عَمل الشاب
السيد حيدر الجلالي
منذ 6 سنواتبعد أسبوع من الدراسة في كليّة الفنون ببغداد قررت أن أذهب إلى بيتنا في نهاية الأسبوع. كان يوم الأربعاء، وكان يوماً حاراً جداً. ذهبت إلى محطة السيّارات الأجرة؛ لكي أذهب إلى النجف.
سائق التكسي وبصوت عال: نجف بعشرين ألف، لا أحتاج إلّا إلى شخصاً واحداً، أنت أيها الشاب! هل تذهب إلى النجف؟
مهدي: نعم، ولكن...
بشّار: لا تقلق إزاء الأجرة، سوف نتصالح فيما بيننا...
جلست في مقعد الأمام، وكنت أطالع كُتُبي، قال بشّار: عفواً! هل تدرس في الجامعة؟
مهدي: نعم! أدرس في كلية الفنون ببغداد.
بشار: آه...آه...آه...، إنّ والداي كانا يريان أن أصبح طبيباً لكن أصبحت سائقاً (يبتسم ابتسامة مُرَّة).
مهدي: لماذا! هل أنّ والديك لم يُهيئّان لك الأوليات؛ لكي تصبح طبيباً؟
بشار: لا بالعكس، إنّهما بذلا ما في وسعهما؛ لكي أصبح طبيباً، لكن لم يكن لي رغبة بالطبّ. إنّ رغبتي كانت بالزراعة والمزرعة والأنعام، ومراراً وتكراراً قلت هذا لوالداي، لكنهما لم يسمعا إلى كلامي قطّ، وكانا يريدان أن أصبح كما يُريدون مني.
هذا حال الكثير من الشبّاب الذين تتوقّع العائلة منهم أن يصبحوا بما يُريدون مِن المعايير والخصوصيات، وهذا أمر خاطئ؛ لأنّ قدرات الأشخاص تختلف من شخص لآخر، وهذا يُسبب الإخلال في مستقبل الشاب كما شاهدنا في أمر بشّار الذي كان بإمكانه أن يصبح شخصاً مفيداً في الزراعة والمزرعة والأنعام، لكن بسبب خطأ أبويه أصبح سائقاً للسيارات الأجرة.
لكن ينبغي للعائلة المسلمة أن لا تتوقع من أولادها هذه الأمور؛ وذلك لاعتقاد واعتماد الناس على الله، كما يقول عزّ وجلّ: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّهِ الْمَتِینُ)،(1) فلابد على الأبوين أولاً أن يتوكلا على الله، ومن ثمّ التوجه والتركيز على قدرات وسلائق الشاب؛ لكي يصلا به إلى برّ الأمان، ولابد أن يبدءا بهذا التغيير من أنفسهم، كما يقول عزّ وجلّ: (إِنَّ اللَّهَ لاَ یُغَیِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى یُغَیِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ).(2).
1) سورة الذاريات: 58.
2) سورة الرعد: 11.
التعلیقات