أحاديث في مقام الزهراء عليها السلام ومنزلتها عند الله وعند الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم
السيد علي الميلاني
منذ 8 سنواتأحاديث في مقام الزهراء عليها السلام ومنزلتها عند الله وعند الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم
الأحاديث في هذا الباب كثيرة ، حتّى أن عدّةً من علماء الفريقين دوّنوها في كتب مفردة ، وقد انتخبت من تلك الأحاديث هذه الأحاديث التي سأقرؤها ، وسترون أنّ مصادرها من أقدم المصادر وأهمّها :
الحديث الأول :
« فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة » ، أو « سيّدة نساء هذه الأُمّة » ، أو « سيّدة نساء المؤمنين » ، أو « سيّدة نساء العالمين ».
هذا الحديث بألفاظه المختلفة موجود في : صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق ، وفي مسند أحمد ، وفي الخصائص للنسائي ، وفي مسند أبي داود الطيالسي ، وفي صحيح مسلم في باب فضائل الزهراء ، وفي المستدرك وصحيح الترمذي ، وفي صحيح ابن ماجة ، وغيرها من الكتب (1).
ففاطمة سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين.
الحديث الثاني :
في أن فاطمة سلام الله عليها بضعة من النبي :
« فاطمة بضعة منّي من أغضبها أغضبني ».
هذا الحديث بهذا اللفظ في : صحيح البخاري ، وعدّة من المصادر (2).
« فاطمة بضعة منّي يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها ».
بهذا اللفظ في : صحيح البخاري ، ومسند أحمد ، وصحيح أبي داود ، وصحيح مسلم ، وغيرها من المصادر (3).
« إنّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ».
بهذا اللفظ في : صحيح مسلم (4).
« إنّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها ».
بهذا اللفظ في : مسند أحمد وفي المستدرك وقال : صحيح علىٰ شرط الشيخين ، وفي صحيح الترمذي (5).
« فاطمة بضعة منّي يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها ».
بهذا اللفظ في : المسند ، وفي المستدرك وقال : صحيح الإسناد ، وفي مصادر أُخرىٰ (6).
الحديث الثالث :
« إن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضىٰ لرضاها ».
هذا الحديث تجدونه في : المستدرك ، وفي الإصابة ، ويرويه صاحب كنز العمال عن أبي يعلىٰ والطبراني وأبي نعيم ، ورواه غيرهم (7).
الحديث الرابع :
في أنّ النبي أسرّ إليها أنّها أوّل أهل بيته لحوقاً به.
هذا كان عند وفاته صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فإنّه دعاها فسارّها فبكت ، ثمّ دعاها فسارّها فضحكت [ في بعض الألفاظ : فشقّ ذلك على عائشة أن يكون سارّها دونها ] فلمّا قبض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حلّفتها عائشة أنْ تخبرها ، فقالت : سارّني رسول الله أو سارّني النبي ، فأخبرني أنّه يقبض في وجعه هذا فبكيتُ ، ثمّ سارّني فأخبرني أنّي أوّل أهل بيته أتْبعه فضحكتُ.
هذا الحديث في : الصحيحين ، وعند الترمذي والحاكم ، وغيرهما (8).
الحديث الخامس :
عن عائشة قالت : ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة منها غير أبيها.
هذا الحديث تجدونه في : المستدرك وقال : صحيح على شرط الشيخين ، وأقرّه الذهبي ، وفي الاستيعاب ، وفي حلية الأولياء (9).
الحديث السادس :
عن عائشة أيضاً : كانت إذا دخلت عليه ـ على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قام إليها فقبّلها ورحّب بها وأخذ بيدها فأجلسها في مجلسه.
قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، وأقرّه الذهبي أيضاً (10).
الحديث السابع :
أخرج الطبراني أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم قال لعلي : « فاطمة أحبّ إليّ منك وأنت أعزّ عليّ منها ».
قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح (11).
هذه هي الأحاديث التي انتخبتها ، لتكون مقدمةً لبحوثنا الآتية ، وسنستنتج من هذه الأحاديث في المطالب اللاحقة ، وفي الحوادث الواقعة ، وهي أحاديث ـ كما رأيتم ـ في المصادر المهمّة بأسانيد صحيحة ، ودلالاتها أيضاً لا تقبل أيّ مناقشة.
ومن دلالات هذه الأحاديث : إنّ فاطمة سلام الله عليها معصومة ، بالإضافة إلىٰ دلالة آية التطهير وغيرها من الأدلّة.
مضافاً إلىٰ أن غير واحد من حفّاظ القوم وكبار علمائهم قالوا بأفضليّة الزهراء سلام الله عليها من الشيخين ، بسبب هذه الأحاديث وحديث « فاطمة بضعة منّي » بالخصوص ، بل قال بعضهم بأفضليّتها من الخلفاء الأربعة كلّهم ، ولا مستند لهم إلّا الأحاديث التي ذكرتها.
