الإمام المنتظر في الكتاب والسنّة
الشيخ حسن محمّد مكّي العاملي
منذ 5 سنواتالإمام المنتظر في الكتاب والسنّة
قد تعرفت على عدد الأئمّة وأسمائهم ، غير أنّ إفاضة القول في خصوصيّاتهم ، وعلومهم وفضائلهم ، ونتائج جهودهم في مجال العلم والفقه الحديث ، ومن ربّوه وأنتجوه من الرواة الوعاة ، وما لاقوه من اضطهاد خلفاء عصرهم ، يحتاج إلى تأليف حافل.
ولأجل ذلك طوينا الصفح عن هذه المباحث ، إلّا أنّ الاعتقاد بالإمام المنتظر ، مهدي هذه الأُمّة ، لمّا كان أصلاً رصيناً في أبحاث الإمامة للشيعة ،كان الاعتقاد به أمراً مشتركاً بين طوائف المسلمين ، رجّحنا إلقاء الضوء على هذا الأصل على وجه الإجمال ، ولا طريق لإثبات وجوده ، وولادته ، وعمره ، ظهوره ، وآثاره ، بعد الظهور ، وأصحابه ، إلّا السمع ، فنقول :
كلّ من كان له إلمام بالحديث يقف على تواتر البشارة ، عن النبي وآله وأصحابه ، بظهور المهدي في آخر الزمان لإزالة الجهل والظلم والجور ، ونشر أعلام العلم ، والعدل وإعلاء كلمة الحقّ ، وإظهار الدين كلّه ولو كره المشركون ، فهو بإذن الله تعالى ينجي العالم من ذلّ العبوديّة لغير الله ، ويلغي الأخلاق العادات الذميمة ، ويبطل القوانين الكافرة التي سنتها الأهواء ، ووضعتها يد بني البشر ، ويقطع أواصر التعصّبات القوميّة والعنصريّة ، والوطنيّة ، يميت أسباب العداوة والبغضاء التي صارت سبباً لاختلاف الأُمّة وافتراق الكلمة ، واشتعال نيران الفتن والمنازعات ، ويحقّق الله سبحانه بظهوره ، وعده الذي وعد به المؤمنين بقوله :
1 ـ ( وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) (1).
2 ـ ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (2).
3 ـ ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) (3).
ويأتي عصر ذهبي لا يبقى فيه على الأرض بيت إلّا دخلته كلمة الإسلام ، ولا تبقى قرية إلّا وينادى فيها بشهادة : « لا إله إلّا الله » ، بكرة وعشياً.
هذا ما اتّفق عليه المسلمون في الصدر الأوّل ، والأزمنة المتلاحقة ، ولأجل ذلك استغلّ بعض المتهوسين قضيّة الإمام المهدي ، فادّعوا المهدويّة ، و لم نعهد أحداً ردّه بإنكار أصل هذه البشائر ، وإنّما ناقشوه في الخصوصيّات وعدم انطباق البشائر عليه (4).
و قد تضافر مضمون قول الرسول الأعظم ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : « لو لم يبق من الدّنيا إلّا يوم واحد ، لطوّل الله ذلك اليوم ، حتّى يخرج رجل من ولدي ، فيملؤها عدلاً وقسطاً ، كما ملئت جوراً وظلماً » (5).
وقد عرفت أنّ بحث المهدي بحث نقلي لا يمتّ إلى العقل بصلة ، فعلى من يريد اعتناقه ، أو ـ والعياذ بالله ـ ردّه ورفضه ، الرجوع إلى الصحاح المسانيد ، وكتب الحديث والتاريخ ، حتّى يقف على عدد الروايات الواردة حول المهدي ـ عليه السلام ـ ، في مجالات مختلفة ، وها نحن نأتي في المقام بفهرس الروايات التي رواها السنّة والشيعة فنقول :.
1 ـ الروايات التي تبشّر بظهوره. 657 رواية.
2 ـ الروايات التي تصفه بأنّه من أهل بيت النبي الأكرم ـ عليه السلام ـ 389 رواية.
