العصمة أم الشروط الأربعة عشر ؟
السيّد محمّد بن حمود العمدي
منذ 10 سنواتترى الاماميةُ الاثنا عشرية ـ بناءاً على قولها باللطف الالهيّ المطلق ـ أنَّ الامامَ لابُدَّ أن يكون معصوماً ، وأنّ منصب الامامة منصبٌ لايستحقه إلاّ المعصوم.
يقول الشيخ المفيد (١) في « أوائل المقالات » (٢) : « واتَّفَقَتْ الاماميّةُ على إمام الدين لايكون إلاّ معصوماً من الخلاف للهِ تعالى ، عالماً بجميع علوم الدين ، كاملاً في الفضل ، بايناً من الكلِّ بالفضل عليهم في الاعمال التي يُسْتَحَقُّ بها النعيم المُقيم » (3).
ويُستدل على ذلك بالعقل قبل النقل ، جاءَ في « الذخيرة » (4) للشريف المرتضى :
« فأمّا الذي يدلُّ على وجوب العصمة له من طريق العقل ، فهو أنّا قد بيّنَا وجوب حاجة الاُمّة إلى الامام ، ووجدنا هذه الحاجة تثبت عند جواز الغلط عليهم (5) ، وانتفاء العصمة عنهم ، لمابيّنّاه من لزومها لكلِّ من كان بهذه الصفة ، وينتفي بانتفاء جواز الغلط ، بدلالة أنّهم لو كانوا بأجمعهم معصومين لايجوز الخطأُ عليهم ; لما احتاجوا إلى إمام يكون لطفاً لهم في ارتفاع الخطأ ، وكذلك لمّا كان الانبياء معصومين لم يحتاجوا إلى الروساء والائمة ، فثبت أن جهة الحاجة هي جواز الخطأ.
فإن كان الامام مشاركاً لهم في جواز الخطأ عليه فيجب أن يكون مشاركاًلهم في الحاجة إلى إمام يكون وراهُ ، لان الاشتراك في العلّة يقتضي الاشتراك في المعلول.
والقول في الامام الثاني كالقول في الاوّل ، وهذا يُؤدِّي إلى إثبات ما لا يتناهى من الائمة أو الوقوف إلى إمام معصوم ، وهو المطلوب » (6).
وترى الاثنا عشرية أنّ لقولها بالعصمة أدلةً من النقل أيضاً ; فالاية الشريفة ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيْمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّيْ جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامَاً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِيْ قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِيْ الظَّالِمِيْنَ ) (7) ، دليلٌ كبيرٌ على العصمة من كتاب الله تعالى مع تفصيل وتفسير طويلان جدّاً ، ليس هذا مجال بحثهما.!
ولكن على سبيل الاختصار يمكن أن يقال : « إن الظلم بكلِّ ألوانه وصوره مانعٌ عن نيل هذا المنصب الالهي (8) ، فالاستغراق في جانب الافراد يستلزم الاستغراق في جانب الظلم ، وتكون النتيجة ممنوعيّة كلِّ فرد من أفراد الظَّلَمَة عن الارتقاء الى منصب الامامة ، سواء أكان ظالماً في فترة من عمره ثم تاب وصار غير ظالم ، أو بقي على ظلمه ، فالظالم عندما يرتكب الظلم يشمله قوله سبحانه : ( لاَ يَنَالُ عَهْدِيْ الظَّالِميْنَ ) ، فصلاحيته بعد ارتفاع الظلم تحتاج إلى دليل.
وعلى ذلك ، فكلّ من ارتكب ظلماً ، وتجاوز حدَّاً في يوم من أيام عمره ، أو عبد صنماً ، أو لاذ إلى وثن ، وبالجملة ارتكب ما هو حرام ، فضلاً عمّا هو كفر ، يُنَادَى من فوق العرش : ( لاَ يَنَالُ عَهْدِيْ الظَّالِميْنَ ) أي أنتم الظلمة الكفرة المتجاوزون عن الحدّ ، لستم قابلين لتحمل منصب الامامة ؛ من غير فرق بين أن يصلح حالهم بعد تلك الفترة ، أو يبقوا على ماكانوا عليه.
