبير : يا أبا عبدالله، مراراً ، فخرج الزبير فتقاربا حتى اختلفت أعناق خيلهما ، فقال له علي عليه السلام : إنما دعوتك لاَذكِّرك حديثاً قاله لي ولك رسول الله صلى الله عليه وآله : أتذكر يوم رآك وأنت معتنقي ، فقال لك : أتحبه ؟ قلت : وما لي لا أحبّه وهو أخي وابن خالي ! فقال : أما إنّك ستحاربه وأنت ظالم له !
فاسترجع الزبير ، وقال : أذكرتني ما أنسانيه الدّهر ، ورجع إلى صفوفه.
فقال له عبدالله ابنه : لقد رجعت إلينا بغير الوجه الذي فارقتنا به !
فقال : أذكرني عليّ عليه السلام حديثاً أنسانيه الدهر ، فلا أحاربه أبداً ، وإني لراجع وتارككم منذ اليوم.
فقال له عبدالله : ما أراك إلاّ جبنت عن سيوف بني عبد المطلب ، إنّها لسيوف حداد ، تحملها فتية أنجاد.
فقال الزبير : ويلك ! أتهيجني على حربه ، أما إني قد حلفت ألاّ أحاربه !
قال : كفّر عن يمينك ، لا تتحدث نساء قريش أنك جبنت ، وما كنت جباناً؟!
فقال الزبير : غلامي مكحول حرّ ، كفّارة عن يميني (6) ثمّ انصل سنان رمحه، وحمل على عسكر علي عليه السلام برمح لا سنان له.
فقال علي عليه السلام : أفرجوا له ، فأنه مخرج ، ثمّ عاد إلى أصحابه ، ثمّ حمل ثانية، ثمّ ثالثة ، ثمّ قال لابنه : أجبنا ويلك ترى !
فقال : لقد أعذرت.
قال أبو مخنف : لما أذكر عليّ عليه السلام الزبير بما أذكره به ورجع الزبير ، قال :
| نادى عليُّ بـأمـر لستُ أنكره | 
* | 
وكان عمرُ أبيك الخير مـُذْ حينِ | 
| فقلت حسبك من عذلٍ أبا حسنٍ | 
* | 
بعض الذي قلت مُنذ اليوم يكفيني | 
| ترك الاَمور التي تخشى مغبتها | 
* | 
والله أمـثـلُ في الدنيا وفي الدين | 
| فاخترت عاراً على نار مؤجّجة | 
* | 
أنى يقومُ لـهـا خلقٌ من الطين | 
قال : لما خرج علي عليه السلام لطلب الزبير ، خرج حاسراً ، وخرج إليه الزبير دارعاً مدججاً ، فقال للزبير : يا أبا عبدالله ، قد لعمري أعددت سلاحاً ، وحبذا! فهل أعددت عند الله عذراً ؟ !
فقال الزبير : إنّ مردَّنا إلى الله ؟
قال علي  عليه السلام : ( يومئذٍ يُوفيهُمُ  الله دينهم الحقّ ويعلمون انّ الله هو الحق المبين ) (7) ثمّ أذكره الخبر ، فلما كرّ  الزبير راجعاً إلى أصحابه نادماً واجماً، رجع عليّ  عليه السلام إلى أصحابه  جدلاً مسروراً ، فقال له أصحابه : يا أمير  المؤمنين ، تبرز إلى الزبير حاسراً ، وهو شاكٍ في السلاح ، وأنت تعرف  شجاعته !
 
قال :  إنّه ليس بقاتلي ، إنّما يقتلني رجل خامل الذكر ، ضئيل النسب غيلةً في غير  مأقِطِ (8) حرب ، ولا معركة رجال ،  ويلُ امّهِ أشقى البشر ، ليودَّنّ أنّ أمّه هبلت به ! أما إنّه وأحمر ثمود  لمقرونان في قرن (9) . 
____________
  (1) هو : الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد القرشي ، كنيته أبو عبدالله  واُمّه صفية بنت عبد المطلب ،  فهو ابن عمّة رسول الله  صلى الله عليه وآله  وابن أخي خديجة الكبرى ، كان  من ناصري أمير المؤمنين  عليه السلام وشيعته قبل أن ينحرف عنه ويعاديه ،  فهو  أحد الاَربعة الذين استجابوا لاَمير المؤمنين  عليه السلام  لما دعاهم بعد  وفاة النبي  صلى الله عليه وآله  لاَخذ حقه ، روي عن سلمان انّه قال فيه :  وكان الزبير  أشدنا بصيرة في نصرته ، كما انّه وهب حقّه يوم الشورى لاَمير المؤمنين   عليه السلام  لما دختله من حمية النسب ، وهو أحد الذين شهدوا على  وصية فاطمة عليها السلام كما شهد دفنها ليلاً ، وهو الذي اخترط سيفه دفاعاً  عن أمير المؤمنين  عليه السلام  لما أخرج من منزله ملبباً حتى رموه بصخرة  فأصابت قفاه ، وسقط السيف من يده ، فأخذوه وكسروه ، هذا مع ما عرف عنه من  الشجاعة التي ظهرت في أيّام النبي  صلى الله عليه وآله  واشتراكه في  الغزوات معه ، وروي أن الزبير كان ممن أعير الاِيمان وكان إيمانه مستودعاً ،  فمشى في ضوء نوره ثمّ سلبه الله إياه ، وقد سعى ابنه عبدالله  في عدول أبيه عن أمير المؤمنين  عليه السلام  فكان سبباً في انحرافه عن  ناحية أهل البيت عليهم السلام ، وجاء عنه  عليه السلام  انّه قال : لا زال  الزبير منا حتى  أدرك فرخه ، وفي رواية اُخرى : ما زال الزبير منّا أهل البيت حتى شب ابنه  عبدالله ، قتله ابن جرموز غدراً في وادي السباع، وله خمس  وسبعون سنة ، وأتى عمرو علياً بسيف الزبير وخاتمه ، فقال علي  عليه السلام   : سيف طالما جلا الكرب عن وجه رسول الله  صلى الله عليه وآله .
 
