الإمام علي الهادي عليه السلام
السيد هاشم الهاشمي
منذ سنتينالإمام علي الهادي عليه السلام
عاشر أئمّة أهل البيت عليهم السلام اسمه علي ، وكنيته أبو الحسن ولقبه الهادي والنقي ، وأبوه محمّد الجواد ، واُمّه « سمانة » ولد في منتصف شهر ذي الحجة سنة « 212 » هجري في المدينة ، وقد تولّى الإمامة وعمره ثمانية أعوام سنة « 220 » واستمرّت فترة إمامته حتى استشهاده عام « 254 هـ ».
وعاصر من الخلفاء « المعتصم ، والواثق ، والمتوكل ، والمنتصر ، والمستعين ، والمعتز ».
وتقسّم حياته إلى ثلاث مراحل :
مرحلة ما قبل الإمامة ـ ومرحلة الإمامة إلى زمان المتوكل.
ومرحلة ما بعد المتوكل ـ وهي أشد مراحل حياته وأصعبها.
واصل الإمام عليه السلام مسيرة آبائه في هداية الناس ونشر الإسلام الأصيل والحفاظ عليه.
لذلك التف الناس حولهم لينهلوا من معين علومهم ، وهذا مما أثار حفيظة الخلفاء المعاصرين له وبخاصة المتوكل الذي كان شديد القسوة ضد اتباع أهل البيت والعلويين ، وقد واجههم بالتنكيل والقتل والسجن حتى اضطر الكثير منهم للهجرة إلى الأقطار النائية ، ممّا أدّى إلى قيام كثير من الانتفاضات والثورات العلوية تدعو إلى الرضا من آل محمّد في تلك الفترة ، ومن شنع أعمال المتوكل قيامه بهدم قبر الإمام الحسين عليه السلام وهدّد زائريه بالقتل والتعذيب ، ووضع المراقبين حول قبره منعاً لزائريه ، حيث أثار بذلك استنكار الكثير حتى الشعراء منهم قد نظموا هذه الحادثة المؤلمة.
ولشدّة خوف الحكّام والخوف من نفوذ وشعبيّة الإمام عليه السلام كسائر الأئمّة ، فأراد أن يضعه تحت المراقبة المباشرة ، فاستدعاه إلى سامراء عام « 234 » من المدينة ، وأسكنه دار الصعاليك مجاوراً لمعسكره ، وأقام فيه إلى آخر عمره تحت مراقبة مشدّدة. ولذلك لم يتهيّأ للإمام عليه السلام أن يلتقي بشيعته ومحبّيه بحريّة تامّة ، كما كان كذلك بهذه الظروف العصبيّة والده الإمام الجواد وابنه العسكري عليهما السلام ، ولذلك فإنّ ما وصلنا من علومهم ورواياتهم وأخبارهم الشيء النادر ، نتيجة للفترة الصعبة التي عاشوها. ولكنّهم كانوا يهدون الناس لمدرسة أهل البيت عليهم السلام من خلال وسائل عديدة كفضائلهم وكراماتهم.
وبالرغم من استعمال الطغاة والأعداء مختلف الأساليب لإخفاء ذكرهم كان المسلمون آنذاك يحملون لهم الاحترام والمحبّة والولاء ، ولهم النفوذ الكبير في أوساط المسلمين.
وقد ظهرت للإمام عليه السلام كرامات تناقلها الناس في ذلك الوقت ، ممّا زاد في اعتقادهم في خصائص أهل البيت المتفوقة وملكاتهم المنفردة ، كلّ ذلك أثار فزع الحكّام ونقمتهم عليه وعلى الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام ، لذلك يلاحظ أنّ المتوكل أمر أكثر من مرّة بتفتيش بيت الإمام ، إلا أنّهم وجدوا الإمام وعليه مدرعة من صوف جالساً على التراب متوجهاً لله تعالى يتلوا القرآن الكريم ، وقد اُجبر مرّة على الحضور إلى مجلس المتوكل ، الحافل بالخمرة والمجون والسكارى. وقد كان المتوكل متهتّكاً سكّيراً ظالماً مبذراً لأموال المسلمين ، يرتكب أفظع الجرائم والمنكرات.
