الإمام الجواد عليه السلام
السيد هاشم الهاشمي
منذ 3 سنواتالإمام الجواد عليه السلام
اسمه محمّد ، وكنيته أبو جعفر وأشهر ألقابه التقي والجواد واُمّه « سبيكة » سمّاها الإمام الرضا « الخيزران » وهي تنتسب لمارية القبطية زوجة الرسول صلّى الله عليه وآله.
ولد في 10 رجب سنة 195 هجرية في المدينة ، ومدّة إمامته 17 عاماً من 203 إلى 220 ، وخلفاء زمان إمامته المأمون والمعتصم.
استشهد في آخر ذي القعدة سنة 220 وعمره « 25 » عاماً ، وقد دسَّ إليه السمّ بأمر المعتصم على يد زوجته اُم الفضل بنت المأمون في بغداد ودفن في بغداد.
تقسّم حياته لمرحلتين ؛ قبل إمامته وبعد إمامته.
وقد تولّى الإمامة وعمره ثمان أو تسع سنين.
ولا عجب في ذلك ، لأنّ الإمامة منصب يساهم فيه مدد الله تعالى وقابليّة الإمام بما لا تتوفّر في غيره ، ولأجل حاجة البشريّة لإمام في كل عصر ، فيجعل الله الإمامة لمن يملك قابليّتها دون غيره ، ولا مانع من توفّر الشخص على جميع مؤهّلات الامامة من العلم والعصمة والولاية حتى لو كان طفلاً صغيراً فيبعثه نبيّاً أو يجعله إماماً وهو في مرحلة الطفولة ، وكما صرّح القرآن الكريم أنّ « يحيى » نال مقام النبوّة وهو صبي : ( يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) وعيسى نال النبوّة في المهد : ( قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّـهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ). لذلك فإنّ أعداء أهل البيت عليهم السلام من أجل مواجهة مدرسة أهل البيت عليهم السلام والاستهانة بإمامة إمامهم وهو صبي ، حاولوا امتحان الإمام عليه السلام واختباره في بعض المواقف ولكنّه خرج منتصراً ، تشهد أجوبته على إمامته ، وتفوقه على أهل عصره ، حتى وهو صبي.
وتذكر جميع المصادر من الشيعة وأهل السنة موقفه من يحيى بن أكثم ، قاضي عصره ، حيث جمعوه مع الإمام في مجلس حاشد من الناس ، من أجل إفحام الإمام ، وسأله سؤالاً صعباً ، فأجابه الإمام عليه السلام وفرّع السؤال إلى فروع عديدة ، مما أدهش ابن أكثم ، ثم طرح عليه السلام سؤالاً ، فلم يتمكن ابن أكثم من الجواب.
ولأجل مواجهة المأمون لنقمة الشيعة والعلويين ، وانتفاضاتهم ، زوّجه من ابنته اُم الفضل ، حيث اُجبر كأبيه على هذا الزواج.
وواصل الإمام عليه السلام إرشاده وتعليمه وتربية التلاميذ ، ولكن لأجل الضغوط والمواقف الشديدة المعادية التي اتخذها النظام الحاكم ضد الإسلام الأصيل ، لم يتمكن من ممارسة هذا العمل العلمي والتبليغي بصورة موسّعة ، وتوجيه المسلمين وهدايتهم لمدرسة أهل البيت عليهمالسلام ، لذلك فإنّه كان يحاول استخدام نشاطاته العلمية ، وتعريف المسلمين بإمامته ومبادئ أهل البيت وتعاليمهم وأنّها تمثّل سبيل الحق والفلاح بمختلف الأساليب رغم الضغوط والملاحقات ومنها إظهار بعض الكرامات مما وجّهت الأنظار إليه ، حيث صدرت منه الكثير من الكرامات بالإضافة لنشاطاته العلمية سجّلتها المصادر التاريخية.
وبعد أن رأى المعتصم انتشار شخصية الإمام عليه السلام ، واعتقاد الناس وتوجّههم إليه وإلى مدرسته وتعاليمه ، فخاف على حكمه وإطماعه ، وزاد من ذلك وشاية أعداء أهل البيت عليهمالسلام واصطناع الأكاذيب والتهم حوله ، مما دفع المعتصم لمحاولة اغتيال الإمام عليهالسلام ، فجلبه من المدينة جبراً إلى بغداد ، واستشهد الإمام بالسمّ الذي دسته إليه زوجته اُم الفضل بإيعاز من المعتصم.
ومما أثر عنه من المواعظ والحكم :
« قال له رجل أوصني ؛ قال : أوَ تقبل ، قال : نعم ، قال عليه السلام : توسّد الصبرَ واعتنق الفقر ، وارفض الشهوات ، وخالف الهوى ، واعلم أنّك لن تخلوا من عين الله ، فانظر كيف تكون » (1).
وقال عليه السلام : « تأخير التوبة اغترار ، وطول التسويف حيرة ، والاعتلال على الله هلكة ، والإصرار على الذنب أمن لمكر الله ، ولا يأمن لمكر الله إلا القوم الخاسرون » (2).
الإمام الجواد عليه السلام
إن تمادى عليك ليل العوادي |
فتوجّه إلى الإمام الجواد |
|
وتوسّل به إلى الله كي يجبر |
جرح الأسى بخير ضماد |
|
ورث العلم والإمامة طفلاً |
قاد ركب الهدى بكلّ سداد |
|
إنّها حكمة الإله فقد أوحى |
لعيسى المسيح في الميلاد |
|
فاستهان العدى وراموا اختباراً |
لقوى علمه على الأشهاد |
|
رجعوا خائبين ، لكنّها الأهواء |
تطغى في غيِّها المتمادي |
|
شاهدوا علمه وحشد كراماتٍ |
تسامى بها على الأنداد |
|
لم تؤثّر على ابن أكثم والمأمون |
دنيا غيبيّة الإمداد |
|
هو حبّ الدنيا وإرث ذنوبٍ |
تحجب المرء عن طريق الرشاد |
|
طاردوا بالسجون والغدر والإرهاب |
ظلماً آل النبي الهادي |
|
جمع العلم والمكارم والجود |
وزهد النسّاك والعبّاد |
|
فنهارٌ يقضيه بالهدي والبذل |
وليل يمرّ بالأوراد |
|
يرفد المؤمنين خيراً لدنياهم |
ودرب الفلاح يوم المعاد |
|
وبه تلتجي المساكين لا ترجع |
منه إلا بأفضل زاد |
|
فاستشاط النظام حقداً واُم الفضل |
دسّت إليه سمّ الأعادي |
|
خسأ الغدر فهو لا زال حيّاً |
يتسامى على مدى الآباد |
|
سيّدي أيّها الجواد لقد ضاقت |
حياتي من الخطوب الشداد |
|
كبرت ظلمتي ففي التيه لا أنظر |
إلا السواد إثر السواد |
|
سيّدي أيّها الجواد لقد جئت |
بخطبي مستجدياً للجواد |
|
فتفضّل وجُد بنظرة عطفٍ |
لمرادي فأنت « باب المراد » |
* ربيع الثاني 1428
الهوامش
1. بحار الأنوار 75 : 358.
مقتبس من كتاب : [ أنوار الولاء ] / الصفحة : 135 ـ 139
التعلیقات