زيف الشورى
باسل محمّد بن خضراء
منذ 4 سنواتزيف الشورىٰ
من ادعاءات السنة أنّ الخليفة يسمىٰ عن طريق الشورىٰ كما حدث في السقيفة إستناداً للآية ( وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) (1) ، وإذا أردنا مصداقية زيف الشورى فلابد من ذكر حادثة السقيفة ، لنرىٰ هل تمت بشورىٰ ، أم بقهر وغلبه ؟ وهل كان النصاب شرعياً ؟
السقيفة وما أدراكم ما السقيفة :
تهافت كل من الأنصار والمهاجرين لوضع يد السبق في تأسيس كيان السلطة الجديدة ، فكان أوّل القادمين لسقيفة بني ساعدة الأنصار ، فاجتمعوا وحزموا أمرهم على التفرد بالسلطة دون قريش ، وكان المرشح الأوّل للمنصب وادارة السلطة هو سعد بن عبادة ، وكانوا بأشد الحرص أن لا تعلم قريش بذلك ، ولكن العسس الموالين لأبي بكر وعمر كانوا بالمرصاد لهم ، فأخبروا أبابكر وعمر بتدبير القوم ، فهرع أبو بكر وعمر مهرولين ومعهم أبو عبيدة بن الجراح واقتحموا قصر المؤتمرات ، ولقوا بطريقهم أسيد بن حضير وعويم بن ساعدة وعاصم بن عدي.
وأنقل لكم ما قاله عمر بن الخطاب حين أتاهم : وإذا برجل مزمل ، فقالوا : هذا سعد بن عبادة متوعك قليلاً ، ثم قام خطيبهم فتشهد وأثنىٰ على الله ، ثم قال : أما بعد فنحن أنصار الإسلام والرسول وأنتم معشر المهاجرين رهط ليس إلّا ... ، فأردت الكلام فمنعني أبوبكر ، ثم نهض أبوبكر وحمد الله وأثنىٰ عليه ، ثم ذكر فضل المهاجرين وأنهم السابقون الأولون وهم أولياء الرسول وعشيرتة وأحق بهذا الأمر من بعده ولا ينازعهم في ذلك إلّا ظالم ، ثم بدأ يذكر فضل الأنصار ، وقال : وليس بعد المهاجرين الأولين عندنا بمنزلتكم ، فلنشترك بالأمر نحن الأمراء وأنتم الوزراء ، وأنا أدعوكم إلىٰ أبي عبيدة أو عمر ، وكلاهما رضيت لكم وهما له أهل.
فقال عمر وأبو عبيدة : ما ينبغي لأحد من الناس أن يكون فوقك يا أبابكر.
ثم نهض الحباب بن المنذر ـ تعصف به النخوة وحبّ الرياسة ـ فقال : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش.
فقال سعد : هذا أول البلاء.
فنادىٰ عمر قائلاً : هيهات ، لا يجتمع اثنان في قرن.
فصاح الحباب : يامعشر الأنصار أملكوا عليكم أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه ، وإن لم يرضوا بمطالبنا فأخرجوهم من بلادكم والله لا يرد عليَّ أحد إلّا حطمت أنفه بسيفي.
قال عمر : إذن يقتلك الله.
وأجاب الحباب : بل إياك يقتل (2).
فبدأ الجدال والهرج بين القوم ، وكلّ منهم يبذر مواهبه وإمكانياته !
ثم قال عمر لأبي عبيدة : أبسط يدك لأبايعك.
فقال أبو عبيدة : ماهذا الكلام الذي تقوله ، فأنا لم أجد لك غلظة في حياتك السابقة ، أتريد مبايعتي وأبو بكر فينا.
وكلمة أبي عبيدة ضربت قلب عمر بالصميم ، لأنّه حسب أن يردّ الأمر عليه ، وهو يعلم أنّ أبابكر إذا وليها لن يعطيها عمر ، ولكن يبقىٰ أبوبكر بنظر عمر أهون من بني هاشم والأنصار ، واستطاع فيما بعد بتدبير مع عثمان أن تصل السلطة له.
وعندما علت الأصوات قال المنذر بن الأرقم : إنّ فيكم لرجلاً لو طلب هذا الأمر لن ينازعه أحد ، قال مخاطباً الملأ ، وقد عنى بعليّ بن أبي طالب.
فقال بعض الأنصار : لا نبايع إلّا علياً.
عندما سمع هذه المقولة عمر شدّ على يد أبي بكر ، وقال : أبايعك على أن تكون خليفة المسلمين ، وتلاه أبو عبيدة ، وعبد الرحمن بن عوف.
نهض سعد بن عبادة ، وقال : لا تخرجوا هذا الأمر من قوم هم أحق به منكم.
وتراكض الناس وكادوا يقتلون ابن عبادة ، وصاح عمر : اقتلوه قتله الله ، ثم قام على رأسه وقال : لقد هممت أن أطاك حتى ينتدر عضدك.
فأخذ قيس بن سعد برأس عمر قائلاً : والله لو حصصت منه شعرة مارجعت وفي فمك واضحة.
وقال سعد : والله لو أن بي قوّة ما لسمعت مني زئيراً يجحرك وأصحابك ولألحقك بقوم كنت فيهم تابعاً غير متبوع ، إحملوني من هذا المكان ، ورفض زعيم الأنصار مبايعة أبي بكر ومعه بعض أصحابه وخرجوا (3).
من لم يبايع ومن لم يكن موجوداً :
ذكر ابن عبد البر في كتابه « الاستيعاب » والبلاذري في « تاريخه » وغيرهم من أرباب السير : أنّ سعد بن عبادة وطائفة من الخزرج وجماعة من قريش لم يبايعوا أبابكر في السقيفة ، وعدّ ثمانية عشر من كبار الصحابة لم يكونوا موجودين وقتها بالسقيفة ، ثم رفضوا البيعة (4).
وننقل إليكم أسماء من لم يحضر للبيعة من شيعة عليّ بن أبي طالب وأنصاره ، وهم :
سلمان الفارسي ، أبوذر الغفاري ، المقداد بن الأسود ، أُبّي بن كعب ، عمار بن ياسر ، خالد بن سعيد بن العاص ، بريدة الأسلمي ، خزيمة بن ثابت ، أبو الهثيم بن التيهان ، عثمان بن حنيف ، سهل بن حنيف ، جابر بن عبدالله الأنصاري ، أبو أيوب الأنصاري ، حذيفة بن اليمان ، عبدالله بن عباس ، زيد بن أرقم ، سعد بن عبادة ، قيس بن سعد.
وعلى رأس هؤلاء تخلّف أهل البيت عليهم السلام جميعاً ، وجيش أسامة ابن زيد بكامله ، بالإضافة إلى العباس بن عبدالمطلب عم الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، والبراء بن عازب ، كانوا مع الإمام علي عليه السلام ، وهؤلاء خيرة أصحاب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وصفوته لم يكونوا حاضرين.
فأين الاجماع على أبي بكر ؟! وأين الشورى التي ينعقون بها ليل نهار ؟! وأين نصاب التصويت ؟!
الهوامش
1. الشورىٰ : 38.
2. تاريخ الطبري : 3 / 220 ، الإمامة والسياسة لابن قتيبة : 24 ، الكامل في التاريخ لابن الأثير : 2 / 330.
3. تاريخ الطبري : 3 / 202 ، الكامل في التاريخ لابن الأثير : 2 / 330.
4. الاستيعاب : 3 / 973.
مقتبس من كتاب : [ ومن النهاية كانت البداية ] / الصفحة : 229 ـ 234
التعلیقات