تاريخ الوهّابيّة
الشيخ جعفر السبحاني
منذ 6 سنواتتاريخ الوهابيّة
مؤسّسها ، ناصرها وتطوّرها
قد وقفت في الفصول السابقة على العقائد الوهابيّة عن كثب ، وأنّها لم تكن شيئاً جديداً سوى ما ابتدعه أحمد بن تيميّة في القرن الثامن الهجري وقد كاد أن يصير نسيّاً منسيّاً ، ويذهب أدراج الرياح ، غير أنّ بذورها لما كانت تقبع في طيات كتبه ورسائله ، قام محمّد بن عبدالوهّاب بن سليمان التميمي بتجديد العهد بها ، وإحيائها مرّة أُخرى بفضل سيف آل سعود في الشطر الثاني من القرن الثاني عشر إلى أوليّات القرن الثالث عشر الهجري ، أيّ من سنة ١١٦٠ إلى سنة ١٢٠٧ هـ الّتي وافاه الأجل فيها ، ثمّ تعاهد أبناؤه من بعده مع أبناء بيت قبيلة آل سعود فترة بعد فترة ، على أن تكون الدعوة والإرشاد والتخطيط على أبنائه ، والتطبيق والتنفيذ والسلطة على كاهل آل سعود ، فلم تزل هذه المعاهدة باقية إلى يومنا هذا ، غير أنّها اتّخذت في هذه الآونة لنفسها شكلاً آخر ، وهو أن القوّة والسلطة كانت في بدء التأسيس آلة طيّعة بيد الشيخ محمّد بن عبدالوهّاب ، ولكنّه في عصرنا هذا تبدّلت رأساً على عقب ، فأصبحت السلطة الدينيّة أداة طيعة في يد آل سعود ، يأتمرون بكلّ ما يلقى إليهم من البلاط السعودي والملك الحاكم من قبلهم على شبه الجزيرة العربيّة.
وهذه إحدى الصور الّتي تحكي لنا عن تراجع الوهابيّة عن مبادئها الأوليّة الّتي قامت على أعتابها يوم تأسيسها ، وسنوافيك بما يحكي لك المزيد من ذلك.
نشأته ووفاته
اختلف المؤرّخون في عام ولادته ووفاته ، فمن قائل (1) بأنّه ولد سنة ١١١١ هـ وتوفي عام ١٢٠٧ هـ فيكون عمره ستّاً وتسعين ; إلى آخر (2) بانّه ولد عام ١١١٥ هـ وتوفي ١٢٠٧ هـ فيكون قد ناهز إحدى وتسعين ، نشأ وترعرع في بلده « العيينة » في نجد ، وتلقى دروسه بها على رجال الدين من الحنابلة ، ثمّ غادر موطنه ونزل المدينة المنوّرة ليكمل دروسه ، يقول أحمد أمين المصري : « سافر الشيخ إلى المدينة ليتمّ تعلمه ، ثمّ طاف في كثير من بلاد العالم الإسلامي ، فأقام نحو أربع سنين في البصرة ، وخمس سنين في بغداد ، وسنة في كردستان ، وسنتين في همدان ، ثمّ رحل إلى إصفهان ، ودرس هناك فلسفة الإشراق والتصوّف ، ثمّ رحل إلى « قم » ثمّ عاد إلى بلده ، واعتكف عن الناس نحو ثمانية أشهر ، ثمّ خرج عليهم بدعوته الجديدة » (3).
وقد ذكر كثير من المؤرّخين تجواله وترحاله في هذه البلاد ، منهم عبدالرزاق الدنبيلي في كتابه « مآثر سلطانية » (4) ، والشيخ أبو طالب الإصفهاني الّذي كان معاصراً للشيخ محمّد بن عبدالوهاب ، فقد ذكر سفر الشيخ إلى إصبهان وإلى أكثر بلاد العراق وإيران ، حتّى إلى « غزنين » الّذي هو بلد في أفغانستان (5).
استشفاف بوادر الضلال من كلماته
إنّ الإنسان مهما كان ذكيّاً مواظباً على ستر عقيدته لا يتمكّن من إخفائها في الفترة الّتي يكون فيها الوعي غائباً والذهن خاملا ، وعند ذلك يبدو على صفحات وجهه وفلتات لسانه ما يكتمه ويخفيه في الأوعية ، قال أميرالمؤمنين عليه السلام : « ما أضمر أحد شيئاً إلّا في ظهر فلتات لسانه وصفحات وجهه » (6) وقد كان محمّد بن عبدالوهّاب ممّن يتفرّس مشايخه وأساتذته فيه الضلال ، حيث كان عندما يتردّد إلى مكّة والمدينة لأخذ العلم من علمائهما ، وعندما كان يدرس على الشيخ محمّد بن سليمان الكردي ، والشيخ محمّد حيات السندي كانا يتفرسان فيه الغواية والإلحاد ، بل يتفرس غيرهما فيه مثل ذلك ، وكان ينطق الكلّ بأنّه سيضلّ الله تعالى هذا ، ويضلّ به من أشقاه من عباده ، حتّى أنّ والده عبدالوهّاب ـ وهو من العلماء الصالحين ـ كان يتفرس فيه الإلحاد ويحذّر الناس منه ، حتّى أنّ أخاه الشيخ سليمان ألّف كتاباً في الردّ على ما أحدثه من البدع والعقائد الزائفة ، وكان محمّد بن عبدالوهّاب بادئ بدء كما ذكره بعض المؤلّفين مولعاً بمطالعة أخبار من ادّعى النبوة كاذباً كمسيلمة الكذّاب وسجاح ، والأسود العنسي ، وطليحة الأسدي وأضرابهم (7).
يكتب ميرزا أبو طالب الإصفهاني وهو معاصره ويقول : أخذ في أوّل أمره عن كثير من علماء مكّة والمدينة ، وكانوا يتفرسون فيه الضلال والإضلال ، وكان والده عبدالوهّاب من العلماء الصالحين ، وكان يتفرس فيه ذلك ويذمّه كثيراً ، يحذر الناس منه ، وكذا أخوه سليمان بن عبدالوهّاب أنكر عليه ما أحدثه ، وألّف كتاباً في الردّ عليه ، وكان في أوّل أمره مولعاً بمطالعة أخبار مدّعي النبوّة كمسيلمة و ... » (8).
لو صحّ هذا فهو يعرب عن أنّ محمّد بن عبدالوهّاب كان يضمر في مكامن ذهنه شيئاً يشاكل فعل هؤلاء المتنبّئين ، فصبّ ما أضمره في الدعوة الجديدة إلى التوحيد ، وعاد يكفّر رجال الدين عامّة في كافّة العصور ، وينسبهم إلى الجهل والضلال ، وهذه سمة المبتدعين عامّة.
انتقال عبدالوهّاب إلى « حريملة »
ترك أبوه « العيينة » ونزل بلدة « حريملة » وبقي فيها إلى أن وافته المنيّة سنة ١١٤٣ (9) ولم يكن راضياً عن ابنه ، وطالما زجره ونهاه ، ولمّا توفّي الوالد تجرّأ عليه أهل « حريملة » وهمّموا بقتله ، فلم يجد بداً من الهرب إلى « العيينة » وهي مسقط رأسه ودار نشأته ، وقد تعاهد هو وأميرها « عثمان بن معمر » على أن يشد كلُّ أزر الآخر ، فيترك الأمير للشيخ الحريّة في إظهار الدعوة والعمل على نشرها ، لقاء أن يقوم محمّد بن عبدالوهّاب بدوره بشتى الوسائل لسيطرة الأمير على نجد بكاملها ، وكانت يومذاك موزعة إلى ستّ أو سبع إمارات منها إمارة العيينة (10) ولكن لكي تقوى الروابط بين الاثنين زوّج الأمير أُخته « جوهرة » من الشيخ ، فقال له الشيخ : « إنّى لآمل أن يهبك الله نجداً وعربانها » (11).
هكذا بدأ التآلف بين الشيخ والأمير ، واحدة بواحدة ... مساومة ثمّ أخذ وعطاء ، والثمن هو الدين والشعب ، أمّا زواج الشيخ من « جوهرة » فتثبيت للتحالف ، وضمان للوفاء ... لقد سخر محمّد بن عبدالوهّاب الدين لأجل الدنيا ، وتطوع لتعزيز حكمه دون أن يكون على يقين من عدله ، أو يأخذ منه موثقاً لتحسين الأوضاع وراحة الناس ، والعمل للصالح العام ، بل على العكس ، فقد وعده بملك نجد وعربانها ... ولكن لا بالاقتراح وحريّة تقرير المصير ، بل بالحرب والغزو وبأشلاء الضحايا (12).
