في بيان آيات ومعجزات الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام في معان شتّى
ابن حمزة
منذ 5 سنواتفي بيان آياته ومعجزاته في معان شتّى
وفيه : اثنا عشر حديثاً
351 / 1 ـ أخبرنا سعد الاسكاف ، عن سعد بن طريف قال : كنا عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجل من أهل الجبل بهدايا وألطاف ، وكان فيما أهدي إليه جراب فيه قديد وخبز ، فنشره أبو عبد الله عليه السلام قدّامه ، ثمّ قال : « خذ هذا القديد واطعمه الكلب » فقال الرجل : ولِمَ.
فقال : « إنّ هذا القديد ليس مذكّى » فقال الرجل لقد اشتريته من رجل مسلم وذكر أنّه ذكي.
قال : فردّه أبو عبد الله عليه السلام في الجراب كما كان ، ثمّ قال للرجل : « قم وادخل البيت ، وضعه في زاوية » ففعل الرجل ، وقد تكلّم أبو عبد الله عليه السلام بكلام لا أعرفه ، ولا أدري ما هو ، فسمع الرجل القديد وهو يقول : « يا عبد الله ، ليس مثلي يأكله أولاد الأنبياء (1) ، إنّي لست بذكي » فحمل (2) الرجل الجراب وخرج إلى أبي عبد الله عليه السلام ، وأخبره بما سمع منه ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : « أما علمت يا هارون أنّا نعلم ما لا يعلمه الناس ؟! » قال : بلى ، جعلت فداك. وخرج الرجل ، وخرجت أتبعه حتّىٰ لقينا كلب ، فألقاه إليه فأكله حتّى لم يبق منه شيء.
352 / 2 ـ عن الحسن بن علي بن فضّال ، قال : قال موسى بن عطية النيسابوري : اجتمع وفد خراسان من أقطارها ، كبارها وعلماؤها ، وقصدوا داري ، واجتمع علماء الشيعة واختاروا أبا لبابة وطهمان وجماعة شتى ، وقالوا بأجمعهم : رضينا بكم أن تردوا المدينة ، فتسألوا عن المستخلف فيها ، لنقلّده أمرنا (1) ، فقد ذكر أنّ باقر العلم قد مضى ، ولا ندري من نصبه الله بعده من آل الرسول من ولد علي وفاطمة عليهما السلام . ودفعوا إلينا مائة ألف درهم ذهباً وفضّة [ وقالوا ] : لتأتونا بالخبر وتعرّفونا الإِمام ، فتطالبوه بسيف ذي الفقار والقضيب والخاتم والبردة واللوح الذي فيه تثبت الأئمّة من ولد علي وفاطمة ، فإنّ ذلك لا يكون إلّا عند الإِمام ، فمن وجدتم ذلك عنده فسلّموا إليه المال.
فحملناه وتجهّزنا إلى المدينة وحلّلنا بمسجد الرسول (ص) ، فصلّينا ركعتين ، وسألنا : مَن القائم بأمور الناس ، والمستخلف فيها ؟ فقالوا لنا : زيد بن علي ، وابن أخيه جعفر بن محمّد ، فقصدنا زيداً في مسجده ، وسلّمنا عليه ، فردّ علينا السلام وقال : من أين أقبلتم ؟ قلنا : أقبلنا من أرض خراسان لنعرف إمامنا ، ومن نقلّده أمورنا. فقال : قوموا. ومشى بين أيدينا حتّى دخل داره ، فأخرج إلينا طعاماً ، فأكلنا ، ثمّ قال : ما تريدون ؟
فقلنا له : نريد أن ترينا ذا الفقار والقضيب والخاتم والبرد واللوح الذي فيه تثبت الأئمّة عليهم السلام ، فإنّ ذلك لا يكون إلّا عند الإِمام.