راجع ترجمته في : سفينة البحار للقمي : ج 1 ص  543 ـ 545 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي  الحديد : ج 1 ص 231 ـ 236 وج 2 ص 167 ، سير أعلام النبلاء : ج 1 ص 41 ترجمة  رقم : 3 ،  الطبقات الكبرى لابن سعد : ج 3 ص 100 ، تهذيب الكمال للمزي : ج 9 ص 319  ترجمة رقم :  1971.
 (2) راجع : مسند أحمد بن حنبل : ج 1 ص 193 ، الجامع الصحيح للترمذي : ج 5 ص  605 ح  3747 وص 606 ح 3748 ، سنن أبي داود : ج 4 ص 212 ح 4649 ، الرياض النضرة  لمحب  الدين : ج 1 ص 34 ـ 35 ، المستدرك للحاكم : ج 3 ص 316 ـ 317 و 440 ، كنز  العمال : ج 11  ص 638 ح 33105 و 33106 وص 646 ح 33137 ، سلسلة الاَحاديث الصحيحة : ج 3 ص  419 ح 1435. وقد فند المأمون العباسي هذا الحديث كما جاء في مناظرته مع  العامة ، وقد قال  له أحدهم : إن النبي  صلى الله عليه وآله  شهد لعمر بالجنة في عشرة من  الصحابة ؟ فقال له المأمون : لو كان هذا كما زعمتم ، لكان عمر لا يقول  لحذيفة :  نشدتك بالله أمن المنافقين أنا ؟ فإن كان قد قال له النبي  صلى الله عليه  وآله  : أنت من أهل الجنة ولم يصدقه حتى زكّاه حذيفة فصدّق حذيفة ولم يصدق  النبي  صلى الله عليه وآله  فهذا على غير الإيلام ، وإن كان قد صدق النبي   صلى الله عليه وآله  فلم سأل حذيفة ؟ وهذان الخبران متناقضان في أنفسهما.  راجع عيون  أخبار الرضا  عليه السلام  : ج 1 ص 203 ، مناظرات في الاِمامة : ص 227  المناظرة الاَربعون. 
 
وراجع كلام العلامة الاَميني قدس سره حول  الحديث المذكور في كتابه الغدير : ج 10 ص 118 ـ  131 ح 37 فقد استوفى البحث حوله دلالة وسنداً.
 (3) الاِحتجاج للطبرسي : ج 1 ص 162 ، بحار الاَنوار : ج 32 ص 197 ح 147 و ص  216 ح  171 و ج 36 ص 324 ح 182.
 (4) العلل المتناهية لابن الجوزي : ج 2 ص 847 ـ 848 ح 1417 و 1418 ، تاريخ  الاُمم  والملوك: ج 4 ص 509 ، الكامل في التاريخ : ج 3 ص 240.
 (5) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2 ص 167.
 (6) قال همام الثقفي في فعل الزبير وما فعل وعتقه عبده في قتال علي  عليه  السلام :
 
|  أيعتــق مكحــــولاً ويعصــــي نبيّــــه | 
* | 
 لقد تاه عن قصــدالهــــدى ثمّ  عــــوق | 
|  أينــــوي بهذا الصــــدق والبر والتقــــى | 
* | 
سـيـعـلـم يـومـاً مـن يـبـر ويـصـدق   | 
|  لشتان مـا بيــــن الضـــلال والهــــدى | 
* | 
وشتان من يعصي النبي صلى الله عليه  وآله ويعتق  | 
|  ومـن هــــــــو في ذات الاِله مشمــــر | 
* | 
يكبــــر بــــراً ربّـــه ويصــــدق   | 
|  أخـي الحقّ أن يعصى النبي صلى الله عليه وآله سفاهة | 
* | 
ويعتـقمــــن عصيــــانه ويطلــــق | 
|  كدافــــق مــــاء للســــراب يؤمـــه | 
* | 
 ألاّ في ضلال مــــا  يصــــبويدفـــق | 
بحار الاَنوار : ج 32 ص 204 ح 158.
 (7) سورة النور : الآية 25.
 (8)المأقط : ساحة القتال.
 (9) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1 ص 233 ـ 235 ، البداية والنهاية :  ج 7 ص  240ـ241، الفتوح لابن أعثم: ج2 ص309 ـ 312، بحار الاَنوار: ج32 ص189 ح140.

التعلیقات
١