وهذا يستلزم أن يكون المؤهَّل للامامة طاهراً من الذنوب من لدن وُضِعَ عليه القلم إلى أن أُدْرِجَ في كفنه وأدخل في لحده ، وهذا ما نسميه بالعصمة في مورد الامامة » (9).
ومن أدلة الامامية الاثني عشرية على العصمة من الكتاب العزيز قوله تعالى : ( أَطِيْعُوْا اللهَ وَأَطِيْعُوْا الرَّسُوْلَ وَأُوْلِيْ الاَْمْرِ مِنْكُمْ ) (10) « فإنه تعالى أوجب طاعة أولي الامر على الاطلاق كطاعته وطاعة الرسول ، وهو لا يتم إلاّ بعصمة أولي الامر ، فإنّ غير المعصوم قد يأمر بمعصية وتحرم طاعته فيها ، فلو وجبت أيضاً اجتمع الضدّان : وجوب طاعته وحرمتها ، ولايصحّ حمل الاية على إيجاب الطاعة له في خصوص الطاعات ; إذ ـ مع منافاته لاطلاقها ـ لا يجامع ظاهرها من إفادة تعظيم الرسول وأولي الامر بمساواتهم لله تعالى في وجوب الطاعة ، إذ يقبح تعظيم العاصي ، ولا سيّما المنغمس بأنواع الفواحش.
على أن وجوب الطاعة في الطاعات ليس من خواص الرسول وأولي الامر ، بل تجب طاعة كل آمر بالمعروف ، فلابدّ أن يكون المراد بالاية بيان عصمة الرسول وأولي الامر وأنّهم لا يأمرون ولا ينهون إلاّ بحقّ » (11).
ومن السنة : قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إني تارك فيكم الثقلين ـ أو الخَليفتين ـ : كتاب الله وعترتي أهل بيتي » ، فقد قال السيّد محسن الامين العاملي بعد ذكر هذا الحديث وغيره : « دلّت هذه الاحاديث على عصمة أهل البيت من الذنوب والخطأ ، لمساواتهم فيها بالقرآن الثابت عصمته في أنّه أحد الثقلين المخلّفين في الناس ، وفي الامر بالتمسّك بهم كالتمسّك بالقرآن ، ولو كان الخطأ يقع منهم لما صحّ الامر بالتمسّك بهم الذي هو عبارة عن جعل أقوالهم وأفعالهم حجةً ، وفي أنّ المتمسّك بهم لا يضِلّ كما لا يضِلّ المتمسّكُ بالقرآن ، ولو وقع منهم الذنوب أو الخطأ لكان المتمسّك بهم يضلُّ ، وإنّ في اتباعهم الهدى والنور كما في القرآن ، ولو لم يكونوا معصومين لكان في اتباعهم الضلال ، وأنَّهم حبلٌ ممدودٌ من السماء إلى الارض كالقرآن ، وهو كنايةٌ عن أنّهم واسطةٌ بين الله تعالى وبين خلقه ، وأنّ أقوالهم عن الله تعالى ، ولو لم يكونوا معصومين لم يكونوا كذلك. وفي أنّهم لم يفارقوا القرآن ولن يفارقهم مُدّةَ عمر الدنيا ، ولو أخطأوا أو أذنبوا لفارقوا القرآن وفارقهم ، وفي عدم جواز مفارقتهم بتقدّم عليهم بجعل نفسه إماماً لهم أو تقصير عنهم وائتمام بغيرهم ، كما لايجوز التقدّم على القرآن بالافتاء بغير مافيه أو التقصير عنه باتّباع أقوال مخالفيه ، وفي عدم جواز تعليمهم (12) وردّ أقوالهم ، ولو كانوا يجهلون شيئاً لوجبَ تعليمهم ولم يُنه عن ردِّ قولهم » (13).
وأمّا الزيديةُ فإنها لا ترى ضرورة عصمة الامام ، بل أنّ لهُ شروطاً أربعة عشر.
يقول الشرفي (14) : « وشروط صاحبها ـ أي شروط الامام ـ أربعة عشر شرطاً :
الاوّل : البلوغ والعقل ، للاجماع على أن لا ولاية للصبي والمجنون على أنفسهما فضلاً عن غيرهما ».
الثاني : الذكورة ، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ما أفلح قومٌ ولّوا أمرهم امرأةً ، ولانّ المرأة لا تولّى جميع أمرها ، ولانها ممنوعة من مخالطة الناس وغير ذلك.
