لماذا يذكر الشيعه في الصلاة « حيّ على خير العمل » ولا يذكره السنّة ؟
« حيّ على خير العمل » كان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جزءاً من الأذان والإقامة (1) ، وبإعتقاد الشيعة انّ المراد من خير العمل هو ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام والعترة الطاهرة ، فانّ ولاية أهل البيت عليهم السلام والاعتقاد بإمامة الأئمّة الاثني عشر خير الأعمال بل هي شرط قبول الأعمال وترتّب الثواب والأجر عليها ، بل قال بعض الفقهاء بأنّ الولاية شرط صحّة الأعمال والعبادات ولولا الولاية تكون الأعمال باطلة وغير مجزية كما ورد في كثير من الروايات المرويّة من طرق الشيعه والسنّة جميعاً.
ففي كتاب « المناقب » عن « تاريخ الذهبي » و « شرف المصطفى » عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : « لو أنّ عبداً عبد الله تعالى بين الركن المقام ألف عام ثمّ ألف عام ثمّ ألف عام ولم يكن يحبنا أهل البيت لأكبّه الله على منخره في النار ». (2)
وفي « ينابيع المودة » عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً : « لو أنّ رجلاً صفن بين الركن والمقام فصلّى وصام ثم لقي الله تعالى وهو مبغض لأهل بيت محمّد دخل النار ». (3)
[ أخرجه ابن السرى ] وفي « ينابيع المودة » عن « مودّة القربى » لمير سيد علي بن شهاب الهمداني ] عن علي المرتضى عليه السلام عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : « لو انّ عبداً عبد الله مثل ما قام نوح في قومه وكان له مثل جبل اُحد فانفق في سبيل الله ومدّ في عمره حتّى يحجّ ألف عام على قدميه ثمّ سعى بين الصفا والمروة ثمّ قُتل مظلوماً ثمّ لم يوالك يا علي لم يشمّ رائحة الجنّة ولم يدخلها ». (4)
ولمّا أحسّ الخليفة الثاني بأنّ هذه الفقرة في الأذان والإقامة تحرّض المسلمين على ولاية علي عليه السلام وتدعوهم إلى الإعتقاد وبإمامته وكان ذلك مخالفاً لمشروعيّة خلافته ودليلاً واضحاً على بطلانها ، أمر بإسقاط هذه الفقرة من الأذان والإقامة بدعوى انّ الناس إذا علموا انّ الصلاة خير العمل تركوا الجهاد والقتال ، ولم يكتف بحذف هذا الفقرة بل أمر بأن يقال في أذان الفجر « الصلاة خير من النوم » بدلاً من « حيّ على خير العمل ». (5)
وقد جرت هذه البدعة في أهل السنّة فتركوا سنّة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وحذفوا « حيّ على خير العمل » وعملوا ببدعة عمر بن الخطاب وأضافوا في أذان الفجر « الصلاة خير من النوم » ، مع أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يشرّعه في الأذان.
وممّا يدلّ على أنّ « حيّ على خير العمل » كان جزءاً من الأذان في عهد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وفي خلافة أبي بكر ثمّ نهى عنه عمر.
ما رواه الطبري في [ المسترشد ] عن عمر انّه قال :
أيّها النّاس ، ثلاث كنّ على عهد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أنا أنهى عنهنّ وأحرّمهنّ وأعاقب عليهنّ ، منها : المتعتان ، متعة النّساء ومتعة الحجّ ، ... (6)
ورى في كنز العمال عن الطبراني كان بلال يؤذن بالصبح فيقول : « حي على خير العمل ». (7)
وفي شرح التجريد للقوشجي ـ وهو من كبار علماء أهل السنة ـ في مسحب الإمامة روى أنّ عمر بن الخطّاب قال على المنبر :
ثلاث كن على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنا أنهى عنهن وأحرمهن ، وهي : متعة النساء ، ومتعة الحج ، وحي على خير العمل. (8)
وروى ذلك الفخر الرازي في تفسيره الكبير في ذيل قوله تعالى : ( فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ ) (9) ، وفي قوله تعالى : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (10).