أبعد ذلك يصحّ أن يعدّ الشيخ من المصلحين المجددين ، وممّن له رسالة إنسانيّة كما عدّه نفر منهم أحمد أمين في كتابه زعماء الإصلاح في العصر الحديث ، ومهما كان فإنّ التحالف بين الشيخ والأمير لم يطل عمره ولم يتمّ أمره ، وما تمخّص إلّا عن زواج الشيخ بجوهرة ، وهدم قبر زيد بن الخطاب ، وإثارة الفتن والقلاقل فقط ـ لم يطل عمر التحالف بين ابن عبدالوهّاب والأمير ابن معمّر ـ لأنّ سليمان الحميدي صاحب الأحساء والقطيف أمر عثمان بن معمّر ـ وكان أقوى منه ـ أن يقتل الشيخ.
يقول عبدالله فيلبي في تاريخ نجد : « قرر عثمان أن يتخلص من ضيفه ، فطلب منه أن يختار المكان الّذي يريد الذهاب إليه ، فاختار « الدرعية » ، فأرسل عثمان معه رجلاً اسمه فريد : وكلّفه أن يقتل ابن عبدالوهّاب في الطريق ، ولكن فريداً خذلته إرادته ، وترك الشيخ وقفل راجعاً دون أن يمسّه بسوء (13).
ويذكر السيّد محمود شكري الآلوسي انتقال الشيخ من « عينية » إلى « حريملة » نحو ما مرّ ويزيد : خرج إلى « الدرعية » سنة : ١١٦٠ ه وهي بلاد مسيلمة الكذاب (14).
اتّفاق الشيخ ومحمّد بن سعود
ورد الشيخ إلى الدرعية في العام الّذي عرفت ، وكان أميرها آنذاك محمّد بن سعود جدّ السعوديين ، وتمّ الإتّفاق بين الأمير والشيخ على غرار ما كان قد تمّ بينه وبين ابن معمر في « العيينة » ، فقد وهب الشيخ نجد وعربانها لابن سعود ، كما وهبهما من قبل لابن معمر ، ووعده أن تكثر الغنائم عليه والأسلاب الحربيّة الّتي تفوق ما يتقاضاه من الضرائب (15) على أن يدع الأمير للشيخ ما يشاء من وضع الخطط لتنفيذ دعوته.
وتقول الرواة : إنّ الأمير سعود بايع محمّد بن عبدالوهّاب على القتال في سبيل الله ... ومعلوم انّهما لم يفتحا بلداً غير مسلم في الشرق أو في الغرب ، وإنّما كانا يغزوان ويحاربان المسلمين الذين لم يدخلوا في طاعة ابن سعود ، ولأجل ذلك قال الأمير لابن عبدالوهّاب : « أبشر بالنصر لك ولما أمرت به ، والجهاد لمن خالف التوحيد ، لكن أُريد أن اشترط عليك اثنين :
أوّلاً : إذا قمنا بنصرتك وفتح الله لنا ولك ، أخشى أن ترحل عنّا وتستبدل بنا غيرنا فعاهده الشيخ أن لا يفعل.
ثانياً : إنّي أتقاضى من أهل « الدرعية » مالا وقت الثمار ، وأخاف أن تمنع ذلك ، فقال الشيخ : لعلّ الله يفتح الفتوحات فيعوضك الله من الغنائم ما هو أعظم منها » (16).
وعلى هذا تمّ الاتّفاق بين أمير « الدرعية » والشيخ.
إنّ بعض المستشرقين مثل « فيليب حتّى » (17) و « جولد تسيهر » (18) وغيرهما يذكرون أنّه قد تقوّت الروابط بين الاثنين بمثل ما تقوّت بينه وبين أمير « عيينة » وزوّج محمّد بن سعود ابنه عبدالعزيز من إحدى بنات محمّد بن عبدالوهّاب ، ولا يزال العهد بين آل سعود وعائلة عبدالوهّاب مستمراً إلى يومنا هذا ، وإن اختلف مضمومنه مع استمرار التزاوج على نطاق وسيع (19).
بدء الدعوة نشرها
شعر محمّد بن عبدالوهّاب بقوّته عن طريق هذا التحالف الجديد ، وأنّ الامارة السعوديّة أصبحت تناصره وتؤازره ، فلأجل ذلك جمع الشيخ أنصاره وأتباعه وحثّهم على الجهاد ، وكتب إلى البلدان المجاورة المسلمة أن تقبل دعوته ، وتدخل في طاعته ، وكان يأخذ ممّن يطيعه عشر المواشي والنقود والعروض ، ومن أبى غزاه بأنصاره ، وقتل الأنفس ونهب الأموال ، وسبى الذراري ، وكان شعارهم : « ادخل في الوهابيّة وإلّا فالقتل لك ، والترمّل لنسائك ، واليتم لأطفالك » هذا هو بالذات مبدأ الوهابيّة الّذي لا تتنازل عنه لأيّة مصلحة ، ومن أجله تحالف مع ابن معمر في « العيينة » ، ثمّ مع ابن سعود في « الدرعيّة » ، وكان على أتمّ استعداد أن يتحالف مع أيّة قوّة يستعين بها على ذلك (20).
كان الشيخ يغزو بأنصاره وأتباعه عربان نجد ، يسلبونهم مصدر حياتهم ، ثمّ ينتقلون إلى الدرعيّة بعد أن يتركوا وراءهم أشلاء الضحايا ، والخرائب والأرامل والأيتام ، ويوزع الشيخ عليه أربعة أخماس الغنائم والأسلاب من المسلمين الآمنين ، ويخصّ الخمس بالخزينة الّتي يشرفون عليها هو والأمير السعودي.
يقول عبدالله فيلبي في تاريخ نجد : « وقد أدخل الإمام في عقول طلابه مبادئ فريضة الجهاد المقدّس ، فوجد الكثير منهم في الجهاد أقدس تعاليمه ، إذ أنّه يتّفق مع ما اعتاد عليه العرب ـ يريد أنّ العرب قد اعتادوا على السلب والنهب ـ ، كما خصّص الشيخ خمس الأسلاب لخزينته المركزيّة الّتي كان الأمير والإمام يتقاضيان منها ما يقوم بأودهما ... وهكذا كان سلطان الشيخ في تصرف شؤون البلاد بعد مرور سنة أو سنتين ، وقد أصبح شريكاً مؤسّساً.
الوهابيّة أو السيف
ربما يستغرب القارئ عندما يسمع أنّ الوهابيّة تحصنت في بدء دعوتها بهذا الشعار ، وطبقته في حياتها سنين ، ولكنّه لعمر الله حقيقة لامرية فيها ، فقد ارتفع صرح الإمارة السعوديّة يوم انتشارها إلى العصر الحاضر على هذا الأصل ، فإن السعوديّة آنذاك ويوم تعاهدها مع محمّد بن عبدالوهّاب تعيش حياة البؤس ، ولم يكن ابن سعود متمكناً حتّى من تأمين الأغذية لأعزّ تلاميذ محمّد بن عبدالوهاب ، الّذي يمارس تأثيره بقوّة الإقناع فقط (21).
وبعد أُولى غزوات الدرعيين على جيرانهم ، وزعت الغنائم بالعدل طبقاً لأحكام الوهابيّة : الخمس لابن سعود ، والباقي للجند ; ثلث للمشاة ، وثلثان للخيالة ; وكان التمسّك بالوهابيّة يكافأ مادياً ، وإذا كان الغزو في السابق مجرّد حملة شجاعة ، فقد تحوّل الآن إلى انتزاع أموال المشركين ! وإحالتها إلى المسلمين الحقيقيين !
صِدام بين ابن عبدالوهاب وأمير « العيينة »
قد تعرفت أنّ التحالف بين الشيخ وأمير « العيينة » لم يلبث إلّا برهة قليلة ، وأنّه اعتذر عن ضيفه وسمح له أن يغادر الامارة ويذهب إلى أيّة نقطة شاء ، ولما التحق محمّد بن عبدالوهّاب بأمير « الدرعية » وبزغ نجمه ، أحسّ عثمان بن معمر أمير « العيينة » بتمخض خطر من جانب السعوديين ، فلم يجد مناصاً من إظهار التودّد والمداراة معهم ، إلى أن انتهى به الأمر إلى تزويج ابنته من ابن عبدالعزيز بن محمّد بن سعود ، الّذي بلغ الوهابيّون في عهده أوج قوّتهم (22). إلّا أنّ العداء حتّى الموت بين الأقارب ظاهرة عادية تماماً في الجزيرة العربيّة ، فلا داعي للدهشة من تطوّر الأحداث لاحقاً ، وكان لموقف محمّد بن عبدالوهاب ـ الّذي لم ينس أنّ أمير « العيينة » نفاه منها ـ أهميّة حاسمة في التنافس بين حكّام « الدرعية » و « العيينة » ، فلم يلبث إلّا يسيراً حتّى اتّهم أمير « العيينة » بأنّه أجرى مراسلات سرية مع حاكم الأحساء « محمّد بن عفالق » وأعد العدة للخيانة (23).