3 ـ الروايات التي تدلّ على أنّه من أولاد الإمام علي ـ عليه السلام ـ 214 رواية.
4 ـ الروايات التي تدلّ على أنّه من أولاد فاطمة ـ عليها السلام ـ بنت النبي 192 رواية.
5 ـ الروايات التي تدلّ على أنّه التاسع من أولاد الحسين ـ عليه السلام ـ 148 رواية.
6 ـ الروايات التي تدلّ على أنّه من أولاد الإمام زين العابدين ـ عليه السلام ـ 185 رواية.
7 ـ الروايات التي تدلّ على أنّه من أولاد الإمام الحسن العسكري ـ عليه السلام ـ 146 رواية.
8 ـ الروايات التي تبيّن آباء الإمام الحسن العسكري ـ عليه السلام ـ 147 رواية.
9 ـ الروايات التي تدلّ على أنّه يملأ العالم قسطاً وعدلاً. 132 رواية.
10 ـ الروايات التي تدلّ على أنّ للإمام المهدي غيبة طويلة. 91 رواية.
11 ـ الروايات التي تدلّ على أنّه يعمّر عمراً طويلاً. 318 رواية.
12 ـ الروايات التي تدلّ على أنّ الإسلام يعمّ العالم كلّه بعد ظهوره 47 رواية.
13 ـ الروايات التي تدلّ على أنّه الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيت 136 رواية.
14 ـ الروايات الواردة حول ولادته. 214 رواية.
ولو وجد هنا خلاف بين أكثر السنّة والشيعة ، فهو الاختلاف في ولادته ، فإنّ الأكثريّة من أهل السنّة يقولون بأنّه سيولد في آخر الزمان ، والشيعة بفضل هذه الروايات ، تذهب إلى أنّه ولد في « سرّ من رأى » ، عام 255 ، وغاب بأمر الله سبحانه سنة وفاة والده ، عام 260 ، وهو يحيا حياة طبيعيّة كسائر الناس ، غير أنّ الناس يرونه ولا يعرفونه (6) ، وسوف يظهره سبحانه ليحقّق عدله.
ولأجل أن يقف الباحث على نماذج من أحاديث المهدي في الصحاح والمسانيد ، نذكر بعضاً منها وهو نزر يسير من الأحاديث الكثيرة التي رواها المحدّثون والحفاظ في كتبهم :
1 ـ روى الإمام أحمد في مسنده عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قال : « لو لم يبق من الدهر إلّا يوم واحد ، لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً ، كما ملئت جوراً » (7).
2 ـ أخرج أبو داود ، عن عبد الله بن مسعود قال : إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قال : « لا تذهب ـ أو لا تنقضي ـ الدنيا حتّى يملك العرب رجلٌ من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي » (8).
3 ـ أخرج أبو داود عن أُمّ سلمة ـ رضي الله عنها ـ ، قالت : سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ يقول : المهديّ من عترتي من ولد فاطمة (9).
4 ـ أخرج الترمذي عن ابن مسعود أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قال : « يلي رجلٌ من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ». قال : وقال أبو هريرة : « لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم ، لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يلي » (10).
5 ـ روى ابن ماجة في سننه عن أبي أُمامة الباهلي ، قال : خطبنا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فكان أكثر خطبته حديثاً حدّثناه عن الدّجال ، وحذّرناه ، فكان من قوله : إنّه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذريّة آدم ، أعظم من فتنة الدجال ... » إلى أن قال : « وإمامهم رجل صالح ، فبينما إمامهم قد تقدّم ليصلّي بهم الصبح ، إذ نزل عليهم عيسى بن مريم ، فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى ، ليقدم عيسى يصلّي بالناس ، فيضع عيسى يده بين كتفيه ثمّ يقول له : تقدّم فصلّ ، فإنّها لك أُقيمت. فيصلّي بهم إمامهم ... » « الحديث » (11).
وسيجيء ذكر ما رواه البخاري ومسلم فيما يأتي.
