ما هي أدلّة التوسّل بالأنبياء والأئمّة والصالحين ؟
قال الله تعالى : ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) (1) ، ومن الخطأ ما يذكره الوهابيّون من انّ المراد من الوسيلة الأعمال والطاعات إذ لا دليل على إحضار الوسيلة بذلك ، بل هذه الآية الشريفة عامّة تشمل التوسّل بالأنبياء والرسل والأئمّة عليهم السلام ، لأنّ الوسيلة بمعنى التقرّب والعرب استعملت الوسيلة في التوسّل بالإنسان كما في شعر عنترة :
إنَّ الرِّجالَ لهمْ إليْكِ وسيلةٌ |
إنْ يأخُذُوكِ تكَحَّلي وتَخَضَّبي (2) |
بل ورد في رواياتنا انّ المراد من الوسيلة ، المعصومون :
ففي عيون أخبار الرضا عليه السلام :
قال : قال رسول الله « ص » : الائمة من ولد الحسين عليه السلام ، من أطاعهم فقد أطاع الله ومن عصاهم فقد عصى الله عز وجل ، هم العروة الوثقى والوسيلة الى الله عز وجل. (3)
وقال امير المؤمنين وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ : انا وسيلته. (4)
وفي خطبة الزهراء عليها السلام المرويّة في « دلائل الإمامة للطبري » ، وفي « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد المعتزلي :
فاحْمَدُوا اللهَ الَّذِي بِعَظَمَتِهِ وَنُورِهِ ابتَغَى مَنْ في السَّمَاوَاتِ وَمَنْ في الأرْضِ إليهِ الوسِيلَة ، فَنَحْنُ وَسِيلَتُهُ في خَلْقِهِ ، وَنَحْنُ آلُ رَسُولِهِ ، وَنَحْنُ حُجَّةُ غَيْبهِ ، وَوَرَثَةُ أنْبيَائِهِ. (5)
وقد ذكر الحافظ أبو بكر الشيرازي في كتابه « نزول القرآن في أمير المؤمنين » ، وكذلك الحافظ أبي نعيم الإصبهاني في « ما نزل من القرآن في علي » ، والإمام الثعلبي في تفسيره (6) ، انّ المراد من الوسيلة في الآية الشريفه هم عترة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله.
وقد ورد في روايات السنّة والشيعة توسّل الأنبياء والرسل بأهل البيت عليهم السلام ، منها ما رواه السيوطي في تفسير الدر المنثور في قوله تعالى : ( فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ ) (7) قال :
وأخرج ابن النجار عن ابن عباس قال : « سألت رسول الله صلّى الله عليه وآله عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه قال : سأل بحق محمد ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، الا تبت علي فتاب عليه ». (8)
وفي رواية :
عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم انه قال : لما خلق الله تعالى آدم أبو البشر ونفخ فيه من روحه التفت آدم يمنة العرش فإذا في النور خمسة أشباح سُجِّداً ورُكَّعاً ، قال آدم : يا ربّ هل خلقت أحداً من طين قبلي ؟ قال : لا يا آدم. قال : فمن هؤلاء الخمسة الأشباح الذين أراهم في هيبتي وصورتي ؟ قال : هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك. هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي ، لولاهم ما خلقت الجنة ولا النار ، ولا العرش ولا الكرسي ولا السماء ولا الأرض ، ولا الملائكة ولا الإنس ولا الجن ، فأنا المحمود وهذا محمد ، وأنا العالي وهذا علي وأنا الفاطر وهذه فاطمة ، وأنا الإحسان وهذا الحسن وأنا المحسن وهذا الحسين. (9)
وفي صحيح البخاري باب مناقب علي بن أبي طالب :
اَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ كانَ اِذا قَحِطُوا اسْتَسْقى بِالْعَبّاسِ بْنِ عَبدِ الْمُطَّلِبِ فَقالَ اللَهُمَّ اِنّا كُنّا نَتَوَسَّلُ اِلَيْكَ بِنَبِيِّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَسْقينا وَاِنّا نَتَوَسَّلُ اِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيّنا فَاسْقِنا قالَ فَيُسْقَوْنَ. (10)
قال الله تعالى : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ). (11)
وهذه الآية تذكر ان من شروط قبول التوبة التوسّل بالنبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله حيث قال تعالى : ( جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ ) (12) ، ولم يقلّ ولو انّهم استغفروا الله لكان الله توّاباً رحيماً.
وهكذا بالنسبة إلى أولاد يعقوب النبي عليهم السلام : ( قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ) (13) ، فتوسّلوا إلى أبيهم ليستغفر لهم مع انّه كان بإمكانهم ان يستغفروا بينهم و بين الله تعالى. ثم انّ يعقوب النبي عليه السلام لم يردعهم عن ذلك بل وافقهم ووعدهم بقوله : ( سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ ) (14).
وفي فيض القدير عن علي عليه السلام :
الدُّعَاءُ مَحْجُوبٌ عَنِ اللهِ ، حَتَّى يُصَلِّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَهلِ بَيْتِهِ. (15)
وفي الصواعق المحرقه :
وقد أخرج الديلمي أنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : الدعاء محجوب حتى يصلى على محمد وأهل بيته اللهم صل على محمد وآله. (16)
الهوامش
1. المائدة : 35.
2. العقد الفريد « للجاحظ » / المجلّد : 3 / الصفحة : 354 / الناشر : دار الكتب العلميّة / الطبعة : 1.
3. عيون أخبار الرضا عليه السلام « للشيخ الصدوق » / المجلّد : 2 / الصفحة : 63 / الناشر : مؤسسة الأعلمي للمطبوعات.
4. المناقب « لابن شهرآشوب » / المجلّد : 3 / الصفحة : 75 / الناشر : علامه / الطبعة : 1.
5. دلائل الإمامة « لمحمد بن جرير الطبري » / الصفحة : 113 ـ 114 / الناشر : مؤسسة البعثة / الطبعة : 1.
راجع :
شرح نهج البلاغة « لابن أبي الحديد » / المجلّد : 16 / الصفحة : 211 / الناشر : دار إحياء الكتب العربيّة.
6. راجع :
الكشف والبيان عن تفسير القرآن « للثعلبي » / المجلّد : 4 / الصفحة : 59 / الناشر : دار إحياء التراث العربي / الطبعة : 1.
7. البقرة : 37.
8. الدر المنثور « لجلال الدين السيوطي » / المجلّد : 1 / الصفحة : 147 / الناشر : دار الفكر.
9. فرائد السمطين « لابراهيم بن سعد الدين الشافعي » / المجلّد : 1 / الصفحة : 36 ـ 37 / الناشر : مؤسسة المحمود / الطبعة : 1.
راجع :
الغدير « للشيخ الأميني » / المجلّد : 2 / الصفحة : 300 / الناشر : دار الكتاب العربي / الطبعة : 4.
10. صحيح البخاري / المجلّد : 4 / الصفحة : 209 / الناشر : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
11. النساء : 64.
12. النساء : 64.
13. يوسف : 97.
14. يوسف : 98.
15. فيض القدير « لمحمد بن عبد الرؤوف المناوي » / المجلّد : 3 / الصفحة : 543 / الناشر : دار المعرفة.
16. الصواعق المحرقة « لأحمد بن حجر الهيتمي » / الصفحة : 148 / الناشر : مكتبة القاهرة / الطاهرة : 2.
التعلیقات
٤