هل انّ زيارة الإمام الحسين عليه السلام تنفع في القبر ؟
الشيخ محمد كنعان
منذ سنتينهل انّ زيارة الإمام الحسين عليه السلام تنفع في القبر ؟
السؤال : هل ان زيارة الإمام الحسين عليه السلام تنفع في القبر ؟
إذا زيارة الإمام الحسين عليه السلام لم تنفع فما الذي ينفع ؟!
هناك صنف من الملائكة لم يتمكّنوا من زيارة الإمام الحسين عليه السلام على مدى التاريخ إلّا مرّة واحدة لشدّة الإزدحام وكثرة الملائكة التي تزور الإمام الحسين عليه السلام ، فلم يصل إليهم الدور للزيارة إلّا مرّة واحدة فقط (1).
فأعطي كل الشرف لابن آدم أن يزور الإمام الحسين عليه السلام أكثر من مرّة ، فكلّ خطوة يخطوها الإنسان ثواب عظيم (2) ولزائره درجات عالية في الآخرة (3).
كالعادة على مدى تاريخنا نزور الإمام الحسين عليه السلام فرقاً وخوفاً منذ أن دفن الإمام عليه السلام إلى اليوم لم يُزر براحة إلّا هناة من الزمن كانت تقام المسالح ـ السيطرات كما يقال لها أهل العراق ـ (4) ، فكان المتوكّل العبّاسي يضع المسالح على كلّ طرق التي تؤدّي إلى قبر الإمام الحسين عليه السلام ، وكان من يلقى عليه القبض إمّا أن يُقتل أو يُسجن أو يُهان أو تقطع يده وغير ذلك (5).
وهنا نذكر ما لزائر الإمام الحسين عليه السلام من مقام كما جاء في كتاب كامل الزيارات :
حدَّثنا هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام ـ في حديث طويل ـ ... قال : فما لِمَن مات في سَفره إليه ؟ تُشيِّعه الملائكة ، وتأتيه بالحنوط والكسوة مِن الجنّة ، وتصلّي عَلَيهِ إذا كفّن وتكفّنه فوق أكفانه ، وتفرش له الرَّيحان تحته ، وتدفع الأرض حتّى تصوّر من بين يديه مسيرة ثلاثة أميال ، ومِن خَلفِه مثل ذلك ، وعند رَأسه مثل ذلك ، وعند رِجليه مثل ذلك ، ويفتح له باب من الجنّة إلى قبره ، ويدخل عليه رَوحها ورَيحانها حتّى تقوم السّاعة. (6)
نزور الإمام الحسين عليه السلام على وجل ، فبالحقيقة لا أستطيع أن أعبّر عن هذا الإحساس ، فالأنسان في بعض الأحيان يصبح الكناً لا يأتيه الكلام ، فما نعرف في أيّ ساعة يكون هناك إنفجار ، ولم نعرف في أيّ ساعة هناك يُلقى القبض علينا في زمن الطاغية صدّام ومن كان معه وعلى شاكلته.
وهذا الأمر على مدى التاريخ ، فهذه الملايين من الزوّار الإمام الحسين عليه السلام تفني حكّام الجور والأنظمة الفاسدة والملوك ، وتبقى في نهاية الأمر قبّة الإمام الحسين عليه السلام تزداد شموخاً وضياءً يوماً بعد يوم.
يا كعبة الشَّوق أنـتَ الحلُّ والحرمُ هَـوَتْ بـأعتابك الأرواح تزدحمُ.
الله يرحم الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري عند ما قال :
وعَفَّرْتُ خَدِّي بحيثُ استراحَ |
خَدٌّ تَفَرَّى ولم يَضْرَعِ |
|
وحيثُ سنابِكُ خيلِ الطُّغَاةِ |
جالتْ عليهِ ولم يَخْشَعِ (7) |
فزيارة الإمام الحسين عليه السلام هي الأمان في الدنيا والآخرة ، ورحم الله السيّد رضا الهندي عندما أخذ هذا المعنى في قصيدته الكوثريّة في مدح وثناء أمير المؤمنين عليه السلام وقال :
سوَّدتُ صحيفةَ أعمالي |
وَوَكلتُ الأمرَ إلى حيدر |
|
هُوَ كَهْفي من نُوَبِ الدّنيا |
وشفيعي في يومِ المحشَر |
|
قَدْ تَمَّتْ لي بولايتهِ |
نِعمٌ جَمَّـتْ عَنْ أنْ تُشكَر |
|
لأُصيبَ بِها الحظَّ الأَوفى |
وأُخَصَّصَ بالسَّهمِ الأَوْفَرِ |
|
بالِحفظِ مِنَ النّارِ الكُبرى |
والأمنِ مِنَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ (8) |
الهوامش
1. كامل الزيارات « لجعفر بن محمد بن قولويه » / الصفحة : 123 / الناشر : مكتبة الصدوق :
وعنه ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن داودَ الرَّقّي « قال : سمعت أباعبدالله عليه السلام يقول : ما خلق الله خلقاً أكثر مِن الملائكة ، وأنّه ينزل مِن السَّماء كلَّ مَساءٍ سبعون ألف ملك يطوفون بالبيت الحرام ليلتهم حتّى إذا طلع الفجر انصرفوا إلى قبر النَّبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فيسلّمون عليه ، ثمَّ يأتون قبر أمير المؤمنين عليه السلام فيسلّمون ، ثمَّ يأتون قبر الحسين عليه السلام فيسلّمون عليه ، ثمَّ يعرجون إلى السّماء قبل أن تطلع الشَّمس ، ثمَّ تنزل ملائكة النّهار سبعون ألف ملك ، فيطوفون بالبيت الحرام نهارَهم حتّى إذا غربتِ الشَّمس انصرفوا إلى قبر رَسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فيسلّمون عليه ، ثمَّ يأتون قبر أمير المؤمنين عليه السلام فيسلّمون عليه ، ثمّ يأتون قبر الحسين عليه السلام فيسلّمون عليه ، ثمَّ يعرجون إلى السّماء قبل أن تغيب الشَّمس ».
