صلة الوالدین
موقع راسخون
منذ 10 سنواتإذا کانت صلة الرحم واجبة وقطعها حرام، فإن ذلک یتأکّد فی صلة الوالدین أو قطعهما، وقد عُدَّ
عقوق الوالدین من الذنوب الکبیرة، کما ورد التصریح بذلک فی روایات کثیرة.
وعنه صلى الله علیه وآله: (من أسخط والدیه فقد أسخط اللَّه ومن أغضبهما فقد أغضب اللَّه)(1)
وعنه صلى الله علیه وآله: (من آذى والدیه فقد آذانی ومن آذانی فقد آذى اللَّه ومن آذى اللَّه فهو ملعون)(2).
وعنه صلى الله علیه وآله: (فلیعمل العاق ما شاء أن یعمل فلن یدخل الجنة)(3).
وعن الصادق علیه السلام: (من نظر إلى أبویه نظر ماقت وهما ظالمان له لم یقبل له صلاة)(4).
وإذا کان هذا فی حال ظلمهما له، فکیف إذا کان هو ظالماً لهما.
الإحسان للوالدین
یستفاد من القرآن الحکیم وأخبار أهل البیت علیهم السلام أنه لیس عقوق الوالدین وحده یعنی إیذاءهما وازعاجهما حراماً وذنباً من الذنوب الکبیرة، بل أن الإحسان إلیهما وأداء حقهما واجب وترکه حرام شرعاً.
أما الآیات:
﴿وَبِالْوَالِدَیْنِ إِحْسَاناً﴾(5).
﴿وَوَصَّیْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَیْهِ حُسْنًا﴾(6).
﴿أَنِ اشْکُرْ لِی وَلِوَالِدَیْکَ﴾(7).
حیث ذکر شکر الوالدین تبعاً لشکره، ولا شک عقلاً فی وجوب شکر رب العالمین، إذن شکر الوالدین واجب أیضاً.
﴿وَقَضَى رَبُّکَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِیَّاهُ وَبِالْوَالِدَیْنِ إِحْسَانًا إِمَّا یَبْلُغَنَّ عِندَکَ الْکِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ کِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً کَرِیمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا کَمَا رَبَّیَانِی صَغِیراً﴾(8).
"فالإحسان فی الفعل یقابل الإساءة وهذا بعد التوحید للَّه من أوجب الواجبات کما أن عقوقهما أکبر الکبائر بعد الشرک باللَّه، ولذلک ذکره بعد حکم التوحید وقدمه على سائر الأحکام المذکورة المعدودة، وکذلک فعل فی عدّة مواضع من کلامه تعالى.
وقد تقدّم فی نظیر الآیة من سورة الأنعام الآیة 151 من السورة، إن الرابطة العاطفیة المتوسطة بین الأب والأم من جانب والولد من جانب آخر من أعظم ما یقوم به المجتمع الإنسانی على ساقه، وهی الوسیلة الطبیعیة التی تمسک الزوجین على حال الاجتماع، فمن الواجب بالنظر إلى السنّة الاجتماعیة الفطریة أن یحترم الإنسان والدیه بإکرامهما والإحسان إلیهما، ولو لم یجر هذا الحکم وهجرة المجتمع الإنسانی بطلت العاطفة والرابطة للأولاد بالأبوین وانحلّ به عقد المجتمع"(9)
﴿إما یبلغن عندک الکبر أحدهما أو کلاهما﴾ :
بعض ما ورد من الأحادیث فی بر الوالدین
1- أفضل من الجهاد:
أتى رجل إلى رسول اللَّه صلى الله علیه وآله فقال: یا رسول اللَّه إنی راغب فی الجهاد نشیط، فقال له النبی صلى الله علیه وآله: "فجاهد فی سبیل اللَّه فإنک أن تقتل تکن حیاً عند اللَّه ترزق وإن تمت فقد وقع أجرک على اللَّه وإن رجعت رجعت من الذنوب کما وُلدت".