قال : فدعا بجارية له ، فأخرجت إليه سفطاً ، فاستخرج منه سيفاً في أديم أحمر ، عليه سجف أخضر ، فقال : هذا ذو الفقار. وأخرج إلينا قضيباً ، ودعا بدرع من فضّة ، واستخرج منه خاتماً وبرداً ، ولم يخرج اللوح الذي فيه تثبيت الأئمّة عليهم السلام ، فقال أبو لبابة من عنده : قوموا بنا حتّى نرجع إلى مولانا غداً فنستوفي ما نحتاج إليه ، ونوفّيه ما عندنا ومعنا.
فمضينا نريد جعفر بن محمّد عليهما السلام ، فقيل لنا : إنّه مضى إلى حائط (2) له ، فما لبثنا إلّا ساعة حتّى أقبل وقال : « يا موسى بن عطية النيسابوري ويا أبا لبابة ، ويا طهمان ، ويا أيّها الوافدون من أرض خراسان ، إليَّ فأقبلوا ».
ثمّ قال : « يا موسى ، ما أسوأ ظنّك بربّك وبإمامك ، لمَ جعلت في الفضّة التي معك فضّة غيرها ، وفي الذهب ذهباً غيره ؟ أردت أن تمتحن إمامك ، وتعلم ما عنده في ذلك ، وجملة المال مائة ألف درهم ».
ثمّ قال : « يا موسى بن عطية ، إنّ الأرض ومَن عليها لله ولرسوله وللإِمام من بعد رسوله ، أتيتَ عمّي زيداً فأخرج إليكم من السفط ما رأيتم ، وقمتم من عنده قاصدين إليَّ ».
ثمّ قال : « يا موسى بن عطية ، يا أيّها الوافدون من خراسان ، أرسلكم أهل بلدكم لتعرفوا الإِمام وتطالبوه بسيف الله ذي الفقار الذي فضّل به رسول الله (ص) ونصر به أمير المؤمنين وأيّده ، فأخرج إليكم زيد ما رأيتموه ».
قال : « ثمّ أومى بيده إلى فصّ خاتم له ، فقلعه ، ثمّ قال : « سبحان الله ، الذي أودع الذخائر وليّه والنائب عنه في خليقته ، ليريهم قدرته ، ويكون الحجّة عليهم حتّى إذا عرضوا على النار بعد المخالفة لأمره ، فقال : أليس هذا بالحقّ ؟ » ( قَالُوا بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ) (3).
قال : ثمّ أخرج لنا من وسط الخاتم البردة والقضيب واللوح الذي فيه تثبيت الأئمّة عليهم السلام ، ثمّ قال : « سبحان الذي سخّر للإِمام كلّ شيء وجعل له مقاليد السماوات والأرض لينوب عن الله في خلقه ويقيم فيهم حدوده كما تقدّم إليه ليثبت حجّة الله على خلقه ، فإن الإِمام حجّة الله تعالى في خلقه ». ثمّ قال : « ادخل الدار أنت ومن معك بإخلاص وإيقان وإيمان ».
قال : فدخلت أنا ومن معي فقال : « يا موسى ، ترى النور الذي في زاوية البيت ؟ » (4) فقلت : نعم . قال : « ائتني به » فأتيته ووضعته بين يديه وجئت بمروحة (5) ونقر بها على النور ، وتكلّم بكلام خفي.
قال : فلم تزل الدنانير تخرج منه حتّى حالت بيني وبينه ، ثمّ قال : « يا موسى بن عطيه ، إقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم لقد كفر ( الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ) (6) لم نرد مالكم لأنّا فقراء ، وما أردناه إلّا لنفرّقه على أوليائنا من الفقراء ، وننتزع حقّ الله من الأغنياء ، فإنّها عقدة فرضها الله عليكم ، قال الله عزّ وجلّ : ( إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ) (7).
وقال عزّ وجلّ : ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) (8).
قال : ثمّ رمق الدنانير بعينه فتبادرت إلى كو (9) كان في المجلس.