قال بعض المحقّقين المعاصرين من أهل السنّة : « لا أرى لزاماً علينا نحن المسلمين أن نربط ديننا بهما ـ صحيحي مسلم والبخاري ـ ، فلنفرض أنّهما لم يكونا ، فهل تشل حركتنا وتتوقّف دورتنا ؟. لا ، فالأُمّة بخير والحمد لله ، والذين جاءوا بعد البخاري ومسلم استدركوا عليهما ، واستكملوا جهدهما ، وزنوا عملهما ، وكشفوا بعض الخلاف في صحيحهما ، وما زال المحدّثون في تقدم علمي ، وبحث وتحقيق ، ودراسة وجمع ، ومقارنة وتمحيص ، حتّى يغمر الضوء كلّ مجهول ، ويظهر كلّ خفي.
ولماذا نردّ حديثنا لمجرّد أن قيل في بعض رواته أنّه لين ، أو ضعيف ، أو منقطع ، أو مرسل ، أو ... ؟.
نعم ، هذه علل ، تثير الشك والتساؤل ، وتدفع إلى زيادة البحث والتعمّق ، ولكن ـ كما أعتقد ـ إنّ بعض علل الحديث لا تلزم بالردّ لهذا الحديث ، فكثيراً ما نجد في بعض الطرق ضعفاً ، وفي بعضها قوّةً فهو صحيح من طريق ، حسن أو ضعيف من أخرى ، ومعنى هذا أنّ الراوي الذي حكم عليه مثلاً بأنّه ينسى ، تبيّن أنّه في هذه الواقعة لم ينس ، فجاءت روايته مؤيّدة بما جاء عن غيره.
وأحاديث المهدي ـ في نظري ـ من هذا النوع ، ولو بعضها. رغم أنّ بعض المسلمين ـ كابن خلدون ـ قد بالغ وضعفّها كلّها ، وردّها وحكم عليها حكماً قاسياً ، واتّهم كلّ هؤلاء الرواة ومن رووا عنهم بما لا يليق أن يظنّ فيهم.
إنّ المشكلة ليست مشكلة حديث أو حديثين ، أو راو أو راويين ، إنّها مجموعة من الأحاديث والآثار تبلغ الثمانين تقريباً ، اجتمع على تناقلها مئات الرواة ، وأكثر من صاحب كتاب صحيح.
فلماذا نردّ كلّ هذه الكميّة ؟ أكلّها فاسدة ؟! لو صحّ هذا الحكم لانهار الدين ـ والعياذ بالله ـ نتيجة تطرّق الشك والظنّ الفاسد إلى ما عداها من سنّة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ.
ثمّ إنّي لا أجد خلافاً حول ظهور المهدي ، أو حول حاجة العالم إليه ، وإنّما الخلاف حول من هو ، حسني أو حسيني ؟ سيكون في آخر الزمان ، أو موجود الآن ، خفي وسيظهر ؟ ظهر أو سيظهر ؟ ولا عبرة بالمدّعين الكاذبين ، فليس لهم اعتبار.
ثم إنّي لم أجد مناقشة موضوعيّة في متن الأحاديث ، والذي أجده إنّما هو مناقشة وخلاف حول السند ، واتّصاله أو عدم اتّصاله ، ودرجة رواته ،من خرّجوه ، ومن قالوا فيه.
وإذا نظرنا إلى ظهور المهدي ، نظرة مجرّدة ، فإنّنا لا نجد حرجاً من قبولها وتصديقها ، أو على الأقلّ عدم رفضها.
فإذا ما تأيّد ذلك بالأدلّة الكثيرة ، والأحاديث المتعدّدة ، ورواتها مسلمون مؤتمنون ، والكتب التي نقلتها إلينا كتب قيمة ، والترمذي من رجال التخريج والحكم ، بالإضافة إلى أنّ أحاديث المهدي لها ما يصحّ أن يكون سنداً لها في البخاري ومسلم ، كحديث جابر في مسلم الذي فيه : « فيقول أميرهم ـ أيّ لعيسى ـ تعال صلّ بنا ». (12) وحديث أبي هريرة في البخاري ، وفيه : « كيف بكم إذا نزل فيكم المسيح ابن مريم وإمامكم منكم » (13) ، فلا مانع من أن يكون هذا الأمير ، وهذا الإمام هو المهدي.