قال: یا رسول اللَّه إن لی والدین کبیرین یزعمان أنهما یأنسان بی ویکرهان خروجی، فقال رسول اللَّه صلى الله علیه وآله:
(فقِرْ مع والدیک فوالذی نفسی بیده لأنسهما بک یوماً ولیلة خیر من جهاد سنة)(10)
2- الأثر الدنیوی للعقوق:
قال رسول اللَّه صلى الله علیه وآله:
(ثلاثة من الذنوب تعجَّل عقوبتها ولا تؤخر إلى الآخرة، عقوق الوالدین، والبغی على الناس، وکفر الإحسان)(11)
3- الإحسان للوالدین وطول العمر:
عن الإمام الباقر علیه السلام أنه قال:
(صدقة السر تطفئ غضب الرب، وبر الوالدین وصلة الرحم یزیدان فی الأجل)(12)
4- الإحسان للوالدین والغنى:
قال الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله: (من یضمن لی بر الوالدین وصلة الرحم أضمن له کثرة المال وزیادة العمر والمحبة فی العشیرة)(13)
هذه بعض الروایات، فی البر والإحسان إلى الوالدین، وهی کثیرة، نقتصر على هذا القدر.
قطیعة الرحم من الکبائر
الإمام الخمینی رحمه الله فی معرض حدیثه عن الکبائر کبائر الذنوب یقول: "وأما الکبائر فهی کل معصیة ورد التوعید علیها بالنار أو بالعقاب، أو شدّد علیها تشدیداً عظیماً، أو دلّ دلیل على کونها أکبر من بعض الکبائر أو مثله، أو حکم العقل على أنها کبیرة، أو ورد النص بکونها کبیرة، وهی کثیرة: منها... وقطیعة الرحم...".
ویستحب العطیة للأرحام الذین أمر اللَّه تعالى أکیداً بصلتهم ونهى نهیاً شدیداً من قطیعتهم، فعن مولانا الباقر علیه السلام قال: "فی کتاب علی علیه السلام ثلاث خصال لا یموت صاحبهنَّ أبداً حتى یرى وبالهن: البغی وقطیعة الرحم والیمین الکاذبة یبارز اللَّه بها، وإن أعجل الطاعة ثواباً لصلة الرحم، وإن القوم لیکونون فجارّاً فیتواصلون فتنمى أموالهم ویثرون، وإن الیمین الکاذبة وقطیعة الرحم لیذران الدیار بلاقع من أهلها وتنقلان الرحم، وإن نقل الرحم انقطاع النسل".
وأولى بذلک الوالدان اللذان أمر اللَّه تعالى ببرهما، فعن أبی عبد اللَّه علیه السلام:
(إن رجلاً أتى النبی صلى الله علیه وآله وقال: أوصنی، قال: لا تشرک باللَّه شیئاً وإن أحرقت بالنار وعذبت إلا وقلبک مطمئن بالإیمان، ووالدیک فاطعمهما وبرهما حیین کانا أو میتین، إن أمراک أن تخرج من أهلک ومالک فافعل، فإن ذلک من الإیمان".
وأولى من الکل الأم التی یتأکد برها وصلتها أزید من الأب، فعن الصادق علیه السلام:
"جاء رجل إلى النبی صلى الله علیه وآله فقال: یا رسول اللَّه من أبر؟ قال: أمک، قال: ثم من؟ قال: أمک، قال: ثم من؟ قال: أمک، قال: ثم من؟ قال: أباک".)(14)
من هم الأرحام؟
عندما نتحدث عن صلة الرحم لا بد وأن نعرف من هم الأرحام أولاً وهل أن کل من یمس الإنسان بقرابة یکون رحماً؟
لیس للأرحام مراتب کمراتب الورثة وإنما الأرحام الذین نقصدهم هم کل قریب یعدُّ عرفاً من الأرحام کالأب والأم والأخ والخال والعم والجد والجدة.
