مواعظ الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
السيد حسن الشيرازي
منذ 7 سنواتمواعظ
جوامع الموعظة (1)
يا ابن آدم : عفّ عن محارم الله تكن عابداً ، وارض بما قسم الله تكن غنيّاً وأحسن جوار من جاورك تكن مسلماً ، وصاحب الناس بمثل ما تحبّ أن يصاحبوك به تكن عادلاً. إنه كان بين يديكم أقوام يجمعون كثيراً ، ويبنون مشيداً ، ويأملون بعيداً ، أصبح جمعهم بوراً ، وعملهم غروراً ، ومساكنهم قبوراً.
يا ابن آدم : لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمّك ، فخذ ممّا في يديك لما بين يديك ، فانّ المؤمن يتزوّد والكافر يتمتّع.
استجيبوا لله (2)
أيّها الناس : إنّه من نصح لله وأخذ قوله دليلاً ، هدي للتي هي أقوم ، ووفّقه الله للرشاد ، وسدّده للحسنى ، فانّ جار الله آمن محفوظ وعدوّه خائف مخذول ، فاحترسوا من الله بكثرة ، الذكر ، واخشوا الله بالتقوى ، وتقرّبوا إلى الله بالطاعة ، فانه قريب مجيب ، قال الله تبارك وتعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) ، فاستجيبوا لله وآمنوا به ، فانّه لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعاظم ، فإنّ رفعة الذين يعلمون عظمة الله أن يتواضعوا ، و « عز » الذين يعرفون الله أن يتذللوا « له » وسلامةَ الذين يعلمون ما قدرة الله أن يستسلموا له ، ولا ينكروا أنفسهم بعد المعرفة ، ولا يضلّوا بعد الهدى.
واعلموا علماً يقيناً : أنّكم لن تعرفوا التقى ، حتّى تعرفوا صفة الهدى ولن تمسّكوا بميثاق الكتاب ، حتّى تعرفوا الذي نبذه ، ولن تتلوا الكتاب حقّ تلاوته ، حتّى تعرفوا الذي حرّفه ، فإذا عرفتم ذلك ، عرفتم البدع والتكلّف ، ورأيتم الفرية على الله ، والتحريف ، ورأيتم كيف يهوي من يهوي ، ولا يجهلنّكم الذين لا يعلمون ، والتمسوا ذلك عند أهله ، فانّهم خاصّة نورٍ يستضاء بهم ، وأئمّة يقتدى بهم ، بهم عيش العلم وموت الجهل ، وهم الذين أخبركم حلمهم عن جهلهم ، وحكم منطقهم عن صمتهم ، وظاهرهم عن باطنهم ، لا يخالفون الحقّ ، ولا يختلفون فيه ، وقد خلت لهم من الله سنّة ، ومضى فيهم من الله حكم ، ان في ذلك لذكرى للذاكرين ، واعقلوه إذا سمعتموه ، عقل رعايةٍ ، ولا تعقلوه عقل رواية ، فانّ رواة الكتاب كثير ، ورعاته قليل ، والله المستعان.
التقوى (3)
إعلموا أن الله لم يخلقكم عبثاً ، وليس بتارككم سدى ، كتب آجالكم وقسّم بينكم معائشكم ، ليعرف كلّ ذي لبٍ منزلته ، وانّ ما قدّر له أصابّه وما صرف عنه فلن يصيبه ، قد كفاكم مؤونة الدنيا وفرّغكم لعبادته ، وحثّكم على الشكر ، وافترض عليكم الذكر ، وأوصاكم بالتقوى. منتهى رضاه ، والتقوى باب كلّ توبة ، ورأس كلّ حكمة ، وشرف كلّ عملٍ بالتقوى ، فاز من فاز من المتّقين ، قال الله تبارك وتعالى : ( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ) ، قال : ( وَيُنَجِّي اللَّـهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) فاتّقوا الله عباد الله ، واعلموا : أنّه من يتّق الله يجعل له مخرجاً من الفتن ويسدده في أمره ويهيّئ له رشده ، ويفلحه بحجّته ، ويبيض وجهه ويعطه رغبته ، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين ، والشهداء والصالحين ، وحسن اولئك رفيقاً.
