المرجئة وعلماء الشيعة
عقائد المرجئة
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 3 ، ص 105 ـ 108
________________________________________(105)
المرجئة وعلماء الشيعة
إنّ علماء الشّيعة الإماميّة تبعاً لأئمتهم، قاموا في وجه المرجئة وحذّروا الاُمّة من ألوان خداعهم، علماً منهم بأنّ في نفوذ فكرة الارجاء، مسخ الإسلام ومحوه من أديم الأرض، وإليك كلمة قيّمة لفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري (المتوفّى عام 260هـ) من أصحاب الأئمة الثلاثة: ـ الجواد والهادي والعسكري ـ عليهم السلام ـ ذكرها في كتابه (الايضاح ص 20) قال: «ومنهم المرجئة الّذين يروي منهم أعلامهم مثل إبراهيم النخعي، وإبراهيم بن يزيد التيمي، ومن دونهما مثل سفيان الثوري، وابن المبارك ووكيع، وهشام، وعلي بن عاصم عن رجالهم أنّ النّبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم قال: صنفان من اُمّتي ليس لهما في الإسلام نصيب; القدريّة والمرجئة. فقيل لهم: ما المرجئة؟ قالوا: الّذين يقولون: الايمان قول بلا عمل. وأصل ما هم عليه أنّهم يدينون بأنّ أحدهم لو ذبح أباه واُمّه وابنه وبنته وأخاه واُخته، وأحرقهم بالنار، أو زنى، أو سرق، أوقتل النّفس الّتي حرّم الله، أو أحرق المصاحف، أو هدم الكعبة، أو نبش القبور، أو أتى أيّ كبيرة نهى الله عنها، إنّ ذلك لا يفسد عليه ايمانه، ولا يخرجه منه، وأنّه إذا أقرّ بلسانه بالشهادتين إنّه مستكمل الايمان، إيمانه كإيمان جبرئيل وميكائيل ـ صلّى الله عليهما ـ فعل ما فعل، وارتكب ما ارتكب ممّا نهى الله عنه، ويحتجّون بأنّ النّبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم قال: اُمرنا أن نقاتل النّاس حتّى يقولوا:المرجئة وعلماء الشيعة
_____________________________________
(106)
لا إله إلا الله، وهذا قبل أن يفرض سائر الفرائض وهو منسوخ.وقد روى محمد بن الفضل، عن أبيه، عن المغيرة بن سعيد، عن أبيه، عن مقسم، عن سعيد بن جبير قال: المرجئة يهود هذه الاُمّة. وقد نسخ احتجاجهم قول النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم حين قال: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحجّ البيت، وصوم شهر رمضان(1) .
وله ـ رحمه الله ـ احتجاج و مناشدة مع المرجئة في كتابه فمن أراد فليرجع إليه(2).
هل كان أبو حنيفة مرجئياً؟
إنّ المشهور بين أرباب الملل والنحل أنّ الامام أبا حنيفة كان مرجئيّاً، وممن نقل ذلك، الشيخ أبو الحسن الأشعري في كتابه «مقالات الإسلاميين» فقال: «الفرقة التاسعة من المرجئة أبو حنيفة وأصحابه يزعمون أنّ الإيمان المعرفة بالله، والإقرار بالله والمعرفة بالرّسول والإقرار بما جاء به من عند الله في الجملة دون التفصيل».
ثمّ ينقل عن غسّان وأكثر أصحاب أبي حنيفة أنّهم ينقلون عن أسلافهم أنّ الايمان هو الاقرار والمحبّة لله والتعظيم له والهيبة منه، وترك الاستخفاف بحقّه، وأنّه يزيد ولا ينقص(3).
والظّاهر هو الأوّل لتنصيصه في كتاب «العالم والمتعلّم» الذي أملاه وكتبه ت لاميذه على ذلك وإليك النصّ:
قال العالم ـ رضي الله عنه ـ: الايمان هو التصديق والمعرفة واليقين والاقرار والاسلام. والناس في التصديق على ثلاث منازل:
فمنهم: من يصدِّق بالله وبما جاء منه بقلبه ولسانه.
________________________________________
1. الايضاح: ص 20 ـ 21. 2. الايضاح :ص 47 ـ 66. 3. مقالات الاسلاميين: ص 132.