ـ ولأجل ذلك ـ أرسلوا بعض المرتزقة ، ومنهم حمد بن راشد ، وإبراهيم بن زيد إلى عثمان بن معمر حاكم « العيينة » فاغتالوه أثناء أدائه لصلاة الجمعة.
وممّا جاء في كتاب أصدره آل سعود وآل الشيخ تحت عنوان : تاريخ نجد ، ونقله عن رسائل محمّد بن عبدالوهّاب ، الشيخ حسين بن غنا ، وأشرف على طباعته عبدالعزيز بن باز مفتي الديار السعوديّة ، العبارة التالية :
إنّ عثمان بن معمر مشرك كافر ، فلمّا تحقّق أهل الاسلام من ذلك تعاهدوا على قلته بعد انتهائه من صلاة الجمعة ، وقتلوه وهو في مصلاه بالمسجد في رجب سنة ١١٦٣ هـ وفي اليوم الثالث من مقتله جاء محمّد بن عبدالوهّاب إلى « العيينة » وعين عليهم مشاري بن معمر ، وهو من أتباع محمّد بن عبدالوهّاب (24).
هكذا كانوا يحكمون على الموحّدين المصلّين في محراب العبادة بالشرك والخروج عن التوحيد « وما نقموا منهم » « إلا أن قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا » ولم يخضعوا للسلطة الّتي أسسها محمّد بن عبدالوهاب.
ثمّ إنّ محمّد بن عبدالوهّاب نحّى « مشاري » عن منصة الحكم وأسكنه « الدرعية » مع عائلته ، وعين شخصاً آخر للشغال الحكم ، حتّى يكون الحاكم أطوع له كطوع الظلّ لذي الظلّ ، ولم يكتف بذلك حتّى جاء إلى قصر آل معمر وأمر بتدميره (25).
إنّ هذه العلميّة تسفر عن عقيدة محمّد بن عبدالوهّاب في حقّ عامّة أهل نجد دون استثناء ، لأنّه لو كان ابن معمر كافراً فقد كان سكنة نجد كلّهم على دينه ، فهم حينئذ كفرة تباح دماؤهم ونساؤهم وممتلكاتهم ، والمسلم هو من آمن بالطريقة التي يسير عليها محمّد بن عبدالوهّاب ومحمّد بن سعود (26).
لم يبرح زمن على سلطة آل سعود على « العيينة » حتّى ثاروا على النظام الّذي فرض عليهم من جانب محمّد بن عبدالوهّاب ، ولكن لم يكتب لانتفاضتهم النجاح ، فعاد السعوديّون إلى « العيينة » فدمّروا البلد على آخره ، فهدموا الجدران ، وردموا الآبار ، وأحرقوا الأشجار ، واعتدوا على أعراضهم وبقروا بطون الحوامل من النساء ، وقعطوا أيدي الأطفال ، وأحرقوهم بالنار ، وسرقوا المواشي وكلّ ما في البيوت ، وقتلوا كلّ الرجال.
هكذا خربت « العيينة » وما زالت مخروبة منذ عام ١١٦٣ هـ حتّى يومنا هذا ، وما زالت الوهابيّة يبرّرون أعمالهم بما قاله محمّد بن عبدالوهّاب : إنّ الله سبحانه وتعالى قد صبّ غضبه على العيينة وأهلها وأفناهم تطهيراً لذنوبهم ، وغضباً على ما قاله حاكم العيينة ، عثمان بن معمر ، فقد قيل لحاكمها بأن الجراد آت إلى بلادنا ونحن نخشى أن يأكل الجراد زراعتنا ، فأجاب الحاكم ساخراً من الجراد : سنخرج على الجراد دجاجاً فتأكله ، وبهذا غضب الله سبحانه لسخرية الحاكم بالجراد ، وهو آية من آيات الله لا يجوز السخرية منها ، ولهذا أرسل الله الجراد على بلدة العيينة فأهلكها عن آخرها (27).
نحن نفترض أنّ أمير العيينة استهزأ بآية من آيات الله فكفر ، فيجب ضرب عنقه بسيف الجلادين ، فهل كفر الآخرون ، وهل تزر وازرة وزر أُخرى ، وما هي إلّا خدعة يمّوه بها الأمر على الصبيان وأشباههم.
فلمّا قضى محمّد بن عبدالوهّاب وآل سعود على مناوئيهم في المنطقة ، قويت الإمارة السعوديّة من طريق الدين باتّباعها محمّد بن عبدالوهّاب ، وقويت دعوة ابن عبدالوهّاب بطريق السيف باتّباع ابن سعود له وانتصاره به ، فكان ابن سعود الأمير الحاكم ، وابن عبدالوهّاب الزعيم الديني ، وصارت ذرية كلّ منهما تتولّى مرتبة سلفها.
لقد قوّى انتصار القبيلة السعوديّة على حاكم « العيينة » عزيمتهم على توسيغ نطاق حكومتهم ، مغبة أمر محمّد بن عبدالوهّاب بالجهاد وحثّ اتباعه عليه ، وأوّل جيش تمّ تأليفه له من سبع ركائب (28) ومعلوم أنّ هذه الجيوش والركائب لم تغز بلاد الكفار والمشركين ، ولا الرومان ، وإنّما غزوا بلاد المؤمنين ، بلاد القائلين بـ « لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم » ولما أحسّ ابن عبدالوهّاب بسلطة وقدرة ، كتب إلى أهل نجد ـ وهم المسلمون بزعمهم ـ على الدخول في مذهب التوحيد ، فأطاع بعضهم بينما امتنع آخرون ، فأمر أهل « الدرعية » بالقتال ، فأجابوه وقاتلوا معه أهل نجد والأحساء مراراً ، حتّى دخل بعضهم في طاعته طوعاً أو كرهاً ، وصارت جميع إمارة نجد لآل سعود بالقهر والغلبة » (29).
سراب لا ماء
قد كان للحركة الوهابيّة في عصر مؤسّسها صدى ودوي ، والقريب منها يستشف الحقيقة عن كثب ، ويرى أنّها قد بنيت على القتل الذريع ، والسفك المروع ، وأن محمّد بن عبدالوهّاب يهتف بأنّه لا عدل ولا سلم ، ولا رحمة ، ولا إنسانيّة ، ولا حياة ، لا شيء أبداً إلّا الوهابيّة أو السيف.
وهذه السنّة الّتي استنّها محمّد بن عبدالوهّاب يتحمّل وزرها منذ يومه إلى يوم القيامة ، لأنّها كما ترى دعوة تقوم على الحرب والضحايا ، وتتطبع بطابع الدم والفوضى ، ويكفي في ذلك قول أخيه الشيخ سليمان بن عبدالوهّاب في كتاب الصواعق الإلهيّة مخاطباً لأخيه وأتباعه :
« فانتم تكفّرون بأقلّ القيل والقال ، بل تكفّرون بما تظنّون أنتم أنه كفر ، بل تكفّرون بصريح الإسلام ، بل تكفّرون من توقف عن تكفير من كفّرتموه » (30).
ولم يكن أخوه فريداً في القضاء ، فقد رجع عن طريقته بعض المنصفين المنخدعين بدعوته ، وهذا هو السيّد محمّد بن إسماعيل الأمير لمّا بلغه من أحوال الشيخ النجدي ، الدعوة إلى التوحيد ، فأنشا قصيدته المشهورة :
سلام على نجد ومن حلّ في نجد |
وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي |
ثمّ حقّق الأحوال من بعض من وصل إلى اليمن ، ووجد الأمر على عكس ما روي له ، فأنشأ يقول في قصيدته ثانياً عمّا قاله أولا :
رجعت عن القول الّذي قلت في نجد |
فقد صحّ لي عنه خلاف الّذي عندي |
حكي عن محمّد بن إسماعيل أنّه قال في شرح القصيدة المذكورة المسماة بـ « محو الحوبة في شرح أبيات التوبة » : لمّا بلغت قصيدتي الأُولى نجداً التي مدحت فيها الحركة الوهابيّة ، جاء إلينا بعد أعوام رجل كان يعرّف نفسه بـ « الشيخ مربد بن أحمد التميمي » وذلك في صفر سنة ألف ومائة وسبعين ، وحمل بعض كتب ابن تيميّة وابن القيم بخطه ، ثمّ عاد إلى وطنه في شوال تلك السنة ، وكان من تلاميذ ابن عبدالوهّاب الّذي وجهنا إليه القصيدة ، وقد قدم إلينا قبله الشيخ الفاضل عبدالرحمان النجدي ، ووصف لنا من حال ابن عبدالوهّاب أشياء أنكرناها عليه من سفك الدماء ونهب الأموال والتجري على قتل النفوس ، ولو بالاغتيال ، وتكفيره الأُمّة المحمديّة في جميع الأقطار ، فبقي فينا تردد فيما نقله ذلك الشيخ ، حتّى قدم إلينا الشيخ « مربد » وله نباهة ، ومعه بعض رسائل ابن عبدالوهّاب الّتي جمعها في وجه تكفير أهل الإيمان ، وقتلهم ونهبهم ، وحقّق لنا أحواله ، فعرفنا أحوال رجل عرف من الشريعة شطراً ولم يمعن النظر ولا قرأ على من يهديه نهج الهداية ، ويدله على العلوم النافعة ويفقّهه ، بل طالع بعض مؤلفات ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، وقلدهما من غير إتقان ، مع أنّهما يحرمان التقليد (31).