المتّقون (4)
لقد أصبحت أقوام كأنّهم ينظرون إلى الجنّة ونعيمها ، والنار وحميمها ، يحسبهم الجاهل مرضى وما بهم من مرضٍ ، أو قد خولطوا وإنما خالطهم أمر عظيم خوف الله ومهابته في قلوبهم كانوا يقولون : ليس لنا في الدنيا من حاجةٍ وليس لها خلقنا ولا بالسعي لها أمرنا ، أنفقوا أموالهم وبذلوا دماءهم واشتروا بذلك رضي خالقهم ، علموا انّ الله اشترى منهم أموالهم وأنفسهم بالجنّة فباعوه وربحت تجارتهم وعظمت سعادتهم وأفلحوا وأنجحوا فاقتفرا آثارهم رحمكم الله ، واقتدوا بهم فانّ الله تعالى وصف لنبيّه صلّى الله عليه وآله صفة آبائه إبراهيم وإسماعيل وذريّتهما وقال : ( فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ) واعلموا عباد الله أنّكم مأخوذون الإقتداء بهم والاتّباع لهم ، فجدّوا واجتهدوا واحذروا أن تكونوا أعواناً للظالم ، فانّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : من مشى مع ظالمٍ ليعينه على ظلمه فقد خرج من ربقة الإسلام ، ومن حالت شفاعته دون حدٍ من حدود الله فقد حادّ الله و رسوله ، ومن أعان ظالماً ليبطل حقّاً لمسلمٍ فقد برىء من ذمّة الله وذمّة رسوله ، ومن دعا لظالمٍ بالبقاء ، فقد أحبّ ان يعصى الله ، ومن ظلم بحضرته مؤمن أو اغتيب وكان قادراً على نصره ولم ينصره فقد باء بغضبٍ من الله ومن رسوله ، ومن نصره فقد استوجب الجنّة من الله تعالى وإن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام : قال : لفلان الجبّار إنّي لم أبعثك لتجمع الدنيا على الدنيا ولكن لتردّ عنّي دعوة المظلوم تنصره ، فانّي آليت على نفسي ان انصره ، وانتصر له ، ممّن ظلم بحضرته ، ولم ينصره.
أهل النار (5)
قال الحسن عليه السلام : إنّ الله تعالى لم يجعل الأغلال في أعناق أهل النار لأنّهم أعجزوه ، ولكن إذا أطفىء بهم اللهب أرسبهم في قعرها.
ثمّ غشي عليه ، فلمّا أفاق من غشوته قال : يا ابن آدم نفسك نفسك ، فانّما هي نفس واحدة ، إن نجت نجوت وان هلكت لم ينفعك نجاة من نجا.
المبادرة إلى العمل (6)
إتّقوا الله عباد الله ، وجدّوا في الطلب وتجاه الهرب ، وبادروا العمل قبل مقطعات النقمات ، وهادم اللذات ، فانّ الدنيا لا يدوم نعيمها ، ولا يؤمن فجيعها ، ولا تتوقّى مساويها ، غرور حائل ، وسناد مائل ، فاتعظوا عباد الله بالعبر ، واعتبروا بأثر ، وازدجروا بالنعيم ، وانتفعوا بالمواعظ ، فكفى بالله معصتماً ونصيراً ، وكفى بالكتاب حجيجاً وخصيما ، وكفى بالجنّةِ ثواباً ، وكفى بالنار عقاباً ووبالاً.