والثالث : الحرية ....
والرابع : ... المنصب ، فلا تصح الامامة إلاّ في منصب مخصوص بيّنه الشارع ....
الخامس : ... الاجتهاد ...والسادس : ... الورع ...
والسابع : اجتناب المهن المسترذلة.
الثامن : الافضلية ...
والتاسع : الشجاعة ...
والعاشر : التدبير ...
والحادي عشر : القدرة على القيام بثمرة الامامة ...
والثاني عشر : السخاء بوضع الحقوق في مواضعها ..
والثالث عشر : السلامة من المنفرات نحو الجذام والبرص ...
والرابع عشر : سلامة الحواس والاطراف ... » (15).
وهي تستدلّ على كلِّ شرط على حدة باستدلالات عقلية ونقلية.
وليس لديهم استقرارٌ على القول بأربعة عشر شرطاً ، فهذا « يحيى بن حمزة » يقول :
« ... أن طريق الامامة عندنا ـ ممن ليس بمنصوص عليه ـ هي الدعوة ، فمن قام منهم ودعا إلى الامام مستجمعاً لاُمور أربعة : ... وجب على كافّة المسلمين نصرتُه والدعاءُ إليه ، والاحتكام لامره ، والتقوية لسلطانه » (16). ويرى عبدالله بن حمزة أن تلك الشروط « ستة » (17).
وأّما « العصمة » فالزيدية لا تراها :يقول « الشرفي » :
« قال عليه السلام (18) : « ولا دليل عليها » أي على اشتراطها أي العصمة « إلاّ تقدير حصول المعصية من الامام « لو لم يكن معصوماً » أي لادليل لهم (19) على اشتراط العصمة إلاّ تقديرحصول المعصية وهو لا يصلح دليلاً ; لما ذكره ( عليه السلام ) بقوله :
« قلنا : ذلك التقدير حاصل في المعصوم فيفرض حصول المعصية منه كما قال تعالى في سيد المعصومين ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) (20).
ولا يلزم من هذا الفرض وقوع الشرك منه صلى الله عليه وآله وسلم.
« قالوا : لا سواءَ فإنّه « امتنع وقوعها من المعصوم » قطعاً ولو قُدِّرت منه تقديراً فإنّا نعلم انتفاءَها « بخلاف غيره » أي غير المعصوم فإنّه ـ مع تقديرها منه ـ يمكن وقوعها ولا يمتنع فلم يستوِ التقديران « قلنا ما دام » الامام « عدلاً فلا وقوع » للمعصية منه « وإن وقعت منه » المعصية « فَكَلوْماتَ المعصومُ » ؛
لانّ تقدير موت الامام المعصوم ووقوع المعصية من الامام غير المعصوم سواءٌ في كونهما مبطلين للامامة ، فهلاّ منعتم من قيام الامام المعصوم ـ لتقدير موته ، كما منعتم من إمامة العدل لتقدير معصيته ، وكذلك تقدير العمى والجذام أو نحو ذلك ؟ » (21).
ومع ذلك فهنالك من الزيدية من ذهب إلى اشتراط العصمة في الامام « كأبي العبّاس الحسني » (22) وهو من هو عند الزيدية !!
بل إن عبارات كبار أئمة الزيدية في صفة الامام لتكاد توحي بأنها لا تنطبق إلاّ على المعصوم أو لا تنادي إلاّ بالمعصوم!
يقول الهادي يحيى بن الحسين (23) : « وكذلك الاوصياء فلا تثبت للخلايق وصية الانبياء إليهم إلاّ باستحقاق لذلك العلم والدليل ، فأمّا الاستحقاق منهم لذلك المقام الذي استوجبوا به من الله العلمَ والدليلَ فهو فضلهم على أهل دهرهم وبيانهم عن جميع أهل ملَّتهم بالعلم البارع والدين والورع والاجتهاد في أمر الله وعلمهم ودليلهم فهوالعلم بغامض علم الانبياء والاطلاع على خفىّ أسرار الرسل واحاطتهم بماخصّ الله به أنبياءه حتى يوجد عندهم من ذلك ما لا يوجد عند غيرهم من أهل دهرهم فيستدلّ بذلك على ما خصّهم به أنبياؤهم وأُلْقِيَ إليهم من مكنون علمها وعجايب فوايد ما أوحى الله به إليها ممّا لا يوجد أبداً عند غير الاوصياء » (24).
