من مات و هو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية

البريد الإلكتروني طباعة

الرسالة الأولى في الغيبة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله و صلاته على عباده الذين اصطفى و بعد سأل سائل فقال أخبروني عما
روي عن النبي ص أنه قال من مات و هو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية
هل هو ثابت صحيح أم هو معتل سقيم.
الجواب و بالله التوفيق و الثقة
[12]
قيل له بل هو خبر صحيح يشهد له إجماع أهل الآثار و يقوي معناه صريح القرآن حيث يقول جل اسمه يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا و قوله تعالى فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً و آي كثيرة من القرآن.
فإن قال فإذا كان الخبر صحيحا كيف يصح قولكم في غيبة إمام هذا الزمان و تغيبه و استتاره على الكل الوصول إليه و عدم علمهم بمكانه.
قيل له لا مضادة بين المعرفة بالإمام و بين جميع ما ذكرت من أحواله لأن العلم بوجوده في العالم لا يفتقر إلى العلم بمشاهدته لمعرفتنا ما لا يصح إدراكه بشي‏ء من الحواس فضلا عمن يجوز إدراكه و إحاطة العلم بما لا مكان له فضلا عمن يخفى مكانه و الظفر بمعرفة المعدوم و الماضي و المنتظر فضلا عن المستخفي المستتر.
و قد بشر الله تعالى الأنبياء المتقدمين بنبينا محمد ص قبل وجوده في العالم فقال سبحانه وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ يعني رسول الله ص قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي يعني عهدي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَ أَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ قال جل اسمه النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ
[13]
فكان نبينا ع مكتوبا مذكورا في كتب الله الأولى و قد أوجب على أمم الماضية معرفته و الإقرار به و انتظاره و هو ع وديعة في صلب آبائه لم يخرج إلى الوجود و نحن اليوم عارفون بالقيامة و البعث و الحساب و هو معدوم غير موجود و قد عرفنا آدم و نوحا و إبراهيم و موسى و عيسى ع و لم نشاهدهم و لا شاهدنا من أخبر عن مشاهدتهم و نعرف جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل و ملك الموت ع و لسنا نعرف لهم شخصا و لا نعرف لهم مكانا فقد فرض الله علينا معرفتهم و الإقرار بهم و إن كنا لا نجد إلى الوصول إليهم سبيلا و نعلم أن فرض المعرفة لشخص في نفسه من المصالح مما لا يتعلق لوجود مشاهدة المعروف و لا يعرف مستقره و لا الوصول إليه في مكانه و هذا بين لمن تدبره.
فإن قال فما ينفعنا من معرفته مع عدم الانتفاع به من الوجه الذي ذكرنا.
قيل له نفس معرفتنا بوجوده و إمامته و عصمته و كماله نفع لنا في اكتساب الثواب و انتظارنا لظهوره عبادة نستدفع بها عظيم العقاب و نؤدي بها فرضا ألزمناه ربنا المالك للرقاب كما كانت المعرفة بمن عددناه من الأنبياء و الملائكة من أجل النفع لنا في مصالحنا و اكتسابنا المثوبة في أجلنا و إن لم يصح المعرفة لهم على كل حال و كما أن معرفة الأمم الماضية نبينا قبل وجوده مع أنها كانت من أوكد فرائضهم لأجل منافعهم و معرفة الباري جل اسمه أصل الفرائض كلها و هو أعظم من أن يدرك بشي‏ء من الحواس.
فإن قال إذا كان الإمام عندكم غائبا و مكانه مجهولا فكيف يصنع
[14]
المسترشد و على ما ذا يعتمد الممتحن فيما ينزل به من حادث لا يعرف له حكما و إلى من يرجع المتنازعون لا سيما و الإمام إنما نصب لما وصفناه.
قيل له هذا السؤال مستأنف لا نسبة له بما تقدم و لا وصلة بينه و بينه و قد مضى السؤال الأول في معنى الخبر و فرض المعرفة و جوابه على انتظام و نحن نجيب عن هذا المستأنف بموجز لا يخل بمعنى التمام المنقول و بالله التوفيق فنقول إنما الإمام نصب لأشياء كثيرة أحدها الفصل بين المختلفين.
الثاني بيان الحكم للمسترشدين.