تزودوا
يا ابن آدم عفّ عن محارم الله تكن عابداً ، وارض بما قسم الله تكن غنياً ، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلماً ، وصاحب الناس بمثل ما تحبّ أن يصاحبوك به تكن عادلاً ، إنّه كان بين أيديكم قوم يجمعون كثيراً ، ويبنون مشيداً ، ويأملون بعيداً ، أصبح جمعهم بوراً ، وعملهم غروراً ، ومساكنهم قبوراً ، يا ابن آدم انّك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن امّك ، فجد بما في يديك ، فإنّ المؤمن يتزوّد ، والكافر يتمتع ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ).
حبّ الدنيا (7)
من أحبّ الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه ، ومن ازداد حرصاً على الدنيا ، لم يزدد منها إلّا بعداً ، وازداد هو من الله بغضاً.
والحريص الجاهد والزاهد القانع كلاهما مستوفٍ أكله ، غير منقوصٍ من رزقه شيئاً ، فعلام التهافت في النار ؟ والخير كلّه في صبر ساعةٍ واحدةٍ ، تورث راحةً طويلةً وسعادةً كثيرةً.
والناس طالبان : طالب يطلب الدنيا حتّى إذا أدركها هلك ، وطالب يطلب الآخرة حتّى إذا أدركها فهو ناجٍ فائز.
واعلم ـ أيّها الرجل ! ـ أنّه لا يضرّك ما فاتك من الدنيا ، وأصابك من شدائدها إذا ظفرت بالآخرة ، وما ينفعك ما أصبت من الدنيا ، إذا حرمت الآخرة.
دار غفلة
الناس في دار سهوٍ وغفلة ، يعملون ولا يعلمون ، فإذا صاروا إلى دار يقينٍ ، يعلمون ولا يعملون.
المأكول والمعقول (8)
عجبت لمن يفكر في مأكوله ، كيف لا يفكر في معقوله ، فيجنّب بطنه ما يؤذيه ، ويودع صدره ما يرديه (9) ؟
النهي عن اللعب (10)
إنّ الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه ، فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا ، وقصر آخرون فجابوا ، فالعجب كلّ العجب من ضاحكٍ لاعب ، في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون ، ويخسر فيه المبطلون وأيم الله لو كشف الغطاء لعلموا : أنّ المحسن مشغول بإحسانه ، والمسيء مشغول بإساءته.
تعزية (11)
إن كانت المصيبة أحدثت لك موعظةً ، وكسّبتك أجراً فهو ، وإلّا فمصيبتك في نفسك أعظم من مصيبتك في ميتك.
الإجمال في الطلب (12)
لا تجاهد الطلب جهاد الغالب ولا تتّكل على القدر إتّكال المستسلم ، فان ابتغاء الفضل من السنة ، والإجمال في الطلب من العفّة ، وليست العفّة بدافعةٍ رزقاً ، ولا الحرص بجالبٍ فضلاً ، فانّ الرزق مقسوم ، واستعمال الحرص استعمال المآثم.
يستجاب دعاه (13)
يا عبد الله كيف يكون المؤمن مؤمناً وهو يسخط قسمه ، ويحقّر منزلته ، والحاكم عليه الله ؟ وأنا الضامن لمن لم يهجس في قلبه إلّا الرضا أن يدعو الله فيستجاب له.
الموت يطلبك (14)
يا جنادة ! استعدّ لسفرك ، وحصّل زادك قبل حلول أجلك ، واعلم انّك تطلب الدنيا والموت يطلبك ، ولا تحمل همّ يومك الذي لم يأت على يومك الذي أنت فيه ، واعلم انّك لا تكسب من المال شيئاً فوق قوتك ، الّا كنت فيه خازناً لغيرك ، واعلم : انّ الدنيا في حلالها حساب ، وفي حرامها عقاب ، وفي الشبهات عتاب ، فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة خذ منها ما يكفيك ، فان كان حلالاً كنت قد زهدت فيه ، وان كان حراماً لم يكن فيه وزر ، فأخذت منه كما أخذت من الميتة ، وإن العقاب ، فالعقاب يسير ، واعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً ، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً ، وإذا أردت عزّاً بلا عشيرة ، وهيبةً بلا سلطان ، فاخرج من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعة الله عزّ وجلّ ، وإذا نازعتك إلى صحبة الرجال حاجة ، فاصحب من إذا صحبته زانك ، وإذا أخذت منه صانك ، وإذا أردت منه معونةً أعانك ، وان قلت صدق قولك ، وان صلت شدّ صولتك ، وان مددت يدك بفضلٍ مدّها ، وان بدت منك ثلمة سدّها ، وان رأى منك حسنةً عدّها ، وان سألته أعطاك ، وان سكتّ عنه ابتدأك ، وان نزلت بك إحدى الملمات واساك ، من لا تأتيك منه البوائق ، ولا تختلف عليك منه الطرائق ، ولا يخذلك عند الحقائق وان تنازعما منقسما آثرك.
