أطفالنا في ظلّ التربية الإسلامية (٢)
موقع سبطين
منذ 10 سنوات
إذن، نستنتج ممّا سبق أنّ للمحيط الطبيعي للفرد وللمحيط الاجتماعيّ
العام تأثيراً عميقاً على تكوين شخصيّة الطفل وتحديد سلوكه:
1ـ المحيط الطبيعيّ:
وفيه أن القاعدة الأساسيّة في تربية الطفل تتوقّف على أساس من التفهّم والطمأنينة والاهتمام بالطبيعة، والعمل على إبعاد المخاوف عنه، وتوجيهه إلى مواطن السرور والأمان والطمأنينة في هذا العالم؛ لصيانته من ردود الفعل النفسيّة التي تؤلمه وتضرّ به، هذا من جهة، ومن جهة ثانية جعله يتوجّه نحو الطبيعة، و يستلهم منها معاني الحبّ والبهجة والجمال والأمن، ويتشوّق إلى البحث والمعرفة والاكتشاف.
قال عز ّوجلّ:
(( أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء )) .
ومن الواضح أنّ الطفل يتأثر بالمحيط وينفعل به، فيتساءل كثيراً عمّا يراه و يسمعه في هذا العالم ممّا يثير إعجابه و دهشته، ويلفت نظره، فصوت الرعد و وهج البرق و نباح الكلب و دويّ الريح وسعة البحر ووحشة الظلام، كلّها تثير مخاوفه، وتبعث في نفسه القلق والاضطراب والخوف، وتجعله ينظر إليها بحذر وتردّد، ويعدّها في عداد العدوّ والخطر، فيتطوّر عنده هذا الشعور، و يأخذ أشكالاً مختلفة، وتتطوّر هذه التحوّلات مع نموّ الطفل، فتترسّب حالات الخوف في اللاشعور، فتنمو شخصيّته على القلق و التردّد والاضطراب والخوف والجبن.
وكما أنّ لهذه الظواهر الطبيعيّة وأمثالها هذا الأثر السلبيّ الخطر في نفسيّة الطفل؛ فإنّ منها ماله تأثير كبير أيضاً وإيجابيّ نافع في نفسه، فنجده يفرح ويسرّ بمنظر الماء والمطر، وتمتلئ نفسه سروراً وارتياحاً بمشاهدة الحقول والحدائق الجميلة، ويأنس بسماع صوت الطيور، وترتاح نفسه باللعب بالماء والتراب والطين.
فيجب في كلتا الحالتين التعامل معه، وتدريبه على مواجهة ما يخاف منه، وكيفيّة معالجته، فنطمئنه، ونعوّده الثقة في نفسه والاعتماد عليها.
وممّا هو مهمّ جدّاً في دور التربية هو أن نجيب الطفل ـ بكل هدوء وبساطة وارتياح وحبّ ورحابة صدر ـ عن جميع تساؤلاته حول المطر و الشمس والقمر والنجوم والبحر والظلام وصوت الرعد و… الخ؛ بما يطمئنه و يريح نفسه؛ فننمّي بذلك فيه روح الإقدام وحبّ الاستطلاع، وحبّ الطبيعة وما فيها من خلق الله عزّوجلّ البديع العجيب.. لينشدّ إليها، ويعرف موقعه فيها، و يدرك عظمة خالقه ، ومواطن القدرة و الإبداع، و دوره فيها؛ فينشأ فرداً سليماً نافعاً ذا إرادة تجنّبه الانحراف وفعل الشرّ، وذا عزيمة على الإقدام على فعل الخير، ويتركّز في نفسه مفهوم علميّ وعقائديّ مهم بأنّ الطبيعة بما فيها هي من صنع الله عزّوجلّ أوّلاً، ثم أنّ الله سخّرها لخدمة الإنسان، فيتصرّف فيها ويستفيد منها، ويكيّف طاقاته ويستغلّها بما ينفعه وينفع الناس، وقد قال جلّ وعلا:
(( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً )) .
(( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور)) .
وهذا التسخير الإلهيّ ما هو إلاّ تمكين للإنسان من تكييف قوى الطبيعة واستثمارها لصالحه؛ وفق ما تقتضيه المفاهيم الإنسانيّة التي عالجها من خلال علاقته بالطبيعة، مثل مفاهيم الحبّ والخير والجمال والأمن والسلام والاحترام، وغيرها.
2-تأثير البيئة الاجتماعية:
إنّ للوسط الاجتماعي الذي يعيش الطفل فيه تأثيراً كبيراً في سلوكيّته وبناء شخصيّته، فسرعان ما يتطبّع ?طابع ذلك الوسط، ويكتسب صفاته ومقوّماته من عقائد ذلك الوسط وأعرافه وتقاليده وطريقة تفكيره، وما إلى ذلك.