وفي « سنن الترمذي » :
وَرُوِيَ عن مُجَاهِدِ قَال : دَخَلْتُ مَعَ عبدَ اللهِ بن عُمَرَ مَسْجِداً وَقَدْ أُذِّنَ فِيهِ ، وَنَحْنُ نُريدُ أنْ نُصَلِّيَ فيهِ ، فَثَوَّبَ الْمُؤَذِّنُ ، فَخَرَجَ عبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ مِنَ المسْجِدِ وَقالَ : اخْرُجْ بنَا منْ عِنْدِ هذا المُبْتَدِعِ ! وَلَم يُصلَّ فيهِ. (11)
ويستفاد من أحاديثنا المرويّة عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام أنّ جملة « حيّ على خير العمل » سقطت من الأذان حينما ترك بلال الأذان للخلفاء اعتراضاً على غصبهم للخلافة.
ففي كتاب « من لا يحضره الفقيه » للشيخ الصدوق بسنده عن أبي بصير عن أحدهما ـ الباقر أو الصادق عليهما السلام ـ أنّه قال :
إنّ بلالاً كان عبداً صالحاً فقال لا اُؤذِّن لأحد بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله فترك يومئذ حيَّ على خير العمل. (12)
ولا منافاة بين هذا الحديث وما دلّ على انّ عمر هو الذي أسقطها ، وذلك لأنّه لو كان بلال يؤذّن ويذكر « حيّ على خير العمل » في أذانه دائماً لما كان عمر يستطيع ان يسقطها ويحذفها بل كان مؤذّن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ أي بلال ـ يمنعه قولاً وعملاً.
وامّا انّ المراد من « حيّ على خير العمل » الولاية ، فقد ورد في أحاديثنا ذلك.
ففي التوحيد للشيخ الصدوق :
وَقَدْ رُوِيَ في خَبَرٍ آخَرَ أَنَّ الصّادقَ عليه السلام سُئِلَ عَنْ مَعْنى « حَيَّ عَلى خَيْرَ العَمَلِ » فَقالَ : خَيْرُ العَمَلِ الوِلايَةُ. وَفي خَبَرٍ آخَرَ خَيْرُ العَمَلِ بِرُّ فاطِمَةَ وَوُلْدِها عليهم السلام. (13)
وهناك رواية طريفة تذكر علّة اسقاط « حيّ على خير العمل » من الأذان ، ففي وسائل الشيعه أبواب الأذان والإقامة : سأل محمّد بن أبي عمير الإمام الرضا عليه السلام : لماذا اسقطوا حيّ على خير العمل من الأذان ؟ فقال عليه السلام : أتريد العلّة الظاهرة أو الباطنة ؟ قلت : اُريدهما جميعاً. فقال : أما العلّة الظاهرة فلئلّا يدع الناس الجهاد اتّكالاً على الصلاة. وأمّا العلّة الباطنة فانّ حي على خير العمل الولاية ، فأراد من أمر بترك « حيّ على خير العمل » من الأذان ان لا يقع حثّ عليها ودعاء إليها ». (14)
الهوامش
1. راجع :
علل الشرائع « للشيخ الصدوق » / المجلّد : 2 / الصفحة : 368 / الناشر : منشورات المكتبة الحيدريّة.
السنن الكبرى « للبيهقي » / المجلّد : 1 / الصفحة : 424 / الناشر : دار الفكر.
شرح المقاصد « للتفتازاني » / المجلّد : 5 / الصفحة : 283 / الناشر : الشريف الرضي / الطبعة : 1.
2.