الموت
سئل الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام : ما الموت الذي جهلوه ؟
قال : أعظم سرورٍ يرد على المؤمنين ، إذا نقلوا عن دار النكد إلى نعيم الأبد ، وأعظم ثبور يرد على الكافرين ، إذا نقلوا عن جنّتهم ، إلى نارٍ لا تبيد ولا تنفذ (15).
قال رجل للحسن : إنّي أخاف الموت !
قال : ذاك أنك أخرّت مالك ، ولو قدمته لسرّك أن تلحق به (16).
ومرّ عليه السلام على ميّت يراد دفنه فقال : انّ أمراً هذا آخره ، لحقيق بأن يزهد في أوّله ، وإنّ أمراً هذا أوّله لحقيق أن يخاف من آخره (17).
هول المطّلع (18)
لما حضرت الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام الوفاة ، بكى فقيل : يا ابن رسول الله تبكي ومكانك من رسول الله الذي أنت به ، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله فيك ما قال ، وقد حججت عشرين حجّةً ماشياً ، وقد قاسمت ربّك مالك ثلاث مرّات حتّى النعمل والنعمل ؟
فقال : « إنّما أبكي لخصلتين : لهول المطّلع ، وفراق الأحبّة ».
الهوامش
1. أعيان الشيعة ج 4 ـ ق 1 ـ ص 45 : السيّد محسن الأمين العاملي : ..
2. « أ » تحف العقول : .. « ب » البحار ج 17 ص 203 ـ 204.
3. تحف العقول : ..
4. إرشاد القلو ـ للديلمي ص 92.
5. إرشاد القلوب ص 35 ـ 36 : الحسن بن محمّد الديلمي : ..
6. تحف العقول ؛ ..
7. إرشاد القلوب ص 22 : لحسن بن علي الديلمي : .. الإمام الحسن ـ م « 4 »
8. البحار ج 1 ص 218 : محمّد باقر المجلسي ، عن دعوات الراوندى ، قال الحسن ابن علي : ..
9. تحف العقول : ..
10. تحف العقول : مرّ في يوم فطر بقوم يلعبون ويضحكون ، فوقف على رؤوسهم وقال : ..
11. مجموعة ورام ـ ص 411. عزى رجلا قدمات بعض ذويه فقال له :
12. تحف العقول ـ ص 55.
13. ناسخ التواريخ : لقي الإمام الحسن عليه السلام عبد الله بن جعفر فقال له : ..
14. أعيان الشيعة ج 4 ـ ص 85 دخل جنادة بن أبي أميّة على الإمام بعدما سم ، ويئس من شفائه أهله ، فقال له : « عظني يا ابن رسول الله » فقال له الإمام : ..
15. « أ » البحار ج 6 ـ ص 154 الطبعة الحديثة عن معاني الأخبار ..
« ب » درر الأخبار ج 1 ـ ص 240.
16. تاريخ اليعقوبي ج 2 ـ ص 269.
17. المحاسن والمساوئ ، للجاحظ ص 256.
18. مكارم الأخلاق : الحسن بن الفضل الطبرسي عن جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام قال : ..
مقتبس من كتاب : [ كلمة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ]
التعلیقات