________________________________________
(107)
ومنهم: من يصدِّق بلسانه ويكذّب بقلبه.ومنهم: من يصدّق بقلبه ويكذّب بلسانه.
قال المتعلّم ـ رحمه الله ـ: لقد فتحت لي باب مسألة لم أهتد إليه، فأخبرني عن أهل هذه المنازل الثّلاث أهم عند الله مؤمنون؟
قال العالم ـ رضي الله عنه ـ: من صدّق بالله وبما جاء من عند الله بقلبه ولسانه فهو عند الله وعند الناس مؤمن.
ومن صدّق بلسانه وكذّب بقلبه كان عند الله كافراً وعند الناس مؤمناً، لأنّ الناس لا يعلمون ما في قلبه. وعليه يسمّونه. مؤمناً بما ظهر لهم من الإقرار بهذه الشهادة وليس لهم أن يتكلفوا علم ما في القلوب.
ومنهم من يكون عند الله مؤمناً وعند الناس كافراً وذلك بأنّ الرّجل يكون مؤمناً بالله وبما جاء عنه. ويظهر الكفر بلسانه في حال التقيّة أي الإكراه فيسمّيه من لا يعرف أنّه يتّقي، كافراً، وهو عند الله مؤمن(1).
وفي الفقه الأكبر المنسوب له ما هذا نصّه: «الإيمان هو الإقرار والتصديق» وجاء فيه: «ويستوي المؤمنون كلّهم في المعرفة واليقين والتوكّل والمحبّة والرضا والرجاء ويتفاوتون فيما دون الايمان في ذلك كلّه». وجاء فيه: «الله متفضّل على عباده عادل قد يعطي في الثّواب أضعاف ما يستوجبه العبد، تفضّلاً منه وقد يعاقب على الذّنب عدلاً منه وقد يعفو فضلاً منه»، وجاء فيه: «ولا نكفّر أحداً بذنب ولا ننفي أحداً عن الايمان»(2).
أقول: إنّ القول بأنّ الايمان هو التصديق القلبي فقط، لا يُدخل القائل في عداد المرجئة إذا كان مهتمّاً بالعمل ويرى النجاة والسعادة فيه، وأنّه لولاه لكان خاسراً غير
________________________________________
1. العالم والمتعلم للإمام أبي حنيفة، تحقيق عمر رواس قلعة جى وعبد الوهاب الهندي الندوي، ص 52 ـ 53. 2. ضحى الإسلام: ج 3 ص 321.
________________________________________
(108)
رابح. فالمرجئة هم الّذين يهتمّون بالعقيدة ولا يهتمّون بالعمل ولا يعدّونه عنصراً مؤثراً في الحياة الاُخرويّة، ويعيشون على أساس العفو والرجاء وبالجملة يهتمّون بالرغب دون الرهب والله سبحانه يقول: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَ يَدْعُونَنَا رَغَباً وَ رَهَباً) (الأنبياء / 90).وعلى ذلك; فرمي كلّ من قال بأنّ الايمان هو التصديق بالإرجاء، رمي في غير محلّه، فإذا كان المرميّ ذا عناية خاصّة بالعمل بالأركان، والقيام بالجوارح، وكان شعاره قوله سبحانه: (إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْر * إلاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصالِحَاتِ وَ تَواصَوْا بِالحَقّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ))فهو على طرف النقيض منهم، خصوصاً على ما نقله شارح المواقف من المرجئة بأنّهم ينفون العقاب على الكبائر إذا كان المرتكب مؤمناً على مذهبهم.
هذا إجمال القول في عقيدة المرجئة وما يترتّب عليها من المفاسد، ولأئمّة أهل البيت ـعليهم السلام ـ كلمات في حقّهم حذّروا المجتمع فيها من تلك الطائفة يجدها المتتبّع في محلّه(1) . ويظهر من الأمير نشوان الحميري (المتوفّى عام 573هـ) شيوع المرجئة في عصره في الأوساط الإسلاميّة قال: «وليس كورة من كور الاسلام إلاّ والمرجئة غالبون عليها إلاّ القليل»(2) ـ أعاذنا الله من شرّ الأبالسة.
________________________________________
1. بحار الأنوار: ج 18 ص 392 فصل المعراج، وغيره. 2. شرح الحور العين ص 203، كما في «بحوث مع أهل السنة».
التعلیقات