ثمّ قال : « أحسنوا إلى إخوانكم المؤمنين ، وصلوهم ولا تقطعوهم ، فإنّكم إن وصلتموهم كنتم منّا ومعنا ولنا لا علينا ، وإن قطعتموهم انقطعت العصمة بيننا وبينكم لا موصلين ولا مفصلين » فردّ المال إلى أصحابه وأخذ الفضَّة التي وضعت في الفضّة ، والذهب الذي وضع في الذهب ، وأمرهم أن يصلوا بذلك « أولياءنا وشيعتنا الفقراء ، فإنّه الواصل إلينا ونحن المكافئون عليه ».
قال : ثمّ قال : « يا موسى بن عطية ، أراك أصلع ، أدن منّي » فدنوت منه ، فأمرَّ يده على رأسي ، فرجع الشعر قططاً (10) ، فقال : « يكون معك ذا حجّة ».
فقال : « أدن منّي يا أبا لبابة » وكان في عينه كوكب (11) ، فتفل في عينه ، فسقط ذلك الكوكب ، وقال : « هاتان حجّتان إذا سألكما سائل فقولا : إمامنا فعل ذلك بنا » وودَّعنا وودّعناه ، وهو إمامنا إلى يوم البعث ، ورجعنا إلى بلدنا بالذهب والفضَّة.
353 / 3 ـ عن داود الرقي ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام جالساً إذ دخل ابنه موسى عليه السلام وهو ينتفض (1) ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : « جعلت فداك ، كيف أصبحت ؟ » قال : « أصبحت في كنف الله ، متقلباً في نعم الله ، أشتهي عنقود عنب جرشي ، ورمّانة خضراء » ، فقلت : يا سبحان الله في الشتاء !! فقال : « يا داود ، [ إن ] الله قادر على كلّ شيء (2) ، أدخل البستان فأخرج إليه عنقود عنب جرشي ورمّانة خضراء ».
قال داود : فلمّا أن دخلت البستان نظرت إلى شجرتين خضراوتين ، فإذا رمّانة خضراء وعنقود عنب جرشي فاجتنيتهما وقلت : آمنت بالله وبسرّكم وعلانيتكم ، فأخرجته إلى موسى عليه السلام فقال : « يا داود ، ادفعه إليه فإنّه والله لأفضل من رزق مريم ، وقد اختص به موسى من الأفق الأعلى ».
354 / 4 ـ عن داود الرقيّ قال : خرجت مع أبي عبد الله عليه السلام حاجّاً إلى مكّة ، ونحن نتساير ذات يوم في أرض سبخة إذ دخل علينا وقت الصلاة فقال : « هلم (1) بنا إلى هذا الجانب لنتطهّر ونصلّي » فقلت : إنّها أرض سبخة لا ماء فيها ! فقال : « اطع إمامك » فملت ، وسرنا ما شاء الله ، فإذا نحن بعين فوّارة ، وماء بارد عذب ، وأشجار خضر ، فنزلنا وتطهّرنا وصلّينا وشربنا وأروينا رواحلنا وملأنا سقاءنا ، وقمنا ومضينا.
فلمّا سرنا غير بعيد قال لي : « يا داود ، هل تعرف الموضع الذي كنّا فيه ؟ » قلت : نعم ، يا ابن رسول الله.
قال : « فاذهب وجئني بسيفي فقد علّقته على الشجرة فوق العين ونسيته » فمضيت إليه فوجدت السيف معلّقاً على الشجرة ، وما رأيت أثراً من العين ، ولا من الأشجار الخضر ، وإنّما هي أرض سبخة لا عهد للماء فيها.
355 / 5 ـ عن داود بن ظبيان ، قال : كنّا عند أبي عبد الله عليه السلام أنا والمفضّل بن أبي المفضل ويونس بن ظبيان ، فقال أحدهما لأبي عبد الله عليه السلام : أرني آية من الأرض. وقال الآخر : أرني آية من السماء. فقال : « يا أرض ، انفرجي » فانفرجت مدّ البصر ، فنظرت إلى خلق كثير في أسفل الأرض.
