موقف الإمام الرضا عليه السلام من الواقفة
عبّاس الذهبي
منذ سنةموقفه من الواقفة
لقد انحرفت بالواقفة السبل من جراء الاستئثار بالأموال ، وأخذوا يُلبسون أطماعهم رداء المبدئية ، فقد ران زخرف الحياة على قلوبهم وتنكروا للرضا عليه السلام كإمام شرعي مفترض الطاعة ، بمزاعم واهية نسجوها من خيالهم لتبرير استئثارهم بالحقوق ، ولم تقتصر ضلالتهم على أنفسهم بل عملوا جاهدين على حرف الشيعة عن الإمام الحق وتأليبهم عليه ، من خلال أسلوب « الترغيب والترهيب ».
عن يونس بن عبد الرحمن ، قال :
مات أبو الحسن عليه السلام وليس من قوّامه أحد إلّا وعنده المال الكثير فكان ذلك سبب وقفهم وجحودهم لموته ، وكان عند زياد القندي سبعون ألف دينار ، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار.
قال : فلما رأيت ذلك وتبين الحق وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا عليه السلام ما علمت تكلّمت ودعوت الناس إليه ، قال : فبعثا إليَّ وقالا لي :
ما يدعوك إلى هذا ؟! إن كنت تريد المال فنحن نغنيك ! وضمنا لي عشرة آلاف دينار ، وقالا لي : كفّ ! فأبيت ، وقلت لهم : إنا روينا عن الصادقين عليهما السلام أنهم قالوا : « إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه ، فإن لم يفعل سلب منه نور الإيمان ، وما كنت لأدع الجهاد في أمر الله على كل حال. فناصباني وأضمرا لي العداوة » (1).
لقد أسقط إمامنا القناع عن وجه الواقفة وأبطل المزاعم وقشع الشبهات التي تدثروا بها ، فقد حاول الواقفة التشكيك بإمامة الرضا عليه السلام تحت ستار كثيف من الزيف ، وسوف نقف هنا على أبرز الشبهات التي أثاروها ، والردود التي أوردها عليهم الإمام الرضا عليه السلام من خلال النقاط التالية :
أولاً : شبهة الواقفة بأنّ الإمام موسى الكاظم عليه السلام لم يمت
تمسك الواقفة بشبهة واهنة مفادها عدم موت الإمام الكاظم عليه السلام ، وضربوا بالأخبار المؤكدة لموته عليه السلام عرض الجدار ، ولم يعطوا أُذناً صاغية لكل من يُخبرهم بوفاته ولو جاءت من أقرب المقربين إليه كولده الرضا عليه السلام ؛ فقد كان عثمان بن عيسى ، وهو الموكل من قبل الإمام الكاظم عليه السلام بمصر ، وعنده مال كثير وست جواري ، فبعث إليه أبو الحسن الرضا عليه السلام فيهن وفي المال ، فكتب إليه : أن أباك لم يمت ! ، فكتب إليه الرضا عليه السلام : « إن أبي قد مات ، وقد اقتسمنا ميراثه ».
فكتب إليه : ان لم يكن أبوك مات فليس لك من ذلك شيء ، وإن كان قد مات على ما تحكي فلم يأمرني بدفع شيء إليك ، وقد أعتقت الجواري وتزوجتهن (2).
قال الصدوق : لم يكن موسى بن جعفر عليهما السلام ممن يجمع المال ، ولكنه حصل في وقت الرشيد وكثر أعداؤه ولم يقدر على تفريق ما كان يجتمع إلّا على القليل ممن يثق بهم في كتمان السر ، فاجتمعت هذه الأموال لأجل ذلك ، على أنها لم تكن أموال فقراء وإنما كانت أموالاً تصله بها مواليه لتكون له إكراماً منهم له وبرا منهم به (3).
لقد تمسّك هؤلاء بشبهة ذرائعية تواصوا عليها وأشاعوا ما استطاعوا إلىٰ ذلك سبيلاً ، واستخدموا لذلك أساليب وفنون :
عن علي بن رباط ، قال : قلت لعلي بن موسى الرضا عليه السلام : ان عندنا رجل يذكر أن أباك عليه السلام حي ، وأنك تعلم من ذلك ما تعلم !! فقال عليه السلام :
« سبحان الله مات رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ولم يمت موسى بن جعفر عليه السلام ؟! بلى والله لقد مات وقسمت أمواله ونكحت جواريه (4) ».
