زيارة أهل البيت عليهم السلام في الحديث الشريف
الدكتور صائب عبد الحميد
منذ 10 سنواتفي حديث أهل البيت عليهم السلام من الحث على زيارة مراقدهم والترغيب فيها والتذكير بحكمتها وعوائدها ما يغني المحتاج ، وهذه طائفة منتخبة منها :
١ ـ من حديث الاِمام علي عليه السلام : رواه الشيخ الطوسي عن محمد بن أحمد بن داود ، عن محمد بن علي بن الفضل ، قال : أخبرني الحسين بن محمد الفرزدق ، قال : حدَّثنا علي بن موسى بن الأحول ، قال : حدَّثنا محمد بن أبي السري إملاءً ، قال : حدَّثني عبدالله بن محمد البلوي ، قال : حدَّثني عمارة بن زيد ، عن أبي عامر الساجي واعظ أهل الحجاز ، قال : أتيت أبا عبدالله جعفر بن محمد عليه السلام فقلت له : يا ابن رسول الله ما لمن زار قبر أمير المؤمنين وعمَّر تربته ؟
قال : « يا أبا عامر ، حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه الحسين بن علي عليه السلام : انّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له : والله لتقتلنّ بأرض العراق وتدفن بها ، فقلت : يا رسول الله ، ما لمن زار قبورنا وعمرها وتعاهدها ؟ فقال لي : يا أبا الحسن ، إنّ الله جعل قبرك وقبر وُلدِك بقاعاً من بقاع الجنّة ، وعرصة من عرصاتها ، وانّ الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوته من عباده تحنّ إليكم ، وتحتمل المذلّة والاَذى فيكم ، فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقرّباً منهم إلى الله ، [ و ] مودّةً منهم لرسوله ، أولئك ـ يا علي ـ المخصوصون بشفاعتي ، والواردون حوضي ، وهم زواري غداً في الجنّة ... » الحديث (١).
ولعل في هذا الإسناد ضعف من جهة البلوي وعمارة بن زيد ، ولكن في الأحاديث التالية ما يعضده ويقويه ..
٢ ـ من حديث الإمام الحسن السبط عليه السلام : عن سعد بن عبدالله الأشعري ، عن أحمد ابن محمد بن عيسى ، عن محمد بن خالد البرقي ، عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن بن راشد ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام ، قال : « بينا الحسن بن علي عليه السلام في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ رفع رأسه فقال : يا أبه ، ما لمن زارك بعد موتك ؟ فقال : يا بني ، من أتاني زائراً بعد موتي فله الجنّة ، ومن أتى أباك زائراً بعد موته فله الجنّة ، ومن أتى أخاك زائراً بعد موته فله الجنّة ، ومن أتاك زائراً بعد موتك فله الجنّة » (2).
وفي إسناد هذا الحديث ثلاثة هم من كبار أئمة الحديث وحفاظه ونقاده : الأول طرف الإسناد الأقصى ، عبدالله بن سنان ، والثاني والثالث ، هما طرفه الأدنى ، سعد ابن عبدالله الأشعري ، وأحمد بن محمد بن عيسى.
وأمّا ما جاء في تضعيف محمد بن خالد البرقي ، فليس بقادح فيه بعد العلم بما أقرّوا به من منزلة البرقي في العلم والأدب والمعرفة بالاَخبار وعلوم العرب (3) ، هذا أولاً ، وثانياً بعد معرفة أنّ أحمد بن محمد بن عيسى لا يروي عن رجل متهم ، ولا يتساهل في الرواية عن الضعفاء والمتهمين ، فكان لا يروي إلاّ عمّن يعتقد وثاقته. وهو يعدّ شيخ القميين ووجههم وفقيههم ، غير مدافع (4).
ومن أجل هذا أيضاً يشفع الضعف المروي في الحسن بن راشد (5).
وبعد هذا فالحديث مشفوع بالحديث الآتي أيضاً ، وهو مطابق له متناً.
٣ ـ من حديث الإمام الحسين السبط عليه السلام : محمد بن أحمد بن داود ، عن محمد بن الحسن الكوفي ، قال : حدَّثنا محمد بن علي بن معمر ، قال : حدّثنا محمد بن مسعدة ، قال : حدّثني عبدالرحمن بن أبي نجران ، عن علي بن شعيب ، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام ، قال : « بينا الحسين عليه السلام قاعدٌ في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم ، إذ رفع رأسه إليه فقال : يا أبه ، قال : لبيك يا بني ، قال : ما لمن أتاك بعد وفاتك زائراً لا يريد إلاّ زيارتك ؟ قال : يا بني ، من أتاني بعد وفاتي زائراً لا يريد إلاّ زيارتي فله الجنّة ، ومن أتى أباك بعد وفاته زائراً لا يريد إلاّ زيارته فله الجنّة ، ومن أتى أخاك بعد وفاته زائراً لا يريد إلاّ زيارته فله الجنّة ، ومن أتاك بعد وفاتك زائراً لا يريد إلاّ زيارتك فله الجنّة » (6).