ثمّ قال : « يا سماء ، انشقي » فانشقت.
قال : فلو شئت أن أجتذب السماء بيدي هاتين لفعلت ، فقال : « استشفّ (1) وانظر » ثمّ تلا هذه الآية : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) (2).
356 / 6 ـ عن الحسن بن عطية ، قال : كان أبو عبد الله عليه السلام واقفاً على الصفا ، فقال له عبّاد البصري : حديث يروى عنك. قال : « وما هو ؟ » قال : قلت : « إنّ حرمة المؤمن أعظم من حرمة هذه البنية » (1).
قال : « قلت ذلك ، إنّ المؤمن لو قال لهذه الجبال : أقبلي ، أقبلت ».
قال : فنظرت إلى الجبال قد أقبلت ، فقال لها : « على رسلك ، إنّي لم أردك ».
357 / 7 ـ عن علي بن المبشر قال : لمّا قدم أبو عبد الله عليه السلام على أبي جعفر أقام أبو جعفر مولى له على رأسه وقال له : إذا دخل عليَّ فاضرب عنقه. فلمّا دخل أبو عبد الله عليه السلام ونظر إلى أبي جعفر أسرّ شيئاً فيما بينه وبين نفسه ، لم ندر ما هو ، ثمّ أظهر : « يا من يكفي خلقه كلّه ولا يكفيه أحد ، اكفني » فصار أبو جعفر لا يبصر مولاه ولا مولاه يبصره ، فقال أبو جعفر : يا جعفر بن محمّد ، لقد عنَّيتك (1) في هذا الحرّ ، فانصرف. وخرج أبو عبد الله عليه السلام من عنده ، فقال لمولاه : ما منعك أن تفعل ما أمرتك به ؟! فقال : لا والله ، ما أبصرته ، ولقد جاء شيء فحال بيني وبينه. فقال له أبو جعفر : والله لئن حدّثت بهذا الحديث (2) أحداً لأقتلك.
358 / 8 ـ عن أبي الصامت ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أعطني شيئاً أزداد به يقيناً ، وأنفي به الشكّ عن قلبي. فقال لي : « هات ما معك » وكان في كمي مفتاح ، فناولته ، فإذا المفتاح أسد ، ففزعت منه ، ثمّ قال : « نح وجهك عنّي » ففعلت ، فعاد مفتاحاً.
359 / 9 ـ عن داود الرقي ، قال : دخل كثير النواء على أبي عبد الله عليه السلام ، وكان كبيراً ، فسلّم ، فأجابه وخرج ، فلمّا خرج قال عليه السلام : « أما والله ، لئن كان أبو إسماعيل يقول ذلك لهو أعلم بذلك من غيره ».
وكان معنا رجل من أهل خراسان من بلخ يكنّى بأبي عبد الله فتغيّر وجهه ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : « لعلّك ورعت ممّا سمعت ». قال : قد كان ذلك.
قال أبو عبد الله عليه السلام : « فهلا كان هذا الورع ليلة نهر بلخ » فقال : جعلت فداك ، وما كان بنهر بلخ ؟! قال : « حيث دفع إليك فلان جاريته لتبيعها ، فلمّا عبرت النهر افترعتها في أصل الشجرة ». فقال : لقد كان ذلك جعلت فداك ، ولقد أتى لذلك أربعون سنة ، ولقد تبت إلى الله من ذلك. قال رجل : لقد تاب الله عليك.
ثمّ إنّ أبا عبد الله عليه السلام أمر معتباً غلامه أن يسرج حماره فركب وخرجنا معه حتّىٰ برزنا إلى الصحراء فاختال الحمار في مشيته ـ في حديث له طويل ـ فدنا منه أبو عبد الله فمضينا حتّى انتهينا إلى جبّ بعيد القعر ، وليس فيه ماء فقال البلخي : اسقنا من هذا الجبّ ، فإنّ هذا جبّ بعيد القعر ، وليس فيه ماء. فدنا منه أبو عبد الله فقال : « أيّها الجبّ السامع المطيع لربّه ، اسقنا ممّا جعل الله فيك ».