وأمّا قول « القاسم بن محمّد » (25) بأنه لا دليل عليها ( أي على اشتراطها = العصمة ) إلاّ تقدير حصول المعصية ; فمجازفة !!
لادلة كثيرة !منها :
أولاً : أنّ الامامية المتقدمين والمتأخرين (26) لم يذكروا أنّ مستندهم الوحيد في ايجابهم العصمة للامام هو « تقدير حصول المعصية » ، بل لم يذكروه ـ أصلاً ـ كدليل على إيجاب العصمة.
ما نراه في كتبهم استدلالاً على العصمة وضرورتها هو :
١ ـ أنّه لو لم يكن [ الامام ] معصوماً لزم التسلسل (27) ، والتالي باطلٌ فالمقدَّم مثله » (28).
« والدليل على وجوب كونه معصوماً : أنّ الرئاسة إنّما وجبت من حيث كانت لطفاً ، يقلُّ الفسادُ ويَكْثُرُ الصلاحُ عندها ، وكان الامر منعكساً مع فقدها من كثرة الفساد وقلّة الصلاح ، فالرئيس لايخلو من أن يكون معصوماً أو لايكون معصوماً. إن كان معصوماً فهو المقصود ، وإن لم يكن معصوماً كان محتاجاً إلى رئيس آخر ، ثم الكلام في رئيسه كالكلام فيه ، في أنّه إن لم يكن معصوماً احتاج إلى رئيس آخر ، فكذا الثالث يحتاج إلى رابع ، والرابع إلى خامس ، وذلك يؤدِّي إلى إثبات ما لاينحصر من الرؤساء ، وهو باطلٌ ، أو إلى إثبات رئيس معصوم ، وبه يتُم المقصود ، فإنّه يكون إماماً للكلِّ ومن عداه يكونون نوّابه وعمّاله وأمراءه ، وإنّما قلنا : إذا لم يكن معصوماً احتاج إلى رئيس آخر من حيثُ : إن العِلّة المحوجة إلى رئيس ـ وهي ارتفاع العصمة وجواز الخطأ ـ تكون قائمة فيه » (29).
٢ ـ آية التطهير
( إِنّما يُرِيْدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيْراً ) (30).
« وأمّا دلالتها على العصمة ، فتظهر إذا اطّلعنا على أنّ المرادَ من الرجس هو القذارة المعنوية لا المادية ...
وعلى ضوء هذا ، فالمراد من الرجس في الاية : كل عمل قبيح عرفاً أو شرعاً ، لا تقبله الطباع ، ولذلك قال سبحانه بعد تلك اللفظة : ( وَيُطَهِّرَكُم تَطْهِيْرَاً ) ، فليس المراد من التطهير ، إلاّ تطهيرهم من الرجس المعنوي الذي تُعدُّ المعاصي والمآثم من أظهر مصاديقه.
وقد ورد نظير الاية في حقّ السيدة مريم ، قال سبحانه ( إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِيْنَ ) (31).
ومن المعلوم أنَّ تعلّق الارادة التكوينية على إذهاب كلِّ رجس وقذارة ، وكلِّ عَمَل مُنَفِّر ـ عرفاً أو شرعاً ـ يجعل مَنْ تعلَّقت به الارادة إنساناً مثاليّاً ، نزيهاً عن كلِّ عيب وشين ، ووصمة عار » (32).
٣ ـ ما سبق ذكره من استشهاد الامامية بآية الامامة (33) ، وطريقة استدلالها بتلك الاية.
وغيرها من الادلّة.
ثانياً :
أنّ من عرف « مبنى » الامامية الاثني عشرية ـ وهو « قاعدة اللطف » ـ جزم ـ بإنصاف ـ بأنّ قولهم بعصمة الامام إنما هو نابعٌ من صميم النتائج العقلية الضرورية لمن التزم بقاعدة اللطف في مسألة الامامة.
