لماذَا تذلّه أمام الآخرين؟!
السيد حيدر الجلالي
منذ 6 سنواتدعاني أحد الإخوة في يوم الجمعة إلى مائدة طعام كان قد يحضر فيها عدداً من الأصدقاء كذلك، وأعد فيها الأرز والمرق واللحم والشرابت وأكلات أخرى، وكانت الأطعمة لذيذة جداً.
بعد تناول الطعام بدأنا بالحديث حول مواضيع مختلفة كالأوضاع السياسية والاقتصادية للمنطقة، وكان الأولاد صغار السّن يتكلمون حول ما فعلوه في العطلة الصيفية والنتائج التي حصلوا عليها في السنة الماضية.
بعدما جاؤوا بالشاي تَوَجّه عمار (أبو حسين) إليّ وقال - متّجهً لي، لكوني مدرّساً في المدرسة -: إنّ ابني رياض لا يدرس جيداً أحياناً، ونتائجه في الامتحانات النهائية للسنة الماضية كانت ضعيفة جداً!
قلت: كيف كانت درجاته وما هي درجة معدّله؟
قال: درجاته كانت تتراوح ما بين 60 إلى 80، وكان معدله 75!
قلت: وما هي المشكلة في ذلك؟ إنّ كثير من الطلاب يحصلون على هذه الدرجات والمعدل، فرياض طالبٌ في المستوى العادي، ولا يمكن معاتبته للحصول على هذه الدرجات.
قال: لا، ليس كذلك! إنّي أنفق الكثير من المال من أجل دراسته، وقد أرسلته إلى مدرسة أهلية؛ لكي يحصل على درجات عالية، ألا ترى بأن مصطفى (أخ رياض) كيف يحصل على درجات عالية؟ لماذا يفعل رياض بي هكذا؟ لماذا لا يهتم بدراساته؟
قلت: سيّد عمار! ألا تؤمن بأنّ لكلّ شخصٍ طاقات ورغبات تختلف مع الآخرين؟ ألا تؤمن بأنّه يمكن اختلاف الطاقات والرغبات في التوأمين؟ إنّ رياض لا يرغب بالدراسة، بل يُحبّ العمل الحرّ، ولا يحبّ أيضاً أنْ يُحَدَد بمكان خاص كإدارة أو مؤسسة أو ما شابه ذلك! إنّ اهتمامات مصطفى تختلف كثيراً مع اهتمامات رياض فهو يُحبّ الطبّ، لكن كما أنّ المجتمع يحتاج إلى الأطباء والمهندسين والمعلمين كذلك يحتاج إلى الميكانيكي والنجّار والحدّاد!
انزعج مصطفى بعد هذا الكلام، وخرج من المجلس!
قال رضا (أحد الضيوف): الحقّ مع عمّار، إنّه قد أنفق الكثير من المال؛ لكي يحصل رياض على معدل عالٍ، ولا يتوقع منه الحصول على معدل 75!
أيّد هذا الكلام عباس ومحمّد وزيد (الذين كانوا من الضيوف أيضاً).
لكن أنا خالفتهم جميعاً، وقلت: أنتم لا تعرفون عن مشاعر المراهقين شيئاً! أنت يا عمّار، قد هدّمت مشاعر مصطفى أمام الجمع وخاصةً أمام مصطفى (بحاجة إلى صياغة جديدة) وباقي الأولاد الذين هم في عمره! هل فكّرت في يوم مِن الأيّام أن تجلس معه وبدلاً عن الكلام الصلب وقياسه مع مصطفى وباقي الأولاد، تسمع منه اهتماماته ورغباته؟ أما سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه يقول: «مَن کانَ عِندَهُ صَبِیٌ فَلیَتَصابَ لَه»(1) لماذا لم تجعل نفسك في مكانه، وترى ما مدى تأثير تذليل المراهق أمام الجمع؟ أنتم أيّها الجمع، لماذا تُريدون أن يصبح أولادكم دكاترة ومهندسين فقط؟ هل أنتم أو إخوانكم أو أخواتكم دكاترة ومهندسين؟ رُدّوا علي إنْ كان لكم ردّاً؟ أليس رياض هو الذي يدير أمور البيت الذي فيه 5 نفرات (أمّه مع إخوانه الأربعة) في غياب عمّار! في حين مصطفى (مع جميع احتراماتي له)، حتى لا يرمي النفيات خارج البيت، وهو جالسٌ أمام كتبه دائماً، ولا يدري ما يدور حوله! أهذا فرقٌ بينهما أم لا؟ لو لم يكن رياض في البيت، لهلكت أمّهم من التعب!
لم يقتنع عمّار بهذا الكلام، وكذلك بعض الحضور! والسبب في ذلك -في رأيي- هو عدم علم الآباء بمشاعر المراهقين في هذا الزمن، وقياسها مع مشاعرهم في زمن مراهقتهم، وعدم الانسجام مع المراهق.
لكن الإسلام وبكلّ حذافيره يهتمّ بالشباب والمراهقين كما يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «أوْلَى الأشْياءِ أنْ يَتَعَلَّمَهَا الأحْداثُ، الأشْياءُ الَّتي إذا صاروا رِجالاً احْتاجوا إلَيْها»،(2) فالاهتمام بشعور المراهق هو أهمّ شيء في تربيته ونموه وتأمين مستقبله، فلا يمكن أن نتوقّع منه زيادة عن طاقته، ولابد أنْ لا نتوقع منه أنْ يصبح متخصصاً في المجالات التي نُحبّها؛ لأنّ القدرات والرغبات والمستويات تختلف مِن شخص إلى آخر، فلا بد للوالدين أن لا يضغطا على المراهق، وأن يُنزّلا أنفسهم وخاصة مشاعرهما في مستوى عمر المراهق؛ لكي يفهموا ما يريده المراهق من الحياة وما يتوقعه من الكبار، فالعهدة على الأبوين)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص484، ح4707.
2) شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحدید، ج20، ص333.
التعلیقات