يقول العلّامة السيّد محسن الأمين العاملي :
هذا يدلّ على أن محمّد بن إسماعيل رجع عن مغالاته في التوهب ، ولعلّ رجوعه كان بعد تأليفه رسالة « تطهير الإعتقاد عن أدران الإلحاد » فإنّ تلك الرسالة لا تقصر عن كتب ابن عبدالوهّاب في المغالاة (32).
أهل البيت أدرى بما فيه
هذه لمحة خاطفة عن حياة محمّد بن عبدالوهّاب ، جئنا بها ليكون القارئ الكريم على اطلاع بحقيقة حاله على جهة الإجمال ، ولكن هناك الكثير الكثير في الزوايا والخبايا ذكرت في تاريخ حياته أغفلنا ذكرها روما للإختصار ، ولكن ما يجب ذكره في المقام كلمة أخيه في حقّه ، وهو من أهل بيته وأدرى بحاله منّا ومن كلّ كاتب. يقول في كتاب أسماه « الصواعق الإلهيّة » ردّاً على آراء أخيه : « فإنّ اليوم ابتلي الناس بمن ينتسب إلى الكتاب والسنّة ، ويستنبط من علومهما ، ولا يبالي من خالفه.
وإذا طلبت منه أن يعرض كلامه على أهل العلم لم يفعل ، بل يوجب على الناس الأخذ بقوله وبمفهومه ، ومن خالفه فهو عنده كافر ، هذا وهو لم تكن فيه خصلة واحدة من فعال أهل الإجتهاد ولا والله ، ولا والله عشر واحدة ، ومع هذا فراج كلامه على كثير من الجهّال ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، الأُمّة كلّها تصيح بلسان واحد ، ومع هذا لا يرد لهم في كلمة بل كلّهم كفّار وجهّال ! اللّهمّ اهد هذا الضالّ وردّه إلى الحقّ ... » (33)
ويقول أيضاً : إنّ هذه الأُمور ـ الّتي يكفر بها محمّد بن عبدالوهّاب ـ حدثت من قبل زمان الإمام أحمد في زمن أئمّة الإسلام ، حتّى ملأت بلاد الإسلام كلّها ، ولم يُرْوَ عن أحد من أئمّة المسلمين أنّهم كفّروا بذلك ، ولا قالوا هؤلاء مرتدون ، ولا أمروا بجهادهم ، ولا سموا بلاد المسلمين بلاد شرك وحرب كما قلتم أنتم ، بل كفّرتم من لم يكفر بهذه الأفاعيل وإن لم يفعلها ، وتمضي قرون على الأئمّة من ثمانمائة عام ، ومع هذا لم يُرْوَ عن عالم من علماء المسلمين أنه كفر ، بل ما يظنّ هذا عاقل ، بل والله لازم قولكم أن جميع الأُمّة بعد زمان الإمام أحمد ـ رحمة الله تعالى ـ ، علماؤها وأُمراؤها وعامتها كلّهم كفّار مرتدّون ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، واغوثاه إلى الله ! ثمّ واغوثاه أن تقولوا كما يقول بعض عامتكم إنّ الحجة ما قامت إلّا بكم ، وإلّا قبلكم لم يعرف دين الإسلام (34).
وهذه العبارة من أخيه صريحة في أنّه كان يكفّر جميع طوائف المسلمين ، ويعتبر بلادهم بلاد حرب.
تكفير محمّد بن عبدالوهّاب جميع المسلمين
ولعلّ القارىء ينتابه الاستغراب ممّا نسبه إليه أخوه ، ولكنّه إذا رجع إلى مبادىء دعوته يسهل له التصديق بالنسبة ، وإليك خلاصة رسالته تحت أربع قواعد :
الأُولى : إنّ الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مقرّون بأنّ « الله » هو الخالق الرازق المدبّر ، ولم يدخلهم ذلك في الإسلام لقوله تعالى : ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ ... فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ) (35).
الثانية : إنّهم يقولون : ما دعونا الأصنام وما توجّهنا إليهم الّا لطلب القرب والشفاعة لقوله تعالى : ( الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ ) (36). وقوله : ( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ ) (37).
الثالثة : إنّه ظهر صلّى الله عليه وآله على قوم متفرقين في عبادتهم ، فبعضهم يعبد الملائكة ، وبعضهم الأنبياء والصالحين ، وبعضهم الأشجار والأحجار ، وبعضهم الشمس والقمر ، فقاتلهم ولم يفرق بينهم.
الرابعة : إنّ مشركي زماننا أغلظ شركاً من الأوّلين ، لأن أولئك يشركون في الرخاء ، ويخلصون في الشدّة ، وهؤلاء شركهم في الحالتين لقوله تعالى :
( فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ) (38).
وهو لا يريد من قوله « إنّ مشركي زماننا أغلظ شركاً ... » إلّا المسلمين عامّة ، وذلك لأنّهم يتوسّلون بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في شدّتهم ورخائهم ، ولذلك صاروا عنده أغلظ من مشركي عهد الرسالة.
وممّا يؤخذ عليه فيما ذكره في القاعدة الثانية ، وهي المحور الرئيس للضلالة ، أنّ هناك فرقاً جليّاً بين المسلمين وعبدة الأوثان والأصنام ، فإنّ المسلمين يعبدون الله وحده ، ولا يتوجّهون إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلّا بقصد أن يدعو لهم عند الله ، ويشفع لهم عنده ، وأين هو من عبدة الطاغوت الذين كانوا يعبدون الأصنام ولا يعبدون الله ، ويتوجّهون إليها على أنّها آلهة تملك ضرّهم ونفعهم ، وما هذه إلّا مغالطة مفضوحة ، وقد تكرّرت هذه الظاهرة في أكثر رسائله وكتبه ، فإليك نتفاً منها في كتابه الآخر المسمّى بكشف الشبهات الّذي فرض تدريسه على علماء الحرمين في بعض الفترات الّتي شهد لها التاريخ ، حيث يقول في حقّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم :
١ ـ « أرسله إلى أُناس يتعبّدون ويحجّون ويتصدقون ويذكرون الله كثيراً ، ولكنّهم يجعلون بعض المخلوقات بينهم وبين الله ، يقولون نريد منهم التقرّب إلى الله ، ونريد شفاعتهم عنده ، مثل الملائكة وعيسى ومريم وأُناس غيرهم من الصالحين » (39).
وفي هذه العبارة من المغالطة ما لا يخفى ، فقد حاول تزييف الحقيقة وقال : ولكنّهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله ، فقد ركز على التوسيط ، مع أنّهم عبدوهم أوّلاً ، واتّخذوهم وسائط ثانياً ، فالممنوع هو عبادة الغير لا توسيطه ، فالشيخ يركز على مجرّد الوساطة الّتي ليست ملاكاً لشركهم ، ويترك ما هو الملاك لكفرهم ، أعني عبادتهم. وعمل المسلمين على اتّخاذ الوسيلة لا على عبادتها.
٢ ـ يقول في موضع آخر ما نصّه :
« إنّ التوحيد الّذي جحدوه هو توحيد العبادة ، الّذي يسمّيه المشركون في زماننا الاعتقاد ، كما كانوا يدعون الله سبحانه ليلاً ونهاراً ، ثمّ منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم من الله ليشفعوا له ، أو يدعو رجلاً صالحاً مثل اللات ، أو نبيّاً مثل عيسى (40).
فتراه كيف يستر الحقيقة فيقول : « ثمّ منهم من يدعو الملائكة أو يدعو رجلاً صالحاً فيركز على الدعوة الّتي هي أعم من العبادة ، مع أنّ منهم من يعبد الملائكة ، أو يعبد رجلاً صالحاً ، وليس كلّ دعوة عبادة ، وإلّا فلا يوجد فوق البسيطة من يصحّ تسجيل اسمه في ديوان الموحّدين ، والرجل لأجل إثبات أنّ المسلمين في دعوة النبي والصالحين كهؤلاء المشركين في عبادة الملائكة والصالحين ، يركز على كلمة « يدعو » ويترك كلمة « يعبد » فهناك فرق بين الدعوة والعبادة ، وليس كلّ دعوة عبادة ، ولا كلّ عبادة دعوة ، بل بينهما من النسب عموم وخصوص من وجه ، فلو كانت الدعوة تنبثق من ألوهيّة المدعوّ وربوبيّته فتتّسم بالعبادة ، ولو كان انبثاقها من أنّه عبد من عباد الله ولكنّه عبد عزيز عند الله تستجاب دعوته إذا دعا ، فلا تكون الدعوة عبادة ، بل يدور الأمر بين كونه مفيداً إذا كان مستجاب الدعوة ، وغير مفيد ، إذا لم يكن كذلك.
