١- و أمَّا الدليل على ثبوت اختيار ذاتي للنفس فيكفي في ذلك :أوّلاً: قضاء الفطرة و البداهة بذلك ؛ فإنّ كل نفس كما تجد ذاتهاحاضرة لديها فهكذا تجد كونها مختارة ، و أنَّ سلطان الفعل و الترك بيدها ،و لها أن تقْدم على عمل و أن لا تقدم عليه ، و لا شيء أظهر عند النفس منهذا الاختيار ، و إنَّ أنكره الإِنسان فإنّما ينكره باللسان و هو معتقد به.هذا حقاً من العجائب! فان الخلاف هو في الجبر لا في الاكراه الذي لم يقل به احد. فالجبر اعم من الاكراه مطلقا. و ينبغي تعريف الاكراه بانه جبر محسوس في قبال الجبر غير المحسوس، و الذي وقع فيه الكلام. و من الواضح ان الوجدان و الفطرة لا شأن لهما في المقام. فغاية ما يمكن للفطرة و الوجدان ان ينفياه هو الاكراه، و الذي هو اجنبي عن البحث اصلا (و من المؤسف جداً ان هذا الخلط وقع في كثير من النصوص المعتبرة، اما للجهل بمحل النزاع او تلبيساً. و كما يقول الشاعر: ان كنت لا تدري فتلك مصيبة، و ان كنت تدري فالمصيبة اعظم). فالحاصل هو انه لا يمكن تناول مسألة الجبر الفلسفي الا بالعقل و ادلته.٢- إلى هنا خرجنا بهذه النتائج :١ـ إنَّ الأفعال النفسانية تصدر عن النفس لا بإرادة مسبقة بل يكفي فيصدورها الإِختيار الذاتي الثابت للنفس.٢ـ إنّ هذه الأفعال كما هي غير مسبوقة بالإِرادة غير مسبوقة بمبادئهاأيضاً ، فليس قبل صدورها تصوّر ، و لا تصديق ولا شوق ، و لا عزم و لا جزم.٣ـ إنَّ الأفعال القلبية اختيارية للنفس بمِلاك الاختيار الذاتي الثابتلها.ما اسميتموه بالاختيار الذاتي هو امر ممتنع عقلا لوجهين:الاول: لكي يكون الشخص مختارا حقيقة (لا اعتبارا) يجب ان يكون هو الذي اختار صفات نفسه الاولية، لان كل ما سوف تختاره هذه النفس سوف ينسجم بالضرورة مع صفاتها الذاتية و لا يمكن ان يتحمل مسؤوليته الا من وضع تلك الصفات. و من المسلم ان الانسان لم يكن له اي دور في خلق او اختيار ايٍ من صفات نفسه النفسية او الجسمية او البيئية و المحيطية، بل ان ذلك ممتنع عقلا، كما هو واضح.الثاني: مقتضى قانون الضرورة العلية العقلي (الشيء ما لم يجب لم يوجد) هو ان يستحيل وجود شيء حر في الوجود (خصوصا في الاشياء الحادثة، اي غير الازلية، على فرض وجود شيء ازلي) اذ ان الحرية مناقضة للعلية و مساوقة لللاعلية (الصدفة). هذا فيما اذا كان المقصود من الاختيار هو الاختيار الحر. اما اذا اريد به شيء آخر، كعدم الاكراه مثلا، فيكون الامر مختلفا حينئذ.فان الحرية الحقيقية للاختيار هي وحدها التي يمكنها ان تورث المسؤولية و التكليف الحقيقيين. و اما اذا كانت حرية الاختيار مجرد حرية اعتبارية مجازية شكلية وهمية (وهي كذلك بالفعل، بالتعيّن العقلي)، فان اي تكليف او مسؤولية تترتب عليها لا تكون الا مسؤولية اعتبارية مجازية شكلية وهمية، يقبح عقلا العقوبة او الاثابة الحقيقيتين عليها.فخلاصة الكلام هي ان الاكراه غير متعين عقلا، كما ان احدا لم يدّع ذلك عبر التاريخ. و اما الجبر فهو متعين عقلا بمقتضى قاعدة الضرورة العلية (الشيء ما لم يجب لم يوجد). و قد اقرّ بعض علماء الشيعة باَن الجبر من لوازم الضرورة العلية (الشيء ما لم يجب لم يوجد)، و لذلك انكروا هذه القاعدة العقلية المسلمة فوقعوا في محاذير عقلية خطيرة، و كانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار (او كما يقول المثل الشعبي راد يكحّلها عماها).
