توسل المنصور بالنبي بتعليم مالك
التوسل بالأنبياء والصالحين أنفسهم
منذ 13 سنةبحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 4 ، ص 253 ـ 255
________________________________________(253)
5- توسل المنصور بالنبي بتعليم مالك إنّ المنصور الدوانيقي سأل مالك بن أنس، إمام المالكية، عن كيفية زيارة رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ والتوسل به، فقال لمالك:
يا أبا عبداللّه، أستقبل القبلة وأدعو. أَم أَستقبل رسول اللّه؟
فقال مالك في جوابه:
لم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى اللّه يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعه اللّه، قال اللّه تعالى: (ولَو أنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أنفُسَهُم جاءُوكَ فَاستَغْفَروا اللّهَ واستغفرَ لَهُم الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحِيماً)(2) .
________________________________________
2. وفاء الوفاء ج 2 ص 253، النساء: 64 .
________________________________________
(254)
وقد نقل ابن حجر الهيثمي عن الإمام الشافعي هذين البيتين:آل النبي ذريعتي * وهمُ إليه وسيلتي
أرجو بهم أُعطى غداً * بيدي اليمين صحيفتي(1)
هذه النقول و النصوص من أئمة الأمة و مشاهير تكشف عن أمرين:أرجو بهم أُعطى غداً * بيدي اليمين صحيفتي(1)
1- إنّ التوسل بالصالحين ـ وفي الطليعة الأنبياء العظام ـ كان أمراً رائجاً بين المسلمين، ولم يخطر ببال أحد أنّه شرك، كما لم يخطر ببالهم التفريق بين التوسل باشخاصهم وذواتهم، ولم يصنع هذا التفريق سوى الوهابيين الذين يسعون في الحط من منزلة الصالحين ومكانتهم، ويجعلون التوسل بدعائهم كالتوسل بدعاء الأخ المؤمن، وإنّه لا فرق بين هذا وذاك، وهم وإن كانوا لا يصرحون بهذه التسوية، لكنهم يكنون ذلك ويضمرونه .
2- إنّ هذه النصوص تفسّر لنا قوله تعالى: (يَا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَابْتَغُوا إلَيْهِ الوَسيلَةَ وَجَاهِدوا في سَبيلِهِ لَعِلَّكُم تُفْلِحُونَ)(2) .
فإنّ الوسيلة سواء أفسّرت بمعنى القرابة والمنزلة والدرجة، كما عليه أكثر المفسرين مأخوذاً من قولهم توسلت إليه، أي تقرّبت .
قال عنترة بن شداد:
إن الرجال لهم إليك وسيلة * أن يأخذوك تلجلجي وتحصني
ويقال: وسل إليه، أي: تقرّب. قال لبيد:بلى كل ذي رأي إلى اللّه واسل.
وعليه فمعنى الوسيلة:الوصلة والقربة .
أم فسرت بما يتقرب به إلى الغير ويجمع على الوسائل والوسل، كما عليه أهل اللغة، قال الجوهري في صحاحه: الوسيلة ما يتقرب به إلى الغير، والجمع الوسل والوسائل، وتوسل إليه بوسيلة أي: تقرُّب إليه بعمل .
وفي القاموس: الوسيلة والواسلة: المنزلة عند الملك والدرجة والقربة.
________________________________________
1. الصواعق المحرقة ص 178 .
2. سورة المائدة: الآية 35 .
________________________________________
(255)
وفي المصباح: وسلت إلى اللّه بالعمل: رغبت وتقربت، ومنه اشتقاق الوسيلة، وهي ما يتقرب به إلى اللّه، والجمع الوسائل .
وعلى أي تقدير: فالتوسل بالصالحين بما لهم من مكانة ومنزلة عند اللّه، إمّا أنّه بذاته تقرب إلى اللّه تعالى، لأنّ إظهار المودة لمن يحبه اللّه محبوب وعمل صالح، أو وسيلة يتقرب به الإنسان إلى اللّه سبحانه، فهذه النقول تعرب عن مصداق للوسيلة في عرض سائر المصاديق من الأعمال الصالحة والعبادات، خصوصاً الجهاد ضد العدو الداخلي والخارجي الّذي جاء في ذيل الآية، فتخصيص الوسيلة بالعبادات والاستغفار تخصيص بلا جهة.
إلى هنا تم الكلام حول التوسل بالصالحين أنفسهم وذواتهم، وبقي الكلام في التوسل بمنزلتهم وكرامتهم وحقهم، وإليك البيان:
(وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُم وَمَا يُعْلِنُونَ)(1) .
________________________________________
1. سورة القصص: الآية 69 .
إلى هنا تم الكلام حول التوسل بالصالحين أنفسهم وذواتهم، وبقي الكلام في التوسل بمنزلتهم وكرامتهم وحقهم، وإليك البيان:
(وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُم وَمَا يُعْلِنُونَ)(1) .
________________________________________
1. سورة القصص: الآية 69 .
التعلیقات