قال : فوالله لقد رأينا الماء يغلي غلياناً حتّى ارتفع على وجه الأرض ، فشرب وشربنا.
فقال المفضّل وداود الرقي : جعلنا فداك ، وما هذا ، إنّما هذا يشبه فيكم كشبه موسى بن عمران. فقال : « رحمكم الله ».
ثمّ مضينا حتّى انتهينا إلى نخلة يابسة لا سعف لها ، فقال البلخي : يا أبا عبد الله ، أطعمنا من هذه النخلة. فدنا عليه السلام من النخلة فقال : « أيّتها النخلة اللينة ، السامعة لربّها ، المطيعة ، أطعمينا ممّا جعل الله فيك » قال المفضّل : فنثرت علينا رطباً كثيراً ، وأكل وأكلنا معه.
وقال المفضّل وداود الرقي : جعلنا الله فداك ، ما هذا إنّما هو أشبه فيكم كشبه مريم. فقال لهم : « رحمكم الله ».
ثمّ مضى ومضينا معه حتّى انتهينا إلى ظبي ، فوقف الظبي قريباً منه ، تنغم وتحرّك ذنبه ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : « أفعل إن شاء الله تعالى ».
قال : ثمّ أقبل وقال : « هل علمتم ما قال الظبي ؟! » فقلنا : الله ورسوله وابن رسول الله (ص) أعلم.
قال : « إنّه أتاني فأخبرني أنّ بعض أهل المدينة نصب لأنثاه الشرك فأخذها ، ولها خشفان لم ينهضا ولم يقويا للرعي ، فسألني أن أسألهم أن يخلو عنها ، وضمن أنّها إذا أرضعت خشفيها حتّى يقويا أن ترد عليهم ، استحلفته ، فقال : برئت من ولايتكم أهل البيت إن لم أوفِّ ، وأنا فاعل ذلك إن شاء الله ».
فقال المفضّل وداود الرقي : يشبه فيكم ذلك كشبه سليمان بن داود. فقال لهم : « رحمكم الله ».
وانصرف وانصرفنا معه ، فلمّا انتهى إلى باب داره تلا هذه الآية :
« ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ ) (1) نحن والله الناس الذين ذكرهم الله في هذا المكان ، ونحن المحسودون ».
ثمّ أقبل علينا فقال : « رحمكم الله اكتموا علينا ولا تذيعوا إلّا عند أهله ، فإنّ المذيع علينا أشدّ مؤنة من عدوّنا ، انصرفوا رحمكم الله ».
360 / 10 ـ عن سدير الصيرفي ، قال : مرّ أبو عبد الله عليه السلام على حمار له يريد المدينة ، فمرّ بقطيع من الغنم ، فتخلفت شاة من القطيع واتّبعت حماره ، فتعبت الشاة ، فحبس عليه السلام الحمار عليها حتّى دنت منه الشاة ، فأومى برأسه نحوها ، فقالت له : يا ابن رسول الله ، أنصفني من راعيي هذا. قال : « ويحك ، ما بالك تريدين الإِنصاف من راعيك ؟! » قالت : يا ابن رسول الله ، يفجر بي. فوقف عليها حتّى دنا منه الراعي ، ثمّ قال له : « ويلك تفجر بها !! ».