٣ ـ يقول أيضاً : « تحقّقت أنّ رسول الله قاتلهم ليكون الدعاء كلّه لله ، والذبح كلّه لله ، والنذر كلّه لله ، والاستغاثة كلّها بالله ».
أمّا كون الدعاء كلّه لله فإن كان المراد به العبادة فلا غبار عليه ، والمسلمون على هذا عن بكرة أبيهم ، وإن كان المراد هو القسم الّذي لا يراد به العبادة فليس بمنحصر في الله ، وما أكثر دعاء إنسان لإنسان وهذا هو الدعاء ورد في القرآن الكريم في غير مورد العبادة. قال سبحانه :
( قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا ) (41).
وأمّا النذر فلا شكّ أنّ المسلمين ينذرون لله سبحانه ، ويذكرون لفظ الجلالة في إنشاء صيغته الدالّة عليه ، وقد أسهبنا القول في ذلك فيما مضى ، والشيخ خلط بين اللام للغاية واللام للانتفاع ، فلو استعملت في بعض الموارد لفظة اللام فإنّما يراد منه الانتفاع ، فلو قيل هذا نذر للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أو للروضة المباركة ، فالمراد هو إهداء ثوابه إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أو انتفاع الروضة به.
٤ ـ ويقول أيضاً :
« إنّ المشركين يقرّون بالربوبيّة وإنّ كفرهم بتعلقهم على الملائكة والأنبياء ».
يؤاخذ عليه أن كفرهم إنّما لعبادتهم الملائكة والأنبياء لا لتعلّقهم بها إذ ليس مجرّد التعلّق مع الاعتراف بعبوديّتهم وعدم تفويض الأمر إليهم موجباً للتكفير.
٥ ـ ويقول أيضاً : « إنّ الذين قاتلهم رسول الله مقرّون بأن أوثانهم لا تدبّر شيئاً وإنّما أرادوا منها الجاه والشفاعة » (42).
فترى أنّه كيف يقلب الحقيقة ، فلم يكن تكفيره لهم لأجل طلب الشفاعة ، بل لعبادتهم أوّلاً ، ثمّ طلب الشفاعة منهم ثانياً ، قال سبحانه :
( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ ) (43).
٦ ـ ويقول : « إنّ الله كفّر من قصد الأصنام ، وكفّر من قصد الصالحين ، وقاتلهم رسول الله ».
كلّا ، إنّ رسول الله كفّر من عبد الصالحين ، لا من قصدهم ، فمن قصد الصالحين لطلب العلم والمال والدعاء لا يكون كافراً.
٧ ـ ويقول أيضاً ـ وهو يعلّم أتباعه كيف يناظرون المخالف ـ : اقرأ عليه : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) فإذا أعلمته بهذا فقل له : هل علمت هذا عبادة لله ؟ فلا بد أن يقول نعم ، والدعاء مخّ العبادة ، فقل له : إذا أقررت أنّها عبادة ، ثمّ دعوت تلك الحاجة نبيّاً أو غيره ، هل أشركت في عبادة الله غيره ؟ فلابد أن يقول نعم » (44).
والمغالطة في كلامه واضحة ، فإنّ الدعاء في قوله : « ادعوا ربكم » مساوق للعبادة لا بمعنى أن الدعاة بمعنى العبادة ، بل معناه أنّ الدعوة إذا انبثقت من الإعتقاد بالألوهيّة والربوبيّة تصير مصداقاً للعبادة ، وجزءاً من جزئيّاته ، كما أن المراد من قوله : « والدعاء مخّ العبادة » هو أن الدعاء مخّ العبادة ، أو دعاء من يعتقد أنّه ند لله في جميع الشؤون أو بعضها مخّ العبادة ، وأين هو من دعوة الأنبياء والصالحين الذين لا يُدعَوْن إلّا بعنوان أنّهم عباد صالحون لا يعصون الله ما أمرهم وهم بأمره يعملون ، ولا يملكون شيئاً لأنفسهم ولا لغيرهم نفعاً ولا ضرّاً إلّا بإذن الله ، أفهل تكون الدعوتان متماثلتين حتّى تشتركا في الحكم ؟
وإنّك إذا تتبعت كلماته وجمله في هذا الكتاب يظهر لك أنّه يحاول التضليل من طريق تشبيه توسّل المسلمين ودعائهم ، بعمل المشركين وعبدة الأوثان ، بالتمسّك بمشابهات ومشاركات بعيدة ، وتناسى ما هو البون الشاسع بين الأُمّتين والدعوتين.
قال زيني دحلان : كان محمّد بن عبدالوهّاب يخطب للجمعة في مسجد الدرعية ويقول في كلّ خطبة : ومن توسّل بالنبي فقد كفر ، وكان أخوه الشيخ سليمان ينكر عليه إنكاراً شديداً ، فقال لأخيه يوماً : كم أركان الإسلام يا محمّد ؟ فقال : خمسة (45) فقال أنت جعلتها ستّة : السادس : من لم يتبعك فليس بمسلم ، هذا عندك ركن سادس للإسلام.
وقال رجل آخر : كم يعتق الله كلّ ليلة في رمضان ؟ فقال له : يعتق في كلّ ليلة مائة ألف ، وفي آخر ليلة ، يعتق مثل ما أعتق في الشهر كلّه ، فقال له : لم يبلغ من اتّبعك عشر ما ذكرت ، فمن هؤلاء المسلمون الذين يعتقهم الله تعالى ، وقد حصرت المسلمين فيك وفي من اتّبعك ؟ فبهت الّذي كفر.
ولما طال النزاع بينه وبين أخيه فخاف على نفسه ، فارتحل إلى المدينة المنورة ، وألّف رسالة في الرد على محمّد بن عبدالوهّاب وأرسلها له ، فلم ينته ، وألّف كثير من علماء الحنابلة وغيرهم رسائل في الردّ عليه وأرسلوها إليه ، فلم ينته (46).
ويقول جميل صدقي الزهاوي : كان محمّد بن عبدالوهّاب يسمّي جماعته من أهل بلده ، الأنصار ; وكان يسمّي متابعيه من الخارج ، المهاجرين ; وكان يأمر من حجّ حجّة الإسلام قبل اتّباعه أن يحج ثانياً قائلاً إنّ حجّتك الأُولى غير مقبولة لأنّك حججتها وأنت مشرك ، ويقول لمن أراد أن يدخل في دينه : اشهد على نفسك أنك كنت كافراً ، واشهد على والديك أنّهما ماتا كافرين ، واشهد على فلان وفلان « يسمّي جماعة من أكابر العلماء الماضين » أنّهم كانوا كفّاراً.
فإن شهد بذلك قبله ، وكان يصرّح بتكفير الاُمّة منذ ستمائة سنة ، ويكفّر كل من لا يتبعه وإن كان من أتقى المسلمين ، ويسمّيهم مشركين ، ويستحلّ دماءهم وأموالهم ، ويثبت الإيمان لمن اتّبعه.
وكان يكره الصلاة على النبي بعد الأذان ، وينهى عن ذكرها ليلة الجمعة وعن الجهر بها على المنابر ، ويعاقب من يفعل ذلك عقاباً شديداً ، حتّى أنه قتل رجلاً أعمى مؤذناً لم ينته عن الصلاة على النبي بعد الأذان ، ويلبس على أتباعه أن ذلك كلّه محافظة على التوحيد.
كان قد أحرق كثيراً من كتب الصلاة على النبي ، كدلائل الخيرات وغيرها ، وكذلك أحرق كثيراً من كتب الفقه والتفسير والحديث ممّا هو مخالف لأباطيله (47).
قال أحمد زيني دحلان : إنّ الوهابيين أرسلوا في دولة الشريف مسعود بن سعيد بن زيد المتوفّى سنة ١١٦٥ هـ ثلاثين نفراً من علمائهم فأمر الشريف أن يناظرهم علماء الحرمين ، فناظروهم فوجدوا عقائدهم فاسدة ، وكتب قاضي الشرع حجّة بكفرهم فأمر بسجنهم ، فسجن بعضهم وفرّ الباقون.
ثمّ في دولة الشريف أحمد المتوفى سنة ١١٩٥ هـ أرسل أمير الدرعية بعض علمائه فناظرهم علماء مكّة وأثبتوا كفرهم ، فلم يأذن لهم بالحج (48).