الرد
السيد جعفر علم الهدى٨yr ago
٠٠
أوّلاً : الأعجب هو أنّه متى انتفى الإكراه في أعمالنا ينتفي الجبر أيضاً وذلك لأنّ الإكراه حقيقته ان يعمل الإنسان فعلاً باختياره وإرادته لكن لا بطيب النفس بل لأجل دفع الضرر المتوجّه إليه من المكره لو لم يفعل فمصب الإكراه هو الفعل الإختياري ولا محالة يكون مصب نقيضه وعدم الإكراه أيضاً الفعل الإختياري ، فعدم الإكراه يقتضي عدم الجبر أيضاً.ثانياً : ليس في كلام القائل التعبير بالإكراه بل هو يشير إلى أمر فطري ذاتي وهو انّ الإنسان يرى هناك فرقاً بين حركة النبض مثلاً وبين المشي ، فانّه لا يصدر الأوّل من الإنسان اختياراً بخلاف الثاني ، فانّه يصدر منه بالإرادة والاختيار وهو قادر على فعله وتركه.الجواب ٢ : مقدّمات الفعل إذا كانت كلّها خارجة عن تحت الإختيار يكون الفعل جبريّاً ، امّا إذا كان بعضها ولو الجزء الأخير للعلّة التامّة إختياريّة لا يكون الفعل جبريّاً بل يكون إختياريّاً فقد يكون تصوّر شرب الماء غير اختياري بل ناشئ من العطش الشديد ، لكن في المرحلة الأخيرة مع وجود هذه المقدّمات اللاإختياريّة يرى الإنسان بالوجدان انّه قادر على شرب الماء وتركه كليهما ولا يكون مضطراً إلى أحدهما ، فإذا اعمل قدرته في شرب الماء كان فعلاً إختياريّاً ، لأن النتيجة تابعة لأخسّ المقدّمات.وبناء على ذلك نقول خلق الله الإنسان بحيث يكون مختاراً في أعماله وتصرّفاته ، فأصل خلقته ليست إختياريّة واقتضاء طبيعته للإختيار والإرادة أيضاً غير إختياري ، وهكذا مقدّمات الفعل البعيدة والقريبة قد تكون غير إختياريّة ، لكن لما يصل الأمر إلى اعمال القدرة فهو إختياري وذلك لأنّ الله تعالى خلقه هكذا ولو لم تكن أعماله إختياريّة لزم تخلف مراد الله تعالى حيث انّه أراد أن تكون أعمال الإنسان إختياريّة ، لكنّها تصدر منه بلااختيار.وأمّا الدليل على أنّ الله تعالى خلق الإنسان هكذا فهو الوجدان والفطرة والعقل وترتّب الثواب والعقاب على الفعل ، وكلّ دليل يمكن ان يستدلّ به القائل بالإرادة والإختيار ـ بنحو الأمر بين الأمرين ـ في مقابل القول بالجبر.وأمّا قانون الواحد لا يصدر إلّا من الواحد ، فهذا انّما هو في الفاعل بالجبر لا في الفاعل المختار.وأمّا قاعدة الشيء ما لم يجب لم يوجد ، فهو صحيح لكن نفس اعمال القدرة بالإختيار مع المقدّمات الاخرى تكون علّة لوجود الشيء فلا ينافي كون الفعل إختياريّاً مع قاعدة الشيء ما لم يجب لم يوجد.
التعلیقات
١