راجع :
ثواب الأعمال وعقاب الأعمال « للشيخ الصدوق » / الصفحة : 96 / الناشر : الشريف الرضي / الطبعة : 2.
المزار « لابن مشهدي » / الصفحة : 336 ـ 337 / الناشر : نشر القيوم / الطبعة : 1.
وسائل الشيعة « للشيخ الحرّ العاملي » / المجلّد : 14 / الصفحة : 421 / الناشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث / الطبعة : 2.
2. كامل الزيارات « لجعفر بن محمد بن قولويه » / الصفحة : 145 / الناشر : مكتبة الصدوق :
حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميريّ ، عن أبيه ، عن عليِّ بن محمّد بن سالم ، عن محمّد بن خالد ، عن عبدالرَّحمن بن حمّاد البصري ، عن عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصَمِّ ، عن عبدالله بن مُسكانَ ، عن أبي عبدالله عليه السلام « قال : مَن زارَ الحسين عليه السلام مِن شيعتنا لم يرجع حتّى يُغفَر له كلّ ذَنبٍ ؛ ويُكتَبْ له بكلِّ خُطْوَة خَطاها وكلِّ يدٍ رَفعتْها دابَّتُه ألفُ حَسَنة ، ومَحا عنه ألفُ سَيّئة ، وتُرفَع له ألفُ دَرَجة ».
3. كامل الزيارات « لجعفر بن محمد بن قولويه » / الصفحة : 147 ـ 148 / الناشر : مكتبة الصدوق :
وبإسناده ، عن أبي بصير « قال : سمعت أبا عبدالله ـ أو أبا جعفر عليهما السلام ـ يقول : مَن أحبَّ أن يكون مَسكنُه الجنّة ومأواه الجنّة فلا يدع زيارَةَ المظلوم ، قلتُ : مَن هو ؟ قال : الحسين بن عليٍّ صاحب كربلاء ، مَن أتاه شَوقاً إليه وحُبّاً لرسول الله وحُبّاً لفاطِمَة وحُبّاً لأمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين ، أقعده الله على مَوائِدِ الجنّة يأكل معهم والنّاس في الحساب ».
4. كامل الزيارات « لجعفر بن محمد بن قولويه » / الصفحة : 135 ـ 136 / الناشر : مكتبة الصدوق :
وبإسناده ، عن الأصمّ ، عن ابن بُكَير ، عن أبي عبدالله عليه السلام « قال : قلت له : إنّي أنزل الأرَّجان وقلبي ينازِعُني إلى قبرِ أبيك ، فإذا خرجت فقلبي وَجِلٌ مشفقٌ حتّى أرجع خَوفاً من السّلطان والسُّعاة وأصحاب المَسالِح ، فقال : يا ابن بُكير أما تحبّ أن يَراكَ الله فينا خائفاً ؟ أما تعلم أنّه مَن خاف لخوفنا أظلَّه الله في ظِلِّ عرشه ، وكان محدِّثه الحسين عليه السلام تحت العرش ، وآمنه الله مِن أفزاع يوم القيامة ، يفزع النّاس ولا يفزع ، فإن فزع وَقّرَتْه الملائكة وسَكنَتْ قلبه بالبِشارة ».
راجع :
وسائل الشيعة « الشيخ الحر العالمي » / المجلّد : 14 / الصفحة : 457 / الناشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث / الطبعة : 2.
5. مقاتل الطالبيين « لأبي الفرج الأصبهاني » / الصفحة : 597 / الناشر : دار المعرفة :
وكان المتوكل شديد الوطأة على آل أبي طالب ، غليظاً على جماعتهم مهتماً بأمورهم شديد الغيظ والحقد عليهم ، وسوء الظن والتهمة لهم ، واتفق له أن عبيد الله بن يحيى ابن خاقان وزيره يسىء الرأي فيهم ، فحسن له القبيح في معاملتهم ، فبلغ فيهم ما لم يبلغه أحد من خلفاء بني العباس قبله ، وكان من ذلك أن كرب قبر الحسين وعفّى آثاره ؛ ووضع على سائر الطرق مسالح له لا يجدون أحداً زاره إلا أتوه به فقتله أو أنهكه عقوبة.
6. كامل الزيارات « لجعفر بن محمد بن قولويه » / الصفحة : 133 / الناشر : مكتبة الصدوق.
راجع :
بحار الأنوار « للشيخ المجلسي » / المجلّد : 98 / الصفحة : 78 ـ 79 / الناشر : مؤسّسة الوفاء / الطبعة : 2.
7. ألقاها الشاعر في الحفل الذي أقيم في كربلاء يوم 26 تشرين الثاني 1947 ، لذكرى استشهاد الحسين عليه السلام. نُشرت في جريدة « الرأي العام » العدد 229 في 30 تشرين الثاني 1947.
وكُتب خمسة عشر بيتاً منها بالذهب على الباب الرئيسي الذي يؤدي إلى الرواق الحسيني.
8. القصيدة الكوثريّة ، قصيدة في مدح الإمام علي عليه السلام تقع في 54 بيتاً من البحر المتدارك. أنشأها شاعر أهل البيت السيّد رضا الهندي ، وهي من أشهر المدائح التي أنشدت في حقّه عليه السلام كما أصاب الشاعر في قصيدته حيث بلغت الرتبة الرفيعة والشهرة الواسعة في وسط المجتمع الشيعي ومحبّيه عليه السلام.
التعلیقات