والبيئة أو الوسط الاجتماعيّ الذي يعيش فيه الطفل يتمثّل بما يلي:
أ ـ الأسرة. ب ـ المجتمع. ج ـ المدرسة. د ـ الدولة.
أ ـ الأسرة: هي المحيط الاجتماعيّ الأول الذي يفتح الطفل فيه عينيه على الحياة، فينمو ويترعرع في أوساطه، ويتأثّر بأخلاقه وسلوكيّاته، ويكتسب من صفاته وعاداته و تقاليده.
فالطفل يرى في أبوبه ـ وخصوصاّ والده ـ الكيان الأعظم، والوجود المقدّس، والصورة المثالّية، لكّل شيء. ولذا تكون علاقته معه علاقة تقدير وإعجاب وحبّ واحترام من جهة، ومن جهة أخرى علاقة مهابة وتصاغر، ولذا فهو يسعى دائماً إلى الاكتساب منه، وتقمّص شخصيّته، ومحاكاته وتقليده، والمحافظة على كسب رضاه.
في حين يرى في الأمّ مصدراً لإرضاء وإشباع نزعاته الوجدانيّة والنفسيّة، من حبّ وعطف وحنان وعناية ورعاية واهتمام؛ لهذا فإن شخصيّة الآمّ تؤثّر تأثيراً بالغاً في الطفل ونفسيّته وسلوكه ـ حاضراً ومستقبلاً.
لذا، فإنّ لأوضاع الأسرة وظروفها الاجتماعيّة والعقائديّة والأخلاقيّة والسلوكيّة والاقتصادية وغيرها؛ طابعها وآثارها الأساسيّة في تكوين شخصيّة الطفل ونموّ ذاته؛ فالطفل يتأثّر بكل ذلك، وهذا ينعكس على تفكيره وعواطفه ومشاعره وإحساساته ووجدانه وسلوكه، وجميع تصرّفاته.
فعلاقة الوالدين مع بعضهما، و كيفيّة تعامل أفراد الأسرة، من إخوة وأقارب فيما بينهم، يوحي إلى الطفل بنوعيّة السلوك الذي يسلكه في الحاضر والمستقبل، فهو ـ كما قيل ـ أشبه بالببغاء، يقلّد ما يرى وما يسمع ويحاكيه. وهو حينما يرى أن هذه العلاقة قائمة على الودّ والعطف والحنان والتقدير والاحترام والتعاون؛ فإنه يألف هذا السلوك، ويتأثّر به، فتكون علاقته بوالديه وإخوته وبقيّة أفراد أسرته والآخرين قائمة على هذا المنحى، وعندما يخرج إلى المجتمع فهو يبقى في تعامله معه على هذا الأساس أيضاً.
أمّا إذا كان يعيش ضمن أسرة متفكّكة منهارة، تقوم علاقاتها على الشجار والخلاف وعدم الاحترام والتعاون؛ فإنّه يبني علاقته بالآخرين على هذا الأساس، وينشأ معانياً من الجفوة والقسوة والانحلال والتفكّك وعدم الانسجام ، ويتكوّن لديه الشعور بالنقص، وربّما نشأ مريضاً نفسيّاً وانتقاميّا حقوداً على الجميع. وكم من هؤلاء ذكرهم لنا التاريخ، كانوا وبالاً على المجتمعات. وفي الوقت الحاضر لايخلو العالم من هذه النماذج الحقودة على الإنسانيّة، الخطرة على مجتمعها، ممّن يندى جبين العفّة والشرف عند الاطّلاع على ماضيهم الدنيء وحاضرهم القبيح.
والإسلام الحنيف يولي أهميّة فائقة للطفل، ويركّز على تربيته التربية الصالحة المفيدة. فقد ورد عن النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله و سّلم:
<< أحبّوا الصبيان وارحموهم >>.
وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم، أيضاً ، ليهوديّ:
<< أمّا لو كنتم تؤمنون بالله ورسوله لرحمتم الصبيان >>.
فقال اليهوديّ: إنّي أؤمن بالله ورسوله، فأسلم.
وقال الإمام أبو عبد الله الصادق صلوات الله وسلامه عليه، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم:
<< من قبّل ولده كتب الله عز ّوجلّ له حسنة، ومن فرّحه فرّحه الله يوم القيامة>>.
ب ـ المجتمع: هو المحيط الثاني الذي يتلّقى الطفل ويحتضنه بعد أبويه وأسرته، ويغرس فيه ماهيّته، وينقل إليه عاداته ومفاهيمه وسلوكه. وفي المجتمع يجتمع كل ما يحمله وينتجه الأفراد المعاصرون من أفكار وعادات وتقاليد وأخلاق وسلوكيّات وتصرّفات، كما أنّه يعتبر الوارث الطبيعيّ للأسلاف والأجيال الماضية، وهو الذي ينقل إلى الجيل الحاضر ما كان عليه آباؤه وأجداده من حالات وأوضاع؛ لذا فإن للبيئة الاجتماعيّة دوراً كبيراً في قولبة شخصيّة الطفل وسلوكه.