وقال أيضاً : لما منع الناس من زيارة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم خرج ناس من الأحساء وزاروا النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وبلغه خبرهم ، فلمّا رجعوا مرّوا عليه بالدرعية ، فأمر بحلق لحاهم ، ثمّ أركبهم مقلوبين من الدرعية إلى الأحساء.
وبلغه مرة أن جماعة قصدوا الزيارة والحجّ ، وعبروا على الدرعية ، فسمعه بعضهم يقول لتابعيه : خلّوا المشركين يسيرون طريق المدينة ، والمسلمون ـ أتباعه ـ يخلفون معنا (49).
تكفير المسلمين شعارهم الوحيد
من رجع إلى كتب محمّد بن عبدالوهّاب وما ألّف في الفترة المتاخمة إلى عصره يقف على أنّهم اتّفقوا على تكفير المسلمين قاطبة ، سنّيهم وشيعيّهم ولم تكن المحاربة وقتل الأنفس وسفك الدماء في عصره وما بعده إلّا على أساس أن غيرهم مشركون ، لا حرمة لدمائهم وممتلكاتهم ، يجب تتويبهم قسراً ، وإلّا فإنّه ستهدر دماؤهم ، ويشهد على ذلك ما كتبه الآلوسي صاحب تاريخ نجد الّذي له مع السعوديين أُلفة وطيدة حيث يقول بعد التطرق لذكر سعود بن عبدالعزيز (50) : إنّه قاد الجيوش وأذعنت له صناديد العرب ورؤساؤهم ، بيد أنّه منع الناس عن الحجّ ، وخرج على السلطان وغالى في تكفير من خالفهم ، وشدّد في بعض الأحكام ، وحمل أكثر الأُمور على ظواهرها ، كما غالى الناس في قدحه ، والإنصاف ، الطريق الوسطى ، لا التشديد الّذي ذهب إليه علماء نجد من تسمية غاراتهم على المسلمين بالجهاد في سبيل الله ، ومنعهم الحجّ ، ولا التساهل الّذي عليه عامّة أهل العراق والشامات وغيرهما (51).
فهذا الاعتراف الصريح من موالي الوهابيين يدلّ على أنّهم كانوا في فترة من الزمن على تكفير المخالفين ، وتسمية الغارة على المسلمين جهاداً في سبيل الله.
نعم في الفترة الأخيرة الّتي أخذ فيها أزمّة الحكم في نجد والحرمين الشريفين عبدالعزيز ، ثمّ خلفه أبناؤه من بعده سعود وفيصل وخالد وفهد اليوم ، تنازلوا عن تكفير المسلمين علانية ، ولا ترى هذه التهمة في صفحات وسائلهم الإعلاميّة السمعيّة والبصريّة ، فتغيّر موقفهم بالنسبة إلى جميع الطوائف الإسلاميّة ، فيرون الحرمة لبلادهم ودمائهم وممتلكاتهم ، إلّا الشيعة ، فهم موقفهم السابق منهم ، وخصوصاً بعد نجاح الثورة الإسلاميّة في إيران فقد تأججت نار أحقادهم وحميتهم العصبيّة عليهم ، فلا تمر برهة زمنيّة إلّا وينتشر كتاب ضدّ الشيعة بأقلام المأجورين في مختلف أنحاء العالم ، ويبذلون مال الله ليصدّوا الناس عن طريقه.
سؤال وجواب
إنّ الوهابيّة امتداد فكري لما بذره أحمد بن تيميّة في أوائل القرن الثامن وتعتبر حركتهم الهدامة انعكاساً جذرياً لمبادئه الضالّة ، ويتمخض عن ذلك ، سؤال يستثيره نجاح محمّد بن عبدالوهّاب النسبي في تطبيق وإقرار مبادىء دعوته ، دون مؤسّس المنهج أحمد بن تيميّة ، فقد أخفق في دعوته ، وأخمدت في بادىء بدئها ، وإن كان قد تبعه بعض الناس فلم تكن متابعتهم له عن علم بمبادئه وغاياته.
وهذا ابن كثير الشامي التابع لمنهج ابن تيميّة يقول : كان الناس يتبرّكون بجنازته (52) مع أنّه عنده شرك ، والشرك من أعظم الجرائم عند ابن تيميّة ، فلم تكن متابعة جماعة من الناس له عن إحاطة ودراية ، بل مخالفته للحكم السائد في الشام ، وإبعاده منها إلى مصر ثمّ سجنه ، صارت سبباً لاستمالة قلوب الناس إليه من دون وعي بمعتقده ، وهذا بخلاف محمّد بن عبدالوهّاب ، فقد تكللت دعوته بالنجاح النسبي ، فياترى ما هو السبب ؟.
نجيب بكلمة واحدة ، إنّ ابن تيميّة افتقد الأرضيّة الكفيلة بإنجاح دعوته لأنّه بثّها بين أوساط علميّة ، كان فيهم كبار العلماء والفقهاء ، فأخمدوا ضوضاءها بالإستدلال والبرهنة ، فثاروا في وجهه ثائرة أخمدت دعوته وأبطلت كيده ، وكانت السلطة أيضاً ناصرت العلماء في مجابهتهم له ، فلم يكن لبذرة الفساد نصيب سوى الكمون في ثنايا الكتب ، أو النجاح في مرضى القلوب.
وأمّا ما يرتبط بدعوة محمّد بن عبدالوهّاب فقد ساعد على إنجاحها وجود أرضيّة خصبة مليئة بالأُمية والجهل بمبادىء الإسلام ، تضاف إلى ذلك مناصرة سلطة آل سعود وتحالفهم معه في تطبيق دعوته ، على أن يكون التخطيط من الشيخ ، والإنجاز من السلطة بالقوّة والإغارة والفتك والتخويف.
يقول الزهاوي : لمّا رأى ابن عبدالوهّاب أنّ قاطبة بلاد نجد بعيدون عن عالم الحضارة ، لم يزالوا على البساطة والسذاجة في الفطرة ، وقد ساد عليهم الجهل حتّى لم تبق للعلوم العقليّة عندهم مكانة ولا رواج ، وجد هنالك من قلوبهم ما هو صالح لأن تزرع فيه بذور الفساد ، ممّا كانت نفسه تنزع إليه وتمنيه به من قديم الزمان ، وهو الحصول على رئاسة عظيمة ينالها باسم الدين ـ إلى أن قال ـ : فلم يجد للحصول على أُمنيته طريقاً بين أولئك إلّا أن يدّعي أنّه مجدد في الدين ، مجتهد في أحكامه ؛ فحمله هذا الأمر على تكفير جميع طوائف المسلمين ، وجعلهم مشركين بل أسوأ حالاً وأشدّ كفراً وضلالاً ، فعمد إلى الآيات القرآنيّة النازلة في المشركين فجعلها عامة شاملة لجميع المسلمين ، الذين يزورون قبر نبيّهم ويستشفعون به إلى ربّهم (53).
الرادّون على محمّد بن عبدالوهاب
هذا غيض من فيض من حياة محمّد بن عبدالوهّاب المليئة بالإجرام والإفساد والتضليل ، وشق عصا المسلمين ، فمن أراد التوسع في دراسة حياته وما جرّه على المسلمين من حروب وويلات ، فليرجع إلى الكتب المؤلّفة حول الوهّابية ومؤسّسها ، وتاريخ نجد والسلطة القبلية الحاكمة فيه منذ عصر محمّد بن عبدالوهاب إلى يومنا هذا.
إلّا أنّ العلماء الواعين في الحرمين الشريفين في عصره وما بعده ، وفي سائر الأقطار الإسلاميّة ، قد أدّوا ما عليهم من وظائف رساليّة تجاه هذه الحركة الهدامة ، فترى كيف أنّهم قد بذلوا الجهود المضنية في سبيل ردّ دعوتهم وإثبات بطلانها ، وإليك قائمة من الردود المؤلّفة في إبطالها ، نأتي بأسمائها وأسماء مؤلّفيها :
١ ـ « مقدّمة شيخه محمّد بن سليمان الكردي الشافعي » الّتي قرّظ بها رسالة أخيه سليمان بن عبدالوهاب ، وقع في نحو ثلاث ورقات ، وقد تضمّنت ما يشير إلى ضلاله ومروقه عن الدين ، على نحو ما حكي في ذلك عن شيخه الآخر محمّد حياة السندي ، ووالده عبدالوهاب.
٢ ـ « تجريد سيف الجهاد لمدّعي الاجتهاد » لشيخه العلامة عبدالله بن عبداللطيف الشافعي.
٣ ـ « الصواعق والرعود » للعلامة عفيف الدين عبدالله بن داود الحنبلي.
قال العلامة علوي بن أحمد الحداد : كتبت عليه تقاريظ أئمّة من علماء البصرة وبغداد وحلب والأحساء وغيرهم ، تأييداً له وثناء عليه.
ثمّ قال : ولو وقفت عليه قبل هذا ما ألّفت كتابي هذا.
ولخّصه محمّد بن بشير قاضي رأس الخيمة بعجمان.