و قد یتسائل البعض هل یختص وجوب صلة الرحم بأقرباء الأب أم یشمل وجوب الصلة الأقرباء من جهة الأم؟
وفی الجواب عن ذلک تقول أن أقرباء الأب والأم سواء فی وجوب صلتهم فکما یجب زیارة أقرباء الأب وصلتهم یجب زیارة أقرباء الأم وصلتهم أیضاً.(15)
ویشمل وجوب صلة الرحم أیضاً عمة الأب أو الأم وخالته فإنهم جمیعاً من الأرحام الواجب صلتهم.
وقد یتوهم البعض بوجود موارد یجوز فیها قطیعة الرحم فهل لهذه الموارد وجود وهل یجوز فی بعض الحالات قطیعة الرحم؟
من الواضح أنه لا یجوز قطیعة الرحم لأقلِّ الأمور کأن یکون الطرف الآخر قاطعاً للرحم بل تجب الصلة... ویتضاعف أجرها لتضمنها جهاداً للنفس وخروجاً بها عن... الذات والأنانیة، نعم هنالک حالات نادرة جداً یجوز فیها قطع الرحم، وهی نادرة أشد الندرة وقلیلة التحقق.
وقد یحصل أن یمنع رجل زوجته من صلة الرحم فهل یجوز له ذلک؟
من الواضح لدى سماحة السید القائد دام ظله أنه لا یجوز للزوج أن یمنع زوجته عن صلة الرحم الواجبة، نعم یجوز له أن یمنعها عن بعض مراتب صلة الرحم کأن تزورهم یومیاً ولکنه لا یجوز له منعها نهائیاً مما یؤدی إلى القطیعة.
کیف نصل الأرحام
لیس لصلة الأرحام مراتب شرعیة کان یقول الشرع تجب الزیارة مثلاً وإنما صلة الرحم مسألة عرفیة یحددها العرف فهو الذی یحکم متى یکون الإنسانواصلاً لرحمه أو قاطعاً له.
فالتزاور هو جزء من صلة الرحم ولیس وجوب الصلة منحصر به فیمکن للمؤمن المسافر أن یصل رحمه عبر الرسائل أو الهاتف والطرق الأخرى والبعید ولذلک کل وسیلة بعدها العرف صلة للرحم وسؤالاً عنه واطمئناناً علیه یعتبر من صلة الرحم.
التهرب من صلة الرحم
قد یکون هناک بعض الناس الذین لم یلتقوا بأقاربهم ولم یرونهم فی حیاتهم أصلاً فهل تجب علیهم صلة الرحم وهل یجب على آبائهم وأهلهم أن یجمعونهم بهم کی تحصل صلة الرحم؟
من اللازم معرفته أنه لا یوجد أی مجال للتهرب من صلة الرحم فلو کان جمع الأهل لأولادهم بأقربائهم مقدمة لصلة الرحم وتتوقف الصلة علیه فیجب على الأهل حینئذٍ أن یبادروا لجمعهم بأقربائهم کی تتحقق صلة الرحم الواجبة(16)
المصادر :
1- مستدرک الوسائل، م. س، ج 15، ص 193.
2- مستدرک الوسائل للمیرزا الشیرازی /ج15ص193
3- مستدرک الوسائل للمیرزا الشیرازی /ج15ص193
4- بحار الأنوار، م. س، ج 71، ص 61.
5- سورة البقرة، الآیة: 83.
6- سورة العنکبوت، الآیة: 8.
7- سورة لقمان، الآیة: 14.
8- سورة الإسراء، الآیتان: 23 ـ 24.
9- المیزان فی تفسیر القرآن، محمد حسین الطباطبائی، ج13، ص79 ـ 80.
10- بحار الأنوار، م. س، ج71، ص52.
11- م. ن، ج 70، ص 373.
12- م. ن، ج 71، ص 83.
13- 54- جامع أحادیث الشیعة، السید البروجردی، ج 21، ص 427.
14- 55- تحریر الوسیلة، الإمام الخمینی قدس سره، ج1، ص274.
15- استفتاءات السیدعلی الخامنئی دام ظله ج2، ص60 ـ 61.
16- من استفتاءات للسیدعلی الخامنئی دام ظله
التعلیقات