والفرد المسلم في المجتمع الإسلاميّ يجد البيئة الصالحة المناسبة لنموّه ونشأته واستقامة شخصيّته، لتوفّر الأجواء والظروف اللازمة لنموّ الشخصيّة الإسلاميّة اجتماعيّاً نموّاً صالحاً سليماً.
فالصديق الذي يرافقه الطفل ويلعب معه يؤثّر فيه، وينقل إليه الكثير من أنماط السلوك. ومعاملة الضيوف والأقارب وغيرهم، والاختلاط بهم، تكون لها منا فعها وأضرارها، والمؤسّسات العامة كالملاعب والنوادي والجمعيّات والمسارح ودور السينما والحدائق والمتنزّهات وسائر الأماكن العامّة، أو المظاهر العامّة والممارسات كالأعياد والمناسبات المختلفة، التي يعيشها الطفل ويتعامل معها، أو يرتادها، كلّ ذلك يزرع في نفسه مفهوماً خاصّاً، يوجّهه توجيهاً معيّناً، وكذا القصص والحكايات الشعبية والأمثال والنكت هي أيضاً تترك آثارها على شخصّية الطفل وسلوكه وأخلاقه.
والتربية الإسلاميّة تعتمد على المحيط الاجتماعي في التوجيه والإعداد، وتهتمّ بإصلاح الطفل وتوجيهه توجيهاً صحيحاً سليماً.
من النافع جدّاً ذكره أنّ هناك أمراً مهمّا وخطيراً جدّاً في العمليّة التربويّة، له أثره المهمّ والفعّال في الشخصيّة الإنسانيّة، ألا وهو الانسجام التامّ وعدم التناقض بين حياة البيت والمدرسة والمجتمع؛ ليسلم الطفل من الصراع النفسيّ والتشتت وانقسام الشخصيّة وانفصامها.
والمجتمع الإسلاميّ الذي يؤمن بالإسلام فكراً وعملاُ وسلوكاً، ينسجم تماماً مع الأسرة والمدرسة، ويلقى الطفل فيه الحياة المتّزنة المستقرّة المنسجمة الهادئة المريحة، كما أنّ الطفل أينما يولّي وجهه في البيت أو المدرسة أو المجتمع، فإنّه يجد الأمّ والأصدقاء والمؤسّسة والمظهر الاجتماعيّ العامّ، ووسيلة الإعلام وحياة الناس العامّة وسياسة الدولة، كلّها تسيرعلى قاعدة فكريّة وسلوكيّة واحدة، ساعية إلى الخير والإصلاح والعزة والكرامة، وتعمل بانسجام تامّ، وتتعاون بشكل دقيق ومتقن ومنسّق، على أسس فلسفة حياتية وفكريّة واحدة، من أجل بناء الفرد الصالح النافع، والمجتمع السليم القويم، والدولة القويّة المهابة.
ج ـ المدرسة: والمدرسة هي الحاضنة الأخرى للطفل، ولها تأثير كبير ومباشر في تكوين شخصيّته، وصياغة فكره، وتوضيح معالم سلوكه، وفي المدرسة تشترك عناصر أربعة أساسيّة في التأثير على شخصيّة الطفل وسلوكه، وهي:
1 ـ المعلّم:
إنّ الطفل يرى المعلّم مثلاً سامياً وقدوة حسنة، وينظر إليه باهتمام كبير واحترام وفير، وينزله مكانة عالية في نفسه، وهو دائماً يحاكيه ويقتدي به، وينفعل ويتأثّر بشخصيّته، فكلمات المعلم وثقافته وسلوكه ومظهره ومعاملته للطلاب، بل وجميع حركاته وسكناته، ذلك جميعه يترك أثره الفعّال على نفسيّة الطفل ؛ فتظهر في حياته و تلازمه، وإنّ شخصيّة المعلّم تترك بصامتها وطابعها على شخصيّة الطفل عبر المؤثّرات التالية:
أ ـ الطفل يكتسب من معلّمه عن طريق التقليد والإيحاء الذي يترك أثره في نفسه، دون أن يشعر الطفل بذلك، في الغالب.
ب ـ اكتشاف مواهب الطفل وتنميتها وتوجيهها وترشيدها.
ج ـ مراقبة سلوك الطفل وتصحيحه وتقويمه. وبذا تتعاظم مسؤوليّة المربّي، ويتعاظم دوره التربويّ المقدّس في التربية الإسلاميّة.
ادامه دارد
التعلیقات