ولأقرأ لكم عبارة المنّاوي وكلامه المشتمل علىٰ بعض الأقوال من كبار علماء القوم ، ففي فيض القدير في شرح حديث « فاطمة بضعة منّي » قال : استدلّ به السهيلي [ وهو حافظ كبير من علمائهم ، وهو صاحب شرح سيرة ابن هشام وغيره من الكتب ] علىٰ أن من سبّها كفر [ ولماذا ؟ لاحظوا ] لأنّه يغضبه [ أيّ لأن سبّها يغضب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ! إستدلّ به السهيلي علىٰ أن من سبّها كفر لأنّه يغضبه ] وأنّها أفضل من الشيخين.
وإذا كانت هذه اللام لام تعليل « لأنّه يغضبه » ، والعلّة إمّا معمّمة وإمّا مخصّصة ، ولابد أنْ تكون هنا معمّمة ، يوجب الكفر ، لأنّه أيّ السبّ يغضبها ، فيكون أذاها أيضاً موجباً للكفر ، لأن الأذىٰ ـ أذىٰ الزهراء سلام الله عليها ـ يغضب رسول الله بلا إشكال.
قال المنّاوي : قال ابن حجر : وفيه ـ أيّ في هذا الحديث ـ تحريم أذىٰ من يتأذّىٰ المصطفىٰ بأذيّته ، فكلّ من وقع منه في حقّ فاطمة شيء فتأذّت به فالنبي صلّى الله عليه وسلّم يتأذّىٰ به بشهادة هذا الخبر ، ولا شيء أعظم من إدخال الأذىٰ عليها في ولدها ، ولهذا عرف بالاستقراء معاجلة من تعاطىٰ ذلك بالعقوبة بالدنيا ولعذاب الآخرة أشد.
ففي هذا الحديث تحريم أذىٰ فاطمة ، وتحريم أذىٰ فاطمة لأنّها بضعة من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، بل هو موجب للكفر كما تقدّم.
وقال المنّاوي : قال السبكي : الذي نختاره وندين الله به أنّ فاطمة أفضل من خديجة ثمّ عائشة.
قال المنّاوي : قال شهاب الدين ابن حجر : ولوضوح ما قاله السبكي تبعه عليه المحقّقون.
قال المنّاوي : وذكر العَلَم العراقي : إنّ فاطمة وأخاها إبراهيم أفضل من الخلفاء الأربعة باتفاق (12).
إذن ، لا يبقىٰ خلاف بيننا وبينهم في أفضليّة الزهراء من الشيخين ، وأنّ أذاها موجب للدخول في النار.
ثمّ إنّ هذه الأحاديث ـ كما قرأنا وسمعتم وترون ـ أحاديث مطلقة ليس فيها أيّ قيد ، عندما يقول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إنّ الله يغضب لغضب فاطمة » لا يقول إنْ كانت القضيّة كذا ، لا يقول بشرط أن يكون كذا ، لا يقول إنْ كان غضبها بسبب كذا ، ليس في الحديث أيّ تقييد ، إنّ الله يغضب لغضب فاطمة ، هذا الغضب بأيّ سبب كان ، ومن أيّ أحد كان ، وفي أيّ زمان ، أو أيّ وقت كان. وعندما يقول : « يؤذيني ما آذاها » ، لا يقول رسول الله : يؤذيني ما آذاها إنْ كان كذا ، إنْ كان المؤذي فلاناً ، إن كان في وقت كذا ، ليس فيه أيّ قيد ، بل الحديث مطلق « يؤذيني ما آذاها ».
ودلّت الأحاديث هذه علىٰ وجوب قبول قولها ، وحرمة تكذيبها ، وقد شهدت عائشة بأنّها سلام الله عليها أصدق الناس لهجةً ما عدا والدها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ورسول الله قال كلّ هذا وفَعَله مع علمه بما سيكون من بعده.
الهوامش
1. الخصائص للنسائي : ٣٤ ، الطبقات ٢ / ٤٠ ، مسند أحمد ٦ / ٢٨٢ حلية الأولياء ٢ / ٣٩ ، المستدرك ٣ / ١٥١.
2. صحيح البخاري ، كتاب بدء الخلق ، باب مناقب قرابة الرسول ومنقبة فاطمة عليها السلام.
3. مسند أحمد ٤ / ٣٢٨.
4. صحيح مسلم ، باب مناقب فاطمة عليها السلام.
5. مسند أحمد ٤ / ٥ ، المستدرك ٣ / ١٥٩.
6. المستدرك ٣ / ١٥٨ ، مسند أحمد ٤ / ٣٢٣.
7. المستدرك علىٰ الصحيحين ٣ / ١٥٣ ، كنز العمال ١٣ / ٦٧٤ ، ١٢ / ١١١.
8. صحيح البخاري كتاب بدء الخلق ، صحيح مسلم فضائل فاطمة ، صحيح الترمذي ، المستدرك ٤ / ٢٧٢.
9. المستدرك علىٰ الصحيحين ٣ / ١٦٠ ، حلية الأولياء ٢ / ٤١ ، الاستيعاب ٤ / ١٨٩٦.
10. المستدرك علىٰ الصحيحين ٣ / ١٥٤.
11. مجمع الزوائد ٩ / ٢٠٢.
12. فيض القدير في شرح الجامع الصغير ٤ / ٤٢١.
مقتبس من كتاب : [ مظلوميّة الزهراء عليها السلام ] / الصفحة : 11 ـ 18
التعلیقات