قال : فالتفت الراعي إليه يقول : أمِنَ الشياطين أنت ، أو من الجنّ ، أو من الملائكة ، أو من النبيّين ، أو من المرسلين ؟ فقال : « ويلك (1) ، ما أنا بشيطان ، ولا جنّي ، ولا ملك مقرّب ، ولا نبي مرسل ، ولكنّي ابن رسول الله (ص) وإن تبت استغفرت لك ، وإن أبيت دعوت الله عليك بالسخط واللعنة في ساعتك هذه ». فقال : يا ابن رسول الله ، إنّي تائب عمّا كنت فيه ، فاستغفر الله لي. فقال للشاة : « أيّتها الشاة ، ارجعي إلى قطيعك ومرعاك ، فإنّه قد ضمن أن لا يعود إلى ما كان فيه إن شاء الله » فمرّت الشاة وهي تقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله ، وأنّك حجّة الله على خلقه ، ولعن الله من ظلمكم وجحد ولايتكم.
361 / 11 ـ عن أبي سلمة السرَّاج ويونس بن ظبيان وحسين بن ثوير (1) قالوا : كنا عند أبي عبد الله عليه السلام فقال لنا : « عندنا خزائن الأرض ومفاتيحها ، ولو شاء أن أقول (2) بإحدى رجليَّ : أخرجي ما فيك ، لأخرجت ».
وقال بإحدى رجليه ، فإذا نحن بالأرض قد انفرجت ، فنظرنا إلى سبائك من ذهب كثيرة ، بعضها على بعض ، فقال لنا أبو عبد الله عليه السلام : « خذوها بأيديكم وانظروا » [ قلنا ] : قد أعطيتم ما أعطيتم وشيعتكم وعامّتكم فقراء ؟! ».
فقال : « سيجمع الله لهم الدنيا والآخرة ، ويدخلهم جنّات النعيم ، ويدخل عدوّنا الجحيم ».
362 / 12 ـ عن داود الرقيّ ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام ، فقلت له : جعلت فداك ، كم عدد الطهارة ؟ فقال : « ما أوجب الله تعالى فواحدة ، وأضاف إليها رسول الله (ص) واحدة ، ومن توضَّأ ثلاثاً ثلاثاً فلا صلاة له ».
فبينا أنا معه في ذلك المكان إذ جاء داود بن زربي فأخذ زاوية [ من البيت ] فسأله عمّا سألت في عدد الطهارة ، فقال له : « ثلاثاً ثلاثاً ، من نقّص عنهن فلا صلاة له » فارتعدت فرائصي ، وكاد أن يدخلني الشيطان ـ أعوذ بالله منه ـ فأبصر أبو عبد الله عليه السلام إليَّ وقد تغيّر لوني ، فقال لي : « اسكن يا داود ، هذا هو الكفر وضرب الأعناق ».
قال : فخرجنا من عنده ، وكان ابن زربي إلى جوار بستان أبي جعفر المنصور ، وكان ألقي إلى أبي جعفر أمر داود بن زربي ، وأنّه رافضيُّ يختلف إلى جعفر بن محمّد فقال أبو جعفر : إنّي أطّلع على طهارته ، فإن هو توضَّأ وضوء جعفر بن محمّد فإنّي لأعرف طهارته ، وحقّقت عليه القول فاقتله.
فاطَّلع وداود يتهيَّأ للصلاة من حيث لا يراه ، فأسبغ داود بن زربي الوضوء ثلاثاً ثلاثاً كما أمره أبو عبد الله عليه السلام ، فما أتمّ وضوءه حتّى بعث إليه أبو جعفر المنصور فدعاه.
قال داود : فلمّا دخلت عليه رحّب بي فقال : يا داود قيل فيك شيء باطل ، وما أنت كذلك حتّى اطَّلعت على طهارتك ، ليست طهارتك طهارة الرفضة. فجعلني في حِلّ وأمر لي بمائة ألف درهم (1).
قال داود الرقّي : فالتقيت أنا وداود بن زربي عند أبي عبد الله عليه السلام فقال له داود بن زربي : جعلني الله فداك ، حقنت دماءنا في دار الدنيا ، ونرجو أن ندخل بحبّك (2) الجنّة.
فقال أبو عبد الله عليه السلام : « فعل الله ذلك بك وبإخوانك من جميع المؤمنين ».