و لم ينصب لهذين دون غيرهما من مصالح الدنيا و الدين غير أنه إنما يجب عليه القيام فيما نصب له مع التمكن من ذلك و الاختيار و ليس يجب عليه شي‏ء لا يستطيعه و لا يلزمه فعل الإيثار مع الاضطرار و لم يؤت الإمام في التقية من قبل الله عز و جل و لا من جهة نفسه و أوليائه المؤمنين و إنما أتى ذلك من قبل الظالمين الذين أباحوا دمه و دفعوا نسبه و أنكروا حقه و حملوا الجمهور على عداوته و مناصبه القائلين بإمامته و كانت البلية فيما يضيع من الأحكام و يتعطل من الحدود و يفوت من الصلاح متعلقة بالظالمين و إمام الأنام بري‏ء منها و جميع المؤمنين فأما الممتحن بحادث يحتاج إلى علم الحكم فيه فقد وجب عليه أن يرجع في ذلك إلى العلماء من شيعة الإمام و ليعلم ذلك من جهتهم بما استودعوه من أئمة الهدى المتقدمين و إن عدم ذلك و العياذ بالله و لم يكن فيه حكم منصوص على حال فيعلم أنه على حكم العقل
[15]
لأنه لو أراد الله أن يتعبد فيه بحكم سمعي لفعل ذلك و لو فعله لسهل السبيل إليه.
و كذلك القول في المتنازعين يجب عليهم رد ما اختلفوا فيه إلى الكتاب و السنة عن رسول الله ص من جهة خلفائه الراشدين من عترته الطاهرين و يستعينوا في معرفة ذلك بعلماء الشيعة و فقهائهم و إن كان و العياذ بالله لم يوجد فيما اختلفوا فيه نص على حكم سمعي فليعلم أن ذلك مما كان في العقول و مفهوم أحكام العقول مثل أن من غصب إنسانا شيئا فعليه رده بعينه إن كانت عينه قائمة فإن لم تكن عينه قائمة كان عليه تعويضه منه بمثله و إن لم يوجد له مثل كان أن يرضي خصمه بما تزول معه ظلامته فإن لم يستطع ذلك أو لم يفعله مختارا كان في ذمته إلى يوم القيامة.
و إن كان جان جنى على غيره جناية لا يمكن تلافيها كانت في ذمته و كان المجني عليه ممتحنا بالصبر إلى أن ينصفه الله تعالى يوم الحساب فإن كان الحادث مما لا يعلم بالسمع إباحته من حظره فإنه على الإباحة إلا أن يقوم دليل سمعي على حظره.
و هذا الذي وصفناه إنما جاز للمكلف الاعتماد عليه و الرجوع إليه عند الضرورة بفقد الإمام المرشد و لو كان الإمام ظاهرا ما وسعه غير الرد إليه و العمل على قوله و هذا كقول خصومنا كافة إن على الناس في نوازلهم بعد
[16]
النبي ص أن يجتهدوا فيها عند فقدهم النص عليها و لا يجوز لهم الاجتهاد و استعمال الرأي بحضرة النبي ص.
فإن قال فإذا كانت عبادتكم تتم بما وصفتموه مع غيبة الإمام فقد استغنيتم عن الإمام.
قيل له ليس الأمر كما ظننت في ذلك لأن الحاجة إلى الشي‏ء قد تكون قائمة مع فقد ما يسدها و لو لا ذلك ما كان الفقير محتاجا إلى المال مع فقده و لا المريض محتاجا إلى الدواء و إن بعد وجوده و الجاهل محتاجا إلى العلم و إن عدم الطريق إليه و المتحير محتاجا إلى الدليل و إن يظفر به.
و لو لزمنا ما ادعيتموه و توهمتموه للزم جميع المسلمين أن يقولوا إن الناس كانوا في حال غيبة النبي ص للهجرة و في الغار أغنياء عنه و كذلك كانت حالهم في وقت استتاره بشعب أبي طالب ع و كان قوم موسى ع أغنياء عنه في حال غيبته عنهم لميقات ربه و كذلك أصحاب يونس ع أغنياء عنه كما ذهب مغضبا و التقمه الحوت و هو مليم و هذا مما لا يذهب إليه مسلم و لا ملي فيعلم بذلك بطلان ما ظنه الخصوم و توهموه على الظنة و الرجوم و بالله التوفيق
(( ضمن كتاب الغيبة ))