3. المستدرك على الصحيحين « للحاكم النيسابوري » / المجلّد : 3 / الصفحة : 174 / الناشر : دار الحرمين / الطبعة : 1 :
حدثنا أبو جعفر أحمد بن عبيد بن إبراهيم الحافظ الأسدي بهمدان ثنا إبراهيم بن الحسين بن ديزيل ثنا إسماعيل بن أبي أويس ثنا أبي عن حميد بن قيس المكي عن عطاء بن أبي رياح وغيره من أصحاب ابن عباس عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : « يا بني عبد المطلب إني سألت الله لكم ثلاث : أن يثبت قائمكم ، وأن يهدي ضالكم ، وأن يعلم جاهلكم ، وسألت الله أن يجعلكم جوداء نجداء رحماء ، فلو أن رجلاً صفن بين الركن والمقام فصلى وصام ، ثم لقي الله وهو مبغض لأهل بيت محمد دخل النار ».
4. ينابيع المودة لذوي القربى « للقندوزي » / المجلّد : 2 / الصفحة : 462 / الناشر : دار الأسوة للطباعة والنشر / الطبعة : 1 :
[ وعن ] علي [ المرتضى ] رضي الله عنه رفعه :
لو أنّ عبداً عبد الله مثل ما قام نوح في قومه. وكان له مثل أحد ذهباً فأنفق في سبيل الله ، ومدّ في عمره حتى يحجّ ألف عام على قدميه ، ثم [ سعى ] بين الصفا والمروة ، [ ثم ] قتل مظلوماً ، ثم لم يوالك يا علي ، لم يشمّ رائحة الجنة ولم يدخلها.
5. راجع :
الموطأ « لمالك » / المجلّد : 1 / الصفحة : 72 / الناشر : دار إحياء التراث العربي.
الإيضاح « لفضل بن شاذان » / المجلّد : 1 / الصفحة : 202 / الناشر : مؤسسة انتشارات جامعة طهران.
علل الشرائع « للشيخ الصدوق » / المجلّد : 2 / الصفحة : 368 / الناشر : منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها.
6. المسترشد في إمامة أمير المؤمنين علي بن ابي طالب « لمحمد بن جرير الطبري » / الصفحة : 516 / الناشر : مؤسسة الثقافة الإسلامية لكوشانبور / الطبعة : 1.
7. كنز العمال « للمتقي الهندي » / المجلّد : 8 / الصفحة : 345 / الناشر : مؤسسة الرسالة.
8. شرح المقاصد « للتفتازاني » / المجلّد : 5 / الصفحة : 283 / الناشر : شريف الرضي / الطبعة : 1.
9. البقرة : 196.
10. النساء : 24.
11. سنن الترمذي / المجلّد : 1 / الصفحة : 128 / الناشر : دار الفكر للطباعة والنشر : / الطبعة : 2.
12. من لا يحضره الفقيه « للشيخ الصدوق » / المجلّد : 1 / الصفحة : 283 ـ 284 / الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي / الطبعة : 2.
13. التوحيد « للشيخ الصدوق » / الصفحة : 241 / الناشر : جماعة المدرسين في الحوزة العلميّة / الطبعة : 1.
14. وسائل الشيعة « للشيخ الحرّ العاملي » / المجلّد : 5 / الصفحة : 420 / الناشر : مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث/ الطبعة : 2 :
في ( العلل ) : عن عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس ، عن علي بن محمّد بن قتيبة ، عن الفضل بن شاذان ، عن محمّد بن أبي عمير ، أنّه سأل أبا الحسن ( عليه السلام ) عن حيّ على خير العمل ، لم تركت من الأذان ؟ قال : تريد العلّة الظاهرة أو الباطنة ؟ قلت : أريدهما جميعاً ، فقال : أمّا العلّة الظاهرة لئلّا يدع الناس الجهاد اتّكالاً على الصلاة ، وأما الباطنة فإنّ خير العمل الولاية ، فأراد من أمر بشرك حيّ على خير العمل من الأذان أن لا يقع حثّ عليها ودعاء إليها.
التعلیقات