ثالثاً :
أنّ الزيدية ـ نفسها ـ احتارت أمام الدلائل التي تفرض نفسها للعصمة ، فاضطرّت إلى القول بالعصمة ، ولكنّها وقعت في مأزق خطير وهو ادّعاء العصمة في العترة ـ هكذا ، مُطْلَقةً ـ في أولاد الحسنين !! (34) ، وكما يعبّر الفلاسفة والمنطقيون « في الجملة لا بالجملة » بدون أن تحدّد ، بل قالت : « وجماعة العترة معصومة » فالقول بالعصمة هو قول الزيدية أيضاً !! إلاّ أنها جعلته في العترة عامّة ، وهذا القول فيه ما فيه!! خصوصاً إذا ما لوحظ أنَّ الزيديّة تنفي عن نفسها القول بعصمة آحاد أهل البيت (35).
وحديث « الثقلين » القارن « العترة = أهل البيت بالقرآن = المعصوم » ـ بحد ذاته ـ كاف ليكون أباً لكل أدلّة القائلين بعصمة الامام.وكم قد رأينا ـ علماً وعملاً ـ جرّاء عدم القول بضرورة عصمة الامام ولابدّيتها : أن كلَّ الشروط التي تطرح تحت عنوان « صفة الامام » لم تكن سوى شروط كمالية مثالية قلَّ من رقى إليها.
وهذا هو الذي جعل كثيراً من أئمة الزيدية لا يعتبرون بعض الشروط ، كما هو المعروف عن « يحيى بن حمزة » وعدم اعتباره للاجتهاد شرطاً في الامام (36).
وأمّا مراجعة تاريخ اليمن وتاريخ أئمة اليمن بوجه خاص ففيه الادلّة الكثيرة التي تؤيد « مثاليّة » الشروط التي اعتبرت في الامام (37).
ثمّ نتساءَل !
إلى أين أوصلنا القول بأن لا ضرورة للقول بالعصمة ؟
ألم يوصلنا ـ في فترة من الزمن ; امتدتْ إلى هذه الفترة ـ إلى أن نضرب
صفحاً عن مناهج أهل البيت ( عليهم السلام ) ونجعل منابع شريعتنا غيرها (38) !؟ألم نصل إلى القول تارة « بالنصّ الخفيّ » في الامامة وتارة « بالنصّ الجليّ » ونكون قد ارتكبنا جُرماً عقائدياً ـ إن صحَّ التعبير ـ عندما نقول بالاوّل منهما !!
ألم نصل إلى أن نُصْبِحَ حيارى في أخذ ديننا عن من ؟ بل حتّى العلماء صاروا حيارى ; إن لم يكونوا أوّلَ من احتار !!
وندندنَ كالسيد الحافظ إسحاق بن يوسف بن الامام المتوكّل على الله (39) :
أيهــــا الاعلام مــن ساداتنــــــا * ومصابيــــح ديــاجــي المُشكــــــلِ
خبِّرونا هل لنـــــــا من مذهــب * يُقتفى في القول أو في العمــل ؟
أم تُركْنــــــا هَمَلاً نَرعــــى بلا * سائـــــم نقفـــــــوهُ نَهْجَ السُبُــــلِ !
فإذا قلنا « ليحيى » (40) قيل لا * ها هنا الحقُ لزيد بن علـــــي ! (41)
وإذا قلنــا « لزيــد » حكمـــــــوا * أن « يحيــى » قولــه النصُّ الجلي
وإذا قلنــــا لِهــــــــذا ولِـــــــــذا * فهمُ خيــــرُ جميــــــــعِ الملــــــــل
أو سواهم من بني فاطمــــة * أُمنــــــاءِ الوحـــــي بعدَ الرُسُـــــل
قرّروا المذهب قولاً خارجــــــاً * عن نصوص الالِ فابعثْ وسلِ ! (42)
الهوامش
1. محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادي الكَرْخي ( ٣٣٦ أو ٣٣٨ ـ ٤١٣ هـ ) الشيخ المفيد ، ابن المعلّم ، عالم الشيعة ، صاحب التصانيف الكثيرة ، شيخ مشائخ الطائفة الامامية الاثني عشرية ، لسان الامامية ، رئيس الكلام والفقه ، كان يناظر أهل كلّ عقيدة ، كثير الصدقات ، عظيم الخشوع ، كثير الصلاة والصوم ، خشن اللباس ، له أكثر من مائتي مصنّف ، كانت جنازته مشهودة ، وشيّعه ثمانون ألفاً. انظر : حياة الشيخ المفيد ومصنّفاته ، أعيان الشيعة : ٩ / ٤٢٠ ، سير أعلام النبلاء : ١٧ / ٣٤٤ ، تاريخ الاسلام : ( حوادث ٤١١ ـ ٤٢٠ هـ : ٣٣٢ ) الاعلام : ٧ / ٢١ ، معجم رجال الحديث : ١٨ / ٢١٣.