٤ ـ « تهكّم المقلّدين بمن ادّعى تجديد الدين » للعلّامة المحقّق محمّد بن عبدالرحمن ابن عفالق الحنبلي ، وقد ترصّد فيه لكل مسألة من المسائل الّتي ابتدعها وردّ عليها بأبلغ رد ، وقد ضمّن كتابه هذا ملحقاً يتناول ما يتعلّق بالعلوم الشرعيّة والأدبيّة ، كما أرفقه بأسئلة كان قد بعثها إلى محمّد بن عبدالوهاب ، منها شطر وافر حول علم البيان تتعلق بسورة « والعاديات » ، وألمح في ذيلها إلى عجزه عن الجواب عن أدناها فضلاً عن أجلِّها.
٥ ـ رسالة للعلّامة أحمد بن علي القباني البصري الشافعي ، وتقع في نحو عشر كراريس عقد فصولها كافة للرد على معتقداته وتزييف أباطيله.
٦ ـ رسالة للعلّامة عبدالوهاب بن أحمد بركات الشافعي الأحمدي المكّي.
٧ ـ « الصارم الهندي في عنق النجدي » للشيخ عطاء المكي.
٨ ـ رسالة للشيخ عبدالله بن عيسى المويسي.
٩ ـ رسالة للشيخ أحمد المصري الأحسائي.
١٠ ـ السيوف الصقال في أعناق من أنكر على الأولياء بعد الانتقال ، لأحد علماء بيت المقدس.
١١ ـ السيف الباتر لعنق المنكر على الأكابر ، للسيّد علوي بن أحمد الحداد ، طبع في نحو مائة ورقة.
١٢ ـ رسالة للشيخ محمّد بن الشيخ أحمد بن عبداللطيف الأحسائي.
١٣ ـ تحريض الأغبياء على الاستغاثة بالأنبياء والأولياء ، للعلامة عبدالله بن إبراهيم مير غني الساكن بالطائف.
١٤ ـ رسالة للشيخ محمّد صالح الزمزمي الشافعي ، تقع في نحو عشرين كراساً ، حكى السيّد علوي بن أحمد الحداد أنّه رآها أمام مقام إبراهيم بمكّة.
١٥ ـ « الانتصار للأولياء الأبرار » للعلّامة طاهر سنبل الحنفي ، حكى السيّد علوي المذكور آنفاً أنّه رآه عند مؤلّفه بالطائف.
١٦ ـ مجموعة أجوبة وردود نظماً ونثراً لأكابر علماء المذاهب الأربعة ، لا يحصون ، من أهل الحرمين الشريفين والأحساء والبصرة وبغداد وحلب واليمن وغيرها.
حكى عنها السيّد علوي أيضاً وذكر أنّه أتى بها إليه رجل من آل ابن عبدالرزاق الحنابلة ، الذين يقطنون الزيارة والبحرين.
١٧ ـ كتاب ضخم يحتوي على جملة من الأسئلة والأجوبة ، كلّها من علماء أهل المذاهب الأربعة الحنفيّة والمالكيّة والشافعيّة والحنابلة ، حدّث به أيضاً السيّد المذكور ، كلّها في الرد على محمّد بن عبدالوهاب.
١٨ ـ قصيدة للسيّد المنعمي ردّ بها على ابن عبدالوهاب إثر قتله جماعة كانوا قد عفوا شعر رؤسهم ، مطلعها :
أفي حلق رأس بالسكاكين « الحدِّ » |
حديث صحيح بالأسانيد عن جدي |
١٩ ـ « مصباح الأنام وجلاء الضلام في ردّ شبه البدعي النجدي التي أضلّ بها العوام » للعلّامة السيّد علوي بن الحداد المتقدّم ، طبع سنة ١٣٢٥ هـ بالمطبعة العامريّة ، وما سبق حكايته عن مؤلّفه منقول عنه.
٢٠ ـ « الصواعق الإلهيّة » لأخيه سليمان بن عبدالوهاب « مطبوع ».
٢١ ـ كتاب لشيخ الإسلام بتونس المحقّق إسماعيل التميمي المالكي المتوفى سنة ١٢٤٨ ، وهو في غاية التحقيق والإحكام ، نقض فيه رسالة لابن عبدالوهاب طبعت في تونس.
٢٢ ـ رسالة مسجعة محكمة للمحقق الشيخ صالح الكواش التونسي ، طبعت ضمن كتاب « سعادة الدارين في الردّ على الفرقتين » نقض فيها مؤلّفها رسالة لابن عبدالوهاب.
٢٣ ـ رسالة للعلّامة المحقّق السيّد داود البغدادي الحنفي ، مطبوعة.
٢٤ ـ قصيدة للشيخ غلبون الليبي ، ردّ بها على قصيدة الصنعاني الّتي مدح بها ابن عبدالوهاب ، تقع في أربعين بيتاً ، مطلعها :
سلامي على أهل الإصابة والرشد |
وليس على نجد ومن حلَّ في نجد |
وهي مذكورة في سعادة الدارين.
٢٥ ـ قصيدة أخرى للسيّد مصطفى المصري البولاقي ، يرد فيها أيضاً على قصيدة الصنعاني الّتي ذكرت في المصدر السابق ، تقع في مائة وستة وعشرين بيتاً ، مطلعها :
بحمد وليِّ الحمد ، لا الذم أستبدي
وبالحق لا بالخلق ، للحق أستهدي
٢٦ ـ قصيدة ثالثة للسيّد الطباطبائي البصري ، يرد فيها على قصيدة الصنعاني ، وقد كان لهذه القصائد الأثر الأكبر في إرجاع الصنعاني عن غيه الّذي وقع فيه ، حتّى بلغ به الأمر إلى إنشاد قصيدة يعلن فيها توبته ممّا بدر منه : مستهلها :
رجعت عن القول الّذي قلت في نجدِ
فقد صحّ لي عنه خلاف الّذي عندي
٢٧ ـ « سعادة الدارين في الرد على الفرقتين ـ الوهابيّة والظاهريّة ـ للعلّامة الشيخ إبراهيم السمنودي المنصوري المتوفّى في العقد الثاني من هذا القرن ، وقد طبع في مجلدين.
٢٨ ـ « الدرر السنية في الردّ على الوهابيّة » لمفتي مكّة السيّد أحمد زيني دحلان المتوفى سنة ١٣٠٤ هـ وهو مطبوع.
٢٩ ـ « شواهد الحق في التوسّل بسيّد الخلق » للشيخ يوسف النبهاني. طبع في مجلد.
٣٠ ـ « الفجر الصادق » لجميل صدقي الزهاوي ، مطبوع.
٣١ ـ « إظهار العقوق ممّن منع التوسل بالنبي والولي الصدوق » للشيخ المشرفي المالكي الجزائري.
٣٢ ـ رسالة في جواز التوسل ، للشيخ المهدي الوازناني مفتي فاس ، ردّ فيها على محمّد بن عبدالوهاب في منعه ذلك.
٣٣ ـ « غوث العباد ـ في ـ بيان الرشاد » للشيخ مصطفى الحمامي المصرى ، مطبوع.
٣٤ ـ « جلال الحق في كشف أحوال أشرار الخلق » للشيخ إبراهيم الحلبي القادري الاسكندري ، وهو كتاب جيد طبع في الاسكندريّة سنة ١٣٥٥ هـ.
٣٥ ـ « البراهين الساطعة » للعلّامة الشيخ سلامة العزامي المتوفّى سنة ١٣٧٩ هـ.
٣٦ ـ « النقول الشرعيّة في الردّ على الوهابيّة » للشيخ حسن الشطي الحنبلي الدمشقي ، مطبوع.
٣٧ ـ رسالة أُخرى له أيضاً في تأييد مذهب الصوفية والردّ على من ناوأهم ، مطبوعة.
٣٨ ـ رسالة في حكم التوسّل بالأنبياء والأولياء ، للشيخ محمّد حسنين مخلوف ، مطبوعة.
٣٩ ـ « المقالات الوفيّة في الردّ على الوهابيّة » للشيخ حسن قزبك ، مطبوعة.
٤٠ ـ « الأقوال المرضيّة في الردّ على الوهابيّة » وهي رسالة صغيرة للشيخ عطا الكسم الدمشقي.
والردود على الوهابيّة أكثر ممّا ذكر ، وقد اكتفينا بهذا العدد المبارك ، وفيه غنى وكفاية ، وكلّها لأهل السنّة والجماعة ، وأمّا الشيعة فحدث عنها ولا حرج ، وأوّل من ردّ عليه ، الفقيه الشيخ جعفر كاشف الغطاء الأكبر بكتاب أسماه بـ « منهج الرشاد لمن أراد السداد » كتبه ردّاً على الرسالة الّتي بعثها سعود بن عبدالعزيز إليه يشرح فيها مواقف الوهابيّة في المسائل الراجعة إلى التوحيد والشرك ، وقد طبع في النجف الأشرف عام ١٣٤٣ هـ ، ثم توالى النقد من علماء الشيعة بعد تدمير قباب البقيع عام ١٣٤٤ هـ ، إلى يومنا هذا ، ونشير إلى قليل من كثير مما طبع وانتشر باللغة العربيّة :
١ ـ الآيات البيّنات في قمع البدع والضلالات ، للشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء ( ١٢٩٤ ـ ١٣٧٣ هـ ) طبع بالنجف الأشرف ١٣٤٥ هـ.