ولما أصرّ الواقفة على العناد واشتد أوار فتنتهم وغلا مرجلها ، لعنهم الإمام الرضا عليه السلام ووصمهم بالكذب ، وكان ينمّي وعي أصحابه ويبين لهم حقيقة الحال : عن جعفر بن محمد النوفلي ، قال : أتيت الرضا وهو بقنطرة اربق (5) فسلمت عليه ثم جلست وقلت : جعلت فداك ان أناساً يزعمون أن أباك حي ، فقال : « كذبوا لعنهم الله ، ولو كان حيا ما قسم ميراثه ولا نكح نساؤه ، ولكنه والله ذاق الموت كما ذاقه علي بن أبي طالب عليه السلام » (6).
ثانيا : زعمهم بأن الرضا عليه السلام ليس له ولد
سقط الواقفة تحت حوافر الشك والريب لما وجدوا أن الإمام الرضا عليه السلام لم يلد له مولود مع تقدمه في السن ، ولم يكن الإمام كما زعموا مسناً وإنما فارق شرخ الشباب ببضع سنين. وعلى أية حال فإن إمامنا الذي كان ينظر للغيب من وراء ستر رقيق قد رد هذه الدعوى وكشف عن أنه سيرزق ولداً يكون حجة على الخلق من بعده ، وإخباره هذا الذي صدقته الأيام يعدّ أحد معاجزه الباهرة.
عن ابن أبي نجران وصفوان ، قالا : حدثنا الحسين بن قياما ، وكان من رؤساء الواقفة ، فسألنا أن نستأذن له على الرضا عليه السلام ففعلنا ، فلمّا صار بين يديه قال له : أنت إمام ؟ قال : « نعم » ، قال : إنّي أشهد الله أنّك لست بإمام ! قال : فنكت طويلاً في الأرض منكّس الرأس ثم رفع رأسه إليه ، فقال له : « ما علمك أنّي لست بإمام ؟ ».
قال : لأنّا روينا عن أبي عبد الله عليه السلام : « أن الإمام لايكون عقيماً » ، وأنت قد بلغت هذا السنَّ وليس لك ولد.
قال : فنكس رأسه أطول من المرَّة الأولى ثم رفع رأسه فقال : « اُشهد الله أنّه لا تمضي الأيام والليالي حتّى يرزقني الله ولداً منّي ».
قال عبد الرحمن بن أبي نجران : فعددنا الشهور من الوقت الذي قال فوهب الله له أبا جعفر عليه السلام في أقلَّ من سنة ، قال : وكان الحسين بن قياما هذا واقفاً في الطواف فنظر إليه أبو الحسن عليه السلام فقال له : « ما لك حيّرك الله » ، فوقف عليه بعد الدَّعوة (7).
لقد كان الواقفة من أشد الناس عناداً للحق لأنهم لا يؤمنون بكل شيء خالف عقيدتهم ولو كان بيناً كالشمس في رائعة النهار. ويكفي أنهم أنكروا عشرات الادلة والبينات والشهادات المتواترة على موت الإمام الكاظم وتشييعه وتغسيله وتكفينه ودفنه عليه السلام.
ومن هنا لعنهم الإمام الرضا عليه السلام كما لعن الغلاة من قبل يروى أنه سئل عن الواقفة ، فقال : « ( مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ) (8) والله إن الله لايبدلها حتى يقتلوا عن آخرهم » (9).
ومن الأهمية بمكان القول بأن التشيع قد انبسط في أيام إمامنا ورجع إلى إمامته أكثر الضالين بعد وفاة أبيه وجده عليهما السلام ، وقد وجدنا أن بعض كبار أقطاب الواقفة قد ثابوا إلى رشدهم فاستبصروا بمجرّد مراسلتهم للإمام عليه السلام أو مقابلتـهم العابـرة له ، منهم : أبو نصر البزنطي (10) ، وعبد الله بن المغيرة (11).
الهوامش
1. علل الشرائع / الشيخ الصدوق 1 : 276 ، ح 1 ، باب (171).
2. علل الشرائع 1 : 276 ، ح 2 ، باب (171).
3. علل الشرائع 1 : 276 ، ح 2 ، باب (171).
4. عيون أخبار الرضا عليهالسلام 1 : 90 ، ح 9 ، باب (8).
5. من نواحي رام هرمز في خوزستان ، انظر : معجم البلدان 2 : 137.
6. اعلام الورى 2 : 59 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 233 ، ح 23 ، باب (47).
7. اعلام الورى 1 : 57 ، الفصل الثالث ، بحار الأنوار 49 : 34 ، ح 13 ، باب (3).
8. سورة الأحزاب : 33 / 61 و 62.
9. المناقب / ابن شهرآشوب 4 : 358.
10. الخرائج والجرائح 2 : 662 ، ح 5 ، فصل : في أعلام الإمام الرضا عليه السلام.
11. الخرائج والجرائح 1 : 360 ، ح 15 ، باب (9).
مقتبس من كتاب : الإمام الرضا سيرة وتاريخ / الصفحة : 162 ـ 166
التعلیقات