2. « أوائل المقالات في المذاهب والمختارات » للشيخ المفيد ، كتاب يشتمل على « الفرق بين الشيعة والمعتزلة وفصل مابين العدلية من الشيعة ومن ذهب إلى العدل من المعتزلة والفرق مابينهم من بعد وبين الامامية فيما اتفقوا عليه من خلافهم فيه من الاصول ، وذكر ـ في أصل ذلك ـ ما اجتباه هو من المذاهب المتفرّعة عن أصول التوحيد والعدل والقول في اللطيف من الكلام ... ».
وقد طبع هذا الكتاب عدة طبعات ، وهو من أجود الكتب في بابه.
3. أوائل المقالات : ٤ ، ٥.
4. « الذخيرة في علم الكلام أو ذخيرة العالم وبصيرة المعلِّم وهو من تتمة كتاب الملخص في أصول الدين » هو أحد كتابين جليلين في علم الكلام حلاّ في الرعيل الاوّل من الكتب الكلامية التي تناولت بيان مذهب الشيعة الامامية وتبنّت الذبَّ عن أصوله الاعتقادية وتركيز الاسس العلمية التي اعتمدتها في دعم عقيدتها ، كما يصفه المحقق السيّد أحمد الحسيني.
5. أي على الاُمّة.
6. الذخيرة : ٤٣٠ ، ٤٣١.
7. سورة البقرة : ١٢٤.
8. الامامة.
9. الالهيات : ٤ / ١٢٢.
10. النساء : ٥٩.
11. دلائل الصدق : ٢ / ١٧.
12. اشارة إلى رواية لحديث الثقلين فيها ( ... ولا تعلموهم فإِنَّهم أعلم منكم ... ) راجع تخريجه في « المراجعات » لشرف الدين ص ٣٦ طبع دار الكتاب الاسلامي أو ص ١٦ طبعة ( مطبوعات النجاح بالقاهرة ). وراجع تخريج حديث الثقلين في : حديث الثقلين تواتره فقهه كما في كتب السنة ، الاعتصام : ١ / ١٣٢ ـ ١٥٢ ، لوامع الانوار : ١ / ٥١ ، بحارالانوار : ٢٢ / ٤٧٥ ، ٣٦ / ٣٢٩ ، ٤٥ / ٣١٣ ، ٦٨ / ٢٢ ، نفحات الازهار : الجزء الاوّل.
13. الغدير : ٣ / ٢٩٧ ، ٢٩٨ ، وراجع : الاصول العامة للفقه المقارن : ١٦٤ ـ ١٨٩.
14. أحمد بن محمد بن صلاح الشرفي ( ٩٧٥ ـ ١٠٥٥ ) كان من ولاة الامام القاسم ابن محمّد وشرح كتابه الاساس بشرحين صغير وكبير ، عالم موسوعي ورع وأديب يصفه صاحب « نسمات الاسحار » بخاتمة المحقِّقين له مؤلفات ومصنفات يُدرس بعضها في حلقات العلم عند الزيدية. انظر : عدة الاكياس : ١ / ١٧ ، البدر الطالع : ١ / ٨٢ ، الاعلام : ١ / ٢٣٨.
15. عدة الاكياس : ٢ / ١٢٠ ـ ١٣٤.
16. المعالم الدينية : ١٤٤.
17. ديوان عبدالله بن حمزة وعنه دائرة المعارف الاسلامية الشيعية : ٧ / ٢٢٢.
18. القائل هو القاسم بن محمّد ( ١٠٢٩ ) صاحب المتن المشروح والمسمّى بـ « الاساس » وقد طبع هذا المتن في بيروت عام ١٩٨٠ هـ بتحقيق الدكتور البيرنصري نادر عن دار الطليعة ، وطبعه بتحقيق آخر / محمد قاسم الهاشمي ـ مكتبة التراث الاسلامي / صعده ـ اليمن وصدرت الطبعة الثانية منه عام ١٤١٥ هـ.