ثمّ قال أبو عبد الله عليه السلام : « يا داود بن زربي ، حدَّث داود الرقيّ بما مرّ عليك ، حتّى يسكن روعه » فحدَّثني بالأمر كلّه ، ثمّ قال : « يا داود بن زربي ، توضَّأ مثنى مثنى ، لا تزدن عليه ، فإنّك إن زدت عليه فلا صلاة لك ».
الهوامش
1. الهداية الكبرىٰ : 250 ، دلائل الإِمامة : 130 ، الخرائج والجرائح 2 : 606 / 1 ، مناقب ابن شهراشوب 4 : 222 ، الصراط المستقيم 2 : 187 ، مدينة المعاجز : 395 / 132.
(1) في م : نبي ولا ولي.
(2) في ش ، ص : فرفع.
2. عنه في مدينة المعاجز : 411 / 212.
(1) في ر : أمورنا.
(2) في ش ، ص : حاجة.
(3) سورة الأحقاف الآية : 34.
(4) في م : الدار.
(5) المروحة : آلة يتروح بها في الحر « لسان العرب ـ روح ـ 2 : 456 ».
(6) سورة آل عمران الآية : 181.
(7) سورة التوبة الآية : 111.
(8) سورة البقرة الآية : 156 ، 157.
(9) الكو والكوة : الخرق في الحائط والثقب في البيت ونحوه ، وجمعها : كوى ، « لسان العرب ـ كوى ـ 15 : 236 ».
(10) القطط : الشعر الشديد الجعودة ، أو الحسن الجعودة « لسان العرب ـ قطط ـ 7 : 380 ».
(11) الكوكب : البياض في سواد العين « لسان العرب ـ كوكب ـ 1 : 721 ».
3. الخرائج والجرائح 2 : 617 / 16 ، اثبات الهداة 3 : 117 / 142 ، قطعة منه ، مدينة المعاجز : 406 / 182.
(1) ينتفض : أيّ يرتعد كأنّه مصاب بالنافض ، وهي حمىٰ الرعدة. « لسان العرب ـ نفض ـ 7 : 240 ».
(2) في ر : على ما يشاء.
4. مناقب ابن شهراشوب 4 : 241.
(1) في ش ، ص ، مل. وفي ر : هلمو.
5. عنه في مدينة المعاجز : 416 / 235.
(1) استشف : تبين ما وراء الشيء ، انظر « لسان العرب ـ شفف ـ 9 : 180 ».
(2) سورة آل عمران الآية : 144.
6. الاختصاص : 325.
(1) في ش ، ص : هذا البيت.
7. بصائر الدرجات : 514 / 1.
(1) من العناء وهو النصب « لسان العرب ـ عنا ـ 15 : 106 ».
(2) في ر ، ك ، م : الأمر.
8. الخرائج والجرائح 1 : 306 ، باختلاف فيه ، مدينة المعاجز : 416 ، عن كتابنا هذا.
9. الخرائج والجرائح 1 : 297 ، مدينة المعاجز : 407 / 186 ، اثبات الهداة 3 : 114 ، بلفظ آخر.
(1) سورة النساء الآية : 54.
10. وعنه في مدينة المعاجز : 416.
(1) في ر ، ك : ويحك.
11. بصائر الدرجات : 394 ، الكافي 1 : 474 ، الاختصاص : 269 ، دلائل الإمامة : 145 ، عيون المعجزات : 86.
(1) في الأصل : زيد بن ظبيان وحسين بن زيد ، وما أثبتناه هو الصحيح ، راجع « معجم رجال الحديث 5 : 206 و 20 : 192 ».
(2) في ر : لو أشرنا بإحدى.
12. رجال الكشي 2 : 312 / 564 ، مدينة المعاجز : 416 ، عن كتابنا هذا.
(1) في ر : بألف درهم.
(2) في ك ، م : بهمتك.
مقتبس من كتاب : [ الثاقب في المناقب ] / الصفحة : 415 ـ 427
التعلیقات