٤ ـ من حديث الاِمام الباقر عليه السلام : محمد بن أحمد بن داود ، عن الحسن بن محمد بن أحمد بن الوليد ، قال : حدّثنا الحسن بن متيل الدقاق وغيره من الشيوخ ، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي ، قال : حدّثني الحسن بن علي بن فضّال ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : « مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السلام ، فإنّ إتيانه يزيد في الرزق ، ويمد في العمر ، ويدفع مدافع السوء. وإتيانه مفترض على كل مؤمن يقرّ له بالإمامة من الله » (7).
٥ ـ من حديث الإمام الصادق عليه السلام : محمد بن أحمد بن داود ، عن الحسن بن محمد ابن علان ، عن حميد بن زياد ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن يزيد ، عن علي ابن الحسن ، عن عبدالرحمن بن كثير ، قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : « لو أن أحدكم حجّ دهره ثمَّ لم يزر الحسين بن علي عليهما السلام لكان تاركاً حقّاً من حقوق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لأنّ حق الحسين عليه السلام فريضة من الله تعالى واجبة على كل مسلم » (8).
ولا ريب في أن تكون لزيارة الإمام الحسين عليه السلام مثل هذه المزية ، ذلك أنّ للحسين عليه السلام خصوصية فريدة ، في دوره الفريد في تاريخ الإسلام ، فلقد كان في حركته العظمى من أجل إحياء الدين وكشف أسطورة السلاطين العابثين ، تجسيداً حياً للفاروق الأعظم الذي لم يدع برزخاً بين الولاء الحق لرسالة السماء الصافية ، وبين التحايل على الدين لدى طائفة الحكام وحواشيهم ، والذل والخنوع والرضا بالدون لدى سائر الناس .. لذا فإنّ زيارته التي تستحضر هذا البعد الأساس ، هي مصداق الولاء لله ولرسوله ولأوليائه ولدينه الحنيف ، من ناحية ، ومصداق البراءة من سلاطين الجور وشياطين الأنس من ناحية أخرى.
ومن هنا أكثر أئمة أهل البيت عليهم السلام من الحث على زيارته ، وافرادها بفضائل خاصة قد لا نجد نظيرها في ما ورد في زيارة غيره من الأئمة عليهم السلام (9).
ونجد البعد الأساس في الزيارة المتمثل في الاعتراف بالحق وتجديد العهد وأداء الأمانة ، صريحاً في حديث الإمام الرضا عليه السلام الآتي :
٦ ـ من حديث الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام : محمد بن أحمد بن داود ، عن أبيه ، قال : حدّثنا محمد بن السندي ، عن أحمد بن إدريس ، عن علي بن الحسين النيسابوري ، عن عبدالله بن موسى ، عن الحسن بن علي الوشاء ، قال : سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول : « إنّ لكل إمام عهداً في عنق أوليائهم وشيعتهم ، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء ، زيارة قبورهم ، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقاً لما رغبوا فيه ، كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة » (10).
هذه هي فلسفة الزيارة في أوجز عبارة.
الهوامش
1. تهذيب الأحكام ٦ : ٢٢ / ٧.
2. تهذيب الأحكام ٦ : ٢٠ / ١ ، و ٤٠ / ١.
3. انظر : رجال النجاشي : ٣٣٥ / رقم ٨٩٨.
4. انظر : رجال النجاشي : ٨١ ـ ٨٢ رقم ١٩٨.
5. رجال النجاشي : ٣٨ رقم ٧٦.
6. تهذيب الأحكام ٦ : ٢١ / ٥ ، و ٤٠ / ٢.
7. تهذيب الأحكام ٦ : ٤٢ / ١.
8. تهذيب الأحكام ٦ : ٤٢ / ٢.
9. انظر : تهذيب الاَحكام ٦ : ٤٢ ـ ٥٢ باب ١٦.
10. تهذيب الأحكام ٦ : ٧٨ ـ ٧٩.
مقتبس من كتاب الزيارة والتوسّل
التعلیقات