حسن العشرة عند الامام الباقر عليه السلام
علي موسى الكعبي
منذ 11 سنةحسن العشرة
أكّد الإمام الباقر عليه السلام في أحاديث مستفيضة على تكريس مبدأ الأخاء في الله طلباً لمرضاة الله ، وبين فضل ذلك في الدارين ، فقال عليه السلام : « من استفاد أخاً في الله على إيمان بالله ووفاء بأخائه طلباً لمرضاة الله ، فقد استفاد شعاعاً من نور الله ، وأماناً من عذاب الله ، وحجّة يفلج بها يوم القيامة ، وعزّاً باقياً وذكراً نامياً ، لأنّ المؤمن من الله عزّ وجلّ لا موصول ولا مفصول » (1).
وأكّد على تعهّد الإخوان بالزيارة والتواصل والمصافحة ، وإيثارهم على النفس ، فقال عليه السلام : « إن لله عزّ وجلّ جنّة لا يدخلها إلّا ثلاثة : رجل حكم على نفسه بالحقّ ، ورجل زار أخاه المؤمن في الله ، ورجل آثر أخاه المؤمن في الله على نفسه » (2).
وقال عليه السلام : « أيّما مؤمن خرج إلى أخيه يزوره عارفاً بحقّه ، كتب الله له بكلّ خطوة حسنة ، ومحيت عنه سيّئة ، ورفعت له درجة ، وإذ طرق الباب فتحت له أبواب السماء ، فإذا التقيا وتصافحا وتعانقا أقبل الله عليهما بوجهه ، ثمّ باهى بهما الملائكة ، فيقول : انظروا إلى عبدي تزاورا وتحابا في ، حقّ عليّ ألّا أعذّبهما بالنار بعد هذا الموقف ، فإذا انصرف شيعه الملائكة عدد نفسه وخطاه وكلامه ، يحفظونه من بلاء الدنيا وبوائق الآخرة إلى مثل تلك الليلة من قابل ، فإن مات فيما بينهما أعفي من الحساب ، وإن كان يعرف من حقّ الزائر ما عرفه الزائر من حقّ المزور كان له مثل أجره » (3).
وقال عليه السلام : « إن المؤمنَين إذا التقيا فتصافحا أقبل الله عزّ وجلّ عليهما بوجهه ، وتساقطت عنهما الذنوب كما يتساقط الورق من الشجر » (4).
وجعل الصحبة الطويلة بمثابة القرابة ، فقال عليه السلام : « صحبة عشرين سنة قرابة » (5).
وأكّد على تعهّد الإخوان ومواصلتهم والإحسان إليهم والسعي في حاجاتهم ، فمن كلامه في هذا الاتّجاه : « ليس في الدنيا شيء أعون من الإحسان إلى الإخوان » (6).
وقال عليه السلام : « ما من عبد يمتنع من معونة أخيه المسلم والسعي له في حاجته قضيت أو لم تقض ، إلّا ابتُلي بالسعي في حاجة من يأثم عليه ولا يؤجر ، وما من عبد يبخل بنفقة ينفقها فيما يرضى الله ، إلّا ابتُلى بأن ينفق أضعافها فيما أسخط الله » (7).
وقال عليه السلام : « إنّ الله تعالى أوحى إلى داود : يا داود ، أنّ العبد من عبيدي ليأتيني بالحسنة فأحكمه بها في الجنّة ، فقال داود : يا ربّ ، وما تلك الحسنة ؟ قال : عبد مؤمن سعى في حاجة أخيه المؤمن أحبّ قضاءها ، قضيت له أم لم تقض » (8).
وإلى جانب ذلك أوصى عليه السلام بحسن السيرة والتعايش مع الآخر ولو كان منافقاً أو يهوديّاً ، فقال عليه السلام : « صانع المنافق بلسانك ، وأخلص ودك للمؤمنين ، وإن جالسك يهودي فأحسن مجالسته » (9).
وأوصى عليه السلام بالبشر وطلاقة الوجه ، كأحد مقومات حسن العشرة ، فقال عليه السلام : « البشر الحسن وطلاقة الوجه مكسبة للمحبّة وقربة من الله ، وعبوس الوجه وسوء البشر مكسبة للمقت وبعد من الله » (10).
وعلى الصعيد العملي ، عرف الإمام الباقر عليه السلام بحسن العشرة وتعهّد الإخوان والإحسان إليهم ، قال أبو عبيدة الحذاء : « كنت زميل أبي جعفر عليه السلام ، وكنت أبدأ بالركوب ، ثمّ يركب هو ، فإذا استوينا سلّم وسأل مسألة رجل لا عهد له بصاحبه وصافح ، قال : وكان إذا نزل نزل قبلي ، فإذا استويت أنا وهو على الأرض سلم وسأل مسألة من لا عهد له بصاحبه ، فقلت : يا ابن رسول الله ، إنّك لتفعل شيئاً ما يفعله أحد من قبلنا ، وإن فعل مرّة فكثير. فقال : أما علمت ما في المصافحة ، انّ المؤمنين يلتقيان ، فيصافح أحدهما صاحبه ، فلا تزال الذنوب تتحات عنهما كما يتحات الورق عن الشجر ، والله ينظر إليهما حتّى يفترقا » (11).
وعن أبي حمزة ، قال : « زاملت أبا جعفر عليه السلام فحططنا الرحل ثمّ مشى قليلاً ، ثمّ جاء فأخذ بيدي فغمزها غمزة شديدة فقلت : جعلت فداك ، أو ما كنت معك في المحمل ؟! فقال : أما علمت أن المؤمن إذا جال جولة ثمّ أخذ بيد أخيه ، نظر الله إليهما بوجهه ، فلم يزل مقبلاً عليهما بوجهه ، ويقول للذنوب تتحات عنهما ، فتتحات ـ يا أبا حمزة ـ كما يتحات الورق عن الشجر ، فيفترقان وما عليهما من ذنب » (12).
الهوامش
1. تحف العقول : ٢٩٥.
2. أعلام الدين : ١٢٦.
3. الكافي ٢ : ١٨٣ / ١.
4. الكافي ٢ : ١٨٠ / ٤.
5. تحف العقول : ٢٩٣.
6. اسعاف الراغبين : ٢٥٣.
7. تحف العقول : ٢٩٣.
8. أعلام الدين : ٢٦٥.
9. الأمالي / الشيخ المفيد ١٣ : ١٨٥ / ١٠ ، تحف العقول : ٢٩٢ ، أعلام الدين : ٣٠١.
10. تحف العقول : ٢٩٧.
11. الكافي ٢ : ١٧٩ / ١.
12. الكافي ٢ : ١٨٠ / ٧.
مقتبس من كتاب : [ الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ ] / الصفحة : 140 ـ 144
التعلیقات