السيرة الأخلاقيّة العمليّة لأهل البيت عليهم السلام : الإمام الحسين عليه السلام
السيد علي الحسيني الصدر
منذ 6 سنواتالإمام الحسين عليه السلام
كان قمّةً في حُسن الأخلاق ، وطيب المعاشرة ، والجود والكرم ، والسجايا العظيمة.
من ذلك علوّ همّته ، وعالي كرامته ، وشرافة طبعه في إحسانه وإشفاقه حتّى على أعدائه ، ومن استعدّ لقتاله.
كما تلاحظ أخلاقه الكريمة مع الحرّ بن يزيد الرياحي وأصحابه في طريق العراق.
حيث جاؤوا في حرّ الظهيرة ، ووصلوا إلى منطقة ذي حسم عطاشىٰ ، وهم زهاء ألف فارس.
وقد كان الإمام الحسين عليه السلام قد أمر فتيانه بالاستقاء من الماء ، والإكثار منه من سَحَر ذلك اليوم في منزل شراف.
فقال الإمام الحسين عليهالسلام : اسقوا القوم ، وارووهم من الماء ، ورشفوا الخيل ترشيفاً (1).
بالرغم من علمه صلوات الله عليه بأنّهم قتلته ، وأنّهم لا يسقونه قطرةً من الماء.
لكن مع ذلك حنَّ إليهم في ذلك الصحراء الذي كان وادياً غير ذي زرع ، فأنقذهم من الظمأ ، وأرواهم من العطش ، حتّى أروىٰ خيلهم.
فقد أقبل فتيةُ الإمام الحسين عليه السلام يملؤون القصاع والطساس من الماء ، ثمّ يدنونها من الفرس ، فإذا عبّ فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت عنه ، حتّى سقوا خيلهم كلّها.
قال علي بن طعان المحاربي : كنت مع الحرّ يومئذٍ ، وجئته في آخر من جاء من أصحاب الحرّ ، فلمّا رأى الحسين عليه السلام ما بي وبفرسي من العطش قال : أنخ الراوية ، والراوية عندي السقاء ، وفي لغة الحجاز الجمل .
ثمّ قال عليه السلام : أنخ الجمل ، فأنخته.
فقال عليه السلام : ياابن أخي اشرب ، فجعلت كلّما أشرف سال الماء من السقاء. فقال الحسين عليه السلام : إخنث السقاء أي اعطفه.
فلم أدرِ كيف أفعل ، فقام هو عليه السلام فخنثه ، فشربت حتّى ارتويت وسقيت فرسي (2).
ومن معالي سجاياه عطيّته الكريمة للأعرابي مع استحياءه منه ، فقد وَفَدَ أعرابيّ إلى المدينة ، فسأل عن أكرم الناس بها ، فدُلّ على الحسين عليه السلام ، فدخل المسجد فوجده مصلّيّاً فوقف بإزاء وأنشأ : ـ
لم يخب الآن من رجالك ومن |
حرّكَ من دون بابك الحَلَقة | |
أنت جوادٌ وأنت معتمدٌ |
أبوك قد كان قاتلَ الفسقة | |
لولا الذي كان من أوائلِكم |
كانت علينا الجحيمُ منطبقة |
فسلّم الحسين عليه السلام وقال : يا قنبر هل بقي من مال الحجاز شيء ؟
قال : نعم أربعة آلاف دينار ، فقال : هاتِها ، قد جاء من هو أحقُّ بها منّا ، ثمّ نزع بُرده ولفّ الدنانير فيها ، وأخرج يده من شقِّ الباب حياءً من الأعرابيّ وأنشأ : ـ
خُذها فإنّي إليك معتذرٌ |
واعلم بأنّي ذو شفقة | |
لو كان في سيرنا الغَداة عصاً |
أمسَت سمانا عليك مندفقة | |
لكنّ ريبَ الزمان ذو غِيَرٍ |
والكفّ منّي قليلةُ النفقة |
فأخذها الأعرابي وبكىٰ ، فقال عليه السلام له : لعلّك استقللت ما أعطيناك ، قال : لا ولكن كيف يأكل التراب وجودَك (3).
الهوامش
1. الترشيف : هو الاستقصاء في الشرب حتّى لا يبقى شيء من الماء ، وترشيف الخيل سقيها وإمهالها حتّى ترتوي كاملاً ، لأنّها تشرب الماء بدفعات لا دفعة واحدة.
2. معالي السبطين / ص 166.
3. بحار الأنوار / ج 44 / ص 190 .
مقتبس من كتاب : [ أخلاق أهل البيت عليهم السلام ] / الصفحة : 61 ـ 63
التعلیقات