اهتمام المستشرقين بتراث المعتزلة
المعتزلة
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 3 ، ص 167 ـ 169
________________________________________(167)
اهتمام المستشرقين بتراث المعتزلة
اهتمّ المستشرقون في العصور الأخيرة بدراسة مذهب الاعتزال وما فيه من الخطوط والاُصول في الكون وحياة الإنسان و اختياره و حرّيتة، ولقد أعجبتهم فكرتهم في أفعال العباد وصار ذلك سبباً لاهتمام الجدد من أهل السنّة و بالأخص المصريّين منهم إلى دراسة مذهبهم و نشر كتبهم و تقدير فكرتهم و الدّفاع عنهم قدر الامكان وردّ الاعتبار إليهم.اهتمام المستشرقين بتراث المعتزلة
ولأجل ذلك نشرت في العهد القريب كتب تتناول البحث عن ذلك المذهب مثل:
1 ـ تأريخ الجهمية والمعتزلة: لجمال الدين القاسمي الدمشقي، طبع في القاهرة عام 1331 هـ.
2 ـ المعتزلة: تأليف زهدي حسن جار اللّهطبع في القاهرة عام 1366 هـ، وهي رسالة تبحث في تأريخ المعتزلة و عقائدهم و أثرهم في تطوّر الفكر الإسلامي. قدّمها مؤلّفها إلى دائرة التأريخ العربي في كلّية العلوم والآداب بجامعة بيروت الأمريكيّة. ونال عليه رتبة اُستاذ في العلوم وله في الكتاب مواقف موضوعيّة.
3 ـ فجر الإسلام: لأحمد أمين المصري، الفصل الرابع، ص 283 ـ 303.
4 ـ ضحى الإسلام: له أيضاً، الفصل الأوّل ص 21 ـ 107.
5 ـ تأريخ المذاهب الإسلاميّة: تأليف محمّد أبو زهرة فصل القدريّة، ص123 ـ 179.
________________________________________
(168)
6 ـ فضل الاعتزال و طبقات المعتزلة: تحقيق فؤاد السيّد، نشرته الدار التونسيّة للنشر، عام 1406 هـ، الطبعة الثّانية، وهو يضمّ كتباً ثلاثة لأئمّة الاعتزال: أبي القاسم البلخي، والقاضي عبد الجبّار، و الحاكم الجشمي، والكتاب مزدان بتحقيقات نافعة.وهذه العناية الكبيرة المؤكّدة من أبناء الأشاعرة لبيان تأريخ المعتزلة و عقائدهم وإظهار الأسف و الأسى لذهاب ثروتهم العلميّة، و إنشاء بعثة علميّة لأخذ الصّور من مخلّفاتهم الخطّية المبعثرة في بلاد اليمن والقيام بنشرها، عمل مبارك وجهد مقدّر، لكن أثاره أبناء الاستشراق في نفوس هؤلاء. هذا هو (آلفرد جيوم) اُستاذ الدراسات الشّرقية في جامعة لندن يقول :
«إنّ ما انتهى إلينا من كتابات رجال الاعتزال قليل جدّاً إلى حدّ أنّنا مضطرّون إلى أن نعتمد على ما يقوله مخالفوهم عنهم، وقد كانوا يحملون لهم ذكريات مريرة لما قام به المعتزلة من أعمال تعسّفيّة لذلك، فإنّ أملنا لكبير، إذا كانت مكتبات الشيعة في اليمن أو في غير اليمن تحوي مخطوطات من أصل معتزلي أن نقوم بنشرها. هذا، وإنّ اُولئك الّذين يرغبون في الوقوف على نتاج العقل العربي في عصور الخلافة الذّهبية، يحسنون صنعاً إذا أقدموا على درس هذه الرسالة اللمّاعة في تأريخ حركة عظيمة في حركات الفكر العربي»(1).
وهذا «شتيز» المستشرق وصفهم بأنّهم المفكِّرون الأحرار في الاسلام، وألّف كتاباً بهذا الاسم.
ووصفهم «آدم ميت» و«هاملتون» بأنّهم دعاة الحريّة الفكرية والاستنارة (2).
وقال «جولد تسيهر»: «إنّ المعتزلة وسّعوا معين المعرفة الدينية بأن أدخلوا فيها عنصراً مهمّاً آخر قيّماً وهو العقل الّذي كان حتّى ذلك الحين مبعداً بشدّة عن هذه
________________________________________
1. من مقدمة كتاب المعتزلة، تأليف زهدي حسن جار الله، قدّم له «آلفرد جيوم» اُستاذ الدراسات الشرقية في جامعة لندن. عام 1947 م = 1366 هـ. 2. أدب المعتزلة: ص 172.
________________________________________
(169)
الناحية»(1).وربّما يرد على الأخير بأنّه تجاسر على قلب الحقائق مسقطاً الواقع الّذي يثبت اجتهاد الرّسول و الصّحابة والتابعين... وكتب السنّة و السيرة والتّاريخ والفقه والخلاف والمقارنات الفقهيّة حافلة بما يؤيِّد اجتهادهم وتعويلهم على العقل.
يلاحظ عليه: أنّ كلام هذا الرادّ أقرب إلى قلب الواقع ممّا ذكره «جولد تسيهر» ذلك المستشرق الحاقد على الإسلام و نبيّه، وذلك لأنّ أهل الحديث والحنابلة ينكرون الحسن والقبح العقليّين، وإنكار ذلك مساوق لإنكارّ كثير من المعارف الدينيّة، والمعارف الدينيّة عندهم قائمة على السنّة فقط، و أحيانا على الكتاب. وأمّا العقل فهو محكوم عندهم بالاعدام، حتّى أنّ طريق الإمام أبي الحسن الأشعري غير مقبول لدى أهل الحديث والحنابلة ولأجل ذلك ما ذكروه في طبقاتهم، قائلين بأنّ الشيخ الأشعري يستدلّ على العقائد، مكان أن يعتمد فيها على الحديث والسنّة.
وأمّا الاعتماد على العقل في الفقه، فلو اُريد منه القياس والاستحسان فهو من قبيل العقل الظنّي الذي لا يغني من الحقّ شيئاً، و إن اُريد منه الحكم القطعي من العقل، فهو مبنيّ على التّحسين والتقبيح العقليين، وأهل الحديث والحنابلة حتّى الأشاعرة ينكرون إمكان هذا الادراك العقلي.
هذا وللمستشرقين كلمات اُخر في تحسين منهج الاعتزال ضربنا عنها صفحاً.
________________________________________
1. المعتزلة بين العمل والفكر:ص 103، تأليف: علي الشابي، أبو لبابة حسن، عبد المجيد النجار. طبع الشركة التونسية.
التعلیقات