٢ ـ الآيات الجلية في ردّ شبهات الوهابية ، للشيخ مرتضى كاشف الغطاء ( م ١٣٤٩ هـ ).
٣ ـ إزاحة الوسوسة عن تقبيل الأعتاب المقدّسة ، للشيخ عبدالله بن محمد حسن المامقاني ( ت ١٣٥١ هـ ) طبع في النجف الأشرف مع كتابه مخزن المعاني.
٤ ـ البراهين الجليّة في دفع شبهات الوهابيّة ، للسيّد محمّد حسن القزويني الحائري ( ت ١٣٨٠ هـ ) طبع بالنجف ( ١٣٤٦ هـ ).
٥ ـ التبرّك ، للشيخ علي الأحمدي الميانجي ، طبع في بيروت.
٦ ـ دعوى الهدى إلى الورع في الأفعال والفتوى ، للشيخ محمّد جواد البلاغي ( ت ١٣٥٢ هـ ). طبع في النجف الأشرف ( ١٣٤٤ هـ ).
٧ ـ الردّ على الوهابيّة ، للشيخ محمّد علي الغروي الأردوبادي ، طبع سنة ( ١٣٤٥ هـ ).
٨ ـ الردّ على الوهابيّة للسيّد حسن الصدر الكاظمي ( ت ١٣٥٤ هـ ) ، طبع في بغداد ( ١٣٤٤ هـ ).
٩ ـ كشف الارتياب في أتباع محمّد بن عبدالوهّاب ، للسيّد محسن الأمين العاملي ( ت ١٣٧٣ هـ ) طبع في صيدا.
١٠ ـ المواسم المراسم ، للسيّد جعفر مرتضى العاملي ، يبحث عن مشروعيّة إقامة مراسم الاحتفال في الأعياد ، أو مظاهر الحزن في المآتم ـ طبع في طهران.
١١ ـ هذه هي الوهابيّة ، للشيخ محمّد جواد مغنية العاملي ( ت ١٤٠٠ هـ ) طبع في بيروت.
١٢ ـ مع الوهابيين في خططهم وعقائدهم ، لمؤلّف هذا الكتاب ، طبع في طهران ، عام ( ١٤٠٦ هـ ).
١٣ ـ الوهابيّة في الميزان ، له أيضاً ، طبع في قم المشرفة عام ( ١٤٠٧ هـ ).
١٤ ـ وأخير الردود لا آخرها ـ التوحيد والشرك في القرآن الكريم ، له أيضاً ، استعرض فيه الآيات الواردة حولهما بإمعان ودقة ، وفند جميع مستمسكات الوهابيين فيه.
ولنكتف بهذا المقدار ، وإلّا فاردود عليها من الشيعة بألسنة مختلفة كثيرة.
« فاحتفظوا بكتبكم فإنّكم سوف تحتاجون إليها »
الإمام الصادق ( ع )
الهوامش
1. زيني دحلان : الدرر السنية : ص ٤٢ طبع الآستانة وغيره.
2. أحمد أمين : زعماء الإصلاح في العصر الحديث ، ص ١٠ بيروت ، وقد أرّخ الآلوسي ولادته بـ ١١١١ هـ لكنّه أرّخ وفاته بـ ١٢٠٦ هـ.
3. نفس المصدر السابق : ص ١٠.
4. مآثر سلطانية : ص ٨٢ و ...
5. ميرزا أبو طالب سفرنامه : ص ٤٠٩ و ...
6. نهج البلاغه ، قسم الحكم ٢٦٠.
7. صدقي الزهاوي : الفجر الصادق ص ١٧ والسيّد أحمد زيني دحلان : فتنة الوهابيّة ص ٦٦.
8. ميزرا أبو طالب : سفرنامه ، ص ٤٠٩.
9. محمّد جواد مغنية : هذه هي الوهابيّة ص ١١١.
10. الآلوسي ـ السيّد محمود : تاريخ نجد ، ص ١١.
11. فيلبي ـ عبدالله : تاريخ نجد ، ص ٣٦.
12. مغنية ـ محمّد جواد : هذه هي الوهابيّة ص ١١٢.
13. فيلبي ـ عبدالله : تاريخ نجد ، ص ٣٩٠ ط المكتبة الأهلية بيروت.
14. كشف الارتياب ص ١٣ ـ ١٤ نقلاً عن كتاب تاريخ نجد لمحمود شكري الآلوسي.
15. فيلبي : تاريخ نجد ص ٣٩.
16. أبو علية ـ عبدالفتاح : محاضرات في تاريخ الدولة السعوديّة الأولى ص ١٣ ـ ١٤.
17. فيليب حتّى : تاريخ العرب ج ٢ ص ٩٢٦ المترجم إلى الفارسيّة.
18. العقيدة والشريعة في الإسلام ص ٢٦٧ ط مصر الطبعة الثانية.
19. جبران شامية : آل سعود ماضيهم ومستقبلهم ، ط الرياض ص ٢٣.
20. محمّد جواد مغنية : هذه هي الوهابيّة ، ص ١١٤.
21. ابن بشر : عنوان المجد ، ج ١ ص ١٣.
22. ابن بشر : عنوان المجد ، ج ١ ص ٢٣.
23. فاسيليف : فصول من تاريخ العربيّة السعوديّة ـ ص ٢٨.
24. تاريخ نجد ، ص ٩٧.
25. ابن بشر : عنوان المجد ، ج ١ ص ٤٣ ـ ابن غنام : تاريخ نجد ، ج ٢ ص ٥٧.
26. تاريخ نجد ، ص ٩٨ ، ٩٩ ، ١٠٠ ، ١٠١.
27. ناصر السعيد : تاريخ آل سعود ، ص ٢٢ ـ ٢٣.
28. محمّد جواد مغنية : هذه هي الوهابيّة ، ص ١١٧ نقلاً عن ابن بشر عثمان ، عنوان المجد في تاريخ نجد.
29. السيّد محسن الأمين : كشف الارتياب ص ١٣ ـ ١٤ نقلاً عن كتاب تاريخ نجد لمحمود شكري الآلوسي.
30. الصواعق الإلهيّة ، ص ٢٧ ـ ٢٩ ، ط ١٣٠٦.
31. كشف الارتياب ، ص ٨.
32. السيّد محسن : كشف الارتياب : ص ١٦ ـ ١٩.
33. سليمان بن عبدالوهّاب النجدي : الصواعق الإلهيّة ، ص ٣ ـ ٤.
34. نفس المصدر السابق ، ص ٣٨.
35. سورة يونس : الآية ٣١.
36. سورة الزمر : الآية ٣.
37. سورة يونس : الآية ١٨.
38. محمّد بن عبدالوهّاب : رسالة أربع قواعد ص ١ ـ ٤ ط مصر المنار ، سورة العنكبوت : الآية ٦٥.
39. كشف الشبهات : ص ٣.
40. محمّد بن عبدالوهّاب : كشف الشبهات ، ص ٤ ، ط مصر بتصحيح محبّ الدين الخطيب.
41. سورة نوح : الآية ٥.
42. نفس المصدر السابق ، ص ٦.
43. سورة يونس : الآية ١٨.
44. نفس المصدر السابق.
45. يشير إلى ما رواه البخاري في كتاب الإيمان.
46. السيّد أحمد بن زيني دحلان : الدرر السنية في الردّ على الوهابيّة ، ص ٣٩ ـ ٤٠.
47. صدقي الزهاوي : الفجر الصادق ، ص ١٧ ـ ١٨.
48. السيّد محسن الأمين : كشف الارتياب ، ص ١٥ ـ نقلاً عن خلاصة الكلام.
49. الشيخ أحمد بن زيني دحلان : الدرر السنّية ، ص ٤١.
50. سعود بن عبدالعزيز بن محمّد وهو حفيد أوّل من بايع محمّد بن عبدالوهّاب ، وسيتم التعرض لتاريخ حياته.
51. السيّد محسن الأمين : كشف الارتياب ، ص ٩ نقلاً عن تاريخ نجد.
52. البداية والنهاية ، ج ١٤ ، حوادث عام ٧٢٨.
53. جميل صدقي : الفجر الصادق ، ص ١٤.
مقتبس من كتاب : [ بحوث في الملل والنّحل ] ، المجلّد : 4 / الصفحة : 333 ـ 361
التعلیقات
٢