يضاف إلى هذا أنّ كثيراً من السلف ـ رضي الله عنهم ـ ، لم يعارضوا هذا القول ، بل جاءت شروحهم وتقريراتهم موافقة لإثبات هذه العقيدة عند المسلمين » (14).
الهوامش
1. سورة النور : الآية 55.
2. سورة القصص : الآية 5.
3. سورة الأنبياء : الآية 105.
4. وقد ألّف غير واحد من أعلام السنّة كتباً حول الإمام المهدي ـ عليه السلام ـ ، كالحافظ أبي نعيم الأصفهاني له كتاب : « صفة المهدي » ، والكُنجي الشافعي له : « البيان في أخبار صاحب الزمان » ، وملّا علي المتّقي له : « البرهان في علامات مهديّ آخر الزمان » ، وعباد بن يعقوب الرواجني له : « أخبار المهدي » ، والسيوطي له : « العرف الوردي في أخبار المهدي » ، ابن حجر له : « القول المختصر في علامات المهدي المنتظر » ، والشيخ جمال الدين الدمشقي له : « عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر » ، وغيرهم قديماً وحديثاً.
ولم ير التضعيف لأخبار الإمام المهدي إلّا من ابن خلدون في مقدّمته ، وقد فنّد مقاله الأستاذ أحمد محمّد صديق برسالة أسماها : « إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون » ، أخيراً نشر شخص يدعى أحمد المصري رسالة أسماها : « المهدي والمهدويّة » ، قام ـ بزعمه ـ بردّ أحاديث المهدي ، وأنكر تلك الأحاديث الهائلة البالغة فوق حدّ التواتر ، جهلاً منه بالسنّة والحديث.
5. لاحظ مسند أحمد ، ج 1 ، ص 99. وج 3 ، ص 17 و 70.
6. وأمّا ما يلهج به بعض النواصب الأعداء ، من أنّ الشيعة تذهب إلى غيبته في السرداب في سامراء ، فهو من الأكاذيب التي ليس لها أصل أبداً لا في الكتب ، ولا في صدور العوام ، و إنّما افتعلوه إزدراءً بالعقيدة.
7. مسند أحمد ، ج 1 ، ص 99 ، وج 3 ، ص 17 و 70.
8. جامع الأصول ج 11 ، ص 48 ، الرقم 7810.
9. المصدر السابق ، ص 49 ، الرقم 7812.
10. المصدر السابق ، ص 48 ، الرقم 7810.
11. سنن ابن ماجة ، ج 2 ، باب فتنة الدجال وخروج عيسى ، ص 512 ـ 515 ، وكنز العمال ، ج 14 ، ص 292 ـ 296 ، الرقم 38742.
12. صحيح مسلم ، ج 1 ، باب نزول عيسى ، ص 95. وفيه عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : لا تزال طائفة من أُمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين إلى يوم القيامة ، فينزل عيسى ، فيقول أميرهم : تعال صلّ لنا ، فيقول : لا ، إنّ بعضكم على بعض أُمراء ، تكرمة الله لهذه الأُمّة.
و لاحظ كنز العمال ، ج 14 ، ص 334 ، الرقم 38846.
13. صحيح البخاري ج 4 ، باب نزول عيسى بن مريم ـ عليه السلام ـ ، ص 168. وصحيح مسلم ، ج 1 ، باب نزول عيسى ، ص 94 ، وكنز العمال ، ج 14 ، ص 334 ، الرقم 38845.
14. بين يدي الساعة للدكتور عبد الباقي ، ص 123 ـ 125.
مقتبس من كتاب : [ الإلهيّات على هدى الكتاب والسنّة والعقل ] / المجلّد : 4 / الصفحة : 131 ـ 137
التعلیقات