مناظرة السيد محمد تقي الحكيم مع بعض علماء الأزهر في حكم
في الاحكام
منذ 15 سنة-  
-  
-  
-  
-  
-  
- 
من ضمن ما ذكره مندوب الايمان في محاورته مع  السيد محمد تقي الحكيم عن طبيعة الحديث في  الجلسة الختامية للمؤتمر الاِسلامي  ، هو  : ما يتعلّق  بموضوع فتح باب الاِجتهاد  ، وما دار حوله من الاَخذ  والردّ مع بعض العلماء هناك  ، وإليك نصّ الحوار في  ذلك  :
 
 
 -  
 
 -  
 
 -  
 
 -  
 
 -  
 
مندوب الاِيمان ، س ـ هل اطلعتم على مقررات المؤتمر قبل نشرها ، وما هو دوركم في المشاركة في صياغتها ؟
ج ـ نعم سمعتها في الجلسة الختامية ، ولم يكن لي أي دور في المشاركة في وصفها أو إقرارها ، لعدم حضوري من بداية المؤتمر ، وصياغتها إنما تعود إلى أعضاء المجمع بعد انتزاع أفكارها من مجموع ما ألقي في المؤتمر ، وبما أنّي لم أحضر كل ما دار في المؤتمر ، فلم أجد لنفسي أي مسوغ للدخول في حديثها نقضاً أو إبراماً .
س ـ ما هي أهم هذه المقرّرات في نظركم ؟
ج ـ أهمها في اعتقادي الدعوة إلى فتح باب الاِجتهاد المطلق ، لما فيه من إعادة الثقة إلى نفوس العلماء وفسح المجال أمامهم ، لاِعمال تجاربهم في مجالات المعرفة ، بدلاً من الوقوف عند تجارب السالفين ، التي لم يعد الكثير منها ملائماً لما تقتضيه الحجة القائمة ولا لطبيعة الزمن .
س ـ وباب الاِجتهاد ألم يكن مفتوحاً من قبل ؟
ج ـ المفتوح منه عند أرباب المذاهب الاَربعة هو خصوص الاِجتهاد المذهبي ، أي المقيد ضمن مذهب معين ، وفحواه حصر نطاق الاِجتهاد في أعلى مراتبه باستنباط الفروع الفقهية ، دون النظر في الاَصول ، لاعتبارهم أن الاِجتهاد في أصول الفقه هو حق إمام المذهب ، وعليهم إن يقلدوه فيها ، ولكن الشيعة أخذوا بالاِجتهاد المطلق ، أي الاِجتهاد في الفروع والاَصول من قديم ، وظل بابه مفتوحاً عندهم إلى اليوم .
س ـ وأئمّة أهل البيت عليهم السلام ألم يخططوا لشيعتهم أصولهم التي يستنبطون منها ، فلماذا اعتبر اجتهادهم مطلقاً واجتهاد غيرهم مقيداً ؟
ج ـ للجواب على هذا السؤال ـ وقد وجه إلينا نظيره هناك ـ فإن علينا أن نحدد وظيفة أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، وهل نعطيهم صفة الاِجتهاد كغيرهم من أرباب المذاهب أو لا ، إن الذي قامت عليه الاَدلّة أن الاَئمّة ليسوا بمجتهدين ، وإنما هم مبلغون عن النبي صلى الله عليه وآله ، فما يخططونه من الاَصول فإنما هو من تخطيط الاِسلام نفسه .
وإن شئت أن تقول أنّهم عليهم السلام من أصول التشريع الذي أنهى إلى حجيته اجتهاد العلماء ، لا أنهم مخططون للاَصول ، فحسابهم من حيث التبليغ حساب النبي صلى الله عليه وآله مع فارق الوحي فقط .
س ـ كيف استقبل نبأ فتح باب الاِجتهاد بين العلماء في القاهرة ؟
ج ـ الذين قدر لنا الاجتماع بهم من الاَعلام كانوا منقسمين على أنفسهم ، فمنهم من استقبله برحابة صدر ، ومنهم من لم نجد الترحيب الكافي لديه ، وكمثل على ذلك قمنا بزيارة لمكتبة الاَزهر ، وكان في إدارة مدير المكتبة بعض العلماء من الاَزهريين ، فاستكثر أحدهم فتح باب الاِجتهاد ، وحمل على دعاته حملة فيها الشيء الكثير من العنف ، وتجاوب معه جل الحاضرين .
فالتفتُ إلى مدير المكتبة وهو فضيلة الشيخ أبي الوفا المراغي ، وقلت له : كم يوجد في مكتبتكم هذه من الكتب ؟
قال : مائة وعشرون ألفاً .
قلت : وكم كان منها في عهد أبي حنيفة مثلاً .
قال : القليل نسبياً .
قلت : ومفاهيم أبي حنيفة في المجالات التشريعية هل وصلت إلينا ضمن ما وصل من كتب التشريع أو لا ؟ ثمّ المفاهيم التي جدت عليها من قبل تلامذته وغيرهم من أنداده من المجتهدين هل وصلت إلينا أيضاً ؟
قال : بلى .
قلت : أمن المنطق ـ فيما ترون ـ أن نقول لشخص يملك من مصادر التشريع أضعاف ما يملكه السابقون ، ويملك كل ما يملكونه من تجارب ، بالاِضافة إلى ما جد عليها من تجارب العلماء في أكثر من عشرة قرون ، إن هؤلاء من السابقين أعلم منك فلا يسوغ لك أن تفكر في مقابل ما يقولون ـ مع اتضاح جملة من المفارقات لديه ـ في نتائج ما انتهوا إليه ، وكيف يكون السابق أعلم مع ضالة تجاربه بالنسبة إلى لاحقيه ؟ !
قال أحدهم : والقصور فينا ماذا نصنع به .
قلت : يا أخي ، وأين موضع القصور فينا أترى أن الله عزّ وجلّ جعل الطاقات المبدعة وقفاً على عصر دون عصر ، أليس في هذا النوع من التشكيك في إمكاناتنا قتل للمواهب التي أودعها الله في النفوس .
قال : ألا ترى أن الاِشكال نفسه يرد عليكم في الاَخذ عن أئمّتكم : ، وهم ممّن عاشوا في تلكم القصور .
قلت  : إنّ الاِشكال وارد علينا لو قال أئمتنا أن ما نأتي به من  أحكام فإنما  هو من نتائج اجتهاداتنا  ، أما وأنهم يصرحون بأنَّ قول أحدهم إنّما هو قول  النبيصلى الله عليه وآله  ، وهو قول جبرئيل عن الله(1)،  وقامت الاَدلّة لدينا على صدق هذه  الدعوى  ، فإنَّ هذا الاِشكال فيما أرى لا موضع له  ، نعم لو كنّا نتقيّد  في نطاق  اجتهادات العلماء السابقين أمثال الشيخ المفيد والطوسي لكان حسابنا نفس هذا   الحساب(2). 
____________
  (1) راجع  : بحار الاَنوار  : ج 2 ص 178 ح 28  ، وقد تقدّم ذكر الحديث  الشريف في مناظرة  السيّد محمد تقي الحكيم أيضاً في عصمة أهل البيت عليهم السلام ( في الهامش )  .
 (2) ثمرات النجف للسيد محمد تقي الحكيم  : ج 3 ص 163 ـ 166 .

التعلیقات