ولمّا اُحضر الإمام ، وكان المتوكل جالساً والكأس بيده ، فطلب من الإمام عليه السلام أن ينشده شعراً ، وبعد إبائه ، أجبره على ذلك ، فأنشده الإمام عليه السلام تلك الأبيات المعروفة ، التي تتضمن الموعظة وذكر الموت ونبذ الشهوات والمنكرات والتي مطلعها :
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم |
غـلب الرجال فـلم تنفعهم القلل |
فلم يترك إرشاده وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر حتى في أقسى الظروف وأبشعها.
وهكذا عاش الإمام مراقباً من قبل حكّام عصره الذين جاءوا بعد المتوكل ، حتى وصل الأمر إلى المعتز العباسي فدسّ إليه السمّ واستشهد الإمام عليه السلام على أثر ذلك في 3 رجب سنة 254 هـ.
وممّا روي عنه عليه السلام زيارة الجامعة المعروفة.
ومن آثاره رسالته في الردّ على أهل الجبر والتفويض وإثبات الأمر بين الأمرين. وكذلك له أجوبة في الردّ على القاضي يحيى بن أكثم ، ذكرت بتمامها في كتاب تحف العقول وغيرها.
ومما أثر عنه من حكم وكلمات قصار قوله عليه السلام :
« من اتّقى الله يُتّقى ، ومن أطاع الله يُطع ، ومن أطاع الخالق لم يبال سخط المخلوقين » (1).
قوله عليه السلام : « من جمع لك ودّه ورأيه فأجمع له طاعتك » (2).
قوله : « من هانت عليه نفسه فلا تأمن شرّه » (3).
الإمام الهادي عليه السلام
جرحٌ يهزّ صداه كلّ فؤاد |
مذ فجّروا قبر الإمام الهادي |
|
تلك الخفافيش التي تخشى الضحى |
أبداً تعيش بظلمة وعناد |
|
جبناء تضرب في الظلام وتختفي |
عملاء تشعل فتنة الأحقاد |
|
بالأمس قد قتلوا الوصي وولده |
حقداً يضجّ بخاطر الأوغاد |
|
من أجل دنياها الدنيّة حاربت |
نور الرسول وآله الأمجاد |
|
غاصت بأوحال التحلّل والخنا |
والقتل والتدمير والإفساد |
|
زال العدوّ وظلّ نور المصطفى |
ووصيّه والعترة الأمجاد |
|
ظنّوا بأنّ البغي يخلد ملكه |
خسأوا فإنّ الله بالمرصاد |
|
كأبيه قد نال الإمامة في الصبا |
فخصاله تسمو على الأنداد |
|
شدّ الجميع لعلمه ولزهده |
وخوارق غيبيّة الإمداد |
|
كم واجه الأعداء زحف ولائه |
كم لاحقوه وزجّ في الأصفاد |
|
كم نكّلوا ظلماً بشيعته وكم |
سجنوا وكم قتلوا من الأوتاد |
|
كم طاردوا أهل العدالة والهدى |
بالسجن بالإغراء والإيعاد |
|
فتشرّدوا عبر المدى بولائهم |
لنرى معالمهم بكلّ بلاد |
|
قد لاحقوا حتى القبور وروّعوا |
زوّارها في طارف وتلاد |
|
كي يسكتوا صوت الولاء لأنّه |
في ظلمة الأحقاد صوت رشاد |
|
لكنّما خابت جميع ظنونهم |
تهفو الظماء لمنهل الورّاد |
|
تسعى القلوب إلى هداه وركبه |
يطوي الخِضمّ بحكمة وسداد |
|
ومجالس فيها الغواية عربدت |
والحقد كم شهدت لفضل باد |
|
ألوى ضجيج مجونها وعدائها |
بالوعظ أسكت غيّها المتمادي |
|
حتى إذا عجز العدى دسّوا له |
سمّ المنون أصاب خير فؤاد |
|
خسأوا فهذا نهجه وضريحه |
تسعى إليه مواكب الوفّاد |
* ربيع الثاني 1428
الهوامش
1. تحف العقول : 482.
2. تحف العقول : 483.
3. تحف العقول : 483.
مقتبس من كتاب : [ أنوار الولاء ] / الصفحة : 141 ـ 145
التعلیقات