19. أي الاثني عشرية.
20. الزمر : ٦٥.
21. عدّة الاكياس : ٢ / ١٣٤ ، ١٣٥.
22. عدة الاكياس : ٢ / ١٣٤. وأبوالعبّاس الحسني هو : أحمد بن إبراهيم الحسني المعروف بأبي العبّاس ( ٣٥٣ ) وُصف في كتب الزيدية بـ « السيّد الامام الحافظ ، الحجة ، شيخ الائمة ، ربّاني آل الرسول ، وشيخ المعقول والمنقول ، لم يبق شيءٌ من فنون العلم إلاّ طار في أرجائه ، وهو تلميذ الامام الناصر الاطروش ، وشيخ الامامين الجليلين أبي طالب والمؤيد بالله.
قال عنه عبدالله بن حمزة : « الفقيه المناظر المحيط بألفاظ العترة أجمع غير مدافع ولا منازع ، كان محل الامامة ، ومنزل الزعامة. انظر : التحف : ١١٨ ، أعيان الشيعة : ٢ / ٤٦٩.
23. الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم الرسّي ( ٢٤٥ ـ ٢٩٨ ) أوّل أئمة الزيدية في اليمن ، له مقام شامخ عند الزيدية لا يكاد يرقى إليه إمام ـ من أئمتهم ـ غيره ، كان على ورع شديد ، كتب ابن عمّه عليّ بن محمد العبّاسي العلوي سيرته في مجلد ضخم طبع بتحقيق الدكتور سهيل زكّار سنة ١٣٩٢ هـ ـ دار الفكر بيروت ـ في ٤١٨ صفحة.
عالم ، فقيه ، سياسي ، مؤسس دولة الائمة في اليمن ، وواضع أسس الهادوية حارب القرامطة حروباً شديدة ، وكان له ولفقهه شأن عظيم في تاريخ اليمن ، مقامُه بـ « صعدة » مشهور مزور. من كتبه « الاحكام في الحلال والحرام ». انظر : الافادة : ١٢٨ ، الاعلام : ٨ / ١٤١ ، الحدائق الوردية : ٢ / ١٣ ، التحف : ٩٩ ، الموسوعة اليمنية : ٢ / ١٠١٨ ، تاريخ الاسلام ( حوادث ووفيات ٢٩١ ـ ٣٠٠ هـ ) : ٣٢١.
24. المجموعة الفاخرة : ٤٨.
25. عدّة الاكياس : ٢ / ١٣٤ ـ ١٣٥.
القاسم بن محمّد بن علي بن الرشيد ( ٩٦٧ ـ ١٠٢٩ ) فقيه ، عالم ، قام بدور سياسي بارز في محاربة الاتراك بعد أن ادّعى الامامة سنة ١٠٠٦ ، ترك كثيراً من المؤلّفات منها : « الاعتصام » في الحديث و « الاساس » في أصول الدين ، أُلّف في ترجمته كتاب باسم « النبذة المعشيرة » لُقّب بالمنصور بالله ، انظر : التحف : ٢٢٩ ، البدر الطالع : ١ / ٣٨٥ ، الموسوعة اليمنية : ٢ / ٧٣٨ ، الاعلام : ٥ / ١٨٢.
26. راجع : الذخيرة : ٤٣٠ ، مناهج اليقين : ٢٩٧ ـ ٢٩٩ ، أوائل المقالات : ١٩ ، عقائدالامامية : ٣١٣ ، أصل الشيعة وأُصولها : ٢١٢ ، الالهيات : ٤ / ١١٦ ـ ١٣٠.
27. أي حاجة « الامام » غير المعصوم إلى « إمام معصوم ».
28. « اصطلاح منطقي » بعبارة أُخرى : إن التسلسل باطلٌ ، والقول بعدم عصمة الامام يستلزم احتياجه إلى من هو أعلم وأكمل منه وهذا الاعلم والاكمل هكذا يحتاج إلى من هذا أعلم وأكمل منه وهذا يؤدّي إلى التسلسل ; إذن القول بعدم العصمة للامام ـ القول الذي يؤدّي إلى التسلسل ـ باطل ، فيثبت القول بعصمة الامام مناهج اليقين : ٢٩٧.
