مناظرة شيخ من أهل البصرة مع يحيى بن أكثم في حكم المتعة
في الاحكام
منذ 14 سنةقال يحيى بن أكثم لشيخ البصرة : بمن اقتديت في جواز المتعة ؟
فقال : بعمر بن الخطاب .
فقال له : كيف وعمر كان أشدّ الناس فيها ! ؟
قال : لاَن الخبر الصحيح أنّه صعد إلى المنبر ، فقال : إنّ الله ورسوله صلى الله عليه وآله قد أحلا لكما متعتين ، وإنّي محرمهما عليكم أو اُعاقب عليهما(2)، فقبلنا شهادته(3) ولم نقبل تحريمه(4).
____________
(1) هو : أبو محمد يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن بن سمعان التميمي الاَسيدي المروزي ، من ولد أكثم بن صيفي حكيم العرب ، ولد في مرو سنة 159 هـ ، ذُكر من أصحاب الشافعي ، له عدّة تصانيف ، ولاّه المأمون قضاء البصرة سنة 202 هـ ، ثم قضاء القضاة ببغداد ، وأضاف إليه تدبير مملكته ، ولما مات المأمون وولي المعتصم عزله عن القضاء ، فلزم بيته ولما آل الاَمر إلى المتوكّل ردّه إلى عمله ، ثم عزله سنة 240 هـ ، وأخذ أمواله ، ثم ارتحل إلى مكة ، توفي في الربذة سنة 242 هـ . راجع ترجمته في : وفيات الاَعيان لابن خلكان : ج 6 ص 147 ترجمة رقم : 147 ، تاريخ بغداد للخطيب : ج 14 ص 191 ترجمة رقم : 7489 ، الاَعلام للزركلي : ج 9 ص167 ، سفينة البحار للقمّي : ج 1 ص 367 .
(2) تقدّمت تخريجاته .
(3) إذ مما لا شك فيه إن حلال الله ورسوله حلال إلى يوم القيامة وحرامهما حرام إلى يوم القيامة ، فعلى أي أساس يترك تشريع رسول الله صلى الله عليه وآله لها الذي هو بأمر الله تعالى وقد قال في حق نبيه الكريم : ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ) ويؤخذ بقول غيره ، فيكون حينئذٍ اجتهاد في مقابل النص ولذا أنكر بعض الصحابة على تحريم الخليفة للمتعة ، ولم يسوغوا الاَخذ بقوله في قبال قول النبي صلى الله عليه وآله ، إذ أن في ذلك نقضاً لما سنّه النبي وشرعه من الاَحكام الشرعية ، فهذا عبدالله بن عمر يسأله رجل من أهل الشام عن التمتع بالعمرة إلى الحج فقال له : هي حلال ، فقال : إنّ أباك قد نهى عنها ، فقال له ابن عمر : أرأيت إن كان أبي نهى عما وضعها رسول الله صلى الله عليه وآله أأمر أبي نتبع أم أمر رسول الله ، فقال الرجل : بل أمر رسول الله (الجامع الصحيح للترمذي : ج 3 ص 185 ح 824) وكذلك ابن عباس لما قال بحلية المتعة ، اعترض عليه جبير بن مطعم وقال له : كان عمر ينهى عنها ، فقال له ابن عباس : يا عُدَيّ نفسه ، من ها هنا ضللتم ، اُحدّثكم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وتحدّثني عن عمر . (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 20 ص 25) وروى الخطيب البغدادي في تاريخه : ج 14 ص 199 بسنده عن أبي العيناء ، قال : كنّا مع المأمون في طريق الشام ، فأمر فنودي بتحليل المتعة ، فقال لنا يحيى بن أكثم : بَكْرَّا غداً إليه فإن رأيتما للقول وجهاً فقولا ، وإلاّ فاسكتا إلى أن أدخل ! قال : فدخلنا إليه وهو يستاك ، ويقول ـ وهو مغتاظ ـ : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى عهد أبي بكر ، وأنا أنهى ، ومَنْ أنت .... حتى تنهى عما فعله النبيّ صلى الله عليه وآله وأبو بكر ، فأومأت إلى محمد بن منصور ، أن أمسك...الخ .
وأما دعوى النسخ فغير صحيحة وذلك لعدة أمور ، أولاً : قول عمر : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ، ظاهر في حلّيتها في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ولم تُحرَّم إلى أن مات ، ثانياً : لو كانت منسوخة لما نسب لنفسه التحريم ، إذ لا أثر لتحريمه بعدما كانت حراماً على سبيل الفرض ، ثالثاً : عمل بعض الصحابة بها وتصريحهم بحليتها ، فلو كانت منسوخة لما خفيت عليهم خصوصاً أمثال ابن عباس حبر الاَمة ، وعبدالله بن عمر ابن الخليفة نفسه ، وغيرهما من الصحابة الذين قالوا بحليتها ، بل هناك من شهد بعدم النسخ والحرمة ، فهذا عمران بن حصين قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك وتعالى ، وعملنا بها مع رسول الله صلى الله عليه وآله فلم تنزل آية نسخها ، ولم ينه عنها النبي صلى الله عليه وآله حتى مات . (مسند أحمد بن حنبل : ج 4 ص436) صريح في أن دعوى النسخ غير صحيحة البتة ، وأما ترك بعض الصحابة لها فلا يدل على حرمتها ، إذ أن مجرّد الترك لا يدلّ على الحرمة بل هو أعم .
(4) محاضرات الاَدباء للاِصفهاني : ج3 ص314 .
التعلیقات