مناظرة شيخ من أهل البصرة مع يحيى بن أكثم في حكم المتعة
في الاحكام
منذ 15 سنةقال يحيى بن أكثم لشيخ البصرة : بمن اقتديت في جواز المتعة ؟
فقال : بعمر بن الخطاب .
فقال له : كيف وعمر كان أشدّ الناس فيها ! ؟
قال  : لاَن الخبر الصحيح أنّه صعد إلى المنبر  ، فقال  : إنّ الله  ورسوله  صلى الله عليه وآله  قد  أحلا لكما متعتين  ، وإنّي محرمهما عليكم أو اُعاقب عليهما(2)،  فقبلنا شهادته(3) ولم نقبل تحريمه(4). 
____________
  (1) هو  : أبو محمد يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن بن سمعان التميمي الاَسيدي  المروزي ، من ولد  أكثم بن صيفي حكيم العرب  ، ولد في مرو سنة 159 هـ  ، ذُكر من أصحاب  الشافعي  ، له عدّة  تصانيف  ، ولاّه المأمون قضاء البصرة سنة 202 هـ  ، ثم قضاء القضاة ببغداد   ، وأضاف إليه تدبير  مملكته  ، ولما مات المأمون وولي المعتصم عزله عن القضاء  ، فلزم بيته ولما  آل الاَمر إلى المتوكّل  ردّه إلى عمله  ، ثم عزله سنة 240 هـ  ، وأخذ أمواله  ، ثم ارتحل إلى مكة  ،  توفي في الربذة سنة 242  هـ . راجع ترجمته في  : وفيات الاَعيان لابن خلكان  : ج 6 ص 147 ترجمة رقم   : 147  ، تاريخ  بغداد للخطيب  : ج 14 ص 191 ترجمة رقم  : 7489  ، الاَعلام للزركلي  : ج 9  ص167  ، سفينة  البحار للقمّي  : ج 1 ص 367 .
 (2) تقدّمت تخريجاته .
 (3) إذ مما لا شك فيه إن حلال الله ورسوله حلال إلى يوم القيامة وحرامهما  حرام إلى يوم القيامة  ،  فعلى أي أساس يترك تشريع رسول الله  صلى الله عليه وآله  لها الذي هو بأمر  الله تعالى وقد قال في حق نبيه  الكريم  : ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى )  ويؤخذ بقول غيره  ، فيكون حينئذٍ  اجتهاد في مقابل النص ولذا أنكر بعض الصحابة على تحريم الخليفة للمتعة  ،  ولم يسوغوا الاَخذ  بقوله في قبال قول النبي  صلى الله عليه وآله   ، إذ أن في ذلك نقضاً لما  سنّه النبي وشرعه من الاَحكام الشرعية  ،  فهذا عبدالله بن عمر يسأله رجل من أهل الشام عن التمتع بالعمرة إلى الحج  فقال له  : هي حلال ،  فقال  : إنّ أباك قد نهى عنها  ، فقال له ابن عمر  : أرأيت إن كان أبي نهى  عما وضعها رسول الله  صلى الله عليه وآله   أأمر أبي نتبع أم أمر رسول الله  ، فقال الرجل  : بل أمر رسول الله (الجامع  الصحيح للترمذي  : ج 3  ص 185 ح 824) وكذلك ابن عباس لما قال بحلية المتعة  ، اعترض عليه جبير بن  مطعم وقال له   : كان عمر ينهى عنها  ، فقال له ابن عباس  : يا عُدَيّ نفسه  ، من ها هنا  ضللتم  ، اُحدّثكم عن رسول  الله  صلى الله عليه وآله  وتحدّثني عن عمر . (شرح نهج البلاغة لابن أبي  الحديد  : ج 20 ص 25) وروى  الخطيب البغدادي في تاريخه  : ج 14 ص 199 بسنده عن أبي العيناء  ، قال  :  كنّا مع المأمون في  طريق الشام  ، فأمر فنودي بتحليل المتعة  ، فقال لنا يحيى بن أكثم  :  بَكْرَّا غداً إليه فإن رأيتما  للقول وجهاً فقولا   ،  وإلاّ فاسكتا إلى أن أدخل ! قال  : فدخلنا إليه وهو  يستاك  ، ويقول ـ وهو  مغتاظ ـ  : متعتان كانتا على عهد رسول الله  صلى الله عليه وآله  وعلى عهد  أبي بكر  ، وأنا أنهى  ، ومَنْ أنت ....  حتى تنهى عما فعله النبيّ  صلى الله عليه وآله  وأبو بكر  ، فأومأت إلى  محمد بن منصور  ، أن أمسك...الخ .
 
وأما دعوى النسخ فغير صحيحة  وذلك لعدة أمور  ، أولاً  : قول عمر  : متعتان كانتا على عهد رسول  الله  صلى الله عليه وآله   ، ظاهر في حلّيتها في عهد رسول الله  صلى الله  عليه وآله  ولم تُحرَّم إلى أن مات  ، ثانياً : لو كانت  منسوخة لما نسب لنفسه التحريم  ، إذ لا أثر لتحريمه بعدما كانت حراماً على  سبيل الفرض  ، ثالثاً   : عمل بعض الصحابة بها وتصريحهم بحليتها  ، فلو كانت منسوخة لما خفيت  عليهم خصوصاً  أمثال ابن عباس حبر الاَمة  ، وعبدالله بن عمر ابن الخليفة نفسه  ، وغيرهما  من الصحابة الذين  قالوا بحليتها  ، بل هناك من شهد بعدم النسخ والحرمة ، فهذا عمران بن حصين  قال  : نزلت آية  المتعة في كتاب الله تبارك وتعالى  ، وعملنا بها مع رسول الله  صلى الله  عليه وآله  فلم تنزل آية نسخها  ، ولم ينه  عنها النبي  صلى الله عليه وآله  حتى مات . (مسند أحمد بن حنبل  : ج 4  ص436) صريح في أن دعوى النسخ  غير صحيحة البتة  ، وأما ترك بعض الصحابة لها فلا يدل على حرمتها ، إذ أن  مجرّد الترك لا يدلّ  على الحرمة بل هو أعم .
 (4) محاضرات الاَدباء للاِصفهاني  : ج3 ص314 .

التعلیقات