29. المنقذ من التقليد : ٢ / ٢٧٨ ـ ٢٧٩.
30. الاحزاب : ٣٣.
31. سورة آل عمران : ٤٢.
32. الالهيات : ٤ / ١٢٨ ، ١٢٩.
33. سورة البقرة : ١٢٤.
34. عدة الاكياس : ٢ / ١٨٨.
35. شرح الازهار : ١ / ١٥ وكتب أصول الفقه عند الزيدية.
36. وقال ـ بعدم اشتراط الاجتهاد في الامام ـ الامام المطهّر والامير الحسين والحسن بن وهّاس والقاضي جعفر والقاضي مغيث والسيّد عبدالله بن يحيى أبو العطايا. انظر : شرح الازهار : ٤ / ٥٢٠.
37. الموسوعة اليمنية : ١ / ٤٤٧ ـ ٤٥٩ و ٤٩٦ ـ ٤٩٩. ومن أجل حقيقة ـ أكثر صراحةً ـ لابُدّ من القول بأنّ عمليّة وضع تلك الشروط تمَّ بطريقة تجميعيّة دفعت بها خلفيّة عقليّة ثيوقراطيّة تجعل من المصلحة السياسية والسلطويّة ـ المبتنية على مرتكزات دينيّة وعقيدية ; لم يكن بدٌّ من الاعتماد عليها ـ مشرِّعاً جديداً وفق ضوابط « المصالح المرسلة » و « الاستحسان » أو لا وفقها !
38. شرح الازهار : ١ / ٨ ، مقدّمة البحر الزخّار : ١٩٦.
39. السيّد إسحاق بن يوسف بن الامام المتوكّل على الله إسماعيل بن الامام القاسم بن محمد ( ١١١١ ـ ١١٧٣ ) قال عنه الشوكاني : « إمام الاداب ، والفائق في كلِّ باب ، على ذوي الالباب » ، كان كريماً وشاعراً ، فقيهاً محدِّثاً ، من كتبه رسالة ( الوجه الحسن المذهب للحزن ) ، وتفريج الكروب في مناقب الامام أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام. انظر ترجمته : البدر الطالع : ١ / ٩١ ، الاعلام : ١ / ٢٩٧.
40. الهادي : يحيى بن الحسين بن القاسم الرسّي.
41. زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( ٧٥ ـ ١٢٢ ) أخ الامام الباقر عليه السلام وعمّ الامام الصادق عليه السلام وابن الامام السجّاد عليه السلام ، كان يُعرف
بـ « حليف القرآن » ويعتبر من فقهاء ومحدثي أهل البيت عليهما السلام. قام مخلصاً لله تعالى أمام الجبّارين في عصره ، وقال فيه الامام الصادق عليه السلام « رحم الله عمّي زيداً لو ظفر لوفى ، إنما دعا إلى الرضا من آل محمّد و ... » قال الشيخ المفيد في « الارشاد » : كان زيد بن علي عليه السلام عين إخوته بعد أبي جعفر الباقر عليه السلام وأفضلهم وكان عابداً ورعاً فقيهاً سخياً شجاعاً ، واعتقد كثير من الشيعة فيه الامامة وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف يدعو إلى الرضا من آل محمد فظنّوه يريد بذلك نفسه ولم يكن يريده لمعرفته باستحقاق أخيه للامامة من قبله ...
انظر : الافادة : ٦١ ، التحف : ٤٣ ، الحدائق الوردية : ١ / ١٣٧ ( الامام زيد شعلة في ليل الاستبداد ) لمحمد يحيى سالم عزّان ، معجم رجال الحديث : ٨ / ٣٥٧ ـ ٣٦٩ ، زيد الشهيد ، سير أعلام النبلاء : ٥ / ٣٨٩ ، تاريخ الاسلام ( حوادث ١٢١ ـ ١٤٠ هـ ) : ١٠٥ ، الارشاد : ٢ / ١٧١ ، زيد بن علي ومشروعيّة الثورة عند أهل البيت عليهما السلام، أعيان الشيعة : ٧ / ١٠٧ ، الاعلام : ٣ / ٥٩.
42. البدر الطالع : ١ / ٩١.
مقتبس من كتاب واستقرّ بي النّوى
التعلیقات